الأربعاء، 19 سبتمبر 2012

كتاب: عقيلات الجبل (رحلات العقيلات ج 1)



كتاب :
عقيلات الجبل
تاليف:
الأستاذ / عبدالرحمن بن زيد السويداء

المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبي الهدى محمد بن عبدالله، وآله وصحبه وسلم
لقد تخمرت في ذهني الكتابة عن العقيلات منذ وقت مبكر باعتبار موضوعهم مادة تاريخية وتراثية
واقتصادية مهمة، وجمعت بعض المعلومات عنهم في عشر الثمانينيات من القرن الهجري الماضي، لكني أحسست وقتها أنني لم أستكمل الموضوع بعد، ثم جدد هذه الرغبة قبل بضع سنوات أخي اللواء عبدالله بن علي المايز عندما أمدني ببعض المعلومات والبيانات المحتوية على أسماء عدد من العقيلات علني أكتب على ضوئها في مجلة تجارة حائل عن العقيلات ودورهم، وتريثت حينها بعض الوقت، حتى حدث ما حفزني وجعلني اندفع نحو الإسهام في هذا الجهد المتواضع عندما قرأت ما كتبه الأستاذ إبراهيم المسلم عن العقيلات في منطقة القصيم دون أن يذكر أي دور لعقيلات منطقة حائل وإنما ذكر نحو عشرة أسماء في آخر أسماء العقيلات ولم يبين من أي منطقة هم، عند ذلك دفعتني الحمية والغيرة وباشرت بالكتابة عن هذه الفئة مستعرضاً وضع العقيلات بصفة عامة منذ بروزهم على الساحة قبل بضعة قرون إلى أن انتهى دورهم حسب ما توفر لدي من مصادر، وذلك بإيجاز يتضمن الفائدة ولا يثقل على القارئ بطول الاستطراد وكثرة التشعبات التي قد لا تهم القارئ العادي بقدر ما تهم الباحث المتخصص، سلكت هذا النهج لمحاولة تقديم معلومات موجزة ومفيدة بعد أن استعرضت وضع العقيلات بصفة عامة وركزت على عقيلات منطقة حائل أو منطقة الجبل وذلك بإيراد أسماء من توفرت لدي أسماؤهم ضمنتها هذا الكتاب الذي أسميته (عقيلات الجبل) وذلك ليشمل عقيلات المنطقة بأكملها، ويتكون هذا الجهد المتواضع من اثني عشر فصلاً يتفرع منها ما يربو على سبعين فقرة لكل ما يتعلق بالعقيلات عامة وعقيلات منطقة حائل خاصة.
ومعلوم أن العقيلات أول ما بدأ نشاطهم في منطقة البحرين (الأحساء) وشمال شرق الجزيرة العربية ثم بدأ امتدادهم نحو الغرب بحكم طرق قوافلهم إلى مصر وأقطار الهلال الخصيب حتى شمل وسط نجد في منطقة العارض المتصل في كل من مدينة الرياض وشقراء والمجمعة ثم زحف غرباً حتى شمل منطقة القصيم وما جاورها الزلفي وبريدة وعنيزة وغيرها ثم اتجه غرباً حتى شمل منطقة حائل فالجوف وبعد ذلك تقلص الثقل نسبياً من المنطقة الشرقية (الاحساء) وتركز في وسط نجد بمنطقة العارض والقصيم فترة من الزمن ثم مال ثقله إلى حائل فالجوف واستمر هذا الوضع يتأرجح بين هذه المناطق الثلاث العارض والقصيم وحائل حتى انتهى دورهم قبل حوالي خمسين عاماً، وكلي أمل أن يقوم من كل منطقة من الاحساء والعارض والجوف من يبرز دور العقيلات فيها حتى تترابط هذه الحلقات وتصبح جهداً متكاملاً يظهر الدور الذي قامت به هذه الفئة من خدمات جليلة خلال بضعة قرون بكل نشاط وجدية وتفان وأمانة وإخلاص على جزء من رقعة أرضنا الحبيبة المملكة العربية السعودية، فإذا كان هذا الجهد المتواضع الذي أقدمه وافياً بالغرض فهذا من توفيق الله، وإن لم يكن فحسبي أنني أسهمت بتقديم ما استطعت وأبرزت فكرة تخمرت في ذهني منذ سنين، والله المستعان.

عبدالرحمن السويداء
16/1/1416هـ

محتويات الكتاب:
  • مقدمة.................................
  • أولاً: العقيلات ........................
  • ثانياً : مهمات العقيلات................
  • ثالثاً : دور العقيلات الاقتصادي .......
  • رابعاً : دور العقيلات في الأحداث . ....
  • خامساً : الخدمات التي يؤديها العقيلات.
  • سادساً : متطلبات الرحلة. .............
  • سابعاً : متطلبات الرحلة من الرجال ....
  • ثامناً : الطرق..........................
  • تاسعاً : انتشار العقيلات. ...............
  • عاشراً : المصاعب التي يواجهونها........
  • الحادي عشر : أخلاق العقيلات. ...........
  • الثاني عشر : تراث العقيلات. ............
  • قائمة المصادر ...........................
  • قائمة أسماء الرواة. .....................
  • أسماء ممن لم ترد أسماؤهم مع العقيلات .


أولاً: العقيلات:
1- أساس التسمية:
العقيلات واحدهم عقيلي والجمع عقيلات وجمع الجمع عقيل وهم فئة من قبائل عربية متحضرة في أغلبهم يدخل معهم أعداد من القبائل العربية المتنقلة، تربط بينهم مصالح مشتركة، يعملون أينما وجدوا هذه المصلحة، في أي نشاط من أنشطة الحياة المختلفة، فهم يعملون بالتجارة بمختلف السلع، كما يعملون بمختلف المرافق التي يحصلون منها على فائدة، كما يقومون بعملية نقل البضائع والمسافرين والحجاج وغير ذلك من المهام التي تعود عليهم بالنفع ولا تتنافى مع دينهم وعاداتهم وتقاليدهم وأخلاقهم العربية الأصيلة، وقد تباينت الآراء في سبب تسميتهم بالعقيلات، فمن قائل بأن التسمية كانت لها جذور تاريخية تمتد حتى القرن الرابع الهجري الحادي عشر الميلادي ومنهم من يرى بأن هذه التسمية بدأت من منتصف القرن الثاني عشر الهجري الثامن عشر الميلادي، ومنهم من يرى أنها بعد ذلك، ومن يرى قدم التسمية، يعزو التسمية إلى قبيلة عقيل التي انطلقت منها هذه الفئة باتجاه إلى العراق والشام ومصر، ومن يرى أنها في القرن الثاني عشر يجعل منطلق التسمية من العراق في عهد الحكم التركي عندما كان أفراد هذه الفئة يرتدون "الغترة والعقال" أثناء عملهم في الجيش العثماني بالعراق على خلاف العثمانيين الذين يرتدون الطربوش، أما الرأي الثالث فيرى أن التسمية مشتقة من عقلهم الإبل بالعقل وغير ذلك من التعليلات، ولو ألقينا نظرة على بعض التفصيل لهذه الآراء لكان ذلك أجدى وأنفع.

1- فصاحب الرأي الأول يقول: كان بنو عقيل(1) أهل الشوكة والحضارة على البراري في عهد العيونيين من عبد القيس، في القرن السابع الهجري ومن مرتكزاته التاريخية ما يلي:

1- بنو عقيل تعمر البحرين (الاحساء) وما بين العراق والحجاز أي جميع أطراف نجد الشمالية الشرقية.

2- أن عقيل لها سيادة القوافل وخفارة الطرق خلال سبعة قرون.

3- أنها ذات رحلة وجلب منذ ذلك التاريخ.

4- أنها أي عقيل ذات مشاركة في السلطة تارة وذات حكم مستقل تارة أخرى إلى نهاية رأس الألف الهجري.

5- أن من عاش في بلاد يحكمها العقيليون سبعة قرون فمن المستبعد ألا ينسب إلى جنسية دولته، فنسبة عقيلي نسبة الرعية إلى قبيلة الراعي.

6- أن العقيليين أهل إبل وخيل وتجارة ومن المستبعد أن تلحظ هذه الحرفة المشتركة في التسمية اللغوية.

7- أن العقيلات أطلقت فيما بعد الألف أي بعد انقراض الدولة العقيلية، وقد شاع في الاستفاضة الخاطئة أن بني خالد عقيليون فلا يستبعد بأن يقال أن كل من جاء من تلك الأصقاع فهو عقيلي وإن كانت الأسرة الحاكمة خالدية، ويلاحظ أن تجارة العقيلات من أهل نجد التي كانت فيما مضى مقاطعة عقيلية قد غمرت شمال الجزيرة والشام والعراق ثم مصر بتجارتها، كما يلاحظ أن العقيلات أخلاط من الأسر والقبائل والنسبة رعوية وليست قبلية، فلهذا يرجح أحد معنيين: أن العقيلي نسبة رعوية لدويلات عقيلية، وإن لم تكن من قبيلة واحدة، أو أن العقيلات على التشبيه ببني عقيل ذوي التجارة من أهل تلك البلاد والعقيلات ليست من إطلاق أهل نجد وإنما إطلاق غيرهم عليهم(2).

وفي بداية عهد الخلافة العباسية كان العراق مملوءاً بالعقيليين وهاجر بطن منهم وسكنوا البطحاء أو البطائح في منطقة البصرة وشعبة من بني عقيل التي حكمت الموصل من بين ظهرانيهم وامتدت بلاد العقيليين من بغداد إلى حلب وكان آخر حاكم من العقيليين هو علي بن مسلم الذي دام حكمه على الموصل حتى عام 489هـ 1095م(3).

وجاء في كتاب مسالك الأبصار لابن فضل الله العمري بتفصيل أكثر فقد قال: خرج بنو عقيل من البحرين إلى العراق حيث ملكوا الكوفة والبلاد الفراتية وأصبحوا رعايا لبني حمدان الذين كانوا يحكمون الموصل ثم غلبت عقيل الحمدانيين على الموصل عام 380هـ990م وكان بعضهم في حوران والبثنية تزعمهم ظالم بن موهوب العقيلي، واسس أبو الداود محمد بن المسيب العقيلي الدولة العقيلية في الموصل وقد اشتهر من ملوكها في الفترة 386-479هـ-996-1087م المقلد بن المسيب العقيلي الملقب حسام الدولة وقرواش بن المقلد العقيلي الملقب معتمد الدولة وقريش بن بدران العقيلي الملقب علم الدين أبو الموالي، ومسلم بن قريش العقيلي الملقب شرف الدولة أبو البركات، وكانت بنو عقيل قبيلة مشهورة تأخذ تجارتها حتى مصر(4).

وبنو خفاجة من عقيل احتفظوا بدلالة القوافل وحراستها حتى عام 727هـ1327م يشتغلون أدلاء على القوافل التي تأخذ طريقها من العراق إلى الشام واليمن والجزيرة العربية، يقول الرحالة ابن بطوطة في كتاب تحفة النضار في غرائب الأمصار من عام 725-732هـ-1324-1331م سافرت إلى البصرة صحبة رفقة كبيرة من عرب العقيلات وهم أهل تلك البلاد ولهم شوكة عظيمة وبأس شديد ولا سبيل للسفر لتلك الأقطار إلا في صحبتهم فأكثرية جمالاً على يد أمير تلك القافلة وهو سامر بن دراج الخفاجي(5).

وأصبحت قيادة القوافل وخفارتها وحراستها وبيع الإبل وجلب البضائع من نصيب بني خالد طوال فترة حكمهم التي دامت من عام 1080 حتى 1208هـ / 1169-1793م بل إن كل التقارير تشير بوضوح إلى بني خالد ومسئوليتهم عن حماية القوافل ومسئولية أميرهم في تعيين رئيس القافلة التي تخرج من الاحساء وتمر بالزبير وتنتهي إلى الشام، وبما أن بني عقيل القدامى اشتهروا في العراق منذ بداية سيطرتهم على البحرين بما فيها الاحساء ثم ما كان بعدئذ من إقامتهم الأمارة في العراق ولهذا أصبح العراقيون يشيرون إلى كل وافد من شبه الجزيرة العربية بهذا اللفظ عقيلي(6).

عاش العقيلات مجموعة متجانسة حتى اعتقد بعضهم أنهم يرجعون إلى نسب واحد، وما ذلك الاعتقاد بصحيح، وإذا صح التعبير فهم مجموعة عسكرية اقتصادية متجانسة تأثرت بكل ما اعترى المنطقة من خير وضير، عملوا في التجارة التي هي قلب الأمن ورئته فقد أورد ابن سند البصري: أن العقيلات فئة من أهل نجد المعروفين بعقيل، أما سليمان فائق بك فيقول إن عشيرة العقيلات تتكون من فرقتين الأولى من نجد وهم "القصيمات" والثانية وإن كان أصلها من نجد إلا أنها ترجع إلى شمر الجربا، أما "موريزي" 1224هـ/ 1809م فيقول إن لفظ العقيلي يطلق على الجندي العامل في حراسة قوافل المسافرين عبر الصحراء أو عبر أراضي دجلة والفرات، أما "داوتي" فيعرف العقيلات بقوله: بأن عقيل كانت مهنة لهؤلاء الجماعة ولم تكن رابطة نسب ولا دم، وأنها كانت الجندية والحراسة، ولعل هذا يؤكد بشكل لا لبس فيه ولا غموض بأن عقيل مهنة ولا تدل على نسب فالرجل يكون مزارعاً وابنه عقيلي، وتُعِّرفُ المخابرات البريطانية العقيلات بقولها: إن العقيلات ليسوا قبيلة ولكنها منظمة لها طبيعة الرابطة أو الهيئة أو التجمع حول تنظيم معين وليس لهم ارتباط بقبيلة عقيل القديمة من أهل الشمال التي يدعى المنتفق انحدارهم منها، إذ يبدو أن تلك القبيلة انتهت كوحدة، أما عقيل الحاليون فهم من حواضر عرب نجد أو من بدو الإحساء والعارض والقصيم وجبل شمر أما الحضر من بني تميم وبني خالد نجد والقصيم فهم أكثر فئة تفي بأهداف هذه الجماعة، أما عبدالكريم أبا الخيل فيقول: إن العقيلي لقب يطلقه أهل العراق عامة بلفظ "العكيلي" وأهل بغداد خاصة على كل عربي أصله من البادية نزح من نجد وتوطن العراق وأوكل إليه أمر تسيير القوافل التجارية وهدايتها وحمايتها بين حواضر العراق وبوادي الجزيرة العربية وذلك لما له من خبرة في معرفة سبلها ومجاهلها ولما له من عصبية عشائرية تحميه وتحمي معه القافلة التي يكون فيها فتسير في الصحراء آمنة مطمئنة(7).

أما إبراهيم المسلم فيقول: العقيلات اسم أطلق على جماعة من أهل القصيم تجاراً للمواشي من الإبل والخيل اتخذوا من الشام ومصر والعراق سكناً لهم يروحون ويغدون بقوافلهم، ولم يكونوا بتكويناتهم التي عرفوا بها ينتمون إلى قبيلة عربية واحدة وإنما خليط من القبائل العربية التي تحضرت وسكنت منطقة القصيم والبلاد المجاورة لها يجتمعون حول كلمة عقيل(8)، ويقول الدكتور عبدالعزيز عبدالغني إبراهيم بأن هذه الجماعة ويعني العقيلات تنظيم عثماني إقامه ولاة بغداد لضبط شئون القادمين إلى تلك المدينة من حواضر نجد المختلفة اعتباراً من منتصف القرن الثاني عشر الهجري 1160هـ الثامن عشر الميلادي 1750م ولما كان أهل القصيم أكثر النازحين من نجد إلى العراق عدداً علقت بهم التسمية واشتهر بها فريق منهم دون سواهم(9).

أما الشيخ سليمان بن ناصر الوشمي أحد العقيلات فيقول: العقيلات تسمية أطلقت على النجديين الذين سكنوا شمال العراق حيث استعان بهم العثمانيون ضد البادية واستخدموهم كقوة عسكرية، وكان شعار الدولة العثمانية "الطربوش" وشعار العقيلات "الغترة والعقال" ومن العقال جاءتهم التسمية.

وعلى هذا فمن قائل بان التسمية كانت للعقال الذي يعصبون به رؤوسهم والذي ميزهم عن غيرهم من جنود العراق الأتراك وهذه الشارة لم تكن في العراق لسواهم، والرأي الثاني أن التسمية لحقت بهم من بني عقيل الذين اشتهروا قبل هذا بتجارة الخيل والإبل ودخل العقيلات تحت هذا المسمى بنسبة المهنة نفسها ويرى البعض ترجيح الرأي الأول والبعض ترجيح الرأي الثاني.

وأرى أن ترجيح الرأي الثاني أقرب للصواب طالما أن هذه التسمية قد لازمت هذه المهنة طيلة تلك المدة منذ عدة قرون اعتباراً من القرن الرابع أو الخامس الهجري ومروراً بالقرن الثامن الذي أشار إليه ابن بطوطة والقرن التاسع الذي أشار إليه العمري وتمتد حتى القرن العاشر فالقرن الثاني عشر الهجري عندما حلت سلطة بني خالد محل العقيليين وبدأت تنظيم القوافل وحمايتها ورعايتها من مهامهم وذلك قبل أن يستعمل اللفظ من قبل السلطات العثمانية بالعراق وجاءت التسمية العثمانية لتمييز جنودها العرب المستخدمين في صفوف قواتها ولم تكن التسمية نابعة من فراغ كما أشارت إلى ذلك بعض الآراء بان كل من يأتي من ناحية الجزيرة العربية أو باديتها يسمى عقيلياً، ولهذا فالتسمية لها جذور تاريخية اعتمدت عليها وربما جاءت التسميات اللاحقة مستندة عليها لأن "العقال" الذي يلبس فوق الرأس كان يسمى "معصب" أو "عصابة" حتى عهد قريب وإنما العقال الصحيح هو الذي يعقل فيه البعير، وإذا كان العثمانيون قد ميزوا جنودهم العرب بلبس "العقال والغترة" باعتبارها أشياء ألفوها في بيئتهم وذلك بتمييزهم عمن يلبسون "الطربوش" من جنودهم الأتراك فهذا أمر طارئ انطلقت منه التسمية لهذه الفئة من العسكريين غير أن هذا لا ينطبق بالضرورة على أصحاب المهن الأخرى من تجار وناقلين وموردين ومصدرين ولو كان الأمر كذلك لصارت التسمية لأولئك الذين يعملون في السلك العسكري فقط لكن التسمية كانت أعمق من هذا، فهي عميقة الجذور وتشمل الفئات المشار إليها آنفاً من تجارة ونقل وغيره وهؤلاء الذين سماهم العثمانيون فئة قليلة وطارئة لا تشمل العديد من القطاعات التي يشغلها العقيلات في مختلف جوانب الحياة التي تتضح في مادة هذا الكتاب، وخلاصة القول أن اسم العقيلات له جذور تاريخية قديمة نابعة من المهنة التي كانت تعمل بها قبيلة عقيل ثم من جاء بعدها ويعمل بنفس العمل حتى عرفوا بهذه التسمية وما التسمية العثمانية إلا جزء لاحق من التسمية الشائعة والمتعارف عليها في القطر العراقي ثم امتد إلى الأقطار العربية الأخرى التي مارس العقيلات نشاطهم فيها عبر مئات السنين.

2 - وقت العقيلات:

يمتد الوقت الذي شغلت فيه هذه الفئة التي سميت بها فيما بعد إلى بضعة قرون خلت وبلغت عنفوان قوتها في القرون العاشر والحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر ونصف القرن الرابع عشر الهجرية حيث توقف نشاطها تماماً عام 1370هـ / 1950م حينما حلت السيارات محل الإبل والخيل في الحياة العامة والمواصلات والنقل في البلاد العربية وبالذات بين بلدان الجزيرة العربية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية وبين الأقطار العربية المجاورة، وبنظرة إلى بداية أصحاب هذه المهنة التي كانت في البداية تقوم بها قبيلة بعينها ثم أصبح فيما بعد لفرع من هذه القبيلة شوكة في شرق الجزيرة العربية زادت عمق التسمية وبقيت هذه السلطة العقيلية عدة قرون من الزمن أضفت على التسمية وصبغتها بصبغة اشمل فأصبح أهل القطر الأكثر التصاقاً بهذه السلطة يطلقون على كل من جاءهم من هذه الناحية لقب عقيلي ثم ورثت هذه السلطة سلطة أخرى وإن لم تكن عقيلية مائة بالمائة إلا أنه انسحب عليها من حيث التسمية العامة ما انسحب على سابقتها وعندما استخدمت شريحة من هذه الفئة في قوة الأتراك العسكرية وما صاحب ذلك من الأحداث التي اشتركوا فيها سواء فيما يتعلق بالنزاعات والصراعات الداخلية بين الولاة العثمانيين أنفسهم أو فيما دار بين تلك الفئات والقبائل العربية المتصارعة داخل العراق أو في الأحداث التي جرت بين العثمانيين والفرس كما سنرى ذلك في مكانه لاحقاً، وما كان لهذه الفئة من مواقف مميزة، وما ابلاه أفرادها من بلاء حسن، كان لهذه المواقف دوي هائل في الأوساط التي عايشت هذه الأحداث مما جعلهم يطلقون هذه التسمية بصوت قوي مدوي على هذه الفئة التي واكبت تلك الأحداث مما جعل تسمية هذه الشريحة تغطي على الشرائح الأخرى التي تقوم بعمليات التجارة والنقل العام بين الجزيرة العربية والأقطار العربية المجاورة لها، بل تعدت مهمتهم هذا الحيز المحدود إلى ربط التجارة العالمية بين الشرق والغرب عبر موانئ الخليج العربي وموانئ شرق البحر الأبيض المتوسط، وهم الذين يقومون بعملية النقل عبر اليابسة وذلك قبل حفر قناة السويس استمر هذا الازدهار بأيدي العقيلات ردحاً من الزمن، كما لعبوا دوراً مهماً إبان انتقال الغرب إلى الشرق في القرنين الثاني عشر والثالث عشر الهجريين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين سواء فيما يتعلق بنقل التجارة العالمية أو نقل الرواد الأوائل من مكتشفين ومستشرقين وتجار، كما واكب تواجدهم على الساحة فترة اندفاع الأطماع الاستعمارية الغربية نحو الشرق من برتغاليين وإنجليز وهولنديين وفرنسيين فلعب العقيلات دوراً مهماً في هذا الجانب سلباً كان أو إيجاباً وسنرى ذلك في مكانه لاحقاً وبدأ دورهم يتناقص في عد تنازلي بعد حفر قناة السويس وانحسار التجارة العالمية عبر الممر القاري الذي كانوا يشغلونه واقتصر نشاطهم على التجارة الداخلية من الجزيرة العربية وإليها وبعض الخدمات التي بقيت لهم في الأقطار العربية التي لا تزال ترزح تحت سلطة الأتراك حتى إذا قامت الحرب العالمية الأولى انتهى دورهم من هذا الجانب كما جاءت عملية اقتسام الأقطار العربية التي كانوا يمارسون نشاطهم بها بين كل من بريطانيا وفرنسا واصطناع كيان اليهود في فلسطين ووضع الحدود بين الأقطار العربية مما عرقل مسيرتهم وكلفهم الكثير من الجهد والمال ومحدودية الحركة ثم جاءت قاصمة الظهر بالنسبة لهم وهي استخدام وسائل النقل الحديثة من سيارات وطائرات بين الجزيرة العربية والأقطار المجاورة واستغناء الناس عن استخدام الحيوانات في النقل والركوب والجر والحرث وبذلك وضع آخر العقيلات عصا الترحال حوالي عام 1370هـ 1950م بعد رحلات متوالية وخدمات متصلة استمرت قرابة ثمانية قرون.

3-فئات العقيلات:

ينقسم العقيلات إلى عدة فئات سواء من حيث حجم التجارة التي يتعاملون بها أو كبر قوافلهم واستعداداتهم وخدماتهم وهم في الغالب يتكونون من ثلاث مستويات:

أ- المستوى الكبير سواء في حجم التجارة أو حجم القوافل وهؤلاء الذين تصل قوافلهم إلى ما بين 300-400 رعية من الإبل والرعية من الإبل تتكون من 81 أو91 بعيراً والخيل ما بين 100-200رأس وتصل أعداد ما تحتويه الحملة إلى ثلاثة آلاف من الإبل والخيل أو أن تكون قوافلهم التجارية التي تصل إلى 300-400 شراع أو خيمة والشراع لخبرة تتكون من 6-10 أشخاص وتحتاج مثل هذه القوافل الكبيرة إلى آلاف الأشخاص الذين يصحبون مثل هذه القوافل من حراسة مسلحة وعاملين بمختلف شئون القافلة من رعيان للإبل ومساعدين وأدلاء ومعرفين وطلائع أو "قلوطاً" ومن يقومون بخدمة هؤلاء الرجال من إعداد الطعام ونصب الخيام وتحميل الأحمال وإنزالها وغير ذلك من مهام هذه القافلة ومثل هذه القوافل الكبيرة تحتاج إلى وقت طويل من الإعداد والتجهيز والترتيب ومسيرها يكون بطيئاً فقد يستغرق إعداد القافلة ومسيرها ووصولها إلى هدفها حوالي ستة أشهر أي أن مثل هذه القوافل تتحرك مرتين في السنة للقافلة الواحدة والتاجر أو الناقل الواحد خلال السنة.

ب- القوافل المتوسطة وهي التي يكون حجمها أصغر من الأولى وتتراوح ما بين 100-300 رعية من الإبل والخيل أو ما بين 100-300 شراع وتكون حاجتها من الرجال أقل من حاجة الأولى لمختلف الخدمات وحركتها أسرع إذ لا تحتاج في إعدادها وترتيبها سوى وقت قصير ومثل هذه القافلة يمكن أن تتحرك من ثلاث إلى أربع مرات في السنة سواء فيما يتعلق بتجارة المواشي أو التجارة العادية أو النقل وتمتاز القوافل المتوسطة بسرعة الحركة ويملكها في الغالب التجار والناقلين متوسطي المستوى وأحياناً يلجأ إليها التجار والناقلون الكبار تبعاً للضرورة ومتطلبات الوضع.

ج- القوافل الصغيرة وهذه التي تتكون من أقل من 100رعية أو 100شراع وهذه تتطلب أقل من سابقتيها وتمتاز بسرعة الحركة وتستخدم عادة في الظروف المستعجلة على الأغلب وذلك عندما ترتفع أسعار سلعة معينة أو يرد سلعة جديدة أو عندما ترتفع أسعار الإبل أو الخيال في مكان ما، فإن العقيلات يسارعون لاهتبال تلك الفرصة والفوز بمكاسبها، أو عندما تكون البضاعة المنقولة مما خف حملة وغلى ثمنه وتتحرك مثل هذه القوافل الصغيرة في السنة من 5-6مرات.

د- توجد فئة رابعة أصغر من سابقاتها وقد تتكون من قوافل صغيرة لعدد من التجار أو الناقلين تجمع مع بعضها لتكون قافلة واحدة وذلك من أجل اختصار وتجميع رجال الحماية المسلحة والخدمات الأخرى وتكون في الغالب لصغار التجار أو الناقلين الذين يشتركون فيما بينهم في تسيير مثل هذه القافلة تمشياً مع أوضاعهم ومجاراة لظروفهم وغالباً ما تكون مثل هذه القوافل تحت إدارة أصحابها أنفسهم بالإضافة إلى من يستعينون بهم من رفاقهم وأقاربهم وقد يدخل في مثل هذه القوافل الصغيرة من يملك البعيرين والثلاثة يذهب معها بحملها سواء لكونه تاجراً لبضاعة يملكها أو ناقلاً لبضاعة يملكها غيره وشيئاً فشيئاً تتكون وتنمو إمكانية هذا الصغير فيبلغ درجة المتوسطين ثم يبلغ درجة التجار الكبار، مثل هذا المستوى من القوافل يكثر انتشاره وهو بداية الانطلاق، وهو بمثابة التعليم الابتدائي للمرحلة الأكاديمية.

