* لكن الثابت الوحيد لدى الشيخ راشد أنه لا
يترك مناسبة إعلامية أو فكرية أو
سياسية أو دبلوماسية تفوته إلا ويوظفها للطعن في القوى الإسلامية
* فقد الغنوشي سمْته ليقول: « لو جلس على كرسي الرئاسة اليوم عمر بن الخطّاب لتحوّل إلى مستبد». ولسنا ندري إنْ كان هناك هامش عقدي أو أكاديمي أو قيمي أو يقيني يسمح للغنوشي بتنزيل مثل هذه المقاربة بحق صحابي جليل
* يا له من تفاخر بمثل هذه اللبرالية الفاضحة!! بل اللبرالية الاستفزازية والسليطة اللسان خاصة حين يتعلق الأمر بالقوى الإسلامية وحتى بالرموز الإسلامية. فماذا يؤمل من « النهضة» إذا تحولت إلى جماعة تفاخر باللبرالية؟
د. أكرم حجازي
5/8/2012
سياسية أو دبلوماسية تفوته إلا ويوظفها للطعن في القوى الإسلامية
* فقد الغنوشي سمْته ليقول: « لو جلس على كرسي الرئاسة اليوم عمر بن الخطّاب لتحوّل إلى مستبد». ولسنا ندري إنْ كان هناك هامش عقدي أو أكاديمي أو قيمي أو يقيني يسمح للغنوشي بتنزيل مثل هذه المقاربة بحق صحابي جليل
* يا له من تفاخر بمثل هذه اللبرالية الفاضحة!! بل اللبرالية الاستفزازية والسليطة اللسان خاصة حين يتعلق الأمر بالقوى الإسلامية وحتى بالرموز الإسلامية. فماذا يؤمل من « النهضة» إذا تحولت إلى جماعة تفاخر باللبرالية؟
د. أكرم حجازي
5/8/2012
في
الوقت الذي كان الطغيان يغرز مخالبه في شتى مناحي الحياة .. وفي الوقت
الذي كانت فيه الأرواح تفارق الأجساد تحت وقع ضربات الاستبداد الوحشي ..
وفي الوقت الذي كانت المقابر تتكتم على رفات الأحرار والأبرياء .. وفي
الوقت الذي كانت سياط الجلادين تشق جلود المعذبين في السجون .. وفي الوقت
الذي غدت فيه الدولة والمجتمع أوكارا للتجسس والتنصت على الأعراض
والخصوصيات، وهي تحصي الأنفاس ليلا ونهارا .. وفي الوقت الذي غدت فيه
مقدرات البلاد والعباد نهبا للصوص وقطاع الطرق والمتسلقين والمرتشين .. وفي
الوقت الذي تصدرت فيه الرويبضة شأن الأمة والدين والتحدث عن المصير .. وفي
الوقت الذي انحطت فيه أمة العرب إلى أسفل سافلين، هذا يغزوها وذاك يهينها
وثالث يتبرأ منها ورابع يهزأ منها وخامس يستضعفها وسادس يمتطيها ويراقص
زعاماتها .. وفي الوقت الذي استبيح فيه دين الله إلى حد التوظيف والتضليل
والتلبيس والتحريف .. وفي الوقت الذي كان يحكم الأمة من أفتى بعض أهل العلم
بكفرهم .. وفي الوقت الذي عجزت فيه أية قوة اجتماعية أو مرجعية دينية أو
منظومة أخلاقية عن التغيير ..
في ذلك الوقت كانت الشعوب تراقب وقائع الظلم، وتكظم من الغيظ في الصدور، وتراكم من القهر ما يفيض عن قدرة الذاكرة الجماعية لها على الاستيعاب .. هذه الذاكرة التي صارت مجرد مخزن إيداع لاستبداد مهين لا يتوقف ولا يرتدع .. في هذه اللحظة انفجرت الشعوب غضبا، كما لو أنها كانت تنتظر فقط عود ثقاب طال أمد اشتعاله.
كنا كغيرنا نتوقع حركة شعبية شرسة للاحتجاج على هذا الواقع. لكننا نجزم أن أحدا لم يكن في تصوره أبدا أن تتقدم الشعوب بهذه الطريقة التي لم يسبق لنا أن ألفناها أو خبرناها بحيث يمكن لنا أن نقارب الأمر من قريب أو بعيد. فالجميع لا يدرك حتى اللحظة كيف تحولت الشعوب بين ليلة وضحاها إلى فاعل استراتيجي يهدد كل البنى القائمة والمحيطة به. وهذا التقييم ينطبق على النظم والدول وكافة الجماعات السياسية والاجتماعية التي تفاجأت كما تفاجأ غيرها. ولأن الحدث أقرب ما يكون إلى تدبير رباني لا شأن لأحد فيه، فلا يحق، تبعا لذلك، لأية قوة أن تنتقص من دور غيرها أو تنفرد بنسبة الفضل لها في هذا الانفجار الشعبي العظيم دون غيرها، كما أنه لا بد من الإقرار بالتفاوت بين هذا الفرد وذاك أو بين هذه القوة وتلك.
كان، ولما يزل، من المفترض أن تستثمر القوى الإسلامية هذا الحدث بالانحياز إلى الشعوب والاستقواء بها في مواجهة القوى المحلية المضادة التي انخرطت في الاستبداد وشرعت له ودعمته باعتباره أداتها في السيطرة والتحكم. لكن شغفها بالسلطة ألجأها إلى التحالف معها طوعا أو كرها. ولا يهم هنا التمييز بين القوى اللبرالية والعلمانية واليسارية الثورية وشقيقاتها العميلة.
وكان من المفترض أن تقرأ هذه القوى الحدث الشعبي من منظور عجزها أو فشلها السابق عن إحداث تغيير بحيث تقيم أداءها أو تقف عند أسباب عجزها وعدم قدرتها حتى على التنبؤ بمستقبلها ناهيك عن مستقبل شعوبها. نقول هذا ونحن ندرك أن هذه الجماعات بذلت جهودا جبارة، وهي في المنافي، لفتح حوار مع نظم الاستبداد أو التوسط لديها بل وحتى نصحها بما يتوجب عليها فعله أسوة بهذا الطاغية أو ذاك وإسباغ « الحكمة» على أعتى مجرميها!!!! لكنها فشلت في مساعيها، ولم تجد لها من فرصة إلا الثورات التي ركلت مؤخراتها فإذا بها في المقدمة تتربع على مقاعد السلطة والرياسة.
كان من المفترض أيضا أن تكون هذه القوى منصفة في تعاملها مع الحدث من حيث أنه ليس صنيعتها أصلا، فضلا عن أن فعلها السياسي، وهي في المنافي البعيدة، أو تحت وطأة المراقبة والتدجين، لم يرق إلى إحداث أي تأثير يذكر بقدر ما اشتد لهيب الاستبداد والظلم والقهر أمام ناظريها. في حين أن هناك قوى أحدثت فوارق جبارة في صراعها ضد قوى الهيمنة العالمية، سواء على صعيد الهيبة أو على صعيد الاستراتيجيات الجديدة أو على صعيد الرأسمالية كمنظومة اقتصادية دخلت طور النهاية.
