مما ألحظه بعد حلقة حراك الفائتة, وما قبلها.. أن الفئة التي ترى
الجواز وتنتقد الممانع ومن يتابعهم بسوء الخلق أو التجاوز والخروج عن الروح
العلمية في النقاش..الخ يمارسون الآن دور التهكم والازدراء لرأي الطرف
الآخر وهذا معيب؛ فضلا عن كونه من الترفع الذي لا يحمد وهو في طلبة العلم
أقبح.. كأن يبهج لمن يثني عليه ويشكره, ويعرض عمن يخالفه ويناقشه بحجة
الجمود أو الاستبداد الفكري وحمل الناس على منهج فقهي واحد!
كان ممن أعدت إرساله : مقال الأستاذ محمد الكنعان بعنوان " حجة
الهبدان تهاوت أمام منطقية القرشي".. وأنا هنا لا أدافع عن أحد أو أتبنى
رأي جماعة معينة لذات الجماعة, وليس عندي من اعتقد في رأيه الصوابية
المطلقة! ومن مسالك الجمع بين الأقوال المتعارضة التوفيق بينها وخاصة في
مثل هذه المسائل المستجدة.
لذلك أود من الأستاذ محمد أو من يرى رأيه أن يبرز تلك المنطقية في
النقاط التي ارتكز إليها الشيخ عبدالله القرشي والذي قال صراحة في البرنامج
أن حديثه ليس عن مسلسل عمر بل عن تمثيل الصحابة! مع أن الحلقة موضوعها
مسلسل عمر.. وهذا أول المسائل الخارجة عن محل النزاع ونقطة البحث فأين
المنطقية هنا ؟!
كما أن الشيخ عبدالله وفقه الله اعتمد على الخلاف الفقهي في التمثيل
حجة على الجواز وهذا غير مسلم إذ المحاجة العلمية تكون في الأدلة الصحيحة
لا في الوقائع .
ووجود الخلاف الفقهي في مسألة تمثيل الصحابة لا يعني تجريد مسألة
التمثيل مما يحتف بها بزعم الحياد والموضوعية والبحث العلمي. كما أن القول
بالجواز في أصل التمثيل لا يعني عدم تحريم العمل المعين, ومعلوم فقها أن
الفروع الفقهية قد تخالف أصولها في الأحكام, والاستمساك بأصل دون القدرة
على تنزيله على الواقع ورد الفروع إليه مع بيان حكمها ليس فقها ولا منهجا
علميا حتى يثنى عليه!
والقول بأن الحكم على الشيء لا يكون إلا بعد وقوعه وتحققه لا يسنده
دليل, فثمة أمور تمنعها الشريعة ابتداء إما لذاتها أو لغيرها إن كانت
المفسدة فيها أغلب أو لم تتمحض المصلحة من المفسدة ويُعرف أيهما الغالب.
ولو كنا سنحتج بالخلاف الفقهي في إبطال الأدلة لكن الدليل الأوحد الذي
استند إليه الشيخ عبدالله ووصفه الاستاذ محمد بأنها قاعدة صلبة غير معتبرة
لوجود الخلاف في صحة هذا الأصل!! ولا يلزم لبيان الحكم وقبوله أن تكون
المسألة قطعية النصوص! إذا من المصادر المجمع عليها لدى أهل السنة والجماعة
الإجماع والقياس وهذه ليس بنصوص!
والاتكاء على عمومية الشيء كالتمثيل هنا لا يفيد في استصحاب الحكم
للمعين منها, إذ لكل خاص ومعين ما يلزم من ضوابط وشروط تكون ضمانة لاستصحاب
الحكم وعدم تغيره.
كما أن القصور العلمي أو التقصير البشري في العلوم وطلبها ليس بحجة لسلوك الطرق التي غلبة المفسدة فيها أكبر من المصلحة.
والاستشهاد بما تقوم به إيران لا يسند القول بالجواز إذ من المتقرر
لدى الجميع عدم صحة ما تقوم به من أعمال, ومحاولة المنافسة في ذات المضمار
مع عدم الضمانة الكافية لصحة التطبيق هو عين الإشكال والتشويش لوجود
التشابه بين الروايات ومن ثم يحكى عن الخلاف في صحة الرواية من عدمها مع
الصعوبة التي يعلمها أهل الاختصاص في تصحيح الرواية التاريخية وقبولها.
والتمثيل الحاصل في قصة عمر المختار أو غيره من الملوك لا يدخل في محل
النزاع إذ لا حرمة فيه لدى من يرى جواز التمثيل بعامة, والإجماع منعقد على
أنهم كغيرهم من البشر ممن لا سنة معتبرة لهم ولا يرجع لهم في الاستدلال
كالصحابة فضلا عن الخلفاء الراشدين.
وذكر غيرة عمر رضي الله عنه ليس عاطفة بل حقيقة, ولو أن الغيرة غير
معتبرة في الشرع لما ثبتت فيها وفي مخالفتها الأحكام الشرعية, وحادثة
الاستهزاء بالصحابة في غزوة تبوك واضحة الدلالة في الغيرة على أعراض
الصحابة وحكم الانتقاص والمحاكاة الكاذبة, وهو من أعمال المنافقين إذا خلا
بعضهم إلى بعض. وتوجيه حديث "أترضاه لأمك" من الأساليب التقريرية الموضحة
للحكم فإن قال لا فمن هو أفضل منه أولى؛ وإن قال نعم فإنا نحجه برأيه
ودليله هل هناك من رضي من الملوك والعظماء بتمثيل دور امرأته ممن ليست في
مقامها ؟!
ثم إني أتساءل هنا وأرغب بسماع إجابة مقنعة سواء من الشيخ عبدالله القرشي أو من يرى جواز بث مسلسل عمر رضي الله عنه:
عدد العرب ما يقارب 300 مليون نسمة وهي نسبة تشكل الربع تقريبا من
المسلمين. والنص التاريخي الذي تمت مراجعته دون ضمانة موكدة لتطبيقها هي
باللغة العربية فهل تلزم اللجنة -التي في الاقتصار عليها دون معيار محدد
محل نظر-. بمراجعة النصوص المترجمة أو الاستعانة بأهل الخبرة من المترجمين
لضمان الترجمة الصحيحة للغة التركية والفارسية والانجليزية وغيرها وقد نشرت
المجموعة أنباء عن تعاقدات خارجية لبث الفلم ودبلجته!؟
أيحفظ حق 300 مليون ويضيع أكثر من ثلثي المسلمين فضلا عن الراغب في
معرفة سيرة عمر رضي الله عنه من غير المسلمين ويقدم هذا العمل إليهم بأنه
مجاز من لجنة شرعية!!عبدالعزيز الحربي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..