4- مناطق تحركاتهم:

تنطلق قوافل العقيلات الرئيسة من عدة مدن في الجزيرة العربية وخارجها متجهة إلى منطقة الهلال الخصيب في العراق والشام وفلسطين ومصر والسودان، وأول ما بدأت هذه القوافل العقيلية من شرق الجزيرة العربية من مينائي العقير والقطيف ومن مدينة الإحساء ثم توسع هذا الامتداد غرباً ليشمل مدينة الرياض في منطقة اليمامة ومدينة شقراء في الوشم ومدينة المجمعة والزلفي في سدير ثم مدينة بريدة ومدينة عنيزة في القصيم ثم مدينة حائل بمنطقة جبل شمر ثم داخل الجزيرة العربية عدا المدينتين الكريمتين المقدستين مكة المكرمة والمدينة المنورة أما خارج الجزيرة العربية فأهم منطلقاتهم مدينة الزبير ومدينة البصرة وهذه الانطلاقات تتجه إلى بغداد والموصل والنجف بالعراق ودمشق وحلب بسوريا وعمان والزرقا بشرق الأردن وحيفا ويافا وغزة ورفح بفلسطين وبلبيس والزقازيق والكرية وحلمية الزيتون وإمبابة بمصر والأبيض وأم درمان بالسودان تنطلق القوافل بحركة دائبة بين أقطار الوطن العربي في هذه البقعة دون حدود سياسية أو عوائق مصطنعة وتكون شبكة متواصة لتسويق الأعداد الهائلة من الثروة الحيوانية في الجزيرة العربية من نجائب الإبل وكرائم الخيل وأصائلها وعرابها، والعودة بالسلع من تلك الأجزاء من الوطن العربي إلى مهد العروبة في قلب الجزيرة العربية، وبعض هذه القوافل يكون انطلاقها مرهون بوقت معين كالقوافل التي تنطلق من موانئ الخليج العربي يكون لها موسم معين حينما تأتي السفن من موانئ شبه القارة الهندية وغيرها من بلدان الشرق الأقصى تحدوها الرياح الموسمية مع الخليج العربي في موسم معين من السنة عند هبوب تلك الرياح وذلك عندما كانت تلك السفن الشرعية تسير بفعل الرياح قبل عصر البخار والنفط وعند وصول تلك السفن إلى موانئ الخليج العربي تنشط تلك القوافل لنقل المنتجات الشرقية إلى موانئ البحر الأبيض المتوسط عبر مدن شرق الجزيرة العربية ومدن العراق والشام ثم تعود تلك السفن إلى شبه القارة الهندية وموانئ الشرق محملة بالبضائع التي أحضرها العقيلات على ظهور إبلهم من منتجات البلدان العربية والبلدان الأوروبية وتعود بها إلى الشرق أما القوافل التي تنطلق في الصيف وذلك لجلب الإبل السمان التي رعت عشب الربيع وتسويق المنتجات الحيوانية الأخرى كالسمن والأقط وغيره كما تنطلق في فصل الخريف لجلب المؤن من تمور وحبوب وملابس شتوية وغيرها، هذه الحركة الدائبة على مدار السنة تخف حيناً وتنشط أحياناً تعتبر حلقة وصل بين أجزاء الوطن العربي قبل أن يعبث به الاستعمار ويقسمه إلى تلك الحدود المصطنعة وقبل أن يغرس فيه بذرته الخبيثة في قلب فلسطين، كانت تلك الحركة لا تتوقف وإن كان ينتابها فترات نشاط وركود إلا أنها دائمة فما أن تنتهي تلك القوافل من موسم حتى تأخذ استعدادها لموسم آخر فمثلاً إذا نقلت البضائع القادمة من الشرق إلى الغرب أخذت تنقل البضائع القادمة من الغرب إلى الشرق إذا وجدت أحمالها أو جزء كبير منها جاهز للشحن وكذا الحال بالنسبة للرحلة العكسية، وينطبق ذلك بالنسبة للرحلات الداخلية في الجزيرة العربية فإنه لا يكاد ينتهي موسم الربيع حتى يعقبه موسم الصيف والخريف ثم الشتاء وهكذا فالحركة دائمة دؤوب على هذه الطرق على مدار السنة.

5- أسباب تكوينهم:

لم يكن للعقيلات في بداية أمرهم كما يفهم من مسماهم عند اكتمال تكوينهم مراكز معينة وأوقات معينة، بل كان انطلاقهم من المواقع التي تتواجد فيها قبيلة عقيل أو كانت تشغلها من شرق شبه الجزيرة العربية تمتد إلى البصرة ومنها إلى شمال العراق والموصل، وكان جل تركيزهم على البراري الواقعة بين هذه الحواضر، واستمر هذا الوضع حتى ورث الخالديون هذه المهمة من العقيليين، ورغم أن الدور الخالدي استمر ما يقارب 130سنة إلا أن التسمية بقيت على ما هي عليه للعقيليين للذين لا يدركون حقيقة الأمر من سكان القطر العراقي الذي انطلقت منه التسمية في وقت لاحق كما يرى البعض، هذا القطر الذي يحتوي الكثير من عناصر هذه الفئة، ثم طرأت على الجزيرة العربية ظروف معينة أدت إلى هجرات جماعية نتيجة لكوارث طبيعية وتغيرات وتفاعلات سياسية فقد ذكر الشيخ إبراهيم بن صالح ابن عيسى في كتابه بعض الحوادث الواقعة في نجد أنه في عام 1135هـ / 1723م حدث قحط عظيم هلكت فيه البوادي وغارت الآبار وجلا أهل سدير للبصرة والزبير، كما ذكر في موقع آخر في عام 1181هـ / 1767م والتي تلتها جلا كثير من الناس إلى الزبير والبصرة والكويت نتيجة القحط المعروف بـ"سوقة" وقد واكب قيام الدعوة الإصلاحية في نجد في النصف الثاني من القرن الثاني عشر الهجري الثامن عشر الميلادي نزوح الكثير من أسر منطقة سدير وحريملاء إلى الزبير على طرف إقليم العراق وبنوا لهم في بادئ الأمر بيوتاً من قصب وكانت الرئاسة فيهم ليحيا بن زهير ويذكر "سونز" في عام 1188هـ / 1774م أن النجديين العاملين بالقوافل يأتون إلى بغداد في مجموعات متتالية، ويقضي أفراد هذه المجموعات ثلاث سنوات في خدمة القوافل ثم يرجعون إلى بلادهم بالمال اللازم للزواج وبناء الأسرة ويحل محلهم جماعة أخرى جديدة منهم، تأتي ومعها أعداد كبيرة من الإبل لخدمة المدينة.

وبعد الاضطرابات السياسية التي حصلت في نجد في القرن الثالث عشر الهجري الثامن عشر الميلادي نزح أكثر المعارضين من نجد إلى العراق وأقاموا في الزبير والبصرة وبغداد وعن استقرارهم في تلك المناطق عاملين بالجندية والتجارة يقول "بيبوز" إن الزبير قد أصبحت بفضل الذين هربوا من نجد أو أجلوا عنها في هذا الوقت بلدة لها شأنها بعد أن كانت قرية مغمورة على حدود البصرة، فقد استقر الحال بالعقيلات استقراراً جعلهم يشعرون بأن العراق بلد ثاني يقصدونه للارتزاق وتحسين مستويات حياتهم المعيشية وتأهيلهم لما هو أفضل وقد أدت حروب إبراهيم باشا في نجد من عام 1226-1233هـ 1811م-1818م إلى نزوح الكثير من النجديين الموالين لآل سعود إلى العراق واستقرارهم في البصرة والزبير وبغداد وانخراط بعض هؤلاء في وظائف العقيلات وفي عهد الإمام عبدالعزيز بن محمد وابنه سعود كان على إمارة القصيم حجيلات بن حمد آل أبو عليان وقد أخذه الأتراك إلى المدينة المنورة حيث توفي هناك عام 1234هـ / 1719م وقد اضطر أبناؤه إلى الهجرة إلى الشام بزعامة كبيرهم عمير بن حجيلان بن حمد وانضموا للمهاجرين الذين سبقوهم من رجالات نجد المعروفين باسم عقيل وكونوا التجارة بين العراق والشام ومصر وفي سنة 1310هـ- 1892م سكن الفارون الذين جلوا أو أجلوا من القصيم ومن بينهم آل مهنا وآل سليم والشاعر العوني واطمأنوا في الكويت ودمشق لاجئين هناك ونتيجة لهذه التبدلات خرج الكثير من أهل نجد في شبه هجرات جماعية بحثاً عن مصادر العيش مثل استخراج اللؤلؤ والعمل في حراسة القوافل والانضمام إلى الجيوش العثمانية وإغراءاتها المادية، وخلال القرنين الحادي عشر والثاني عشر الهجريين ازدهرت بغداد بفعل هؤلاء المهاجرين العرب الذين كونوا قوافل التجارة من بغداد إلى الشام والبصرة والكويت، من هذه النصوص التاريخية السابقة تتضح لنا الأسباب التي أدت إلى تكوين المرحلة الأخيرة من أصحاب مهنة العقيلات، فبعد أن كانت مهمة قبيلة بعينها ثم صارت من مهمة فرع من فروع هذه القبيلة كان له شوكة وسلطة ثم ورث هذه المهمة من ورثها بعد مرحلتها الأولى كما مر بنا من الحوادث الطبيعية والأحداث السياسية تكونت المرحلة الثانية التي عرفت بها هذه الفئة حتى انتهى دورها وكان نواة هذه المرحلة في الزبير والبصرة ثم في بغداد، فالزبير كما هو معروف تقع في واد غربي البصرة يقال له قديماً وادي النساء ثم سمى وادي السباع وحين قبر هناك الزبير بن العوام رضي الله عنه عام 36هـ سميت المنطقة باسمه ولما ملك العثمانيون العراق أقاموا مسجداً عند قبر الزبير ثم أقام السلطان سليم الثاني عام 979هـ / 1689م قبة في المكان ما لبث الناس أن توافدوا عليها يسكنون بقربها ثم أصبح الزبير بوابة نجد على العراق وهي منطقة وسط بين الصحراء وأرض السواد ووسط بين البادية والحاضرة، من هذه البلدة بالإضافة إلى البصرة انطلقت نواة العقيلات في مرحلتهم الأخيرة وصارت تنمو شيئاً فشيئاً بحكم الهجرات الجماعية التي تصل إليها من نجد حتى أصبحت مدينة لها وزنها وثقلها ولعبت دوراً كبيراً في التجارة العالمية وفي توجيه القوافل التجارية بين العراق والشام بالإضافة إلى البصرة وبغداد والنجف وسوق الشيوخ التي استقر بها أعداد كبيرة من النجديين وكان لتلك الحوادث والأحداث المنوه عنها في بداية هذه الفقرة دور كبير في تكوين هذه النقاط الجديدة لتجمع العقيلات فضلاً عن دافع طلب الرزق من الذين يذهبون لفترة من الزمن ثم يعودون إلى أهلهم ومعهم ما حصلوا من مكاسب وتجارة.

6 - تنظيمات العقيلات:

يتمتع العقيلات بتنظيمات هيكلية من منطلق المهمات التي يقومون بها، فلكل نشاط من أنشطتهم تنظيمه الخاص، وهذه التنظيمات وإن لم تكن مكتوبة إلا أنها متوارثة ومتناقلة بينهم يأخذها الخلف عن السلف مشافهة، فالقافلة التي تنتقل من نقطة إلى أخرى لها تنظيم خاص يتكون من أمير القافلة الذي يرجع إليه مهام معينة كدلالة الطريق وملاحظة الإبل والخيل ورعيها إن كانت القافلة من قوافل بيع المواشي، أو فرق تحميل الأحمال وتنزيلها أو فرقة "الثاية" وهي الموكول إليها الخيام والأمتعة وإعداد الطعام والقهوة وفرقة "القلوط" وهم طلائع القافلة أو عينها التي تسبقها لتطمئن إلى أمن الطريق وفرقة "الملاحيق" وهي التي تكون في مؤخرة القافلة مع الرعيان لحث المتأخر من القافلة و "خبر" أو فرق الحراسة المسلحة التي تنقسم بدورها إلى أربعة أقسام قسم عن يمين القافلة والآخر عن يسارها وثالث أمامها ورابع خلفها، و "خبرة" أو فرقة المعرفين من أفراد القبائل التي ستمر القافلة بأراضيها أثناء عبورها إلى المعرفين من أفراد القبائل التي ستمر القافلة بأراضيها أثناء عبورها إلى غير ذلك من الهيكل التنظيمي للقافلة الذي سنرى في مكان آخر من الكتاب تفصيلات عنه وهناك أيضاً تنظيم للبيع والشراء في السوق وتنظيم شبه قضائي وهو الذي يتولى النظر في الأمور موضع الاختلاف ويحل الإشكالات التي تحدث بين العقيلات أنفسهم أو بين العقيلات وبين من يبيع عليهم أو يشتري منهم وأحكام هذا التنظيم غالباً ما تكون مستقاة من أحكام الشريعة الإسلامية أو ما هو متعارف عليه بين القبائل العربية من العادات والأعراف والتقاليد وغالباً تكون الأحكام بالتراضي بين الطرفين المختلفين وتفض في حينها من قبل هذه التنظيمات التي تكون بصحبة القافلة ونادراً ما يحتاج العقيلات للمداعاة القضائية إلا في أمور يستعصي حلها على المجلس القضائي أو العرفي، ويروى أن أحد العقيلات لم يرضه الحكم الذي صدر عن هذا المجلس فدعى خصمه إلى القاضي الشرعي وذكر له موضوعه الذي لم يستطع قضاء العقيلات أن يصل فيه إلى حل يقنعه وذكر للقاضي ما توصل إليه العقيلي، فقال له القاضي هذا هو حل موضوعك وليس لك عندي من حل شرعي إلا ما توصل إليه الرجل يعني قاضي العقيلات وهو لا يسمى مجلس قضاء وإنما يسمى المجلس العرفي لحل المشاكل الصغيرة حسب ما تم التعارف عليه مما تكون جذوره ومنبعه من الشريعة الإسلامية هذه التنظيمات التي يتمتع بها العقيلات لكل شأن من شئونهم، وفوق هذا فإن لكل عقيلات منطقة رئيس يكون على أمرائهم ورؤسائهم يعودون إليه في شئونهم وهو بدوره يمثلهم لدى السلطات الحاكمة في البلد الذي يحلون فيه ويحل مشاكلهم أو يحصل على حقوقهم لدى تلك السلطات أو يتكلم باسمهم عندما يكون هناك أمر يتعلق بالعقيلات، فقد ذكر ابن عيسى في حوادث عام 1258هـ /1840م أنه كان لعقيل رؤساء متعددون بحسب مناطقهم التي نزحوا منها فهناك سليمان الغنام من أهل العارض في بغداد وهو من أهل ثادق، ورئيس عقيل أهل القصيم علي السليمان الخالدي وهو من آل جناح من بني خالد قتله وإلى بغداد محمد نجيب باشا عام 1258هـ يتضح دور رؤساء العقيلات في دور العقيلات العسكري في فصل لاحق من هذا الكتاب، هذه التنظيمات المختلفة دقيقة للغاية يتمسك بها العقيلات أشد التمسك وإن لم تكن مكتوبة كما أشرنا إلى ذلك آنفاً إلا أنها تسري مسرى الأحكام الشرعية أو النظام والقانون المدون في كل أمر من الأمور، غير أنها مرنة تخضع للظروف الطارئة من أمنية وسياسية وتجارية لتحقيق المصلحة المشتركة.

7- التنافس فيما بينهم:

كأي مهنة من المهن طبيعي أن يحصل التنافس ليس بين أفرادها ومجموعاتها فحسب بل بين أمرائها ورؤسائها الذين يتنافسون على المصلحة المادية والمركز القيادي، كل فئة تريد الحق لها، ويرجع بعض هذا الخلاف إلى التنافس الاقتصادي بين بعض العقيلات الذين يؤجرون الحجاج وتعهدون بحراستهم وتأمينهم بقوافلهم وبين زعماء آل رشيد الذين عملوا أيضاً بقيادة قوافل الحجاج في العراق وما وراء النهر، هذا الاختلاف والتنافس ينشط حيناً ويفتر حيناً آخر تبعاً للقوى المسيطرة على الساحة يومذاك، وكان عقيلات شمر أقرب إلى الإمام فصل بن تركي آل سعود من عقيلات القصيم المؤثرين في منطقتهم بما لهم من ثروة وجاه، ويبدو أن العلاقة الحميمة التي ربطت بين دولة الإمام فيصل بن تركي آل سعود بالرياض وأمراء حائل والروابط العضوية بين العراق الذي يحكمه العثمانيون ومنطقة شمر سواء من حيث القرب في رقعة الأرض أو امتداد القبيلة إلى العراق في شبه الجزيرة الفراتية وشرقها هذه العوامل قد تداخلت لتقوى أمراء أسرة آل الرشيد في العراق حيث نرى الأمير متعب بن عبدالله آل الرشيد عام 1275هـ / 1859م يحاول أن يتولى إمارة الحج بدلاً من مهنا الصالح الحسن، وتدخل حينئذ أحمد الرواف أحد كبار العقيلات لحسم هذا الأمر الذي أصبح نزاعاً مستشرقياً فاشترى حقوق مهنا من إمارة القوافل وكان الصراع على هذا الأمر قائماً يومذاك بين أسرتي آل مهنا وآل أبي عليان الأكثر ميلاً إلى آل الرشيد ثم تضعضعت من الناحية الرسمية أسرة آل مهنا، من هذا المنطلق صار آل الرشيد أنفسهم يتولون إمارة الحج العراقي وحراسته دون عقيلات القصيم وذلك لفترة طويلة استمرت طيلة حكمهم الذي دام حوالي قرن من الزمن عام 1250-1340هـ/ 1834-1921م ولم يكتفوا بقيادة قوافل الحجاج بل صارت لهم الغلبة في نقل المتاجر وسيطروا عليها، سواء قاموا بذلك بأنفسهم أو وكلوا ذلك إلى من ينيبونهم عنهم لأداء هذه المهمة، غير أن الأمر لم يدم دون منغصات ففي فترة الحرب العالمية الأولى 1333-1337هـ / 1914-1918م قاسى عقيلات شمر أكثر من عقيلات القصيم من مشاكل هذا الحرب حيث حاول البريطانيون منع سلع العراق من الوصول إلى المنطقة التي أعلنت انحيازها للعثمانيين وحرضت بعض قبائل عنزة كيلا يتركوا القوافل الشمرية تمر من الشام باتجاه حائل بسلام وذلك بعرقلة مسيرها أو محاولة الاستيلاء عليها في هذا الوقت الذي تدخلت الدول الكبرى يومذاك ومنها بريطانيا وفرنسا اللتين كان لهما مطامعهما الاستعمارية في المنطقة، من هذه النقطة بدأت الكفة تميل شيئاً فشيئاً لصالح عقيلات منطقة القصيم حتى حصلوا على نصيب الأسد من هذه المهنة فرجحت كفتهم حتى انتهى دور العقيلات نهائياً عام 1370هـ-1950م.


ثانياً: مهمات العقيلات:

