(معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون)
(الله أعلم حيث يجعل رسالته)
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ،،، وبعد
فقد
وقفت على شيء مما يقوله الدكتور عدنان إبراهيم عن معاوية وبعض الصحابة
واطلعت على
طرف من حوار أجري مع الأستاذ حسن فرحان ولم يسلم منه من صحابة النبي عليه الصلاة والسلام إلا النزر اليسير حتى ممن قال الله عنهم ( وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (التوبة:100( وقال فيهم ( لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً) (الفتح:18( وقال مثنيا عليهم (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْأِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) (الفتح : 2) وقال (وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) (الأنفال : 74 (
وعن عبد الله بن مغفل المزني _رضي الله عنه_ قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ( الله الله في أصحابي الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضا بعدي فمن أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله تبارك وتعالى ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه ) [20] قال المناوي _رحمه الله تعالى_ " ( الله الله في حق أصحابي ) أي اتقوا الله فيهم ، ولا تلمزوهم بسوء ، أو اذكروا الله فيهم وفي تعظيمهم وتوقيرهم ، وكرره إيذانا بمزيد الحث على الكف عن التعرض لهم بمنقص ( لا تتخذوهم غرضا ) هدفا ترموهم بقبيح الكلام كما يرمى الهدف بالسهام هو تشبيه بليغ ( بعدي ) أي بعد وفاتي " ا.هـ
وقد صح عن المسور بن مخرمة الصحابي الجليل رضي الله عنه أنه قدم وافدا على معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما , فقضى حاجته , ثم دعاه , فأخلاه , فقال : (يا مسور , ما فعل طعنك على الأئمة ؟! فقال المسور : دعنا من هذا , وأحسن فيما قدمنا له ، قال معاوية : لا والله ! لتكلمن بذات نفسك والذي تعيب علي , قال المسور : فلم أترك شيئا أعيبه عليه إلا بينته له . قال معاوية : لا أبرأ من الذنب , فهل تعدُّ يا مسور مالي من الإصلاح في أمر العامة , فان الحسنة بعشر أمثالها ؟ أم تعد الذنوب وتترك الحسنات ؟ قال المسور : لا والله ! ما نذكر إلا ما ترى من هذه الذنوب . قال معاوية : فإنا نعترف لله بكل ذنب أذنبناه , فهل لك يا مسور ذنوب في خاصتك تخشى أن تهلكك إن لم يغفرها الله ؟ قال مسور : نعم , قال معاوية : فما يجعلك أحق أن ترجو المغفرة مني ؟! فوالله لما ألي من الإصلاح أكثر مما تلي , ولكن والله لا أخير بين أمرين بين الله وبين غيره إلا اخترت الله تعالى على ما سواه , وإنا على دين يقبل الله فيه العمل , ويجزي فيه بالحسنات , ويجزي فيه بالذنوب ؛ إلا أن يعفو عمن يشاء . فأنا أحتسب كل حسنة عملتها بأضعافها , وأوازي أمورا عظاما لا أحصيها ولا تحصيها من عمل الله : في إقامة صلوات المسلمين , والجهاد في سبيل الله عز وجل , والحكم بما أنزل الله تعالى , والأمور التي لست تحصيها , وإن عددتها لك , فتفكر في ذلك( ، قال المسور : (فعرفت أن معاوية قد خصمني حين ذكر لي ما ذكر (فلم يسمع المسور بعد ذلك يذكر معاوية إلا استغفر له . رواه الخطيب البغدادي في « تاريخ بغداد » (1/208) وابن عساكر في « تاريخ دمشق » (58/168( ورواه عبدالرزاق في « مصنفه » (7/207) من طريق معمر عن الزهري عن حميد بن عبدالرحمن عن المسور وإسناده صحيح قال ابن عبدالبر في « الاستيعاب » (671) : « وهذا الخبر من أصح ما يروى من حديث ابن شهاب رواه عنه معمر وجماعة من أصحابه .
وروى أبو نعيم في « الحلية » (8/275) عن أبي الدرداء قال : ما رأيت أحداً أشبه صلاة برسول الله من أميركم هذا - يعني معاوية - . قيل لقيس : أين صلاته من صلاة عمر . قال : لا أخالها إلا مثلها . ورجاله ثقات ، قال الهيثمي في « المجمع » (9/357) : ( ورواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير قيس بن الحارث المذحجي وهو ثقة (
قال الإمام أحمد : معاوية رضي الله عنه كاتبه وصاحبه وصهره وأمينه على وحيه عز وجل (انظر الشريعة للآجري (5/2466) وشرح أصول اعتقاد أهل السنة (2785) اللالكائي , وتاريخ بغداد (1/233) للخطيب البغدادي , وتاريخ دمشق (59/208) لابن عساكر(
ونقل الإمام ابن تيمية في منهاج السنة النبوية (4/427) قول ابن المطهر الرافضي عن أهل السنة « وسموه كاتب الوحي ولم يكتب له كلمة من الوحي » ا.هـ قال الإمام ابن تيمية : « فهذا قول بلا حجة , فما الدليل على أنه لم يكتب له كلمة واحدة من الوحي , وإنما كان يكتب له الرسائل » ا.هـ.
وقال في « منهاج السنة » أيضا (4/368) في رده على ابن المطهر الرافضي : ( وأما ما ذكره من لعن علي فإن التلاعن وقع من الطائفتين كما وقعت المحاربة ... وهذا كله سواء كان ذنبا أو اجتهادا مخطئا أو مصيبا فإن مغفرة الله ورحمته تناول ذلك بالتوبة والحسنات الماحية والمصائب المكفرة وغير ذلك)
قال الذهبي في « السير » (3/132) : ( حسبك بمن يؤمره عمر ثم عثمان على إقليم - وهو ثغر - فيضبطه ويقوم به أتم قيام ويرضى الناس بسخائه وحلمه وإن كان بعضهم تألم مرة منه وكذلك فليكن الملك وإن كان غيره من أصحاب رسول الله ؟ خيراً منه بكثير ، وأفضل وأصلح ، فهذا الرجل ساد وساس العالم بكمال عقله وفرط حلمه ، وسعة نفسه وقوة دهائه ، ورأيه وله هنات وأمور ، والله الموعد . وكان محبباً على رعيته ، عمل نيابة الشام عشرين سنة والخلافة عشرين سنة ولم يهجه أحد في دولته ، بل دانت له الأمم وحكم على العرب والعجم ، وكان ملكه على الحرمين ومصر والشام والعراق وخراسان وفارس والجزيرة واليمن والمغرب وغير ذلك)
وجاء رجل إلى الإمام أبي زرعة الرازي -رحمه الله- فقال : يا أبا زرعة أنا أبغض معاوية . قال : لِمَ ؟ قال : لأنه قاتَل عليا . فقال أبو زرعة : إن ربَّ معاوية ربٌّ رحيم وخصمَ معاوية خصمٌ كريم فما دخولك أنت بينهما _رضي الله عنهم_ أجمعين .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى مجموع الفتاوى (4/ 453) (إيمان معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه ثابت بالنقل المتواتر وإجماع أهل العلم على ذلك كإيمان أمثاله ممن آمن عام فتح مكة مثل أخيه يزيد بن أبى سفيان ومثل سهيل بن عمرو وصفوان بن أمية وعكرمة بن أبى جهل والحارث بن هشام وأبى أسد بن أبى العاص بن أمية وأمثال هؤلاء)
بل حتى علماء الكلام الذين يثني عليهم حسن وعدنان يثنون على معاوية ويترضون عنه بل يدافعون عنه ويشنعون على من أساء إليه أو انتقص من قدره فضلا عن تبديعه وتكفيره ، فهذا أبو حامد الغزالي الإمام في علم الكلام في كتابه الاقتصاد في الاعتقاد (206-207( يقول :) والظن بمعاوية أنه كان على تأويل وظن فيما كان يتعاطاه , وما يحكى سوى هذا من روايات الآحاد فالصحيح منه مختلط بالباطل , والاختلاف أكثره اختراعات الروافض والخوارج وأرباب الفضول الخائضون في هذه الفنون . فينبغي أن تلازم الإنكار في كل ما لم يثبت ، وما ثبت فيستنبط له تأويلاً . فما تعذر عليك فقل لعل له تأويلاً وعذراً لم أطلع عليه ، واعلم أنك في هذا المقام بين أن تسيء الظن بمسلم وتطعن عليه وتكون كاذباً , أو تحسن الظن به وتكف لسانك عن الطعن وأنت مخطئ مثلاً ، والخطأ في حسن الظن بالمسلم أسلم من الصواب بالطعن فيهم . فلو سكت إنسان مثلاً عن لعن إبليس أو لعن أبي جهل أو أبي لهب أو من شئت من الأشرار طول عمره لم يضره السكوت ، ولو هفا هفوة بالطعن في مسلم بما هو بريء عند الله تعالى منه فقد تعرض للهلاك ، بل أكثر ما يعلم في الناس لا يحل النطق به , لتعظيم الشرع الزجر عن الغيبة ، مع أنه إخبار عما هو متحقق في المغتاب فمن يلاحظ هذه الفصول ولم يكن في طبعه ميل إلى الفضول آثر ملازمته السكوت وحسن الظن بكافة المسلمين وإطلاق اللسان بالثناء على جميع السلف الصالحين (
ويقول أبو المعالي الجويني الأشعري إمام الحرمين في لمع الأدلة (115( : ((ومعاوية وإن قاتل عليا , فإنه لا ينكر إمامته , ولا يدعيها , وإنما كان يطلب قتلة عثمان , ظانا أنه مصيب , وكان مخطئا , وعلي رضي الله عنه متمسك بالحق)) .
