الجمعة، 6 يوليو 2012

المناظرات وسيلة من وسائل الدعوة

من عظمة هذا الدين أن كل الوسائل متاحة له , فهو ليس ديناً جامدا يدخل للبيوت كديانة وعقيدة , بل هو قبول واقتناع ومن ثم محبة وعمل .

يستخدم القرآن الكريم الكثير من الأمثلة في كيفية التعامل مع كل عقل وكل أمة , فجعل من القصة وسيلة
, ومن الترهيب والترغيب وسيلة , ومن الإنفاق والبذل وسيلة , ومن الكلام اللين والتقرب للناس وسيلة , والكثير من الأساليب المتنوعة في دعوة الناس للحق , فنجده سبحانه وتعالى يعاتب نبيه في "عبس وتولى" وفي آية أخرى يقول له "وأعرض عن الجاهلين" و"أعرض عن المشركين" , فنجد أن الإعراض عن الجاهل سبب من أسباب انتشار الدعوة وقوتها .

ومن ضمن الوسائل المناظرات لأنها تكفي المتابع الحائر عناء البحث عن إجابات للأسئلة , وتأتي هذه الإجابات مبسطة وقوية يفهمها العامي قبل المختص بعكس الخطب والمحاضرات .

إلى الآن في عالمنا العربي لم يُستخدم فن المناظرة الاستخدام الصحيح , فكل ما نشاهده مشاجرات أكثر منها مناظرات ونخرج في أغلبها ونحن لم نستفد شيئا .

أحمد ديدات رحمه الله كان علما ومرجعا لكل المناظرين , فله أسلوب ساحر في الاقناع وقوة الحجة , واتزان الشخصية , ولو أن هناك علم يدرس في جامعاتنا عن فن المناظرات وتدريب المناظرين لانتشرت هذه الدعوة ولرأينا الكثير من التحولات الفكرية والعقدية لكل من يعيش بيننا وحوالينا .

تبدأ مناظرات أحمد ديدات عادة في مكان مزدحم بالناس وتحديدا في الكنائس , وتكون المناظرة في الغالب مع كبارهم وليس الصغار فتنشد القلوب وتنصت الأسماع , لكنه مع ذلك لا يهمل كل الأسئلة التي تأتيه من عامة الناس سواء كان فاجرا أم باحثا عن الحقيقة .

يمتلك مخزون ثقافي كبير فهو يحفظ الإنجيل والتوراة أكثر منهم , ويعلم بنفسياتهم ومفاتيحها وكيف يدخل لها , يعرف كيف يفكر رجل الدين والسياسي والعامي , يفرق بين جوابه للمرأة وجوابه للرجل لإيمانه بأن لكل عقل ما يستوعبه وما يثير اهتمامه .

عندما يبدأ حديثه مع من يناظرهم يبتسم فيخفف من الشحن العصبي عند من يناظره , ثم يدخل على حديثه قليلا من الأريحية والمزاح الذي لا يقلل من هيبته ووقاره , فيهدأ هو ويتخبط من يقابله , ينصت جيدا للأسئلة التي تأتيه ولا يقاطعها وكأنه يدرس حالة السائل , ثم تأتي إجابته تبيان للحق وعلاجا للعقل حتى يتحرك ويتأمل , فيستشهد ببعض المواقف ويدلل بما جاء في إنجيلهم وكيف أن واقعهم يخالفه , ثم يتدرج مع السائل حتى لا يتركه إلا وقد ملأ رأسه بالكثير من الأسئلة التي نفضت غبار عقله وجعلته يفكر , وهذا سبب دخول كثير من رهبانهم وقساوستهم ناهيك عن عامتهم للإسلام.

المناظر يجب أن يجمع بين هدوء الموقف , والصبر على أذية المخالف بهدف اصلاحه , وبين ثقافة عالية لا تقتصر فقط على كتب الشريعة ,بل كتب النفس ,والاجتماع ,والتاريخ ,والفلسفة ,وحياة الشعوب واهتماماتهم وطريقة تفكيرهم , فالهدف ليس تغيير الناس ليصبحوا كلهم بنسخة واحدة , بل مساعدتهم على معرفة طريقة الإيمان والتوحيد أما معاصيهم فهي بينهم وبين خالقهم , فإن عرفوا طريق الإيمان واستوطن قلوبهم فإنه تلقائيا يغير بعض سلبياتهم بما يستطيعونه.

إن تحققت فيه كل هذه الشروط فسننعم بمناظرات هادفة وجاذبة وستريحنا من التخبطات الفكرية الكثيرة , والنقاشات العقيمة التي لا تنتهي ولا تثمر , وسيعود للمناظرات هيبتها وقوتها وجاذبيتها .

 بقلم / ليلى الشهراني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..