وكان من المفترض أن توظف القوى الإسلامية كل عناصر القوة في الحدث لفرض خطاب تحرري في الداخل والخارج، بحيث يكون هدفها الاستراتيجي هو التخلص من الهيمنة الدولية التي أسست للاستبداد ورعت الاستعباد .. هذه الهيمنة التي لا يمكن أن تشعر الأمة بسيادتها أو استقلالها أو حقها في التمتع بحكم نفسها وإدارة مواردها وثرواتها طالما بقيت منصاتها وقواعدها مستوطنة في البلاد وسيفا مسلطا على الدولة والمجتمع. لكنها بدلا من ذلك تخلت عن الفاعل الاستراتيجي ولم تقتنص اللحظة التاريخية العظمى في مواجهة قوى الهيمنة بقدر ما سعت بكل جهد جهيد إلى طمأنة « المركز» بل والتحالف معه حتى على خوض حروبه بالوكالة. فأي مستقبل ينتظر القوى الإسلامية إذا كان قادتها سيتصرفون وفقا لما تشتهيه أشرعة « المركز»؟تونس والغنوشي
في ذلك الوقت كانت الشعوب تراقب وقائع الظلم، وتكظم من الغيظ في الصدور، وتراكم من القهر ما يفيض عن قدرة الذاكرة الجماعية لها على الاستيعاب .. هذه الذاكرة التي صارت مجرد مخزن إيداع لاستبداد مهين لا يتوقف ولا يرتدع .. في هذه اللحظة انفجرت الشعوب غضبا، كما لو أنها كانت تنتظر فقط عود ثقاب طال أمد اشتعاله.
كنا كغيرنا نتوقع حركة شعبية شرسة للاحتجاج على هذا الواقع. لكننا نجزم أن أحدا لم يكن في تصوره أبدا أن تتقدم الشعوب بهذه الطريقة التي لم يسبق لنا أن ألفناها أو خبرناها بحيث يمكن لنا أن نقارب الأمر من قريب أو بعيد. فالجميع لا يدرك حتى اللحظة كيف تحولت الشعوب بين ليلة وضحاها إلى فاعل استراتيجي يهدد كل البنى القائمة والمحيطة به. وهذا التقييم ينطبق على النظم والدول وكافة الجماعات السياسية والاجتماعية التي تفاجأت كما تفاجأ غيرها. ولأن الحدث أقرب ما يكون إلى تدبير رباني لا شأن لأحد فيه، فلا يحق، تبعا لذلك، لأية قوة أن تنتقص من دور غيرها أو تنفرد بنسبة الفضل لها في هذا الانفجار الشعبي العظيم دون غيرها، كما أنه لا بد من الإقرار بالتفاوت بين هذا الفرد وذاك أو بين هذه القوة وتلك.
كان، ولما يزل، من المفترض أن تستثمر القوى الإسلامية هذا الحدث بالانحياز إلى الشعوب والاستقواء بها في مواجهة القوى المحلية المضادة التي انخرطت في الاستبداد وشرعت له ودعمته باعتباره أداتها في السيطرة والتحكم. لكن شغفها بالسلطة ألجأها إلى التحالف معها طوعا أو كرها. ولا يهم هنا التمييز بين القوى اللبرالية والعلمانية واليسارية الثورية وشقيقاتها العميلة.
وكان من المفترض أن تقرأ هذه القوى الحدث الشعبي من منظور عجزها أو فشلها السابق عن إحداث تغيير بحيث تقيم أداءها أو تقف عند أسباب عجزها وعدم قدرتها حتى على التنبؤ بمستقبلها ناهيك عن مستقبل شعوبها. نقول هذا ونحن ندرك أن هذه الجماعات بذلت جهودا جبارة، وهي في المنافي، لفتح حوار مع نظم الاستبداد أو التوسط لديها بل وحتى نصحها بما يتوجب عليها فعله أسوة بهذا الطاغية أو ذاك وإسباغ « الحكمة» على أعتى مجرميها!!!! لكنها فشلت في مساعيها، ولم تجد لها من فرصة إلا الثورات التي ركلت مؤخراتها فإذا بها في المقدمة تتربع على مقاعد السلطة والرياسة.
كان من المفترض أيضا أن تكون هذه القوى منصفة في تعاملها مع الحدث من حيث أنه ليس صنيعتها أصلا، فضلا عن أن فعلها السياسي، وهي في المنافي البعيدة، أو تحت وطأة المراقبة والتدجين، لم يرق إلى إحداث أي تأثير يذكر بقدر ما اشتد لهيب الاستبداد والظلم والقهر أمام ناظريها. في حين أن هناك قوى أحدثت فوارق جبارة في صراعها ضد قوى الهيمنة العالمية، سواء على صعيد الهيبة أو على صعيد الاستراتيجيات الجديدة أو على صعيد الرأسمالية كمنظومة اقتصادية دخلت طور النهاية.
وكان من المفترض أن توظف القوى الإسلامية كل عناصر القوة في الحدث لفرض خطاب تحرري في الداخل والخارج، بحيث يكون هدفها الاستراتيجي هو التخلص من الهيمنة الدولية التي أسست للاستبداد ورعت الاستعباد .. هذه الهيمنة التي لا يمكن أن تشعر الأمة بسيادتها أو استقلالها أو حقها في التمتع بحكم نفسها وإدارة مواردها وثرواتها طالما بقيت منصاتها وقواعدها مستوطنة في البلاد وسيفا مسلطا على الدولة والمجتمع. لكنها بدلا من ذلك تخلت عن الفاعل الاستراتيجي ولم تقتنص اللحظة التاريخية العظمى في مواجهة قوى الهيمنة بقدر ما سعت بكل جهد جهيد إلى طمأنة « المركز» بل والتحالف معه حتى على خوض حروبه بالوكالة. فأي مستقبل ينتظر القوى الإسلامية إذا كان قادتها سيتصرفون وفقا لما تشتهيه أشرعة « المركز»؟تونس والغنوشي
قديمة هي الحداثة في تونس قدم الاستعمار الفرنسي ذاته. بل أن الفرنسيين سلموا السلطة لبورقيبة، الرئيس الأول لتونس، بعد أن جعلوا من كمال أتاتورك مثله الأعلى فصنعوا منه عدوا لدودا للأمة والدين. ومن يعرف هذا « الأتاتورك» لا شك أنه سيعرف بورقيبة وما فعله في البلاد. وسيعلم أن المادة الأولى من دستور 1959، والتي تنص على أن: « تونس دولة حرة ومستقلة وتتمتع بالسيادة، دينها الإسلام ولغتها العربية ونظامها الجمهورية» فصلت تونس عن العروبة والدين، وأنتجت نخبة متغربة باسم الحداثة والمدنية لا تمت بصلة إلى العروبة أو الإسلام. ومن الطريف أن يعلق الغنوشي، زعيم حركة « النهضة»، على بقاء المادة في الدستور الجديد دون تعديلها عبر التنصيص على كون « الشريعة هي المصدر الرئيس للتشريع» زاعما أن: « الشعب التونسي متحد بخصوص الإسلام ولا يريد إدراج تعبير آخر يؤدي إلى انقسام الشعب»، فضلا عن أن « الثورة لن تنجح إلا بالوحدة الوطنية»!!! فمن أين حصل الغنوشي على هذا التفويض المزعوم؟
لا ريب أن التيار السلفي بتونس وغيرها من البلدان يتسم بالعجلة دون أن يلقي بالا كثيرا للقوى المضادة في المجتمع والدولة. ولا ريب أنها عجلة أوقعته بمآزق هو بغنى عنها في مثل هذه المرحلة التي تمر بها الأمة. لكن بقدر ما بدت حركة « النهضة» حريصة على تقاسم السلطة مع القوى اللبرالية الموصوفة بالثورية باسم الحداثة والمدنية والديمقراطية ودولة القانون، أو مهادِنة للقوى المعادية والمضادة للثورة باسم الحق في حرية التعبير، ولو على حساب أقدس الرموز الدينية والإسلامية، بقدر ما بدت إقصائية إلى حد العداء السافر للقوى الإسلامية الأخرى، السلفية وغيرها.
