الجمعة، 22 يونيو 2012

حول ولي الأمر الإخواني والشيخ السلفي

الجمعة 21 محرم 1433هـ الموافق:16 ديسمبر 2011م01:12:56 بتوقيت مكة
سني نيوز :  الدكتور محمد بن إبراهيم السعيدي  :
في مقال له في صحيفة الشرق الأوسط نشر الدكتور حمد الماجد مقالا عن موقف السلفيين المنتظر من الحكومات التي يتزعمها الإخوان المسلمون , واقتصر الدكتور حمد في مقاله على طرح أسئلة مختلفة الصياغات ولكنها لا تخرج عن مدلول واحد , وهو : هل سيقف السلفيون من الحكومات التي يتزعمها الإخوان المسلمون موقفهم من تلك الحكومات التي أسقطها أو سوف يسقطها الربيع العربي من الطاعة بالمعروف وتحريم الخروج والإلزام بالبيعة ؟
ولم يقدم الدكتور حمد أي جواب لما طرحه من أسئلة مع يقيني أن الجواب لا يعزب عنه باعتباره سلفيا ابن سلفي ابن سلفي تربى في مجتمع سلفي ودرس وصاحب وصادق ولازم مشايخ سلفيين ولم يعرف عنه يوما ما تبرمة من هذا الانتساب أو هذا المنهج الفكري , هذا ما أعلمه عنه .
لكنه آثر فيما يبدو لي إلقاء الحجر في الماء بُغية أن يقوم المتخصصون من إخوانه بمناقشة القضية بصوت عالٍ مساهمة منه في إيضاح أبعاد الفكر السلفي في وقت كثر فيه شاكوه وقل شاكروه.
وحسناً فعل جزاه الله خيراً , وإني لأرجو أن يتفاعل الشرعيون من أبناء المنهج السلفي مع مقالته تلك ليوضحوا للناس كثيراً مما يختبئ اليوم تحت ركام آلاف المقالات والتسجيلات ووراء عشرات الأصوات التي لم يعد بمقدور الإنسان تمييز بعضها من بعض ولا معرفة ما تقول.
وفي هذه المقالة أحب أن أشارك من جهتي في شيء من الجواب مع إقراري أنني لست الأول وشكري الجزيل لمن تقدمني وأفدت منه .
وأبدأ بإيضاح أن فكرة طاعة ولي الأمر وحرمة الخروج عليه ليست فكرة حديثة أو سلفية مُسيسة كما يتوهم البعض أو خاصة بالمنهج السلفي دون غيره من مناهج التلقي لدى المسلمين .
بل هي مسألة إجماع بين المسلمين لا تختلف فيها المذاهب الأربعة ولا غيرها , وليس هذا المقال محل سرد نصوص الشريعة ونصوص الأئمة في ذلك فقد أُلَّفت فيه كتب خاصة .
بل إن أكثر الجماعات المسلحة والتي تُشَرِّع الخروج اليوم على ولاة الأمور لا تستطيع أن تنكر النصوص في ذلك أو الإجماع ولهذا يعمدون إلى تأويل تلك النصوص أو تنزيلها على غير الحكام في عصرنا الحاضر باعتبارات شتى يطول نقاشها .
بل إن الأشاعرة والصوفية وهم والذين يتكون منهم غالبية علماء المسلمين اليوم كما أحسب أشد التزاماً بهذا المسلك حيث وصل بعضهم إلى القول بأن الحاكم الجائر مُنَصَّب من الله , وهذا مالا يقول به السلفيون .
أما القول بجواز الخروج والاستدلال له بالسُّنة النبوية فهو قول مُحدَث اضطُرَّ أصحابُه إلى قلب كثيرٍ من مُسَلَّمات المسلمين في منهج التلقي دون أي دليل كالتشكيك في صحيحي البخاري ومسلم واتهام علماء السلف بمُمَالأة السلاطين واتهام الدولتين الأموية والعباسية بالتدخل في صياغة الأحاديث أو الأقوال الفقهية .
إذاً . فتخصيص السلفيين بالقول بلزوم طاعة ولاة الجور أمر بعيد عن الصحة ولا يقدح فيه كون الأهواء اليوم على خلافه فإن الصواب لا يُعارض بالهوى .
