السبت، 18 أغسطس 2012

لقد افترَوا كذِباً علـى القراصنة!

مَن كان يتصوّر أن حكومات العالَم ، في العام 2009 ، ستعلِن حرباً جديدةً على القراصنة ؟
كما قرأتُم ، تبحرُ البحريةُ الملكيةُ ، تساندها سفنٌ من حوالَي عشرين دولة ، من الولايات المتحدة إلى الصين ، في المياه الصومالية ،  للقبض على أشرارٍ ما زالوا يُقَدَّمونَ والببغاواتُ على أكتافهم .


وسرعان ما سوف يقاتلون سفناً صوماليةً ، أو يطاردون القراصنة على اليابسة ، في بلدٍ من أتعسِ بلدان الدنيا .
لكن وراء الأكمة ما وراءها . ثمّتَ فضيحةٌ لا يعرفها أحدٌ .

فالناسُ الموصوفون بأنهم أخطرُ مَن يتهدّدُنا ، لديهم قصةٌ يروونها ، وحقٌّ إلى جانبهم
.
لم يكن القراصنةُ ، البتّةَ ، مثلَ ما تصوّرناهم. في " العصر الذهبيّ للقرصنة " – من 1650 إلى1730- قدّمت الحكومةُ البريطانيةُ القرصانَ باعتباره لصاً شريراً عديم الإحساسِ . أناسٌ كثارٌ اقتنعوا بأن الصورة زائفةٌ . وغالباً ما كان القراصنةُ ينجون من حبل المشنقة بفضل الجماهير.

المؤرخ ماركوس رَدِيكَر ، تابَعَ الأمرَ في كتابه " أشــرارُ كلِ الأمم " .

لو حدثَ أنك صرتَ بحّارأ في الأسطول التجاري أو القوّة البحرية – بعد التقاطك وأنت شابٌّ جائعٌ من شــرقيّ لندن – فإنك ستنتهي إلى جحيمٍ من لوحٍ عائمٍ . ستعمل ساعاتٍ طوالاً ، نصف جائعٍ ، في سفينةٍ مكتظةٍ . وإن تراخيتَ لحظةً تعرّضتَ لسوطِ القبطان ذي الشُّعَبِ التسعِ . فإن تكرّرَ تراخيكَ أُلقِيَ بك في البحر .

وفي النهاية ، بعد شهورٍ ، أو أعوامٍ ، سيغشّونك في أجورك .

كان القراصنةُ أول المتمردين على هذا العالَم .

لقد تمردوا على طغيان القباطنة – وابتدعوا طريقةً جديدةً للعمل في البحر .

ما أن يستولوا على سفينةٍ ، حتى ينتخبوا قباطنتَهم ، ويتخذوا قراراتِهم بصورةٍ جمعيةٍ .

كان يتقاسمون الغنائم ، بطريقةٍ سمّاها رَديكَرْ بأنها " الأكثر مساواتيةً في توزيع الثروة في القرن الثامن عشر " . بل أنهم كانوا يأخذون أفارقةً رقيقاً ليعيشوا معهم على قدم المساواة . لقد بيّنَ القراصنةُ " بوضوحٍ تامٍّ وتخريبيّ- أن بالإمكان تسيير السفن بطريقةٍ مختلفةٍ ، غير قمعيّة ، كما هو الأمر في البحرية الملكية " .

لهذا السبب كانت شعبيّتُهم ، بالرغم من كونهم لصوصاً غير منتِجين .

كلماتُ قرصانٍ من ذلك الزمن المنسيّ - شابّ بريطانيّ اسمه وليم سكوت – ينبغي أن يتردد صداها في آذاننا اليوم ، في عصر القرصنة الجديد هذا . لقد قال ، قبل أن يُشنَق في شارلستون ، بكارولاينا الجنوبية :

فعلتُ ما فعلتُ ، لأظل على قيد الحياة . أُرغِمتُ على القرصنةِ لأعيشَ ".

في 1991 ، انهارت الحكومة الصوماليةُ بالقَرن الإفريقيّ . ومُذّاك ظلَّ السكانُ ، وهم تسعة ملايين ، جياعاً .

وقد رأت قوى شريرةٌ في الغرب ، في هذا ، فرصةً كبرى لسرقة موارد البلد الغذائية ، ودفنِ المخلّفاتِ النووية في مياه الصومال.
المخلّفات النووية . نعم
.


بعد رحيل الحكومة ، شرعت سفنٌ أوربيةٌ غامضةٌ تظهر على شاطيء الصومال ، لتتخلّص من براميلَ ضخمةٍ في المحيط.

بدأ سكّانُ السواحلِ يمرضون .
في أول الأمر عانَوا من طفَحٍ غريبٍ ، وتقيّؤٍ ، ومواليد مشوَّهين .

ثم ، في 2005 ، بعد التسونامي ، قذفَ البحرُ إلى الساحل بمئاتِ البراميلِ المنخوبةِ .

شرع الناس يعانون من أمراض الإشعاع ، ومات أكثرُ من ثلثمائة
 .

أخبرني أحمدو وِلد عبد الله ، موفَد الأمم المتحدة إلى الصومال :" هناك مَن يدفن موادّ نوويةً ، هنا . هناك رصاصٌ أيضاً ، ومعادنُ ثقيلةٌ مثل الكادميوم والزئبق- أنت سَمِّها " .

