الأربعاء، 18 يوليو 2012

إلا عمر يا قناتي أم بي سي وقطر

 الحمــد لله والصـلاة والسلام على رسـول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه أمـا بـعـد :
فلا يخفى على كل مسلم صادق متبع عظــم مــقــام أصــحــاب النبي محمـد صـلـى الـلـه عـلـيـه وسـلــم ، وأن تعظــيم جنابهم عبــادة أمــرنا بــها ، وهنا اقتطف من مقال للشيخ القاضي نايف الحمد ، ما أجعله مدخلا لحديثي هذا ، فمما كتبه رعاه الله :
 
فإن أولى ما نظر فيه الطالب ، وعني به العالم بعد كتاب الله - عز وجل - سنن رسوله - صلى لله عليه وآله وسلم - فهي المبيِّنة لمراد الله - عز وجل - من مجملات كتابه ، والدالة على حدوده ، والمفسرة له ، والهادية إلى الصراط المستقيم صراط الله مَن اتبعها اهتدى ،ومن سُلبها ضل وغوى وولاه الله ما تولى ، ومِن أَوكد آلات السنن المعينة عليها ، والمؤدية إلى حفظها معرفة الذين نقلوها عن نبيهم -صلى الله عليه وآله وسلم- إلى الناس كافة ، وحفظوها عليه ،وبلغوها عنه ، وهم صحابته الحواريون الذين وعوها وأدوها ناصحين محسنين حتى أكمل بما نقلوه الدين ، وثبت بهم حجة الله - تعالى - على المسلمين فهم خير القرون ، وخير أمة أخرجت للناس ثبتت عدالة جميعهم بثناء الله عز وجل عليهم ، وثناء رسوله –عليه الصلاة والسلام- ، ولا أعدل ممن ارتضاه الله لصحبة نبيه ونصرته ، ولا تزكية أفضل من ذلك ، ولا تعديل أكمل منه قال الله تعالى ذكره ( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُود)( الفتح: 29) " الاستيعاب 1/1
 
والصحابة أبر هذه الأمة قلوبا ، وأعمقها علما ، وأقلها تكلفا ، وأقومها هديا ، وأحسنها حالا اختارهم الله لصحبة نبيه -صلى الله عليه وسلم- وإقامة دينه " . كما قاله ابن مسعود _رضي الله عنه_  "فحبهم سنة والدعاء لهم قربة والإقتداء بهم وسيلة والأخذ بآثارهم فضيلة "
 
ومما جاء في فضلهم ما رواه أبو بردة _رضي الله عنه_ قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم - (النجوم أمنة للسماء فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد ، وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون ، وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون ) " وهو إشارة إلى الفتن الحادثة بعد انقراض عصر الصحابة من طمس السنن وظهور البدع وفشو الفجور في أقطار الأرض " 
 
وعن عبد الله بن مغفل المزني _رضي الله عنه_ قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ( الله الله في أصحابي الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضا بعدي فمن أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله تبارك وتعالى ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه ) قال المناوي _رحمه الله تعالى_ " ( الله الله في حق أصـحابي ) أي اتــقــــوا الله فيهم ، ولا تلمزوهم بسوء ، أو اذكروا الله فيهم وفي تعظيمهم وتوقيرهم ، وكرره إيذانا بمزيد الحث على الكف عن التعرض لهم بمنقص ( لا تتخذوهم غرضا ) هدفا ترموهم بقبيح الكلام كما يرمى الهدف بالسهام هو تشبيه بليغ ( بعدي ) أي بعد وفاتي " ا.هـ 
 
وبعد ما سبق فإنه حتى ساعة كتابة هذه الأسطر ، لم يثبت خبر عن عزم الذين صادموا الأمة في إرادتها ، ونصرتها خليفة خليفة نبيها صلى الله عليه وسلم منعهم بث المسلسل المشئوم فعليه ماذا لو بث المسلسل ما لواجب علينا ؟ وهو ما حرصت كتابته في هذه الأسطر على نقاط عدة :
 
1- الإيمان بقضاء الله وقدره ، فلا يقع شيء إلا بعلمه وإذنه ، ولازم الإيمان في الواقع المحظور استمرار إنكاره ، وكرهه والبعد عنه ومفارقته والتحذير منه .
 
2- يقع الشيء وهو غير محبوب لله ليبتلي الله به عباده ، ويمحص إيمانهم (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين )، أنكر الله في هذه الآية على من ظن أنه يدخل الجنة ، دون أن يبتلى بشدائد التكاليف التي يحصل بها الفرق بين الصابر المخلص في دينه ، وبين غيره وأوضح هذا المعنى في آيات متعددة ، وفي هذا الابتلاء يظهر التمييز بين الحق والباطل والخبيث والطيب .
 
3- علامة صدق المنكر الكراهية الحقيقية للمنكر ، ويتضح في موضوعنا هذا الكره الشديد لمجموعة الام بي سي وقناة قطر ، الكره اللازم منه حذف باقاتهم وتطهير البيوت والمجالس منها ، واستمرار التحذير ونشر نصوص أهل العلم في تحريمها .
 
