ولكن الصحيح الثابت المعروف أنّ عوائل نجد أسرة واحدة ترعرعت في بيت واحد وقاست الآلام والمجاعات والفقر في لحمة واحدة وواجهوا أعداءهم في وحدة واحدة وعطف بعضها على بعض وحمى بعضها بعضاً وضحّى بعضها من أجل بعض وفدى بعضهم بعضاً، وللجميع أيامهم المشهودة بالمكارم ثم من غير سبب طعن بعضها في أصل إنسانية بعض واتهمها ظلماً وجناية بدساسة العرق.
المفهوم النجدي للخضيري والقبيلي صرح وهم جاهلي أساسه على جرف هار، وللشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - مواقف كثيرة وفتاوى يدعو فيها الناس لرمي هذه المفاهيم الجاهلية والخروج عليها. ومن ذلك على سبيل التمثيل لا الحصر قوله «.. فمن العادات الباطلة أنه لا يزوج قبيلي بخضيرية ولا خضيري بقبلية»، ثم قال «وهذه من العادات السيئة التي ينبغي أن تمحى من أفكار الناس»، ثم قال «امرأة حرة نقول: لا يتزوجها الحر، في دين مَنْ؟» «(مقتبس حرفياً من «اللقاء الشهري» رقم 20). وانظر كيف احتد غيرة على الدين والمجتمع - رحمه الله - في قوله «في دين من». ولكن - كما أوضحت في مقالي السابق «توعية مجتمع لا كسر للأعراف» - هو ليس بدين ولكنها أعراف باطلة ولا يُخرج على العادات فردياً فهو حق للعائلة وليس للفرد. وإنما الحل أنّ هذه التقاليد الجاهلية تحتاج إلى أنظمة تشريعية لهدمها. فالقوانين والأنظمة قادرة على تغيير التقاليد بسرعة طالما كانت التقاليد والأعراف مرفوضة من المجتمع، ولكنه أسيرٌ لها بحكم قوة الضغط الاجتماعي، وهذا مجرّب عندنا وفي أمم الأرض قاطبة. فالأنظمة تحكي رغبة وعقول أهل الحل والعقد والخبرة في المجتمعات، والناس تبع لهم.
فلم لا يهبُ سادات نجد وعلماؤها في هذا الشهر المبارك فيلتمسون عند ولاة أمرنا تشريع نظام يُمنع فيه كلمة خضيري ويُعاقب على دعوى تكافؤ النسب بالمفهوم النجدي المذكور سابقاً. وذلك له أصل في الشريعة، من باب التعزير في الظلم والطعن والقذف في الأنساب، (وأنا أتعهّد بتخريج الأنظمة شرعاً على الدليل الشرعي الصحيح، ودحض كل معارضة لها). كما إنّ نظاماً كهذا له سوابق قد يستشهد بها في القوانين العالمية المتحضرة، كقوانين معاداة السامية وقوانين تجريم العنصرية وقوانين جرائم الكراهية.
للأنظمة دور قوي وسريع وفعّال في تغيير الثقافات الفاسدة والعادات السيئة في المجتمعات، فمتى وُضعت قوانين تُجرم هذه الدعوى وملحقاتها توعى المجتمع بما كان عليه من جاهلية وسيتبعه التجار بالعطاء الواسع والصحافة والمثقفون، وكذلك الخطاب الديني في المنابر والخطب والمواعظ.
لم تخل الإنسانية من مواقف مشهورة يتحالف فيها نبلاء القوم وساداتهم على رفع ظلم أو نقض باطل أو تأسيس لمعروف، وحتى جاهلية قريش ففيها حلف الفضول. ولولا المشقة ساد الناس كلهم ، وتغيير ما اعتاد عليه الناس ليس يسيراً:
«لا يُدرِكُ المَجدَ
إِلّا سَيِّدٌ فَطِنٌ لِما يَشُقُّ عَلى
الساداتِ فَعّالُ»
ولن تخلو نجد من سادات هممها على قدر مكارمها، وأقدارها على قدر نفوسهم.
ولن تخلو نجد من سادات هممها على قدر مكارمها، وأقدارها على قدر نفوسهم.
....................د. حمزة بن محمد السالم
الجزيرة السعودية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..