وقال التفتازاني الماتريدي (ت792هـ) عن الصحابة رضوان الله عليهم : (وما وقع بينهم من المنازعات والمحاربات : فله محامل وتأويلات . فسبهم والطعن فيهم إن كان مما يخالف الأدلة القطعية فكفر , كقذف عائشة رضي الله عنها , وإلا فبدعة وفسق ، وبالجملة لم ينقل عن السلف المجتهدين والعلماء الصالحين جواز لعن معاوية وأضرابه ؛ لأن غاية أمرهم البغي والخروج على الإمام , وهو لا يوجب اللعن(شرح العقائد النسفية لسعد الدين التفتازاني (247(
والنقولات في ذلك كثيرة بل قد جاء عن الإمام الطحاوي أنه قال (( والفتن التي كانت في أيامه ـ أي أيام أمير المؤمنين عليّ رضي الله عنه ـ قد صان الله عنها أيدينا، فنسأله سبحانه وتعالى أن يصون عنها ألسنتنا بمنه وكرمه((
ولا أستغرب من الأئمة حين اعتبروا معاوية كالبوابة فمن نال منه تجرأ على بقية الصحابة ، فقد صدقوا والله فلا أجد أحدا تكلم في معاوية ابتداء إلا انتهى بعمر وأبي بكر وعائشة رضي الله عنهم أجمعين وهو لا يعلم أنه بهذا يقدح في الرسول عليه الصلاة والسلام تلميحا يكاد يصل إلى التصريح أو هو ذاك ، ألا يعلم هؤلاء أن معاوية شهد غزوة حنين , وغزوة تبوك بعد فتح مكة؟ ألا يعلم هؤلاء أن هذه الآية نزلت في جيش العسرة في تبوك يقول الله تعالى وقال (( لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رءوف رحيم ( 117 )) أين ذهبت ثم تاب عليهم؟
ولا يوجد في الحوار الذي أجري مع حسن فرحان أو الحلقات التي يلقيها عدنان إبراهيم ممن يسلكون هذا المسلك ما يقنع المتابع إذ مبناها على باطل وما بني على باطل فهو باطل ، لأنها إما مبنية على أحاديث ضعيفة موضوعة ليس هذا فحسب بل تتعارض مع نصوص صريحة صحيحة ، وإما تكون مبنية على روايات تاريخية لا تصح ولا يصح أن نعارض بها الأحاديث الصحيحة والنقولات الثابتة الموثقة ، ووالله إنني قرأت وسمعت بعض كلامهم مصطحبا التجرد فلم أجد في كلامهم حول هذا الأمر إلا ضربا لنصوص الوحي بعضها ببعض فتذكرت قول الله تعالى ( فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ) وربما استخدموا القصص التاريخية العاطفية وبكوا معها وأظهروا حزنهم حتى يدخلوا من خلالها لإثبات ادعائهم .
وتساءلت : كيف لأربعة عشر قرن مرت تعاقب فيها العلماء والفضلاء والأتقياء والولاة والعقلاء في بلاد الإسلام كلها من مشرقها إلى مغربها ومن يمنها إلى شامها ثم لا يوجد فيهم من يكون على الحق ولا من لديه الشجاعة لقوله بل ولا من لديه عقل يفكر به ويعمله ليصل إلى الحقيقة ويقولها فيأتي حسن فرحان أو عدنان ويلهمهم الله إنقاذ الأمة من ضلالات شيخ الإسلام وابن حنبل ومالك وكفر معاوية وظلم عمر ومن تبعهم وتعلم على يديهم وتعلموا على يديه !!حتى الحسن الذي تنازل لمعاوية والحسين الذي عاش في خلافة معاوية وعلي ابن الحسين رضوان الله عليهم أجمعين لم يوفقوا لذلك ووفق لها هؤلاء .
والله لقد زادت منزلة أولئك الأفاضل الأفذاذ العلماء الأجلاء الذين استطاعوا أن يوصلوا لنا الدين والكتاب والسنة وينقلوه إلينا جيلا بعد جيل و يوصلوه لنا مع ما حصل من فتن وخلافات ومحاولات للتحريف والتزييف والتضليل وما حصل من انشقاق بعض الفرق الضالة وتشكيكهم وإدخالهم للشبهات والضلالات التي تصدى لها العلماء المجاهدون الأبطال طوال القرون الماضية ، وهنا يظهر فضل الجهاد بالكلمة والحرف وحفظ العلم ونشره وبذله والرد على المخالفين وما بذله العلماء والمصلحون في ذلك ، فرحمهم الله رحمة واسعة وأسكنهم فسيح جناته و والله ما زادتني بهم هذه المحاولات الفاشلة للتشويه والإسقاط والتنقص إلا مزيد معرفة لفضلهم وعلو قدرهم وإكبارا لجهودهم وشكرا ودعاء وثناء وحرصا على قراءة سيرهم أكثر مما مضى ومحاولة التشبه ببعض صفاتهم .
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم *** إن التشبه بالكرام فلاح
إيماضة : لا يخلو أحد من أخطاء لكن أخطاء الأفاضل مثل هؤلاء تنغمر في بحر حسناتهم فتذوب وتضيع وإذا بلغ الماء قلتين لا يحمل الخبث ولا يعني ذلك أن ننفي عنهم الخطأ لكن من أراد أن ينقدهم فليذكر فضائلهم ومكانتهم ثم ينقدهم ويبين الأخطاء التي وقعوا فيها ويبين لنا أنه يريد تبيين الأخطاء وإثبات الصواب محلها أما من يريد إسقاط هؤلاء ونسف جهودهم وبذلهم وتضحياتهم فلن نقبل ذلك منهم لأنهم لو قلنا لهم ما رأيكم في السيستاني المعاصر الذي نعرف ونعلم يقينا أنه شيعي يأمر بقتل أهل السنة لرأيتم ما يقول بعضهم فيه بينما في المقابل لو قلنا له ما رأيك في أحد علماء السنة كالبخاري ومسلم وشيخ الإسلام لقرأنا العجب العجاب في نقده واتهامه ومحالة إسقاطه والتنقص منه والتقليل من شأنه .