فما أن وطئت قدماه تونس قادما من المنفى حتى طالعنا الشيخ راشد الغنوشي بتصريحات عدائية وهو يهاجم « حزب التحرير» لرفعه علم الخلافة!!! ففي 22/1/2011 حل ضيفا على برنامج « ضيف المنتصف» بقناة « الجزيرة »، وتلقى من المذيع السؤال التالي:
« في لحظة الفوران الشعبي قبل سقوط النظام وحتى بعده، كانت هناك مظاهرة لافتة في أحد شوارع تونس تزعّمها من يقولون أنهم أنصار حزب التحرير الإسلامي في تونس وكانوا يرفعون لافتة وشعار كُتِب عليه ( لا للديمقراطية، لا للعروبية، نعم للخلافة الإسلامية)، على أي مسافة تقف من أدبيات هذا الحزب؟».
فأجاب الغنوشي:
« على مسافة بعيدة جدًا، نحن نقيضٌ لكل هذا الفكر، ونعتبر أن هذا الفكر لا مكانة له في التيار الإسلامي المعتدل .. وفكرٌ متشدد .. وهو فكرٌ مشوهٌ للإسلام .. ولا أساس له اجتهاديًا، بالأمس قاموا بمظاهرة في بريطانيا أمام السفارة التونسية يدعون إلى حكم الخلافة وينددون بالديمقراطية، بينما لم يظهروا يومًا خلال 20 سنة أو 22 سنة من حكم الديكتاتورية لم يقوموا بأي مظاهرة، اليوم يقومون بمظاهرة ضد الديمقراطية عندما تونس أخذت تتأهب لحكم ديمقراطي، هؤلاء مشبوهون، على الأقٌل نقول أن ليس لهم فكرٌ أسلامي مستنير، وأن ليس لهم تصور مستقيم، وأنهم يساهمون في تشويه الإسلام».
لسنا هنا بوارد الدفاع عن أفكار « حزب التحرير» أو الغنوشي لنرى من الذي انتقلت مواقفه وتبدلت من النقيض إلى النقيض، ولسنا هنا أيضا لنسائل الشيخ وقيادات « النهضة»: أين كنتم أنتم أيضا خلال العشرين سنة الماضية من حكم بن علي؟ لكننا نتساءل ونسائل الشيخ راشد: من هو المشبوه؟ ومن الذي وضع نفسه في دائرة الشبهة؟ الذين رفعوا علم الخلافة واختلفت معهم فكريا أو اجتهاديا؟ أم الذين لبوا دعوة المحافل الماسونية والصهيونية العالمية بدءً من « معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدني» الذي تديره منظمة « الإيباك» الصهيونية وانتهاء ( وليس انتهاء) بملتقى « دافوس» والحديث إلى إذاعة « صوت إسرائيل»؟
حين كانت الحوارات المتعلقة بصياغة مسودة « العقد الجمهوري» تجري على قدم وساق برعاية ما أسمي بـ « الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة» انسحبت حركة « النهضة» من جلسات الحوار احتجاجا على حذف رئيس الجلسة عياض بن عاشور اقتراحا من أحد الأطراف المشاركة في الاجتماع يقضي بالتنصيص في « ديباجة العقد» على بند يحظر التطبيع مع « إسرائيل» ما دامت فلسطين محتلة. ورفض 40 عضوا من الهيئة، ممن يمثلون رموز اللوبي الصهيوني من اليسار في تونس مجرد مناقشة الاقتراح!!!
وبلغت الجرأة بالحبيب القزدغلي، أحد أعضاء « حركة التجديد» ( الحزب الشيوعي سابقا)، وأستاذ التاريخ المختص في المسألة اليهودية، إلى حد الإدلاء بتصريحات استفزازية نشرتها صحيفة « الصباح - 14 /6/2011 » التونسية جاء فيها: « إن اللجنة المنبثقة عن الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة، المكلفة بصياغة العقد الجمهوري، حسمت أمرها في هذه المسألة. وأكد أن مناهضة الصهيونية ليست من ثوابت الشعب التونسي بل هي مسألة بين الفلسطينيين والإسرائيليين وهم يتفاوضون من أجل حلها».
لسنا ندري إن كان ممثلو « النهضة» انسحبوا من الاجتماع بناء على ثوابت أو بإيعاز من قيادة الحركة، ولسنا ندري أيضا إنْ كان للغنوشي علاقة بهذا الانسحاب لاسيما وأنه على النقيض من موقف الحركة رد على أسئلة « الإيباك» بذات المنطق الذي احتج به رموز الصهيونية في « الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة»!!! ففي 3/12/2011 قال في كلمته الشهيرة أمام نخب الصهيونية ورموزها: « حل الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي يعود إلى الطرفين، مضيفاً ... أنا مهتم بتونس. لدي نموذج وتجربة أريدها أن تنجح، فيما الآخرون مهتمون بفلسطين وليبيا. الكل مهتم بمصلحته الخاصة ومصلحتي هي تونس»، أما فيما يتعلق بـ « التطبيع» مع « إسرائيل» فقد استعمل ذات الحجج اليسارية حرفيا: « لا يوجد في الدستور التونسي اسم لأي دولة غير تونس .. ولا وجود لأي بند في الدستور الجديد يحظر إقامة علاقات مع إسرائيل»!!!
كغيره من الباحثين المناهضين لـ « التطبيع»؛ يورد الباحث التونسي أحمد النظيف في مقالة له بعنوان: « النهضة والتطبيع: لاَ خَيلَ عِندَكَ تُهدِيهَا وَلاَ مَالُ.. فَليُسعِفِ القَولُ إنْ لَم يُسعِفِ الحَالُ»، سلسلة من تصريحات أدلى بها بعض قادة « النهضة» حول الموقف من « إسرائيل» والتطبيع معها. وفي السياق ينقل عن وزير الخارجية في الحكومة التونسية المؤقتة رفيق عبد السلام (22/4/2012):
« [ أنه لا يؤيد فكرة تخصيص بند في الدستور التونسي الجديد يجرم التطبيع مع إسرائيل، وأكد أن حكومة بلاده لن تقيم علاقات مع إسرائيل. وأوضح عبد السلام في حديث تلفزيوني بثته قناة « حنبعل» التونسية الخاصة أن خلطا قد تم في موضوع التنصيص على تجريم التطبيع مع إسرائيل في الدستور التونسي الجديد، ولا يعرف من أين أتت قصة تخصيص بند في الدستور التونسي يحرم أو يجرم التطبيع، وأوضح أن الدستور يعبر عن مبادئ عامة بسياسات الدولة[».
وردا على هذه التصريحات يقول الباحث التونسي: « ] نقول للسيد عبد السلام إن قصة تخصيص بند في الدستور التونسي يحرم أو يجرم التطبيع جاءت من حركة النهضة .. وإن أردت فأسال رفيقك في الحركة وزير العدل الحالي السيد نور الدين البحيري القائل ذات 22 جوان 2011 ( أن بعض الأطراف السياسية الممثلة في الهيئة العليا ) .. متهمة بـ « مساندة مبدأ التطبيع» مع إسرائيل مؤكدا أن حركة النهضة « لا تقبل بهذا المبدأ» وترى أن التنصيص على رفض التطبيع « أمرا جوهريا وغير قابل للجدال»]».
ويعلق على ردود الغنوشي بالقول:
« [ كان بإمكان الغنوشي، عندما سئل عن دسترة معاداة الصهيونية في تونس ما بعد بن علي، أن يقول أن هذا لا يعود له، بل للمجلس التأسيسي، لو أراد أن يزايد على مضيفيه بالديمقراطية مثلاً. لكنه سمح لنفسه، كرئيس لحزب يمتلك أغلبية نسبية، لا مطلقة، في المجلس، أن يحدد مسبقاً ما سيدخل في الدستور وما لن يدخل. هذه واحدة. النقطة الأخرى هي أن الغنوشي كان يمكن أن يقول أن الدستور لن يدستر معاداة الصهيونية لكن لحركة النهضة موقفاً ثابتاً وتاريخياً ضد الصهيونية، لكنه لم يفعل »].
