الثلاثاء، 29 مايو 2012

انقسامات الإسلاميين في السعودية.. صراع بين النهضة وخصومها!

الفتنة الفكرية
بقلم : عبدالله الرشيد

كشف الصراع الملتهب الذي أحدثه ملتقى النهضة في دورته الثالثة، التي كان من المقرر عقدها في الكويت أواخر شهر مارس (آذار) الماضي تحت شعار (المجتمع المدني.. الوسيلة والغاية) عن حجم الفجوة والانقسام الفكري المتزايد ما بين السلفية الحركية "السرورية" والأطياف الإسلامية الأخرى.
مصطفى الحسن يكرم وزير الخارجية المغربي سعد الدين العثماني في ملتقى النهضة الثاني بقطر مصطفى الحسن يكرم وزير الخارجية المغربي سعد الدين العثماني في ملتقى النهضة الثاني بقطر
الملتقى الذي عقد دورته الأولى في المنامة، والثانية في الدوحة، تعثر في دورته الثالثة، حيث قررت الداخلية الكويتية منع إقامته بسبب “التحريض الأمني والسياسي في البرلمان الكويتي”، كما يقول ذلك البيان التوضيحي الصادر من إدارة الملتقى، فقد طالب النواب السلفيون في البرلمان بإيقاف الملتقى ومنع انعقاده، لأنه “يقصي الشريعة الإسلامية، ويستضيف شخصيات ليبرالية وشيعية تؤثر على الاستقرار السياسي في البلد”، ساندهم في ذلك بعض دعاة وشيوخ السلفية الحركية في السعودية، الذين أصدروا بيانا يحذر من الملتقى، وخطورته على عقول “شبابنا وبناتنا.. فهو يروج للأفكار العلمانية بلبوس إسلامي، ويحرض على الاختلاط بين الجنسين.!”
ساهم الموقف السلفي الحاد من الملتقى في تقارب وتحالف ثلاثة تيارات هي: الإخوان المسلمون، والتنويريون (إسلاميون مستقلون)، واليسار الليبرالي. من أجل التضامن حول حق حرية التعبير ـ كما يقولون ـ في مواجهة الرفض السروري، وكان نتيجة ذلك أن أقيم الملتقى بنفس جدوله وضيوفه ـ تقريباً ـ بإدارة كويتية ومسمى جديد، تحت عنوان (ملتقى المجتمع المدني) في جمعية الخريجين، وهي ليبرالية التوجه.
لكن بغض النظر عن (ملتقى النهضة الثالث) وظروف انعقاده، ما هي العوامل والأسباب التي أدت إلى بروز هذا الانقسام الإسلامي الحاد؟ وما هي المنطلقات الفكرية التي توضح موقف الطرفين ـ الرافض والمؤيد؟ـ

الصحوة السعودية.. تاريخ من الانقسامات

انقسام موقف الإسلاميين السعوديين تجاه ملتقى النهضة ليس مفاجئاً، أو غريباً على الحالة الإسلامية السعودية التي شهدت العديد من الانقسامات والانشقاقات، فالصحوة الإسلامية – كتيار سياسي حركي – في السعودية بدأت مطلع السبعينات، وبلغت ذروتها نهاية الثمانينات، وشهدت انقساماً حاداً بداية التسعينات.
الصحوة الإسلامية بالسعودية في أوجها كان يهيمن عليها تياران أساسيان (السلفية والإخوان)، فالسلفية انقسمت إلى تيارات مختلفة ومتناحرة فيما بينها، من السلفية الحركية (تسمى بالسرورية نسبة إلى أشهر رموزها محمد سرور زين العابدين، سوري الجنسية قدم للتدريس في السعودية منتصف الستينات، تجمع بين المنهج السلفي في العقيدة، والمنهج الإخواني في السياسة)، إلى السلفية العلمية (تسمى الجامية، نسبة إلى أشهر رموزها محمد أمان الجامي، تؤكد على أهمية العقيدة وترفض السياسة والتحزب، لديها موقف ناقد لكل الحركات الإسلامية)، بالإضافة إلى السلفية الجهادية التي ضمت أطياف القاعدة، وجماعات التكفير والعنف، التي ترى في نفسها امتداداً لجماعة جهيمان العتيبي التي اقتحمت الحرم المكي نهاية السبعينات.