ولم أكن لأرد عليهم و أشغل نفسي بهم لولا أن كلامهم أحاجني للقراءة والبحث والتأمل وإلى الحوار مع بعض من انخدع بهم فجمعت بعض ما وقفت عليه ودونت ما خطر لي فلعل تدويني له يفيد باحثا أو يشفي صدور قوم ساءهم ما قيل ولم يجدوا وقتا للبحث والمراجعة ، أو لعله يقيم الحجة على من تربطه بهم علاقة نسب أو سبب أو عمل أو صداقة فينخدع بهم إحسانا منه الظن بهم أو تقربا منه لهم أو جهلا منه بحالهم .
وبما أن الفرصة سانحة للحوار والسؤال فأقول : سلم من نقد حسن فرحان فئتان :
الأولى : الرافضة فلم نجده يتوجه إلى كتبهم بالنقد والدراسة ولم نجده يتعرض لكبارهم وعلمائهم كما يتعرض للصحابة وكما يتعرض لأحمد وابن تيمية وابن القيم وشاركه في ذلك عدنان إبراهيم فما السبب في ذلك ؟ و إن كانوا قد فعلوا فأين هو ولماذا ليس بحجم طرحهم عن السنة ؟ وإن لم يكونوا قد فعلوا فنطالبهم بفعل ذلك أو أن حسن فرحان لا يستطيع لأنهم لن يسمحوا له بالظهور في قنواتهم مرة أخرى !؟ وعدنان قد سمعته ينقدهم بما مقداره واحد إلى مائة مما ينقد به السنة وأهلها وبتلطف معهم بما مقداره مائة إلى واحد مما يفعله مع أهل السنة .
الثانية : بعد أن نقد حسن فرحان الدولة الأموية وغيرها من الدول السابقة سلمت منه الدولة الحالية ابتداء من دخول المؤسس غفر الله له الرياض وإلى أيامنا هذه نقدا تاريخيا مفصلا كما نقد أولئك الأموات ، فالأحياء أولى بالنقد للتصحيح والتغيير أم أن الأموات أسهل وأيسر ، وإن كان قد حصل منه بعض النقد فهو على استحياء لكننا الآن نحتاج إلى تفصيل للواقع الذي نعيشه فأنت أخي حسن متخصص في التأريخ فلنرى تأريخك لهذه الفترة بنفس الأسلوب والنفس الذي تعامل فيه الدولة الأموية ولو بذكر بعض الجوانب التي تستحق النقد ؟؟ كما فصلت عن معاوية وابن حنبل وأبو زرعة وابن تيمية ... !!!
و ليس هناك أحد من العلماء السابقين واللاحقين فوق النقد أعني نقد منهجه وما كان عليه من آراء وأقوال أو إثبات خطئه وغلوه أو تساهله والرد عليه ويكون النقد والرد بالحجة والدليل والبرهان ، أما بعد أسلوبكم في الهجوم على بعض الصحابة واتهام بعضهم بالكفر وبعضهم بالنفاق وبعضهم بنفي الصحبة عنهم وبالخيانة ثم تأتي لعلماء الإسلام بعدهم كالبخاري ومسلم وأحمد وشيخ الإسلام وتصفهم بأبشع وأشنع الصفات ، ولا زلت أذكر عبارة حسن فرحان المشهورة على قناة المستقلة وهو يقول (شيخ الإسلام الوحيد هو الله ) ولا أنسى ولعه بالنقد حتى انتقد مخالفه البلوشي لأنه رد عليه وسخر من خلقته فقال له ( لم يقبح الله خلقتك وشكلك إلا لقبح سريرتك ) بل ظهرت عنصريته حين قال له (نحن السعوديون نتحاور فيما بيننا فما شأنك أنت اذهب إلى البلوش ) أو نحوا من هذا المعنى وكأن الدين سعودي حصري ، وهذا ليس انتقادا للبلوشي إن كان حسن يعلم بل انتقاد لمن صوره بهذا الشكل!!
إضافة إلى ما سبق أقول :
ولى عمر بن الخطاب معاوية رضي الله عنهما وعن جميع الصحابة على الشام واستمرت ولايته على الشام إلى عهد عثمان وبعد الفتنة التي حصلت تنازل له الحسن بن علي رضي الله عنه في عام الجماعة واستمرت ولايته من عام 41هـ إلى عام 60 هـ على خير القرون ، فإذا كان معاوية كافرا كما يقول حسن فرحان وعدنان إبراهيم فهذا قدح في عمر بن الخطاب وقدح في كل الصحابة الذين قبلوا بمعاوية واليا على الشام وقدح في عثمان الذي قبل به واليا على الشام في عهده وقدح في الحسن الذي تنازل له وقدح في جميع الصحابة الذين تولى عليهم معاوية طوال تلك السنين من عهد عمر وحتى عام 60 للهجره حوالي أربعين عاما ولم ينكروا عليه أو ينحوه أو يسجلوا مواقفا شجاعة تذكر في طرده ، أين أهل بدر ؟ أين أهل الرضوان ؟ أين أهل العقبة ؟ أين العشرة المبشرين ؟ أين وأين وأين ؟؟؟وهل يتولى كافر على المسلمين في خير القرون ولمدة تصل إلى أربعين سنة ولا يمنعونه أو يردعونه أو يستطيعون رده ودحره ؟؟؟ سبحانك ربي هذا بهتان عظيم !!!
فهاهم المسلمون اليوم يطردون الحكام الفجرة والظلمة المستبدين المستأثرين بالمال والسلطة عندما طفح الكيل كما في تونس ومصر واليمن والشام ويبذلون في سبيل ذلك الأنفس والدماء والأموال ويضحون بالأهل والأقارب والمصالح فهل الصحابة الذين اختارهم الله وشرفهم بصحبة نبيه والذين بذلوا الأرواح والمهج في سبيل الدفاع عن الدين ونصرته هل هم أجبن من الناس اليوم أم أنهم عاجزون عن ذلك وفيهم الحسن والحسين وعبدالله بن عمر وابن عباس وسهل ابن سعد ومئات الصحابة !؟ كيف وقد فتحوا الأمصار ووصلوا شتى الأقطار وتغلبوا على أكبر دولتين في تلك الفترة الروم والفرس !! عجباً .