1- التجارة بالخيول والإبل:
كانت الجزيرة العربية منذ القدم مصدراً رئيساً للثروة الحيوانية الجيدة من الإبل والخيل والأغنام، وذلك لطيب مراعيها، وجودة السلالات المتواجدة فيها، وكما كانت مصدراً للطاقة البشرية من الجنس العربي منذ قرون إلى منطقة الهلال الخصيب والشمال الأفريقي تدفع بزخات متتابعة من الطاقة البشرية بهجرات متقاربة أحياناً ومتباعدة أحياناً أخرى، كلما امتلأت أفرغت ما فيها، فهي كانت مصدراً للحيوانات التي ألفها الإنسان العربي، فالجواد العربي الأصيل وكرائم نجائب الإبل العربية بالإضافة إلى الضأن النجدية الجليلة من هذه الجزيرة كانت تخرج السلالات الممتازة إلى منطقة الهلال الخصيب العراق- سوريا- مصر - والشمال الأفريقي وكان الذي يقوم بتصدير هذه الحيوانات هم العقيلات، وتأتي الإبل في المرتبة الأولى وذلك لكثرتها وكثافة أعدادها، تليها بالدرجة الثانية الخيول وذلك لعزتها وسمو مكانتها عند أصحابها، سيما وأنها قلعة العربي كما هو معروف فالعرب الرحل لم يتخذوا الأسوار والقلاع، وإنما كانت قلعة العربي صهوة جواده كما قال حميد بن الجمال الهلالي:
ونحن ناس بأرض لا حصون لها * * * إلا الأسنة والجرد المغاوير
وسوره إبله التي تقيه هجمات الأعداء من هذا المنطلق كان ما يجلب نسبة أقل من الإبل، فإذا جلبت الإبل بالآلاف كانت الخيول بالمئات وربما لا يجلب الخيول إلا من مستوى الدرجة الثانية وذلك لشدة شح العربي بجواده، لكن رغم ذلك فإن العقيلات يجلبون أيضاً من عراب الخيل ولكن بنسبة أقل، تأتي الأغنام وهي الضأن النجدي خاصة في المرتبة الثالثة، هذه المهمة التي قد شرع بها العقيلات منذ وقت قديم فقد أورد ابن فضل الله العمري قوله: وأما البحرين (يقصد الأحساء) فإنهم يصلون إلى باب السلطان وصول التجار يجلبون جياد الخيل وكرام المهارى واللؤلؤ وأمتعة العراق والهند، ويرجعون بأنواع الحباء والأنعام والقماش والسكر وغير ذلك، ولهم متاجر رابحة وواصلهم إلى الهند لا ينقطع وبلادهم ما بين العراق والحجاز (هذا الكلام في القرن الثامن والتاسع الهجريين)، وكانت تجارة الإبل نجدية، وتجارها نجديون، وقد خدم العقيلات بإبلهم الاقتصاد العراقي والمواصلات والاتصالات العراقية، ولم تكن لأهل العراق إبل كثيرة فاستعاضوا عنها بإبل نجد، وتستخدم الإبل لعدد من الأغراض كالنقل والركوب وأعمال الفلاحة وتستهلك لحومها للأكل، أما الخيول فتستخدم للحروب والركوب في المواكب وغيرها استمر هذا الوضع طيلة هذه القرون ثم جاءت الدول الغربية واقتربت من المنطقة العربية وبدأت تشتري من هذه الحيوانات وعلى سبيل المثال لا الحصر فقد اشترت بريطانيا في عام 1273هـ/1856م من هذه المنطقة 28000 رأس ثمانية وعشرين ألف رأس من الإبل والخيول والبغال وذلك لغرض النقل في الجيش البريطاني ويشتد الطلب على هذه الحيوانات في أوقات الحروب ففي الحرب العالمية الأولى عام 1333هـ / 1914م جلب إلى دمشق وحدها ما بين 300- 400 رعية خلال سنة واحدة تتراوح أعدادها ما بين 24000 - 32000 رأس من الإبل وعلى مدى سنوات الحرب التي دامت أربع سنوات حتى عام 1337هـ / 1918 ويوجد أسواق مشهورة لبيع الإبل في الأقطار العربية المجاورة كالزبير والبصرة وبغداد والنجف والحلة والعمارة والسماوة والموصل في العراق ودير الزور والغوطة وعذراء وحوران في سوريا ورأس العين والزرقاء وعمان بالإردن وعرابة وطولكرم ونابلس وجنين وعربة واللد وغزة وبئر السبع ودير البلح وخان يونس بفلسطين ورفح والعريش وأبو حماد وأبو كبير والزقازيق وشبين الكوم وبلبيس والمطرية وإمبابة بمصر والأبيض وأم درمان بالسودان، هذه التجارة كانت عامرة على مدى بضعة قرون من الزمن وقام بمهامها العقيلات فاستفادوا وأفادوا وكانوا حلقة الوصل بين تلك الأقطار.
2- التجارة العامة:
من المهام الرئيسة التي يقوم بها العقيلات هي التجارة العامة وهي على ثلاث مستويات:
1- الأول أن تكون القافلة بكاملها للتاجر نفسه وهو الذي يتولى مع مساعديه تجهيزها وقيادة القافلة بنفسه أو من يوكله نيابة عنه ممن يثق به ويعتمد عليه كما يعتمد على نفسه وتكون مثل هذه القافلة تحمل صنفاً واحداً من البضائع أو تحمل عدة أصناع حسب متطلبات السوق وقد كان لهؤلاء التجار من العقيلات مكانة مرموقة استمر التجار النجديون الذين اكتسبوا مالاً وشهرة يغشون مدن العالم المزدهرة في الشرق والغرب ويجتمعون بالشخصيات المؤثرة في مجالات الاقتصاد والسياسة والثقافة في المناطق التي يغشونها مثل ستانبول - فينا- باريس- مصر- بومباي- حيدر أباد- دكن يشترون منها البضائع المتعددة الأصناف والكميات.
2- الثاني أن تكون القافلة لاثنين أو ثلاثة من التجار ويتولى قيادتها أحدهم أو أكثر من واحد وربما كلهم وغالباً ما تكون مثل هذه القافلة وسابقتها ممن يتاجرون بسلع رئيسة وعلى مستوى كبير ومثل هؤلاء التجار يجهزون السلع ويبيعونها بالجملة والتجزئة.
3- الثالث أن تكون القافلة لعدد من التجار كل له فيها مجموعة من الإبل يتاجر فيها بما يريد من البضائع وفي مثل هذه القافلة يتولى قيادتها واحد منهم كأمير عليهم يختارونه من بينهم يفوضون أمرهم إليه يتصرف باسمهم حتى تصل القافلة إلى غايتها، وتكون مصاريف مثل هذا النوع من القوافل موزعة بنسبة حصة كل تاجر من هذه الإبل ومثل هذا النوع من القوافل يكثر فيها التنافس بين التجار وخاصة في حالة العودة من الحواضر العربية نظراً لكثرة أصناف البضائع هناك، ويغلب على هذه الفئة أو المستوى من القوافل عند عودتها أن يكون بيع تجارها بالتجزئة نظراً لكونها لعدد من التجار فكل واحد يبيع ما أحضر من بضاعة بنفسه بالسعر الذي يرتضيه.
ويكثر في مثل هذه القافلة التجار الصغار الذين يأخذون ما يسمونه "بضاعة" حيث يأخذ التاجر المبتدئ من التاجر الكبير أو العريق شيئاً من المال ليتاجر به بحيث يكون الربح بينهما مناصفة ورأس المال للتاجر الكبير وشيئاً فشيئاً تزداد كمية هذه "البضاعة" أي المال حتى ينتعش هذا التاجر الصغير ويلحق بالمستوى المتوسط من التجار وربما أخذ "بضاعة" على مستواه حتى يصبح من التجار الكبار ذوي الثروة والجاه وهكذا.
ومثل هذه السلع التي يتاجر بها هؤلاء التجار من العقيلات على مختلف مستوياتهم من عدة أمصار فإن كانت من الجزيرة العربية إلى الأقطار العربية الأخرى فغالباً ما تكون من الحيوانات الحية كالخيل والإبل والضأن من الغنم كما سبقت الإشارة إلى ذلك أو من المنتجات الحيوانية كالسمن والإقط والمنسوجات الصوفية الغليظة والجلود المدبوغة وغيرها من السلع التي تتوفر بأسواق حواضر الجزيرة العربية وإن كانت البضائع من موانئ الخليج العربي من العقير والقطيف وعينين "الجبيل" والكويت والبصرة من المنتجات الهندية والبنغالية وغيرها من بضائع الشرق الآسيوي فغالباً ما تكون من التوابل الهندية من حب الهال "الهيل" والقرنفل والزنجبيل والقهوة وزهور الأكاشيا والكراوية والمسك والعود والعنبر والثياب القطنية والحريرية والشيلان القطنية والصوفية والمنسوجات المختلفة والسجاد والتمور بأنواعها والصمغ وبعض الأعشاب الطبية والكركم والكافور والنيلة والزعفران والتبغ والحديد والنحاس والرصاص والقصدير واللؤلؤ والأصداف وأنواع الخرز والشموع واللآلئ والجواهر والمرجان والعقيق والأحجار الكريمة الأخرى أما القوافل الواردة من العراق أو عن طريقه مما وراء النهر وفارس عن طريق البصرة وبغداد والنجف فإنها غالباً ما تحمل بالإضافة إلى ما سبق الأرز العراقي "التِّمَّن" بأنواعه ودرجاته المختلفة والشيلان الصوفية والعباءات والقطائف الثخينة والتبغ وغير ذلك أما القوافل العائدة من الشام وفلسطين فإنها تحمل بالإضافة إلى المنتجات الشامية والفلسطينية البضائع الأوروبية المختلفة ويكون مصدر هذه البضائع حلب ودمشق وحيفا ويافا وغزة وعمان مثل الذهب والفضة والنحاس والمصاغات والمشغولات الخاصة بهذه المعادن للزينة والأواني المنزلية من زجاجية وخزفية ونحاسية ومعدنية بأنواعها والدلال والهاونات النحاسية "النجور" والكيمياويات من زرنيخ وكبريت وغيرها إضافة إلى الزيوت النباتية كالزيتون والمسابح والعقود والخرز والنظارات المكبرة "درابيل" والصناعات الزجاجية والمرايا المختلفة الأشكال والألوان وأنواع من التبغ المصنع وأقمشة المخمل والحرير والدمقس والأدوية والقمح والشعير والعدس والذرة الشامية والملابس الصوفية والفراء والعباءات والبسط والقطائف الرومية والخيوط الحريرية "البريسم" والثياب الحريرية النسائية "ورسى" والثياب الصوفية الرجالية وملابس "الزبون" و"الصاية" وغيرها من البضائع، أما ما يأتي من مصر فالقطن والأقمشة القطنية الفاخرة والسجاد والعسل والفول والأدوية والورق والتبغ وغيره مما يكون من المنتجات المصرية أو مما ورد للموانئ المصرية من أوروبا وغيرها من بلدان المغرب العربي، هذه الأصناف التي تعد بالآلاف وقد أتينا بنماذج من أسمائها وهي كثيرة جداً لكن الإشارة تكفي عن العبارة هي التي ينقلها هؤلاء التجار من العقيلات بين موانئ الخليج العربي في الشرق وموانئ البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر في الغرب وبين الحواضر العربية في كل من الكويت والعراق والشام وفلسطين ومصر والسودان وبين حواضر الجزيرة العربية كالجوف وحائل وبريدة وعنيزة والزلفي وشقراء والمجمعة والرياض والإحساء في وسط وشرق الجزيرة بالإضافة إلى المدينة المنورة ومكة المكرمة وينبع والطائف وجدة في غرب الجزيرة العربية هذه الحواضر التي ترتادها قوافل العقيلات صادرة منها حيناً وواردة إليها أحياناً بمختلف البضائع والسلع وكما أشرنا آنفاً من شدة التنافس بين تجار العقيلات من الفئة الثالثة فإن كل واحد منهم يحاول ألا يعرف أصحابه ما اشتراه من السوق من العديد من أصناف البضائع وذلك من أجل أن يكسب السوق إذا عادوا إلى بلدانهم وقد جاء هذا ببضاعة جديدة أو صنف يختلف عن الصنف الذي جلبه رفاقه هذا النوع من التنافس البريء يمد السوق بسلع جديدة ونادرة، وبمثل هذا التنافس تزداد أرباح هؤلاء التجار الصغار الذين يحضرون تلك البضائع النادرة خاصة من الأشياء الصغيرة التي لا تكاد تبين ويكثر هذا التنافس بين التجار الصغار من فئة المستوى الثالث من القوافل أما المستوى الأول والثاني باعتبارهم يحضرون كميات كبيرة من السلع أو السلعة الواحدة فإنهم لا يخشون المنافسة من التجار الصغار وعادة ما يتاجر هؤلاء بالمواد الاستهلاكية الرئيسة وبكميات كبيرة نسبياً لا يقدر على جلبها غيرهم وبأرباحها القليلة نسبياً لا يقدم أحد من التجار الصغار على المنافسة، ومثل هؤلاء التجار الكبار يتعهدون للسلطات المحلية لتموين الحملات والغزوات بالأطعمة والملابس وغيرها كما يمونون السوق المحلية بالمواد الغذائية من الحبوب كالقمح والشعير والذرة والتمور والأرز وغيرها من الأطعمة أو بالمواد والسلع الرئيسة كالملابس الشتوية بكميات كبيرة تفي بحاجة السوق في وقت الشتاء وغير ذلك من السلع التي تحتاج إلى كميات كبيرة.
3- النقل العام:
من المهام المميزة التي قام بها العقيلات النقل العام وينقسم النقل العام إلى ثلاث مستويات هي الأخرى:
1- مستوى يملكه شخص واحد ويكون من المتعهدين الكبار الذين يملكون أعداداً كبيرة من الإبل بعددها وتجهيزاتها واستعدادها ويتعهدون في نقل البضائع الكثيرة، وهؤلاء يمثلهم في وقتنا الحاضر شركات النقل الكبرى التي تتولى الأعمال الكبيرة وكانوا بدورهم يتولون مثل هذه المهام الكبيرة وتكون مراكزهم على الخطوط الطويلة والعامرة كالطريق الصحراوي بين موانئ الخليج العربي وموانئ البحر الأبيض المتوسط أو بين البصرة ومكة المكرمة أو ما بين دمشق وعمان والمدينة المنورة ومكة المكرمة وذلك لنقل مئات الآلاف من الحجاج عبر هذه الطرق الصحراوية الطويلة ذهاباً وإياباً.
2- مستوى يملكه عدة أشخاص كونوا بمجهوداتهم المشتركة قافلة واحدة منهم أو أكثر، وربما يشتركون في إدارتها وتكون بحجم أقل من سابقتها ولكنها تقوم بنفس المهام غير أنها تتميز بمرونة أكثر في حركتها وتأخذ خطوطاً متفرعة إلى مدن ونقاط ثانوية خارج نطاق القوافل الكبيرة كما أن لها نصيب من نقل الحجاج من أماكن تجمعهم ليؤدوا فريضة الحج ثم تعيدهم إلى أماكنهم مرة أخرى وهذا المستوى بمثابة الشركة المتوسطة في وقتنا الراهن.
3- المستوى الثالث وهو المستوى الذي يمثل الشركة المساهمة ويملكه العديد من الأشخاص كل يساهم فيه بعدد من الإبل المجهزة للحمل تحت قيادة واحدة وغالباً ما يرافق أصحاب هذه الحصص إبلهم فكل واحد يرافق إبله يعتني بها ويلاحظها بالعلف والماء وغيره حيث أن يد صاحب المال حفية بماله أكثر من غيره وتقوم هذه القوافل بنفس مهام المستويين السابقين إلا أنها أكثر تعددية وبالتالي فهي أكثر مرونة من المستوى الثاني فضلاً عن المستوى الأول وقد تذهب إلى طرق ونقاط خارج نطاق المستويين السابقين وأصغر حجماً كالمدن الصغيرة والقرى ومضارب البادية وقد يوكل إليها نقل الحجاج عند الحاجة من باب تعميم الفائدة أو عندما تكون الأرض لا يتوفر فيها الكلأ لهذه الإبل الكثيرة العدد خاصة في سنوات الجدب فإن أهل الحصص الصغيرة من الإبل تكون إبلهم أنشط من غيرها لعنايتهم بها ويمكن أن يستبدلوها بغيرها إذا لزم الأمر وكذلك فإن الحجاج أنفسهم يفضلون في كثير من الأحيان أن ينطلقوا مع قوافل يملكها ملاك صغار لهم عناية فائقة بإبلهم وبمن معهم خير من أن يكون المالك لأعداد كبيرة طالما أنهم يسيرون في قافلة واحدة.
وقد اعترفت القبائل العربية كلها بالعقيلات كناقلين للتجارة وضمنت لهم حرية المرور البري لتيسير المهام التجارية في المنطقة ولم تعترضهم ومكن هذا الأمر للعقيلات نقل الرحالة الأوروبيين في القرن الثامن عشر الميلادي بأمان نسبي إلى المنطقة التي يرغبون الوصول إليها وقد ترك لنا هؤلاء الرحالة أخبار رحلات العقيلات ونشاطهم وقد لعب العقيلات دوراً كبيراً في تملك هذه القوافل وقيادتها منذ عدة قرون كانت قيادة القوافل وريادتها في فترة طويلة سابقة للفترة العثمانية في أيدي بني خالد في البحرين (الأحساء) الذين ورثوها من العقيليين السابقين لهم وكان أمير بني خالد هو المسئول عن تعيين شيخ القافلة أو أميرها وكانت قوافل بني خالد في أعمها تذهب إلى الشام بالإبل، بيد أنه من الجائز أن العقيلات كانوا يساهمون في نشاط بني خالد، كما كان الخالديون يتولون أمر الحجاج ومن هنا كان تأسيسهم الكوت "الكويت الحالية" في بداية القرن الحادي عشر الهجري بالإضافة إلى أغراض أخرى، وفي منتصف القرن الثاني عشر الهجري الثامن عشر الميلادي حصلت متغيرات إقليمية وعالمية دفعت بالعقيلات إلى الصدارة، وورث العقيلات منذ ذلك الحين قيادة القوافل وريادتها وحراستها والإشراف عليها وغطوا بعد ذلك نشاط بني خالد في هذه الحقبة، وقد ثبت في هذه الفترة للعقيلات دورهم في قيادة القوافل والاضطلاع بمهام الترحيل وربط هذه الفترة من التاريخ العثماني بين الشرق والغرب وأصبحوا جزءاً من شرايين التجارة العالمية بين العراق والشام، تقول المخابرات البريطانية عن عام 1334هـ / 1916م أن الإبل هي الناقل الأساسي في شبه الجزيرة العربية كلها حيث لم تعرف الجزيرة العربية السيارات بعد فهي لم تستعمل إلا مرة واحدة حول حائل عام 1335هـ/ 1917م حيث أرسلها العثمانيون هدية لآل الرشيد في حائل ولهذا تبقى الإبل هي الوسيلة الوحيدة للنقل حيث تستعمل الذلول للركوب وغالباً ما تكون من النياق بينما تقوم الجمال بحمل الأثقال وأخفها وأسرعها التي تأتي من عمان. ازدهرت بالتالي تربية المواشي من الإبل ، وذلك لسد حاجة القوافل واستمرت القوافل الكبيرة بقيادة أناس كثيرون منهم على سبيل المثال لا الحصر، عمر الحجيلان وإبراهيم الرشيد ومحمد الرشودي وموسى الرواف وسليمان الغنام وعلى بن سليمان الخالدي وغيرهم الذين تعهدوا بنقل تجارة الشرق من بغداد إلى الشام وتجارة الغرب من أنطاكية وحلب ودمشق إلى بغداد وأنحاء من الجزيرة العربية وموانئ الخليج العربي، ومن هنا ندرك أن العقيلات لم يقتصر دورهم على تجارة المواشي من الإبل والخيل وإنما كان لهم دور كبير في تنمية التجارة بين بلدانهم والأقطار العربية المجاورة فضلاً عن قيامهم بمهام التجارة العالمية كما أشرنا إلى ذلك آنفاً، وقد تأثر العقيلات كناقلين عالميين بأحداث العالم وكانت بداية النهاية للعقيلات كناقلين عالميين الثورة الكبرى في عالم المواصلات البحرية والبرية والجوية في عصر البخار ثم النفط وحفر قناة السويس وافتتاحها بين البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط وتحول هؤلاء النجديين إلى ناقلين محليين وبدأت قوافل العقيلات بين البصرة والزبير ونجد لنقل السلع الهندية والأوروبية إلى قلب الجزيرة العربية ولم يبق لعقيلات شمر والقصيم دور مباشر في نقل التجارة العالمية إلا في تجارة الخيل والإبل وبذلك توقف الطريق الصحراوي الذي كان يربط بين العراق وسوريا وتراجع العقيلات إلى طرق أخرى نشطت بكساد الطريق الصحراوي المشار إليه هذه الطرق التجارية المحلية بين نجد والشام والعراق مباشرة.
4- نقل الحجاج:
يعتبر نقل الحجاج وحمايتهم وضمان أدائهم فريضة الحج ثم العودة بهم إلى أماكن انطلاقهم من مكان تجمعهم في بغداد والبصرة والكويت ودمشق إحدى مهام العقيلات الرئيسة، فقد عانى حجاج العراق وأصفهان وتلك الأصقاع لكثير من المشاكل على طريق الحج الكوفي والبصري منذ القرن الثالث الهجري، فقد نكبوا نكبات مؤلمة على أيدي القرامطة وقطاع الطرق من الأعراب وفي كثير من السنوات يتوقف الحج العراقي وبلاد ما وراء النهرين الذين يأتون مع نفس الطريق بسبب مخافة الطرق وما يجري عليها، وإذا نظرنا إليها من واقع التاريخ نجد أن:
1- في سنة 294هـ/ 906م أغار زوكرويه القرمطي على جماعة من بني أسد في زبالة ولقي قافلة خرسانية وكتب من نجا من حجاج القافلة الثانية إلى رؤساء القافلة الثالثة يعلمونهم عن القرامطة ويأمرونهم بالتحذير والعدول عن الجادة نحو واسط والبصرة أو الرجوع إلى فيد والمدينة المنورة إلى أن تأتيهم جيوش السلطان فلم يسمعوا ولم يقيموا وكان القرامطة قد طموا الآبار والبرك بالجيف والتراب والحجارة بواقصة والثعلبية والعقبة وغيرها من المناهل في جميع طريقهم وأقام بالهبير ينتظر القافلة الثالثة فساروا وصاد فوه هناك فقاتلهم زكرويه ثلاثة أيام وهو على غير ماء فاستسلموا لشدة العطش فوضع فيهم السيف وقتلهم عن آخرهم وجمع القتلى كالتل وأرسل خلف من هرب يبذل لهم الأمان، وكان نساء القرامطة يطفن بالماء بين القتلى يعرضن عليهم الماء فمن كلمهن قتلنه فقيل أن عدة القتلى بلغوا عشرين ألفاً ولم بنج إلا من كان بين القتلى فلم يفطن له فنجا وهرب عند انشغال القرامطة بالقتل والنهب فكان من مات من هؤلاء عطشاً أكثر ممن سلم من الهاربين وكان مبلغ ما أخذه القرامطة من هذه القافلة ألفي ألف دينار أي مليوني دينار من الذهب.
2- في سنة 312هـ/ 923م اعترض أبو طاهر سليمان بن الحسن القرمطي الحاج عند عودتهم من مكة بعد انقضاء الحج بالهبير (قرب زرود شرق الأجفر) في المحرم فأوقع بقافلة تقدمت، فيها معظم الحجاج وكان فيهم خلق كثير من أهل بغداد وغيرهم فنهبهم واتصل الخبر بباقي الحجاج وهم بفيد فاقاموا بها حتى فنى زادهم وكان أمير الحاج يومئذ أبو الهيجاء عبدالله بن أحمد بن أبي بكر بن حمدان فأشار على الحاج بالعودة إلى وادي القرى وأنهم لا يقيمون بفيد فاستطالوا الطريق ولم يقبلوا ومضوا فأوقع بهم القرامطة واسروا أبا الهيجاء ومن كان معه من القواد فأخذ أبو طاهر جمال الحاج جميعها وما أراد من الأمتعة والأموال والنساء والصبيان وعاد بهم إلى بلاده هجر (الأحساء) وترك الحاج في مواضعهم فمات أكثرهم جوعاً وعطشاً من حر الشمس وقد أخذ القرامطة من الأموال مالا يحصى.
3-في سنة 379هـ/ 989م اعترض على الحاج الأصيفر محمد بن حسين بن حماد ودفع القرمطي وطلب من الحاج ما يأخذه القرمطي فاستنصره أحمد بن محمد العلوي إلى حين عودة الحاج من مكة فانصرف وعاد ونزل الثعلبية إلى أن وافى الحاج واستوفى منهم المال.
5- في سنة 384هـ/ 994م خرج الحاج العراقي حتى بلغ الهبير والثعلبية فاعترضهم الأصيفر وصدهم عن الطريق ومنعهم الجواز وحاربهم وقال إن الدنانير التي أرسلها السلطان عام أول كانت دراهم مطلية وأريد العوض عنها فلا أفرج عن الطريق حتى آخذ من الحاج رسم سنتين وطالت المخاطبة والمراسلة إلى أن ضاق الوقت على الحاج ولم يكن لهم طاقة فعادوا.
6- في سنة 386هـ / 996م خاطب الحاكم (صاحب مصر) ابن الجراح أمير طيء فاعترض الحاج فلاطفهم الشريف الرضي وأخوه المرتضي وترك سبيلهم ثم منعهم بعدها وحمل أبو النجم بدر بن حسنويه وكان أمير الخيل خمسة آلاف دينار من وجوه القوافل من خرسان لتدفع إلى الاصيفر عوضاً عما كان يجبى له من الحاج في كل سنة وجعل ذلك رسماً زاد فيه من بعده حتى بلغ 9200دينار ذهب وواصل ذلك حتى وفاته.
7- في سنة 393هـ / 1002م رجع ركب الحج العراقي خوفاً من ابن الجراح الطائي فدخلوا بغداد قبل العيد، أما ركب البصرة فقد أجازه بنو زغب الهلاليون، وقال ابن الجوزي إنهم أخذوا منهم ما قيمته ألف ألف دينار (أي مليون).
8- في سنة 397هـ / 1007م رجع الحج العراقي من الثعلبية وواقصة لأن ابن الجراح الطائي منعهم من المسير ليأخذ منهم مالاً فضاق عليهم الوقت فعادوا إلى الكوفة ولم يحجوا.
9- في سنة 398هـ/ 1007م أجاز بنو زغب الهلاليون حاج البصرة ستمائة رجل أخذوا منهم زيادة عن ألف ألف دينار (مليون)
10-في سنة 412هـ1021م تقدم السلطان محمود سبكتكين إلى قاضي القضاة في مملكته أبي محمد المناضحي للتأهب للحج وأعطاه ثلاثمائة ألف دينار واجتمع خلق عظيم من خراسان فلما بلغوا فيد بذل المناضحي للطائيين خمسة آلاف دينار فلم يقنعوا وصمموا العزم على أخذ الحاج وكان مقدمهم يقال له حماد بن عدي النبهاني وكان جباراً فركب فرسه وعليه درعه وسلامه وجال جولة يرهب بها وكان في السمرقنديين شاب يعرف بابن يوصيف يعرف بجودة الرماية فرمى حماد بسهم فوصل إلى قلبه فسقط ميتاً وتفرق أصحابه.
11- في سنة 544هـ / 1149م خرج على الحاج العرب من بني زعب (من سليم) بين مكة والمدينة فقاتلوهم وظهر عجز (قيماز) قائد الحاج فطلب لنفسه أماناً واستولى بنو زعب السلميين على الحاج وأخذوا من الأموال والإبل والثياب مالا يحصى وأخذوا من الدنانير ألوفاً كثيرة وهرب من نجا من الحاج على أقدامهم في البرية فماتوا من الجوع والعطش(10).
نكتفي بهذا القدر من الأحداث التي وقعت على طريق الحج الكوفي والبصري والتي كانت مؤلمة ومروعة ومؤسفة في حق المسلمين وجاء العقيلات ليساهموا مساهمة إيجابية في رفع تلك الكوارث التي تحل بالحجاج مقابل نفقة مادية ضئيلة مع ضمان سلامة الأرواح من القتل والسبي والموت عطشاً والضياع في المهالك كما رأينا فنظم العقيلات قوافلهم التي تتولى نقل الحاج على ثلاث مستويات كما في قوافل النقل العام بحيث تكون:
1- قافلة كبيرة يملكها شخص واحد على مستوى جيد من الاستعداد والتأهيل أو تتولاها السلطات الحاكمة مثل سلطة بني خالد في الأحساء أو سلطة آل مهنا وآل أبي عليان في القصيم أو سلطة آل الرشيد في حائل ويكون حجم مثل هذه القافلة كبير جداً ينقل عشرات الآلاف من الحجاج.
2- قافلة متوسطة ويملكها شخص واحد أو عدة أشخاص ويتولى قيادتها واحد منهم أو أكثر وتكون مثل هذه القافلة أكثر مرونة من سابقتها وذلك لعناية أصحابها بإبلهم ومعداتهم واستبدال ما هزل منها أو تلف من معدات الحمل وغير ذلك مما يستلزم سرعة التغيير من أجل راحة الحاج.
3- قافلة صغيرة نسبياً يملكها العديد من الأشخاص كل واحد يساهم في مجموعة من الإبل بمعداتها وهم من صغار الملاك وتكون قيادتها لواحد يختارونه منهم ومثل هذه القافلة تمتاز بالمرونة والعناية كسابقتها لأن الأفراد الذين يملكونها في دور النمو ويحرصون أشد الحرص على العناية بإبلهم وصيانة معدات النقل في سبيل راحة حجاجهم هذه القوافل التي تولى العقيلات قيادتها والعناية بها، فقد أعد لكل حاج الهودج أو المحمل الذي يركب فيه ويأخذ راحته على ظهر البعير الذي يسير به الهوينى طيلة هذه المسافة من مكان انطلاق ا4لحاج من مدينة المشهد (النجف) أو البصرة إلى حائل- المدينة المنورة- مكة المكرمة ثم العودة مع نفس الطريق إلا أن الذي يزور المدينة في البداية لا يرجع إليها مرة ثانية ولكل قافلة من هذه القوافل علم أو أعلام (بيرق أو بيارق) تميز القافلة عن غيرها ويهتدي بها الحاج ويتبع كل علم ما بين 4000-6000 حاج يتكونون من عدد من المجموعات (خُبَرْ) وكل (خُبْرَة) تتكون من 6-10 أشخاص وقد حصلت منافسة بين رؤساء هذه القوافل ووصلت الصراعات بين آل عليان وآل مهنا بالقصيم على نقل الحجاج من بغداد إلى مكة إلى جانب القوافل التي يتزعمها آل الرشيد في حائل كما رأينا، هذا النقل يكون له عائد مادي وسياسي كان آل الرشيد يستفيدون منه يقول المعاصرون: كان مهنا الصالح المهنا قد اكتسب ثقة الولاة في بغداد والبصرة وتمكن من أن يترأس قوافل الحجاج منافساً لآل الرشيد وكانت قوافله عام 1265هـ/ 1849م تصل عدد الإبل فيها إلى 50000 بعيراً خمسين ألف وحرس يصل إلى عدد إلى 20000 عشرين ألف رجل مقسم إلى أربع مجموعات المجموعة الأولى من الحرس تسير في مقدمة القافلة ومن خلفها أمير الحج الذي تعينه الدولة ثم حرسه الخاص ثم أمير القافلة ثم حرسه الخاص والمجموعة الثانية والثالثة على ميمنة القافلة وميسرتها والرابعة تسير في المؤخرة وعند استراحة القافلة في وقت المضحى (تناول طعام الغداء) والمعشى (تناول طعام العشاء) تقوم مجموعتان من الأربع مجموعات بحراسة الإبل وهي ترعى وتستريح المجموعتان الأخريان لتقوم في الحراسة في وقت المعشى، وقد عرف المعاصرون قوافل الحاج من البصرة وعلى رئاستها آل الرشيد من حكام شمر وقام بعض رجال القصيم مثل مهنا الصالح المهنا ومحمد الرواف وقاسم الرواف وأحمد الرواف ومن أهل حائل الأمير متعب بن عبدالله الرشيد وأحمد السعيد وخدام بن صالح الفايز وأحمد الخريصي وغيرهم كمتعهدين ومشرفين لقوافل نقل الحجاج من بغداد – البصرة- الكويت- مكة المكرمة- المدينة المنورة وهم المسئولون عن تأمين الإبل ومعدات الرحلة كالخيام والأثاث والمواد الغذائية وحماية القوافل وحراستها وذلك حتى يعود الحاج إلى بلادهم.
وليس من المستبعد أن يكون آل الرشيد قد ساهموا في زيادة التوتر بين آل العليان الذين تولوا إمارة القصيم ولهم السيادة السياسية وبين آل مهنا ومعهم الكثير من رجالات القصيم ولهم رئاسة قوافل الحجاج وقوافل التجارة مما أفقدهم دورهم الرئيس الذي كان يتمثل في رئاسة القوافل التي تدر عليهم عائداً مجزياً إلى جانب صداقة الولاة الأتراك في البصرة وبغداد ففي حدود عام 1275هـ/ 1859م حصل تنافس بين مهنا الصالح الحسن المهنا ومتعب بن عبدالله الرشيد حول قوافل الحجاج فقد سافر متعب إلى بغداد يعرض خدماته لتكوين قافلة لنقل الحجاج مدعياً لأمير الحج العراقي ووكلاء الحجاج في بغداد أن مهنا الصالح لن يأتي هذا العام ليرأس القوافل فصدق الوكلاء وبدأوا يسجلون أسماء حجاجهم لدى متعب بن رشيد وسافر مهنا إلى بغداد كعادته ولم يكن يعلم بما حدث وحين علم الوكلاء بوصوله قاموا بسحب المبالغ التي دفعوها وحدث نزاع بينهم كاد أن يؤدي إلى اقتتال فتدخل أحمد الرواف لحسم النزاع فيما بينهم واشترى حقوق مهنا من رئاسة القوافل التي يدفعها الولاة في البصرة وبغداد(11).
وكان العقيلات بقوافلهم الكبيرة والمتوسطة والصغيرة يتعهدون بنقل الحجاج ولهم تنظيماتهم الخاصة بحيث تأتي المسيرة الرئيسة لحجاج تتبعها شرطة (الصيال) ويسير في إثر الجميع وعلى مسافة نحو ميلين من المسيرة فيلق من عقيل يحرسون مؤخرة القافلة، وإذا نزلت القافلة شكل عرب العقيلات دائرة حولها لتأمينها من التعديات المفاجئة، أما عن أسعار النقل فإن متعهد نقل الحجاج من النجف بالعراق إلى مكة المكرمة فالنجف ثانياً مقابل ستة جنيهات ذهب عثمانية بالإضافة إلى جنيه ونصف الجنيه رسم لإمارة حائل وعندما تحدث الفنلندي والين في كتابه "قصة رحلة إلى المدينة ومكة عام 1845م عن دخل أمارة الرشيد في تلك الفترة قال: ومنها ما كان من المبالغ التي تفرض على القوافل المارة بالمنطقة للحج أو التجارة وذلك مقابل مرافقتها وحمايتها وتسهيل أمورها" ويمثل هذا الدخل حوالي ربع دخل الأمارة.
بالإضافة إلى إتاوات الطريق التي تدفع خارج نطاق إمارة حائل بالقرب من مكة المكرمة والمدينة المنورة ومصاريف الحاج على نفسه هذا نموذج من أسعار النقل من النجف إلى مكة وبالعكس وهو الذي استطعنا الحصول عليه مما بين أيدينا من المصادر أما من البصرة إلى مكة أو من دمشق إلى مكة وبالعكس فلم نعثر لأسعاره على شيء في تلك الفترة المشار إليها.
5- الحدرات:
هذا النوع من قوافل التموين، وإن لم يكن من صميم عمل العقيلات مئة بالمئة إلا أن لبعض العقيلات إسهاماً فيه من حيث الحماية والدلالة والتعريف في الطرق التي يرتادونها كما أن اختصاصها من اختصاص العقيلات وعملهم، هذه القوافل تسمى بـ "الحدرات" واحدها "حدرة" أو "بالهبيط" أو "بالكيل" واسمها مشتق من الانحدار أ, الهبوط للأسواق إلى موانئ الخليج العربي كالأحساء والقطيف وعينين "الجبيل" والكويت والعراق لمدينة البصرة والزبير والسماوة وبغداد والنجف وقد تذهب غرباً إلى موانئ البحر الأحمر مثل ينبع ورابغ ومكة والمدينة كما تتجه إلى الشام في بعض الأحيان لجلب الحبوب، وتخص البادية والقرى أكثر من غيرهم وتهتم بالمواد التموينية الأطعمة بصفة رئيسة كالتمور والحبوب وأصناف الأطعمة الأخرى، وللحدرات انطلاقتان رئيستان أحدهما في موسم جداد التمر للإكتيال من هذه المادة الغذائية الهامة، والثانية عند الاكتيال من الحبوب بعد تصفية حبوب زرع الشتاء أي في آخر فصل الربيع وبداية فصل الصيف بالإضافة إلى رحلات متفرقة أخرى كلما دعت الحاجة إلى ذلك في مدة لا تقل عن شهرين أو بمعنى آخر لها معدل من ثمان إلى ست رحلات في السنة بما في ذلك الرحلتان الرئيستان، ويقوم بهذه الرحلات أبناء البادية أو أبناء القرى أنفسهم حيث يتولون ترتيب هذه القوافل وقيادتها وحمايتها من نقطة انطلاقها إلى هدفها ثم عودتها ثانية ولها من الترتيب والتنظيم ما للقوافل آنفة الذكر إلا أن الذين يشرفون عليها أهلها في الغالب وأحياناً يحتاجون إلى الاستعانة برجال من عقيل إذا كانت هذه القوافل ستخترق المنطقة التي يعتبر العقيلات لهم جاه فيها فيعبرونها بمعرفتهم وحمايتهم حتى تصل إلى هدفها وتعود إلى نقطة انطلاقها أما إذا كانت تحركاتها في مناطق داخلية فإن أهلها هم الذين يتولون حراستها وإرشادها وقيادتها، وغالباً ما يحصل لمثل هذه القوافل نهب وسلب من قبل أعداء متربصين بهذه القبيلة أو تلك أو أهل هذا البلد أو ذاك سواء كان هذا العدو سلطة حاكمة أو قبيلة معادية أو من قطاع الطرق ولنا من التاريخ نماذج تدل على مثل هذه الاعتداءات لم نر مثلها في قوافل عقيل حسبما اطلعنا عليه من مصادر ومثال ذلك ما حدث عام 856هـ/ 1452م حين أخذت قبيلة الفضول قافلة كبيرة لقبيلة عنزة على العارض وفي عام 876هـ/ 1471م أخذت قبيلة آل مغيرة قافلة كبيرة لأهل نجد خارجة من الأحساء قرب مورد "أبا الجفان" إلى الشرق عن مدينة الرياض وفي عام 879هـ / 1474م أخذت قبيلة آل كثير وقبيلة العوازم (آل عطاء) وقبيلة زغب من بني هلال قافلة كبيرة لأهل نجد على اللصافة وهي خارجة من البصرة وفي هام 885هـ/ 1480م أخذت قبيلة آل كثير قافلة لقبيلة عنزة في الوشم وفي السنة نفسها أخذت قبيلة آل مغيرة قافلة لقبيلة الدواسر خارجة من الأحساء وفي عام 889هـ/ 1484م أخذت قبيلة سبيع وقبيلة الدواسر قافلة كبيرة لقبيلة عنزة خارجة من الأحساء وذلك في الدهنا وقتل شيخ القافلة مانع بن جلود من الصقور من عنزة كما قتل ماضي بن صلال من الدواسر وفي عام 894هـ/ 1488م أخذت قبيلة عنزة قافلة لقبيلة الفضول في سدير وفي عام 934هـ/ 1532م أخذت قبيلة آل مغيرة وقبيلة آل كثير وكلاهما من طئ قافلة لأهل الخرج قادمة من الأحساء بقرب الخرج(12) وفي سبيع قوافل قبيلة عنزة على اللصافة وكانوا قد اكتالوا من البصرة وفي عام 965هـ / 1557م غزا الشريف حسن بن أبي نمي بن بركات طائفة قبيلة من بني لام وكانوا قد أخذوا قافلة من الحج سنة 962هـ فظفر بآل الظفير وقبض على شيخهم (أبو ذراع) وفي عام 976هـ/ 1568م أخذت قبيلة الدواسر قوافل الفضول في العرمة وهي خارجة من الأحساء قتل فيها فلاح بن مصيخ من شيوخ الفضول(13)، هذه نماذج تمثل القليل من كثير من تلك الاعتداءات على القوافل المحلية مما حصلنا عليه من المصادر التي بين أيدينا على فئة الحدرات، ومن الملاحظ أن هذه الاعتداءات تقع في معظمها في الطرق الداخلية من مراكز التموين والمناطق التي تقيم بها هذه القبيلة أو تلك، هذه الظاهرة لا نجد مثيلاً لها في المناطق التي ترتادها قوافل العقيلات الرئيسة بين الجزيرة العربية والحواضر العربية الأخرى سوى ما أحدثته قبيلة الشرارات على قوافل العقيلات من أهل القصيم، ولعل السبب الكامن وراء هذه الاعتداءات على قوافل التموين مرده إلى الثارات الموجودة بين تلك القبائل بحيث تحاول كل قبيلة إضعاف القبيلة المناوئة لها بمثل هذه الغارات والأخذ مما تتعرض لمثله قوافل العقيلات حتى في داخل الجزيرة العربية التي حدثت فيها تلك التعديات.
وإذا نظرنا لتلك القوافل فإننا نجدها تنقسم إلى ثلاثة مستويات:
1- مستوى كبير ويمثل القافلة الكبيرة الرئيسة التي تنطلق مرتين في السنة لإحضار التمور والحبوب وهذه تكون لفرع القبيلة الذين يضمهم حي واحد بما فيهم شيخ ذلك الفرع من القبيلة ويكون لكل فرد من هذه القبيلة اشتراك في هذه القافلة حسب مقدرته فكل يرسل معها بعير أو مجموعة من الإبل قد يصاحبها بنفسه حيث يحضر من التمر والحب ما يكفيه سنة كاملة أو نصف سنة على الأقل كل على مقدار حجم أسرته أو مقدار حجم وجاهته وما يأتيه من الضيوف وتتراوح الإبل في مثل هذه القافلة ما بين 300-1000بعير تحمل ما بين 600-2000 كيس من الطعام من التمر أو الحب على مختلف أصنافه وأنواعه.
2- مستوى متوسط وهو ما يتراوح عدد الإبل فيه من 100-300 بعير ويحمل ما بين 200-600 كيس من الطعام ومثل هذا المستوى تتكون عناصره من أفراد القبيلة الذين يرتادون مناطق التموين والحوار لغرض الامتيار والاتجار وجلب السلع التي يتطلبها سكان الحي أو من الذين ينفد ما عندهم من الطعام بسرعة بسبب إطعامهم للضيوف ورواد بيوتهم مثل شيوخ القبائل والعشائر وأمراء القرى ومن لهم مكانتهم الاجتماعية في القبيلة أو البلدة أو القرية فهؤلاء دائماً في حاجة إلى الإمداد المستمر.
3- المستوى الثالث هي القوافل الصغيرة التي تقل الإبل فيها عن 100بعير وهذه تتخذ للإمداد السريع سواء بالطعام أو غيره كالقهوة و "الهيل" والقرنفل ونحوه فهذا المستوى معد للطوارئ عندما يحتاج الشيخ أو الأمير لشيء من متطلبات الحياة ويلتئم إليه من له حاجة طارئة ثم تتكون هذه القافلة وتهبط أو تنحدر إلى مراكز التموين لتحضر السلع المطلوبة على عجل، وفي الغالب فإن أبناء البادية لا يكثرون من إحضار الأطعمة إلا إذا خافوا من ارتفاع الأسعار وذلك لكونهم كثيري التنقل فيتورطون بنقل الطعام من مكان إلى آخر، سيما وأنهم بدو رحل فإن نقلوه معهم أثقل عليهم مع ما معهم من أمتعة وأجهدهم في النقل ولا يستطيعون تركه ولذلك فهم يميلون إلى التزود بالطعام عدة مرات في السنة إلا التمر فإنه في موسمه الوحيد، أو أنهم يلجأون إلى رفاقهم من الحضر حيث يستودعونهم ما يزيد عن نفقتهم من الطعام فيما يسمى "الحضار" ويترددون على رفاقهم الحضر للأخذ من هذا الطعام المودع لديهم بقد حاجتهم سواء أكان ذلك تمراً أو حبوباً أو أقطاً.