أما حركة الإخوان المسلمين في السعودية فلم تكن على قلب رجل واحد، فهذه الحركة التي نشأت ابان هجرة الإخوان المصريين للسعودية فترة حكم جمال عبد الناصر، تأثرت بالبيئة السلفية، وأصبح قربها أو بعدها من السلفية يحدد هوية بعض أطيافها في السعودية، إضافة إلى أنها تأثرت بشكل واضح بالمناطقية والأقاليم، فإخوان الحجاز يختلفون عن إخوان المنطقة الوسطى، لكن تجمعهم هوية كلية، ومفاهيم عامة مشتركة.
في ظل هذه الحالة من التشعب والانقسام، كشفت أحداث الحادي عشر من سبتمبر عن تشكل تيار جديد خرج من رحم الحالة الإسلامية، وهو ما سمي في تلك الفترة بتيار (التنوير الإسلامي) الذي ضم مجموعة من الشباب الذي خرجوا من عباءة حركاتهم الإسلامية (السرورية على وجه التحديد ثم الإخوان)، وشكلوا تجمعاً يتفق على نقد فكر الحركة الإسلامية، ونقد التراث الإسلامي، والتصالح مع المفاهيم الثقافية الحديثة، لكنهم مازالوا محتفظين بهويتهم الإسلامية، ويتقارب هذا التيار مع (اليسار الليبرالي) الذي يوائم ما بين القومية العربية، ورفض “الإمبريالية الأميركية”، ونقد مشاريع الإصلاح السياسي للأنظمة العربية.
التيار التنويري تشعب وتمدد، ليس من الدقة الآن وصفه بأنه تيار متجانس متماسك، بل أصبح مظلة فضفاضة تضم أفراداً مختلفين من الإسلاميين المتحررين من قيود الحركة الإسلامية التقليدية، ويحملون رؤية أكثر انفتاحاً من زملائهم الحركيين، هذه المظلة تضم الآن رموزاً حركية سابقة كالشيخ سلمان العودة، والشيخ عبد العزيز القاسم، والدكتور محمد الأحمري، عبد العزيز الخضر، سليمان الضحيان وآخرون.. ولذلك يمكن وضع ملتقى النهضة الذي يشرف عليه الشيخ العودة، في سياق المنظومة التنويرية بشكل عام التي تروج لمفاهيم حديثة كالتعايش، والديمقراطية، والحرية، والتعددية، والنهضة وفق مفهوم إسلامي حركي يختلف عن نظرائهم السروريين.. لكن ما هو موقف التيار السروري من هذه المفاهيم؟

مصطلحات ومفاهيم الانحراف:

(النهضة، الإصلاح، التعددية، والتعايش).. لم تكن بالمصطلحات المرحب بها أبداً في خطاب السلفية الحركية “السرورية” إلا في سياق النقد والنقض، باعتبارها منتجاً غربياً يهدف إلى تغريب العقلية الإسلامية وإفسادها، بل إن كثرة ترديدها والتصالح معها يُعد علامة من علامات انحراف المرء، وانجرافه نحو الأفكار العقلانية والليبرالية. فأصبحت هذه المصطلحات واحدة من علامات التصنيف والتمييز الحزبي، أكثر من كونها ميداناً للنقاش العلمي والفكري.
فـ(هي بمجموعها تمثل بوابة نحو الفتنة الفكرية التي تعصف بالأمة).. هكذا كتب الدكتور عابد السفياني ـ أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة أم القرى ـ في كتاب سماه “موقف أهل السنة والجماعة من المصطلحات الحادثة ودلالاتها”، قال فيه (إن من أخطر هذه المصطلحات هي: الحرية، الانفتاح، التعايش السلمي، المشروع النهضوي، والإصلاح).
ولذلك جاءت أصوات إسلامية تحذر “الشاب المسلم” من هذه “المصطلحات الحادثة”، كما كان الدكتور عبد الرحمن المحمود ـ أستاذ العقيدة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ـ يحذر كثيراً من “المصطلحات الغربية التي غزت عقول المسلمين”، وقال في كلمته بمؤتمر “السلفيون وآفاق المستقبل” الذي نظمته مجلة البيان السرورية بتركيا في أكتوبر 2011: (علينا أن نحذر من مصطلحات أطلقت على غير معانيها وأريد لها مرامي أخرى، من بينها، الحياد، والتسامح، والتعددية، والإسلام السياسي).

عبد العزيز العبد اللطيف عبد العزيز العبد اللطيف

عبد العزيز العبد اللطيف: التعامل مع العلمانيين وأشباههم.. وكونهم سلكوا سبيل الافتراء، فهذا دليل على إفلاسهم وتهافتهم، والواجب أن نتعامل معهم بالعدل والإنصاف، فالعدل واجب على كل شخص تجاه كل شخص في كل الأحوال، ولا بد من مجاهدتهم بعلم وبيّنة، وبالمخاطبات والأساليب التي يتحقق بها كشف عوارهم، وسقوط دعاويهم، وبيان حكم الله تعالى في هؤلاء المنافقين، والتحذير منهم، والتغليظ عليهم كما توجبه الشريعة ويقضيه العدل
أما الدكتور عبد العزيز العبد اللطيف ـ أستاذ العقيدة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ـ فيقول في أحد سجالاته الكثيرة المنشورة بموقعه الشخصي: (الألفاظ المتداوَلة ــ كالإنسانية والمجتمع المدني والحريات وغيرها ــ لا تنفك عن ملابسات فكرية وعقدية، فلا يمكن تصوَّر هذه المصطلحات بعلم وعدل إلا باستصحاب هذه النشأة وتلك الملابسات).
وفي أطروحة للدكتوراه كتبها سعود العتيبي وصدرت عن مركز تأصيل للدراسات والبحوث سنة 2009، يقول الباحث في المقدمة: (لقد أصبح أعداء الأمة الإسلامية يغزون العقل الإسلامي بآلاف المصطلحات الباطلة للسعي لإفساده وإضلاله). ووضع الباحث في نهاية بحثه نموذجاً تطبيقياً لهذه المصطلحات، فكان مصطلح “المجتمع المدني” أحدها، مؤكداً فيه أن “المجتمع المدني” مصطلح غربي وافد، يقوم على أساس العلمانية، وفصل الدين عن الدولة، والحرية المطلقة لأفراده وفتح المجال لجمعيات “إفساد المرأة”، والنتيجة في الأخير مناقضة ومصادمة هذا المصطلح للإسلام بحسب رأيه.
وسبقه وبشكل أكثر صراحة الشيخ سليمان الخراشي، الذي كتب مقالاً بعنوان (المجتمع المدني.. موضة أصحاب اللحى الليبرالية)، تحت سلسة سماها (ثقافة التلبيس)، وقال في بداية مقاله: (التبشير بالمجتمع المدني، هو الموضة الجديدة على ألسنة وأقلام العلمانيين والعصرانيين من ذوي “اللحى الليبرالية”! فلا يكاد يخلو حديث أو مقال لهم من دون الإشارة أو الدعوة إليه، بصفته البلسم الشافي لجميع أدواء الأمة وخلافاتها).