4- الفتنة بالشبهة أشد من الفتنة بالشهوة ، فمتعاطي الشبهة يعملها على وجه القربة ومتعاطي الشهوة يعملها على وجه الذنب والغفلة ، ولذا إصرار صاحب الشبهة على شبهته أكبر ، وفتنته في العباد أضر ، وتفريقه لصف الأمة أبلغ وأنكى .
 
5- لو عرض المسلسل ، فالواجب مقاطعة كل معلن فيه ، لأن أعلناه من خلال المسلسل رضى به وعنه ، والمسلسل اتفق أهل العلم المعتبرين كافة أفرادا ومجاميع وهيئات على تحريمه ، ووجوب منع نشره ، وما حرم لذاته حرم كل ما يوصل له أو يكون وسيلة لنشره ، والنهي عن مقاربة الممنوعات في الشريعة أمر معلوم ، فهل يا ترى نكبح جماح أنفسنا ، ونقاطع كل معلن مستخف بإرادتنا وغيرتنا على صحابة نبينا صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم ، ونهجر بضاعته من مطعوم أو ملبوس أو زينة أو مشروب أو آلة ، وفي البدائل خير كثير ولله الحمد .
 
6- أهيب بخبراء ورواد التقنية ومواقع التواصل والأفلام القصيرة ، الاستمرار في محاربة هذا المنكر بإقامة المجاميع والمقاطع التي تحذر الناس وتبصرهم وتثبتهم على الاستمرار في حملة مقاطعة الام بي سي وقناة قطر ، وليعلم المشارك في ذلك أنه قد ضرب بسهم عظيم من أسهم البر والخير ، وشارك في مطلوب عظيم في هذا الزمن ، وهو الذب عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم .
 
7- أذكر الدكتور/ يوسف القرضاوي ، والدكتور/سلمان العودة ، والدكتور/ عبدالوهاب الطريري ، والدكتور/ محمد الصلابي ، وهم أعضاء اللجنة التي يستند عليها المنتج ويبرر فعلته ، أذكرهم الله تعالى وأن يراقبوه ويحذروا سخطه ، ولينظروا في مآلات عملهم وما تسبب به من فرقة هم دائما يدعون عداوتها ، ومن شق للصف هم دائما يدعون إلى وحدته ، لينظروا كم تسبب عملهم هذا من حرج للأمة ، ومخالفة صريحة لكافة علمائها ، أحذرهم الإعجاب بالرأي والمكابرة عن العودة للحق ، لينظروا كم تسبب عملهم هذا من شر نال حتى الأموات ، والكذب عليهم من أهل العلم والفضل ، أعني الشيخ ابن جبرين الذي يدعي أحد المتنفذين في انتاج المسلسل إباحة الشيخ لعملهم ، وفتوى الشيخ صريحة ظاهرة في موقعه تحريم هذا العمل ادعوهم إلى التطاوع الذي هو سنة نبوية تطاوعا ولا تختلفا ، ادعوهم إلى نبذ الخلاف ، والرجوع إلى صف الأمة حتى لو أعتقدوا أنهم على حق بيّن أسوة بابن مسعود رضي الله عنه الذي ترك القصر مخافة الخلاف الذي هو شر ، ادعوهم أن يبينوا حقيقة الأمر ، وما الذي حملهم على ذلك صيانة لأعراضهم كما بين الدكتور / سعد بن مطر ، وأن يحفظوها من القيل والقال ، وقد ذكــر الشيــخ ابــن عثــيــمين رحمه الله عند قوله تعالى ( واتقوا الله ويعلمكم الله ) أنه ينبغي للإنسان إذا وقع في محلّ قد يستراب منه أن ينفي عن نفسه ذلك؛ وربما يؤيد هذا الأثرُ المشهور " رحم الله امرئ كفّ الغيبة عن نفسه " ) ا.هـ أخوفهم الحالقة التي تحلق الدين ، وهي فساد ذات البين ، ولا أظنه يخفى على علمهم معناها ، وأدعوهم إلا إصلاح ذات البين ، ومعنى ذات البين : صاحبة البين ، والبين في كلام العرب يأتي على وجهين متضادين: 
 
1. الفراق والفرقة ومعناه : إصلاح صاحبة الفرقة بين المسلمين بإزالة أسباب الخصام والتسامح والعفو ، وبهذا الإصلاح يذهب البين وتنحل عقدة الفرقة . 
 
2 . الوصل ومعناه : إصلاح صاحبة الوصل والتحابب والتآلف بين المسلمين ، وإصلاحها يكون برأب ما تصدع منها وإزالة الفساد الذي دبّ إليها بسبب الخصام والتنازع على أمر من أمور الدنيا . 
 
