يجب
أن ندرك أن لإيران مصالح إستراتيجية في منطقة الخليج العربي، ويجب أن ندرك أن
مفهوم الخليج الفارسي هو ليس مجرد اسم، ولكنه “عقيدة” عسكرية سياسية دينية لدى
مفكري ومخططي السياسة
الإيرانية في المنطقة.. كما يجب أن نعرف أن هذا المخطط كان
قد بدأ بعد الثورة الخمينية
عام
1979م، ولكن استطاع الرئيس العراقي صدام حسين أن يوقف هذا المد السياسي والمذهبي
حتى عام 2003م عندما سقطت بغداد وسقط معها نظام صدام حسين..
ومنذ
ذلك التاريخ انفتحت المنطقة لإيران وبدأت تفكر وتنفذ برامجها التوسعية في المنطقة
الخليجية بل تعدتها إلى مواقع أخرى تمثل لها محاور ارتكاز تعينها على تحقيق مثل
هذه الأطماع الكبرى.. ولا شك أنه منذ أكثر من ثلاثين عاماً وإيران - النظام
السياسي الحالي - تحاول أن تفرض خارطتها السياسية المبنية على أساس مذهبي توسعي
ولكن على رأسها الأطماع السياسية والاقتصادية، ولربما أن المذهبية ليست مرتكزاً
أساسياً من مرتكزاتها التوسعية، ولكنه مبرر براجماتي عندما تحاول أن تضع لها
مبرراتها لمثل هذه السياسات.
وتعلم
إيران أن المملكة العربية السعودية هي مرتكز قوة للدفاع عن مصالح الخليج العربي،
ولها نفوذها ومكانتها العربية والإسلامية والدولية، ولهذا تأتي خططها في محاولة
لمحاصرة هذه القوة. وقد وجدت ثغرات عديدة تحاول أن تصل من خلالها إلى زرع الفتن
وعدم الاستقرار في المحيط العام الذي يلف المنطقة الخليجية.. وكان الحوثيون هم
أداة قابلة للتوظيف، وهذا ما دعاها لعمليات استقطاب عبر سنوات طويلة من أجل أن
يأتي الوقت الذي يمكنهم من تفجير الأوضاع في اليمن كمرحلة أولى، ولكن المرحلة
التالية هي محاولة الدخول إلى الأراضي السعودية والعبث بأمن المملكة.. وهذا ما حدث
من خلال التسلل الكبير الذي حاولوه ولكن ارتد عليهم، ولكنهم لن يقفوا متفرجين
أبداً ما دام الدعم الإيراني يقف معهم ويمدهم بالسلاح والمال، ويدربهم في “هدلك”
جزر إيران المستاجرة من ارتريا في البحر الأحمر التي يقيم فيها الحرس الثوري
الإيراني.. وتشكل هذه الجزر قاعدة عسكرية لإيران في التخطيط والتدريب والتوجيه
التوسعي..
كما
أن إيران تحاول أن توظف بعض الغلاة من أبناء المذهب الشيعي في دول المجلس لزرع أزمات
في تلك الدول، رغم أنهم مجندون من حيث لا يدرون في تحقيق هدف سياسي اقتصادي بحجج
مذهبية.. كما وقعت البحرين كمواجهة واضحة بين دول المجلس وبين إيران كأول تجربة
توسعية معلنة لإيران يعززها اعتبار هذه الدولة المستقلة المحافظة الرابعة عشرة..
كما أعلنه أكثر من مرة ناطق نوري مستشار خامنئي..
أما
العراق فقد باتت مستعمرة إيرانية تقع تحت تأثير النفوذ الإيراني الاستخباراتي
والسياسي والثقافي والأمني، وقد قدمت الولايات المتحدة الأمريكية أكبر خدمة
تاريخية للثورة الإيرانية عندما أسقطت عدوها الأول صدام حسين وزرعت مكانه نظاماً
موالياً لإيران فاق دوره كل المقاييس المتوقعة لمثل هذا المشروع.. ومن العراق
تمكنت إيران من نشر نفوذها على سوريا، التي بقيت سنوات طويلة وخاصة خلال السنوات
الماضية بلا هوية عربية، وأصبحت طهران هي مرجعيتها السياسية التي تعتمد عليها..
ومن سوريا وبواسطة سوريا زرعت نفوذها في لبنان من خلال حزب الله وحركات وتيارات
شيعية أخرى. كما لإيران نفوذها داخل الأراضي الفلسطينية من خلال التعاون
والإملاءات على حركة حماس الفلسطينية في غزة.. وبهذا تكون إيران قد أطبقت تقريباً
على دول الشمال العربي او ما يمكن تسميته بالهلال الخصيب. ولم يخرج من هذا التأثير
إلا الأردن الذي بقي في منظومة الدول العربية البعيدة عن النفوذ الإيراني، إضافة
إلى أحزاب وحركات خارجة عن هذا النفوذ في لبنان وفي فلسطين.
وفي
مصر بدأت حركات تشيع واسعة خلال عهد الرئيس المصري السابق حسني مبارك، ولكن إيران
تحاول أن تدخل في الفراغ السياسي الحالي لمصر، وتحاول أن تتغلغل بين طبقات مختلفة،
حتى أصبحت فكرة تأسيس حزب شيعي واردة بل تحت النقاش في الساحة السياسية والإعلامية
في مصر حالياً بدعم من إيران او من وكيلها في مصر حزب الله اللبناني. ولن نكتب هنا
عن نفوذ إيران في إفريقيا التي تستثمر فيه مئات بل مليارات من الدولارات حتي
تستميل جماعات او تستقطب دولاً ليتاح لها غرس المذهبية الشيعية في إفريقيا كمبرر
لبناء مصالحها السياسية في هذه القارة..
وبهذه
الخارطة الجديدة للنفوذ الإيراني في المنطقة العربية والتي تستهدف أساساً إحاطة
منطقة الخليج العربي وتجريدها من العمق العربي والإسلامي لها تتضح النوايا المبيتة
للسياسة الإيرانية في الخليج، ومحاولاتها المستمرة المعلنة والمستترة في زعزعة دول
مجلس التعاون الخليجي جميعها وليس بعضها، وهدفها الاستيلاء على كل المقدرات
الخليجية في المنطقة بما فيه وأهمها الموروث الديني..
والسؤال
المحوري ماذا قدمت دول مجلس التعاون الخليجي من خطط وبرامج وسياسات بهدف وقف المد
الإيراني في المنطقة الخليجية.. إذا كان لي أن ألخص مثل هذه الجهود فسأقول: لا
توجد. لأن سياسات دول المنطقة لم ترتق إلى مستوى المبادرات بل هي سياسات “إطفاء
حريق”، فكلما تفاقمت أزمة هرعت هذه الدول إلى احتوائها او حلها او تأجيلها.. وما
يفتقده المجلس هو إستراتيجية طويلة الأمد لوقف المد الإيراني، الذي بدأ ينمو يوماً
بعد يوم، ويستفحل في الجسد العربي حزباً بعد حزب، ودولة بعد دولة.. كما أن لإيران
تحالفات إستراتيجية مع دول عظمى في الشرق والغرب هي التي تفسح المجال لها في نشر
نفوذها السياسي في منطقة الشرق الأوسط، نتيجة مصالح كبرى غير منظورة أمام الرأي
العام الخليجي..
وهذا
ما أحاول أن أبحث فيه في مقال قادم بمشيئة الله تعالى..
د.علي بن شويل القرني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..