في 24/1/2011 حلّ الغنوشي ضيفا على قناة « الحوار » يناقش مسائل الاستبداد وأنظمة الحكم، ولما اشتد به الحماس فقد سمْته ليقول: « لو جلس على كرسي الرئاسة اليوم عمر بن الخطّاب لتحوّل إلى مستبد». ولسنا ندري إنْ كان هناك هامش عقدي أو أكاديمي أو قيمي أو يقيني يسمح للغنوشي بتنزيل مثل هذه المقاربة بحق صحابي جليل بحجم الفاروق؟ ولسنا ندري كيف يسمح الغنوشي بتنزيل الاستبداد على عمر بن الخطاب في هذا الزمن ولا يسمح بتنزيله على نفسه بما أنه أصيل هذا الزمن!!! وعلى كرسي الحكم!!! ، بخلاف عمر رضي الله عنه؟
بالكاد عاد الغنوشي إلى تونس بعد الإطاحة بالطاغية زين العابدين بن علي حتى سئل، كما سئل غيره، عن رأيه في « القاعدة» بعد مقتل الشيخ أسامة بن لادن، ويبدو أنه تطوع في التعليق على الحدث حتى قبل أن يسأله أحد، فقال في تسجيل مرئي له:
« ... الحديث عن بن لادن هو حديث عن منهاج القاعدة .. هذا المنهاج منهاج لا يجد له سندا حقيقيا في الجهاد الإسلامي .. هو استخدام سيئ غير مشروع لمفهوم إسلامي صحيح هو مفهوم الجهاد. والقاعدة جملة هي جواب سيئ .. جواب خاطئ عن مشكل صحيح ... وكانت النتيجة كارثية .. احتل أكثر من بلد إسلامي .. هذه كانت ذريعة لاحتلال أكثر من بلد إسلامي .. كانت ذريعة لربط الإسلام بالإرهاب وتشويهه، وأصبح كل مسلم كأنه مشروع إرهاب .. فجرّت كوارث على الجزائر وعلى أفغانستان وعلى العراق وعلى كل مكان ... جاءت الثورات وجاءت الثورة التونسية ومثلها من الثورات لتقدم لها الجواب الصحيح عن مشكل صحيح ... في الحقيقة أن هذه الثورات أنهت القاعدة .. طبعا ذلك تبقى أشخاص تبقى أبدان .. تعيش أو تموت .. لكن القاعدة قد انتهت قبل أن يموت بن لادن من خلال الثورة التونسية المباركة وما تلاها من ثورات .. هذا المنهاج الذي في أربع أسابيع أطاح الديكتاتور في تونس وعادت السيادة للشعب .. وبمصر خلال ثلاثة أسابيع أطاح بالفرعون وأعاد السلطة للشعب والبقية تأتي في الطريق .. فماذا بقي من القاعدة سواء مات بن لادن أو لم يمت؟».
واضح أن تعقيب الغنوشي على مقتل الشيخ ومنهج « القاعدة» ومصيرها لا يتمتع بأدنى موضوعية تذكر. ورغم تحفظنا على مزاعم مباشرة لدور « القاعدة» في غزو أفغانستان إلا أن ما حصل في الجزائر والعراق لا شأن لـ « القاعدة» فيه لا من قريب ولا من بعيد. أما عن الصومال التي سيأتي على ذكرها في مناسبة لاحقة فلا شأن أيضا لـ « القاعدة» فيما حصل فيها، فلم تكن حركة « الشباب المجاهدين» من « القاعدة»، بل كانت ضمن تنظيم « المحاكم الإسلامية» التي كان يقودها شيخ شريف مع غيرها من القوى الإسلامية قبل الغزو الأثيوبي صيف العام 2006، وقبل أن يهرب شيخ شريف إلى كينيا بعد الغزو ليصبح حليفا لها ولأثيوبيا ولأمريكا. وإذ لم يكن يعلم الغنوشي هذا فإن القوة الوحيدة التي رفضت الانضمام لـ « المحاكم» آنذاك كانت « حركة الإصلاح» الإخوانية التي تحالفت مع عبد الله يوسف رئيس حكومة الصومال العميلة، ونقلت مكتبها الإداري معه إلى بيداوا، وسط الصومال، هربا من «المحاكم»، وهذا الكلام لـ د. محمد علي إبراهيم، المراقب العام للجماعة في الصومال لفترتين متتاليتين، والذي انشق عنها وأصبح لاحقا عضوا في حكومة شريف، وهو الذي قال بأن « المحاكم» حاولت في 17 جلسة لقاء ضم الحركة إليها إلا أنها رفضت رفضا قاطعا بدليل قوله: « إذا كانت تصريحاتهم متناقضة، وتفتقر إلى التنسيق فهذا شأنهم ؛ لكننا نعرف أنهم حاربوا المحاكم وساعدوا إثيوبيا والحكومة العميلة بقيادة عبد الله يوسف»!!! ولما سئل علي باشا عمر، المراقب الجديد للجماعة، عن موقف الحركة من الغزو الأثيوبي، وبعد تنصيب شيخ شريف رئيسا، أجاب: « إن الحركة لم تكن طرفا في النزاعات المسلحة التي قامت بين الحكومة الانتقالية والقوات الإثيوبية الداعمة لها من جهة وبين المحاكم الإسلامية طيلة السنتين الماضيتين»، أما لماذا؟ فلأن « حركة الإصلاح» كانت على ما يبدو من سكان المريخ وليس من سكان الأرض والصومال!!! بل أنها أصدرت بيان (7) شجب واستنكار في 26/7/2006 لم تذكر فيه كلمة احتلال أو عدوان أو غزو، ولم تدع فيه إلى أية مقاومة أو جهاد ضد الأثيوبيين رغم قتل الأثيوبيين لـ 18 ألف مسلم من بينهم 43 عالما قتلوا في المسجد لحظة احتلال العاصمة مقديشو. أما لماذا ثانية؟ فلأنه : « ليس من منهج الإخوان السعي إلى التغيير بالعنف أو بواسطة الانقلابات والثورات .. (بل) .. على أساس نهج الإصلاح التراكمي المبني على الوسطية والشمولية» ..
أرأيت يا شيخ راشد كيف يكون « الجواب الصحيح للمشكل الصحيح»!!!! الجواب الصحيح أن نجاح « المحاكم» في القضاء على أمراء الحرب وتجارها في الصومال؛ والاحتلال الأثيوبي؛ ومقتل آلاف المسلمين في الصومال وعشرات علماء المسلمين في المساجد؛ مشكل صحيح!!! إلا أنه ليس في منهاج « الإخوان»: « السعي إلى التغيير بالعنف أو بواسطة الانقلابات والثورات» !!! فلماذا تركت « حركة الإصلاح» الشعب الصومالي يوجه الاحتلال وتحالفت مع الأعداء؟ هل تعلم يا شيخ لماذا عزلت القيادة الجديدة لـ « الحركة» القيادة القديمة؟ ولماذا تراجعت الجماعة الأم عن الاعتراف بالقيادة الجديدة؟
أما منهاج « القاعدة» الذي يراه الشيخ راشد ذريعة استغلها الغرب لإيذاء الأمة فليس هو المسؤول عما لحق بالعالم الإسلامي أبدا. لكن الغريب أن يتجاهل خطاب « القاعدة» الشرعي والسياسي وأثرهما في المأزق الغربي والعربي على السواء حتى أن مفردات الخطاب الشرعي التي كانت محرمة على الإعلام الرسمي صارت من أبجدياته مع انطلاقة الثورات العربية. أما أن « القاعدة» ماتت بموت الثورات العربية فهو تقييم أرعن لم يقل به حتى الغرب نفسه ولا حتى الغنوشي في كلمته أمام « الإيباك»!!!