وبعد هذا التقرير فإنني لا أنكر من خلال متابعتي لما يُطرَحُ في الساحة : أن بعض السلفيين غلا في هذا المنهج حتى اقترب من المسلك الأشعري والصوفي في الجانب العملي وإن كان من الناحية النظرية يُنكر ذلك .
ومن ذلك أن بعضهم وهم قلة ولله الحمد حرَّم الخروج على الحاكم الكافر كفراً بواحاً كما حرَّم جهاد المحتل , وأطلق لفظ مصطلح ولي الأمر على من يمنع الصلاة ويحاسب المحافظين عليها من شعبه ويُنكرُ تطبيق الشر يعة إنكاراً مطلقاً من غير تأويلٍ أو عجز.
كما وُجد من بعضهم المُبالغة في قياس الخروج باللسان على الخروج بالسيف حتى جعلوا الخارج بلسانه يستحق العقوبة نفسها التي يستحقها الخارج بسيفه .
كما وصلت مُبالغتهم إلى تسمية كل أنواع النصح العلني خروجاً, ولهذا أطلقوا ألسنتهم في تبديع كل من انتقد أحوال الأمة بأي نوع من النقد إذا كان شيخاً أو طالب علم شرعي , وسكتوا عمَّأ يكتبه الصحفيون والمنظرون الليبراليين من نقد لإدارة المرافق العامة وغيرها في كل دول العالم الإسلامي .
 وهذا الصنف من السلفيين وإن كانوا قليلا في المملكة العربية السعودية إلا أنهم في بعض البلاد الإسلامية يشكلون النسبة الغالبة على التيار السلفي , وتبلورت من خلالهم صورة السلفية في بعض الذهنيات التي يكتب أصحابها باسم الجماعات الإسلامية , فأتت كتاباتهم دائما محمَّلة بمحاولة الثأر من السلفية التي لم تترك أحداً إلا وفسقته ولا أحداً إلا وبدعته .
لكن هذا التوجه السلفي وإن كنت أنا شخصياً أحترم فيه عدداً من النواحي الإيجابية إلا أنه لا ينبغي أن يُتَّخذ المعيار أو الصورة التي يجب أن يُقاس السلفيون من خلالها .
أتوقف هاهنا وفي الجزء التالي من المقال سوف أتحدث عن الإخوان وكيف سيكون موقف السلفيين بجميع أطيافهم منهم إذا استلموا مقاليد الحكم في بلاد الربيع العربي
                                   2
وانتقل الآن إلى سؤال الدكتور حمد الماجد وفقه الله وهو كيف سيتعامل السلفيون لو تولى الحكم أحد المنتمين إلى جماعة الإخوان المسلمين :
والجواب : أن الحاكم الإخواني سيكون في حُكمه أحد ثلاثة رجال ولن يخرج عنهم بحال من الأحوال :
إما أن يكون إخوانياً ملتزماً بغايات جماعة الإخوان المسلمين التي كونوا عليها شعاراتهم المعروفة منذ العشر الخامسة من القرن الهجري الماضي , كقولهم الذي لا يُنازعهم فيه أحد : الإسلام هو الحل , فهذه العبارة على وجازتها تحمل من المعاني العظيمة ما يجعلها مؤهلة لأن تكون عنوانا لموسوعة علمية تتحدث عن الإسلام وكيفية تعاطيه مع جميع المشكلات العصرية بكل أنواعها: الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والفكرية والثقافية بل والمشكلات النفسية والتربوية , وأن الحل في كل ما ينتابنا ينحصر في الإسلام ولا يخرج عنه بحال من الأحوال .
كما يؤمن ذلك الحاكم بشعارهم الآخر الذي لا يخرج عن شعارهم السابق لكنه أكثر تفصيلاً وحيوية وهو القرآن دستورنا والإسلام غايتنا والجهاد طريقنا , ويستخدم هذا الشعار عادة في شرح مدلول رسم السيفين المتقاطعين الحاملين للمصحف , أو أن هذا الرسم ترجمه فنية لهذا الشعار , وأيا كان فإيمان الحاكم الإخواني بهذا الشعار يعني أنه يؤمن بأن السيادة إنما هي للشريعة على الأمة وليس العكس وأن غاية تسنمه لهذا المنصب هو حراسة الدنيا بجميع تفصيلاتها بالدين , وأن القرآن حاكم على الدستور وأنه هو الوثيقة العليا للدولة .