مصطفى الحسن مصطفى الحسن

مصطفى الحسن: ساهمت حالة الترهيب المكثف من الوافد المعرفي والثقافي في تكلس المكون الثقافي للتنظيمات الحركية التقليدية إخوانية كانت أو سلفية، مما سبب نفورَ وتسرب الشباب الإسلامي الذي واجهته وسائل الاتصال الحديثة وبدأ يطرح الكثير من الأسئلة التي عجز رموز الحرس القديم عن مسايرتها و الإجابة عنها
بوادر الانقسام الحاد حول المفاهيم الثقافية والسياسية الحديثة كانت مبكرة، فبعيد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) صدر (بيان التعايش) عن مجموعة من الإسلاميين على رأسهم الشيخ سلمان العودة، والشيخ عبد الوهاب الطريري، والشيخ عبد العزيز القاسم، وكان يؤسس لفكرة التسامح مع غير المسلم، وتقديم مفهوم مختلف لفكرة الجهاد في المكون السلفي التقليدي.
أحدث البيان انقساماً عنيفاً داخل التيار الصحوي، وأشعل الجدل في الساحة الثقافية السعودية، كونه أول محاولة من هذا التيار لصياغة مفاهيم حديثة في اطار ما يسمى بالصحوة الاسلامية، ولذلك قوبل البيان بهجمة شرسة من شباب التيار السلفي والسروري، الأمر الذي دفع موقعي بيان التعايش إلى إصدار بيان توضيحي وُصف بأنه توبة وتراجع عن البيان الأساسي.
قوبل البيان بغضب سلفي/سروري كبير كاد يؤدي إلى انقسام الحركة السرورية من داخلها، لولا تراجع الشيخ ناصر العمر، والشيخ سفر الحوالي عن توقيعهم على هذا البيان، وإعلانهما البراءة منه.
يمكننا بسهولة إذن أن نفهم الموقف السروري الرافض لملتقى النهضة، فالسلفية الحركية التي يطفح خطابها بكل ألوان التحذير لأبنائها من المفاهيم الحديثة كـ(النهضة والإصلاح والتنمية وحرية التعبير، والتعايش، والمواطنة.. إلخ)، سوف ترفض بشدة أن يتم تقديم مثقفي التيارات الليبرالية والقومية من “مصدري هذه المفاهيم” على أنهم قدوات أو نماذج علمية ومعرفية.
هذا من الناحية العقائدية، أما الناحية السياسية، فإن التيار النهضوي التنويري ـ إن جازت التسمية ـ قد حقق حضوراً مميزاً في فترة وجيزة، استطاع من خلالها زعزعة الأرضية الجماهيرية لدى التيار السلفي/السروري الذي تضخمت معركته مع الليبرالية بشكل لافت جداً.
ولكن لماذا صمت التيار السروري عن ملتقى النهضة في دورته الأولى، والثانية، ولم ينتقده إلا في دورته الثالثة؟ مع أن كل مسببات النقد والاعتراض كانت موجودة في الأول، والثاني؟
الحقيقة أن هذا الصراع جاء في سياق احتقان وامتعاض سروري متزايد في الآونة الأخيرة ضد التيارات الإسلامية الأخرى المتصالحة مع الحريات، والداعية للانفتاح والمراجعة والتجديد، ويوضح ذلك الباحث السعودي طارق المبارك الذي قال: (في الحقيقة أننا أصبحنا أمام مشهدين متناقضين، في عام 2011 كان هناك شبه اتفاق بين التيار الاسلامي في مجمله والتيارات الليبرالية حول السعي للحريات العامة تأثراً بموجة الثورات في العالم العربي، ولذلك صدرت عدة بيانات في اتجاه واحد، إلا أن هذا التوافق سرعان ما انفض عند الاصطدام بقضايا حق التعبير والحريات الخاصة في مطلع (هذا العام) 2012، ـ وهذا أحد أسباب هجوم السلفيين على الملتقى الثالث دون الأول والثاني ـ وانقلبت الآية فأصبحنا أمام حرب بيانات متبادلة بالضد فيما بين هذه التيارات.. وهو ما يؤكد أن موضوع الحريات الخاصة هو السؤال الأكثر حسماً في مجمل الحراك الديمقراطي).