ثالثاً: دور العقيلات الاقتصادي

1- التصدير:
كان العقيلات يقومون بدور شركات التصدير في الدول المتقدمة في الوقت الحاضر حيث يقومون بتصدير السلع الرائجة في أسواق الأقطار العربية التي يرتادونها وعلى رأس هذه السلع الخيل والإبل، وهي سلع لها أهمية كبرى في الحروب والركوب والمواصلات والنقل واستهلاك لحوم الإبل خاصة كما أنها تستخدم في الحقل الزراعي للحرث ودرس الزرع وتصفية الحبوب، ومعروف عن الإبل النجدية وإبل شمال الجزيرة من الضخامة والقوة سواء ما استخدم منها للحمل أو الركوب أو الجر أو غير ذلك، والغرض من الإبل التي تحمل الأثقال والتجارة الأخرى التي تجلب للعراق لاستعمال الجيوش في مختلف العصور من عصور الممالك والأيوبيين حتى العصور العثمانية في كل من مصر والشام والعراق والتي تجلب لتلك المناطق أو التي تنحر وتؤكل لحومها وكانت سوريا تستعمل تلك الإبل كما تستعملها العراق وعربستان في الأغراض الزراعية بالإضافة إلى كونها وسائل نقل ويستهلك البعض منها للطعام أما في مصر فإلى جانب تلك الأغراض يستهلك عدداً كبير منها للطعام وتتميز إبل الجزيرة العربية بميزات لا توجد في غيرها ويعرف هذه الميزات أصحاب التجربة، فالبعير الحجازي يشتريه سكان المدن والقرى الجبلية في فلسطين والشام والبعير العنزي يشتريه سكان جنوب فلسطين والبعير النجدي يشتريه الفلاح المصري في شمال الدلتا والبعير العماني يشتريه البدو من سكان سناء، والقبائل التي يتعامل معها العقيلات ويصدرون إبلها في هذه التجارة هم الرولة، والفدعان، العمارات، والسبعة من عنزة وتمتاز إبلهم بكبر الحجم وقوة التحمل أما بنو صخر والحويطات فلديهم إبل لكنها أقل من سابقتها، وفي نجد إبل شمر الجبل بفروعها المتعددة وعتيبة بفروعها المتعددة وقحطان والدواسر وسبيع وتمتاز إبل قحطان عن غيرها، كما تمتلك بعض بطون قبيلة حرب مثل بني سالم وبني علي أعداداً جيدة من الإبل، أما في شرق الجزيرة فتشتهر قبيلة العجمان وآل مرة بتربية الإبل أما المناصير الذين تقع بلادهم إلى الجنوب من آل مرة فلديهم كذلك أعداد جيدة من الإبل وهناك الإبل العمانية التي تستعمل للركوب يليها الإبل الشرارية التي تتخذ للركوب وهي بعد العمانية، كما يوجد بعض قبائل أخرى مثل مطير وبني رشيد وغيرهم من القبائل لكن الأعداد التي يشتريها العقيلات منهم أقل من سابقيهم.
تأتي الخيل من حيث العدد فيما يصدر منها إلى تلك الأقطار وهي تستخدم للحروب والركوب كما مر بنا في فقرة سابقة ويصدر الفائض عن حاجة القبائل من هذا الحيوان مع العقيلات إلى تلك الأقطار العربية لأعداد جيدة، يقول بوركهارت: ويتراوح سعر الحصار في سوريا بين 10-120جنيهاً ولأن البريطانيين في بغداد والبصرة يشترون الخيل العربية ويرسلونها إلى الهند ارتفعت أثمانها كثيراً، وقد اشترى قنصل هولندا الراحل في حلب السيد ماسيك عام 1808م /1230هـ أكثر من عشرين جواداً أصيلاً لنابليون ثمن كل جواد منها يتراوح بين 80-90 جنيهاً ويندر أن تباع فرس عربية أقل من 60جنيهاً، وغالباً ما وصل ما يدفعه البدو أنفسهم ثمناً لفرس مشهورة إلى 200جنيه وربما ارتفع هذا الثمن إلى اكثر ن 500جنيه.
والسلعة الثالثة هي الأغنام النجدية من الضأن المتميز عن غيره بكبر الحجم وغزارة وطول الصوف ولذة الحم وتصدر من هذا الحيوان أعداداً هائلة كل سنة إلى كل من العراق وسوريا وفلسطين لاستهلاك لحومه وتأتي السلعة الرابعة التي يصدر العقيلات وهي مشتقات الألبان وعلى رأسها الأقط والسمن الذي يجمعونه في فصل الربيع ويخزنونه إلى موسم الخريف حينما يحتاج إليه الناس قبل الحصول على السمن الجديد ثم ينقلونه في قوافل تحمل القافلة الواحدة إلى ثلاثين طناً من السمن يقدر ثمنها بألفي جنيه استرليني كما قدر ذلك أحد التجار الانجليز وتتجه هذه القوافل إلى العراق والشام ومصر ومكة المكرمة والمدينة المنورة في الجزيرة العربية يقول أحد الرحالة "داوتي" الذي رافق إحدى هذه القوافل من مدينة عنيزة إلى الحجاز في عام 1296هـ/ 1879م وكان حمل هذه القافلة من السمن خاصة بأربعين تاجراً من الأعيان يرافقون تجارتهم على الإبل وعدداً آخر من سائقي الإبل يقطعون المسافة سيراً على الأقدام وينقل السمن بالنحي الكبيرة ينصب لها الخيام عند اشتداد الحرارة وتظل بها حتى لا تنضح "الجروم" النحي، ويقع تعيين أمير هذه القافلة على زامل بن سليم أمير عنيزة آنذاك وكان على المسافر أن يدفع للأمير ريالاً عن كل بعير بمثل هذه القافلة، هذا نموذج من قوافل بيع السمن التي يصدرها العقيلات والتي أورد معلومات عنها هذا الرحالة الذي رافق الرحلة مع أنه يوجد آلاف القوافل من هذا النوع على مر السنين لكن لم يهيئ الله من يكتب عنها على اعتبار أنها أمر عادي، أما الإبل فإن العقيلات يشترونها في بداية فصل الصيف والخريف بعد انقضاء فصل الربيع أو آخره حيث يجوب العقيلات بادية شبه الجزيرة العربية فيخرجون إلى بادية شمر وعنزة والظفير وحرب وعتيبة وقحطان حتى يصلون في تجوالهم إلى قبائل مرة والمناصير جنوب الأحساء والعجمان وجنوباً إلى الدواسر وشمالاً إلى مطير ويعودون بهذه الإبل إلى مراكز تجمعاتهم ويتركونها ترعى ويعتنون بها حتى موسم الشتاء وسبب شرائهم لها بعد فصل الربيع حيث تكون سمينة بعد رعيها أعشاب الربيع وإمكانية المحافظة على حالتها من السمن حتى فصل الشتاء ليبيعونها بالأثمان التي تدر عليهم الربح ولم يقتصر الأمر على العقيلات في شراء الإبل فإن التجار الكبار في الأقطار العربية الأخرى يخرجون بدورهم إلى البادية ويشترون الإبل وقد تعامل عدد من التجار الدمشقيين مع شيوخ شمر وباديتها مثل عبدة وسنجارة ومع ولد علي من عنزة وكانوا يعبرون النفود إلى شمر ويعود هؤلاء التجار في صحبة رفيق من شمر ذلك في عهد الأمير محمد بن عبدالله الرشيد 1287-1315هـ أما عن أسعار الإبل فقد جاء بأحد تقارير المخابرات البريطانية عام 1334هـ / 1916م ما يلي:
كان متوسط سعر البعير المشترى من القبائل 8 ليرات ذهب تركية يضاف إلى ذلك ليرة واحدة تكاليف أخرى ويباع البعير في دمشق بمبلغ عشر ليرات ذهبية تركية فيعطى البعير ربحاً صافياً قدره ليرة تركي ذهبية واحدة. هذا نموذج مما كتب عن الأسعار فقد تزيد وقد تنقص على مر العصور حسب العرض والطلب، وقد استمر الوضع على هذا الحال حتى عام 1337هـ/ 1919م حين صدر أمر – جلالة الملك (عبدالعزيز بن سعود رحمه الله إلى أميره في بريده فهد بن معمر رحمه الله يطلب منه منع العقيلات من التصدير إلى الحجاز، وفي عام 1368هـ / 1948م أصدر الملك عبدالعزيز إلى أميره في القصيم الأمير عبدالله الفيصل يحظر تصدير الإبل وأبلغ هذا الأمر إلى أمراء المراكز الشمالية منهم الأمير عبدالعزيز بن أحمد السديري رحمه الله أمير القريات، ثم جاء الشيخ عبدالله السليمان الحمدان رحمه الله وزير مالية الملك عبدالعزيز فاشترى الفائض من الإبل عند بعض التجار والجماعات وذلك لإبقاء هذه الثروة الحيوانية الهامة داخل المملكة بعد انتفاء الحاجة إليها في الأقطار العربية الأخرى وكانت أهم أسواق تجميع الإبل للتصدير في الجزيرة العربية المملكة العربية السعودية من الشرق إلى الغرب كما يلي: الأحساء- الرياض- شقراء- المجمعة- الزلفي- بريدة- عنيزة- حائل- الجوف وأهم مراكز بيعها في الأقطار العربية الأخرى في العراق: الحلة- العمارة- السماوة- الموصل- النجف- بغداد وفي سوريا: دير الزور- الغوطة- عذراء- حوران - وفي الأردن: الزرقاء- عمان وفي فلسطين: طولكرم - جنين- اللد- غزة- بئر السبع- دير البلح- خان يونس- بيسان- عربة- كفر ياسين - الفارعة- نابلس- الرملة- بيت جبرين، فسوق غزة يومي الخميس والجمعة، ودير البلح يوم السبت وخان يونس يوم الأحد، وبئر السبع يوم الإثنين والثلاثاء، وغزة من أكبر تجمع العقيلات بفلسطين تتفرع منها أسواق كثيرة وسوق بئر سبع من الأسواق الكبيرة في جنوب فلسطين وفيه تجمعات للعقيلات وبيوت لهم أما في مصر فالقنطرة الشرقية وفيها تجمع للعقيلات ووكلاء للتجار وفيها تحجر الإبل القادمة من الشرق لإجراء الكشف البطري عليها (الكورنتينا) ويقوم الوكلاء بترتيب عبور الإبل قناة السويس بعد حفرها بواسطة المعديات وتحمل المعدية 80رأساً من الإبل إلى القنطرة الغربية، وفي الزقازيق سوق كبير للعقيلات وسوقها يومي الاثنين والثلاثاء، وشبين الكوم وسوقها يوم الإربعاء وبلبيس سوقها كبير وفيه تجمع كبير للعقيلات وسوقها يوم الخميس والجمعة، وإمبابة وفيها سوق كبير يجتمع فيه العقيلات الذين استوطنوا مصر لتجارة الإبل والخيول وسوقها يوم الخميس والجمعة والسبت، هذا الوضع الذي كان سائداً في آخر دور العقيلات أما عبر القرون المتتابعة قبل حفر قناة السويس ووجود العوائق الأخرى فإن الصورة فيها بعض الاختلاف، هذا فيما يتعلق بتجارة الإبل والخيول والسمن والغنم وما يصدر منها إلى أسواق الحواضر العربية في أقطار الوطن العربي الإسلامي الأخرى أما القوافل المحلية "الحدرات" فإنها تصدر بضائع أخرى غير هذه فمن السلع التي تصدرها مشتقات الألبان من السمن والأقط والمنسوجات الصوفية الثخينة كالسياح والأوعية الصوفية فرده أو "عدلة" المعدة للأحمال من النسيج الصوفي الأسود الثخين والصوف الخام والجلود المدبوغة المعدة كأوعية لنقل الماء قرب والجلود النيئة المعدة للدباغة وخيوط النسيج الصوفي الجاهز على مختلف الأحجام والمنسوجات الوبرية الناعمة المتقنة الصنع بالزخارف والنقوش الرائعة وبعض المصنوعات الخشبية الظريفة التي برعت بصنعها بعض المدن في الجزيرة العربية مثل الأحساء وبريدة وحائل وجبة والجوف إلى جانب منتجات عديدة أخرى وأعشاب وحشائش تستعمل للأدوية كالشيح والعبيثران والقيصوم وغيره.
2- الاستيراد:
للعقيلات دور كبير في استيراد السلع، فهم يقومون بدور الشركات المستوردة الآن، ولبعضهم امتياز في توريد بعض السلع مثل دور بعض الوكلاء لبعض السلع في وقتنا الحاضر كنوع من القطائف ونوع من العبي والعطور والسلاح وغير ذلك من السلع يقومون باستيراد بضائع الشرق من موانئ الخليج العربي والبضائع الأفريقية من موانئ البحر الأحمر ومكة والمدينة ومن مصر أيضاً ومن موانئ البحر الأبيض المتوسط ومدن الشام ومصر للبضائع الأوربية إضافة إلى بضائع تلك الأقطار من المدن العراقية بضائع العراق وسلع بلاد ما وراء النهرين، يستوردون هذه البضائع صغيرها وكبيرها إلى الأسواق المحلية فمن بضائع الشرق التوابل والبهارات بأنواعها قهوة "هيل" حب الهال قرنفل، زنجبيل، زعفران، فلفل أسود، وأحمر، حبة حلوة، كمون، كركم، محلب، حلب، الحبة السوداء، شب، كافور، صبر، حلتيت، مرة، زاج، وأعشاب دوائية ومعادن دوائية وكيماويات دوائية كالكبريت الأبيض والأصفر والنشادر والرصاص والقصدير والزرنيخ والعطور بأنواعها من عود سائل وخشب وعنبر وورد سائل ومجفف وزباد ومسك والأقمشة النسائية القطنية والكتانية والحريرية والصوفية والشال الهندي والحبال الليفية كالمرس والكنبار وأوعية الخيش على مختلف الأحجام والأواني الصينية وغير ذلك أصناف كثيرة أما السلع المستوردة مما وراء النهرين والعراق فالكتان والحرير والشيلان والزعفران والعصفر والفيروز والمرجان والأحجار الكريمة التي تشتهر بها بلدان تلك الناحية ومن القطر العراقي القطائف الصوفية الثخينة الناعمة والعباءات الوبرية السمراء والعباءات السعدونية المخططة والعقل والشيلان الصوفية والتمور الطري والمجفف من نوع "الصقعي" ويستورد منه كميات كبيرة نظراً لإمكانية نقله بالأحمال على الإبل والأرز العراقي "التمن" بدرجاته المختلفة وألوانه الأبيض والأحمر والحنطة بمختلف أصنافها والدبس والدلال البغدادية وغيرها ومن موانئ البحر الأبيض المتوسط مدن الشام السلع الشامية والأوربية على مختلف أصنافها فمن الشام الحنطة والعدس والدلال "رسلان" وأدوات صنع القهوة وتحميصها من الهاونات "النجور النحاسية" والمحاميس وغيرها وأواني الشرب النحاسية وأواني تسخين الماء "السمورات" والملابس الرجالية "الزبونات" واحدها زبون "والصايات" واحدها صاية والصدريات والفراء والشال الصوفي والملابس النسائية الحريرية "الورسي" والعباءات النسائية والأخمرة النسائية والأحذية والأدوية بأصنافها والقطائف "الرومية" التركية والمرايا والزجاج والأواني الزجاجية والخزفية والنحاسية كالقدور بأحجامها والصواني والصحائف النحاسية والنشادر والرصاص والقصدير والكبريت بألوانه الأبيض والأسود والأصفر والفواكه المجففة كالمشمش والتين وغير ذلك أما مصر فإلى جانب الأقمشة القطنية الجيدة والأدوية والعقاقير الطبية والأعشاب الطبية وغيرها كثير ومن موانئ البحر الأحمر ومكة والمدينة فمنتجات الشرق الأفريقي كالصموغ بأنواعها والتوابل الأفريقية واللبان بأنواعه والخرز والملابس النسائية والرجالية والمصاغات الذهبية والفضية والأواني النحاسية والخزفية والمعدنية الواردة من جنوب شرق آسيا وشرق أفريقيا هذه الأصناف تعد بالآلاف كان يستوردها العقيلات من تلك الأماكن ويجلبونها إلى السوق المحلية ليوفروا تلك السلع أمام المستهلك مقابل أرباح مجزية لهم جعلتهم يثابرون على هذه المهنة ويتحملون المشاق في الأسفار الطويلة التي تدوم شهوراً وهم في بطون الصحاري تحت مختلف الظروف المناخية والأمنية.
3- انعاش السوق المحلية:
كان للعقيلات دور مهم في إنعاش السوق المحلية بعملية حركة البيع والشراء فقد كانت الفرق منهم تجوب مختلف الأسواق الرئيسة في الجزيرة العربية لشراء السلع كل في مجال اختصاصه فتجار الإبل والخيول لا يكتفون بأسواق المراكز الرئيسة والمدن وإنما يظهرون إلى مضارب البادية كما رأينا في فصل سابق فيضربون خيامهم في مكان بارز عند هذا الحي أو ذاك ويشترون منهم الإبل حتى يؤلفون منها أذواداً ورعايا ثم يرسلونها إلى أماكن تجمعاتهم في النقاط الرئيسة حتى إذا جمعوا الأعداد الكافية انطلقوا بها إلى أسواق البيع في الأقطار العربية المجاورة ويبقى ممثلوهم أو من ينوب عنهم يتجولون في الأسواق المحلية متنقلين بين أحياء القبائل في مواطن قبيلة شمر وعنزة والظفير وبني رشيد والشرارات وبني عطية وبني صخر ومطير وعتيبة وقحطان ومرة وبني هاجر والعوازم وسبيع وغيرهم من القبائل كذلك كان الحال بالنسبة للخيل وينسحب هذا الإجراء على بقية السلع الأخرى السمن والأقط والمنسوجات وغيرها، وكان العقيلات أول من أدخل سلع الرفاهية ومنتجات الحضارة إلى الإقليم وربما لاقى بعضهم المشاكل في هذا الصدد ففي حوادث عام 1280هـ/ 1863م أحضر أحد العقيلات ساعة للقصيم فأنكرها بعضهم ووشى به بعضهم إلى الأمير حسن بن مهنا واتهموه أنه يحمل صنماً وذلك لعدم إدراكهم لماهيتها.
بهذه الحركة الدائبة على مدار أيام السنة في كل موسم يشترون ما يتوفر في السوق من سلع فيحصل الانتعاش للسوق بما يشترى منها وما يجلب إليها من السلع التي يقوم العقيلات إلى جانب التجار المحليين بشرائها كما يقومون بتسويق البضائع التي يشترونها من كبار الموردين من العقيلات حيث يمتصون من الأسواق البضائع والسلع المنتجة محلياً والزائدة عن حاجة السوق وينقلونها إلى أماكن تكون بحاجة إليها ويزجون في هذه السوق بالسلع التي أحضروها من أماكن أخرى أو من خارج المنطقة من إحدى الأقطار العربية المجاورة ولذلك فإن لقدوم القوافل التي يتاجر بها العقيلات وقع خاص في نفوس الناس ولها تأثير واضح في السوق المحلية حيث ترتفع مؤشرات البيع والشراء وتنخفض مؤشرات الأسعار مع المنافسة بين التجار المحليين الذين قد يلجأ بعضهم إلى محاولة احتكار بعض السلع أو التحكم في أسعارها في الفترات التي تكون قوافل العقيلات الرئيسة في طريقها إلى الأسواق أو أنها غادرتها قبل فترة كما أن لولوج العقيلات أو ممثليهم إلى مضارب البادية وأحيائها داخل الصحراء أثر طيب في نفوس السكان المحليين وخاصة ممن يبيعون الإبل والخيول والأغنام وغيرها حيث يجدون من يبيعون الفائض من إنتاجهم عليه، أو ما يقضون به حاجتهم ممن يأتونهم في مضاربهم وأحيائهم ويشترون منهم، كما أن لشيخ القبيلة أو عقيدها مصلحة مادية من ولوج العقيلات حي أو أحياء قبيلته حيث يدفع التاجر العقيلي لشيخ القبيلة ريالاً واحداً أو أكثر على كل رأس من الإبل أو الخيل يشتريه من هذا الحي يقول "موزل" وللأمير أو الشيخ نصف مجيدية أو مجيدية واحدة (0.45من الدولار) أو (0.90من الدولار) عن كل بعير يباع ثم يوسم البعير المبتاع عندئذ بسمة عقيل (وسم عقيل) ويترك ليرعى مع غيره في القطيع ويستأجر العقيلي شباناً من القبيلة يرافقون العقيلي إلى أماكن بعيدة مثل مصر، وعند عودتهم يطفقون يتحدون عن العجائب التي شاهدوها أو تعلموها في رحلتهم، فإن اشترى العقيلي إبلاً في البر الداخلي مكث مع القطعان المبتاعة أسابيع عديدة أو حتى شهوراً مع القبيلة نفسها منتظراً انتقالها إلى المناطق المأهولة.
وفي هذا الإطار فإن شيخ القبيلة يتعاون مع العقيلي ويضمن له الأمان على نفسه وماله مادام في أراضي هذه القبيلة ليس ذلك فحسب وإنما يتدخل بعضهم في موضوع البيع والشراء حيث يستأنس العقيلي برأي رئيس القبيلة الذي تكون خيمته أو خيامه قريبة من بيت شيخ القبيلة في الأغلب الأعم فإذا عرض عليه البائع السلعة وطلب لها ثمناً اعتقده العقيلي ثمناً مرتفعاً طلب رأي الشيخ الذي يتدخل غالباً لصالح العقيلي فيحث البائع على التنازل عن بعض السعر لتتم البيعة وهذه العملية بدورها يستفيد منها الشيخ ذاته وأشهر أسر عقيل أسرة آل بسام ولهم بيوتات تجارية في البصرة وبومبي في الهند وأسرة آل عيسى ويقيمون بدمشق ويتاجرون بصفة رئيسة مع قبيلتي عنزة والحويطات، ويأخذ التاجر العقيلي مالاً من تاجر الجملة ليبتاع به إبلاً من قبيلة بعينها فيسوق الإبل التي يبتاعها إلى مصر أو البصرة بحيث يأخذ الأخير ثلثيه أو نصفه وإن اتفقا على أن يكون لتاجر الجملة ثلثي الربح فعليه أن يتحمل مجمل الخسارة التي قد تنتج عن الصفقة وفي الحالة الأخرى يشتركان في الخسارة بالتساوي ويمضي العقيلي ومعه رسائل تزكيه لأمير القبيلة التي يريد الابتياع منها أو شيخها وبعد تسليمه الرسائل والهدايا التي أرسلها تاجر الجملة لأولئك الوجهاء ينصب خيامه أما في معسكر الأمير أو إن سمح له في معسكر أحد الشيوخ. ليس هذا فحسب وإنما يكون في الغالبية طعام العقيلي وشرابه أثناء إقامته في الحي بجوار الشيخ يكون في بيت الشيخ نفسه إلا أن يكونوا مجموعة كبيرة فإنهم ينحازون لوحدهم ويقتصر ذلك على تناول القهوة والضيافة أول ليلة من وصولهم، وشيخ المخيم الذي نصب التاجر عنده هو مضيفة فيما يتعلق بحمايته كضيف ولكنه لا يطعمه أو يأويه، فيأتي البدو بإبلهم إلى خيامه ويبيعونها بثمن نقد، ويبيعونها مقايضة ببضائع في حالة ما إذا كان التاجر قد جلب معه أسلحة أو ذخيرة، أو أي سلع أخرى هذا التعاون المصلحي بين العقيلي وشيخ القبيلة ينسحب على أفراد هذه القبيلة كلهم باعتبار أن شيخهم سيستفيد من هذه العملية فيحصل التعاون ويأمن العقيلي عن نفسه وماله، وما من شك في أن العقيلات إضافة إلى إنعاشهم السوق المحلية بالبيع والشراء وأخذ السلع الزائدة عن الحاجة وتوفير السلع الناقصة فإن لهم دور اجتماعي وثقافي بارز يتمثل في تجمع رجال الحي عند الشيخ بمعية العقيلي الذي جاب الأمصار وعرف مختلف الأقطار، ولابد أنهم يستفيدون من أحاديثه عما رآه بتلك الديار، وقد يخلط هذه الحديث ضرب من القصص والأشعار التي تتحدث عن كل جانب والتي سترى نماذج منها في فقرات لاحقة، كما قد يعرفون منه الأسعار والطرق والموارد وغيرها مما يفيدهم، وفي تجمعات العقيلات في المراكز الرئيسة تحصل عملية البيع والشراء فيما بينهم في مختلف السلع تبعاً لظروف السوق والأوضاع التي تكتنف كل منهم ويدخل في هذه العملية التجار المحليون الذين يشترون من كبار التجار من العقيلات ما قد تسنح الفرصة بشرائه من السلع المجلوبة وربما جاء العكس فقد يشتري العقيلات ما جمعه التجار المحليون من السلع المحلية المتوفرة عندهم لغرض تصديرها إلى الأقطار الأخرى كالسمن وغيره بهذه الحركة النشطة التي يقوم بها العقيلات في السوق المحلية من عملية البيع والشراء وتناول المصالح يحصل انتعاش للسوق المحلية وتزداد فعالية الإنتاج وتستمر عملية الاستهلاك لهذه السلع المجلوبة بواسطة هذه الفئة من التجار التي تنافس في أغلب الأحيان التجار المحليين وتزيد من حركتهم وحيويتهم وفعاليتهم.
4- توفير السلع المختلفة:
قام العقيلات عبر قرون عديدة متعاقبة بتوفير السلع المختلفة التي يجلبونها من مختلف الأصقاع ويوفرونها في السوق المحلية حيث يعيش المجتمع في قطاعات متعددة كقطاع الزراعة والرعي والمهن المساندة لهذين القطاعين كالتجارة المحلية والمهن المختلفة وليس لدى الكثير من السكان المقدرة على ما يقوم به العقيلات من مهمة الأسفار وتجشم المصاعب والأخطار وجلب السلع من مختلف الأمصار والأقطار العربية وتوفيرها للناس مباشرة، أو بواسطة التجار المحليين الذين يتولون تسويقها في القرى والأرياف ومضارب البادية، كما أن الفئة الخامسة من القوافل وهي الحدرات تعتبر الشريان الرئيس الذي يغذي أفراد المجتمع بما يزخه من دفقات متتابعة من الأطعمة والأشربة والألبسة ومختلف الاحتياجات الضرورية والكمالية كما رأينا ذلك في موضعه حيث تعتبر مثل تلك القوافل الممول والممون الرئيس للسوق المحلية، وكما هو حاصل في يومنا هذا فإن العقيلات تجري بينهم منافسة شديدة لجلب الجديد من السلع إلى الأسواق وذلك للفوز بقصب السبق وجني الفوائد الكبيرة من هذه السلع التي تدخل السوق لأول مرة وخاصة ما يتعلق بالملابس والأشياء الكمالية أو الجديد من الأطعمة حيث يتنافس المتنافسون في هذا المجال، وقد يخفي بعضهم عن بعض ماهية السلع التي جلبها معه، لئلا يعلم رفاقه بها فيشترون مثلها وبذلك ينافسونه في بيع هذه السلعة أو تلك، وقد يشتري البعض السلعة الجديدة فيسرع بها إلى السوق يسري الليل ويجري النهار فيقطع المسافة التي يقطعها عادة في شهر بمدة عشرة أيام حتى يصل إلى السوق قبل أن يجلبها أحد قبله، هذه الحيوية في التنافس مما يجعل السلع تتوفر في السوق بصفة مستمرة ووضع متجدد مما يجعل للسلعة الجديدة صدى واسعاً تتناقله الأفواه ويحمله الركبان من مكان إلى آخر مما يجعل التجار المحليين يهرعون إلى السوق للحصول على أي كمية أو قدر من هذه السلعة الجديدة ولا يقتصر ذلك على السلع التي تأتي من الأمصار خارج الجزيرة العربية وإنما يشمل المنتجات المحلية النادرة فإذا شحت سلعة من السلع في مكان ما وهي متواجدة في مكان آخر فإنهم سرعان ما يهرعون إلى ذلك المكان للحصول على كمية أو عدد من هذه السلعة لينقلوها إلى المكان المحتاج، هذه الحيوية أو "الديناميكية" التي يقوم بها العقيلات لتوفير السلع بالسوق المحلية هي التي ضمنت لهم الأرباح التي شجعتهم على تجشم الأخطار وقطع المسافات الطويلة التي تعد بآلاف من الأكيال بين الحواضر العربية والعواصم العالمية وحواضر شبه الجزيرة العربية مما جعلت الكثير من العقيلات يغيبون عن أهلهم وأبنائهم وذويهم مدداً طويلة تصل إلى بضعة أشهر وربما إلى بضع سنين مما تحول معه تربية الأبناء والقيام بشئونهم إلى عواتق الأمهات تلك النساء اللواتي لعبن دوراً هاماً في هذه الحقبة من الزمن كما سنرى ذلك في مكان آخر من هذا الكتاب، هذا الجهاد المتواصل من العقيلات في سبيل توفير السلع للأسواق تلك السلع التي مرت بنا أسماؤها في فقرة سابقة كان الهدف من وراء توفيرها الربح أولاً واكتساب السمعة الطيبة ثانياً واكتساب لقمة العيش الحلال لهم ولأبنائهم ثالثاً جعلت منهم فئة فعالة لها وزنها في المجتمع المحلي ولها قيمتها في الأقطار العربية المجاورة ولها ميزاتها في الأقطار العالمية الملاصقة، ولو تصور الواحد منا هذه القوافل ذات الأعداد الكثيفة خارجة من الجزيرة العربية وقادمة إليها بأعداد كبيرة من الإبل والخيل والرجال على مدى الشهور والأعوام والقرون بحركة دؤوب وسعي متواصل لأدرك المكانة التي كان العقيلات يحتلونها منذ قرون ولانتفى لديه ما كان يظن بأن هذه الجزيرة كانت معزولة عن بقية الأقطار العربية وأنها أقرب ما تكون إلى المكان المجهول الذي لا يرتاده أحد وأن من ارتاده يعتبر من المكتشفين والرواد وهو على العكس وكان عامراً بالحركة الدائبة من رأس الخليج العربي حتى رأس البحر الأحمر قبل وبعد حفر قناة السويس ذهاباً وإياباً.
5 - تأمين السيولة النقدية:
من الإسهامات التي قام بها العقيلات لخدمة السوق المحلية جلب العملات الذهبية والفضية والنحاسية المضروبة في الأقطار العربية المجاورة وخارجها لأنني لم أطلع حتى الآن على أي عملة ضربت في وسط الجزيرة العربية أو شرقها منذ بضعة قرون، عدا عملة نحاسية مستطيلة الشكل لم أرها وإنما ذكرتها بعض المصادر تسمى "الطويلة" وما عدا ذلك فإن السوق كان يعتمد على العملات التي ترد من الخارج، وكان العقيلات من يجلبون هذه العملات الذهبية والفضية والنحاسية ثم الورقية في آخر عهدهم، كانوا يحضرون هذه العملات من تلك الأمصار فيشترون بها المنتجات المحلية والحيوانات كالإبل والخيول وغيرها من السلع ثم يجلبونها إلى تلك الأقطار فكثرت العملات المختلفة في أيدي الناس أثماناً لما يبيعونه من السلع على العقيلات وغيرهم وقد تغلب على كل منطقة عملة القطر الذي يواليها فكثرت بيد الناس هذه العملة لكثرة ما يرد منها على هذا الجزء أو ذاك، فشرق نجد والمنطقة والمحاذية للخليج العربي تكثر فيها من العملات الريال والتومان الفارسي والروبية والآنة الهندية والنقود التركية العراقية وفي غرب نجد مما يلي الحجاز تكثر فيه العملات المملوكية المصرية ثم التركية المصرية، وفي شمال نجد تكثر العملات المصرية والتركية، وهذه الكثرة من العملات ليس معناها أنه لا توجد عملات أخرى مما يوجد في الجزء الآخر ولكن هذه الكثرة بحكم الجوار وكثرة الاحتكاك بهذا القطر أو ذاك غير أن هناك عملتان رئيستان في القرنين الثاني عشر والثلث عشر والنصف الأول من القرن الرابع عشر الهجرية هما الليرة الذهبية العثمانية "النيرة العصملي" والريال الفضي "الفرانسي" أو "الشوشي" وهو ريال الملكة "ماري تريزا" ملكة النمسا واسمه في المصور "فرانسوا" وهو زوجها بشعره المرسل حتى سمي "شوشي" من هذه الصورة "شوشة" أي شعر مرسل منفوش وقد استعمل هذا الريال في الجزيرة العربية منذ عام 1166هـ/ 1752م حتى حدود عام 1345/ 1925م حين أصدرت المملكة العربية السعودية الريال الفضي السعودي والجنيه الذهبي السعودي بعد ذلك ثم تبع ذلك إصدار العملات الورقية، ومن العملات التي كانت ترد إلى المنطقة منذ القرن التاسع الهجري "الدينار" الأشرفي وهو نقد ذهبي مملوكي مصري و"المحلِّق" وهو نقد فضي مملوكي مصري "والمؤيدي" وهو نقد فضي مملوكي مصري , "الناصرية" وهي دنانير ذهبية مملوكية مصرية و"التوروزية" وهي دراهم فضية مملوكية سورية و"الخيرية" وهو نقد ذهبي تركي عراقي و"إسلام بولي" عتيق نقد ذهبي تركي عراقي و"إسلام بولي سليمي" نقد ذهبي تركي عراقي و"إسلام بولي مصطفى" نقد ذهبي تركي عراقي و"شامي" نقد فضي تركي عراقي ثلث ريال فرانسي، "شوشي" نقد فضي تركي عراقي و "غازي" نقد ذهبي عراقي "وربعية" نقد ذهبي تركي و"زر" نقد ذهبي تركي و"أحمر" نقد تركي ذهبي و"محمدية" نقد نيكل تركي و"متليك" نقد تركي نحاسي تركي و"آقجة" نقد تركي نحاسي، و"بشلق" أو "بيشلية" نقد نحاسي تركي، و"بارة" نقد نحاسي تركي و"سعدية" نقد ذهبي مصري و"جنيه" نقد ذهبي مصري و"زهراوي" نقد فضي سوري فلسطيني و"سحتوت" نقد نحاسي سوري فلسطيني و"روبية" نقد فضي هندي و"آنة" نقد نيكل هندي و"تومان" نقد ذهبي إيراني و"ريال" نقد إيراني فضي و"شاهي" أو "شاهية" نقد نحاسي إيراني و"بقشة" نقد فضي يمني و"طويلة" نقد نحاسي سعودي في الدور الأول للدولة السعودية و"نيرة" نقد ذهبي إنجليزي و"شلن" نقد فضي إنجليزي بالإضافة إلى النقد العماني الذي ضرب في مسقط، هذه جملة العملات التي كانت رائجة في أسواق الجزيرة العربية من سواحل الخليج العربي حتى سواحل البحر الأحمر والتي ساهم العقيلات بجلبها وتداولها في السوق المحلية وإن كان اشهرها كما نوهنا إليه سابقاً الليرة العثمانية الذهبية والريال الفرانسي والروبية الهندية في البداية ثم جاءت الليرة الإنجليزية "النيرة" والدنانير العراقية الورقية، ونظراً لما يكتنف الأسعار من مخاطر الطريق سيما والنقود ذهبية وفضية ذات حجم كبير وثقل وخطر فادح فيما لو سلبها قطاع الطرق فقد اتخذ العقيلات إزاء هذه الخطوة عملية التحويل فعملوا ما يشبه المصارف "البنوك" الحالية في المراكز الرئيسة داخل الجزيرة العربية وخارجها وذلك في عملية التحويل في كل من الأحساء والقطيف والرياض وشقراء وبريدة وعنيزة وحائل والجوف والمدينة المنورة والكويت والزبير والبصرة وبغداد والقنطرة وبلبيس والمطرية بحيث يضع التاجر ما معه من نقود في أي نقطة من هذه النقاط ويأخذ عليها حوالة إلى آخر يتعامل معه رفيقة هذا ثم يسافر بهذه الحوالة ويستلم نقوده الذهبية أو الفضية من المكان المتجه إليه وبذلك أحدث العقيلات انتعاشاً للحركة المصرفية إن لم يكونوا أول من أوجد مثل هذه الشبكة المصرفية في المنطقة قبل أن تبدأ المصارف "البنوك" الحالية، هذا بالإضافة إلى ما ينقله العقيلات من النقود في حملاتهم بحيث يحفظونها بأكياس داخل أحمال الطعام والسلع الأخرى حتى لا تكون عرضة للسرقة كما يخفونها بطريقتهم الخاصة عندما يريدون تهريبها مخافة الجمارك وغيرها، بهذا نرى ما كان للعقيلات من أثر فعال في توفير النقود وإنعاش أو إيجاد بذرة المصارف في المنطقة في وقت مبكر قبل أن تصبح شركات مساهمة في كل قطر وهم بذلك من أهم دعامات الاقتصاد آنذاك.



