عندما وقفنا بكل قوة وراء الدكتور محمد مرسى فى انتخابات الإعادة لرئاسة
الجمهورية مؤمنين ـ وما زلنا ـ بأنه مرشح التغيير والثورة والإصلاح
والانتقال بمصر إلى الدولة المدنية، وقتها أفضى إلينا كثيرون من الأصدقاء
داخل مصر وخارجها بوساوس كان أهمها على الإطلاق الخوف من تأثير علاقات
الإخوان الوثيقة بإيران على توجهات محمد مرسى لو أصبح رئيسًا للجمهورية فى
ملفات حساسة لعلاقات مصر الخارجية، وكنت أرفض تلك المخاوف وأصفها بالوساوس،
وأن رئيس جمهورية مصر، أيًا كان الرافد الذى أتى به، ستحكمه مصالح مصرية
عليا وأمن قومى مصرى لا مجال فيه لانتماءات حزبية أو حسابات تنظيمية قديمة،
وأظن أن هذه الوساوس تتجدد الآن فى ضمير ومشاعر ملايين من أبناء التيار
الإسلامى فى مصر، فضلاً عن خارجها بعد إعلان القصر الرئاسى عن مشاركة
الدكتور مرسى فى مؤتمر عدم الانحياز فى العاصمة الإيرانية نهاية هذا الشهر،
وقد وصلت الشكوك إلى الحديث عن التأثير السلبى الخطير لرئيس ديوان رئيس
الجمهورية الجديد، السفير رفاعة الطهطاوى، على توجهات الرئيس فى هذه
المسألة، لأن الطهطاوى معروف بعلاقاته الوثيقة بالدوائر الإيرانية العليا،
وله موقف شديد التطرف فى دفاعه عن إيران وعلاقات مصر بإيران، والرجل الآن
فمه فى أذن الرئيس يوميًا، والحقيقة أن الحسابات السياسية المحض تجعل من
ذهاب مرسى إلى إيران الآن كارثة سياسية قد يظل يدفع ثمنها طويلاً، ليس فقط
للأسباب الأخلاقية والإنسانية التى ذكرتها أمس، وإنما أيضًا من باب بديهية
ضرورة حرص الرئيس على تعزيز الإجماع الوطنى حوله فى تلك الأوقات، وليس
باتخاذ مواقف تعزز من الانقسام حوله وتضعف القاعدة الأساسية التى يرتكز
عليها، والتى أتت به لرئاسة الجمهورية،
فالانتخابات الرئاسية كشفت عن
انقسام شعبى حاد حول الدكتور مرسى حتى أنه نجح بفارق ضئيل للغاية، وقد
تجاوز الخمسين فى المائة بواحد ونصف فى المائة تقريبًا، ومن الحكمة أن يسعى
الرئيس خلال المرحلة الحالية والمقبلة إلى تعزيز الثقة به وكسب المزيد من
المؤمنين بقدرته على إدارة مصر ومصالحها وتوسيع رقعة المناصرين له، وأن
يتحاشى بكل سبيل القرارات والمواقف التى يمكن أن يساء تفسيرها أو تسبب
انقسامًا فى الرأى حوله، خاصة إذا كانت لغير ضرورة خطيرة، ولا يوجد عاقل فى
مصر لا يدرك أن قراره بالذهاب إلى إيران استجابة لدعوة "القتلة"- شركاء
الدم فى سوريا - سيتسبب فى انقسام الرأى حوله بحدة، والكتلة الإسلامية ـ
غير الإخوانية ـ التى حسمت له النجاح والوصول إلى الرئاسة فى جولة الإعادة
وهى تتجاوز قطعًا الستة ملايين صوت انتخابى على الأقل، سوف يعيدون النظر
جذريًا فى الموقف منه وتتعزز مخاوفهم من تأثير علاقات الإخوان الخارجية على
السياسة الخارجية لمصر التى يقودها الآن "مرسى"، أو أن السياسة الخارجية
لمصر ستكون رهينة لحسابات تنظيم الإخوان وعلاقاته الدولية، وأنا أثق أن هذا
كلام مبالغ فيه، وقيادة "الدولة المصرية" لها من الهيبة والحسابات الأكثر
تعقيدًا من حسابات الأحزاب والجماعات ما يحمى استقلالها، ولكنك لن تستطيع
أن تمنع شكوك الملايين وغضبهم من سلوكيات عملية مقلقة بالفعل،
والشاهد أنى
أتمنى من الرئيس مرسى أن يعيد النظر فى قراره بالذهاب إلى إيران، مقاطعته
للمؤتمر فيه رسالة قوية للقيادة الإيرانية بأن مصر "غاضبة" من دعمها للقاتل