لكن السؤال الكبير هنا، والذي يلم شتات الإشكاليات المتفرعة من مفاهيم كالنهضة، والديمقراطية والتعايش، والمجتمع المدني هو: هل يقدم لنا التراث الإسلامي ـ نصوصا وممارسة ـ إجابات واضحة عن أسئلة التشكيل السياسي للدولة المدنية الحديثة؟. يجيب الدكتور محمد الرميحي ـ أستاذ علم الاجتماع بجامعة الكويت ـ على هذا السؤال قائلاً: (الاجابة القاطعة لا! وإلا لكان لدينا اليوم شكل معقول من الهياكل السياسية الخاصة بنا، والتي لا يختلف عليها كثيرون. المشكلة التي نواجهها أن الموضوع المطروح يأتي في وقت وبيئة ساخنة سياسياً، ولم يترك في الزمن الماضي إلى التفكير العميق، وبالتالي فإن السخونة تأخذ مكانها في النقاش فتبعد عن الموضوعية).
ويستعرض الرميحي مدرستين إسلاميتين تجاه الدولة الحديثة (الأولى ترى أن في التراث الاسلامي قيما تحاكي قيم المواطنة والديمقراطية و تعلي الحريات، ولا تنقص هذه المدرسة الاستشهاد بالنصوص والأحاديث وحتى الممارسات، ومدرسة أخرى تستنكر استخدام المصطلحات الحديثة “المواطنة والديمقراطية” ولا تجد لها أصلا في التراث، ولا ينقص هذه المدرسة الاستشهاد – مرة اخرى – بالنصوص والاحاديث والممارسات! كلتا المدرستين تتهم الأخرى بالتعسف في التأويل أو الانتقائية ثم التعميم والاستثناء).

ملتقى النهضة: ليس إسلامياً

منظمو ملتقى النهضة يعلنون أنهم لا ينتمون لأي جماعة أو حركة، كما يؤكد ذلك مشاري الغامدي ـ منسق فعاليات ملتقى النهضة ـ الذي قال: (القائمون على هذا الملتقى هم إسلاميون مستقلون، لكنهم لا يقدمونه باعتباره ملتقى إسلامياً، بل هو ملتقى مدني يؤمن القائمون عليه بحرية التعبير، والتعددية، والحوار المفتوح، وهذه ليست تهمة حتى ننفيها، بل حق نؤكده ونسعى إليه، ولا يمكن أن نطرح قضية النهضة من رؤية طيف واحد، دون التحاور مع الأطياف الأخرى التي تسعى إلى ذات الهدف).
الدكتور مصطفى الحسن ـ أستاذ التفسير بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن، ومؤسس ملتقى النهضة ـ خلع نفسه من عباءة الإخوان المسلمين في السعودية، بعد أن فقد الأمل من محاولات الإصلاح من الداخل، وكتب ذكرياته معهم في سيرة نقدية تفسر الكثير من دوافع تأسيس ملتقى النهضة.
الحسن الذي يكتب مقالات نقدية وجريئة لفكر الحركة الإسلامية في جريدة “اليوم” السعودية، كان معجباً وممتناً للدكتور القطري جاسم سلطان، الذي تنسب إليه دعوات بضرورة حل تنظيم الإخوان المسلمين، جاسم يؤكد كثيراً أن على الحركة الإسلامية أن تحل تنظيماتها التقليدية وتندمج في مؤسسات الدولة وتساهم في بنائها بدلاً من الانشغال في بناء مشروع سياسي بديل.
ولذلك جاء موقف الإخوان المسلمين في السعودية من ملتقى النهضة متردداً، فهم قبل الضجة التي حصلت لملتقى الكويت التزموا الصمت، لم يصدر منهم موقف بالرفض أو التأييد لهذا الملتقى في دورته الأولى أو الثانية، ومن يشارك من أبنائهم فهو يذهب بصفته الشخصية، بل قد يُفهم من حضور الشاب الإخواني لمثل هذا الملتقى على أنه نوع من التمرد والخروج عن طاعة الحركة سياسياً وفكرياً.. لكن بعد إلغاء الملتقى الثالث تضامن بعض رموز الإخوان ـ الحمائم منهم خصوصاً ـ وبشكل علني مع الملتقى، لم يكن تضامنهم مع مضمونه بقدر ما كان دفاعاً عن حرية التعبير، ونكاية ومناكفة للتيار السروري، وكبح جماحه، إضافة إلى تقاطع شخصية الدكتور سلمان العودة ـ المشرف على ملتقى النهضة ـ مع العديد من التيارات التي تتضامن وتتعاطف معه حتى ولو لم يكن منتمياً لها.

