14 حزيران/يونيو 2012
صحيح
أن النظام السعودي يحثّ على اتّخاذ خطوات دولية أقسى في سورية، إلا أنه
يبدي حذراً واضحاً من موجة الحملات المحلية الأخيرة الداعية إلى تدخّل غير
رسمي في الأزمة. فآل سعود يتخوّفون من أن رجال الدين
السعوديين المناهضين
للإصلاح، الذين يقفون وراء العديد من الدعوات إلى التدخّل، يتجاوزون
حدودهم، ومن أن شرعية الأسرة الحاكمة وأمن السعودية قد تكون على المحكّ في
نهاية المطاف.
في
الواقع، أوردت الصحافة العربية، في 29 أيار/مايو، أن الملك السعودي عبد
الله استدعى عشرين شيخاً سلفياً بارزاً إلى الرياض، ومنعهم من التماس
التبرّعات للمواطنين السوريين المنكوبين. فتجاوب عدد منهم وأعلنوا على
منابرهم للتواصل الاجتماعي أن السلطات اتصلت بهم وطلبت منهم الكفّ عن جمع
الأموال لسورية.
فريدريك ويري
فريدريك ويري
كبير الباحثين
برنامج الشرق الأوسط
برنامج الشرق الأوسط
جاءت
هذه الخطوات في مرحلة حسّاسة للغاية في العلاقات بين الحكومة وعلماء
الدين، تشهد احتدام الصراع بين الملك عبد الله وبين رجال الدين المتشدّدين
الذين يعارضون العديد من الجهود الإصلاحية التي تبذلها الحكومة. فالملك
أقال مؤخّراً أحد مستشاري الديوان الملكي لانتقاده أجندته الإصلاحية علناً
عبر إحدى المحطات الإذاعية المحلية، ناهيك عن إقالة رئيس المطاوعين بسبب
آرائه المتشددة المشابهة في مايتعلّق بالعلاقات بين الجنسين.
نشاط سياسي متنامٍ لعلماء الدين
تثير
الأزمة السورية تعاطف علماء الدين في المملكة منذ فترة طويلة. وتنسجم
بيانات هؤلاء، في معظم الأحيان، انسجاماً كبيراً مع الموقف السعودي الرسمي
حيال سورية، مايؤمّن غطاءً دينياً مفيداً للسياسية الخارجية السعودية. فهم
يصوّرون نظام الأسد والعلويين بمظهر الشيطان في خطب الجمعة وفي تعليقاتهم
على تويتر وفايسبوك، معبّرين عن تضامنهم مع المدنيين في معاناتهم، ومنادين
بتدخّل أكبر لدول الخليج يشمل تسليح المعارضة السورية.
لكن
علماء الدين تمادوا وانحرفوا عن خط الحكومة، فما عادوا يكتفون بالخطب، بل
انتقلوا إلى المناشدة بالتحرّك على صعيد غير رسمي. كما كثرت دعواتهم
المتشددة إلى الجهاد وتقديم المساعدات الإنسانية للشعب السوري، وهي دعوات
تبتعد عن الخط الرسمي. وتجاوزت إحدى المجموعات، التي تطلق على نفسها اسم
"لجنة العلماء لدعم سورية"، الخطّ الأحمر عندما أعلنت عن وجودها على
الفايسبوك في 26 أيار/مايو، ونشرت أرقام حسابات مصرفية مخصّصة للمانحين
المحتملين، ونظّمت حملة لجمع التبرّعات في مسجد البواردي في الرياض. يرأس
هذه المجموعة سبعة شيوخ بارزين غير موالين للحكم، يُعرَف عددٌ منهم بدعواته
السابقة إلى التطوّع للقتال في العراق، وبآرائه المناهضة للإصلاح، ومن
هؤلاء ناصر بن سليمان العمر، وعبد الرحمن صالح المحمود، وعبد العزيز مرزوق
الطريفي.
أما
من وجهة نظر النظام، فهذه الدعوات إلى التدخّل غير الرسمي تطرح مشكلة، ذلك
أنها تتخطّى الحدود المفروضة على استقلالية علماء الدين؛ هذه الحدود التي
كان الملك عبد الله قد أسبغ عليها طابعاً رسمياً من خلال إصداره مرسوماً في
آب/أغسطس 2010 يحصر مهمة إصدار الفتاوى بهيئة كبار العلماء المُجازة
رسمياً. إذّاك، ماكان من السلطات إلا أن تحرّكت بسرعة.
الحكومة الملكية ترسم خطاً أحمر
أعلنت
مجموعة "لجنة العلماء لدعم سورية" على الفايسبوك، بعد مرور يومين فقط على
تشكيلها، أنها لم تَعُد قادرة على قبول الهبات، وأن السلطات أوقفت حملة جمع
التبرّعات. ونشر شيوخ تابعون للّجنة إشعارات مشابهةً على مواقعهم الخاصة
للتواصل الاجتماعي. فأعلن ناصر العمر على موقعه أنه لم يَعُد يقبل الهبات
بسبب التدخّل الملكي، في حين أقرّ عبد العزيز الطريفي، الذي سبق أن انتقد
قرار الملك بحصر مهمة إصدار الفتاوى بهيئة كبار العلماء، بأنه "يوقف الهبات
كافة إلى الأخوان في سورية حتى إشعار آخر". وتطول اللائحة لتضمّ أيضاً
الشيخ محمد العريفي ذا الشعبية الكبيرة، والذي يمتلك العدد الأكبر من
المتابعين على موقع تويتر في المملكة، إذ علّق على الموقع قائلاً إنه
أُجبِر على التوقيع على تعهّدٍ بعدم جمع التبرّعات لسورية. كذلك، ذكر الشيخ
حسن حامد، المنتمي إلى اللجنة لكن لا إلى قيادتها، أن المباحث زارَتْه في
مايتعلّق بموضوع التبرّعات.
