قبل
أعوام بادر الأمير طلال بن عبد العزيز إلى دعوة لفيف من المنتسبين للعلم
الشرعي من السنة والشيعة في قصره في الرياض, وكان هدف اللقاء الحوار وتعزيز
ثقافة التعايش ,حيث مضت تفاصيل اللقاء إلى التسطيح المتوقع, لكن ثمة
مفاجأة فجرت نفسها وأذهلت الأميرطلال ذاته .المثقف الجديد يستند إلى رواية (شاهد عيان) حضر المشهد من مفتتحه حتى انفضاضه .
يروي (شاهد العيان ): "لا يمكن لي نسيان ما دار في خاتمة ذاك المجلس، فقد أدركت بعده الفرق الشاسع بين طرح الحلول الحالمة، وبين مواجهة تعقيدات الواقع بجدية ووضحٍ. هناك كثيرون اليوم يحاولون معالجة وضع الطائفة الشيعية في البلد بمنهجية سطحية تركز على الخطابيات والإنشائيات العائمة التي تغيب أصل الداء، وتدفن مكمن البلاء.
حضرت المجلس في بيت الأمير طلال بن عبدالعزيز. وكان هناك في البداية طرفان. أحدُهما يمثل الشيعة، وهم (الشيخ حسن الصفار، وعلي آل محسن، وجعفر الشايب، وآخر لا أذكره)، والطرفُ الآخر يمثل أهل السنة، وليس فيه سوى الشيخ (عبدالمحسن العبيكان).ومن خلال ما دار في الجلسة، علمتُ أن هذا اللقاء يأتي ضمن سلسلة لقاءات سابقة، انتهت باتفاقٍ على إصدار بيانٍ أو وثيقة تعايش سلمي، يوقع عليها مراجع الشيعة، وعلماء السنة، تتضمن قبول كلٍ من الطرفين بالآخر، ضمن شروط خطابية شاعرية يعرف من يعايش الوضع على الأرض أنها شروطٌ حالمةٌ غير قابلة للتطبيق.
لم أعجب لذلك، فقد لفت نظري –من أول الجلسة- أن الطرف الذي اختير لتمثيل أهل السنة شيخٌ طيب القلب، لا يملك درايةً كافيةً بمذهب الشيعة، وليست لديه الخبرة الواسعة بواقع الطائفة في البلد.
لا أدري هل كان اختيار ذلك الشيخ اتفاقاً، أو أنه أمرٌ رتب له بعناية، فأنا لم أحضر اللقاءات السابقة، ولكن قدر لي حضور هذه الجلسة الأخيرة التي جاء مسارها مختلفاً تماماً، وبطريقة تفاجأ بها رؤوس الشيعة الحاضرون.أما لماذا اختلفت هذه الجلسة عن سابقاتها فلأن الأمير خالد، ابن الأمير طلال بن عبد العزيز طلب من والده الإذن بأن يدعو مختصين بمذهب الشيعة كي يحضروا اللقاء، فكان له ما أرادَ.
حضر الجلسة كلٌ من: الشيخ صالح الدرويش (القاضي بمحكمة القطيف)، والدكتور العراقي نعمان السامرائي (الأستاذ بجامعة الملك سعود سابقاً)، والشيخ عثمان الخميس، والشيخ حسين الحكمي، والشيخ بندر الشويقي.
كان حضور هؤلاء مفاجئا للطرف الشيعي. وكانت الخيبة باديةً على وجوههم من البداية. فقد أدركوا مباشرةً صعوبة التلاعب بمن يعرف مداخلهم ومخارجهم.
لن أطيل في الشرحِ، فقد دار بحثٌ طويلٌ أثناء اللقاء. لكني فقط سأركز على قضية ختم بها المجلس، وكان وقعها شديداً على الأمير طلال بن عبد العزيز، حيث صُدم الأمير بذلك الإقرار الخطير الذي نجح المشايخ في انتزاعه من بين شفتي الشيخ حسن الصفار.طرح الشيخ عثمان الخميس على الشيخ عبد المحسن العبيكان-والجميع يسمع- ضرورة أن تُضمَّنَ الوثيقة موافقة الشيعة على تقديم انتمائهم لأوطانهم ورفعه فوق انتمائهم لمرجعياتهم الفارسية القابعة وراء الحدود.
بالنسبة لمن لا يعرف طبيعة ارتباط الشيعة بمراجعهم قد تبدو له هذه النقطة قليلة الأهمية. ذلك أن الكثيرين يتصورون أن علاقة الشيعي بمرجعه، تشبه علاقة السني بعلماء مذهبه. لكن العارف بالأمور يدرك الخطأ الكبير الذي يقع فيه من يحمل مثل هذا التصور.
المرجع بالنسبة لمقلده الشيعي مطاع الأمر، وقوله هو الدين بالنسبة لأتباعه، ولا يجوز لأحدٍ من مقلديه أن يستدرك عليه، أو يخطئه، أو يخالفه، أو يتبني قولاً غير قوله، حتى لو كان هذه الرأي صادراً من علماء آخرين من داخل المذهب.
