السبت 24 شعبان 1433
باريس, يوليو (آي بي إس) - سادية؟ نعم، سادية. فهل هناك كلمة أخرى لتعريف ممارسة إيقاع الألم والإذلال على أعداد كبري من الناس؟.
لقد رأينا جمعيا في هذه السنوات الأخيرة من الأزمة كيف أدت العقوبات التي فرضتها ألمانيا (تجميد
معاشات التقاعد، رفع سن التقاعد، خفض الانفاق العام،
وخدمات والرفاهية الاجتماعية، تقليص الأموال من أجل مكافحة الفقر
والاستبعاد الاجتماعي، الإصلاحات العمالية، الخ) في اليونان وإيرلندا
والبرتغال وأسبانيا وغيرها من دول الاتحاد الأوروبي … كيف أدت هذه العقوبات
إلي طفرة مذهلة في معدل البطالة وعمليات إخلاء السكن القسرية. لقد رأينا جمعيا في هذه السنوات الأخيرة من الأزمة كيف أدت العقوبات التي فرضتها ألمانيا (تجميد
الكذب يتفشي ويتكاثر، ومعدلات الإنتحار تقفز أعلى فأعلى، يوما بعد يوم.
بيد أنه على الرغم من أن معاناة الناس قد بلغت مستويات لا تطاق، تواصل المستشارة الالمانية أنغيلا ميركل وأتباعها -بما فيهم رئيس الحكومة الأسبانية ماريانو راخوي- التشديد علي أن المعاناة هي أمر جيد، ولا يجب النظر إليه بإعتباره فترة تعذيب وإنما فرصة للإحتفاء.
بيد أنه على الرغم من أن معاناة الناس قد بلغت مستويات لا تطاق، تواصل المستشارة الالمانية أنغيلا ميركل وأتباعها -بما فيهم رئيس الحكومة الأسبانية ماريانو راخوي- التشديد علي أن المعاناة هي أمر جيد، ولا يجب النظر إليه بإعتباره فترة تعذيب وإنما فرصة للإحتفاء.
فوفقا لهم، كل يوم جديد من العقاب، ينقينا ويطهرنا وينعشنا ويقربنا أكثر فأكثر من ساعة العذاب النهائي.
لكن
فلسفة التعذيب هذه ليست مستمدة من كتابات المركيز دي ساد، بل من نظريات
العالم الإقتصادي جوزيف شومبيتر، أحد آباء الليبرالية الجديدة الذين
يعتقدون أن معاناة الشعب تساهم بصورة ما في تحقيق الهدف الإقتصادي الضروري،
بل وسيكون من الخطأ تخفيف حدة مثل هذه المعاناة ولو حتي بالقدر القليل.
في
أسبانيا، حيث تفرض حكومة ماريانو راخوي برامج تقشف وحشية تقترب أكثر فأكثر
من السادية، أخذ التعبير عن السخط الاجتماعي يتضاعف يوما بعد يوم.
وفي الوقت نفسه، بدأت ركائز أساسية للدولة في الإنهيار: المؤسسة الملكية، السلطة القضائية، الكنيسة (التي لا تدفع الضرائب العقارية)، النظام المصرفي، بنك المركزي الأسباني، مقاطعات الحكم الذاتي الغارق بعضها في فضائح الفساد المذهلة، ووسائل الإعلام الرئيسية التي تعتمد بصورة مفرطة على الإعلانات وتحجب الكوارث التي تلوح في الأفق.
وفي الوقت نفسه، بدأت ركائز أساسية للدولة في الإنهيار: المؤسسة الملكية، السلطة القضائية، الكنيسة (التي لا تدفع الضرائب العقارية)، النظام المصرفي، بنك المركزي الأسباني، مقاطعات الحكم الذاتي الغارق بعضها في فضائح الفساد المذهلة، ووسائل الإعلام الرئيسية التي تعتمد بصورة مفرطة على الإعلانات وتحجب الكوارث التي تلوح في الأفق.