رابعاً: دور العقيلات في الأحداث

1- الاشتراك في الحروب:
لم يبرز دور العقيلات الحربي إلا في القرن الثاني عشر الهجري الثامن عشر الميلادي حين استعان بهم الولاة العثمانيون لمقاومة الغزوات الفارسية الموجهة للعراق، أو قمع انتفاضات بعض القبائل العربية داخل العراق ضد الحكم التركي كما ورد في المصادر التي اطلعت عليها وذلك حين استقر عرب نجد في الحواضر العراقية شكل هؤلاء الوافدون العمود الفقري لكتائب العثمانيين المحلية التي تجند في المدن، لأنهم لم يكن لهم ارتباط مع القبائل العربية العراقية مثل قبائل زبيد والخزاعل وكعب وبني لام وبني خالد ورغم علاقتهم الطيبة مع كل من قبائل المنتفق والعبيد وعنزة وشمر فقد ازدهر العقيلات وثبتت سمعتهم كجند مدربين في فترة حكم المماليك الأتراك العثمانيين للعراق وذلك منذ عهد حسن باشا من عام 1116/1136هـ – 1704 /1723م ثم من بعده ابنه أحمد حسن باشا من 1136/1160هـ - 1723/1747م ففي عهد السلطان أحمد حسن خان دارت رحى الحرب بين العثمانيين والفرس وتغلب العثمانيون على الفرس وانتهت بمعاهدة تمت في 12 رجب 1144هـ /10 يناير 1732م وكان للعقيلات دورهم في هذه الجيوش ثم نقض الفرس الاتفاق وزحفوا بجيوشهم بقيادة نادر شاه في 8 رجب 1156هـ 28 آب أغسطس 1743م على البصرة واحتلوها وهاجموا القرنة والحلة وبغداد والموصل وكركوك ودمروا ضريح طلحة والزبيرن وقد أحدثت حروب نادر شاه في هذه المنطقة تحولات سكانية واقتصادية عميقة في منطقة الخليج باسره حيث عمرت الزبارة بقطر بعد خراب البصرة من الناس الفارين من البصرة تحت ضغط الاحتلال من هؤلاء الفارين وقبيل ذلك تحالفت عشائر شمر الجزيرة في هذه الفترة مع الإيرانيين وأمدتهم بالأدلاء مما حمل العثمانيين إلى تأديب هذه العشائر في عدة حملات في الفترة الواقعة بين عامي 1134/1160هـ - 1722/ 1747م وكانت فرق عقيل أهل نجد تقف سداً منيعاً أمام أطماع الفرس وجاءت أحداث 1192هـ 1777م تؤكد دور عقيل في حماية بغداد حينما قام صراع بين عبدالله باشا والي بغداد وبين حسين باشا والي كركوك فاجتمع أهل بغداد ومعهم عقيل أهل نجد ومحمد الشاوي شيخ قبيلة العبيد وقومه يتدبرون أمرهم وفوض أهل بغداد فرقة عقيل أهل نجد بين الفريقين المتحاربين وتمكن رجال عقيل من فرض الهدنة على المتحاربين لمدة شهر حتى يحضر الوالي حسن باشا في تعيين وال جديد، وجاء في أحداث 1201هـ /1786م واشتد الصراع حول الحكم في بغداد ولكن عرب نجد المعروفين بعقيل صدوا الغزاة عن بغداد وحفظوا الجانب الغربي منها فشكرهم الوزير حسن باشا على ذلك وكافأ أكابرهم على غيرتهم وهمتهم، وأورد المؤرخ إبراهيم بن صالح بن عيسى في حوادث 1258هـ 1842م أنه قتل سليمان الغنام رئيس عقيل أهل العارض في بغداد وهو من أهل ثادق وفي هذه السنة قتل كذلك علي السليمان الخالدي رئيس عقيل أهل القصيم قتله محمد نجيب باشا والي بغداد.
كما نجد سياقاً آخر للأحداث فقد قامت عشائر بني كعب بمساعدة الإيرانيين واستخدم الأتراك النجديين لحربهم يقول السويدي: فجمع عليهم أهل البصرة والنجادا من قصبة الزبير، ولعل ثبات النجديين في حرب الكعوب أدى إلى تثبيت سمعتهم كجنود يعتمد عليهم، وقد أثبتت الحوادث اللاحقة ترحيب المماليك العثمانيين بهؤلاء الوافدين واعتمادهم عليهم، وقد ثبت العقيلات مع أهل البصرة فلم تتمكن عشائر الكعوب "من سليم" من دخولها.
وحينما احتدم النزاع بين الولاة الأتراك فيمن يتولى بغداد اتفق الطرفان على تحكيم سليمان بن عبدالله الشاوي شيخ قبيلة العبيد ولما عمت الفوضى بغداد تدخلت فئة من أهل نجد المعبر عنهم بعقيل واتصلوا بالشاوي وطلبوا منه أن يتولى الحراسة في بغداد حتى يأتي هذا البلد وال، فذهب أناس من النجادا إلى الأعداء وقالوا: قد طلبتم متاريسكم ومتاريسهم حتى يأتي الوالي الجديد، وممن يكون التعدي صرنا مع القبيل الآخر فرضوا بذلك، فأخذ النجادا أهبتهم وسلاحهم وكانو نحو سبعمئة رجل وجلسوا فيما ذكروا، وهكذا دخل العقيلات بين الفئتين المتحاربتين وقالوا: نحن للفئة المخالفة وسكنت الفتنة حتى وصل الفرمان المؤرخ في ربيع الأول عام 1192هـ 1776م بتوليه حسن باشا "إيالة" بغداد، بذا أفلح العقيلات في المحافظة على النظام وسيطروا على بغداد شهراً كاملاً فصانوا العرض والمال وحموا الديار واكتسبوا في أول مهمة لهم في بغداد سمعة طيبة أهلتهم فيما بعد يكونوا يد الشرعية القوية التي تضرب بها كل العابثين والخارجين عن القانون.
وعندما شكل حسن باشا جيشاً من أربع فرق جعل أحدها فرقة عشيرة العبيد بقيادة محمد الشاوي والثانية من عقيل بقيادة رئيسهم واثنين من الأتراك، وقد ازداد في هذه الفترة اعتماد الأتراك على الجند العربي حيث جرى التنسيق مع الشيخ سليمان بن عبدالله الشاوي شيخ قبيلة العبيد وآل محمد شيوخ شمر الجربا وتولى العقيلات في هذه المرحلة الدفاع عن بغداد غير أنه في عام 1200هـ-1785م ثار سليمان بن عبدالله الشاوي شيخ العبيد على العثمانيين فتصدى له العقيلات وردوا جموع الشاوي بخسائر كبيرة وقد استعان بإخوانه من رؤساء العبيد وحقق عام 1201هـ 1786م بعض الانتصارات وحاصر بغداد، لكن عسكر الشاوي انكسر عندما تصدى له عرب نجد المعروفين بعقيل وصدوه عن بغداد وحفظوا الجانب الغربي "الكرخ" حتى انكسروا ورجع متقهقراً ليس له مأوى، وقد كثر اعتماد سليمان الكبير على الجند العربي يصفة عامة وعلى العقيلات بصفة خاصة يقول الرحالة الفرنسي "أوليفر" 1210هـ 1796م إن حرس الباشا يضم أربعة آلاف راكب وألفي راجل، وكان الباشا أحمد أغا مديناً للعقيلات بمنصبه، فهم الفئة المسلحة التي ثبتت تحت لوائه تمسكاً بالشرعية وتعصباً لأهل السنة، وكانوا أوثق جنود الباشا المحليين رفعوه إلى سدة الحكم على أطراف سيوفهم.
وقد استمر العقيلات على إخلاصهم لعلي باشا الذي استمر خمسة أعوام من عام 1217-1222هـ –1802-1807م غير أنه في أواخر ربيع الأول من عام 1223هـ 1808م انحاز العقيلات لسليمان باشا وخاضوا حروبه واستبسلوا في الدفاع عنه، أما في جمادى الآخرة عام 1225هـ يونيه 1810م حينما وصل المندوب السلطاني إلى بغداد ومعه حملة مؤلفة من عشائر شمر وفي مقدمتها فارس بن محمد الجربا وعشائر العبيد وفي مقدمتها سليمان بن عبدالله الشاوي، وعلي بن محمد الطائي وطاهر بن حسن الطائي أمير شمامك وكاد الوالي أن يقع في أيدي أعدائه في 22 شوال 1225هـ 29اكتوبر 1810م لولا معاضدة الجبور الخالديين ومعهم العقيلات النجديين، كان بنيَّة بن قرينيس الجربا من المعاونين لسعيد باشا وذلك لما بين عمه فارس بن محمد الجربا والعبيد ورئيسهم قاسم بن محمد الشاوي من المشاكل والضغائن وتكون حلف كبير لمساندة الباشا ضد بنية بن قرينيس الجربا منهم الدريعي الرويلي العنزي وحمود بن ثامر المنتفق فخرج عسكر الوزير سعيد باشا ورئيسهم قاسم بن محمد الشاوي ومعه عفاريت عقيل النجديين وهم عسكر الوزير آنذاك فأسكتوا الشغب وانكسر العصاة بفضل استبسال جماعة سعيد من العقيلات وغيرهم، وكان عدد العرب في جيش سليمان باشا الصغير يمثلون نصف الجيوش حيث بلغ عددهم 20000 عشرين ألف من 40000أربعين ألفاً من الجنود حسب إحصاء الرحالة الفرنسي "دبريه" وهناك ما يفيد بأن أكثر من نصف القوة العاملة في عهد سليمان باشا الصغير في الجندية بالعراق عربية الهوية، ويقول "هيود" لم يجرؤ المماليك على مهاجمة سعيد باشا وذلك خشية العقيلات الذين كانوا معه وكان لهم جلد في الحرب وثبات على أهوالها.
وقد أفاد العقيلات بصفة خاصة من سياسة الإعفاءات المالية وقد استخدم داود باشا الجماعات العربية المكلفة بالخدمة العسكرية مثل العقيلات في تأديب العشائر المتمردة حينما كثرت تعديات القبائل راح داود باشا يرميهم دائماً بالعقيلات الذين كانوا يهاجمون القلاع فتسقط لهم مما اضطر العدو أن يفر هارباً أمام جند العقيلات وبهذه السياسة القوية انتظمت القبائل تحت راية داود، وكان العقيلات في جيش داود أبرز جنده المنفذين لسياسته، فقد تصدى العقيلات في جيش داود باشا أيضاً للمؤامرات الفارسية وأبطلوها بقوة السلاح، ويلاحظ أن العقيلات قد أبلوا بلاء حسناً في هذه الفترة بالدفاع عن بغداد ضد الفرس، وكانت لهم مواقف مشرفة حيث أن عسكر العقيلات وهم صفوف المشاة غالباً، فقد كانت أعدادهم في صفوف الجندية تزيد أو تنقص حسب الحاجة، إلا أن متوسطها في الأوقات العادية يبلغ نحواً من ثمانية آلاف جندي وكانت بنادقهم من نوع ذات الفتيل، وعندما عزل الوالي داود وأحل علي باشا مكانه، ورفض داود تنفيذ الأمر قدم علي باشا وفي ركابه صفوق بن فارس الجربا شيخ شمر وصالح الزهير شيخ الزبير وسليمان الغنام شيخ العقيلات، وتقدم صفوق بعشائر شمر وبعض عقيلات الغنام تجاه بغداد، وانبرى لهم العقيلات التابعون لداود باشا الذين يؤازرون داود، والعقيلات قسمان عقيلات القصيم الذين يؤازرون داود وعقيلات شمر ومن معهم وهم الذين يناؤون داود برئاسة سليمان الغنام بحيث صاروا وجهاً لوجه مع بعضهم البعض، أما عقيلات القصيم الذين تعهدوا بحماية داود حتى اللحظات الأخيرة فقد تجمعوا وخرجوا من بغداد يوم دخول علي باشا إليها، وقد كان الكرخ الواقع في الضفة الغربية لنهر دجلة تحت سيطرة عقيلات القصيم ولما كانت موارد العقيلات ترتكز أساساً على قيادة القوافل وتجارة الإبل والخيول والخدمات العسكرية التي يقدمونها للولاة أراد علي رضا باشا أن يوجه لهم ضربة قاصمة فحرمهم من هذه الموارد وأسندها رسمياً إلى شمر الجربا وفي عام 1248هـ 1832م وصلت إلى بغداد قافلة ضخمة كانت تحت حماية عقيلات القصيم ورفض هؤلاء العقيلات تسليم البضائع إلى أصحابها ما لم يقرهم الوالي على امتيازاتهم القديمة ويسمح لهم بالسكن داخل أسوار المدينة فاضطر علي باشا أن ينزل عند شروطهم وبدأوا وكأنهم سادة الموقف، وفي عام 1250هـ 1834م طلب علي باشا من العقيلات أن يرحلوا من المدينة فاستجاب شيخ العقيلات لكنه طلب الأمان من الباشا أثناء الانسحاب، ورفض شيخ زبيد الموالي للباشا، وسرت بين أتباعه أنه قتل، فهرع العقيلات إلى السلاح وقطعوا جسر القوارب الذي يربط حيهم بأحياء بغداد، صرف الباشا شيخ العقيلات دون أن يناله بسوء واستمر القتال بين الفريقين ودخل الميدان ضد العقيلات خيالة عشائر زبيد، ودافع العقيلات عن الكرخ بيتاً بيتاً ودارت معارك دموية في الشوارع وفي الصباح تم إجلاء العقيلات عن الحي، ويقول ابن بشر في حوادث 1253هـ 1837م سار علي باشا العراق بعسكر عظيم قيل أن عددهم بلغ سبعين ألفاً من عقيل وغيرهم إلى المحمرة لمحاربة الشيعة، أما إبراهيم بن صالح بن عيسى فقد ذكر في حوادث 1258هـ 1842م كما نوهنا عن ذلك آنفاً أن محمد نجيب باشا والي بغداد قد قتل سليمان الغنام رحمه الله رئيس عقيل أهل العارض في بغداد وهو من أهالي ثادق كما قتل في نفس السنة علي السليمان آل جناح من بني خالد رحمه الله رئيس عقيل أهل القصيم. وقد شهد عام 1259هـ 1843م نزوحاً من عقيلات شمر الذين كانوا في بغداد حين قتل نجيب باشا في أواخر السنة الماضية سليمان الغنام الذي كان يرأس عقيلات شمر بحجة تلكؤه في المثول أمامه عقب وصوله إلى مقر الباشوية لتسلم أعمال منصبه، بهذا فقد عقيل شمر ما تبقى لهم من أعمال درك وخفارة كانت لهم في عهد الوالي السابق علي رضا باشا، وقد بدأ عقيلات شمر يعودون إلى بلادهم في الجزيرة العربية التي أخذت تزدهر سياسياً وتنشط عسكرياً وتكسب السيطرة الاقتصادية والسياسية.
وكانت آخر المهام العسكرية التي عرفتها بغداد عن العقيلات في العراق عام 1268هـ 1851م حين قدم الشيخ صالح بن عيسى من أمراء المنتفق إلى بغداد طالباً من الوالي نامق باشا من شيخهم أن يبعث معه بجنود عثمانيين ليضعوه شيخاً على جماعته بدلاً من شيخهم منصور بن راشد فألحقه الوالي ببعض العسكر من أعراب نجد وهم من عقيل، يقول "نيبور" أن العقيلات وسائر أهل الزبير يتمتعون بإعفاءات مثل إعفاءات "الإنكاشارية" (وهي فرق تركية معروفة) وذلك لأنهم كانوا يشكلون حاجزاً دفاعياً بين المشيخات والأمارات النجدية، وبين البصرة وسائر أرض العراق، وكانوا الجيش الاحتياطي الفعال وسند الدولة في الشدائد والحروب، وهكذا نرى الدور العسكري الذي قام به العقيلات أثناء تلك الحقبة من الزمن عندما كانت الصراعات قائمة بين الولاة العثمانيين من جهة وبينهم وبين القبائل العربية الموجودة على الأرض العراقية وربما بين وال وآخر وبين قبيلة وأخرى وفي كل الأحوال فهم الأداة التي يجري استخدامها، والعقيلات بطبيعة الحال طلاب مصلحة يساندون من يحمي مصالحهم ويزيد في امتيازاتهم ومن يستفيدون منه أكثر.
2- الاشتراك في الأحداث الأخرى:
وكما كان للعقيلات دور عسكري نشط ومهم في الأحداث التي جرت على الساحة العراقية فيما كان بين الولاة العثمانيين بعضهم البعض أو ما بينهم وبين الفرس أو ما بينهم وبين القبائل العربية العراقية وقد أبلوا في تلك الأحداث بلاء حسناً شهد لهم به أهل العراق والذين زاروا العراق من المستشرقين الغربيين منذ منتصف القرن الثاني عشر الهجري الثامن عشر الميلادي وامتد نشاطهم كذلك حتى النصف الأول من القرن الرابع عشر الهجري العشرين الميلادي هذه الفترة تقارب القرنين من الزمن طيلة هذين القرنين لم يغب العقيلات أبداً عن دور الأحداث الكبرى خارج شبه الجزيرة العربية وعلى تخومها حيث عرفوا كل تلك المناطق واستقروا فيها وشاركوا في أحداثها السياسية والعسكرية مشاركة أهلها الذين هم منهم ثقافة وعنصراً، وحين نراجع ثورة أحمد عرابي في مصر ومعركة التل الكبير في 29 شوال 1299هـ 12 سبتمبر أيلول 1882م نجد أن أحمد عرابي اعتمد على أهل الإبل من العقيلات اعتماداً كبيراً، وأنهم تطوعوا بإبلهم لتأمين سلامة المنكسرين الذين نالت منهم قوة المستعمرين، وحينما حصل ما سمي من قبل الغرب بالثورة العربية في الحجاز انسحب العقيلات من الحاميات العثمانية في الحجاز وانضموا إلى قوات الثورة العربية زرافات ووحداناً، وقد لحق صالح البلاع قائد ما تبقى في مجموعة من رجاله بمعسكر الأمير زيد بن الحسين في 7 رمضان 1335هـ 26 حزيران "يونيو" 1917م وبهذا دخل العقيلات بمعسكر الشريف تماماً، وحينما خرجت جيوش فيصل بن الحسين إلى الشام كان العقيلات هم قوام تلك الجيوش وكان فيصل يستأنس برأي شيوخهم يقول "لورنس" حين كان فيصل في وادي الوحيدي وهو في طريقه لاحتلال الوجه ألقى ابن دخيل أحد شيوخ عقيل نظرة على الميدان واتجاه الزحف ثم أمر رجال عقيل بأن يتوزعوا على أجنحة تحيط بنا من خلفنا ويمننا ويسارنا بانتشار يبلغ 300 ياردة عمقاً وقد قام الرجال بتنفيذ هذه المناورة على أحسن وجه وعمل العقيلات على عرقلة خطوط الإمدادات العثمانية وقاموا بنسف خط حديد المدينة من عدة مواضع، وعندما تلاقى الخصمان وجهاً لوجه في وادي (أثم) خرج العقيلات بقيادة ناصر بن دغيثر صفوفاً متراصة وساروا مكشوفين في وسط الوادي فتوقف الجانبان عن إطلاق النار، وقد سار العقيلات تحت لواء فيصل وقائده "لورنس" وقد تمكنت كتائب الثورة العربية من احتلال دمشق في أواخر ذي الحجة عام 1336هـ أواخر أيلول سبتمبر 1918م ورفعت الريات العربية فوق المباني وذلك قبل وصول القوات الحليفة بقيادة "اللنبي"(14) في الحرب العالمية الأولى، وقد ساند بعض العقيلات الملك عبدالعزيز في عدة مواقع في القصيم وغيره إبان توحيد أجزاء المملكة العربية السعودية وذلك عندما استنهضهم الشاعر محمد بن عبدالله العوني بقصيدته المشهورة "الخلوج" فجاءوا من الشام والكويت ويجد القارئ تفصيلات ذلك في كتب التاريخ مما لا يتسع المجال لذكره هنا.
أما حرب الميدان في دمشق، والميدان أخذ اسمه من ميدان سباق الخيل وأكثر سكان الميدان يرجعون في أصلهم إلى العقيلات، والميدان عبارة عن ذراع جنوبي طويل يتفرع من مدينة دمشق تحيط به واحات النخيل من ناحية وتسكنه بالإضافة إلى النجديين جاليات أخرى، وقد خرج الثوار من الميدان على الاحتلال الفرنسي وبذلك يدخل الميدان وأهله في الثورة يوم 14 شوال 1344هـ 26 نيسان أبريل 1926م وأصدر القائد الفرنسي "فالييه" بياناً جاء فيه "على أهل الميدان أن يدفعوا غرامة قدرها ألف جنيه ذهباً، وتلك الغرامة التي فرضت عليهم في 15 آذار مارس 1926م بواسطة الحاكم العسكري لمنطقة دمشق، وإلا فستقطع عنهم إمدادات المياه من عين فيجه، ولما لم يدفعوا قامت الطائرات الفرنسية في 25 شوال 1344هـ 7 أيار مايو 1926م بقصف منطقة الميدان بالقذائف واستمرت الحرائق مشتعلة لمدة ثلاثة أيام حتى أتت على كل شيء في الميدان. وحينما نشبت الحرب مع اليهود على أرض فلسطين اشترك العقيلات بحصة الأسد مع من جاء وانضم إليهم من المتطوعين من حواضر وبادية الجزيرة العربية فيما سمي "بجيش الإنقاذ" التابع لجامعة الدول العربية وقد تركز العقيلات في الفوج السعودي واشتركوا في عدد كبير من المعارك أثبتت المصادر التي بين يدي الآن أكثر من عشرين معركة دفع الكثيرون منهم حياتهم شهداء في هذه المعارك والكثير منهم أصيب بإصابات برئ منها وبعضهم أصيب بإصابات أفقدته الحياة السوية إما ببتر رجله أو يده أو أقعدته عن المشي أو أفقدته شعوره مما سنراه في آخر هذه الفقرة، أما المعارك التي اشتركوا فيها حسبما اطلعت عليه من المصادر مرتبة حسب تسلسلها الزمني فهي على النحو التالي:
1-معركة زرعين يوم 16/12/1947م-1367هـ.
2-معركة الزراعة يوم 16/2/1948م-1368هـ
3-معركة اللد يوم 16/2/1948م-1368هـ
4-معركة حيفا يوم 12/3/1948م-1368هـ.
5-معركة يافا يوم 15/3/1948م-1368هـ.
6-معركة باب الواد يوم 10/4/1948م-1368هـ
7-معركة رأس العين يوم 7/4/1948م-1368هـ.
8-معركة القدس يوم 21/4/1948م-1368هـ.
9-معركة كفر عانة يوم 28/4/1948م-1368هـ.
10-معركة بيت جبن يوم 30/4/1948م-1368هـ.
11-معركة عكا يوم 1/5/1948م-1368هـ.
12-معركة صفد يوم 9/5/1948م-1368هـ.
13-معركة علبون يوم 11/5/1948م-1368هـ.
14-معركة الحدباء يوم 15/5/1948م-1368هـ.
15-معركة الشيخ جراح يوم 17/5/1948م-1368هـ.
16-معركة البرة 23/5/1948م-1368هـ.
17-معركة المالكية 6/6/1948م-1368هـ.
18-معركة السيروان 15/6/1948م-1368هـ.
19-معركة تل الريش يوم 16/6/1948م-1368هـ.
20-معركة الرملة يوم 11/7/1948م-1368هـ.
21-معركة الشجرة يوم 16/7/1948م-1368هـ.
22-معركة المنارة يوم 25/8/1948م-1368هـ.
23-معركة النقب يوم 18/10/1948م-1368هـ.
وغير ذلك من معارك وقد تسعفني المصادر فيما بعد لإضافتها مفصلة وقد استشهد في هذه المعارك حسب ما حصلت عليه من المصادر التي بين يدي نحو مئة وستين شخصاً160 رحمهم الله وأسكنهم فسيح جناته وربما كان العدد أكثر من ذلك وإنما هذا ما تم تسجيله بهذه المصادر، أما من أصيبوا بعاهات مستديمة فهم أربعة منهم الشيخ علي بن سليمان العريفي رحمه الله من أهل حائل حيث قطعت رجله اليمنى، وحمد بن معيتق الحربي رحمه الله فقدت يده اليمنى، وعبيد بن ناصر الرشيدي رحمه الله أصيب بشلل في الدماغ، ومسفر بن راشد الجهني رحمه الله أصيب بعطب رجليه معاً وبقي مقعداً طول حياته أما أسماء الشهداء فهي مرتبة في موضعها في آخر الكتاب.
3- استيراد السلاح:
ومن المهام التي قام بها العقيلات بعد أن استعمل السلاح الناري البنادق والمسدسات بأنواعها توريد هذا السلاح، سيما بعد أن استعمله بعضهم عندما كانوا جنوداً في السلطة العثمانية واستعمله حراسهم في القوافل التي يسيرونها، ومع أن هذا السلاح قد وجد قبل ذلك بحوالي قرنين من الزمان أي في القرن التاسع والعاشر الهجريين السادس عشر الميلادي ومعظمه من البنادق ذات الفتيل، إلا أنه يعتبر في ذلك الوقت ثورة صناعية في عالم السلاح بعد أن كان القتال يتم بالسلاح التقليدي السيف والرمح والنبال، وأول إشارة للسلاح الناري حسبما اطلعت عليه من المصادر ما ذكره الشيخ عبدالله بن محمد البسام في كتابه الذي لا يزال مخطوطاً وذلك ما ذكره في حوادث 897هـ 1491م عندما حدث النزاع بين أهل المجمعة وأهل حرمة وحدث بينهم رمي بالبنادق من بعيد وأصيب من أهل المجمعة ثلاثة رجال ومن أهل حرمة اثنان وفي حوادث 937هـ 1530م عندما أغار آل نبهان من آل كثير على أهل العيينة وأخذوا أغنامهم ففزع عليهم أهل العيينة وطوقوهم في الحيسية وحصل بينهم رمي بالبنادق من بعيد فقتل ثنيان بن جاسر آل نبهان فانهزم الغزو وفي حوادث عام 996هـ 1587م عندما أغارت سبيع على أهل العيينة فأخذوا أغنامهم ففزعوا ولحقوهم في وادي لبن فحصل بينهم رمي بالبنادق وصار "بواردية" أهل العيينة يحمون قومهم، هذه الحوادث الثلاث جرت في أواخر القرن التاسع والقرن العاشر بطوله تدل على أن السلاح الناري موجود عند الحضر بصفة رئيسة وعندما انخرط بعض العقيلات بالجندية العثمانية في نهاية القرن الثاني عشر الهجري الثامن عشر الميلادي عرفوه أكثر وتدربوا على استعماله جيداً وجلبوه معهم إلى الجزيرة العربية بأنواعه وما دخل عليه من تطوير فأول ما استعمل بصفة رئيسة نوع ذات الفتيل التي تعبأ بالبارود والذخيرة ثم ورد نوع مطور اسمه "المقمع" أو "القبسون" وهي أفضل من سابقتها ثم ورد نوع "السليمي" وهي بداية السلاح الناري ذات القذيفة المعدة سلفاً، هذا النوع من السلاح لا تبعد الرمية فنوع ذات الفتيل أبعد منها مرمى لكنها أي السليمي بها تطوير وهي القذيفة المعدة مسبقاً وقد أشار إلى ذلك فيما يعد شاعر شعبي بقوله:
متى طلعتوا يا كسر الفناجيل * * * مثل السليمي رميته عند فمها
ثم جاءت "الريفل" وهي أفضل من سابقتها لكنها لا تمتاز عنها كثيراً ثم تلتها ذات الأصبع أو "أم صبع" وقد انتشرت في نهاية القرن الثالث عشر الهجري وكان لتواجدها دوياً هائلاً حتى قال الشاعر بشير بن نصار التميمي: من أهل سميراء من قصيدة يمتدح هذا النوع من السلاح:
أمهات إصبع للروح نزّاعة * * * مع خطاة الولد ما أبعد مراميها
جاءت بعد ذلك "الشرفا" في بداية القرن الرابع عشر الهجري وكانت لها ميزة خاصة وبعد ذلك توالت البنادق الالمانية والإنجيزية والفرنسية ثم الأمريكية بعد الحرب العالمية الأولى والثانية حتى وصلت الأسلحة الفردية إلى ما وصلت إليه الآن، وكان للعقيلات دور كبير في توريد السلاح وبيعه للمواطنين فضلاً عما تستورده السلطات المحلية عن طريقها وبالطبع يتسرب هذا السلاح عن طريق السلطات بالهبة والهدية بحيث يتوفر مع الأفراد سواء بالبيع والشراء من العقيلات وغيرهم أو بالكسب في الغزوات التي كانت سائدة في تلك العهود المضطربة، غير أن العقيلات قد ضربوا بسهم وافر في توريد السلاح المشار إليه من الأقطار العربية التي يتوفر فيها السلاح ومن وكلاء بيع السلاح وتجاره في كل من الشام والعراق ومصر وفلسطين ونقلوه معهم كسلع رائجة وكانوا يبيعونه على الأفراد بالنقد والمقايضة بالإبل بحيث يقيم ثمن البندقية ويقدر قيمة البعير فيأخذ عن البندقية رأس أو رأسين من الإبل أو أقل من ذلك أو أكثر ويسلمه السلاح مقابل الإبل ويرافق السلاح دائماً الذخيرة التي تسمى "الجبخان" وقد يحدث أن تكون الحملة بكامل أو جزء منها من السلاح أو الذخيرة وبذلك كان للعقيلات إسهاماً واضحاً في توريد السلاح للمنطقة.
4- حراسة القوافل:
كان للعقيلات باع طويل في قيادة القوافل التجارية وخفارتها وحراستها من مكان انطلاقها إلى الغاية التي تقصدها فقد أشارت إلى ذلك المصادر التاريخية حيث قال ابن فضل العمري في القرن الثامن الهري حين قال: وأما البحرين (يقصد الأحساء) فهم يصلون إلى باب السلطان (يعني سلطان المماليك في مصر) وصول التجار يجلبون جياد الخيل وكرام المهارى واللؤلؤ وأمتعة العراق والهند ويرجعون بأنواع الحباء والقماش والسكر ولهم متاجرة رابحة وواصلهم إلى العراق لا ينقطع. وهذا الكلام في عهد العصفوريين وآل جروان ثم الجبريين حتى تولى بنو خالد حكام الأحساء في القرن الحادي عشر والثاني عشر الهجريين حين ورثوا من بني عقيل ومن تلاهم من الجبور في قيادة القوافل وحمايتها وكان العقيلات منهم هم قادة القوافل وأدلاؤها وحرفة تنظيم القوافل كانت قصراً عليهم دون سواهم، ووجود العقيلات في أية قافلة يعطيها حق المرور البري ويبعد عنها كل شك في أية نوايا عدوانية، ونادراً ما تتعرض قوافلهم للنهب من البدو الذين يعترفون بنسب العقيلات العربي الخالص وتحدرهم من السلالة العرقية نفسها التي ينحدرون منها في نجد، من هذا المنطلق نجد أن كافة القبائل العربية تعترف بالعقيلات كناقلين للتجارة ومن ثم فإنهم لا يعترضونهم خاصة وأن العقيلات يدركون القواعد المرعية بين القبائل ولا يتجاوزونها ويسيرون وفق العرف السائد في طرق الصحراء وبين قبائلها وجماعاتها، وكما سبقت الإشارة إلى ذلك فإن القوافل عدة أنواع منها قوافل تجارة الإبل والخيل وقوافل التجارة العامة وقوافل النقل وقوافل التموين "الحدرات" وقوافل الحجاج وفي زمن بني خالد كان هناك عدة أنواع من القوافل منها قافلة سنوية تحت إشرافهم وحمايتهم بمن يمثلهم من العقيلات وتنطلق من الأحساء إلى حلب ويتضاعف حجم تلك القافلة أثناء الطريق نتيجة لانضمام المسافرين وناقلي البضائع والتجار وتختص القافلة بتجارة الإبل والخيول التي يقدر عدد ما يصدر منها إلى بلاد الشام والعراق ومصر سنوياً بالآلاف، النوع الثاني هي البضائع التي تتجه من موانئ الخليج العربي من الزبارة أو الكويت أو البصرة إلى حلب أو بغداد والتي تتميز بكبر حجمها كما سبقت الإشارة إلى ذلك في موضع آخر وتنقل بواسطتها البضائع القادمة من الشرق أو من الغرب النوع الثالث هي القوافل المحلية التي تتجه من الاحساء إلى داخل الجزيرة العربية مغربة إلى نجد ومتجهة إلى الجنوب والرابع هي قوافل نقل الحجاج التي يتولى العقيلات من بني خالد نقلهم من موانئ الخليج العربي إلى مكة المكرمة كالكويت الذي أسسه بنو خالد في القرن الحادي عشر الهجري وكان الهدف من تأسيسه عدة أغراض منها نقل الحجاج من بلاد فارس عبره، فقد أجمعت المصادر الكويتية على أن بني خالد هم الذين أسسوا الكويت مع اختلاف في تاريخ التأسيس والأرجح أنه في حوالي النصف الثاني من القرن الحادي عشر الهجري السابع عشر الميلادي وقد بدأت حصناً صغيراً لأحد شيوخ بني خالد قيل أنه براك بن غرير وقيل عقيل، وذلك بغرض تخزين المؤن والذخائر اللازمة لإقامته المؤقتة في الأراضي المجاورة لها وعند غزواته شمالاً لبوادي في جنوب العراق وليكون مركزاً لاستقبال الحجاج الإيرانيين ومن ثم نقلهم إلى مكة المكرمة وقد وضع الزعيم الخالدي في هذا الحصن حامية صغيرة برئاسة أحد أتباعه ثم استقرت بجوار هذا الحصن بعض الأسر الخالدية كعائلتي المصيبيح والبورسلي ثم تكونت بعد ذلك شيئاً فشيئاً حتى جاءها العتوب واستقروا بها، أما في عهد الدولة السعودية الأولى من عام 1160-1233هـ- 1747-1817م وخاصة عهد الإمام سعود بن عبدالعزيز بن محمد فقد حصل استقرار وأمنت القوافل بدرجة ملحوظة لمدة حوالي عشر سنوات من عام 1218-1229هـ مما كان له أثر كبير على مسير قوافل العقيلات الخارجية والمحلية.
وفي القرن الثالث عشر الهجري الثامن عشر الميلادي تمكن عقيلات شمر من طريق الحج العراقي الذي يسير فيه حجاج العجم وذلك لعدم وجود عوائق قبلية أو معارضة عشائرية، وقد ثبت لآل الرشيد طوال فترة حكمهم خفارة هذا الطريق والسيطرة عليه (للفترة من 1253-1340هـ-1839-1921م تقريبا) وقيادة قوافل الحج واعترفت لهم السلطات العثمانية بهذا الأمر لأن غالبية عقيلاتهم منهم كما أن معظم الأراضي التي يمرون عليها خاضعة لقبيلتهم وسلطانهم يقول مؤلف كتاب نجديون وراء الحدود ص217. رجع الكثير من عقيلات شمر ودخلو تحت لواء عقيلي سابق هو عبد الله بن علي بن رشيد ولم يكن ابن رشيد في هذا الوقت يعمل لحساب العثمانيين وإن التقت مصلحته معهم وإنما كان حاكما شبه مستقل، أو قل زعامة وطنية لها شأنها لم تأت إلى الحكم بمساعدة أو مساندة عثمانية، فإذا كان القائد شمريا لا علاقة له بالعثمانيين إلا بذل الولاء انتفت الحاجة إلى الإشارة إلى عقيل التي عادة ما يسمى العثمانيون في العراق شيخها . وقال"لويس موزل" وقد تتعرض القطعان التابعة لعقيل للطلب على أيدي مغيرين غرباء تماما كقطعان أفراد القبيلة التي يصادف مرورهم بها ولذلك فإن لعقيل في كل عشيرة كبيرة أخاهم الذي يدفعون له" يخيه" من أربع إلى خمس ليرات تركية (18-22.5 دولار ) وراحلة جيدة وعباءتين أو ثلاث حسنة الشكل وهذا الأخ ملزم بأن يعيد إليهم كل بعير يسرقه فرد من عشيرته ولعقيل أخوه لدى الرولة وولد علي والأفخاذ التالية ابن مشهور وابن درعان وابن جندل وابن مجيد وابن معجل وابن حمد الوليد عي أو الوهبي وإن جلب الدولة في إحدى غاراتها إبلا عليها سمة عقيل "وسمهم " وليس ثمة عقيلي مقيم معهم ساق الأخ هذه الإبل وأدخلها في قطيعة وانتظر إلى أن يأتي عقيلي يطالب بها وهكذا ترعى عين الأخ عقيلا حتى في غيابهم (عينه وراهم).
وبالإضافة إلى وجود الأخ من القبائل التي تمر بها قوافل العقيلات هناك خفارة مسلحة ترافق القافلة كما رأينا ذلك في موضعه، ومكانة الأخ تتركز في منع أية غارة من أفراد هذه القبيلة وليس له أمر على القبائل التي سيمرون بها ومن ثم تأخذ كل قافلة أخا لهم من كل قبيلة سيمرون عليها فإذا كانت القافلة ستمر في أراضي قبيلة شمر أو بطن من بطونها أو قبيلة عنزة أو بطن من بطونها أو قبيلة الشرارات أو بطن من بطونها أو قبيلة بني عطية أو بطن من بطونها أو قبيلة بني صخر أو بطن من بطونها إلى غير ذلك من القبائل فإنهم يأخذون من كل قبيلة أو بطن سيمرون بأراضيه أخا أو معرفا يمنعهم اعتداء أفراد قبيلته بالإضافة إلى الخفارة المشار إليها وبذلك يكون مجموعة من أفراد تلك القبائل أو البطون ينتفعون من تلك القوافل التي تمر بأراضيهم بالإضافة إلى الهدايا التي يهديها رؤساء تلك القوافل إلى أمراء وشيوخ وزعماء وعقداء تلك القبائل والبطون والأفخاذ والعشائر التي يمرون عليها وبالطبع فكل هذه التكاليف محسوبة ومحملة على أرباح البضائع التي تتكون منها القافلة أو على أجرة نقل تلك البضائع أو أجرة نقل الحجاج وغيرهم .
5- نشاطات أخرى :
لم يكتف العقيلات بالنشاطات السابقة من عسكرية ونقل وخفارة وتجارة وغيرها، بل شاركوا في أمور أخرى منها أعمال الفلاحة في كل من العراق والشام وفلسطين وأعمال البناء كما كان لهم باع طويل في تربية الخيول والاشتراك في حلبات السباق في مصر في الأزمة المتأخرة أيام حكم أسرة الخيدوي في مصر من عهد محمد علي باشا ومن جاء بعده فإن العقيلات قد شاركوا مشاركة فعالة كمربين للخيول وأصحاب اصطبلات تضم المئات منها وكمدربين في كل من الحلمية والمطرية وعين شمس واحتل منهم أشخاص في مجلس إدارة جمعية سباق الخيل مصر وتواجدهم في لجان وهيئات سباق الخيول يعطي عمقاً آخر لأصالة الجذور في القدم بالخيل التي كانت تعتبر قلعته الحصينة المتحركة كما قال حميد الجمال الهلالي:
ونحن ناس بأرضٍ لا حصون لها * * * إلا الأسنة والجرد المغاوير
فلا غرو أن أحفاد هذا الشاعر يعتنون بالجواد العربي أقصى العناية في كل زمان ومكان، وهكذا نجد أن العقيلات قد أولوا هذا الجواد العناية التي يستحقها إلى جانب هذا النشاط المميز فقد عمل العقيلات بعد تكوين المملكة العربية السعودية وكلاء للحكومة وبعضهم قد وصل إلى رتبة قنصل أو سفير، هذا الجانب السياسي الذي ظهر على السطح كانت له جذور عميقة في عهد آل رشيد وقبلهم عهد آل عريعر، ليس هذا فحسب بل إن العقيلات قد اشتركوا في حفر قناة السويس من عام 1279-1297-1863-1879م متعهدين للإبل والخيول في نقل الإمدادات والتموين وقد كافأهم الخديوي إسماعيل بإقطاعهم أرضاً في عين شمس والمطرية وحلمية الزيتون أقاموا عليها بيوتاً لهم واصطبلات لتربية الخيل، كما كون العقيلات من أهل القصيم وغيرهم فرقة العمال للعمل في حفر قناة السويس عند بدء حفرها.
وقد وقع عبء كبير من حفر قناة السويس على الإبل وكان الإبل التي يجلبها العقيلات من شبه الجزيرة العربية ذات دور كبير في إنجاز هذا العمل وكان العقيلات أهلاً لتحمل هذا العبء، حيث عملوا جنباً إلى جنب مع إخوانهم أهل مصر في الإمداد والتموين كما شاركوا مشاركة فعالة كعمال ورؤساء عمال، وقام الكثير منهم بالحفر والبناء، وقد ذكر "دواتي" عند زيارته لعنيزة أنه التقى بمجموعة ممن اشتركوا في حفر قناة السويس منهم علي الفايز وصالح السليمان وإبراهيم الجطيلي وغيرهم ولم يقتصر دورهم على هذا الجانب وإنما اشتركوا في كل عمل من حفر وبناء وحراسة ودوريات وخفارة أثناء حفر القناة حتى تم افتتاحها.