هذه العلاقة بين المراجع ومقلديهم، حولت المذهب الشيعي إلى ما يشبه التنظيمات الملتزمة بتوجيهات قائدها. وهنا مكمن الخطورة حيث يتحول الشيعي أثناء الأزمات إلى أداة عمياء تحرك من الخارج، ولا تستطيع السلطات المحلية التفاهم معها.حين طرح هذا الإشكال في المجلس، بادر علي آل محسن إلى المناورة، فذكر أن مراجع الشيعة عادةً ما يأمرون أتباعهم بالانخراط في مجتمعاتهم، ويحثونهم على الخضوع والتعايش مع النظم القائمة في بلدانهم أياً كانت انتماءاتها المذهبية.
هنا تفطن أحد المشايخ الحاضرين للمناورة، فسأل: وماذا لو أمروكم مستقبلاً بخلاف ذلك؟ أنتم الآن تستكينون لأنهم أمروكم بذلك، لكن ماذا لو تغير موقفهم؟
هنا تورط علي آل محسن، فبادر الصفار لإنقاذه، وقال: نحن أصلاً نتبع مرجعية السيستاني، والسيستاني لا يؤمن بولاية الفقيه، وبالتالي فإن أتباعه يقلدونه في مسائل الفقه فقط، دون المسائل السياسية.مناورة ثانية. وإلا فإن مراجع الشيعة حين يفتون، فإن الشيعي المقلد لهم ملزمٌ بالأخذ بفتواهم، سواء تعلقت بالسياسة أو بغيرها. لكن أحد المشايخ الحاضرين جارى الصفار في مناورته، فسأله: وماذا عن أتباع خامنئي؟
قال الصفار: ما لهم؟
قال له الشيخ: خامنئي هو إمامهم ووليهم الفقيه، وسلطته عليهم مطلقة، وطبول الحرب الآن تقرع. فما الذي يمليه عليه دينهم، فيما لو أمرهم مرجعهم بالتمرد والقيام بتحركات وأنشطة داخل بلدانهم؟
عاد الصفار للمناورة، وقال: أتباع خامنئي أقلية لا يشكلون خمسة بالمائة من الشيعة.
مناورة ثالثة. لكن الشيخ جاراه هنا أيضاً، وسأله: وماذا عن هؤلاء الخمسة بالمائة. لو أمرهم خامنئي بالتحرك والتمرد داخل بلدانهم، فماذا سيفعلون؟
هنا استسلم الصفار وأجابَ بكل وضوحٍ: سيسمعون ويطيعون؟
وعند هذه النقطة صدم صاحب البيت الأمير طلال بن عبد العزيز، وفوجئ بهذه الحقيقة التي لم يكن يعلمها.
وبعدها خرج الصفار ليتحدث عن المتطرفين الذين أجهضوا مشروع وثيقة التقارب."
يروي (شاهد العيان ): "لا يمكن لي نسيان ما دار في خاتمة ذاك المجلس، فقد أدركت بعده الفرق الشاسع بين طرح الحلول الحالمة، وبين مواجهة تعقيدات الواقع بجدية ووضحٍ. هناك كثيرون اليوم يحاولون معالجة وضع الطائفة الشيعية في البلد بمنهجية سطحية تركز على الخطابيات والإنشائيات العائمة التي تغيب أصل الداء، وتدفن مكمن البلاء.
حضرت المجلس في بيت الأمير طلال بن عبدالعزيز. وكان هناك في البداية طرفان. أحدُهما يمثل الشيعة، وهم (الشيخ حسن الصفار، وعلي آل محسن، وجعفر الشايب، وآخر لا أذكره)، والطرفُ الآخر يمثل أهل السنة، وليس فيه سوى الشيخ (عبدالمحسن العبيكان).ومن خلال ما دار في الجلسة، علمتُ أن هذا اللقاء يأتي ضمن سلسلة لقاءات سابقة، انتهت باتفاقٍ على إصدار بيانٍ أو وثيقة تعايش سلمي، يوقع عليها مراجع الشيعة، وعلماء السنة، تتضمن قبول كلٍ من الطرفين بالآخر، ضمن شروط خطابية شاعرية يعرف من يعايش الوضع على الأرض أنها شروطٌ حالمةٌ غير قابلة للتطبيق.
لم أعجب لذلك، فقد لفت نظري –من أول الجلسة- أن الطرف الذي اختير لتمثيل أهل السنة شيخٌ طيب القلب، لا يملك درايةً كافيةً بمذهب الشيعة، وليست لديه الخبرة الواسعة بواقع الطائفة في البلد.
لا أدري هل كان اختيار ذلك الشيخ اتفاقاً، أو أنه أمرٌ رتب له بعناية، فأنا لم أحضر اللقاءات السابقة، ولكن قدر لي حضور هذه الجلسة الأخيرة التي جاء مسارها مختلفاً تماماً، وبطريقة تفاجأ بها رؤوس الشيعة الحاضرون.أما لماذا اختلفت هذه الجلسة عن سابقاتها فلأن الأمير خالد، ابن الأمير طلال بن عبد العزيز طلب من والده الإذن بأن يدعو مختصين بمذهب الشيعة كي يحضروا اللقاء، فكان له ما أرادَ.