إن حديث هؤلاء في الصحابة بهذه الطريقة قدح في النبي عليه الصلاة والسلام إذ كيف يكون أصحابه قسم كفار وقسم جبناء عن ردهم وأخذ الأمر منهم ، ولكي يخرج حسن فرحان وعدنان إبراهيم من هذا المأزق فعليهم أن يبينوا لنا الآن وبشكل عاجل من هو الصحابي حسب ما يرون؟؟ ثم يذكروا لنا المؤمنين الذين شملتهم هذه الآيات والأحاديث التي يقول الله تعالى ( يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين ) وهذه الآية ( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم ... الآية ) وهذه الآية أيضا ( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ) وهذه الآية ( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم ) وهذه الآية (وما لكم ألا تنفقوا في سبيل الله ولله ميراث السموات والأرض لا يستوي من أنفق منكم من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى ) وقال عنهم الرسول عليه الصلاة والسلام (الله الله في أصحابي لا تتخذوهم بعدي غرضاً فمن أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم, ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذى الله يوشك أن يأخذه(
يقول الخطيب البغدادي رحمه الله في "الكفاية" (49( :
" على أنه لو لم يرد من الله عز وجل ورسوله فيهم شيء ، لأوجبت الحال التي كانوا عليها من الهجرة ، والجهاد ، والنصرة ، وبذل المهج والأموال ، وقتل الآباء والأولاد ، والمناصحة في الدين ، وقوة الإيمان واليقين ، القطعَ على عدالتهم ، والاعتقاد لنزاهتهم ، وأنهم أفضل من جميع المعدلين والمزكين الذين يجيؤون من بعدهم أبد الآبدين ، هذا مذهب كافة العلماء ، ومن يعتد بقوله من الفقهاء " انتهى
ثم لا يأتيني حسن أو غيره ويقول أن معاوية غير مشمول بهذه الآيات والأحاديث فقد أسلم عام الفتح وشهد حنين وتبوك وكان واليا على الشام في عهد كبار الصحابة وحاكما للمسلمين حوالي عشرين عاما فما هي الأدلة من الكتاب والسنة وإجماع المسلمين في تلك الفترة على كفر معاوية وإخراجه من عموم تلك الآيات والأحاديث فالأصل أنه صحابي مسلم وأنه مشمول بالآيات السابقة فمن أخرجه فعليه الدليل الصحيح الصريح .
وأختم بكلام جميل للشيخ الدكتور حاتم العوني حيث يقول في صفحته على الفيس بوك : معاوية رضي الله عنه صحابي بإجماع أهل السنة , تثبت له عدالة الصحابة , ومن طعن فيه بروايات أهل السنة التي يستخرجها من كتبهم (كما سمعته وقرأته لبعضهم) , نقول له : هل أنت أعلم بهذه الروايات من أصحاب الصحاح والسنن الذين تستخرج روايات الطعن من كتبهم ؟! هل أنت أعلم بها منهم , أم الذين رووها وقيدوها ولا عرفتها أنت إلا من كتبهم هم الأعلم ؟! فهؤلاء أنفسهم لم يتوقف واحد منهم عن التصحيح والاحتجاج بما رواه معاوية رضي الله عنه .
فأصحاب الصحاح : كالبخاري ومسلم وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والضياء = كلهم احتجوا بها , كما يحتجون بأحاديث بقية الصحابة , ولو كان معاوية رضي الله عنه غير عدل لما جاز أن يصححوا له , ولما استجازوا أن يجعلوا أحاديثه حجة في دين الله تعالى ، وكذلك أصحاب السنن أخرجوها , وقبلوها , وصحح له من صحح لغيره , كما صحح لغيره .
حتى الإمام النسائي الذي نفى أن يكون قد صح في معاوية رضي الله عنه حديث خاص في فضله , أخرج له في سننه مصححا له , على طريقته في التصحيح (الإخراج بغير إعلال صريح أو تلميح( وحتى الحاكم على تشيعه , صحح لمعاوية رضي الله عنه في المستدرك على الصحيحين .
فعلى من أراد أن يحتج بروايات يستخرجها من كتب هؤلاء الأئمة للطعن على معاوية رضي الله عنه : أن يعلم أنه قد بلغ باحتجاجه هذا من الاشتطاط : أنه توهم أنه قد طعن في علم أو عقل أو ديانة من استخرج تلك الروايات من كتبهم ؛ لأنهم بها أعرف , ولم يجدوا فيها ما يستحق الطعن في عدالته رضي الله عنه . فإما أن يكون احتجاجه بتلك الروايات باطلا ؛ للطعن في مؤلفيها أنفسهم ؛ لأنهم جهلوا الدلالة الواضحة (بزعمه) على القدح في تلك الروايات , أو تجاهلوها مع علمهم بها , وكلا هذين الاحتمالين طعن كاف من الثقة بنقل أولئك الأئمة في دينهم أو في أهليتهم . وإما أن يعترف صاحب هذا الاحتجاج بأن تلك الروايات لا تدل على القدح دلالة واضحة على أقل تقدير , ويرجع عن هذا التقرير , وعندها ألا يمنعه الورع والعلم عن مخالفة إجماع أئمة السنة في اعتقاد صحبة معاوية رضي الله عنه واعتقاد عدالته . انتهى .
وبعد هذا أنادي كل من يحمل هذا الفكر هما أو غيرهما حتى من الشيعة وأقول لهم ( تعالوا إلى كلمة ) وإياكم والتعصب لأقوال توصلتم إليها قبل سنوات قليلة فتمسكتم بها أكثر من تمسككم بالقرآن وتحمستم لها وشنعتم على من خالفها بينما تعيبون على مخالفيكم تمسكهم بأقوال كبار علماء السلف والخلف في هذه المسألة وفي غيرها وتطلبون منهم التراجع عن ذلك وتبيحون لأنفسكم التعصب لأقوالكم ولأقوال شاذة مرت عبر التأريخ ثبت بعد ذلك مخالفتها للكتاب والسنة ولأقوال السواد الأعظم من علماء الأمة المعاصرين لهم والسابقين واللاحقين ، فتمارسون الجمود والتعصب وتعيبون به مخالفيكم ، وتتبعون أقوالا لأقوام سابقين لا تحيدون عنها بينما تعدون ذلك إذا صدر ممن تخالفونهم مسبة وتقليدا وتعطيلا للعقل ، تقولون أشياء عن معاوية وعن بعض الصحابة رضوان الله عليهم لا يقولها من هو خير منكم وأفضل عند الله بنص كتاب الله وبشهادة رسول الله عليه الصلاة والسلام والأمة كلها فعمر بن الخطاب خير منكم وقد ولى معاوية على الشام وعثمان خير منكم وقد ولى معاوية ، وطلحة خير منكم وقد قُتل في جيش معاوية والحسن خير منكم وقد تنازل لمعاوية والحسين خير منكم ولم يقل عشر معشار أقوالكم عن معاوية ولم يخرج على معاوية ، وقل مثل ذلك عن كل الصحابة والتابعين ومن تبعهم من الذين عاصروهم ورووا عن معاوية أحاديث وفيه أحاديث وصلوا خلفه وبايعوه ، أأنتم أعلم أم هم ؟ أأنتم أفضل أم هم !! أأنتم أغير على الدين أكثر منهم ، أتتهمونهم بالخيانة ومخالفة الكتاب والسنة بإجماع مخيف لا يمكن أن يحصل منا في هذا العصر المظلم فما بالكم بذلك العصر الذهبي المنار بنور النبوة والوحي والعلم والإيمان ، فتعالوا إلى كلمة سواء وتأملوا النقولات السابقة وغيرها عن كبار علماء الأمة سلفا وخلفا واتهموا أنفسكم أمامهم وأعيدوا بحث هذه المسائل بتجرد عن الصورة الذهنية المشوهة التي انطبعت في أذهانكم واعلموا أن مصداقيتكم واحترام الناس لكم لا ينشرها مثل رجوعكم عن قول قلتموه تبين لكم خلافه ، واعتذاركم عن غلط أو خلط في أمر تبين لك بعد البحث صوابه ، ففيئة منكم إلى الحق تحقق لكم بعد رضا الله احترام الخلق ، وقولوا لي بربكم ما هو الخير الذي سنحصل عليه حين نفعل أمرا ونحترق من أجله ونتعصب له وهو سب معاوية والحكم بكفره وذكر مساوئه ونشرها وأنه سبب ضياع الأمة ، فلو كان خيرا لسبقنا إليه عمر بن الخطاب وعثمان ابن عفان وعلي ابن أبي طالب والحسن والحسين ومئات الصحابة الأبرار والتابعين الأخيار وآل البيت الأطهار رضوان الله عليهم أجمعين ، اللهم هل بلغت اللهم فاشهد اللهم هل أعذرت اللهم فأيّد ، والحمد لله رب العالمين .
