نحن
إزاء معطيات ميدانية تجسدت بما لا يقبل التأويل أو الشك بعد احتلال
العراق... النظام الإيراني يعمل على إقامة إمبراطوريته الفارسية القومية
على حساب العرب.. فالفرس يظنون واهمين انه قد تم تامين العراق
كلا أو جزءا
وان الامتداد الجغرافي لنفوذهم حاصل عمليا بين العراق وسوريا ولبنان من جهة
الشمال والشمال الغربي وعليه بدا تركيزهم يتجه الآن إلى مناطق رخوة هم
حسبوها أصلا على أنها مضمونة الضم بدون صعوبات ومنها البحرين والكويت وجزء
من السعودية واليمن.
المؤكد
الآن أن حكام الخليج وشعبه بصورة عامة يدركون خطورة القبضة الفارسية التي
تمتد نحوهم ولكنهم ساروا في الاستنتاج الخاطئ عبر دعمهم لمقومات ما يسمى
الربيع الطائفية التي تدعم وصول الإسلام السياسي للسلطة بأي ثمن كان وعلى
حساب أي ثمن مادي أو اعتباري للأمة العربية...إنهم يظنون خطأ أن مقاومة
إيران تتم عبر المعادل الطائفي وهذا خطأ اكبر من خطاهم السابق في مقارعة
أبناء جلدتهم القوميين الأحرار. اقول قولي هذا لأني مؤمن قطعا إن الصراع
عقائدي قومي وليس عقائدي ديني غير إن أنظمة الخليج وخاصة نظام قطر قد تمادى
كثيرا في محاولاته المستميتة لذبح النهج القومي العروبي لأنه يشعر كنظام
وكجهة منفذة لإرادة الامبريالية والصهيونية إن أمنه وتواصل بقاءه كنظام
يتوقف على إنهاء النهج القومي بالاجتثاث والتغييب. ولعل الفجوة الزمنية
التي فصلت بين غزو العراق واحتلاله بمشاركة خليجية فاعلة وبين انطلاق
مسارات التغيير لأنظمة العرب في الأقطار المعروفة قد عاونت قطر ومن وراءها
في إخفاء الصلة العميقة بين احتلال العراق وإسقاطه كسد قومي وبين تنفيذ
الأجندة الطائفية عبر الربيع العربي المزعوم.
إن
الخطأ الأفدح الذي يرتكبه النظام العربي عموما والخليجي خاصة بعد خطأ
إسقاط العراق هو الإيغال في بناء الأنداد الطائفية كجدار حماية له وتهديم
البنية القومية وسواندها لان النجاح الإيراني لم يكن في جوهرة مذهبيا ,لان
التزوير لا يمكن أن ينجح , بل هو نجاح قومي حققته الأمة الإيرانية الفارسية
ليس بقوة العقيدة المذهبية بل بقوة العقيدة القومية وبعد الاتكال
والاعتماد على الشيطان الاكبر.لقد نجحت إيران في توظيف المذهبية في عقل بعض
العرب الموالين لها وبالاعتماد على طابورها الخامس في العراق وغيره من
أقطار الأمة ولم يكن العامل المذهبي هو الفيصل فالمذهبية السياسية تحجر
فكري وانغلاقات في مسامات الحضارة الإنسانية لا تتعاطى مع الذرة والنواة
والكيمياء. إن الدولة التي تسير قدما في بناء برنامجها النووي لا يمكن أن
توصف بأنها دولة دينية بل هي دولة قومية مدنية بامتياز وبالتالي فان خروجها
سياسيا وعسكريا خارج انطقه جغرافيتها له أهداف قومية صارخة حتى لو لبست
لبوسا دينية مهلهلة. إيران القومية الفارسية أوجدت منافذ القضاء على الكبت
عبر عهر المتعة الذي أعطته سمة مذهبية غير إن طبيعته الحقيقية هو انفتاح
على العلاقات الجنسية التي يرى رواد الحياة المادية أنها تحرر العقل البشري
وتطلق طاقاته وخاصة في عمر الإنتاج على غير ما يفعله الكبت ونحن نورد هذا
المسار لأنه تشبه بأوربا والتهتك الغربي عموما من جهة واعتماد سياسة تعدد
الأقطاب الداخلية كمنفذ لاحتواء الداخل بكل إرهاصاته ومعضلاته من جهة ثانية
عبر اعتماد معارضة كاذبة مصطنعه.