مسفر القحطاني مسفر القحطاني

مسفر القحطاني: كلما تأخرت الصحوة عن تجديد خطابها وبرمجة مشاريعها العملية فإن هناك جيلاً سيتشكل قريباً يحمل روح المبادرة ويذر الأشياخ وراءه وملامحه ليست ببعيدة خصوصاً في السعودية ونحن نرى انخراط أعداد كبيرة من الشباب في تجمعات تطوعية تنموية تغييرية بعيدة عن الخطابات المنبرية والتوجيهات المثالية

جمود الحركة.. أمل النهضة

ساهمت حالة الترهيب المكثف من الوافد المعرفي والثقافي، في تكلس المكون الثقافي للتنظيمات الحركية التقليدية إخوانية كانت أو سلفية، مما سبب نفورَ وتسربَ عدد كبير من الشباب الإسلامي الذي واجهته وسائل الاتصال الحديثة، وحركة الانتقال الثقافي السريعة بالمنتجات المعرفية التي كانت محجوبة عنه، وبدأ يطرح الكثير من الأسئلة التي عجز رموز الحرس القديم عن مسايرتها و الإجابة عنها. دفع هذا الجمود الفكري والثقافي داخل التنظيمات الإسلامية التقليدية، مؤسسي ملتقى النهضة إلى محاولة بعث خطاب إسلامي جديد يتقارب مع كافة الرؤى العربية الهادفة إلى تقديم مشروع نهضوي ينتشل الواقع العربي والإسلامي من حالة التخلف.
هذا ما أكده الدكتور الحسن الذي قال: (إن ضعف فكر الصحوة بأشكاله المختلفة، كان أحد أهم أسباب انبعاث سؤال النهضة من جديد، فعدم قدرة الصحوة على تلبية الاحتياجات الفكرية والإجابة عن أسئلة الجيل الجديد من الشباب، إضافة إلى الانفتاح العالمي الذي أحدثته وسائل الاتصال، كل ذلك جعل الأسئلة والملفات مفتوحة، وانكسرت الوصاية القديمة لــ”ماذا نقرأ؟” و”لمن نسمع؟”، بات الجيل الجديد يقرأ في كل اتجاه واستطاع أن يزيل الحواجز المبنية بين التيارات المختلفة سواء الإسلامية أو غيرها).
الدكتور مسفر القحطاني ـ أحد المحاضرين في ملتقى النهضة الثالث، وأستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن ـ بدوره يتفق مع الحسن، ويرى أن تمرد هذا الجيل على التقليدية داخل الفكر الحركي هو نوع من متطلبات عصر الانفتاح الذي شكّل لدى جيل الشباب أسئلة ضرورية عن موقعهم في عالم اليوم، عن كونهم أفضل الناس، ولكنهم في قاع المجتمعات؟ ويقول: (كلما تأخرت الصحوة عن تجديد خطابها وبرمجة مشاريعها العملية، فإن هناك جيلاً سيتشكل قريباً يحمل روح المبادرة ويذر الأشياخ وراءه، وملامحه ليست ببعيدة خصوصاً في السعودية، ونحن نرى انخراط أعداد كبيرة من الشباب ومن الجنسين في تجمعات تطوعية تنموية تغييرية بعيدة عن الخطابات المنبرية والتوجيهات المثالية).
يفرق الحسن بين فكر الصحوة، وفكر النهضة قائلاً: (فكر الحركة الإسلامية يتمركز حول النسك والعبادة، ويقلل من شأن الفعل المدني، سواء بشعور أو لا شعور، أما فكر النهضة فيحاول إعادة الفعل المدني إلى مركز الأفكار، وهو بالتالي لا يهمش من النسك والشعائر ولا من التربية، لكنه يحذر من تضخمها. ويعيد الاعتبار للفعل المدني من منطلق قرآني من مفهوم الاستخلاف ومن عمل الصالحات وفعل الخير).
لكن إذا كان ملتقى النهضة مستقلا، لا ينتمي لأي جهة، ولا يخدم أجندة أي طرف، فهل يعني هذا أننا أمام تيار جديد يتشكل من داخل الحالة الإسلامية، يرفع “النهضة” شعاراً، ويرفض الانخراط في قوالب الحركة التقليدية؟ يجيب الدكتور الحسن عن هذا السؤال فيقول: (علامات تشكل تيار النهضة باتت واضحة، إنه جيل غير مثقل بالأفكار، ولا يعاني من مشكلة الوصاية، أو ثقل التاريخ، بل هو ليس مهتما بالاسم أو الوصف الذي يطلق عليه أو على الفكرة التي يعتنقها، هو متمرد بطبعه، لا يقبل إلا ما يقتنع به عقله.. لكنه في بداياته، لذلك قد يكون من المبكر جداً وصفه بالتيار.. نحن لسنا أمام حركة تقدم وصفة جاهزة، بل إننا أمام بوصلة وتحديد للاتجاه، ولكل أن يمضي بطريقته وفقا لما يعتقده، وبالتالي تكون النهضة قاسماً مشتركاً بين كل التوجهات الإسلامية والليبرالية والقومية وغيرهم).