حضر الجلسة كلٌ من: الشيخ صالح الدرويش (القاضي بمحكمة القطيف)، والدكتور العراقي نعمان السامرائي (الأستاذ بجامعة الملك سعود سابقاً)، والشيخ عثمان الخميس، والشيخ حسين الحكمي، والشيخ بندر الشويقي.
كان حضور هؤلاء مفاجئا للطرف الشيعي. وكانت الخيبة باديةً على وجوههم من البداية. فقد أدركوا مباشرةً صعوبة التلاعب بمن يعرف مداخلهم ومخارجهم.
لن أطيل في الشرحِ، فقد دار بحثٌ طويلٌ أثناء اللقاء. لكني فقط سأركز على قضية ختم بها المجلس، وكان وقعها شديداً على الأمير طلال بن عبد العزيز، حيث صُدم الأمير بذلك الإقرار الخطير الذي نجح المشايخ في انتزاعه من بين شفتي الشيخ حسن الصفار.طرح الشيخ عثمان الخميس على الشيخ عبد المحسن العبيكان-والجميع يسمع- ضرورة أن تُضمَّنَ الوثيقة موافقة الشيعة على تقديم انتمائهم لأوطانهم ورفعه فوق انتمائهم لمرجعياتهم الفارسية القابعة وراء الحدود.
بالنسبة لمن لا يعرف طبيعة ارتباط الشيعة بمراجعهم قد تبدو له هذه النقطة قليلة الأهمية. ذلك أن الكثيرين يتصورون أن علاقة الشيعي بمرجعه، تشبه علاقة السني بعلماء مذهبه. لكن العارف بالأمور يدرك الخطأ الكبير الذي يقع فيه من يحمل مثل هذا التصور.
المرجع بالنسبة لمقلده الشيعي مطاع الأمر، وقوله هو الدين بالنسبة لأتباعه، ولا يجوز لأحدٍ من مقلديه أن يستدرك عليه، أو يخطئه، أو يخالفه، أو يتبني قولاً غير قوله، حتى لو كان هذه الرأي صادراً من علماء آخرين من داخل المذهب.
هذه العلاقة بين المراجع ومقلديهم، حولت المذهب الشيعي إلى ما يشبه التنظيمات الملتزمة بتوجيهات قائدها. وهنا مكمن الخطورة حيث يتحول الشيعي أثناء الأزمات إلى أداة عمياء تحرك من الخارج، ولا تستطيع السلطات المحلية التفاهم معها.حين طرح هذا الإشكال في المجلس، بادر علي آل محسن إلى المناورة، فذكر أن مراجع الشيعة عادةً ما يأمرون أتباعهم بالانخراط في مجتمعاتهم، ويحثونهم على الخضوع والتعايش مع النظم القائمة في بلدانهم أياً كانت انتماءاتها المذهبية.
هنا تفطن أحد المشايخ الحاضرين للمناورة، فسأل: وماذا لو أمروكم مستقبلاً بخلاف ذلك؟ أنتم الآن تستكينون لأنهم أمروكم بذلك، لكن ماذا لو تغير موقفهم؟
هنا تورط علي آل محسن، فبادر الصفار لإنقاذه، وقال: نحن أصلاً نتبع مرجعية السيستاني، والسيستاني لا يؤمن بولاية الفقيه، وبالتالي فإن أتباعه يقلدونه في مسائل الفقه فقط، دون المسائل السياسية.مناورة ثانية. وإلا فإن مراجع الشيعة حين يفتون، فإن الشيعي المقلد لهم ملزمٌ بالأخذ بفتواهم، سواء تعلقت بالسياسة أو بغيرها. لكن أحد المشايخ الحاضرين جارى الصفار في مناورته، فسأله: وماذا عن أتباع خامنئي؟
قال الصفار: ما لهم؟
قال له الشيخ: خامنئي هو إمامهم ووليهم الفقيه، وسلطته عليهم مطلقة، وطبول الحرب الآن تقرع. فما الذي يمليه عليه دينهم، فيما لو أمرهم مرجعهم بالتمرد والقيام بتحركات وأنشطة داخل بلدانهم؟
عاد الصفار للمناورة، وقال: أتباع خامنئي أقلية لا يشكلون خمسة بالمائة من الشيعة.
مناورة ثالثة. لكن الشيخ جاراه هنا أيضاً، وسأله: وماذا عن هؤلاء الخمسة بالمائة. لو أمرهم خامنئي بالتحرك والتمرد داخل بلدانهم، فماذا سيفعلون؟
هنا استسلم الصفار وأجابَ بكل وضوحٍ: سيسمعون ويطيعون؟
وعند هذه النقطة صدم صاحب البيت الأمير طلال بن عبد العزيز، وفوجئ بهذه الحقيقة التي لم يكن يعلمها.
وبعدها خرج الصفار ليتحدث عن المتطرفين الذين أجهضوا مشروع وثيقة التقارب."
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..