8- في زمن الفتن انظر عمن تأخذ دينك ، فدينك عزيز عليك ، لا يصح منك البحث عن الطبيب الحاذق لطلب التداوي من علة ألمت بك ، ولا تبحث عن العالم الثقة لتأخذ عنه دينك ، وعلامات العالم الثقة أبرزها الثبات في الأمر الذي هو سؤال الرسول صلى الله عليه ربه في دعائه عن شَدَّاد بْن أَوْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا أَنْ نَقُولَ : ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الْأَمْرِ ، وَأَسْأَلُكَ عَزِيمَةَ الرُّشْدِ ، وَأَسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ ، وَحُسْنَ عِبَادَتِكَ ، وَأَسْأَلُكَ لِسَانًا صَادِقًا ، وَقَلْبًا سَلِيمًا ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا تَعْلَمُ ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا تَعْلَمُ ، وَأَسْتَغْفِرُكَ مِمَّا تَعْلَمُ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ) ومن علاماته أن يعرف بالقوة في الدين ، والغيرة على حق الله قبل حق العباد ، ومن علامته كثرة الاستدلال بالنصوص في فتاواه ، ومن علاماته كثرة التعبد وظهور أماراتها عليه ( سيماهم في وجوههم من أثر السجود ) عن ابن عباس يعني : السمت الحسن . وقال مجاهد وغير واحد : يعني الخشوع والتواضع ،  وقال النخعي ـ رحمه الله ـ :(كان الرجل إذا أراد أن يأخذ عن الرجل نظر في صلاته وفي حاله وفي سمته ، ثمَّ يأخذ عنه) ومن علاماته التزام السنة وظهورها عليه في الهيئة والدعوة ، وقبل ذلك كله قبول من الله يطرحه في قلوب العباد له ، وأعلم أنَّ مريد الحق ، ومبتغي سبل الهدى ، ينبغي أن يحتاط في الأخذ لدينه ، وأن يعرف من يؤخذ عنهم العلم ، وما صفاتهم ، وقد كان علماؤنا الأجلاَّء يُعْنَوْنَ بهذه القضيَّة أشدَّ الاعتناء ؛ فقد قــال الإمــام محــمــد بــن سيـــرين رحمه الله ـ:(إنَّ هذا العلم دين ؛ فانظروا عمَّن تأخذون دينكم) [شرح مسلم للنووي1/84]. فاحذر على دينك أشد من حذرك على كنزك من السراق ، رزقني الله وإياك الثبات في الأمر .
 
9- أكرر مناشدة من بسط الله له في الأرض ، ومكن له أن يقوم بواجبه الذي كلفه الله إياه ، وهو إقامة شرعه وإعمال أمره في العباد ، كما قال عمر و عثمان رضي الله عنهما ( إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن ) قال سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله في شرحه لهذا الأثر : هذا أثر معروف عن عثمان -رضي الله عنه-، وثابت عن عثمان بن عفان الخليفة الراشد الثالث -رضي الله عنه-، ويروى عن عمر أيضاً -رضي الله عنه-: (إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن)، معناه يمنع بالسلطان باقتراف المحارم، أكثر ما يمنع بالقرآن؛ لأن بعض الناس ضعيف الإيمان لا تؤثر فيه زواجر القرآن، ونهي القرآن، بل يقدم على المحارم ولا يبالي، لكن متى علم أن هناك عقوبة من السلطان، ارتدع، خاف من العقوبة السلطانية، فالله يزع بالسلطان يعني عقوبات السلطان، يزع بها بعض المجرمين أكثر مما يزعهم بالقرآن لضعف إيمانهم، وقلة خوفهم من الله -سبحانه وتعالى-، ولكنهم يخافون من السلطان لئلا يفتنهم، أو يضربهم، أو ينسَّلهم أموالاً، أو ينفيهم من البلاد، فهم يخافون ذلك، فينزجرون من بعض المنكرات التي يخشون عقوبة السلطان فيها، وإيمانهم ضعيف، فلا ينزجرون بزواجر القرآن ونواهي القرآن؛ لضعف الإيمان وقلة البصيرة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
 
10- لا يقتصر ما مضى فقط على مسلسل عمر ، بل يشمل كل مسلسل يجسد أحدا من الصحابة ، فكلهم في الحكم سواء ، وإن كان مقام العشرة أعظم رضي الله عنهم أجمعين .
 
وبعد فإني أذكر نفسي وإخواني الجد والاجتهاد في الطاعة ، والقوة في الندم والإنابة ، والصبر والمصابرة في الاحتساب ، ومقارعة الباطل ، والبعد عن ممارات السفهاء والتعصب للرجال ، وتحكيم الشرع على أنفسنا في القول والعمل ، والثبات على الحق ، وتذكر الأجر العظيم للقابض على دينه في زمن الفتن ، وأن الحق عنوانه كتاب وسنة ، والعبرة بالحق لا بمدعيه ، فإن الرجال تعرف بالحق لا الحق يعرف بالرجال .
 
والحمدلله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم   
 

 وليد بن عثمان الرشودي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..