الدموى بشار الأسد، ومصر لا تتسامح مع من يقدم المال والسلاح والنفط
والرجال لقتل أطفال سوريا ونسائها وتدمير الحياة فيها، يا دكتور مرسى: لا
معنى أبدًا لزيارتك لإيران، ولا قيمة لها سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا لمصر
الآن، بل كلها خسارة لمصر ولك أنت شخصيًا والتفاف الناس حولك فى مصر، أنت
لست فى وقت يسمح لك بهذا "الترف" السياسى المغامر، لا يوجد شىء يضطرك
للذهاب إلى إيران والمشاركة فى مؤتمر لدعم نفوذ الملالى والقادة الملوثة
أيديهم بدماء الشعب السورى، واعلم أن سعادة "أحمدى نجادى" بك سيقابلها
أحزان ملايين المصريين والسوريين والعرب، ورضا بضعة إيرانيين عنك سيقابله
سخط ملايين المصريين عليك، وربحك ـ المظنون ـ من تلك الزيارة سيقابله خسارة
أكيدة لملايين الأصوات والقلوب التى وقفت إلى جانبك فى الانتخابات ومن
الممكن أن تقف معك فى أى موقف سياسى حاسم مستقبلاً، احسبها جيدًا يا دكتور
مرسى، ولن أكرر لك ما قلته بالأمس من أن تنصت لصوت الضمير والأخلاق والدين،
بل أنصت لصوت العقل والمصلحة السياسية البحتة، ستجد أنك خاسر إذا ذهبت، لا
تطربك ـ ولا تسمع ـ للأصوات المتعصبة داخل الجماعة والتى ترى أى نقد أو
نصح أو تقويم هو إهانة إو إحراج للرئيس، وتحرضك على تجاهل الرأى العام
المصرى، والذى هو أهم لك الآن وأوسع وأخطر من الرأى العام الإخوانى، يا
دكتور مرسى صديقك من صدقك لا من صدقك، صديقك من نصحك وقال لك الحق ولو كان
مرًا لا من نافقك أو تعصب لك بالحق أو الباطل سواء، نحن نحبك وندعمك ونضع
فيك آمالنا وآمال مصر كلها، فلا تخذلنا، ولا تهدر الفرصة التاريخية، واحفظ
مسافة البعد كافية بين مقامك الرفيع الجديد وبين أى انتماءات أو حسابات أو
علاقات تنظيمية سابقة، تنجح وينجحون وتنجح مصر كلها.
نداء العقل يا سـيادة
الرئيس
بقلم الأستاذ جمال سلطان / رئيس تحرير
صحيفة المصريون
تعليق / ربيع الحافظ
يلاحظ تعليقات القراء والشتائم الموجهة إلى
الكاتب وكأنها تجري في الأجواء الإعلامية لأوربا الشرقية إبان العهد السوفييتي
وأجواء الحزب الواحد.
المقال يعكس العجز الفكري والاستراتيجي
للنظام السياسي المصري للقيام بدور إقليمي ريادي نافع، وأنه دور يقع في دائرة وهم
شعوب المنطقة، وربما كان السبات الإقليمي للنظام البائد
ـ وبكل أسف ـ أخف الضررين وأفضل المتاح
للسياسة الخارجية لمصر وأمنها القومي وللمنطقة معاً، مقابل المدرسة الفكرية للإخوان
المسلمين التي تفتقر لرؤية استراتيجية حيال
أخطر مشروع عرفته الأمة على الإطلاق، وتخلو
كراريسها الفكرية وبرامج إعداد ناشئتها من إشارة أصوله والمدرسة التي تقف
وراءه.
ذهاب حكومة الإخوان لملاقاة أصحاب المشروع
في إيران كمن ينزل حقل من دون خريطة يتلمس بها مواضع أقدامه.
هذه ثمار طبيعية لحراك شعبي عفوي لم تنشئه
فكرة ـ أو تستدركه في وقت مبكر ـ بل أوقد فتيله يأس وسخط الإنسان
العادي
وقطف ثمرته من كان ـ لحظة الحدث ـ الأحسن
إعداداً من الناحية الإدارية لملء فراغ إداري مفاجئ في الموقع الأول في الدولة بصرف
النظر عن المؤهلات الأخرى.
ليس في هذا لمز من جماعة الإخوان التي وثق
فيها الجمهور لانبثاقها من ينبوع قيمه وقربها من مواجعه،
غير أن العواطف والشعارات العامة لا تكفي
في عملية توجيه دفة الدول وقيادة الشعوب فضلاً عن قيادة المحيط
الإقليمي.
ربيع الحافظ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..