نقدم
الترجمة أدناه للإطلاع على تفكير الصينيين والروس والأمريكيين اللاتينيين
وغيرهم ممن لم يتعاطف مع الثورات العربية وتعامل معها كثورات ملونة أمريكية
أو كثورات مضادة. كما نقدمها للكشف عن الجهد الكبير والمنظم لحكومة
الولايات المتحدة الأمريكية لاختراق الحراك السياسي للشباب العربي. وإذا
كنا لا
نتفق على الإطلاق مع ما ورد في المقالة من اعتبار كل الحراك الشبابي
العربي مخترقاً وتابعاً لأجندة حكومة الولايات المتحدة الأمريكية، دون
تمييز بين الحالات والدول المختلفة، والنشطاء المختلفين، والقوى والحركات
المختلفة المشاركة فيه، فإن تطورات الأحداث في ليبيا وسوريا، وتحديات
الواقع الموضوعي نفسه في مرحلة ما بعد الثورة في مصر وتونس، باتت تطرح على
الشباب العربي ضرورة إعادة قضية التناقض الرئيسي مع الطرف
الأمريكي-الصهيوني إلى رأس جدول أعماله، وضرورة جعل تلك القضية أساس حراكه
السياسي والميداني، وضرورة إعادة صياغة كل البرنامج الهادف للإصلاح
الدستوري وتحقيق المطالب المعيشية وغيرها على ضوء ذلك التناقض الرئيسي، لكي
تعرف حكومة الولايات المتحدة وكل المشككين أن الشباب لم ولن يكونوا مطيةً
لأحد، وأن إيقاف عجلة التطبيع وإعلان بطلان المعاهدات مع العدو الصهيوني
وتجاوز حدود التجزئة العربية هو أساس التغيير الحقيقي، وأن الباقي مجرد
نوافل أو مداخل. فلم يعد من المقبول القول أن التبعية للخارج قضية مؤجلة.
وقد ظهرت المقالة أدناه باللغة الإنكليزية في 31/3/2011 في الموقع الصيني “الإعلام الرابع” The Fourth Media،
وهي من تأليف الكاتبة الروسية آنا فارفولومييفا. والمقالة عبارة عن نموذج
للكثير من الكتابات الروسية والصينية وغيرها التي تتخذ موقفاً سلبياً من
الحراك الشعبي العربي، وهذه المقالة بالذات انعكاس صغير وجزئي لبحث من
عشرين صفحة باللغة الروسية نشر على موقع meast.ru ،
وهو موقع “مركز بيترسبرغ لدراسات الشرق الأدنى المعاصر”، تحت عنوان: الدور
الأمريكي في الثورات العربية: تعبئة الاحتجاج من خلال الدبلوماسية العامة
والشبكات الاجتماعية. ونلاحظ على مضض استخدام تعبير “منطقة الشرق الأوسط
وشمال أفريقيا” في المقالة للإشارة للوطن العربي، لكننا ترجمنا المصطلح كما
هو. النقطة الأخرى هي أن المقالة تتناول الأمريكيين ولا تشير لما يقوم به
الأوروبيون بنفس الاتجاه، وهو ليس أقل زخماً أو خطورة… لكن نترككم الآن مع
المقالة لتحكموا بأنفسكم.
نص مقالة آنا فارفولومييفا “أداة أمريكا: مبادرة الشراكة الشرق أوسطية”:
ترتبط
قلاقل “الشرق الأوسط” وشمال أفريقيا، وأخرها صدامات الأردن وسوريا،
بالتكنولوجيات الالكترونية عن كثب الآن. وقد خرج تعبير “ثورات التويتر” إلى
حيز الوجود فيما يشير كثيرون لغرائب الأزمة السياسية التي شهدت
التكنولوجيات الالكترونية تفعل فعلها. وقد يكون هناك أكثر مما تراه العين
في الأحداث الأخيرة التي اجتاحت شمال أفريقيا و”الشرق الأوسط”.
لم
تؤدي أحداث 11 سبتمبر إلى تدخل عسكري في “الشرق الأوسط” فحسب، ولكن أدت
لتطوير أسلحة قوة ناعمة جديدة يمكن أن تخلق دماراً عظيماً، وأن تقوض أي
مجتمع من الداخل، على الرغم من أنها غير مرئية.
ففي
عام 2001 عبأت الولايات المتحدة موارد ماليةً ضخمة، وأنشأت حوالي 350
برنامجاً مختلفاً في التعليم والثقافة والمعلومات للترويج للديموقراطية
ولخلق جماعة جديدة من المواطنين العرب المستعدين للتركيز إيجابياً على قيم
وسياسات الولايات المتحدة. وقد تم دمج كل تلك البرامج في مشروع واسع النطاق
عنوانه “مبادرة دعم الشراكات في الشرق الأوسط” أو “مبادرة الشراكة الشرق
أوسطية” اختصاراً Middle East Partnership Initiative – MEPI. ويتم تنسيق نشاطات هذه المبادرة من المكتب الرئيسي لوزارة الخارجية الأمريكية، ومن مكتبها الإقليمي في تونس.