حين يؤمن الحاكم الإخواني بكل ذلك ويلتزم به في قيادته للدولة فلن يكون هناك انقساما بين الجماعات الإسلامية إلى سلفيين وإخوان وذلك في ظل تحقق الغاية التي يصبو لها الجميع وهي أن يُحكموا بشريعة الله عز وجل , بل إن السلفيين عندها سوف يُسَلِّمُون للإخوان بصحة منهجهم العملي في الوصول إلى الغاية العظمى المنشودة من الجميع .
الحال الثاني للحاكم الإخواني : أن يكون مؤمناً بهذه الشعارات لكنه يؤكد عجزه عن تطبيقها لأسباب كثيرة , وأنه يسعى من خلال حكمه إلى الإصلاح ما استطاع وسيكون من برامجه المعلنة أو غير المعلنة تهييء المجتمع والمحيط الدولي للقبول بحاكمية الشريعة , وأن ما هو فيه الآن ليس إلا مرحلة من مراحل الوصول إلى تطبيق ذلك الشعار الذي يؤمن به .
وهذا الحاكم سيقف معه السلفيون موقف السامع المطيع المحب وسوف لن يدَّخروا وسعهم في النصحية له سراً حين يتعذر الجهر أو حين يجدون في الجهر بالنصيحة مفسدة أرجح من المصلحة , وجهراً حين يكون نظامه مُهَيَّاً لنصيحية الجهر مبنياً على استيعابها.
كما أنهم لن يُطالبوه بإعلان حقيقة توجهاته وكشف أوراقه , بقدر ما يُطالبونه بالصدق مع نفسه ومع أمته .
أما الحال الثالث للحاكم الإخواني : أن يكون تخلى عن شعارات الجماعة وبدأ يُصَوِّر الإسلام للناس بصورة محرفة , ويزعم أن الحاكمية في الشريعة للأمة وأنها إن اختارت الشريعة فذاك شأنها وإن اختارت أي منهج آخر فالأمر كذلك لها , وأن الشريعة لا تتعارض مع اختيار الأمة فالحق منوط بما تقوله الأمه , وينفي المعلوم من الدين بالضرورة كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , ويزعم أن الحدود ليست عقوبات قطعية وأن البديل لها إذا كان مناسباً للعصر فعو البديل الشرعي الصحيح , ويرى أن الشريعة ليس لها تفسير واحد وأنه لا يُمكن لأحد أن يحتكر معنى الإسلام , وأن إزالت المنكرات الشرعية من البلاد هي تسويغ وتشجيع على النفاق .
حين يرى الحاكم الإخواني ذلك , فإن السلفي سوف يتعامل معه على أنه سلطان متغلب له السمع والطاعة في غير معصية الله وأنه من ولاة الجور حتى لو عدل في الميزان الدنيوي , ولا يحكم عليه بالكفر لأنه متأول , وإن كان تأويله باطلا , وتجب نصيحته سراً وعلناً والبراءة مما هو عليه , والإطناب في بيان أن ما يدعي نسبته للإسلام ليس من الإسلام وأن الدين بريء من تلك الأقوال , وشكره إذا أحسن وتشجيعه إذا أصلح ويحرم الخروج عليه ما أقام الصلاة ولم يحل بين المسلمين ودينهم , فإن حال بين المسلمين ودينهم جاز الخروج عليه إذا تحققت المصلحة وقل الضرر المترتب على ذلك .
ومن ذلك نعلم أن المنهج السلفي لمن فهمه منهج مستقيم, أثبت تغيرُ الأحوال انسجامه مع نفسه وعدم تناقضة , في وقت تناقضت فيه كل المناهج القائمة في عصرنا الحديث حين تغير الواقع , وتبين أنها مناهج صنعها واقع معين في حين جاء المنهج السلفي ليثبت في كل الوقائع .
والحمد لله أولا وآخرا
محمد بن إبراهيم السعيدي
المصدر : لجينيات .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..