مهنا الحبيل مهنا الحبيل

مهنا الحبيل: كان مطلوباً من الحداثيين الشيعة تاريخياً كموقف إنساني أو وفاءً للضمير وقيم الحقوق أن يُدلي بدلوه في الملفات المختنقة والمحتبسة أمام التشدد الشيعي المخيف، خصوصاً أن المدرسة السنية أنجزت مساراً في ضمان الحقوق المدنية ونقد الخلل والتشدد والخرافة وفق المقاصد الشرعية لمدرسة النهضة

لماذا غاب الاعتدال السلفي، وحضر الحداثيون الشيعة؟

في مقاله بصحيفة الحياة (ملتقى النهضة.. أسئلة للتصحيح) يطرح الكاتب السياسي السعودي مهنا الحبيل ـ الذي يعد قريباً في المجمل من فكر النهضة والتنوير الإسلامي، ويعتني كثيراً في طروحاته بالقضية السنية الشيعية، ومايعرف بـ”خطر المد الصفوي الإيراني”ـ ، يطرح تساؤلات نقدية حول ملتقى النهضة الثالث، مؤكداً أن هناك (خللاً اجتهادياً طرأ على الملتقى يحتاج إلى تصحيح… فالملتقى في ذهنية الكثير هو حوار داخل الحال الإسلامية المعاصرة، ينفتح على الآخر لكن من خلال تأصيل قناعته الشرعية والفكرية وتواصلها بأصل النهضة الإسلامية، وحين يُفاجأ الرأي العام بتقلص شديد لطرح التأصيل الإسلامي النهضوي في برنامج الملتقى مع وجود مكثف لمدرسة كاملة ذات صبغة محددة، وهي مدرسة الحداثيين الشيعة، التي عُرفت بنقد الحال السنية مع تقصيرها البالغ في دعم فكر الإصلاح الشيعي وانسحابها كلياً من نقد التطرف الشيعي، فهو يُثير البعض ويسجل لديه إشكالات، وهنا نقطة نظام مهمة جداً في هذا السياق..
هذا التيار كان مطلوباً منه تاريخياً كموقف إنساني أو وفاءً للضمير والإخلاص أمام الله وقيم الحقوق أن يُدلي بدلوه في هذه الملفات المختنقة والمحتبسة أمام التشدد الشيعي المخيف أيضاً، خصوصاً أن المدرسة الإسلامية السنية أنجزت مساراً في تقرير الفقه الدستوري الإسلامي وضمان الحقوق المدنية ونقد الخلل والتشدد والخرافة وفق المقاصد الشرعية لمدرسة النهضة، فأين مشاركة التيار الحداثي الشيعي؟ ولماذا التطوع في نقد المدرسة السنية الواسعة والمتقدمة في طرحها والانسحاب الكامل أمام الضحايا الشيعة؟)
وفي السياق ذاته يطالب الحبيل بأهمية مشاركة تيار “الاعتدال السلفي” الذي ينبغي أن يكون له حضوره في هذا الملتقى أو ذاك، ليُعبّر عن شريحة واسعة وتوازن مجتمعي معروف.

النهضة والتنوير.. ارتباك مفهوم الحريات والحقوق

على الرغم من جاذبية الشعارات التي يرفعها ملتقى النهضة التي تدور حول الحرية والتعددية والمجتمع المدني إلا أن بعض المتابعين يشككون في كون تلك النشاطات ذات بعد فكري بحت، هم يرون أن هذه النشاطات وإن رفعت شعارات بحثية وعلمية إلا أنها أقرب للنشاط السياسي منه للنشاط للفكري والعلمي، ويدلل بعض النقاد على ذلك بمسمى “المجتمع المدني” كمفهوم يحمل بعداً سياسياً واضحاً، كما أن كثيراً من المحاضرين في الملتقى يقدمون أنفسهم بصفتهم ناشطين حقوقين أو ناشطين إصلاحيين وليس بوصفهم باحثين علميين، ولذلك فإن إقامة نشاطات ثقافية تحت أجندة سياسية يجعلها أقرب إلى الخطاب الأيديولوجي المتحزب، وهم بذلك يقعون فيما كانوا ينتقدون فيه خصومهم من الإسلاميين الآخرين على تبني خطاب أيديولوجي معارض لهم. هذه الحالة من السجال تكشف لنا أن الصراع ما بين التوجه الإسلامي الجديد وما بين القوى الإسلامية القديمة، هو في أحد تجلياته صراع من أجل الزعامة على مقعد النضال والمعارضة.
من جانب آخر فإن موقف تيار النهضة والتنوير من مفاهيم الحريات والحقوق، جاء مضطرباً ومرتبكاً في الأحداث الأخيرة، حيث يرى البعض أنهم يتخلون أو يصمتون عن التضامن مع حرية التعبير حين لا يكونون معنيين بالأمر، وهذا ما يفسر صمتهم عن التضامن مع حق حرية التعبير بالنسبة للتيار الليبرالي، أو التيارات التي تؤمن بالنقد الثقافي والديني الحر، بل قد يباركون في بعض الأحيان الهجمة السلفية على هذه التيارات، مما يكشف بحسب ما يقوله بعض الليبراليين تناقضاً جوهرياً لدى بعض الشيوخ والدعاة الذين يفهمون الحرية بمعناها السياسي فقط، بينما مفهوم الحرية يشمل الحريات الخاصة والفردية، والحريات في مجال الثقافة والاجتماع والتقاليد.