لكن الثابت الوحيد لدى الشيخ راشد أنه لا يترك مناسبة إعلامية أو فكرية أو سياسية أو دبلوماسية تفوته إلا ويوظفها للطعن في القوى الإسلامية لاسيما « التيارات الجهادية العالمية» منها بسبب وبدون سبب. بل هو يعتبرها بلسان الأعداء «إرهابا»، ومن الطريف أن أكثر الجمل (10) التي يستعملها في هذا الصدد هي تلك القائلة: « ماذا حققت القاعدة من خير للأمة؟ أو ماذا حقق هذا الذي يسمونه الجهاد الدولي من خير للأمة؟» .. ثم يجيب بالقول: « لا شيء». ومن الطريف أن توصيفاته هذه تكررت في هجومه العنيف على خطاب الظواهري الذي دعا فيه الشعب التونسي إلى التمسك بالشريعة (10/6/2012). ففي مؤتمر صحفي له ( 13/6/2012) قال الغنوشي: « هذا الرجل (الظواهري) كارثة على الإسلام والمسلمين .. ماذا فعل هذا التيار.. كلما دخل إلى مكان يحل الخراب .. دخلوا العراق فاحتلت ودخلوا أفغانستان فخربت ودخل للصومال فخرب»، مضيفاً: « مشروع القاعدة هو مشروع هدم لم يأت بخير للإسلام، والظواهري هو نموذج للتطرف الإسلامي». ولعل الغنوشي هو الوحيد الذي شذ عن القراءات السياسية التونسية.
فقد سبقه رفيق العوني، عضو المكتب السياسي لـ « جبهة الإصلاح»، الذي نقلت عنه « الصباح نيوز – 11/6/2012 » في اتصال هاتفي تأكيده: « ] « أنّ ما جاء في تصريح الظواهري يتنزّل في إطار النصيحة وليس كما فهمه بعض الأطراف من أنّه تحريض على الانقلاب ضدّ حركة النهضة». مضيفا: « أنّ الشأن الداخلي للبلاد لا يهم إلاّ أهل الوطن، لكن يجب أن تقبل النصيحة من حيث مأتاها إذا كانت تفيد الوطن، كما بالإمكان رفض كلّ ما يضرّ بمصالح الشعب التونسي». أمّا رضا بلحاج، الناطق الرسمي باسم « حزب التحرير»، فقد أكّد في اتصال مماثل مع الصحيفة: « يجب أن ينزل هذا الموقف منزلته كموقف يسمع ويناقش ولا يقع تسليط عناوين الإرهاب والقاعدة عليه». كما دعا إلى أن يخرج موقف الظواهري من « أجواء الفزاعات» وأن لا يباع إلى الأعداء وخاصة أمريكا، معتبرا أنّ كلّ من يرفض النقاش في هذا السياق، يهرب من استحقاقات الصراع الفكري والردّ على الكلام. وأضاف أنّ الصحوة الإسلامية في العالم العربي والإسلامي يوجد فيها أكبر من النهضة وغيرها من الحركات الإسلامية التي يجب أن تحاسب وأن تقبل الحوار والرقابة المشدّدة من الصحوة الإسلامية، مبيّنا أنّ المساءلة طبيعية حتى وإن كانت مشدّدة. وفيما يتعلّق بتدخّل طرف أجنبي في مسألة داخلية تهمّ تونس، فقد رأى رضا بلحاج أنّ هذه المسألة أكبر من ذلك معتبرا أنّ: « الصحوة الإسلامية ليست لها حواجز في عصر العولمة»]».
الطريف في الأمر أن أقوال الغنوشي وخطاباته غداة الغزو العراقي للكويت 2/8/1991 كانت أقرب ما تكون إلى خطاب « القاعدة»!!! فلنشاهد أو نقرأ ما قاله آنذاك:
« إن الدولة التي تعتدي على العراق سندمر مصالحها في كل مكان .. إنه لن يبقى وجود غربي في أمة الإسلام إذا ضربت العراق .. أن يكون هذا تقي وهذا شقي هذا أمره إلى الله .. أما الأمة الذي يهمها هو مواقف الناس فالذي يضع نفسه في مواجهة أعداء الإسلام هو صديقنا وأخونا .. والذي يضع نفسه في خدمة أعداء الإسلام مهما كانت منزلته ومهما أعلن من شعارات هو عدونا .. إلى متى سنظل نتراجع؟ تراجعنا من وسط أوروبا ولا نزال نتراجع حتى وصل الغزو إلى القلب .. لن يخرجوا بقرار من الأمم المتحدة .. لن يخرجوا بخطبنا .. لن يخرجوا بمفاوضاتنا .. لن يخرجوا حتى نشعل الأرض من تحت أقدامهم ومن فوقهم ومن بين أيديهم ومن خلفهم نارا .. أُحقق باستمرار إيماناً بالله عظيماً متجدداً بالحياة .. أحقق باستمرار .. أُشعل وقود الحرب على الطاغوت بقيادة الأمريكان اليوم في كل مكان».
لو كانت « القاعدة» آنذاك قائمة كما هي اليوم لربما كان الغنوشي أحد أعظم منظريها أو قياداتها!!! أو لربما قتل أو اعتقل في أفغانستان أو في مكان ما، أو لربما بقي مطاردا إلى يومنا هذا!!! لذا بأي منهج يتحدث الغنوشي بهذه اللغة ثم يستنكرها على غيره؟ هل هو منهج المنافي الأوروبية؟ أم منهج القوى الوطنية التقليدية التي ساقت الناس إلى الأيديولوجيات القومية واليسارية والوطنية ردحا من الزمن فإذا بها بعد حرب الخليج الثانية سنة 1992 ومن ثم « اتفاق أوسلو» بين « منظمة التحرير الفلسطينية» و « إسرائيل» سنة 1994 تسوقهم نحو « التسامح» و « المصالحة» بحجة « وطنية» تقول: « لن نبقى رافعين السيف إلى الأبد»!!!! أو بحجة شرعية مشوهة ومحرفة: « فإذا جنحوا للسلم فاجنح لها»!!! أو « نقبل ما يقبل به الفلسطينيون»!!!
ما الذي تغير في الغنوشي كي ينقلب من النقيض إلى النقيض؟ إذ أن منطق تصريحاته تذكرنا بمنطق مماثل عبر عنه سعد الدين إبراهيم وهو في ضيافة القناة الأولى في التلفزيون «الإسرائيلي» بعد «اتفاق أوسلو» للتعليق على كتابه « السادات: الرجل والأسطورة». فقد استفسره المذيع عن أسباب تحوله من اليسار إلى اليمين باعتباره كان معارضا لمعاهدة « كامب ديفيد» بينما يصدر له اليوم كتاب عن الرئيس السادات يصفه بالأسطورة؟ فرد بتملق ونفاق عجيبين: « كنا عاجزين عن فهم عبقرية الرجل .. فالسادات لم يفهمنا ولم يهيئنا ولم نستطع أن نفهم خطوته»!!!! فإذا كان سعد الدين إبراهيم أبلها قبل « اتفاق أوسلو» فما الذي يجعله حكيما بعده؟
حقا ما قاله علي العريض، أحد قادة « النهضة»، ممن غيبته السجون التونسية 14 عاما، فقد خرج يتباهى كالطاووس، بعد أيام من سقوط الرئيس بن علي (12/1/2011)، بلبرالية الحركة قائلا: « لسنا خطرا على أحد، ونحن أكثر ليبرالية من الإسلاميين بتركيا ومصر والمغرب»!!!؟ مشيرا إلى أن سنوات المنفى أدت إلى مراجعة الحركة: « أولوياتها وأفكارها وهي الآن تقدم نموذجا ليبراليا إسلاميا عن السياسة» ..
