الجمعة، 22 يونيو 2012

استشكالات في موضوع الخروج على الحاكم والجواب عنها

- الإجابة على هذه الأسئلة أراه مهمًا في تحرير هذه المسألة، وبيان المناطات المؤثرة ...
إذا ثبت كفر الحاكم كفرا أكبر، فهل يجوز الخروج عليه، إذا لم توجد القدرة ؟
لا يجوز الخروج على الحاكم إذا ثبت كفره كفرًا أكبر؛ إذا لم توجد القدرة؛ لأن مفسدة الخروج في هذه
الحالة أعظم من مفسدة بقاء الحاكم، كما سيأتي بيانه، ولأن الواجب يسقط بالعجز عنه.

إذا كان الحاكم ظالماً فاسقًا، فهل يجوز الخروج عليه؛ إذا تيقنا القدرة على إزالته؟
لا يجوز الخروج على الحاكم المسلم إذا كان ظالماً فاسقًا، وإن تيقنا القدرة على إزالته؛ للحديث المتفق عليه عن عبادة بن الصامت – رضي الله عنه – قال : دعانا النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه، فقال : فيما أخذ علينا: (أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا، وأثرة علينا ، وأن لا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفرًا بواحًا، عندكم من الله فيه برهان).
ووقع في رواية (إلا أن يكون معصية لله بواحًا) قال الحافظ ابن حجر في الفتح: (والذي يظهر حمل رواية الكفر على ما إذا كانت المنازعة في الولاية؛ فلا ينازعه بما يقدح في الولاية إلا إذا ارتكب الكفر، وحمل رواية المعصية على ما إذا كانت المنازعة فيما عدا الولاية؛ فإذا لم يقدح في الولاية؛ نازعه في المعصية؛ بأن ينكر عليه برفق، ويتوصل إلى تثبيت الحق له بغير عنف، ومحل ذلك إذا كان قادرًا، والله أعلم).

ما هي علة (المنع) من الخروج على الحاكم ؟
إذا كانت علة (المنع) من الخروج على الحاكم هي: حصول الفوضى، والقتل، وعدم انتظام أمور الناس؟
فإنه يستوي في ذلك الحاكم المسلم، والحاكم الكافر العادل، فكيف نمنع من الخروج على الأول دون الثاني؟
ما ذكره السائل هو (حكمة) المنع من الخروج على الحاكم، وليس علته؛ لأن الخروج على الحاكم مظنة حصول الفوضى، والقتل، وعدم انتظام أمور الناس ونحو ذلك من المفاسد؛ غالبًا.
والفرق بين الحاكم الكافر والحاكم المسلم؛ إذا كان ظالماً فاسقًا؛ أن الحاكم الكافر يجب الخروج عليه بالسلاح إن تيقنا القدرة على إزالته دون حصول فوضى وقتل ونحو ذلك من المفاسد... كما قال الله عز وجل: (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً)، وقال الله جل وعلا: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) [النساء : 59]، والكافر لا يحكم بما أنزل الله استحلالاً، ويدخل في حكمه في وجوب قتاله؛ كل من امتنع من الحكم بما أنزل الله، وإن كانوا مع ذلك ناطقين بالشهادتين، وملتزمين بعض شرائع الإسلام.
بخلاف الحاكم المسلم؛ إذا كان ظالماً فاسقًا؛ فإنه لا يجوز الخروج عليه، وإن تيقنا القدرة على إزالته، دون حصول فوضى وقتل ونحو ذلك من المفاسد... لأن الظلم والفسق كثير الوقوع، وبعضه دقيق؛ فلو شرع الخروج بسبب الظلم والفسق؛ لقل أن تستقر الأمور...

هل ولي الأمر يطاع في كل ما يأمر به مالم يأمر بمعصية؟ فلو أمرني -مثلاً- بعدم أكل اللحم؛ فهل يجب علي طاعته؟ أم أن وجوب [طاعته]مقتصر على ما يتعلق بالأمور التنظيمية للبلد ونحوها؟
ولي الأمر يطاع في كل ما يأمر به مما له أن يحكم فيه، مالم يأمر بمعصية؛ فليس له أن يحكم في كل شيء، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى (35/360): الحاكم واحد من المسلمين؛ فإن كان عنده علم تكلم بما عنده، وإذا كان عند منازعه علم تكلم به، فإن ظهر الحق في ذلك، وعرف حكم الله ورسوله؛ وجب على الجميع اتباع حكم الله ورسوله، وإن خفي ذلك؛ أقر كل واحد على قوله - أقر قائل هذا القول على مذهبه، وقائل هذا القول على مذهبه - ولم يكن لأحدهما أن يمنع الآخر إلا بلسان العلم والحجة والبيان؛ فيقول ما عنده من العلم.
وأما باليد والقهر فليس له أن يحكم إلا في المعينة التي يتحاكم فيها إليه؛ مثل: ميت مات، وقد تنازع ورثته في قسم تركته، فيقسمها بينهم، إذا تحاكموا إليه، وإذا حكم هنا بأحد قولي العلماء؛ ألزم الخصم بحكمه، ولم يكن له أن يقول: أنا لا أرضى حتى يحكم بالقول الآخر.
وكذلك إذا تحاكم إليه اثنان في دعوى يدعيها أحدهما؛ فصل بينهما، كما أمر الله ورسوله، وألزم المحكوم عليه بما حكم به، وليس له أن يقول: أنت حكمت علي بالقول الذي لا أختاره؛ فإن الحاكم عليه أن يجتهد كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا اجتهد الحاكم فأصاب؛ فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ؛ فله أجر).