بقلم / المحامي أحمد الودعاني
طرف من حوار أجري مع الأستاذ حسن فرحان ولم يسلم منه من صحابة النبي عليه الصلاة والسلام إلا النزر اليسير حتى ممن قال الله عنهم ( وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (التوبة:100( وقال فيهم ( لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً) (الفتح:18( وقال مثنيا عليهم (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْأِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) (الفتح : 2) وقال (وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) (الأنفال : 74 (
وعن عبد الله بن مغفل المزني _رضي الله عنه_ قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ( الله الله في أصحابي الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضا بعدي فمن أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله تبارك وتعالى ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه ) [20] قال المناوي _رحمه الله تعالى_ " ( الله الله في حق أصحابي ) أي اتقوا الله فيهم ، ولا تلمزوهم بسوء ، أو اذكروا الله فيهم وفي تعظيمهم وتوقيرهم ، وكرره إيذانا بمزيد الحث على الكف عن التعرض لهم بمنقص ( لا تتخذوهم غرضا ) هدفا ترموهم بقبيح الكلام كما يرمى الهدف بالسهام هو تشبيه بليغ ( بعدي ) أي بعد وفاتي " ا.هـ
وقد صح عن المسور بن مخرمة الصحابي الجليل رضي الله عنه أنه قدم وافدا على معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما , فقضى حاجته , ثم دعاه , فأخلاه , فقال : (يا مسور , ما فعل طعنك على الأئمة ؟! فقال المسور : دعنا من هذا , وأحسن فيما قدمنا له ، قال معاوية : لا والله ! لتكلمن بذات نفسك والذي تعيب علي , قال المسور : فلم أترك شيئا أعيبه عليه إلا بينته له . قال معاوية : لا أبرأ من الذنب , فهل تعدُّ يا مسور مالي من الإصلاح في أمر العامة , فان الحسنة بعشر أمثالها ؟ أم تعد الذنوب وتترك الحسنات ؟ قال المسور : لا والله ! ما نذكر إلا ما ترى من هذه الذنوب . قال معاوية : فإنا نعترف لله بكل ذنب أذنبناه , فهل لك يا مسور ذنوب في خاصتك تخشى أن تهلكك إن لم يغفرها الله ؟ قال مسور : نعم , قال معاوية : فما يجعلك أحق أن ترجو المغفرة مني ؟! فوالله لما ألي من الإصلاح أكثر مما تلي , ولكن والله لا أخير بين أمرين بين الله وبين غيره إلا اخترت الله تعالى على ما سواه , وإنا على دين يقبل الله فيه العمل , ويجزي فيه بالحسنات , ويجزي فيه بالذنوب ؛ إلا أن يعفو عمن يشاء . فأنا أحتسب كل حسنة عملتها بأضعافها , وأوازي أمورا عظاما لا أحصيها ولا تحصيها من عمل الله : في إقامة صلوات المسلمين , والجهاد في سبيل الله عز وجل , والحكم بما أنزل الله تعالى , والأمور التي لست تحصيها , وإن عددتها لك , فتفكر في ذلك( ، قال المسور : (فعرفت أن معاوية قد خصمني حين ذكر لي ما ذكر (فلم يسمع المسور بعد ذلك يذكر معاوية إلا استغفر له . رواه الخطيب البغدادي في « تاريخ بغداد » (1/208) وابن عساكر في « تاريخ دمشق » (58/168( ورواه عبدالرزاق في « مصنفه » (7/207) من طريق معمر عن الزهري عن حميد بن عبدالرحمن عن المسور وإسناده صحيح قال ابن عبدالبر في « الاستيعاب » (671) : « وهذا الخبر من أصح ما يروى من حديث ابن شهاب رواه عنه معمر وجماعة من أصحابه .
وروى أبو نعيم في « الحلية » (8/275) عن أبي الدرداء قال : ما رأيت أحداً أشبه صلاة برسول الله من أميركم هذا - يعني معاوية - . قيل لقيس : أين صلاته من صلاة عمر . قال : لا أخالها إلا مثلها . ورجاله ثقات ، قال الهيثمي في « المجمع » (9/357) : ( ورواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير قيس بن الحارث المذحجي وهو ثقة (
قال الإمام أحمد : معاوية رضي الله عنه كاتبه وصاحبه وصهره وأمينه على وحيه عز وجل (انظر الشريعة للآجري (5/2466) وشرح أصول اعتقاد أهل السنة (2785) اللالكائي , وتاريخ بغداد (1/233) للخطيب البغدادي , وتاريخ دمشق (59/208) لابن عساكر(
ونقل الإمام ابن تيمية في منهاج السنة النبوية (4/427) قول ابن المطهر الرافضي عن أهل السنة « وسموه كاتب الوحي ولم يكتب له كلمة من الوحي » ا.هـ قال الإمام ابن تيمية : « فهذا قول بلا حجة , فما الدليل على أنه لم يكتب له كلمة واحدة من الوحي , وإنما كان يكتب له الرسائل » ا.هـ.
وقال في « منهاج السنة » أيضا (4/368) في رده على ابن المطهر الرافضي : ( وأما ما ذكره من لعن علي فإن التلاعن وقع من الطائفتين كما وقعت المحاربة ... وهذا كله سواء كان ذنبا أو اجتهادا مخطئا أو مصيبا فإن مغفرة الله ورحمته تناول ذلك بالتوبة والحسنات الماحية والمصائب المكفرة وغير ذلك)
قال الذهبي في « السير » (3/132) : ( حسبك بمن يؤمره عمر ثم عثمان على إقليم - وهو ثغر - فيضبطه ويقوم به أتم قيام ويرضى الناس بسخائه وحلمه وإن كان بعضهم تألم مرة منه وكذلك فليكن الملك وإن كان غيره من أصحاب رسول الله ؟ خيراً منه بكثير ، وأفضل وأصلح ، فهذا الرجل ساد وساس العالم بكمال عقله وفرط حلمه ، وسعة نفسه وقوة دهائه ، ورأيه وله هنات وأمور ، والله الموعد . وكان محبباً على رعيته ، عمل نيابة الشام عشرين سنة والخلافة عشرين سنة ولم يهجه أحد في دولته ، بل دانت له الأمم وحكم على العرب والعجم ، وكان ملكه على الحرمين ومصر والشام والعراق وخراسان وفارس والجزيرة واليمن والمغرب وغير ذلك)
وجاء رجل إلى الإمام أبي زرعة الرازي -رحمه الله- فقال : يا أبا زرعة أنا أبغض معاوية . قال : لِمَ ؟ قال : لأنه قاتَل عليا . فقال أبو زرعة : إن ربَّ معاوية ربٌّ رحيم وخصمَ معاوية خصمٌ كريم فما دخولك أنت بينهما _رضي الله عنهم_ أجمعين .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى مجموع الفتاوى (4/ 453) (إيمان معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه ثابت بالنقل المتواتر وإجماع أهل العلم على ذلك كإيمان أمثاله ممن آمن عام فتح مكة مثل أخيه يزيد بن أبى سفيان ومثل سهيل بن عمرو وصفوان بن أمية وعكرمة بن أبى جهل والحارث بن هشام وأبى أسد بن أبى العاص بن أمية وأمثال هؤلاء)
بل حتى علماء الكلام الذين يثني عليهم حسن وعدنان يثنون على معاوية ويترضون عنه بل يدافعون عنه ويشنعون على من أساء إليه أو انتقص من قدره فضلا عن تبديعه وتكفيره ، فهذا أبو حامد الغزالي الإمام في علم الكلام في كتابه الاقتصاد في الاعتقاد (206-207( يقول :) والظن بمعاوية أنه كان على تأويل وظن فيما كان يتعاطاه , وما يحكى سوى هذا من روايات الآحاد فالصحيح منه مختلط بالباطل , والاختلاف أكثره اختراعات الروافض والخوارج وأرباب الفضول الخائضون في هذه الفنون . فينبغي أن تلازم الإنكار في كل ما لم يثبت ، وما ثبت فيستنبط له تأويلاً . فما تعذر عليك فقل لعل له تأويلاً وعذراً لم أطلع عليه ، واعلم أنك في هذا المقام بين أن تسيء الظن بمسلم وتطعن عليه وتكون كاذباً , أو تحسن الظن به وتكف لسانك عن الطعن وأنت مخطئ مثلاً ، والخطأ في حسن الظن بالمسلم أسلم من الصواب بالطعن فيهم . فلو سكت إنسان مثلاً عن لعن إبليس أو لعن أبي جهل أو أبي لهب أو من شئت من الأشرار طول عمره لم يضره السكوت ، ولو هفا هفوة بالطعن في مسلم بما هو بريء عند الله تعالى منه فقد تعرض للهلاك ، بل أكثر ما يعلم في الناس لا يحل النطق به , لتعظيم الشرع الزجر عن الغيبة ، مع أنه إخبار عما هو متحقق في المغتاب فمن يلاحظ هذه الفصول ولم يكن في طبعه ميل إلى الفضول آثر ملازمته السكوت وحسن الظن بكافة المسلمين وإطلاق اللسان بالثناء على جميع السلف الصالحين (
ويقول أبو المعالي الجويني الأشعري إمام الحرمين في لمع الأدلة (115( : ((ومعاوية وإن قاتل عليا , فإنه لا ينكر إمامته , ولا يدعيها , وإنما كان يطلب قتلة عثمان , ظانا أنه مصيب , وكان مخطئا , وعلي رضي الله عنه متمسك بالحق)) .