خامساً: الخدمات التي يؤديها العقيلات

1- القيام بمهام البريد:
من الأنشطة التي ساهم العقيلات فيها مساهمة فعالة نقل البريد وخاصة البريد الصحراوي بين الجزيرة العربية والأقطار العربية الأخرى وبين الدول الغربية التي بدأت تضع لها قواعد استعمارية في الشرق العربي والإسلامي وما وراءه في العصور المتأخرة مثل فرنسا عند غزوها لمصر في نهاية القرن الثامن عشر الميلادي وبريطانيا عند غزوها لشبه القارة الهندية وتكوين شركة الهند الشرقية وفرنسا عند غزوها للصين وهولندا ومستعمراتها في أندونيسيا هذه الدول إذا أرادت لبريدها أن يصل بسرعة من وإلى مستعمراتها عبر الطرق الصحراوية وذلك اختصاراً للطريق البحري الطويل حول رأس الرجاء الصالح فليس أمامها سوى إرسال البريد من موانئ البحر الأبيض المتوسط الشرقية ومن ثم نقله عبر الطريق الصحراوي من حلب إلى البصرة أو من بيروت إلى المحمرة ومن ثم نقله بحراً من البصرة إلى تلك الجهات وذلك قبل حفر قناة السويس، والناقل لهذا البريد عبر هذه المنطقة البرية هم العقيلات ففي عام 1247هـ1833م ألغى البريطانيون بريد الصحراء من البصرة إلى حلب واضطروا كما أسموه "ببريد الإبل" من بيروت إلى المحمرة على شاطئ الخليج العربي عن طريق دمشق – هيت بغداد، ولم يكن السعاة عبر هذا الطريق التي أخذت تنشط إلا عرباً نجديين سكن أكثرهم الزبير والبصرة واستمروا على هذه الحال حتى عام 1278هـ/ 1862م وهناك مجموعة من العقيلات حاملي البريد الأجنبي والمحلي بين العراق والشام يذهبون فرادى يواصلون المنطقة بين الزبير وحلب حيث يتولى آخرون توصيل تلك الرسائل عبر آسيا الصغرى إلى أوربا وتستغرق الرحلة من 13-18يوماً وقد بقي للعقيلات النجديين في العراق دور بارز تمثل في نقل البريد بين مدن العراق المختلفة خاصة بين البصرة وبغداد كما كان لهم دور غير مباشر بين العراق ونجد وبالعكس وبين نجد والشام وفلسطين ومصر وبين المدن النجدية نفسها.
ومن المؤكد أن البريد الإنجليزي لا يزال في أيدي عقيل يحملون حقيبته من بغداد إلى دمشق في ثمانية أيام، ومن الجدير بالذكر أن العقيلات عرقلوا خطط نابليون بونابرت لغزو الهند عندما كان في مصر في نهاية القرن الثامن عشر الميلادي حيث حالوا دون نقل رسائله إلى شيوخ المنطقة وحكامها يقول (ليارد) في عام 1301هـ/ 1884م بأن أفراد العقيلات في العراق كانوا يستخدمون بصفة رئيسة في نقل البريد عبر بلاد ما بين النهرين وأنه كان بالبصرة متعهد للبريد على صهوات الجياد القوية التي اعتادت أن تسير في ذلك الدرب خفافاً، تسير تلك الرحلة بمحاذاة النهر، حتى إذا احتاج الساعي ومن معه إلى الماء نزلوا إلى النهر وتزودوا منه ثم يمموا صوب الصحراء مرة أخرى وكانت الرحلة تتم ليلاً، وكانوا يأوون نهاراً إلى بعض القرى التي تضم سكاناً من العقيلات النجديين كالسماوة وغيرها، أو القرى المشكلة بصفة عامة من العقيلات النجديين دون غيرهم، وكان محمد بن داود من أبرز شيوخ العقيلات المتعهدين في هذه المهنة بتلك الأيام، هكذا رأينا الدور الذي قام به العقيلات في حقل من حقول المواصلات وهو البريد سواء فيما يتعلق بالبريد الخارجي الدولي أو البريد الخارجي من الجزيرة العربية والوارد إليها من نجد بالذات والأحساء وإيصاله إلى الأقطار العربية الأخرى أو ما قاموا به من خدمة للبريد بين الشام والعراق وفلسطين ومصر أو ما قدموه من خدمة للبريد العالمي بين الدول الغربية ومستعمراتها في الشرق الأقصى فضلاً عن الجانب السياسي المتعلق بمهمة البريد، ذلك أنهم حالوا بين نابليون وأطماعه التوسعية في غزو الهند عندما غزا مصر في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي وحاول تمهيد الطريق أمام جيوشه عبر الطريق الصحراوي من شمال الجزيرة العربية وجنوب العراق حتى يصل إلى موانئ الخليج فأرسل رسائل إلى شيوخ تلك المناطق لكن العقيلات حالوا دون إيصال تلك الرسائل إلى أصحابها وبذلك قضوا على تلك الأحلام التي كانت تراود مخيلة نابليون بغزو الشرق، أما فيما يتعلق بالبريد المحلي بين مدن الجزيرة العربية من الأحساء والعقير والقطيف والكويت شرقاً إلى الرياض وشقراء والمجمعة والزلفي وبريدة وعنيزة وحائل والجوف والمدينة المنورة ومكة المكرمة وينبع وما ترتبط به من المدن العربية الأخرى كالزبير والبصرة والنجف وبغداد وهيت والحلة وحلب ودمشق وبيروت وأدنه واستانبول وعمان والقدس وحيفا ويافا وغزة ودير البلح وبئر السبع وخان يونس والقنطرة شرق والقنطرة غرب وبلبيس والقاهرة وحلمية الزيتون والمطرية وإمبابة والأبيض وأم درمان وغير ذلك من المدن والبلدان فهي من المهمات التي تولاها العقيلات ويأتي البريد لدى العقيلات على درجتين درجة رسمية وهذا يأخذ العقيلات عليه أجراً وتكون مهمتهم الأساسية توصيل هذا البريد في الوقت المحدد ويوزعونه توزيعاً رسمياً حيث يسلم المرسل إليه بنفسه، ودرجة عادية وهذا بالمجان وتكون مهمته ثانوية حيث أن العقيلات يذهبون لغير هذا الهدف ويحملون معهم الرسائل الخاصة بين التجار والمواطنين بحيث توضع تلك الرسائل الواردة لهذه المدينة أو تلك عند أحد وكلاء العقيلات المعتمدين ويضعها هذا العقيلي المعتمد في سلة بمكان بارز في دكانه وكل من له رسالة يأتي فيأخذها وكل من يعرف صاحب رسالة يأخذها ويوصلها إليه كل ذلك يتم بالمجان ومن باب المعروف والطرق الحبية، أما إذا كانت الرسالة مهمة أو بها حوالة فإن العقيلي يوصلها إلى صاحبها وقد يأخذ عليها أجرة وقد لا يأخذ عليها وغالباً ما تكون من باب المعروف بينهم، ولم تكن هناك طوابع بريد في ذلك الوقت ولا حتى مغلفات إلا إذا كانت مهمة رسمية فإنه في الغالب يكون لها حرز يحول دون كشف مضمونها، أما الرسائل العادية فغالباً ما تكون ورقة ملفوفة مكتوب اسم صاحبها على آخر طياتها ويسهل فضها وقراءتها ثم طيها من جديد لكن مروءة الناس وشهامتهم تمنعهم من الاطلاع على رسائل لا تخصهم فلا يطلع الإنسان إلا على الرسالة التي تخصه ومن العيب عليه أن يطلع على رسائل الآخرين فكانت الرسالة تبقى مدة طويلة في متناول أيدي الناس ومع ذلك فنادراً ما تمتد إليها يد من يقرأها وهي لا تخصه.
2- نقل الرسائل الشفهية:
لم يقتصر دور العقيلات على نقل الرسائل البريدية المكتوبة وإنما شمل حتى الرسائل الشفهية وهي إما أن تكون على هيئة وصايا خاصة تنقل من شخص إلى آخر، وإما أن يكون فيها نوعاً من السرية ويخشى عليها أن كتبت في رسالة أن تفض الرسالة وتقرأ أو خشية أن تتسرب سريتها عن طريق من يكتب الرسالة أو يقرأها على صاحبها سيما وأن الناس كان أكثرهم لا يقرءون ولا يكتبون وكانت الرسائل كما أسلفنا لا تغلف فيخشى أن تنال الرسالة يد متطفل فيفضها ويطلع على هذا السر فلذلك تكون الرسائل الشفهية من مرسلها إلى رأس العقيلي إلى من أرسلت إليه وتكون مثل هذه الرسائل بين الأب وأبنائه الغائبين أو بين الأمهات وأبنائهن الذين طالت غيبتهم أو بين الأخ وأخيه أو بين الأخت وأخيها أو إخوانها أو بين الزوجات وأزواجهن الغائبين لطلب لقمة العيش خاصة إذا طالت الغيبة أو بين الأحباب أو بين الشباب وفتيات أحلامهم الذين يرغبون الزواج منهن بعد العودة إن كن على ما يتوقعون مثل هذه الأمور الخاصة جداً والسرية جداً لا تنفع فيها كتابة الرسائل التي تكشف أو يتسرب منها أي معلومات وعند ذلك تكون المصيبة أو الكارثة خاصة في الحالات الأخيرة سيما وأن العادات والتقاليد والأعراف في نجد لها أحكام صارمة في مثل هذه الأمور مما يضطر من أراد أن يبعث هذه الرسالة الخاصة أو السرية على ألا يعلم بها أحد غير الموصى أو ناقل الرسالة وصاحبي العلاقة، وغالباً ما تكون الرسائل الشفهية مختصرة ومركزة قد تكون من بضع كلمات، وقد تقتصر على كلمة واحدة مثل كلمة "أقبل" أو "تعال" وقد تكون رمزاً كأن تقول الزوجة لزوجها "طال غيابك" أو تقول "حنت الإبل" أو "عطش الزرع" أو تقول فتاة لمن ترجو غيبته "إن كان له رغبة فينا مثلما لنا رغبة فيه فلا يتأخر" أو تقول أم لخطيب ابنتها بالرمز "استوى العنب" أو "أتمر النخل" وغير ذلك من الجمل والرموز التي يفهمها الطرفان وليس فيها من التفاصيل ما يمكن أن تخصبه الألسن فيما لو تسرب شيء منه وقد تكون الرسائل الشفهية سرية للغاية سواء فيما يتعلق بالأمن أو الأمور التجارية والأرباح أو البضائع التي يتم استيرادها خاصة فيما إذا كانت تلك البضائع أو السلع التي أحضرها هذا التاجر وأراد الاستزادة من هذه السلعة دون أن يفصح عن كنهها فإنه يوصي هذا العقيلي إلى مندوبه أو من يمثله هناك بكلمات أو رموز هي بمثابة "الشفرة" يفهمها ويتمشى بموجبها وليس لمثل هذه الرسائل أجر في الأغلب إنما يؤديها العقيلات من باب خدمة مجتمعهم اللهم إذا استثنينا بعض الحالات المهمة والمستعجلة التي يدفع صاحبها بطوعه واختياره أجرة معينة لهذا العقيلي على أن يوصل هذه الرسالة الشفهية إلى الشخص حال وصوله إلى ذلك المكان أو يعرج عليه في طريقه أو يبحث عنه حتى يجده ويبلغه الرسالة فهذا أمر خاص أما باقي الأمور فإنها لا تعدو أن تكون عادية إذا وصل العقيلات إلى هذا البلد التم حولهم الناس يسألون عن أخبارهم وأخبار أهليهم وديارهم وفيما إذا كان لأحدهم وصاة أو رسالة شفهية أو لأحد رفاقه ليخبره بالحضور إلى ذلك العقيلي ليخبره بفحوى الرسالة، هذه أمور تجري في كل محطة ينزل بها العقيلات ويبلغون تلك الرسائل والوصايا لأصحابها أو من ينوب عنهم سواء كانت هذه القوافل قادمة من الجزيرة العربية أو من الأقطار العربية المجاورة والعقيلي بدوره إذا وصل سأل عن الشخص المرسل إليه الرسالة الشفهية وطلب حضوره ليبلغه رسالته إن لم يجده مع أولئك الوافدين إلى المكان والجدير بالذكر أن مثل هذه الرسائل وبالذات الخاصة منها لا يبوح بها أصحابها لنقلها إلا من يريدون إلا للرجال الثقات الرزناء من العقيلات الذين يوثق بهم ولا يفشون أسرار من أفضوا إليهم برسائلهم إلى الغير وقد أدى العقيلات خدمة مجانية جلى في هذا الجانب حيث نقلوا الرسائل الشفهية عبر مئات السنين.
3- نقل الأخبار:
يعتبر العقيلات من أهم ناقلي الأخبار الشفهية فهم بمثابة الوكالات العالمية في وقتنا الحاضر، وخاصة أخبار الأقطار العربية المجاورة العراق الشام فلسطين الأردن مصر الكويت فمنهم يستقي من الركبان والمسافرين الأخبار بمختلف أغراضها وعلى رأسها أسعار الإبل والخيل وبقية المواشي فأول ما يأخذ الركبان من العقيلات أخبار الأسعار التي ينقلونها بدورهم إلى الناس، ومن الأخبار السياسية عن الولايات وتعيين الولاة، العثمانيين وعزلهم وما يرافق ذلك من تغييرات بالإضافة إلى الأخبار الاجتماعية حسبما شاهدوا هناك من أخبار تلفت النظر فيروونها، ففي ذلك الوقت لم تكن المخترعات الحديثة من مذياع (راديو) وتلفاز (تلفزيون) وهاتف (تلفون) ومبرقة (تلغراف) وطابع (تلكس) ولاقط (فاكس) قد ظهرت على الوجود وإنما كان مستقى الأخبار إما من البريد المكتوب الذي ينقله العقيلات أو الأخبار الشفهية التي يروونها أو ينقله المسافرون والركبان عنهم من الأخبار، هذه المصادر التي يعتمد عليها الناس في معرفة ما يدور حولهم من أحداث المنطقة، ويبقى الخبر فترة من الزمن حتى يصل من مصدره، كما يدخل في الأخبار تأثير العوامل النفسية لناقلي الأخبار ممن يروونها بحيث يدخل فيها عامل المبالغة والتهويل أو الواقعية والصدق أو ما تميل إليه هوى النفس للناقل كأن يكون الخبر يمس مصالح معينة لفئة من الفئات أو لقبيلة من القبائل فيحاول هذا العقيلي أو ذاك التقليل من وقع الخبر أو كتمانه وقد يكون في صدر هذا الراوي أمر ما على من هم مصدر الخبر فيشيعه ويضخمه ويكبره، وتتعدد الأخبار ومشاربها وأغراضها، فأخبار التجارة يهتم بها التجار، وأخبار الحروب يهتم بها من ليس لديهم عمل ويودون الانخراط مع أولئك المحاربين لعله أن يصيب مغنماً أو يجد عملاً منتظماً في السلك العسكري، وأخبار العقيلات الذين سافروا من أهلهم منذ مدة طويلة، ولا تقتصر الأخبار التي ينقلها العقيلات على الأخبار المحضة وإنما يتخللها نوع من القصص والحكايات والآداب الشفهية سواء ما كان منها من أحداث حقيقية أو ما يمزجها من الخيال والأساطير التي تروى هنا وهناك مثل هذه الحكايات والقصص تشغل جانباً من أحاديث المجالس والمنتديات عما شاهده فلان بالشام أو ما جرى لعلان بالعراق وما حدث لزيد في فلسطين، أو ما فعله عبيد في مصر مما يغذي مجالس السمر التي تتم كل ليلة، سيما وأنه لا يوجد يومئذ أي وسيلة من وسائل التسلية إلا ما يدور في مجالس السمر من تلك الأخبار والأحاديث التي يتبادلها السمار نقلاً عن المسافرين أو العقيلات، وقد يكون من بين تلك الحكايات ما هو حقيقي مائة في المائة أوله أساس من الواقع والحقيقة أو يشوبه الخيال مما ينسجه الرواة حول وقع القصة، فهذا الجانب الأدبي الشفهي المروي عن العقيلات من الذي سينفيه أو يكذبه، خاصة من أناس لم يخرجوا عن دائرة بلدانهم أو مضارب أحيائهم، وبالأخص إذا كان راوي الخبر أو الحكاية أو القصة هناك فبهره الوضع الذي وقع عليه نظره لأول وهلة وجاء منتفخ الأوداج وهو يروي ما شاهد أو سمع أو ما لمس، ويكون للقصص العاطفية وقع مؤثر في نفوس الشبان ومن لم يسبق لهم السفر إلى تلك الأقطار، سيما إذا علمنا أن هناك بعض الاختلاف في المفاهيم والعادات والتقاليد بين قطر وبين تلك الأقطار وبين نجد، وشبه الجزيرة العربية عموماً، مما يكون له وقع خاص لدى المستمع والمتلقي، وهكذا نرى أن العقيلات كانوا يقومون بنقل الأخبار الشفهية المدعومة بالأدب الشفهي من قصص وحكايات وأشعار وغير ذلك مما عمر الساحة الأدبية يومذاك.
4- اصطحاب المسافرين:
بالإضافة إلى الخدمات التي مر ذكرها كان العقيلات يصطحبون المسافرين سواء من كان منهم بأجر كما مر بنا من عهد الرحالة العربي ابن بطوطة عام 725-732هـ-1325-1333م إلى نقل المستشرقين والرواد الغربيين في القرنين الثاني عشر والثالث عشر الهجريين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين بينهم من أبقى لنا وصفا لرحلاتهم مع العقيلات من موانئ البحر الأبيض المتوسط أو حواضر الشام إلى موانئ الخليج العربي عبر الطريق الصحراوي وكانوا ينقلون مثل هؤلاء المسافرين ويتعهدونهم بالمركب المريح والشراب المشروع والحماية من أي اعتداء كما رأينا ذلك في مكان آخر وذلك مقابل أجر معلوم يجري الاتفاق عليه، أما من يصاحبهم من الجزيرة العربية إلى الأقطار العربية الأخرى أو من قطر عربي إلى قطر عربي آخر فغالباً ما يكون ذلك بالمجان، حيث أن معظم من يذهب معهم يمثلون من يبحثون عن لقمة العيش في تلك الأقطار، والغالب أن يكون طعامهم وشرابهم أثناء الرحلة على حساب العقيلات، وقد يستعين بهم العقيلات أثناء الرحلة بمثابة الرعيان والأجراء (الصبيان) أو رجال الحراسة وغير ذلك من مهام الرحلة ويدفعون لهم أجوراً مثل غيرهم حتى إذا وصلوا إلى هناك ذهبوا لشأنهم، ويمموا صوب هدفهم ويذهب الشبان بصحبة العقيلات إلى العراق للانخراط في الجيش العثماني أيام كان العثمانيون يجثمون على كاهل القطر العراقي يمكث الشبان مع العقيلات العسكر بضع سنوات حتى يحصل الواحد منهم على ما يكفيه للزواج وفتح بيت الزوجية، أو ما يوفي ما عليه أو على والده من ديون ثم يعود إلى أهله، وبعد أن احتلت الدول الاستعمارية الغربية الأقطار العربية بعد الحرب العالمية الأولى 1336هـ / 1918م حين احتلت فرنسا سوريا ولبنان واحتلت بريطانيا العراق وفلسطين وشرق الأردن ومصر والسودان صار العقيلات يذهبون إلى سوريا للانخراط في جيش الهجانة وفي الأردن في الجيش العربي الأردني بقيادة القائد الانجليزي (جلوب) أو "أبو حنيك" فكثير من الشبان كان يصحب العقيلات وينخرط بالعسكرية في تلك الجهات مع العقيلات الذين تحتضنهم تلك الجهات، ليس هذه الفئات فحسب، بل يصاحب العقيلات حتى أولئك الذين لهم اتجاهات أخرى كأن يبحث عن عمل في مجال التجارة أو الزراعة وغيرها، والسبب في ذهاب المسافرين مع العقيلات هي دواعي الأمن أثناء الرحلة ومن هؤلاء المسافرين من يكون لديهم معدات السفر من الزاد وغيره وإنما يصحبون العقيلات من أجل الأمان فقط وقد صاحب العقيلات أعداد كبيرة منهم من رجع بعد تحصيله المال اللازم لقضاء حاجته ومنهم من بقي هناك وتزوج بتلك الأقطار وأنجب وبقي هو وذريته هناك، ومن بقايا العقيلات ومن سافر معهم تجمعات في عدد من المدن في الأقطار العربية كالزرقاء في الأردن ودير الزور في سوريا وغزة في فلسطين مما سنتعرض له في فقرة لاحقة إضافة إلى من تناثروا في مدن الأقطار العربية الأخرى ليطرقوا باب الرزق هناك أو أن يكون لهم مقاصد معينة كطلب العلم فإن العلماء الذين ذهبوا لتلقي العلم في دمشق وبالأزهر قد سافروا مع العقيلات وعادوا معهم بعد تلقيهم التعليم منذ منتصف القرن الثامن الهجري السادس عشر الميلادي أمثال الشيخ أحمد بن يحيى بن عطوة والشيخ حسن بن علي البسام والشيخ زامل بن سلطان الخطيب والشيخ محمد بن إبراهيم بن حميدان والشيخ محمد بن عبدالوهاب وغيرهم كثير بالإضافة إلى من تضطره ظروف معينة فيجلون نهائياً عن الجزيرة العربية ويذهب إلى أحد تلك الأقطار فيختفي ويقضي بقية حياته هناك ولا أحد يقف له على أثر كأن يكون عليه جرم أو دم أو حصل له مضايقة من أقاربه وغير ذلك من ظروف الحياة الصعبة التي تجعله يعاف أهله وموطنه ويذهب إلى تلك الأقطار.
5- القيام بمهام المخابرات:
من المهام التي قام بها العقيلات في ذلك الوقت القيام بدور المخابرات الدولية والتحكم فيها بحيث استفادوا مما يمكن الاستفادة منه دون المساس بمصلحة قومهم، أما ما كان يمس مصلحة العرب والمسلمين فقد ركنوه جانباً بحيث وظفوا عملهم في هذا الجانب بما يخدم مصلحتهم الخاصة وما يخدم المصلحة العامة، وذلك حين نقلوا إلى بريطانيا أخبار غزو نابليون لمصر في نهاية القرن الثامن عشر الميلادي 1212هـ / 1797م وذلك في بداية التدخل الغربي في أنحاء الوطن العربي، فقد كانت حكومة الشركة البريطانية في الهند تتلقى أهم معارك مصر عن طريق البصرة وذلك عن طريق رسلهم واستخباراتهم من عرب العقيلات الذين نشطوا في المنطقة، ومما يدل على إيجابية دور العقيلات في هذا الجانب أنهم رفضوا التعاون مع نابليون بونابرت عندما كان في مصر وتوصيل رسله إلى الدرعية عاصمة الدولة السعودية الأولى وذلك حرصاً منهم على عدم فتح الطريق لقوة وافدة لا يدركون من أمرها شيئاً غير أنهم رأوا ما فعلت بمصر فحالوا بينها وبين التوسع في أجزاء أخرى من الوطن العربي وعلى الأخص الجزيرة العربية، كما أنهم قد حالوا بين نابليون وبين تحقيق أهدافه بغزو الهند عن طريق شمال الجزيرة العربية وذلك بالحيلولة دون وصول رسله وكتبه إلى مشايخ القبائل والعشائر العربية في هذه المنطقة ومشايخ الإمارات العربية على ساحل الخليج العربي وبهذا فإن دورهم في عملية المخابرات كان دوراً انتقائياً ينفذون منه ما يريدون ويدعون مالا يخدم المصلحة الوطنية العامة، فهم بذلك قد أدوا دوراً مهماً خدموا من خلاله المنطقة واستفادوا مادياً من خلال الدور الذي لعبوه في هذا الجانب بين فرنسا وبريطانيا.