ماهي حالات الخروج على ولي الأمر؟
هل يسري عليها الأحكام التكليفية الخمسة؟
أما أن الخروج لا يكون إلا حلالا أو حراما؟
لا أعلم أن الخروج على ولي الأمر تجري عليه الأحكام التكليفية كلها؛ فيكون مكروهًا في حال، ومندوبًا في حال...
ولكنه يكون محرمًا إذا لم تتوفر شروطه، وهي على الترتيب :
أولاً: رؤية الكفر البواح الذي عندنا فيه من الله برهان، كما في الصحيحين عن عبادة بن الصامت – رضي الله عنه - قال : دعانا النبي صلى الله عليه وسلم، فبايعناه، فقال فيما أخذ علينا: (أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا، وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم من الله فيه برهان)؛ كالإشراك بالله، أو الإصرار على ترك الصلاة، أو منع إقامتها، كما في صحيح مسلم من حديث أم سلمة -رضي الله عنها-: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ستكون أمراء؛ فتعرفون، وتنكرون؛ فمن عرف؛ برئ، ومن أنكر؛ سلم، ولكن من رضي، وتابع. قالوا: أفلا نقاتلهم؟! قال: لا؛ ما صلوا).
ثانيًا: إقامة الحجة وإزالة الشبهة عمن ظهر منه الكفر؛ لاسيما في مسائل تنازع فيها العلماء، وخفي فيها العلم على أكثر الناس، أو كان لهم شبهة أوردها عليهم بعض العلماء الذين ضلوا عن الحق، وأضلوا غيرهم ممن يثق بعلمهم؛ فالمتأول والجاهل المعذور؛ ليس حكمه حكم المعاند الفاجر، بل قد جعل الله لكل شيء قدراً؛ فالعقوبة قبل الحجة ليست مشروعة ، كما قال الله تعالى : (من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه، ومن ضل فإنما يضل عليها، ولا تزر وازرة وزر أخرى، وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً) الإسراء: ١٥، والذي يقيم الحجة ويزيل الشبهة هم العلماء؛ لأنهم ورثة الرسول ...
ثالثًا: أن يغلب على ظن أهل القوة والبصيرة بالحرب؛ القدرة على خلعه والتخلص من شره، دون إراقة دماء كثيرة .
رابعًا: ألا يترتب على الخروج عليه مفسدة أعظم من مفسدة بقائه؛ ولهذا يلزم أن يؤخذ في القيام عليه برأي العلماء وأهل الحل والعقد والدراية بشؤون الحرب والسياسة الشرعية؛ فإذا اجتمعت كلمتهم على القيام؛ قاموا، وإلا كفوا أيديهم... كما أنه متى لم يكن للناس إمام؛ فافترق الناس أحزاباً (كل يطلب ولاية الأمر)؛ فلا يُتْبع أحد في الفرقة إن أمكن ذلك؛ خشية من الوقوع في الشر.
فإن وجدت هذه الشروط جميعها؛ وجب الخروج عليهم بالسلاح، كما يقول شيخ الإسلام، وقيل: جاز ...
وإن عدم شرط من هذه الشروط؛ فالواجب الصبر حتى يستريح برٌّ، أو يستراح من فاجر، أو تقوم دولة إسلامية؛ لديها القدرة؛ فتجاهد من لا يحكم بما أنزل الله؛ حتى تلزمه بذلك، كما قال العلامة ابن باز... 

هذه بعض التساؤلات التي أطرحها، والتي أرى أن في الإجابة عليها إجابة محررة إزالة لكثير من اللبس والخلط القائم في مسائل السمع والطاعة؟
محمد آل عبد الجبار

أرجو أن أكون قد وفقت لذلك، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت، وإليه أنيب.

فؤاد أبو الغيث

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..