الثلاثاء، 29 مايو 2012

"السوبر شيخ" وقضايا التربية والتعليم


كان الحوار مع أربعة من طلبة العلم الشرعي عن تدريس الأولاد في المرحلة الابتدائية حتى السنة الثالثة في مدارس البنات. وبدأ شيخهم فأوضح ان الخلاف ليس ديني، فالإسلام احل اختلاط الاطفال حتى العاشرة، الا اذا بلغت البنت قبلها، فعائشة رضي الله عنها بلغت في التاسعة. ولكنه خلاف تربوي، حيث ثبت علميا ان افضل مرب ومعلم للطفل هو الرجل. وان تعليم وتربية المرأة للأولاد غير مجد، وله اضراره التربوية والنفسية. 

وثنى احدهم مستشهدا بحالة ابنه في المرحلة التمهيدية، حيث تتصل معلمته بأمه دائماً لتشكو من عدم قدرتها على السيطرة على الأولاد. ويصل الى نتيجة انه ولو كان المعلم رجلا لهابه الأولاد. اما الثالث فيؤكد ان الأولاد نفسهم يرفضون ان تدرسهم وتربيهم "حرمه"، وشاهده في ذلك ابنه. ويتحدى ان آتي له بولد واحد يقول بعكس ذلك. ولا ينسى "الكليشة" المعتادة (اترضاها لبنتك ان تدرس بين الذكور؟!). 

قلت لهم: انا سعيد باتفاقنا على ان الاختلاف هنا تربويا، نفسيا، وليس شرعيا. وسألت شيخهم عما اذا كان تخصصه العلمي تربويا او نفسيا، فنفى.
فقلت: اذن فانا كأستاذ جامعي ادرّس علم النفس اكثر فهما منك في المجالين. 

قال: لا يحتاج الامر الى تخصص علمي، فعلوم الدين تكفي. 

قلت: اولستم من ينهى غير المتخصصين في الدين عن الإفتاء فيه او حتى مناقشته؟ كيف تسمحون لأنفسكم اذن بالخوض والافتاء في تخصصات غيركم؟ لعلمك لم يثبت علميا اي ضرر في اختلاط الاطفال، بل العكس صحيح، وان كان فارني ماعندك وساريك ماعندي، ونرى اي الدراسات الاصح والاكثر تخصصا والتزاما بمناهج البحث العلمي. ولا ننسى ان الوزارة لم تصل الى هذا القرار الا بعد ان أجرت واستندت الى دراسات تربوية، نفسية، اجتماعية تدعم هذا الاتجاه.   
ثم كيف تجرون وتصدقون دراسة منافية للدين؟ فالله سبحانه وتعالى أجاز الاختلاط حتى سن العاشرة، او اليس الخالق  جل وعلى الأعلم بما يصلح لخلقه؟

اما قولكم ان المرأة لا تصلح لتدريس وتربية الأولاد وان الرجل اقدر فيلغي حجتكم في ضرورة بقاء المرأة في بيتها (لأن الام مدرسة، وأبنائها اجدر بها معلمة ومربية). فبمنطقكم ودراساتكم التربوية يجب ان يجلس الرجل ليدرس ويربي ابنائه، كنز الامة ورصيد مستقبلها، وتخرج المرأة للعمل في غير التدريس الذي ثبت لديكم فشلها فيه. 

انتهى الحوار بشيء من التوتر واتهام رابعهم لأمثالي بتبني مؤامرات الغرب والليبراليين والحداثيين اتباع الماركسيين والملاحدة لإفساد المجتمع وتغريبه. وان المخطط يبدأ بالأطفال تحت سن العاشرة، ثم يمتد لمراحل اعلى، حتى يشمل التعليم بكافة مراحله. 

قلت: لن أدافع عن ديني أمامكم، فأمري وامركم الى الله، ولن أقبل بالكهنوتية في الاسلام لتمنحني صكوك الغفران ومفاتيح الجنة. فالمسلم ليس بينه وبين الله وسيط، ومن حكم له او عليه في جنة أو نار، إيمان أو كفر، تألى على الله ودخل هو النار ولو كان عابدا صالحا عمره كله، كما جاء في الحديث القدسي.  

كما انني ارفض، من حيث المبدأ، التجرأ والتسهيل والإسهال في عملية التصنيف والتوصيف، التفسيق والتفجير، واستنكر التأله بالحكم على القلوب والضمائر التي لا يطلع على مافيها غير خالقها، فهذا شرك، وأعظم الشرك مشاركة الواحد الأحد فيما اختص به، ومنه علم الغيب وما في الصدور.  

انفض المجلس ولم ينته الجدل .. ولن ينتهي طالما ان بعض شيوخنا أصبح الواحد منهم (سوبر شيخ)، وبلغ بهم الغرور والتعالي على الحق حد التحدث باسم الله، جلا وعلا، والتألي عليه، والمزايدة على نبيه صلوات الله وسلامه عليه في الحرص على الاسلام والمسلمين.  ووصل بهم الاعتزاز بعلمهم حد الإفتاء في كل علم وشأن، مخالفين في ذلك ومتعالين على سيد الخلق، عليه افضل الصلاة والسلام، الذي أوصانا: من قال لا ادري فقد افتى، وصرح لنا: انتم أدرى بأمور دنياكم . مع انه الاولى بذلك، لو صح لمخلوق، فعليه ينزل الوحي والقرآن الكريم ( وما ينطق عن الهوى، ان هو الا وحي يوحى). 

اللهم ارنا الحق حقا وارزقنا اتباعه. وارنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه. اللهم طهر قلوبنا من الكبر والعجب بالنفس والاغترار بالدنيا والتعالي على الحق والتألي عليك.
د. خالد محمد باطرفي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..