-
I -
ثلاثة استنتاجات يمكن الخروج بها من الإنقلاب المدوّي
الذي قام به الرئيس المصري محمد مرسي.
الاستنتاج الأول.
ماحدث كان حدثاً
دراماتيكياً وفق كل المعايير. وهذا ليس فقط لأن هذا القائد من الإخوان المسلمين أطاح
رأس الجيش المشير طنطاوي وخليفته المحتمل سامي عنان وبقية قادة أفرع الأسلحة
الجوية والبحرية والبرية، بل أولاً وأساساً لأنه ألغى الإعلان الدستوري المؤقت
الذي منح المؤسسة العسكرية صلاحيات واسعة للإشراف على المرحلة الانتقالية إلى
الديمقراطية.
الآن، سيكون في وسع مرسي الاعتقاد أو في وسعه وحده
الإشراف على هذه المرحلة كما يشاء، بعد أن تراكمت كل الصلاحيات التنفيذية في يده.
لكن، هل هذا الاعتقاد في محله؟ وإذا ما كان بعض قادة المجلس الأعلى للقوات المسلحة
قبلوا هذه التغييرات، فكوفئوا بتعيينهم في مناصب عسكرية ووزارية عليا، فهل يعني
ذلك أن هؤلاء سيقبلون أيضاً أن يخضع الجيش ككل إلى السلطة المدنية، بكل ما يعنيه
ذلك من وضع اقتصاده الضخم (الذي يشكِّل نحو ثلث الاقتصاد المصري) تحت عباءة
المساءلة والقانون، عبر الدستور الجديد؟
هذا سؤال كبير، ينبغي للإجابة عليه انتظار اتضاح أمرين:
هل سيرد الجنرالات المُقالون على هذا الانقلاب؟ وإذا ما كان الرد بالإيجاب، كيف:
عبر المحكمة الدستورية العليا أم من خلال إشاعة المجابهات واللااستقرار في البلاد؟
ثم: إذا لم يرد الجنرالات المقالون، ما طبيعة الصفقة التي أبرمها مرسي مع خلفائهم
المعينين، وهل تتضمن تفاهماً جديداً على تقاسم السلطة؟
-
II -
الاستنتاج الثاني
يُخطيء الرئيس مرسي ومن معه إن هم ظنوا أن قرارات
الإحالة على المعاش، وعلى رغم أنها كانت حقاً شجاعة وجريئة، ستعني نهاية حكم
العسكر- المخابرات وبداية عصر الدولة المدنية. فسلطة المخابرات تضرب جذورها عميقاً
في كل المؤسسات المصرية، وهي تتغذى من قوة المؤسسة العسكرية التي تمد جذورها إلى
كل مكان تقريباً في الاقتصاد والمجتمع. ومثل هذه السيطرة لاتزول بمجرد تغيير بعض
الرؤوس أو القيام ببعض المناقلات، كما دلّت على ذلك بوضوح التجربة التركية حيث
تطلب الأمر أكثر من ثلاثة عقود متّصلة لإقامة توازن معقول بين السلطة العسكرية
القوية وبين السلطة المدنية (الإسلامية) المنتخبة.
وبهذا المعنى، الرئيس مرسي ربح جولة، لكنه لما يربح
الحرب بعد.
-
III -
الاستنتاج الثالث
إن انقلاب مرسي لم يكن ليحدث، أو ينجح، لو أن واشنطن
كانت ترفضه. فنفوذها على الجيش المصري أمر معروف ولايقارع. وكما أنها كانت وراء
دحرجة رأس الرئيس حسني مبارك مستخدمة هذا النفوذ مع الجنرالات، ربما كانت على
الأرجح وراء إقناع جنرالات آخرين بدحرجة رؤوس زملائهم لتعزيز وضعية الرئيس المدني
المنتخب.
وإذا ما كان هذا الاستنتاج صحيحاً، وفي الغالب هو كذلك،
فهذا يعني أن شهر العسل بين الولايات المتحدة وجماعات الإخوان المسلمين في مصر
وبقية المنطقة لايزال راسخاً وسيستمر، إلى أن تُثبِت هذه الجماعات أوراق اعتمادها
الديمقراطية والاعتدالية أو تنفيها.
وهذه يجب أن تكون رسالة قوية "من تحت الماء"
إلى الدول العربية، وعلى رأسها السعودية والإمارات والكويت وبقية دول الخليج،
مفادها أن واشنطن مُصمِّمة بالفعل على المضي قدماً وحتى الثمالة في خططها لتغيير
وجه دول المنطقة برمتها، بهدف دمجها بشكل نهائي بمنظومة النظام العالمي، استناداّ
إلى مثلث الديمقراطية، وسيادة القانون، والحريات الفردية.
فهل تتلقف هذه الدول الرسالة وتُقيم على الشيء مقتضاه،
فتبدأ مسيرة التفتح والانفتاح الديمقراطي، أم تقرر مواصلة السير في عكس تيار
التاريخين الدولي والشعبي؟
سؤال برسم الرياض وأبوظبي والمنامة ومسقط والكويت، كما
هو برسم سورية وإيران والسودان والجزائر.
.. والعد سيستمر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..