طارق المبارك طارق المبارك

طارق المبارك: الصراعات بين التنويريين والسلفيين كشفت بوضوح موقف السلفيين الرافض لفكرة الحريات إلا أنها أيضاً كشفت عن اضطراب وارتباك في مفهوم الحريات خصوصا حرية التعبير ومجمل الحريات الخاصة لدى الاسلاميين التنويريين وأكدت عدم جاهزيتهم لاستحقاقات منظومة عالمية من الحريات والحقوق
وتعليقاً على هذا الارتباك يقول الأستاذ طارق المبارك ـ سبق له أن حاضر بملتقى النهضة الأول في البحرين ـ: (هذه الصراعات بين التنويريين، والسلفيين، كشفت بوضوح موقف السلفيين الرافض لفكرة الحريات، إلا أنها أيضاً كشفت عن اضطراب وارتباك في مفهوم الحريات، خصوصا حرية التعبير ومجمل الحريات الخاصة لدى الاسلاميين التنويريين، وأكدت عدم جاهزيتهم لاستحقاقات منظومة عالمية من الحريات والحقوق وذلك لسببين، الأول: لديهم ضعف واضح في بلورة مفاهيم اساسية كحرية التعبير والتدين ومجموعة أخرى من الحريات الخاصة ضمن المرجعية، التي يعلنون انهم ينطلقون منها، ولذلك السؤال الأكثر أهمية هنا، هل هذه المفاهيم التي يروج لها جزء من التيار التنويري قد تبلورت لديهم معرفياً بشكل واضح؟ أم أنها مازالت متخبطة في حالة من التوفيقية التي لا يمكن الاطمئنان إليها؟
الثاني: هم يدفعون التيار السلفي لتبني الحريات العامة، وبعض آليات العمل الديمقراطي وفق مقولات تنبئ عن التموقع ضمن خطاب الهوية ذاته، خطاب الهوية الذي يتم تجاوزه في عصر تكشف وتنتج فيه العولمة في آن واحد فردانية وذاتية طمرها خطاب الـ”نحن” الهووي كثيرا، يعملون على ذلك باسم سيادة الأمة ورأي الأكثرية دون ربط دعواتهم بثقافة وقيم الديمقراطية المتعاضدة كـ”قيم المواطنة والتعاقد الاجتماعي، وحماية الحريات الخاصة، وحقوق الأقليات…” وبذلك فإن هذا النوع من التنظير التنويري ينتج خطابا غامضا حول وضع الأقليات والحريات الخاصة، وكانت الأزمة الأخيرة كاشفة لهذه المفارقات. ونتيجة لهذا الخطاب الديمقراطي الناقص نشاهد الآن التيار السلفي مستعد ــ كما في حالة مصر ــ للدخول في انتخابات يفوز بها ليهيمن على مفاصل الدولة، لكنه غير مستعد لتحمل ملتقى اسلامي مخالف له فكريا)!.

يوسف الديني يوسف الديني

يوسف الديني: أزمة مشهد التنوير السعودي تكمن في أنه عبارة عن “صورة مجمّدة اللحظة” لم تتجاوز صدمة نهاية التسعينات حيث كان الانفتاح في تبيئة الديمقراطية والدعوة لها السقف الأعلى، بينما يتم الكلام عن مسائل فقهية وعقائدية من لوازم الحريات والحقوق والمواطنة بخجل شديد خوف الاصطدام بالتيار العريض
الأستاذ يوسف الديني ـ الباحث والكاتب السعودي، سبق له أن قدم أطروحة نقدية بعنوان (التنوير الإسلامي في السعودية.. سجال السقوف المنخفضة) صدرت عن مركز مسبار للدراسات والبحوث في سبتمبر 2010 ـ يرى أن أزمة مشهد التنوير السعودي، تكمن في (أنه بالتعبير الفوتغرافي هو عبارة عن “صورة مجمّدة اللحظة” لم تتجاوز صدمة نهاية التسعينات، حيث كان الانفتاح في تبيئة الديمقراطية والدعوة لها السقف الأعلى، بينما يتم الكلام عن مسائل فقهية وعقائدية من لوازم الحريات والحقوق والمواطنة بخجل شديد خوف الاصطدام بالتيار العريض، يشبه ذلك التحول المقلوب الذي مارسه الشيوعيون والإخوان، حيث تضخم الانفتاح السياسي على حساب الثقافي خوفاً من فقد الجماهير أو الاصطدام بالشارع. فما يحدث الآن هو مجرد مناورات متذاكية على مضامين ليبرالية أكثر من كونها اجتهاداً مطرّداً في مسألة الحريات والحقوق، فخطاب التنوير بسبب ارتباكه وتثاقله عن الخروج من دائرة الصراع مع خصومه باتت مخرجاته الفكرية هزيلة، مقارنة سريعة بين رؤى تيار مثل عبد المنعم أبو الفتوح أو حزب الوسط المصري أو حتى التيارات الإسلامية في ماليزيا ستجد أنهم في نهاية مضمار السباق المدني الطويل).
هو تحد حداثي واجه المفكرين العرب قديماً، والنقاش حوله لم يتطور بسبب هيمنة أجواء صراع سياسي لا تساعد على إنتاج تصور فكري عربي إسلامي ناضج حول الدولة الحديثة، كما يقول الرميحي: (واقع الأمر أن التحدي الحداثي كان معنا على الأقل منذ مطلع القرن العشرين، وكانت مقولة الشيخ محمد عبده “وجدت اسلاما ولم أجد مسلمين” بداية لمحاولة التوفيق، إلا أن كتاباته التأصيلية لم تُطور ويبنى عليها، السبب أن العرب دخلوا في صراع مع الغرب وفي صراع مع أنفسهم، ودخلت الجماعات السياسية الإسلامية في صراع مع الدولة ليزداد الشطط التعصبي. فتتبع العرب في بناء الدولة الحديثة مقولات إما قومية أو يسارية أو ليبرالية أو تراثية ـ هنا الاشارة الى السودان وغيرها كإيران ـ جميع المدارس الحديثة تستمد آليات تطبيقها من الغرب كما افكارها الأساس، الا المدرسة التراثية، فهي مؤصلة تراثيا ولكن تضطر ان تستخدم آليات غربية بالمعنى العام ـ صناديق انتخاب ومجالس منتخبة واحزاب ـ على ضفتي المدرستين “الحداثية” و”التراثية” عصبية فكرية قاتمة لكن يقيني اليوم أن هناك مدرسة وسطية توفيقية تتبلور، الا انها معرضة لكثير من الضغوط من الجانبين وبسبب وجودها في جو سياسي لا فكري).
ويؤكد الرميحي أن النقاش حول قيم الدولة الحديثة سوف (يطول زمناً، والتوليفة سوف تأخذ وقتا، الا أن بعض القواعد بدا لي انها استقرت منها المناداة بالدولة المدنية، ورفعة القانون واحترامه”، هي مؤشرات تبدو للمتابع مريحة، وعلينا ان نتذكر أنه لا يمكننا اليوم في الفضاء العالمي أن نبني دولة معزولة عن العالم).