يا له من تفاخر بمثل هذه اللبرالية الفاضحة!! بل اللبرالية الاستفزازية والسليطة اللسان خاصة حين يتعلق الأمر بالقوى الإسلامية وحتى بالرموز الإسلامية. فماذا يؤمل من « النهضة» إذا تحولت إلى جماعة تفاخر باللبرالية؟ أو إذا كان أقصى ما تذهب إليه لبراليتها في الدفاع عن عقائد الأمة ورموزها لا يتجاوز حدود الاستنكار وإدانة « العنف» في أحسن الأحوال والمواقف؟ وما الذي يرتجى من « النهضة» بينما يصول رموز الإلحاد والتطبيع مع « إسرائيل» والصهيونية العالمية ويجولون في أروقة السينما ودور الثقافة أمام ناظريها، وهم يعرضون بكل وقاحة أشرطة سينمائية تتطاول على الله عز وجل وتجسد الأنبياء، على قاعة « أفريكا – 26/5/2011 » مثل شريط الملحدة، ربيبة « إسرائيل»، نادية الفاني « لا ربي لا سيدي» أو قناة « نسمة تي في» التي بثت شريط « بلاد فارس =Persepolis - 8/10/2011، المدبلج بالعامية التونسية، للمؤلفة والمخرجة الإيرانية مارجان ساترابي.
مع الفارق في المقاربة، حيث شتان ما بين الإسلام والإلحاد، إلا أن منهج هؤلاء واحد في امتطاء الأفكار وحشد الناس حولها ثم التخلي عنها وإدانتها. ولسنا ندري كيف يحق لأمثال هؤلاء أن يتصدروا منظومات فكرية يقودون بها قطاعات عريضة من الأمة ثم سرعان ما يتخلون عنها ويستنكرون من يستمر بها. فإذا كانت أفكار هؤلاء، باعترافهم، صحيحة في زمان مضى وقاصرة في زمان أتى؛ فبأي منهج تَصدَّر هؤلاء قيادة الأمة؟ وبأي منهج يحكمون على سلامة الأفكار والمعتقدات من سقمها؟ وبأي منطق يطالبون الناس باتباع أجوبتهم الصحيحة؟ وبأي حق يحتكرون الصواب في كل حين حتى وهم مخطؤون؟
الأعجب في تقييم الغنوشي اعتباره الثورات هي « الجواب الصحيح عن المشكل الصحيح»!!! ولعل أقدار الله في خلقه كانت لتقييمه بالمرصاد. فمن جهة؛ لا شأن للغنوشي ولغيره بالثورة التونسية إلا كواحد من سكان تونس، ولا فضل لأية قوة محلية في انطلاقة أية ثورة عربية. ولا شأن لأية قوة سياسية تقليدية، إسلامية أو علمانية، بكل الثورات الشعبية التي خرجت بعيدا عن أية أيديولوجيات أو توجيه من أحد. هذه هي الحقيقة الساطعة التي لا يستطيع أحد أن يزعم بها وصلا بليلى. ومن جهة أخرى؛ هل يمكن لتقييم الغنوشي أن ينطبق على الثورات القائمة واللاحقة؟ وهل منهج الثورتين التونسية والمصرية هو ذات المنهج في الثورة الليبية أو اليمينة أو السورية؟ وهل الوقت الذي استغرقته الثورة الليبية هو ذات الوقت الذي استغرقته الثورة التونسية أو المصرية أو حتى اليمنية ناهيك عن السورية؟ وهل التكلفة البشرية والبنية التحتية في ليبيا وسوريا هي ذات التكلفة في تونس أو مصر أو اليمن؟ وهل تدخل « الناتو» في ليبيا وأمريكا في اليمن « جواب صحيح على مشكل صحيح»؟
لن نناقش المسائل العقدية للشيخ راشد الغنوشي، فهذه مسائل لها أهلها. لكننا لم نر أدنى منطق فيما يقوله الغنوشي بأن الحرية قبل الشريعة والاستقلال قبل الحرية والشريعة، فمتى يأتي دور الشريعة؟ وما الذي يسبقها ولم نعرفه بعد؟. الحقيقة أننا لم نقع أصلا على موقف صريح من الشريعة للغنوشي إلا الرفض والتجاهل. بل أن كل ما وقعنا عليه رجل استبدادي لم يفلت من كِبْرِه وهجماته وعدائيته شخص أو صحابي أو مجاهد أو حزب أو جماعة أو عقيدة أو شريعة .. رجل لا يحترم مخالفا أو خصما إلا إنْ كان لبراليا أو علمانيا أو عدوا!!! .. رجل صمَّ أذنيه، كما فعل زملاءه، عن هدير الملايين الغاضبة، وبدلا من أن يستقوي بها وبعقيدتها ويستمد منها الشرعية ويستغل اللحظة الفارقة ويقدم مشروعا جامعا شاملا للأمة قام بإلقاء الثورة التونسية في المحافل الأمريكية والصهيونية، وقبِلَ أن يتعرض لاستنزاف سياسي وعقدي حتى الرمق الأخير، وكان بإمكانه أن يراوغ للإفلات من قبضة الهيمنة إلا أنه فضل شهادة حسن السير والسلوك بأي ثمن كان!!!
هذا المنطق جعل الحكم الجديد في تونس أقرب إلى تطمين « المركز» من قرب الطاغية المخلوع له. وبطبيعة الحال كان لا بد أن تنعكس هذه الرؤية على هوية تونس نفسها وعلى عقيدتها ومواقفها من قضايا الأمة الكبرى. وكان من الطبيعي أيضا أن نشهد سعيا أمريكيا محموما لإنشاء ما يمسى بـ « هيئة لمحاربة الإرهاب في تونس »، ونسمع تهديدات لوزير العدل التونسي، نور الدين البحيري، بأن « الفسحة انتهت » مع التيار السلفي. وقد شهدنا، قولا وفعلا وشهادة، حجم الوحشية التي استعملتها أجهزة الداخلية التونسية ووحدات « مكافحة الإرهاب» ضد السلفيين في ولاية جندوبة وسيدي بوزيد وحتى في ضواحي تونس لاسيما ضاحية الزهراء. ومن يرصد التهديدات العلنية والاستفزازية للبراليين واليساريين ضد الإسلاميين عامة والسلفيين خاصة يستعجب من الداخلية التونسية وهي تبدي أكبر قدر من التخاذل ضد هؤلاء بينما تتغول في التعامل مع القوى الإسلامية.
ما زالت المنصات الثقيلة لقوى الهيمنة في تونس تعمل بكامل طاقتها الإنتاجية خاصة فيما يتعلق بالمس في عقيدة الأمة ورموزها الدينية. وليس آخرها ما قام به رموز الإلحاد من الرسامين التشكيليين في قصر العبدلية بضاحية المرسى ليلة 11/6/2012. والعجيب في الأمر أن المعرض جرى برعاية وزارة الثقافة التونسية وبعلم وزارة الداخلية التونسية!!! وردا على هذه الجريمة تحرك أهالي ضاحية المرسى قبل أن يصل إليهم بعض السلفيين للاحتجاج على المعرض المسمى بـ « ربيع الفنون »، والذي احتوى على عديد اللوحات والمجسمات التي تتطاول على الله عز وجل وعلى المسلمين. ويجمع العقلاء في تونس على أن المعرض استهدف إيقاع فتنة، لكن حملات العقاب كانت من نصيب السلفيين الذين بادروا، غيرةً، إلى الدفاع عن دينهم ورموزهم ومقدساتهم ضد طغمة الإلحاد ورؤوس الفتنة.
