عندما نكتب ويكون هدفنا خدمة المجتمع وتوجيهه بما نملك من
مواهب وتخصصات وأن
نبحث عما يقر امنه واستقراره وأن نسعى إلى التقريب بين
الحاكم والشعب وليس التنفير ومحاولة إشعال الفتنة، فأن الهدف يسمو. أما
حينما نكتب بروح التنظير الموجه نحو حالة أو مسعى متفق عليه مع أطراف هدفها
خلخلة الأمن واحداث الفوضى بحجة الاصلاح، فهنا لابد من وقفة.
الحالة واحدة حتى وإن اختلف الاشخاص وتباعدت المسافات بينهم. فما يقربهم هو التوجه والفكر والهدف.
المتتبع لبعض الاسماء المتسيدة المشهد إعلاميا من رجال
الدين يرى بعض التقارب الشكلي في طريقة التعاطي مع القضايا المثارة من
حولهم من زاوية التحوير لما يقربهم من المتابع والتركيز على الكم واللعب
على وتر العاطفة والترهيب من القادم واستغلال الموقف لترسيخ ما يريدونه.
سلمان
العودة، ومن خلال الخط الفكري له، نرى تحوله من الفكر السلفي المتشدد
القاعدي الى المعتدل، وصولا اليوم إلى تبنيه الفكر الإخواني حتى وأن كان
ذلك غير ظاهر مع ما يوحي به من تقبل لكل التوجهات الفكرية حتى وإن كانت
خارجة عن اطار الالتقاء. ولكن للضرورة احكام. ولعل هذا ما يجعله قريبا اكثر
من خط الحرية والعدالة المنبثق عن تنظيم الأخوان.
في
كتابه الاخير حدثت المفاجأة المتوقعة، بمعنى ان الكثيرين كانوا يتوقعون ما
سينحو إليه العودة ولم يتردد البعض من المتابعين في التنبؤ بمسار الانجراف
الكبير للدكتور العودة مع ما يسمى بالربيع العربي مع ما بدأ بترديده عبر
العديد من المقالات حول الثورة التونسية كتجربة ناجحة كما يحب أن يقول. ولا
شك أن المتابع للداخل التونسي سيرى بالتأكيد عكس ما يراه العودة وسيشخص
حجم التخبط في خطوات حكام الثورة.
قليلون
ممن توقعوا أن يكون الدكتور العودة بهذه السطحية في محاولته تمرير مخطط
واضح الملامح يقضي ويطالب ويخطط إداريا وعسكريا وسياسيا ودينيا لقلب أنظمة
الحكم في باقي الدول العربية وخصوصا في الخليج وتحديدا في المملكة. سطحية
التفكير تبرز بمحاولة تمرير مثل هذا المخطط التحريضي في شكل كتاب ذي صنعة
أدبية ولكنه يحمل في طياته الكثير من الاسقاطات على انظمة الحكم، في الخليج
عموما وفي المملكة العربية السعودية تحديدا.
سطحية
المحاولة تبدو جلية عندما يجد القارئ أن الكتاب لا يعدو في كونه تجميعا
لبعض القراءات المتراكمة والتي تم اجترار ما يدعم رؤيته لتظهر في شكل كتاب.
ولعل هذا، فنيا على الأقل، أول سقطات الكتاب.
يواصل
العودة، بشكل مفضوح وكبير، تناقضاته. ولعل رجوعا بسيطا الى بعض محاضراته
القديمة قبل اعتقاله تؤكد هذا التناقض وتوضح بما لا يدع مجالا للشك ان
الإخوان هم منْ يسعى من خلال العودة إلى تثبيت سياسة وثقافة التغيير كجزء
من الممارسات اليومية للشباب الخليجي. ولعل برنامجه في اليوتيوب يوضح ما
اريد قوله. فهو لا يدعو إلى التغيير السياسي مباشرة، ولكن يثبت ويشكل ثقافة
التغيير.
هذه
المقاربة غير المباشرة هي سياسة اخوانية اعتمد عليها كبار الدعاة في
الوصول الى الالاف من المتابعين عبر سنوات من العمل على دغدغة العواطف
بالكاريزما الشخصية وعن طريق محاضرات بناء الشخصية وهي ما يمكن ان اطلق
عليه السيطرة التدريجية وصولا إلى القدرة على التوجيه.
في
سياق حديثه يقول في احدى فقرات كتابه "ليس بالضرورة ان يمثل الإسلاميون
الاسلام بل يمثلون المشروع الذي يقدمونه". وبالطبع مصطلح الإسلاميين لا
يحتاج الى اي تفسير فهو قد دلل به على أولئك الذين قادوا ثورة تونس ومصر.
ويتضح قصده أيضاً في محاولته عدم إقحام نفسه في هذا التوجه. وهنا قد لا يجد
القارئ شيئا غير عادي. ولكن ما أن تستمر في القراءة حتى تتبين ملامح
المشروع الذي يبشر به وما هو شكل هذه الدولة. وهنا يبرز التحول العجيب من
شخص كان يدعو قبل سنوات لقتال الكفار في جزيرة العرب واليوم يقول دون أي
تردد "لابد من إجادة اللعبة والقبول بالتنوع والاختلاف المذهبي والديني حيث
ان هذا... من سنن الله". سبحان الله كيف كانت هذه السنة غائبة قبل سنوات
واليوم، ومع صعود مخطط الأخوان، اصبحت هي الاساس.
يستمر
داعيتنا التلفزيوني الشهير في تناقضاته ليقول " الشكل الجديد هي دولة
المواطنين جميعهم البر والفاجر... والمؤمن وغير المؤمن". أليس من العجيب ان
ما تنبذه الان هو ما تطلبه في دولتك التي تنظر لها؟
نعم
انظروا لما يتصيده الاخوان بين الحين والآخر: الاتفاق مع دول الغرب...
الترحيب واحترام الأجانب... الأنشطة... دور العبادة وما كتب وقيل عنها.
دعونا
نعود الى نقطة جوهرية في هذا الموضوع: إن الإسلاميين لا يمثلون الإسلام بل
يمثلون مشروعهم.. هنا نجد انه يقدم توجها إسلاميا سياسيا يتفق مع ما يريد
بمعنى إلغاء التوجه السلفي المتشدد والذي كان احد أعمدته ثم أصبح احد
معارضيه واعدائه من جهة، وتوثيق الاتجاه الإخواني وليس المعتدل من جهة
ثانية. السبب بسيط وهو انه أعاد ترتيب سياقات حديثه واستدل بما يرفع من
قيمة ما تم عمله في الثورات العربية وخصوصا في مصر وتونس. معادلته، أو
بالأحرى معادلة الأخوان، تقول: انت معي سياسيا وأنا أؤيدك حتى وان كنت
مخالفا لما اعتقد؛ انت ضدي لهذا ستكون هدفا أساسيا في مخطط التغيير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..