من عظمة هذا الدين أن كل الوسائل متاحة له
, فهو ليس ديناً جامدا يدخل للبيوت كديانة وعقيدة , بل هو قبول واقتناع ومن ثم
محبة وعمل .
يستخدم القرآن الكريم الكثير من الأمثلة
في كيفية التعامل مع كل عقل وكل أمة , فجعل من القصة وسيلة
, ومن الترهيب والترغيب
وسيلة , ومن الإنفاق والبذل وسيلة , ومن الكلام اللين والتقرب للناس وسيلة ,
والكثير من الأساليب المتنوعة في دعوة الناس للحق , فنجده سبحانه وتعالى يعاتب
نبيه في "عبس وتولى" وفي آية أخرى يقول له "وأعرض عن
الجاهلين" و"أعرض عن المشركين" , فنجد أن الإعراض عن الجاهل سبب من
أسباب انتشار الدعوة وقوتها .
ومن ضمن الوسائل المناظرات لأنها تكفي
المتابع الحائر عناء البحث عن إجابات للأسئلة , وتأتي هذه الإجابات مبسطة وقوية
يفهمها العامي قبل المختص بعكس الخطب والمحاضرات .
إلى الآن في عالمنا العربي لم يُستخدم فن
المناظرة الاستخدام الصحيح , فكل ما نشاهده مشاجرات أكثر منها مناظرات ونخرج في
أغلبها ونحن لم نستفد شيئا .
أحمد ديدات رحمه الله كان علما ومرجعا لكل
المناظرين , فله أسلوب ساحر في الاقناع وقوة الحجة , واتزان الشخصية , ولو أن هناك
علم يدرس في جامعاتنا عن فن المناظرات وتدريب المناظرين لانتشرت هذه الدعوة
ولرأينا الكثير من التحولات الفكرية والعقدية لكل من يعيش بيننا وحوالينا .
تبدأ مناظرات أحمد ديدات عادة في مكان
مزدحم بالناس وتحديدا في الكنائس , وتكون المناظرة في الغالب مع كبارهم وليس
الصغار فتنشد القلوب وتنصت الأسماع , لكنه مع ذلك لا يهمل كل الأسئلة التي تأتيه
من عامة الناس سواء كان فاجرا أم باحثا عن الحقيقة .
يمتلك مخزون ثقافي كبير فهو يحفظ الإنجيل
والتوراة أكثر منهم , ويعلم بنفسياتهم ومفاتيحها وكيف يدخل لها , يعرف كيف يفكر رجل
الدين والسياسي والعامي , يفرق بين جوابه للمرأة وجوابه للرجل لإيمانه بأن لكل عقل
ما يستوعبه وما يثير اهتمامه .
عندما يبدأ حديثه مع من يناظرهم يبتسم
فيخفف من الشحن العصبي عند من يناظره , ثم يدخل على حديثه قليلا من الأريحية
والمزاح الذي لا يقلل من هيبته ووقاره , فيهدأ هو ويتخبط من يقابله , ينصت جيدا
للأسئلة التي تأتيه ولا يقاطعها وكأنه يدرس حالة السائل , ثم تأتي إجابته تبيان
للحق وعلاجا للعقل حتى يتحرك ويتأمل , فيستشهد ببعض المواقف ويدلل بما جاء في
إنجيلهم وكيف أن واقعهم يخالفه , ثم يتدرج مع السائل حتى لا يتركه إلا وقد ملأ
رأسه بالكثير من الأسئلة التي نفضت غبار عقله وجعلته يفكر , وهذا سبب دخول كثير من
رهبانهم وقساوستهم ناهيك عن عامتهم للإسلام.
المناظر
يجب أن يجمع بين هدوء الموقف ,
والصبر على أذية المخالف بهدف اصلاحه , وبين ثقافة عالية لا تقتصر فقط على
كتب
الشريعة ,بل كتب النفس ,والاجتماع ,والتاريخ ,والفلسفة ,وحياة الشعوب
واهتماماتهم
وطريقة تفكيرهم , فالهدف ليس تغيير الناس ليصبحوا كلهم بنسخة واحدة , بل
مساعدتهم على معرفة طريقة الإيمان والتوحيد أما معاصيهم فهي بينهم وبين
خالقهم , فإن عرفوا طريق الإيمان واستوطن قلوبهم فإنه تلقائيا يغير بعض
سلبياتهم بما يستطيعونه.
إن تحققت فيه كل هذه الشروط فسننعم
بمناظرات هادفة وجاذبة وستريحنا من التخبطات الفكرية الكثيرة , والنقاشات العقيمة
التي لا تنتهي ولا تثمر , وسيعود للمناظرات هيبتها وقوتها وجاذبيتها .
بقلم / ليلى الشهراني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..