كل
هذا يعطي إنطباعا يرثى له لبلد على وشك الغرق، سرعان ما يكتشف مواطنوها أن
وراء واجهة "النجاح الاقتصادي" الأسباني يقبع نموذج "فقاعة العقارات" الذي
جرت مواجهته من خلال عدم الكفاءة والجشع.
الآن
نفهم إلي حد ما، وبتكلفة عالية، واحدا من الألغاز العظيمة في التاريخ
الإسباني: كيف على الرغم من جبال الذهب والفضة التي سلبتها الإمبراطورية
الإستعمارية الأسبانية من الأمريكتين... كيف وجدت أسبانيا نفسها وقد تحولت
في القرن 17 إلى نوع من بلد مليئة بالمتسولين والمشردين؟ ما الذي حدث
لثرواتها المذهلة؟.
لدينا الآن الإجابة الصحيحة أمام أعيننا: عدم كفاءة وقصر النظر من جانب القادة الحكوميين وجشع لا حد له من قبل المصرفيين.
المرحلة الحالية من العقاب لم تنته بعد. فبعد أن خفضت وكالة "موديز" تصنيف الائتمان في أسبانيا في يونيو الماضي من A3 إلى Baa3 (أي مجرد درجة واحدة فوق درجة "السندات غير المرغوب فيه")، إرتفعت كلفة الإقتراض الأسباني إلي حد لا يطاق.
كما
تدهورت الملاءة الاسبانية بصورة تقود لا محالة نحو خطة إنقاذ. وستكون
التكاليف الاجتماعية مروعة، سواء تعلق الأمر بخطة إنقاذ مصرفية أو خطة
إنقاذ من الدين العام.
ففي تقريره السنوي عن أسبانيا، طالب صندوق النقد الدولي بالفعل حكومة مدريد برفع ضريبة القيمة المضافة، وإقرار تخفيضات جديدة إضافية علي رواتب موظفي الدولة، بغية خفض العجز.
ففي تقريره السنوي عن أسبانيا، طالب صندوق النقد الدولي بالفعل حكومة مدريد برفع ضريبة القيمة المضافة، وإقرار تخفيضات جديدة إضافية علي رواتب موظفي الدولة، بغية خفض العجز.
وبالمثل،
توصي المفوضية الأوروبية بزيادة ضريبة القيمة المضافة وإتخاذ تدابير تقشف
جديدة: رفع سن التقاعد، التحقق من إنفاق الأقاليم، تشديد الرقابة علي
إعانات البطالة، القضاء على إعانات الإسكان، وتقليص الإدارة العامة، كل هذا
قبل عام 2013.
ونظرا
لإستحالة خفض قيمة عملية اليورو، فستنخفض قيمة الدولة الأسبانية برمتها
بتقليص مستوى المعيشة فيها بنسبة تتراوح بين 20-25 في المئة.
وعلى
الرغم من أن أنغيلا ميركل وعدت في مؤتمر القمة الأوروبية (28-29 يونيو)
السماح لآلية الإستقرار الأوروبي بإقراض البنوك الأسبانية مباشرة، فما زالت
تطالب أسبانيا بمواصلة عملية الإصلاحات الاقتصادية والمالية الجذرية.
كذلك
فعلى الرغم من ولاء ماريانو راخوي شبه الكلبي لها، تعارض ميركل وبشدة أي
تحرك من جانب الحكومة الأسبانية يكون من شأنه أن يسمح للبلاد بالإلتفاف حول
طريق من التقشف والاصلاح الهيكلي.