المشكلة أن الحكومة التونسية تتعامل مع القوى الإسلامية باعتبارهم خصوم، بينما تجتهد عميقا في التوافق مع القوى اللبرالية والعلمانية وتقدم كل التنازلات المطلوبة منها وتعجز عن تحقيق ثابت واحد من الثوابت الإسلامية ولو من حيث الشكل. بل أن الحكومة تجهد في احتواء كل مس بالمقدسات والرموز الإسلامية، وتكتفي فقط بغرامة ترفضها الولايات المتحدة بحق صاحب قناة « نسمة» على وضاعتها، وفي المقابل ترفع العصا الغليظة ضد المدافعين عن ثوابت الأمة والدين، وتسارع إلى شن حملات المداهمة والقمع والاعتقال والتهديد ضدهم إلى حد القتل.
يفسر الزميل التونسي عمار العبيدي السلوك العدواني لحركة « النهضة» بوجود « ثلث» سياسي فيها يتحرق شوقا للصدام مع القوى الإسلامية لاسيما منها السلفية. والحقيقة أن هذا « الثلث» الذي يسعى بكل ما أوتي من قوة إلى التحالف مع الولايات المتحدة في إطار ما يسمى « مكافحة الإرهاب» موجود في إطار جماعة « الإخوان المسلمين» في المغرب ومصر.اليمن
لكنه في اليمن أسلم البلاد والعباد للوصاية الأمريكية التامة، بل أن مواقفه المعلنة كشفت عن رؤية متوحشة، بلا حياء من عقل أو دين، وغارقة في الخيانة والعمالة والحقد الأعمى في أبشع الصور وأشدها قذارة ووضاعة وفجورا. ففي لقاء له على قناة « الجزيرة» ظهر عبد الرحمن بافضل، رئيس الكتلة البرلمانية للتجمع اليمني للإصلاح، كما لو أنه أحد أشهر « عواهر» الردح في العلب الليلية، وهو يطالب باحتلال أمريكي - فرنسي سافر للبلاد، وكأن اليمن، أرضا وعقيدة وأمة وحضارة وتاريخا وأعراضا ودماء، من تركة أبيه ليهبها لمن يشاء من مجرمي الأرض!!! فلنشاهد أو نستمع أو نقرأ ما يقوله ويدعو إليه قادة « الإخوان» في اليمن:
« نحن نتعهد لهم وقلنا نحن مستعدين نتعاون مع أمريكا وفرنسا والمجتمع الدولي في إطار الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب .. بموجب ميثاق الأمم المتحدة يدخلوا عندنا .. وأنا أقول نتعاون ونتحاور أول ما نسقط النظام في ملف القاعدة في اليمن من أجل تصفيتها بالكامل .. أنا أقول الآن مستعدين نحارب القاعدة .. نوقع اتفاق معهم أمني .. هم (أمريكا) وفرنسا ليدقوا القاعدة»!!!!
لم أجد من توصيف وأنا أشاهد مذهولا من هذا الجنون لهذا المأفون وأمثاله إلا أن يكون أحد أساطين الدياثة في الأرض، وكلي عجب من جرأة هؤلاء على الله ورسوله والمؤمنين، ومن فجورهم وحقدهم الأعمى وخيانتهم وظلمهم الشنيع لأنفسهم وللأمة. وكلما جاهدت نفسي للابتعاد عن سفاهاتهم، عملا بمبدأ المصلحة والمفسدة، كلما شعرت أنني أرتكب جريمة شرعية وأخلاقية في السكوت عليهم. فقد ظللت أتفكر وأتأمل فيما قاله هذا الرجل علّي أقع على سبب وجيه يدفع شخصا لتسليم بلاده إلى أشد الناس عداوة للذين آمنوا!!! وظللت أتأمل عن الثمن الذي سيقبضه لقاء هذه التضحية بالأنفس والأموال والأعراض والدين والعقائد!!! واستغرقت في التأمل والبحث علّي أجد أحدا رد عليه من حاشيته وحزبه فلم أجد كلمة واحدة!!! واستقر الرأي عندي أن أبحث عند الشيخ راشد الغنوشي عن الجواب الصحيح إذا كانت هذه الدعوة تمثل مشكلا صحيحا!!!!سوريا
أما في سوريا فلم يعد لدى « الإخوان» ثمة « ثلث» سياسي ولا حتى « ثلث» ديني!!! فقد عجبت أشد العجب مما جاء في وثيقة « العهدة الوطنية» ووثيقة مؤتمر المعارضة في القاهرة. ففي الأولى، التي صدرت في استنبول في 21/3/2012، قررت الوثيقة أن « الكفاءة» هي المعيار الوحيد لتقلد المناصب في سوريا بعد زوال النظام. وهذا يعني أنه من الممكن أن يصل أي شخص يمتلك الكفاءة إلى مناصب الرئاسة أو الحكومة أو الأوقاف أو في أية مؤسسة أو دائرة، بقطع النظر عما إذا كان ملحدا أو كافرا أو مؤمنا من أية طائفة أو إثنية كان منبته. وفي المحصلة والجوهر ثمة قبول صريح على الملأ بولاية الكافر على المؤمن!!! معيار تقني لا يزيد ولا ينقص .. كان كافيا لنسف عقيدة أمة وتايخها وحضارتها ومسيرتها من جذورها بلا أية مواربات. ولأن الوثيقة تسببت بردود فعل عنيفة ومستهجنة فقد خرج زهير سالم الناطق الرسمي باسم « الإخوان المسلمين» في سوريا على قناة « الجزيرة» بعد بضعة أيام ليوضح الأمر، وكان صريحا كما لم يكن أحدا مثله من قبل ومن بعد، ليقول، كما أذكر،: « لنكن صريحين .. فالذي يقبل بالديمقراطية وشروطها عليه أن يقبل باستحقاقاتها .. لا يجوز أن نتحدث عن العدالة والمساواة والحرية ثم نضع الشروط المانعة»!!!
أما « مؤتمر القاهرة» الذي انعقد في 2/7/2012 بعد شد وجذب استمر شهرين بسبب معارضة هيثم مناع وجماعته لترتيبات انعقاد المؤتمر والشخصيات المدعوة له، فقد صدر عنه وثيقة بعنوان « العهد الوطني – 3/7/2012» لتؤكد على ما ورد في الوثيقة السابقة وبصورة أشد فجاجة، إذ خلت من أي ذكر لاسم « الله» أو لـ « الإسلام». وبحسب الوثيقة: « يحقّ لأيّ مواطن أن يشغل جميع المناصب في الدولة، بما فيها منصب رئيس الجمهوريّة، بغض النظر عن دينه أو قوميّته، رجلاً كان أم إمرأة». أما الدين والتاريخ والحضارة فلا علاقة لها حتى بهوية الشعب السوري. وأقصى ما في الأمر مجرد جذور لعلاقة تاريخية مشتركة أو قيم إنسانية، وبحسب الوثيقة أيضا فلن نجد سوى هذه العبارة اليتيمة التي تتحدث عن هوية الشعب السوري: « تربط الشعب السوري بجميع الشعوب الإسلامية الأخرى جذور تاريخية مشتركة وقيم إنسانيّة مبنية على الرسالات السماوية».أخيرا
طالما احتج « الإخوان المسلمين» بالمعاناة والمظالم التاريخية وما أسموه بـ « المحنة» .. هذه « المحنة» التي صارت « كربلاء» الثانية بعد « كربلاء الشيعة» أو « هولوكست اليهود» .. وكلها « كربلائيات» مزعومة .. وثلاثتها تشترك في الابتزاز والتضليل، كونها تتصرف وكأن أحدا لم يجاهد أو يناضل أو يكافح أو يسجن أو يطارد أو يعذب أو يقتل أو يشرد في المنافي أو يحتجز في المطارات أو على الحدود أو تلاحقه الأجهزة الأمنية إلا « الإخوان المسلمين»!!!