إذن..تمكن
الفرس من توفير أرضيات الضم لأرضنا بعد أن تفاعلوا بقوة وبتعبيرات
اجتماعية واقتصادية وسياسية مع الغرب الكافر كما يصفونه ومنحوا حقدهم
وضغائنهم فرص التحقق على ساحة العراق طولا وعرضا عبر التعاقد مع أميركا ومن
تحالف لغزو العراق وإسقاط التجربة القومية في العراق. فالقومية الفارسية
تناطحت مع ندها التاريخي , العرب , في العراق عبر حرب ضروس وحاولت من
البداية تجنيد المذهبية في العراق الأمر الذي يتطلب منها أن تبدي ظاهريا
مذهبيتها لتخدع العراقيين وتخترق جدرهم الوطنية العالية غير إن قوة النهج
القومي واستعداد قيادة الثورة العراقية وتنظيمها الشجاع المتمثل بحزب البعث
العربي الاشتراكي أبقت الصراع على حقيقته حيث هو صراع عقائدي في شقين
:قومي عربي فارسي وديني مجوسي ضد الإسلام. إن العراق قد انتصر على إيران
لأنه تعاطي مع المواجهة في جوهرها الصحيح وهو الجوهر القومي الشوفيني
التوسعي غير إن العقلية المتحجرة للنظام العربي لم تدرك هذه الحقيقة.
إن
الجدل والمنطق وارث البشرية كله يقدم لنا آلاف الأدلة التي تثبت إن الدولة
القومية الشوفينية وتمثيلها القومي المتعصب و التي تسعى للتمدد على حساب
امة أخرى لابد لها أن تمزق الأمة المستهدفة وتضعفها ووسيلة إيران في إضعاف
الأمة العربية هو بإغراقها بالفتنة الطائفية التي تنأى هي بنفسها عنها
بأكثر من خدعة وطريقة تعسفية بشعة.
نرى
إيران إن نطاق تمددها على اليابسة ما عاد ينقصه سوى تحقيق التمدد على
الخليج والذي يضمن سيطرتها على بحر العرب والخليج العربي الذي يتيح لها بعد
ذلك تلقائيا فرض قبضة أقوى على مضيق هرمز والبحر الأحمر. إن احتلال
البحرين والكويت هو مفتاح نجاح الأجندة برمتها وهي التي ستجعل جغرافية
الإمبراطورية الفارسية تسبح في فضاء دائرة مائية إستراتيجية ضخمة تمتد بين
بحر قزوين شرقا والبحر الأبيض المتوسط شمالا والبحر الأحمر غربا والخليج
والبحر العربي جنوبا وبذلك يصبح عبور البحر الأحمر غربا إلى إفريقيا أمر
بديهي ومفروغ منه.
إن
من يظن ويحسب بطريقة تقليدية إن أميركا ستحسب حساب النفط وانسيابيته في
حال سيطرت إيران وفق الصورة التي يجري تنفيذها الآن ذلك لان صيغة التقابل
في العقد المبرم بين إيران وأميركا يقضي بان تضمن إيران انسيابية تجهيز
النفط لأمريكا تماما كما يجري الآن لان إيران يهمها الامتداد الجغرافي الآن
أكثر من أي شئ آخر.
الحل
الوحيد أمام العرب عموما والخليجيين خصوصا هو أن يعيدوا قراءة المشهد
والساحة العراقية وان يحزموا أمرهم بقرار دعم شعب العراق وقواه الوطنية
ومقاومته المسلحة البطلة لإعادة العراق حرا سيدا مستقلا موحدا وبدون هذا
فان الزحف الفارسي متواصل بطرق شتى منها السبيل الديمقراطي الأمريكي في
البحرين على سبيل المثال لا الحصر.
شبكة البصرة
الجمعة 8 رمضان 1433 / 27 تموز 2012
الأستاذ الدكتور كاظم عبد الحسين عباس
أكاديمي عراقي مقاوم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..