وقد
أشارت الكاتبة ناتاليا تسفيتكوفا في دراستها التي ظهرت في موقع الإنترنت
التابع لمركز بيترسبرغ لدراسات الشرق الأدنى المعاصر إلى ما يلي: “أولاً،
لقد كانت هناك زيادة كبيرة في عدد العرب الذين تلقوا تثقيفاً سياسياً
أمريكياً في الولايات المتحدة وفي بلادهم. وإذا كان هناك ألفا مواطن عربي
يشاركون في برامج التبادل أو التدريب في الولايات المتحدة في نهاية عام
2000، فقد صعد ذلك الرقم بين عامي 2004 و2009 إلى مئات الآلاف. مثلاً، دعت
وزارة الخارجية الأمريكية عام 1998 حوالي 3300 من المصريين لبرنامج تدريبي
للترويج للديموقراطية. وفي عام 2007، أصبح ذلك الرقم 47300 شخصاً، وفي عام
2008 بلغ عدد الذين شاركوا في نشاطات مختلفة من هذا النوع، في مصر أو
الولايات المتحدة، 148700 مصرياً”.
وقد تأسست “مبادرة الشراكة الشرق أوسطية” MEPI عام
2002، وأعلنت عن خمسة أهداف ستتابعها في المنطقة: تقوية المجتمع المدني
وحكم القانون، تمكين النساء والشبيبة، تحسين التعليم وتوسيعه، تشجيع
الإصلاح الاقتصادي، وزيادة المشاركة السياسية.
ومن
أجل تحقيق هذه الأهداف، قدمت “المبادرة” المذكورة دعماً مباشراً للمنظمات
غير الحكومية على مستوى عالمي وفي منطقة “الشرق الأوسط” وشمال أفريقيا،
وللمؤسسات التعليمية، ولمؤسسات الحكم المحلي، ومؤسسات القطاع الخاص، لتنفيذ
مشاريع مصممة للانخراط مباشرة مع شعب منطقة “الشرق الأوسط” وشمال أفريقيا
والاستثمار فيه. وحسب موقع “مبادرة الشراكة الشرق أوسطية” على الإنترنت،
فإنها وزعت في عام 2009 وحده أكثر من خمسين مليون دولاراً من المنح لهذا
الغرض…
ويقول
بيانٌ أخر على موقع “المبادرة” بأنها تسعى في النهاية لإعادة إنتاج علاقة
الولايات المتحدة مع مواطني منطقة “الشرق الأوسط” وشمال أفريقيا، وأن حكومة
الولايات المتحدة تسعى، من خلال مشاريع “المبادرة”، لجعل مواطني المنطقة
ينظرون للولايات المتحدة كشريك في جهودهم لخلق التغييرات الإيجابية في
مجتمعاتهم.
وقد
عانت الولايات المتحدة ردحاً طويلاً من صورة شديدة الإشكالية في المنطقة
مع كثير ممن يعارضون أفكارها وقيمها. لكن الكمية المعتبرة من المال
المستثمر في المبادرة الجديدة نتج عنه على ما يبدو بعض التغيير الإيجابي
بالنسبة للولايات المتحدة.
وقد
نظمت “مبادرة الشراكة الشرق أوسطية”، فيما نظمته، برامج مرتكزة على
التعليم، مثل المنح الجامعية، وبرامج تعلم الإنكليزية، وتكنولوجيا التشبيك
الاجتماعي. وقد استهدفت تلك البرامج المتعلمين الصغار والناضجين ومعلميهم،
مركزةً في العادة على الفئات الأقل حظاً.
وحسب
موقع “المبادرة” على الإنترنت: “من أجل ديمومة ونمو مجتمع مدني قوي، فإن
الأمر الحاسم هو أن يتقدم إلى الأمام “الجيل التالي” من القادة المسلحين
بالتدريب والخبرة في بناء الائتلافات والقيام بالحملات السياسية والتفاوض
السلمي لتجشم عبء أدوارهم القيادية. إن “مبادرة الشراكة الشرق أوسطية” تمكن
أولئك القادة والناشطين الطامحين، من خلال برامج التبادل، أن يزيدوا من
فهمهم للقيم الديموقراطية والحكم الرشيد وحكم القانون من خلال تعريضهم
وخوضهم للحوارات مع نظرائهم في الخارج”. ويضيف الموقع: “تسعى المبادرة
لإلهام الشباب لكي يصبحوا مواطنين وقادة مجتمع محلي ورواد أعمال مندفعين
بنشاط”.