وقال التفتازاني الماتريدي (ت792هـ) عن الصحابة رضوان الله عليهم : (وما وقع بينهم من المنازعات والمحاربات : فله محامل وتأويلات . فسبهم والطعن فيهم إن كان مما يخالف الأدلة القطعية فكفر , كقذف عائشة رضي الله عنها , وإلا فبدعة وفسق ، وبالجملة لم ينقل عن السلف المجتهدين والعلماء الصالحين جواز لعن معاوية وأضرابه ؛ لأن غاية أمرهم البغي والخروج على الإمام , وهو لا يوجب اللعن(شرح العقائد النسفية لسعد الدين التفتازاني (247(
والنقولات في ذلك كثيرة بل قد جاء عن الإمام الطحاوي أنه قال (( والفتن التي كانت في أيامه ـ أي أيام أمير المؤمنين عليّ رضي الله عنه ـ قد صان الله عنها أيدينا، فنسأله سبحانه وتعالى أن يصون عنها ألسنتنا بمنه وكرمه((
ولا أستغرب من الأئمة حين اعتبروا معاوية كالبوابة فمن نال منه تجرأ على بقية الصحابة ، فقد صدقوا والله فلا أجد أحدا تكلم في معاوية ابتداء إلا انتهى بعمر وأبي بكر وعائشة رضي الله عنهم أجمعين وهو لا يعلم أنه بهذا يقدح في الرسول عليه الصلاة والسلام تلميحا يكاد يصل إلى التصريح أو هو ذاك ، ألا يعلم هؤلاء أن معاوية شهد غزوة حنين , وغزوة تبوك بعد فتح مكة؟ ألا يعلم هؤلاء أن هذه الآية نزلت في جيش العسرة في تبوك يقول الله تعالى وقال (( لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رءوف رحيم ( 117 )) أين ذهبت ثم تاب عليهم؟
ولا يوجد في الحوار الذي أجري مع حسن فرحان أو الحلقات التي يلقيها عدنان إبراهيم ممن يسلكون هذا المسلك ما يقنع المتابع إذ مبناها على باطل وما بني على باطل فهو باطل ، لأنها إما مبنية على أحاديث ضعيفة موضوعة ليس هذا فحسب بل تتعارض مع نصوص صريحة صحيحة ، وإما تكون مبنية على روايات تاريخية لا تصح ولا يصح أن نعارض بها الأحاديث الصحيحة والنقولات الثابتة الموثقة ، ووالله إنني قرأت وسمعت بعض كلامهم مصطحبا التجرد فلم أجد في كلامهم حول هذا الأمر إلا ضربا لنصوص الوحي بعضها ببعض فتذكرت قول الله تعالى ( فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ) وربما استخدموا القصص التاريخية العاطفية وبكوا معها وأظهروا حزنهم حتى يدخلوا من خلالها لإثبات ادعائهم .
وتساءلت : كيف لأربعة عشر قرن مرت تعاقب فيها العلماء والفضلاء والأتقياء والولاة والعقلاء في بلاد الإسلام كلها من مشرقها إلى مغربها ومن يمنها إلى شامها ثم لا يوجد فيهم من يكون على الحق ولا من لديه الشجاعة لقوله بل ولا من لديه عقل يفكر به ويعمله ليصل إلى الحقيقة ويقولها فيأتي حسن فرحان أو عدنان ويلهمهم الله إنقاذ الأمة من ضلالات شيخ الإسلام وابن حنبل ومالك وكفر معاوية وظلم عمر ومن تبعهم وتعلم على يديهم وتعلموا على يديه !!حتى الحسن الذي تنازل لمعاوية والحسين الذي عاش في خلافة معاوية وعلي ابن الحسين رضوان الله عليهم أجمعين لم يوفقوا لذلك ووفق لها هؤلاء .
والله لقد زادت منزلة أولئك الأفاضل الأفذاذ العلماء الأجلاء الذين استطاعوا أن يوصلوا لنا الدين والكتاب والسنة وينقلوه إلينا جيلا بعد جيل و يوصلوه لنا مع ما حصل من فتن وخلافات ومحاولات للتحريف والتزييف والتضليل وما حصل من انشقاق بعض الفرق الضالة وتشكيكهم وإدخالهم للشبهات والضلالات التي تصدى لها العلماء المجاهدون الأبطال طوال القرون الماضية ، وهنا يظهر فضل الجهاد بالكلمة والحرف وحفظ العلم ونشره وبذله والرد على المخالفين وما بذله العلماء والمصلحون في ذلك ، فرحمهم الله رحمة واسعة وأسكنهم فسيح جناته و والله ما زادتني بهم هذه المحاولات الفاشلة للتشويه والإسقاط والتنقص إلا مزيد معرفة لفضلهم وعلو قدرهم وإكبارا لجهودهم وشكرا ودعاء وثناء وحرصا على قراءة سيرهم أكثر مما مضى ومحاولة التشبه ببعض صفاتهم .
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم *** إن التشبه بالكرام فلاح
إيماضة : لا يخلو أحد من أخطاء لكن أخطاء الأفاضل مثل هؤلاء تنغمر في بحر حسناتهم فتذوب وتضيع وإذا بلغ الماء قلتين لا يحمل الخبث ولا يعني ذلك أن ننفي عنهم الخطأ لكن من أراد أن ينقدهم فليذكر فضائلهم ومكانتهم ثم ينقدهم ويبين الأخطاء التي وقعوا فيها ويبين لنا أنه يريد تبيين الأخطاء وإثبات الصواب محلها أما من يريد إسقاط هؤلاء ونسف جهودهم وبذلهم وتضحياتهم فلن نقبل ذلك منهم لأنهم لو قلنا لهم ما رأيكم في السيستاني المعاصر الذي نعرف ونعلم يقينا أنه شيعي يأمر بقتل أهل السنة لرأيتم ما يقول بعضهم فيه بينما في المقابل لو قلنا له ما رأيك في أحد علماء السنة كالبخاري ومسلم وشيخ الإسلام لقرأنا العجب العجاب في نقده واتهامه ومحالة إسقاطه والتنقص منه والتقليل من شأنه .