الكثير من هذا يعود إلى مستشفيات ومصانع أوربية ، تَعهَد بالموادّ إلى المافيا الإيطالية ، لتتخلّص منها ، بأرخص الأثمان . وحين استفسرتُ من وِلد عبد الله عمّا تفعله الحكومات الأوربية بصدد هذا ، قال متحسراً : " لا شـيء . لا تنظيف . لا تعويض . لا وقاية
 " .

وفي الوقت نفسه ، كانت سفنٌ أوربيةٌ أخرى تنهب البحار الصومالية من موردها الرئيس : الغذاء البحريّ .

لقد دمّرنا ثروتَنا السمكية بزيادة الإستغلال ، والآنَ ذهبنا إليهم .

أكثر ممّا قيمتُه 300 مليون دولار ، من التونة والروبيان واللوبستر ، وسواها ، تُسرَق سنوياً ، بسفن صيدٍ عملاقةٍ تبحرُ بطريقةٍ غير مشروعةٍ في مياه الصومال غيرِ المحميّةِ .

لقد فقد الصيادون المحليون وسيلة عيشهم ، وهم الآن جائعون .

قال محمد حسين وهو صيادٌ من ماركا التي تبعد 100 كيلومتر عن موقاديشو ، متحدثاً إلى وكالة رويتر :

إن استمرّ الأمر هكذا ، فلن يتبقّى سمكٌ في سواحلنا.

هاهوذا السياقُ الذي برزَ فيه من نسمِّيهم " القراصنة " .

يتفق الجميعُ على أنهم كانوا صيّادي سمكٍ صوماليين عاديّين ، استخدموا زوارقَ سريعةً للمرة الأولى ، بُغْـيةَ إبعادِ سفن النفايات وسفن الصيد ، أو لفرض ضريبةٍ عليها في الأقل. كانوا يُطْلِقون على أنفسهم " حرس شواطيء الصومال المتطوعين " .

ومن السهل معرفة السبب.
في مقابلة هاتفية سريالية قال سيغول علي ، أحد زعماء القراصنة إن دوافعهم كانت تتمثّل " في منع الصيد وإلقاء النفايات في مياهنا. نحن لا نعتبر أنفسَنا لصوص بحرٍ .

 لصوصُ البحر هم أولئك الذين يصطادون أسماكنا ويلقون النفايات ويحملون الأسلحةَ في مياهنا ". كان وليم سكوت سيفهم هذه الكلمات
.

نعم. لكن هذا لا يبرر أخذ الرهائن.
بعضهم رجال عصابات حقاً ، وبخاصة أولئك الذين أوقفوا برنامج الغذاء العالمي. لكن " القراصنة" يحظون بتأييد السكّان لسبب وجيهٍ . موقع الأخبار الصومالي المستقل ، واردهَر نيوز ، أجرى استبياناً أظهرَ أن 70 بالمائة من السكان " يؤيدون ، تأييداً شديداً ، القرصنةَ ، باعتبارها شكلاً من أشكال الدفاع الوطني عن مياه البلد الإقليمية " .

في الحرب الثورية الأميركية ، دفَعَ جورج واشنطن ، والآباءُ المؤسسون ، مبالغ للقراصنة ، بُغْيةَ حمايةِ مياه أميركا الإقليمية ، إذ لم تكن لديهم آنذاك بحريةٌ ولا حرس سواحل. غالبية الأميركيين أيدت ذلك . ما الفرق؟
هل نتوقّع من الجياع الصوماليين أن يقفوا على سواحلهم ، غير مبالين ، يجذفون في نفاياتنا النووية ، ويتفرجون علينا ونحن نسرق أسماكهم لنأكلها في مطاعم لندن وباريس وروما ؟
نحن لم نعترض على هذه الجرائم - لكن لو اعترض بضعة صيادين بعرقلة ممرّ العبور لعشرين بالمائة من بترول العالَم ، فلسوف نصيح بأعلى أصواتنا : إنه الشــرّ .

لو أردنا ، بالفعل ، معالجة القرصنة ، فعلينا أن نعالج أساسَها – جرائمَنا نحن – قبل أن نرسل سفننا الحربية للقضاء على المجرمين الصوماليين.

خيرُ مَن يلخِّص حكاية حرب 2009 على القراصنةِ ، قرصانٌ آخر ، عاش ومات في القرن الرابع قبل الميلاد .

لقد ألقيَ القبضُ عليه ، وجيء به إلى الإسكندر المقدوني ، الذي أراد أن يعرف منه " سبب استحواذه على البحر " .

ابتسم القرصانُ وقال : " وأنت ، ما سبب استحواذك على الأرض كلها ؟ أنا أُدْعى لصّاً لأنني أستخدمُ سفينتي الصغيرةَ ، أمّا أنت الذي تستخدم أسطولاً ضخماً فتُدْعى امبراطوراً " .

ثانيةً تبحرُ أساطيلُنا الإمبراطوريةُ ، اليومَ – لكن مَن هو اللصّ ؟


 :
المصدر هنا.

يوهان هاري
ترجمة : سعدي يوسف

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..