وببساطة،
برلين تريد الإستفادة من "الصدمة" التي خلقتها الأزمة وموقف المانيا
المهيمن لتحقيق هدف قديم: التكامل السياسي لأوروبا وفقا لخطوط تمليها
ألمانيا. فقد صرحت ميركل أمام البرلمان الألماني،"مهمتنا اليوم هي تعويض ما
لم يحدث (عندما تم إنشاء اليورو)، ووضع حد لهذه الحلقة المفرغة من الديون
الأبدية وعدم الإمتثال للقواعد". وهنا بدأ بعض النقاد يتحدثون بالفعل عن
"رايخ" رابع.
فإذا
حقق الاتحاد الاوروبي "القفزة الاتحادية" وتحرك نحو إتحاد سياسي، عندئذ
سيتعين علي كل دولة عضو في الاتحاد الأوروبي التخلي عن أجزاء كبيرة من
سيادتها الوطنية. وبعد ذلك، ستكون هيئة مركزية إتحادية قادرة على التدخل
مباشرة في الميزانيات والضرائب في كل دولة.. من أجل فرض الإمتثال
للإتفاقات.
كيف ستكون العديد من الدول على إستعداد للتخلي عن مثل هذا القدر من سيادتها الوطنية؟. سوف يصبح التخلي عن عناصر السيادة أمرا لا مفر منه في مشروع تكامل سياسي مثل مشروع الإتحاد الأوروبي... لكن هناك فرق كبير بين الفيدرالية والإستعمار الجديد.
كيف ستكون العديد من الدول على إستعداد للتخلي عن مثل هذا القدر من سيادتها الوطنية؟. سوف يصبح التخلي عن عناصر السيادة أمرا لا مفر منه في مشروع تكامل سياسي مثل مشروع الإتحاد الأوروبي... لكن هناك فرق كبير بين الفيدرالية والإستعمار الجديد.
هذا الواقع، واقع فقدان السيادة الوطنية، أصبح أمرا فعليا في تلك الدول التي تعرضت لعمليات الإنقاذ، كأسبانيا وغيرها.
فقد أكد وزير المالية الألماني فولفغانغ شويبله -في تناقض مع رئيس الحكومة الأسبانية ماريانو راخوي- أن "الترويكا" (البنك المركزي الأوروبي، والمفوضية الأوروبية، وصندوق النقد الدولي) سوف تشرف علي إعادة هيكلة بنك أسبانيا.
فقد أكد وزير المالية الألماني فولفغانغ شويبله -في تناقض مع رئيس الحكومة الأسبانية ماريانو راخوي- أن "الترويكا" (البنك المركزي الأوروبي، والمفوضية الأوروبية، وصندوق النقد الدولي) سوف تشرف علي إعادة هيكلة بنك أسبانيا.
وسوف
تنظم "الترويكا" أيضا سياسة أسبانيا المالية والاقتصادية الكلية ضمانا
لإستمرار فرض الاصلاحات وتقليص الإنفاق والخدمات، وضمن أولوية سداد البنوك
الأسبانية مدفوعاتها إلى البنك المركزي الأوروبي (الألماني في غالبه).
لا
يمكن إنكار أن أسبانيا، منذ يونيو الأخير، قد شهدت قدرا أقل من الحرية
وقدرا أقل أيضا من السيادة على نظامها المالي، بل وقدر أقل علي سيادتها
الضريبية. كل هذا من دون أي ضمان بأن الأزمة ستنتهي.
والسؤال الذي يفرض نفسه هو: إذا كانت سادية سياسات "التقشف حتى الموت" غير مجدية، فلماذا إطالتها؟...
…
لأن الرأسمالية مضت قدما مرة أخرى وشنت هجوما مع هدف واضح: القضاء على
البرامج الإجتماعية لدولة الرفاه الاجتماعي التي تم تنفيذها منذ نهاية
الحرب العالمية الثانية والتي تعتبر أوروبا اليوم الملاذ الأخير لها.
لكن مثل هذا الهجوم والمضي قدما ربما يقتضي توخي الحذر.. فالشعوب بدأت تقلق بالفعل.. وتتذمر.
إغناسيو راموني*
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..