مشاري الذايدي:

شعارات براقة لا أمان لها

* ما هي حكاية الإسلاميين مع شعار النهضة؟
ــ دخول التيار الاسلامي السعودي على مفاهيم الحرية والعدالة السياسية أو ما يسمى بتيار الحقوق المدنية، هو دخول حديث وطارئ، مرتبط بما جرى من مستجدات على مستوى خطاب الحركات الاسلامية في المنطقة..
لنا أن نتذكر انطلاقة حركة كفاية المصرية، وكيف كان للاخوان المسلمين تأثير قوي عليها، يكفي ان نتذكر حضور محمد عبد القدوس الدائم في الحركة، وكيف التف تحت شعار الحرية والحقوق المدنية عبر معركة التوريث في مصر، كل التيارات المعارضة في مصر من يسار وقوميين، مع الاسلاميين، وصولا إلى لحظة سقوط نظام مبارك وقيام الانتخابات النيابية التي أوصلت غالبية إسلامية ــ اخوانية سلفية ــ الى البرلمان بغرفتيه، والآن يتم الصراع على موقع الرئاسة. ليعود حلفاء الأمس الى اعداء اليوم. من الذي حارب الاخوان والسلفيين في مصر بعد سقوط مبارك؟ أليسوا هم التيارات نفسها التي كانت متحالفة مع الاخوان تحت شعار الحريات والحقوق المدنية؟
مشاري الذايدي مشاري الذايدي
* الحرية ليس لها مفهوم محدد.. هي مثل التيارات نفسها التي تتصارع من أجلها؟ــ مفهوم الحرية غامض ورجراج، ويحتمل الكثير من التأويلات، فتصور الاسلامي للحرية يختلف تماما عن تصور الليبرالي وتصور الماركسي طبعا، لكن يعتمد كثير من الاسلاميين الاذكياء ابقاء هذا الغموض، حتى يتسنى الحشد بسهولة أكثر تحت عناوين ثورية جذابة وارجاء النقاش في التفاصيل التي يكمن فيها الشيطان كما يقال، ولذلك كانت الخلافات الحادة هي الثمرة المتوقعة لأول خلاف فكري وتصوري بين التيارات الاسلامية ونقيضها في مصر عند أول استحقاق سياسي وغياب للعدو المشيطن والموحد لخصومه، وهنا نظام مبارك.
* هل هناك سطو على بعض المفاهيم من هذه التيارات للخداع والضليل؟ــ ما نراه في الخليج اليوم، السعودية، وغيرها، من تكرار لقصة التحالف من أجل الحرية والحقوق بين أبناء الحركات الاسلامية، ومن معهم من فلول يسارية وقومية وبعض الشيعة والتيارات المدنية الغضة، ليس إلا (كلاكيت ثاني) على لغة السينمائيين، كما جرى في مصر.
كان ثمة تسور واستيلاء مرحلي وأدواتي على مفهوم الليبرالية كما في السنوات الماضية القريبة، الى قبيل سنة الربيع العربي عام 2011، والآن ثمة تسور آخر على مفهوم الحرية ومفهوم الحقوق والمجتمع المدني، بظاهر قانوني وثقافي، وباطن سياسي ساخن.
* هل تراها ألفاظا فقط لا يمكن تطبيقها على أرض الواقع؟ــ إنها مجرد واجهات لفظية، تحمل بريقا قانونيا ومدنيا يطمئن اليه غير الاسلامي ويفهمه الغربي، لكنه لا يغير من جوهر المنطلقات الجوهرية للفكروية الاسلامية، وما جرى في مصر إنذار مبكر بما يمكن أن يجري هنا بالنسبة لعودة الفرع الى الأصل، والتخلي عن اللغة المجازية الى اللغة الصريحة.
باختصار شديد: لم يتغير الا بعض المحسنات البديعية واللفظية، لاشيء غير ذلك.
..........................
http://www.majalla.com/arb/2012/05/article55235598

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..