وإذا
أبقينا ما سلف رهن أعيننا، فإنه لا يعود مفاجئاً أن يصبح صغار السن قوة
الدفع الأساسية خلف القلاقل في المنطقة. فذلك لم يكن فقط لأن الناس الأكبر
سناً غير منخرطين باستعمال التكنولوجيات الحديثة، بل لأن كبار السن لم
ينخرطوا بدراسة الفلسفة “الصحيحة”.
ويستطيع
المرء أن يلاحظ بأن الصدامات التي “ألهمت” كثيرين عبر المنطقة بدأت في
تونس – البلد الذي يقع فيه المكتب الإقليمي ل”مبادرة الشراكة الشرق
أوسطية”.
بيد
أن فكرة القوة الناعمة الجديدة لا تكتمل بدون توصيف “الدبلوماسية
الالكترونية”، أو “دبلوماسية تويتر”، وهي مبادرة أخرى أطلقتها حكومة
الولايات المتحدة الأمريكية.
ففي
عام 2002، أطلق السفير جيمس هولمز، رئيس مجلس الصداقة التركي-الأمريكي منذ
عام 2004، برنامج “قوة عمل الدبلوماسية الالكترونية”. وفي عام 2003، تمت
إعادة تنظيم قوة العمل تلك في مكتب رسمي تابع للحكومة الأمريكية هو “مكتب
الدبلوماسية الالكترونية”.
مهمة هذا المكتب هي أن يكون مركز دراسات وأبحاث لتطبيقات تكنولوجيا الاتصالات الالكترونية يتبع لوزارة الخارجية الأمريكية.
وفي تموز 2009، نشرت مجلة بيزنس ويك Businessweek المعروفة
سبقاً صحفياً عن تطبيقات دبلوماسية التويتر والخطوات الأولى في ذلك
الاتجاه. وقالت المجلة وقتها: “وزارة الخارجية الأمريكية تجند شركات وادي
سيليكون (في كاليفورنيا حيث ولدت البرمجة وتكنولوجيا الحاسوب – المترجم)
مثل شركة غوغل وتويتر، للمساعدة بإدخال تلك التكنولوجيا المتقدمة إلى
العراق وأفغانستان”.
وقد
زار جاك دورسي، أحد مؤسسي تويتر، وعدة قادة شركات تكنولوجيا أمريكية بغداد
وقتها. ومع أن جاك دورسي أصر بأن “تكنولوجيا مثل تويتر يمكن أن تجعل
الحكومات أكثر انفتاحاً وشفافية”، فإن السبب الرئيسي لاستقدام تلك
التكنولوجيا كان مختلفاً على ما يبدو.
ويعلق
سبنسر إ. أنتي، مؤلف مادة “دبلوماسية تويتر” في مجلة بيزنس ويك في هذا
السياق: “لقد كان جاك دورسي جزءاً من أول وفد من نوعه ينشئه المدراء
التنفيذيون لوزارة الخارجية الأمريكية من ممثلي شركات غوغل وشركة الاتصالات
الأمريكية AT&T وعدة
شركات ناشئة في وادي سيليكون ليذهب للعراق لمقابلة المسؤولين الحكوميين
وقادة الشركات الخاصة والطلاب ليقدم لهم أفكاراً حول استخدامات التكنولوجيا
هناك. ومع أن فكرة الترويج لتويتر في بلد تمزقه الحرب ولا يمكن الاعتماد
على تياره الكهربائي قد تبدو بعيدة المنال، فإن مندوبي الوفد وجدوا جمهوراً
متجاوباً أمامهم”.
ويضيف
واضع التقرير سبنسر إ. أنتي: “يجادل جارد كوهين، مدير دائرة التخطيط
السياسي في وزارة الخارجية الأمريكية، بأن الولايات المتحدة تتمتع بفرصة
فريدة لفتح أبواب الخارج بفضل قوة قطاعها التكنولوجي، خاصة أن الشبان حول
العالم يستخدمون تلك التكنولوجيا بشكل متصاعد ليتعارفوا، ويحرضوا،
وينظموا”.
واليوم
نستطيع أن نرى أن المبادرات التي أطلقتها وزارة الخارجية الأمريكية خلال
العقد الأول من القرن الجديد قد عادت عليها بنتائج مثمرة. فالشبان،
المستخدمون النشطون لوسائل الاتصالات الجديدة، باتوا بالفعل القوة التي
استطاعت أن تغير الأنظمة السياسية في “الشرق الأوسط” وشمال أفريقيا. لقد
أصبحوا أداة الأجندات الخفية. ويقول المثل القديم: ليس هناك شيء اسمه غداء
مجاني! وهو مثل لا يزال صالحاً بلا استثناءات. وفي النهاية سوف يُطلب منك
أن تقدم شيئاً بالمقابل. وقد قدم شباب منطقة “الشرق الأوسط” وشمال أفريقيا
العائدات كاملة على استثمارات رعاتهم السابقين.
د. إبراهيم علوش
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..