ولم أكن لأرد عليهم و أشغل نفسي بهم لولا أن كلامهم أحاجني للقراءة والبحث والتأمل وإلى الحوار مع بعض من انخدع بهم فجمعت بعض ما وقفت عليه ودونت ما خطر لي فلعل تدويني له يفيد باحثا أو يشفي صدور قوم ساءهم ما قيل ولم يجدوا وقتا للبحث والمراجعة ، أو لعله يقيم الحجة على من تربطه بهم علاقة نسب أو سبب أو عمل أو صداقة فينخدع بهم إحسانا منه الظن بهم أو تقربا منه لهم أو جهلا منه بحالهم .
وبما أن الفرصة سانحة للحوار والسؤال فأقول : سلم من نقد حسن فرحان فئتان :
الأولى : الرافضة فلم نجده يتوجه إلى كتبهم بالنقد والدراسة ولم نجده يتعرض لكبارهم وعلمائهم كما يتعرض للصحابة وكما يتعرض لأحمد وابن تيمية وابن القيم وشاركه في ذلك عدنان إبراهيم فما السبب في ذلك ؟ و إن كانوا قد فعلوا فأين هو ولماذا ليس بحجم طرحهم عن السنة ؟ وإن لم يكونوا قد فعلوا فنطالبهم بفعل ذلك أو أن حسن فرحان لا يستطيع لأنهم لن يسمحوا له بالظهور في قنواتهم مرة أخرى !؟ وعدنان قد سمعته ينقدهم بما مقداره واحد إلى مائة مما ينقد به السنة وأهلها وبتلطف معهم بما مقداره مائة إلى واحد مما يفعله مع أهل السنة .
الثانية : بعد أن نقد حسن فرحان الدولة الأموية وغيرها من الدول السابقة سلمت منه الدولة الحالية ابتداء من دخول المؤسس غفر الله له الرياض وإلى أيامنا هذه نقدا تاريخيا مفصلا كما نقد أولئك الأموات ، فالأحياء أولى بالنقد للتصحيح والتغيير أم أن الأموات أسهل وأيسر ، وإن كان قد حصل منه بعض النقد فهو على استحياء لكننا الآن نحتاج إلى تفصيل للواقع الذي نعيشه فأنت أخي حسن متخصص في التأريخ فلنرى تأريخك لهذه الفترة بنفس الأسلوب والنفس الذي تعامل فيه الدولة الأموية ولو بذكر بعض الجوانب التي تستحق النقد ؟؟ كما فصلت عن معاوية وابن حنبل وأبو زرعة وابن تيمية ... !!!
و ليس هناك أحد من العلماء السابقين واللاحقين فوق النقد أعني نقد منهجه وما كان عليه من آراء وأقوال أو إثبات خطئه وغلوه أو تساهله والرد عليه ويكون النقد والرد بالحجة والدليل والبرهان ، أما بعد أسلوبكم في الهجوم على بعض الصحابة واتهام بعضهم بالكفر وبعضهم بالنفاق وبعضهم بنفي الصحبة عنهم وبالخيانة ثم تأتي لعلماء الإسلام بعدهم كالبخاري ومسلم وأحمد وشيخ الإسلام وتصفهم بأبشع وأشنع الصفات ، ولا زلت أذكر عبارة حسن فرحان المشهورة على قناة المستقلة وهو يقول (شيخ الإسلام الوحيد هو الله ) ولا أنسى ولعه بالنقد حتى انتقد مخالفه البلوشي لأنه رد عليه وسخر من خلقته فقال له ( لم يقبح الله خلقتك وشكلك إلا لقبح سريرتك ) بل ظهرت عنصريته حين قال له (نحن السعوديون نتحاور فيما بيننا فما شأنك أنت اذهب إلى البلوش ) أو نحوا من هذا المعنى وكأن الدين سعودي حصري ، وهذا ليس انتقادا للبلوشي إن كان حسن يعلم بل انتقاد لمن صوره بهذا الشكل!!
إضافة إلى ما سبق أقول :
ولى عمر بن الخطاب معاوية رضي الله عنهما وعن جميع الصحابة على الشام واستمرت ولايته على الشام إلى عهد عثمان وبعد الفتنة التي حصلت تنازل له الحسن بن علي رضي الله عنه في عام الجماعة واستمرت ولايته من عام 41هـ إلى عام 60 هـ على خير القرون ، فإذا كان معاوية كافرا كما يقول حسن فرحان وعدنان إبراهيم فهذا قدح في عمر بن الخطاب وقدح في كل الصحابة الذين قبلوا بمعاوية واليا على الشام وقدح في عثمان الذي قبل به واليا على الشام في عهده وقدح في الحسن الذي تنازل له وقدح في جميع الصحابة الذين تولى عليهم معاوية طوال تلك السنين من عهد عمر وحتى عام 60 للهجره حوالي أربعين عاما ولم ينكروا عليه أو ينحوه أو يسجلوا مواقفا شجاعة تذكر في طرده ، أين أهل بدر ؟ أين أهل الرضوان ؟ أين أهل العقبة ؟ أين العشرة المبشرين ؟ أين وأين وأين ؟؟؟وهل يتولى كافر على المسلمين في خير القرون ولمدة تصل إلى أربعين سنة ولا يمنعونه أو يردعونه أو يستطيعون رده ودحره ؟؟؟ سبحانك ربي هذا بهتان عظيم !!!
فهاهم المسلمون اليوم يطردون الحكام الفجرة والظلمة المستبدين المستأثرين بالمال والسلطة عندما طفح الكيل كما في تونس ومصر واليمن والشام ويبذلون في سبيل ذلك الأنفس والدماء والأموال ويضحون بالأهل والأقارب والمصالح فهل الصحابة الذين اختارهم الله وشرفهم بصحبة نبيه والذين بذلوا الأرواح والمهج في سبيل الدفاع عن الدين ونصرته هل هم أجبن من الناس اليوم أم أنهم عاجزون عن ذلك وفيهم الحسن والحسين وعبدالله بن عمر وابن عباس وسهل ابن سعد ومئات الصحابة !؟ كيف وقد فتحوا الأمصار ووصلوا شتى الأقطار وتغلبوا على أكبر دولتين في تلك الفترة الروم والفرس !! عجباً .
إن حديث هؤلاء في الصحابة بهذه الطريقة قدح في النبي عليه الصلاة والسلام إذ كيف يكون أصحابه قسم كفار وقسم جبناء عن ردهم وأخذ الأمر منهم ، ولكي يخرج حسن فرحان وعدنان إبراهيم من هذا المأزق فعليهم أن يبينوا لنا الآن وبشكل عاجل من هو الصحابي حسب ما يرون؟؟ ثم يذكروا لنا المؤمنين الذين شملتهم هذه الآيات والأحاديث التي يقول الله تعالى ( يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين ) وهذه الآية ( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم ... الآية ) وهذه الآية أيضا ( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ) وهذه الآية ( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم ) وهذه الآية (وما لكم ألا تنفقوا في سبيل الله ولله ميراث السموات والأرض لا يستوي من أنفق منكم من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى ) وقال عنهم الرسول عليه الصلاة والسلام (الله الله في أصحابي لا تتخذوهم بعدي غرضاً فمن أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم, ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذى الله يوشك أن يأخذه(
يقول الخطيب البغدادي رحمه الله في "الكفاية" (49( :
" على أنه لو لم يرد من الله عز وجل ورسوله فيهم شيء ، لأوجبت الحال التي كانوا عليها من الهجرة ، والجهاد ، والنصرة ، وبذل المهج والأموال ، وقتل الآباء والأولاد ، والمناصحة في الدين ، وقوة الإيمان واليقين ، القطعَ على عدالتهم ، والاعتقاد لنزاهتهم ، وأنهم أفضل من جميع المعدلين والمزكين الذين يجيؤون من بعدهم أبد الآبدين ، هذا مذهب كافة العلماء ، ومن يعتد بقوله من الفقهاء " انتهى
ثم لا يأتيني حسن أو غيره ويقول أن معاوية غير مشمول بهذه الآيات والأحاديث فقد أسلم عام الفتح وشهد حنين وتبوك وكان واليا على الشام في عهد كبار الصحابة وحاكما للمسلمين حوالي عشرين عاما فما هي الأدلة من الكتاب والسنة وإجماع المسلمين في تلك الفترة على كفر معاوية وإخراجه من عموم تلك الآيات والأحاديث فالأصل أنه صحابي مسلم وأنه مشمول بالآيات السابقة فمن أخرجه فعليه الدليل الصحيح الصريح .