تجدر
الإشارة إلى أن مصادر صحافية مستقلة وأخرى موالية للنظام، أعربت عن
موافقتها على قرار حظر جمع التبرّعات. فالصحافة الموالية اعتبرت أن قرار
المنع يرمي إلى الحؤول دون وصول الأموال إلى المنظمات الجهادية المتشدّدة،
وأكّدت على أن أي ردّ فعل من السعودية إزاء سورية يجب أن يمرّ عبر "القنوات
الرسمية".
ونشرت
صحيفة "الجزيرة" اليومية مقالاً يدين بشكل غير مباشر كبار العلماء الذين
يستخدمون وجاهتهم وسمعتهم لسحب الأموال من مناصريهم لأغراض غير مؤكّدة.
ويحذّر المقال من أن "التاريخ سيعيد نفسه"، عارضاً نقاط التشابه بين الأزمة
السورية وبين التجربة السعودية في أفغانستان والبوسنة والعراق، حيث شكّلت
التبرّعات الخيرية المزعومة منطلقاً لتجنيد شبّان سعوديين للقتال في
النزاعات القائمة هناك، وانتهى بها المطاف أيضاً في أيدي محاربي القاعدة
الذين شنّوا هجمات على المملكة لاحقاً.
وأشادت
مصادر تابعة لوزارة الداخلية على موقع تويتر باندفاع الشيوخ والمواطنين
إلى عمل الخير، إلا أنها شدّدت على ضرورة أن تمر المساعدات عبر القنوات
الرسمية. وفي المقابل، نشر الشيخ المعروف سلمان العودة تعليقات على تويتر،
انتقد فيها قرار المنع انتقاداً واضحاً، واعتبر أن التبرّعات لسورية
لاتعتمد على قناة محدّدة، وأن الملتزمين إرسال الأموال سيجدون الوسيلة لفعل
ذلك.
بيد
أن النظام ذهب إلى أبعد من ذلك، إذ ألحق قرار منعه جمع التبرّعات بمرسوم
في 7 حزيران/يونيو صادر عن هيئة كبار العلماء، يحظّر بوضوح الدعوات
المنادية بالجهاد في سورية والآتية من خارج القنوات الرسمية. كذلك، أكّد
شيخ عضو في المجلس القضائي الأعلى أن الدعم المقدّم للشعب السوري يجب أن
يكون "متوافقاً مع سياسة الدولة"، معتبراً أن الدعوات غير الشرعية إلى
الجهاد شكّلت "حرجاً للدولة".
توسُّع رقعة المخاوف من سلطة علماء الدين
لاشكّ
أن هذه المخاوف في محلّها. إلا أن مسائل أكبر تدخل على الخط في هذه
القضية. فهذه الأخيرة جزءٌ من صراع أشمل بين الملك عبد الله المناصر
للإصلاح، وبين علماء الدين المتشدّدين الذي يعارضون جهوده. على سبيل
المثال، شكّل عبد المحسن العبيكان، الشيخ المحافظ المتطرّف والمستشار في
الديوان الملكي الذي انتقد أجندة الملك الإصلاحية، مصدر إحراج للأسرة
الملكية لفترة طويلة. فملاحظاته الاستقطابية عن العلاقات بين الجنسين في
العام 2012، شكّلت دافعاً أساسياً لقرار الملك عبد الله حظر الفتاوى غير
الرسمية.
جدير
بالذكر أن الشخصيات الدينية المناهضة للإصلاح تستخدم مواقع التواصل
الاجتماعي أكثر فأكثر بهدف الالتفاف على القرارات الحكومية المانعة للفتاوى
والخطب. والنظام ينظر على الأرجح إلى الدعوة إلى التبرّع والجهاد على أنها
وسيلة أخرى يستخدمها رجال الدين المتشدّدون للتملّص من سلطة الملك، من
خلال جذب الانتباه إلى قضية جيّشت مشاعر السعوديين.
كما
أن الحظر يعكس، بشكل أقل وضوحاً، مخاوف آل سعود من أن يستغلّ علماء الدين
المتشدّدون غير الموالين للنظام الحاكم الأزمةَ السورية لانتقاد شرعية
الأسرة الحاكمة، من خلال تسليط الضوء على عدم تحرّكها إزاء سفك الدماء
المتزايد في سورية، علماً أن المتشدّدين كانوا اعتمدوا هذا النهج أثناء حرب
العراق وحرب لبنان في العام 2006. إنه وضع تبدو الحكومة السعودية حريصة
على تجنّبه.
قد
تكون أحداث أخرى في المنطقة حثّت على اتّخاذ قرار المنع هذا. إذ ربما تخشى
الحكومة الملكية تأثير عدوى الانتخابات المصرية على السياسة السعودية
الداخلية. فعددٌ من علماء الدين النافذين إما أشادوا على موقع تويتر بالنصر
الوشيك للإخوان المسلمين، او ألمحوا تلميحاً غير مباشر إلى أن التجربة
الديمقراطية المصرية يجب أن تتكرّر في شبه الجزيرة العربية.
الصراع سيتواصل بالتأكيد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..