مع أن أمريكا هي من وقفت وراء الطغاة والاستبداد والملاحقات والتشريد والمنافي والقتل إلا أن كل وفود « الإخوان المسلمين» زاروا الولايات المتحدة أو استقبلوا الوفود الأمريكية والصهيونية وعبروا عن حرصهم على استرضاء « المركز»، وقدموا له ما يرغب من الضمانات والتطمينات، وكأن شرعية الثورة أو التغيير أو وصولهم إلى الحكم لا توفرها الثورات بقدر ما يوفرها المركز!!! .. في حين أن « المركز» لا يهمه من « الإخوان» وأسلافهم إلا ثلاث قضايا: (1) الأمن ( = « مكافحة الإرهاب») و (2) حقوق الأقليات و (3) حرية المرأة .. لهذا تتغول الأقليات على الشعوب العربية والإسلامية، قبل الثورات وبعدها!! أما الدول التي لا يتواجد بها أقليات فيجري توظيف أدوات الهيمنة من القوى اللبرالية واليسارية والعلمانية المتحالفة مع « المركز» لتقوم بالدور المطلوب منها .. هذه القضايا الثلاث هي المدخل الرئيس لـ « المركز» كي يبقى يعيث فسادا في الدول ويستعبد الشعوب ويشيع الفتن ويفسد العقائد والأخلاق.
في مصر ؛ أغرقت قواعد الهيمنة الدولية والمحلية الثورة بالتفاصيل والجدل، وتبعا لذلك تَقَدَّم الفلول ورموزهم، وتصدر الرويبضة مخاطبة الرأي العام فغابت العناوين الكبرى للثورة، وانزلقت القوى السياسية الإسلامية في مطب المصالح الضيقة والمجاملات والمداهنات، وقبلت أن تلعب في ملعب الخصم بشروطه وأدواته وآليات النظام وعلاقات الهيمنة المحلية والدولية .. وذبحت الثورة من الوريد إلى الوريد، وما كان لمحمد مرسي أن يصل إلى كرسي الرئاسة إلا بعد أن أدرك الناس أنهم أمام خيارين لا ثلث لهما: إما الثورة وإما عودة ضواري السلطة بزعامة أحمد شفيق.
لذا فإن فوز مرسي أعاد الثورة فقط إلى اللحظة التي سقط فيها مبارك!!! وهذا يعني أنها طوال أكثر من عام على سقوط مبارك لم تحقق أي إنجاز على صعيد تفكيك بنى النظام ورموز ومؤسسات الثورة المضادة. ولولا خشية الولايات المتحدة من المغامرة بانفجار الوضع مجددا في مصر لعاد شفيق معززا مكرما. وأيا يكن الأمر فإن ذبح الثورات العربية جار على قدم وساق خاصة في مصر، وإذا استمر « الإخوان المسلمين» والسلفيين في سياساتهم البراغماتية العتيقة التي وصلت إلى حد التحالف مع « المركز» فسيخسرون لا محالة، هُمْ ومن حالفهم، لأن إدارة الظهر للشعوب ولعقائدها وتاريخها ومستقبلها والتصرف من موقع المضطهد ووحي المحنة مراهنة خاسرة، فالدورة التاريخية انطلقت ولن تتوقف عند الاعتراضات المستميتة من « المركز» لها ولا عند من عجزوا عن تقديم الجواب الصحيح في اللحظة الصحيحة.وقبل أن نختم حبذا لو يتأمل القراء مجددا بهذه الفقرات المثيرة:
فيما يتعلق بشمال أفريقيا يقول أحد أعظم الأعداء: « لقد تقدمنا إلى الأمام كثيراً في نشر شبكات التجسس في كل من ليبيا وتونس والمغرب، والتي أصبح فيها كل شيء في متناول أيدينا، وهي قادرة على التأثير السلبي أو الإيجابي في مجمل أمور هذه البلاد».ويضيف
« أما في مصر، الملعب الأكبر لنشاطاتنا، فإن العمل تطور حسب الخطط المرسومة منذ عام 1979، فلقد أحدثنا الاختراقات السياسية والأمنية والاقتصادية والعسكرية في أكثر من موقع، ونجحنا في تصعيد التوتر والاحتقان الطائفي والاجتماعي، لتوليد بيئة متصارعة متوترة دائماً، ومنقسمة إلى أكثر من شطر في سبيل تعميق حالة الاهتراء داخل البنية والمجتمع والدولة المصرية، لكي يعجز أي نظام يأتي بعد حسني مبارك في معالجة الانقسام والتخلف والوهن المتفشي في مصر».
هذا التصريح الذي يعود تاريخه إلى 28/10/2010 يخص الجنرال « عاموس يادلين»، الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية « الإسرائيلية»، وقد أدلى به خلال تسليمه مهامه لخلفه الجنرال « آفيف كوخفي»، والطريف في الأمر أن « كوخفي» هذا أدلى بتصريح خطير جدا لـ « إذاعة الجيش الإسرائيلي - 2/7/2012»، غداة الإعلان عن فوز محمد مرسي بانتخابات الرئاسة المصرية، وقال فيه بالحرف الواحد: « إن الدولة العبرية ستحافظ على حكم العسكر في مصر مهما كلف ذلك الأمر من ثمن»!!! فهل سيفتش « ثلثا الإخوان» الرافضون لـ سياسة « الثلث» الحليف لـ « المركز» عمن يملك « الجواب الصحيح للمشكل الصحيح»؟ أم سيظلون كما قال فيهم الشيخ وجدي غنيم يوما ما: « أفي كل موطن لا تعقلون »؟
مصادر النص
(1) النهضة التونسية تعارض اعتماد الإسلام كمصدر أساسي للتشريع بالدستور
(2) تونس : موقف راشد الغنوشي - حزب النهضة - من حزب التحرير
(3) جدل حول إدراج مناهضة التطبيع مع إسرائيل ضمن \\\"الميثاق الجمهوري\\\"
(4) تصريحات الغنوشي لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى
(5) « الغنوشي: حماس حكومة شرعية ... لكن ما يهمني هو تونس».
(6) شبكة البصرة - الجمعة 6 جماد الثاني 1433 / 27 نيسان 2012 – عن المستقبل العربي
(7) الغنوشي يصف عمر رضي الله عنه باالمستبد علي قناة الحوار
(8) تعليق الشيخ راشد الغنوشي على خبر اغتيال أسامة بن لادن
(9) ثمانون عاما وهي خاوية على عروشها - 2 «الإخوان» وإدانة الجهاد العالمي
(10) كلمة الغنوشي خلال المؤتمر التأسيس لمنتدى المفكرين المسلمين- الكويت، 2010
(11) زعيم النهضة الإسلامي يهاجم الظواهري ويصفه بأنه كارثة على الإسلام
(12) بعد تصريح الظواهري: النهضة تقول أن القاعدة ليست ناطقة باسم الإسلام وحزبي الإصلاح والتحرير يستحسنان الخطاب.
(13) راشد الغنوشي لمّا كان سلفي جهادي
(14) قيادي بـ « النهضة»: لسنا خطرا على احد ونحن أكثر ليبرالية من الإسلاميين بتركيا ومصر والمغرب – القدس العربي، لندن، الموقع الإلكتروني.
(15) عرض أمريكي لإنجاز هيئة لمحاربة الإرهاب في تونس
(16) وزير العدل التونسي يحذر السلفيين
(17) الأحداث لأخيرة بالزهراء: انتهاكات خطيرة و تهويل إعلامي
(18) خطير: تواطئ سياسي وأمني وإعلامي مع من يحارب الإسلام في تونس
(19) عمار عبيدي (19) الإسلاميون في تونس والمركب الأوحد
(20) تصريح خطير لعبدالرحمن بافضل يدعو الغرب لاحتلال اليمن
(21) وجدي غنيم للإخوان المسلمين: أفي كل موطن لا تعقلون؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..