وأختم بكلام جميل للشيخ الدكتور حاتم العوني حيث يقول في صفحته على الفيس بوك : معاوية رضي الله عنه صحابي بإجماع أهل السنة , تثبت له عدالة الصحابة , ومن طعن فيه بروايات أهل السنة التي يستخرجها من كتبهم (كما سمعته وقرأته لبعضهم) , نقول له : هل أنت أعلم بهذه الروايات من أصحاب الصحاح والسنن الذين تستخرج روايات الطعن من كتبهم ؟! هل أنت أعلم بها منهم , أم الذين رووها وقيدوها ولا عرفتها أنت إلا من كتبهم هم الأعلم ؟! فهؤلاء أنفسهم لم يتوقف واحد منهم عن التصحيح والاحتجاج بما رواه معاوية رضي الله عنه .
فأصحاب الصحاح : كالبخاري ومسلم وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والضياء = كلهم احتجوا بها , كما يحتجون بأحاديث بقية الصحابة , ولو كان معاوية رضي الله عنه غير عدل لما جاز أن يصححوا له , ولما استجازوا أن يجعلوا أحاديثه حجة في دين الله تعالى ، وكذلك أصحاب السنن أخرجوها , وقبلوها , وصحح له من صحح لغيره , كما صحح لغيره .
حتى الإمام النسائي الذي نفى أن يكون قد صح في معاوية رضي الله عنه حديث خاص في فضله , أخرج له في سننه مصححا له , على طريقته في التصحيح (الإخراج بغير إعلال صريح أو تلميح( وحتى الحاكم على تشيعه , صحح لمعاوية رضي الله عنه في المستدرك على الصحيحين .
فعلى من أراد أن يحتج بروايات يستخرجها من كتب هؤلاء الأئمة للطعن على معاوية رضي الله عنه : أن يعلم أنه قد بلغ باحتجاجه هذا من الاشتطاط : أنه توهم أنه قد طعن في علم أو عقل أو ديانة من استخرج تلك الروايات من كتبهم ؛ لأنهم بها أعرف , ولم يجدوا فيها ما يستحق الطعن في عدالته رضي الله عنه . فإما أن يكون احتجاجه بتلك الروايات باطلا ؛ للطعن في مؤلفيها أنفسهم ؛ لأنهم جهلوا الدلالة الواضحة (بزعمه) على القدح في تلك الروايات , أو تجاهلوها مع علمهم بها , وكلا هذين الاحتمالين طعن كاف من الثقة بنقل أولئك الأئمة في دينهم أو في أهليتهم . وإما أن يعترف صاحب هذا الاحتجاج بأن تلك الروايات لا تدل على القدح دلالة واضحة على أقل تقدير , ويرجع عن هذا التقرير , وعندها ألا يمنعه الورع والعلم عن مخالفة إجماع أئمة السنة في اعتقاد صحبة معاوية رضي الله عنه واعتقاد عدالته . انتهى .
وبعد هذا أنادي كل من يحمل هذا الفكر هما أو غيرهما حتى من الشيعة وأقول لهم ( تعالوا إلى كلمة ) وإياكم والتعصب لأقوال توصلتم إليها قبل سنوات قليلة فتمسكتم بها أكثر من تمسككم بالقرآن وتحمستم لها وشنعتم على من خالفها بينما تعيبون على مخالفيكم تمسكهم بأقوال كبار علماء السلف والخلف في هذه المسألة وفي غيرها وتطلبون منهم التراجع عن ذلك وتبيحون لأنفسكم التعصب لأقوالكم ولأقوال شاذة مرت عبر التأريخ ثبت بعد ذلك مخالفتها للكتاب والسنة ولأقوال السواد الأعظم من علماء الأمة المعاصرين لهم والسابقين واللاحقين ، فتمارسون الجمود والتعصب وتعيبون به مخالفيكم ، وتتبعون أقوالا لأقوام سابقين لا تحيدون عنها بينما تعدون ذلك إذا صدر ممن تخالفونهم مسبة وتقليدا وتعطيلا للعقل ، تقولون أشياء عن معاوية وعن بعض الصحابة رضوان الله عليهم لا يقولها من هو خير منكم وأفضل عند الله بنص كتاب الله وبشهادة رسول الله عليه الصلاة والسلام والأمة كلها فعمر بن الخطاب خير منكم وقد ولى معاوية على الشام وعثمان خير منكم وقد ولى معاوية ، وطلحة خير منكم وقد قُتل في جيش معاوية والحسن خير منكم وقد تنازل لمعاوية والحسين خير منكم ولم يقل عشر معشار أقوالكم عن معاوية ولم يخرج على معاوية ، وقل مثل ذلك عن كل الصحابة والتابعين ومن تبعهم من الذين عاصروهم ورووا عن معاوية أحاديث وفيه أحاديث وصلوا خلفه وبايعوه ، أأنتم أعلم أم هم ؟ أأنتم أفضل أم هم !! أأنتم أغير على الدين أكثر منهم ، أتتهمونهم بالخيانة ومخالفة الكتاب والسنة بإجماع مخيف لا يمكن أن يحصل منا في هذا العصر المظلم فما بالكم بذلك العصر الذهبي المنار بنور النبوة والوحي والعلم والإيمان ، فتعالوا إلى كلمة سواء وتأملوا النقولات السابقة وغيرها عن كبار علماء الأمة سلفا وخلفا واتهموا أنفسكم أمامهم وأعيدوا بحث هذه المسائل بتجرد عن الصورة الذهنية المشوهة التي انطبعت في أذهانكم واعلموا أن مصداقيتكم واحترام الناس لكم لا ينشرها مثل رجوعكم عن قول قلتموه تبين لكم خلافه ، واعتذاركم عن غلط أو خلط في أمر تبين لك بعد البحث صوابه ، ففيئة منكم إلى الحق تحقق لكم بعد رضا الله احترام الخلق ، وقولوا لي بربكم ما هو الخير الذي سنحصل عليه حين نفعل أمرا ونحترق من أجله ونتعصب له وهو سب معاوية والحكم بكفره وذكر مساوئه ونشرها وأنه سبب ضياع الأمة ، فلو كان خيرا لسبقنا إليه عمر بن الخطاب وعثمان ابن عفان وعلي ابن أبي طالب والحسن والحسين ومئات الصحابة الأبرار والتابعين الأخيار وآل البيت الأطهار رضوان الله عليهم أجمعين ، اللهم هل بلغت اللهم فاشهد اللهم هل أعذرت اللهم فأيّد ، والحمد لله رب العالمين .
بقلم / المحامي أحمد الودعاني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..