سادساً: متطلبات الرحلة

1-أدوات الركوب:
تتكون أدوات الركوب والحمل على الإبل من الأشدة والخروج والحدائج والمسامات والوثور ولكل أداة من هذه الأدوات شكلها الخاص ووظيفتها فالشداد بأنواعه العقيلي وهو الصغير اللطيف (الوذف) والجباوي الرشيق
الطويل والعادي الطويل العريض والخرج بأنواعه العقيلي وهو اللطيف (الوذف) قليل العثاكيل و"الدلال" قصيرها والحساوي وهو أكبر من العقيلي وأكثر وأطول في العثاكيل والشمالي وهو الكبير طويل العثاكيل كثيرها بحيث تتدلى إلى ما تحت ركب المطية، والميركة وهي حشوة من جلد لين مدبوغ تلتف حول غرابة الشداد الأمامية وبها عثاكيل من سيور الجلد مجدولة، وقد وضعت ليتأرك عليها الراكب لراحة إحدى رجليه حول غرابة الشداد، والدويرع وهو نسيج صوفي أو من الجلد مزركش يكون تحت الميركة على أعلى كاهل المطية وأعلى رقبتها وبه عثاكيل تتدلى إلى أسفل من نفس النسيج، ويكون الشداد على جسم بدون حشوة مثلما في المسامة وإنما يكون تحته نسيج خفيف أو حشوة تسمى البدد أو الأبداد ليقي المطية سطوة ظلاف الشداد وإذا كان هناك رديف فهناك حشوة تسمى الحصيرة تشد في خلف الشداد تقي الرديف ظهر المطية وتسنده عن الانزلاق، والهودج بأحجامه الثلاثة الكبير والوسط والصغير الذي يسمى الباصرة، وللهودج حنايا تحمل الظلة ويكون له وقاء على ظهر البعير، والمحمل ويكون من جزأين على جانبي البعير وتحته "وثر" يقي ظهر البعير وأجنابه أما أدوات الحمل فهي الميسامة أو الغبيط أو المسامة وتعد للأحمال الثقيلة، والحدجة أو الحداجة وهي للأحمال الأقل ثقلاً ولكل من هذين النوعين حشوتين على أعلى ظهر البعير من أن تلحها ظلاف المسامة أو الحداجة مع ثقل الحمل وإليك أيها القارئ الكريم وصفاً لكل أداة على حدة:
1-الشداد: أو الكور أو النجيرة كلها مسمى واحد غير أن النجيرة أصغر قليلاً ولها بروز من الداخل. وهي أداة مصنوعة من ألواح الخشب حسب قالب معين بحيث يتناسب وتكوين جسم البعير سعة وضيقاً وهو مكون من أربع ظلاف كل ظلفتين مأسورتين لوحدهما برأس واحد أسطواني وبرأسه أكرة هذا الجزء المرتفع يسمى غرابة الشداد الأمامية والخلفية ويكون ارتفاعه ما بين 30-40سم وأكثر من ذلك وأقل، وأسفل الظلفتين ينفرج عن زاوية تتراوح ما بين 100-5140 وأقل من ذلك وأكثر حسب حجم ظهر البعير ويكون أسفل الظلفتين عريضاً يترواح عرضه ما بين 15-25سم أملساً من الداخل بحيث يأتي على جنبي البعير الأماميتان والخلفيتان ويترك بينهما مسافة تتراوح ما بين 50-70سم بحيث يعطي لسنام المطية حرية فلا يضغط عليه تأتي أربعة أعصية مفلطحة من الخشب تسمى "المصاليب" كل اثنين في جهة أو جانب من الشداد بحيث يكون طرف أحد العصيين على كتف أحد الظلفتين والطرف الآخر قرب قاعدة الظلفة الثانية والعصا الآخر يأتي بالعكس بحيث يتعاقب العصيان في فرض بمنتصف كل منهما يزيد من تماسكهما مع الأسر، ويؤسر الشداد وتشد أجزاءه المشار إليها أما بالقد وهو جلد البعير النيئ أو بعصب رقبة البعير وظهره ذو اللون الأصفر الذي يسمى "الجلمد" وهو المفضل لدى الكثيرين وذلك لأنه أهش من القد فلو سقط الشداد عن المطية أمكن للجملد أن ينكر ويسلم خشب الشداد دون تلف بخلاف القد الذي قد يتكسر الشداد دون أن يتكسر هو ولا تخرج الأشدة بأنواعها المشار إليها آنفاً عن هذا الإطار إلا أن الشداد العقيلي المنسوب إلى العقيلات يكون أظرف من سواه ولا يحمل على الشداد الأحمال وإنما هو معد للركوب إلا إذا كان من نوع النجيرة فالشداد يكون من خشب الأثل والنجيرة تكون من خشب الطلح لأنها يوضع لها أكتاف من الداخل بخلاف الشداد وهي أصغر من الشداد الذي لا أكتاف له قليلاً ويمتاز الشداد الجباوي نسبة إلى مدينة جبة الذي يقول فيها الشاعر:
وِشْدَيِّدَهْ صِنْعْ أهَلْ جِبِّةْ * * * ما يثني الوَرْكْ رَكَّابهْ
ويكون تحت الشداد حشوة ظريفة تسمى البدد وتجمع على أبداد تقي جسم البعير من ظلفات الشداد وهي عبارة عن كيس صوفي محشي بشيء لين ومتى ضمرت إحدى جوانبه عوضت بما يعيد توازنها.
ويشد الشداد على المطية بالحبال الآتية:
(1) البطان وهو حبل يشد من مقدمة بطن البعير وأسفل الصدر مما يلي الكركرة أو الزور وذلك لتثبيت الشداد على ظهر البعير.
(2) الحقب ويشد على حقو البعير في أسفل بطنه من أمام وركيه وذلك لكي يمنع الشداد من الانزلاق إلى الأمام في حالة إناخة المطية براكبها.
(3) اللبب وهو حبل يربط الشداد في أصل رقبة المطية على أعلى نحرها وهذا يمس الشداد ويمنع انزلاقه إلى الخلف في حالة نهوض المطية براكبها من مبركها هذه الأحزمة الثلاثة تمسك الشداد وتشده على ظهر المطية في حالة الإغارة والجري السريع، ويكون فوق الشداد نسيج صوفي منفصل بساط أو ساحة وهي فراش الراكب أو دثاره وفوق ذلك "جاعد" وهو من الجلد المدبوغ وبه صوفه ويدعك بالسمن حتى يلين ويصبح طرياً يكون ليناً مع صوفه يضعه الراكب فوق الشداد وهو فراشه عند النوم أما متاعه من ماء وغذاء فيعلقه في غرابة الشداد الخلفية أو بخرج مطيته وبذلك يكون مركب الراكب فوق مطيته وثيراً مريحاً لا يرهقه أثناء إرقال مطيته به لمسافات طويلة.
2- الهودج وهو شبيه بالشداد في أسفله غير أنه أطول منه في الظلاف ويختلف عن الشداد أن رأسيه اللذين هما بمثابة غرابتي الشداد يكونان طويلتين بمقدار يتراوح ما بين 140-170سم يزيد ذلك أو ينقص وتكون أعصيته "مصاليبه" الأربعة أطول مما في الشداد بحيث يؤسر عليها أطراف حنايا الهودج وللهودج حنايا من أربع إلى ست حنايا إلى ثمان في بعض الأحجام الكبيرة هذه الحنايا تتخذ من أغصان الشجر اللدن بحيث تقطع الأغصان وهي رطبة ثم تحنى على المقدار الذي يراد منها وتربط وتترك حتى تجف على حنيتها وغالباً ما تتخذ أغصان التين لخفتها وقوتها وأحياناً من الطلح ونحوه تربط أطراف هذه الحنايا على أركان جسم الهودج ومصاليبه وزعنفتيه الأمامية والخلفية وتؤسر بالقد أو عصب البعير المشار إليه بالشداد بحيث يمثل هذا الهودج بهيكله قبة مخروطية الشكل وتوضع الأكسية والمنسوجات الجميلة المزركشة الجميلة فوق حنايا الهودج وبداخله توضع الفرش الوثيرة بحيث يكون الهودج مركب لأكثر من شخص وهو معد للنساء والأطفال والشيوخ والعجائز الذين لا يحتملون الركوب على الشداد هذه الأكسية التي توضع فوق الهودج توضع للزينة ولتقي الراكب حرارة الشمس صيفاً ولفحات السموم أو البرد والرياح والأمطار شتاء ويكون للهودج عثاكيل متدلية في أسفله من الجانبين والأمام والخلف بحيث يصبح البعير الذي يحمل الهودج وكأنه باقة من الزهور المتحركة ولذلك كان يفضل أن يحمل الهودج بعير أوضح أي أبيض وذلك ليبرز جمال هذا المنظر الرائع ويشد الهودج على البعير مثلما يشد الشداد بثلاثة حبال هي البطان والحقب والسناف أو اللبب واللبب في الهودج تتدلى منه عثاكيل إلى حوالي ركبة البعير وألوان الهودج وما يوضع عليه من الأكسية تكون من الألوان الزاهية كالأحمر والبرتقالي والأصفر والأزرق والأخضر وغير ذلك من الألوان بحيث يظهر البعير الذي يحمل الهودج وكأنه باقة الورد من كل الألوان.
3-المحمل والمحمل يكون من شقين على هيئة قفصين مفتوحي الأعلى يكون على هيئة مثلث قائم الزاوية رأس الزاوية إلى أسفل وقاعدته إلى أعلى مفتوحة وقد يكون على هيئة نصف المعين رأسه إلى أسفل وفتحته إلى أعلى ويربط على ظهر البعير حبال قوية متينة بشظاظين فوق عصاءين مثبتين على الوثر الذي يكون على ظهر البعير تحت شقي الهودج والغرض من العصاءين توزيع ثقل الحمل على ظهر البعير ويكون بكل شق من شقي المحمل أماكن لعصي أربعة ترتفع حوالي 100-150سم وذلك لتثبت مظلة فوق هذه العصي لتقي من يركبون في المحمل حرارة الشمس أو المطر وقد يسدل من فوق هذه المظلة نسيج يقي من بداخله لفحات البرد أو الهجير وأكثر ما يركب بالمحمل الحجاج بحيث يوضع على كل بعير راكبين وينقل به أحياناً بعض البضائع والسلع كالسمن في أنحيته أو صفائح "القاز" والزيت وغيرها أو الأواني الزجاجية القابلة للكسر وغير ذلك ويشد المحمل على البعير بثلاثة حبال مثل الشداد إلا الحبل الثالث يكون في ذنب البعير ليمسك الوثر حتى لا ينزلق إلى الأمام أثناء بروك البعير بحمله ويوضع في شقي المحمل في حالة ركوب أناس فيه من الفرش ما يقيهم صلابة الخشب المصنوع منه المحمل والمحامل على أنواع منها المعد لحمل الركاب وهو ما أشرت إليه ومنها ما هو أصغر وهو المعد للأحمال الأخرى والبضائع المومى إليها.
4-الميسامة أو المسامة أو الغبيط وكلها لمسمى واحد وهي شبيهة بالشداد غير أنها أقل إتقاناً منه في الصنعة وأطول أجزاءاً وأقل عرضاً في ظلافها ولها رأسان بارزان يرتفعان من 10-20سم وعصيها الأربعة مبرومة ولها أطراف طويلة من أعلى وتكون قوية بحيث يعلق بأطرافها فردتي الحمل بعراها كل عروة من هذه العرى تدخل بطرف من أطراف العصي أو المصاليب المسامة وبين المصاليب توجد العصفورة وهي عقفة تؤسر على رأس المسامة للحمل وإذا كانت الأحمال ثقيلة لا تتحملها عصي المسامة تثبت برأسي المسامة البارزتين أو تشظ عليهما بالشظاظ وتشد المسامة على البعير بالبطان واللبب والثفر وهو الحبل الذي يثبت الوثر بذنب البعير وتؤسر الميسامة غالباً بالقد المتين خاصة من رقبة البعير ويحمل على المسامة أو الغبيط الأحمال الثقيلة.
5-الحدجة أو الحداجة وهي شبيهة بقتب السنى صغيرة ذات ظلاف أربع ورأسين صغيرين وعصيين يؤسران في أعلاها على كتفي الظلاف الأربع بحيث يمسكان بالظلاف من أعلى والغرض منها أن تكون فوق حشية الوثر تقي ظهر البعير التقاء عرى الفردتين أو الغرارتين حين التقائهما بالشظاظين وتربط الحداجة على ظهر البعير بالبطان واللبب والثفر.
6-الوثر وهو كيس مستطيل من النسيج الصوفي الخشن الغليظ الأسود بطول مقدمة ظهر البعير من الجانبين يثنى على ظهر البعير من خلف السنام حتى رأس كتفي البعير وهو أغلظ من الوسادة يقارب مطاط عجلة السيارة المنفوخ جيداً، تكون ثنيته من الخلف وطرفاه إلى الأمام ويحشى هذا النسيج أو الوثر بالتبن أو بأعواد الحشائش اللينة كالنصي والغرز والثمام وغيره وأحياناً بالرمث ويوضع على البعير ليقيه ما يوضع عليه من أشدة كالمسامة والحداجة والهودج والمحمل وروايا الماء وغير ذلك من الأحمال ويشدد على ظهر البعير ويخاط في طرفيه ومثناته بعد وضع فتحة فيه للسنام بالإضافة إلى حبل يربط بذيل البعير يسمى الثفر وغالباً ما يبطن الجزء الذي يوالي ظهر البعير بنسيج ناعم حتى لا يؤذي ظهر البعير وعندما ما يجوع البعير قد يلجأ صاحبه إلى إعطائه من حشوة الوثر الذي على ظهره في حالة انعدام العلف، ولذلك يضرب به المثل فيقال عادت الإبل إلى أوثارها أي وصل الأمر إلى أقصى منتهاه.
7-"القلوة" وهي حجر أو جسم صلب خشبة ونحوها مكورة أو قريبة من ذلك يصر عليها في زاوية المزادة أو الفردة أو العدلة ونحوها يربط عليها بحبل قوي أو شريط من الليف وغيره ليكون منها بمثابة عروة لهذه العدلة والفردة أو عوضاً عنها وهي بحجم كلية الشاة أو أكبر منها.
8-الشظاظ: يجمع على أشظة وهو عود مدبب الرأس بطول ما بين 10-15سم يوضع في إحدى عروتي الفردة بعد مداخلتها مع الثانية إذا قرنتا على البعير أو يقرن بالشظاظ الواحد العروتين وبالثاني العروتين الأخريين أو بأعلى نسيج الوعاء وإذا ما أريد إنزال الحمل جذب هذا العود فانفلتت عروتا الفردة كما تستعمل الأشظة في عروتي المحمل إذا كان من ذوات العرى والمثل يقول "على قلوة وشظاظ" أي أننا على أتم الاستعداد للانطلاق.
2 - أدوات الإبل:
تتكون الأدوات الخاصة بالإبل من عدة عناصر يتم بواسطتها التحكم بالبعير وفق ما يريد راكبه ومن هذه الأشياء:
1-الأرسان واحدها رسن وهو ما يقاد به البعير ويتحكم فيه بواسطته ويتكون من حبل مجدول من ثلاثة أو أربعة أفرع مضفورة ويتكون الرسن من الأجزاء الآتية أولها الخطم وهو ما يلف حول خطم البعير أو أنفه ويتكون إما من الحبل المجدول أو المفتول أو يكون من الحبل المنسوج من عدة فروع عريض بحوالي 3سم وهذا الجزء من أجل طواعية البعير، والجزء الثاني هو العذار وهو الجزء الذي يلف حول خلفية راس البعير ويكون في الغالب عريضاً من 3-5سم منسوجاً بشكل جيد فيه زخارف ونقوش من مختلف الألوان وقد يكون عادياً بدون زخارف وموضعه على مؤخرة رأس المطية وفوق خديها الجزء الثالث وهو مقود الرسن الحبل المجدول من خيوط ملونة زاهية ويتراوح طوله ما بين 1-2متر وبرأسه عثكول كبير من الخيوط الزاهية الألوان وقبيل طرفه بحوالي نصف متر هناك شبه عقد بنفس الجدل لتساعد الراكب على مسك الرسن جيداً حتى لا ينملص من يده فيما لو عصت مطيته وعند مجمع هذه الأجزاء الثلاثة يكون هناك حلقتين أو ثلاث حلقات من حديد تجمع هذه الأجزاء الثلاثة تسمى قراريص الرسن ويتدلى من هذا التجمع ومن العذار عثاكيل صغيرة زاهية الألوان تكون على خلفية الرأس معلقة بالعذار وحتى قراريص الرسن توضع هذه العثاكيل للزينة.
2- الشكائم واحدها شكيمة وهي حبل عادي قوي مجدول إما من الصوف أو شعر الماعز أو من ليف النخل وله أجزاء الرسن الثلاثة الخطام والعذار والمقود، والشكيمة تخلو من جوانب وعناصر الزينة يقاد بها البعير ويتم التحكم فيه وأكثر ما تستعمل الشكيمة لقيادة الإبل الصعبة التي لم تروض أو الإبل التي يراد أن تسلك طريقا لا تريده والغرض من العذار حتى لا يفسخ البعير الشكيمة أو الرسن كما أن الغرض من الخطام هو تسخير البعير والحد من صلفه وعنفوانه.
3- العقل، واحدها عقال وهو حبل من صوف أو شعر أو وبر أو ليف أو مادة أخرى متينة يتراوح طوله ما بين 50-70سم مجدول من ثلاثة فروع أو أقل أو أكثر يكون بأحد طرفيه عقدة يلوى عليها طرفه أثناء عقل البعير وهو ربطه مع يده مثنية أثناء بروكه على الأرض بحيث يبقى باركاً في مكانه لا يريمه وأحياناً لا يكفي البعير عقالاً واحداً، فقد يقوم وإحدى يديه معقولة، ولذلك تعقل يداه معاً وقد يزحف وهو معقول اليدين لزيادة الأمان تعقل إحدى رجليه، والعقل لا يستغنى عنها أبداً يكون مع راكب المطية عدد من العقل ومع الحملة أو القافلة أعداد كبيرة من العقل بمعدل عقالين لكل بعير وبعض الإبل يكون هادئاً يكفيه عقال واحد وبعضها يكون جفولاً لا يكفيه إلا الثني بالعقال مع كلتا يديه، ويكنى عن قوة البعير بقولهم يثور بالعقال إذا كان قوياً وسميناً وإذا لم يكن مع صاحب المطية عقال لها عقلها بطرف رسنها أو شكيمتها ، ومن عقال البعير ولدت كلمة اعتقال، ومعتقلات.
4- الهجر واحدها هجار وهو ما يربط به البعير ويهجر وذلك بربط يده ورجله من أسفل الذراع والساق مما يلي الرسغ من جهة واحدة بطول معقول يتراوح ما بين 1-1.5متر بحيث يستطيع البعير أن يمشي ويرعى ولا يستطيع الجري والهروب بطريقة سريعة كما يتخذ الهجار للجمل الفحل ليمنعه من ضرب طروقته وهي أنثاه الناقة حيث يعوقه الهجار من الوثوب عليها وقد يكون الهجار معد لهذا الغرض بطول معين وله عروتان مع طرفيه تقرن كل عروة بعضو من أعضاء البعير وقد يكون حبلاً عادياً من الصوف أو الشعر أو من ليف النخل وإذا كان البعير صعباً وضع فيه قياد وهجار حتى يقل عنفوانه.
5- القيود، واحدها قيد وهو حبل يقيد به البعير مع يديه من أسفل ذراعيه مما فوق مفصل الرسغ ويكون إما من حبال الليف معد لهذا الغرض له عروتان بكل طرف عروة تقرن على ذراع البعير وقد يكون حبلاً عادياً من الصوف أو الشعر أو الوبر أو غيره من المواد المتينة يقيد فيه البعير مع يديه ويترك ما بينهما مسافة حوالي 50سم أو أطول من ذلك أو أقصر بحيث يعطى البعير حرية المشي بخطى قصيرة وذلك من أجل الرعي ولا يستطيع المشي السريع فضلاً عن الجري.
6- الحبال الإضافية وتستخدم هذه الحبال لعدة أغراض منها اتخاذ ما يسمى "التعضيد" للبعير وهو رباط يربط به البعير مع يديه من أسفل عضديه من فوق الركبتين وهو بمثابة القيد لكنه أكثر حرية من القيد ويمنعه من الجري والهروب، ومنها رباط "التفقير" وهو حبل يربط حول حقو البعير من خلف بطنه وأمام وركيه ويربط بإحدى يديه مع العضد بحيث يعطى البعير حرية المشي بدرجة أكثر من التعضيد يمشي ويرعى ولكنه لا يستطيع الهروب والجري السريع، ومنها رباط "الحجز" أو الحجاز وهو رباط يربط به البعير وهو بارك من أسفل ساقي رجليه ويلف حول مؤخرة ظهره بمكان مركب الرديف أو مردف البعير فهو في هذه الحالة لا يستطيع النهوض من مبركه حتى ولو لم يكن معقول اليدين وإن كان معقول اليدين لا يستطيع أن يتحرك إطلاقاً ويستعمل القيد والحجاز للبعير الصعب في حالة ترويضه إذا كان صعباً أو البعير الشرود أو البعير الهائج.
3- أدوات السقي:
يولي العقيلات وغيرهم ممن يضربون بطن الصحراء في أسفارهم عناية خاصة بأدوات الماء، كيف لا وهو شريان الحياة الذي لا تستقر الحياة إلا به، فإن أهم ما يعتنون به هو أدوات الماء سواء في نقله أو استخراجه من أعماق الآبار بجوف الأرض أو ما يسكب به عند خروجه بالدلاء ليرتووا منه ويسقون ركابهم وأنعامهم، ولم تختلف الأدوات التي كانت تستعمل لهذا الغرض منذ آلاف السنين فقد بقيت كما هي إلى أن انتهى دور العقيلات لم يتغير منها شيء ولم يدخل عليها جديد فهي القربة والراوية والدلو والرشاء والمحالة والقامة والحوض والقتب وفيما يلي تفصيل ذلك:
1- القربة: تجمع على قرب وهي من جلد الغنم المدبوغ والمدهون مخروزة من أسفل ومع مكان الرجلين عروة الرجلين عروة ومع مكان اليدين عروة أخرى ومكان الرقبة هي فوهة القربة التي منها يحقن الماء ويسكب ويتم ربطها بوكاء من خيط مربوط بعروة اليدين وذلك حتى لا يخرج منها الماء وبهذه القربة على مختلف احجامها ومسمياتها ينقل الماء ويبرد للشرب وغيره والصغيرة من القربة تسمى الشكوة والقديمة منها تسمى شنة وتطلق الشكوة على الصغيرة من قربة الماءوالصغيرة من صميل اللبن وتجمع الشكوة على شكاء وكل هذه الألفاظ فصيحة.
2- الروايا: أو الروي مفرها راوية وهي بمثابة القربة ولكنها أكبر منها وتختلف عنها في الشكل وهي مصنوعة من جلود الإبل المدبوغة وأكبر من القرب أو ما يساوي نصف حمل البعير أي أن البعير المعد لنقل الماء يحمل راويتين وتستخدم الروايا أو الروي لنقل الماء للمسافات الطويلة في المظامئ أو إذا كانت القافلة معها خيل تحتاج إلى الماء أكثر من الإبل حين تحتاج كل فرس من راوتين إلى أربع روايا حسب بعد المسافة وقربها كما تستخدم الروايا في حالة قطع المسافات الطويلة في "الحولات" لاستخدام الماء لرجال القافلة للشرب وغيره ومن اسم الراوية اشتق اسم راوية الأخبار والأحاديث والأشعار وغيرها إذا كان يحتوي على الكثير من هذه الأمور فلان راوية تشبيهاً له على الراوية حسبما أطلقها العرب.
3- الأرشية: واحدها رشاء وهو حبل غليظ مجدول من ثلاثة فروع إما أن يكون من ليف النخل أو أن يكون من المرس أو حبال الكتان الذي يرد من الهند يطول الرشاء ويقصر حسب عمق الموارد وقصرها، تلك الموارد التي ستمر بها القافلة، وأحياناً يوصل الرشاء برشاء آخر عندما تكون البئر عميقة. وبهذا الرشاء يمتح ويستخرج الماء بالدلو من أعماق الآبار في جوف الأرض وإذا كانت البئر عميقة جداً يجر وسط الرشاء بالأرض قبل أن تخرج الدلو سمي مثل هذه البئر بالجرور، وعلى ما يخرجه الرشاء من الماء يعتمد المسافرون.
4- المحال، واحدها محالة وتكون في الغالب من الحجم الصغير أي "محالة بدو" كما تسمى وتختلف عن محالة الحضر الكبيرة، وتمتاز الصغيرة بأنها خفيفة المنقل وتؤدي نفس الغرض وهي بكرة اسطوانية ذات أسنان قصيرة محكمة لها فلك يجري فيه الرشاء ولها قب اسطواني في مركزه ثقب يدخل فيه المحور الذي تدور عليه المحالة وغالباً ما يكون محور مثل هذا النوع من المحال من قضبان الحديد التي تسمى "مخاطر" واحدها "مخطر" هذه المحالة يتراوح قطرها ما بين 35-50سم مصنوعة من الخشب بطريقة محكمة وقد تكون أكبر من هذا الحجم وأصغر وتثبت المحالة برأس خشبة تسمى القامة.
5- القامة، تجمع على قامات وهي عبارة عن خشبتين بطول واحد يتراوح طولهما ما بين 3-4 أمتار وقد تزيد عن ذلك أو تنقص حسب وضع البئر وعمقه وقوة حافته حيث يتم تثبيت الخشبتين في الأرض ويمسك بينهما بمسامير حديدية أو حبال تربط بها ويكون بطرفهما المرفوع فوق البئر فتحة تثبت بها المحالة بقضيب حديدي من خلال ثقبين متوازيين برأس الخشبتين وأحياناً تكون القامة خشبة واحدة بطرفها فرعين "شغنتين" من نفس الخشبة يثبت فيهما المحالة ويتم متح الدلو من فوق المحالة المثبتة برأس القامة وتنصب القامة على حافة البئر وأحياناً يكون على البئر الواحد عدداً من القامات إذا كانت القافلة كبيرة وتحتاج إلى مزيد من الماء أو عليها زحمة من الورود.
6- الدلاء، واحدها دلو وهي وعاء جلدي على هيئة قبة مقلوبة أو نصف كرة فتحتها إلى أعلى وتكون الدلاء من جلود الغنم والإبل المدبوغة والمدهونة وعلى فوهتها عرقاة هي عبارة عن خشبتين متقاطعتين من النصف تحفظان فوهة الدلو مفتوحة وهي على عدة أحجام منها الحجم الكبير الذي لا تخرجه غير الإبل وهي غالباً ما تكون من جلود الإبل أو البقر ويليها الحجم المتوسط وهو ما يمتح على الإبل أو بواسطة المتح اليدوي للرجال والحجم الصغير وهو القلص وغالباً ما يمتحه الرجل على اليد وبهذه الدلاء يستخرج الماء من أعماق الآبار.
7- الأقتاب واحدها قتب وهو مصنوع من ألواح الخشب شبيه بالحدجة أو الحداجة يتكون من أربع ظلاف وعصا يمسكان أكتاف الظلاف من تحت خشبة تجمع الظلفتين تسمى "الدخاش" ويسميان مصاليب القتب وعصاءين آخرين يمسكان كل ظلفتين من جهة واحدة من القتب من اليمين والشمال من أسفلهما يسميان "زنافير" القتب، ويدخل طرف الرشا من بين ظلفتي القتب من الجانب من اليمين أو الشمال حسب وضع المنحاة على البئر الذي سيخرج منه البعير الماء ويثبت طرف الرشاء في طرفي العصاءين المثبتة في أعلى القتب من جهته الأمامية ويشد القتب على البعير في ثلاثة حبال البطان وهو حبل عريض يلف حول بطن البعير مما يلي الصدر من خلف الزور أو الكركرة وذلك ليثبت القتب على ظهر البعير والحبل الثاني هو السناف أو اللبب وهو حبل عريض يثبت على نحر البعير من عند أصل رقبته وفوق كتفيه ليمنع القتب من الانزلاق إلى الخلف عند تصديرة البعير بالدلو والحبل الثالث هو الحقب وهو حبل يلف حول حقو البعير ومؤخرة بطنه بحيث يمنع القتب من الانزلاق في حالة عودة البعير في أدناة الدلو إلى الماء، ويكون تحت القتب المرشحة.
8- المرشحة وهي حشوة مستطيلة الشكل تأتي على ظهر البعير تحت القتب وهي مكونة من النسيج الصوفي الخشن ومبطنة مما يلي ظهر البعير من قماش لين ترشح عنه العرق ومن هنا جاءت التسمية والمرشحة تقي البعير من لَحِّ القتب على ظهره ويكون موضع القتب في مقدمة السنام إلى رأس الكاهل والمرشحة تحشى بالتبن أو القش أو يضاف إليها طبقات من النسيج الصوفي بحيث تقي البعير تأثير القتب عليه.
9- الحياض، واحدها حوض وهو وعاء مصنوع من جلد البعير المدبوغ والمدهون يمثل نصف كرة فوهتها إلى أعلى وقعرها إلى أسفل يقوم على أربع أو ست حنايا من أغصان الأشجار الطيعة للحني حيث تحنى وهي رطبة ثم يثبت عليها الجلد على الهيئة المشار إليها وأحياناً يكون الحوض على هيئة مربع يقوم على أربع قواعد وقد يكون مستطيلاً يقوم على أربع أو ست قواعد ويوضع الحوض أو الحياض قرب فوهة البئر بحيث يسكب فيها الماء الذي يخرج دفعات متتابعة حتى ترتوي المواشي ومن هذا الحوض تملأ القرب والروايا.
10- المحاور، جمع محور وهي من قضبان الحديد بسماكة من 14-16مم كانت من صناعات الحدادين وطول هذه القضبان التي تسمى "مخاطر" جمع "مخطر" 40-60سم وهي التي تدور عليها المحالة على واحد منها يدخل من ثقب بالمحالة وثقبين بالقامة سبقت الإشارة إليهما ثم يتم استخراج الماء على المحالة القائمة على هذا المحور.
4- أدوات الراحة:
القائم بالرحلات الصحراوية الشاقة لابد له أن يأخذ قسطاً من الراحة بين المرحلة والأخرى ولابد لفترة الراحة من متطلباتها لتتم هذه الراحة فيها أو عليها أما القوافل الخاصة بالتجار ففيها وسائل الراحة أكثر حيث يأخذ التجار معهم في الغالب خيامهم وأسرتهم ومناضدهم ومقاعدهم وأدوات المطبخ والسفرة خاصة للتجار الأجانب والرحالة ومن في مستواهم، ولذلك فقد حسب العقيلات حساباً لهذا الجانب واتخذوا الترتيبات اللازمة ومن مستلزمات الراحة والوقاية.
1- الخيام أو الشرع واحدها خيمة أو شراع وغالباً تكون الخيام من الحجم المتوسط أو الصغير مراعاة لعملية الحمل عدا أمير القافلة الذي قد تكون خيمته مميزة كبيرة وأحياناً يقرن له أكثر من خيمة ليكون جزء منها مجلس الرجال، والخيمة كما هو معروف تتكون من:
أ- قبة الخيمة: أو سقفها وهو الجزء الدائري أو المربع أو المستطيل الذي يعلو الرواق ويقي من بداخله أشعة الشمس صيفاً والمطر شتاءً وبأطراف القبة تثبت الأطناب التي تشدها إلى الأرض.
ب- الرواق وهو الجزء الواقف الذي يحيط الخيمة على أي شكل كان وبه الأعمدة التي ترفع الخيمة وأحياناً تكون الأعمدة منفصلة عنها وبالرواق فتحات بمثابة النوافذ والأبواب تفتح عند الحاجة والرواق يقي من في داخل الخيمة من لسعات البرد شتاء ومن لفحات السموم والهواء الحار صيفاً ويعتبر ستراً لمن يقيم بداخل الخيمة.
ج- الأعمدة وهي عماد الخيمة المنصوبة من الخشب أو عصي الخيزران وقصب الماء وهي التي ترفع الخيمة يتوسطها أطول عمود فيها يسمى الواسط ولولا أعمدة الخيمة لما اعتبرت الخيمة ذات قيمة ولما حصلت منها الفائدة المطلوبة وفي الأعمدة أطوال متفاوتة فعمود أو أعمدة الوسط تكون أطول من أعمدة الجوانب التي تلي الرواق وقد يكون عمود أو أعمدة الواسط من عدة أجزاء وفي رأسه العلوي قرص دائري أو مربع أو مثمن وأحياناً يكون هذا القرص مثبت في جسم الخيمة، وعماد الخيمة واسطها وتساعده أعمدة العوارض كما قال الشعر الشعبي:
احتموا بيتكم لا ينهدم كله * * * لا وقع واسطه ما تنفع أطنابه
د- الأطناب واحدها طنب وهي الحبال التي تشد الخيمة إلى الأرض وتمسكها عند ارتفاعها وتكون في الغالب من حبال القطن وقد تكون من حبال الصوف أو الشعر أو الوبر أو الكتان المرس أو من حبال ليف النخيل وغير ذلك من المواد التي تتخذ منها الحبال.
هـ ـ الأوتاد واحدها وتد وقد تكون من الخشب أو من قضبان الحديد معقوفة الرأس على هيئة حلقة، ووظيفتها تشد بها أطناب الخيمة وتكون مثبتة حول الخيمة بأبعاد معقولة تشد بها الأطناب شيئاً فشيئاً حتى تستقيم الخيمة على الوضع المتوازن.
و- موقعه أو مطرقة أو "كابون" كما يسميه البعض لتثبت الأوتاد في الأرض عند نصب الخيمة وتقلع بها عند تقويضها ونزعها.
2- الفرش، واحدها فراش وهو ما يتخذ للجلوس عليه أثناء الراحة بالنهار والنوم عليه في الليل، وغالباً ما يكون من المنسوجات الصوفية أو الوبرية من البسط و "السياح" والقطائف والعدول واحدها عدل وغير ذلك من المفروشات، ولا يهتم العقيلات بالفراش ولا يعتنون بالمخدات والوسائد كثيراً فأي جسم لين يمكن اتخاذه مخده، بل وحتى الأجسام الصلبة يوضع عليها ما يقي الرأس وينام عليها مثل طرف فردة الحمل إذا كانت الأرض لينة فإن الكثير من العقيلات ينامون على الأرض ويتوسدون كومة من التراب بمثابة مخدة خاصة في ليالي الربيع والصيف والخريف لأنهم عودوا أنفسهم على ذلك.
3- الأغطية واحدها غطاء وهو الدثار ويكون العناية به في فصل الشتاء والربيع وتكون الأغطية في الغالب من المنسوجات الصوفية والوبرية المشار إليها آنفاً تساعد هذه الأغطية ما يرتديه الإنسان من الملابس الصوفية والقطنية كالجبب والعباءات والفراء و "البيادي" واحدها بيدى وغير ذلك مما يرتديه الإنسان ويقيه لسعات البرد.
5- أدوات القهوة:
بعد انتشار عادة شرب القهوة بين الناس الذي حصل في القرن العاشر الهجري السادس عشر ميلادي وما بعده وكانت في بداية الأمر غير نشطة ثم بلغ الاهتمام بها ذروته في القرن الثالث عشر والرابع عشر الهجريين التاسع عشر والعشرين الميلاديين، ولم يكن العقيلات بمنأى عن هذا الاهتمام، فقد كانت القهوة رفيق السفر الذي لا يستغنى عنه وقد اسندها في السنوات الأخيرة الشاي لكنها هي صاحبة المكانة الأولى عند الرجال عامة والمسافرين من العقيلات وغيرهم خاصة فقد خصص لها العقيلات مكانة مرموقة، وخصصوا شخصاً لصنعها لرجال القافلة وإدارتها عليهم وعلى رأسهم أمير القافلة، كما أعدوا لها الأواني الخاصة بصنعها وإدارتها ونقلها في حالة السفر المتواصل "المحال" ولو نظرنا إلى الأدوات والأواني التي تصنع بها القهوة لوجدناها:
1- محماسة القهوة وهي الأداة والأواني التي تحمس وتحمص بها القهوة وهي أداة حديدية على هيئة دائرة مقعرة لها مقبض طويل أو "عصا" من نفس الحديدة بطول يتراوح ما بين 1-1.5متر ولها يد من قضيب حديد طرفه مفلطح بشكل دائري رقيق يحرك حب القهوة أثناء تقليبه على النار داخل جسم المحماسة المقعر وتربط اليد من طرفها بطرف المحماسة بسلسلة مناسبة تربط بها المحماسة مع يدها.
2- الهاون أو "النجر" ويتكون من المعدن خفيف الحمل كالمحماس أو الخشب وغيره وهو الذي تسحق به القهوة بعد تحميصها أو حمسها ويتكون النجر من جسم اسطواني مقعر بفوهة كافية لاستيعاب كمية القهوة المراد سحقها ودقها وله يد تدق فيها القهوة من نفس معدن النحاس أو الحديد.
3- الدلال واحدها دلة وعادة تكون الدلال مجموعة ما بين 4-5-3 في الأحوال العادية مثل حالة الاستقرار لكن في حالة السفر يختصر هذا العدد بحيث يقتصر على اثنيتين على الأكثر واحدة تغلى بها القهوة وتسمى "مطباخة" والثانية تبهر بها وتسمى "مبهارة" وبعض الأحيان يكتفى بدلة واحدة تجمع بين المهمتين الغلي والتبهير في وقت واحد نظراً لحالة السفر والتنقل.
4- فناجين القهوة وهي فناجين من الصيني صغيرة الحجم بمقدار قبضة اليد رشيق جميل الشكل تصب فيه القهوة بكمية قليلة لا تتجاوز سدس الفنجان أو أقل من ذلك فيرتشفها الرجال ارتشافاَ وهي حارة من هذه الفناجين، وبعضهم يقتصر على ما يصب في الفنجان بكمية قليلة بمقدار رشفة واحدة، أو "شفة" واحدة في كل مرة، ولإدارة القهوة وارتشافها عادات وتقاليد ليس هذا محلها ومن أراد الاطلاع على المزيد فيما يختص بالقهوة وصنعها وإدارتها وغير ذلك فعليه الاطلاع على كتابنا "القهوة العربية وما قيل فيها من الشعر الصادر عام 1410-1990م.
5- الصلاعة وهي وعاء فخاري مدهون من الداخل والخارج له غطاء محكم من فوهته الضيقة وتسكب في هذا الوعاء القهوة الجاهزة للشرب ثم يحكم الغطاء وتنقل أثناء السفر وعند الحاجة إلى القهوة أثناء السفر المتواصل "الحولة" تسكب هذه القهوة بالدلة وتسخن على النار ثم تشرب ويعاد الزائد منها في الصلاعة مرة ثانية وهي بمثابة ما يسمى في الوقت الحاضر "الترمس" لكنها لا تحتفظ بالحرارة أو البرودة فيما تحويه مدة طويلة.
6- تتكون القهوة كما هو معروف من حب القهوة المحمص والمسحوق مضافاً إليه البهار من حب الهال "الهيل" والقرنفل والزعفران وغيره.
7- أدوات الشاي وتتكون من:
الأباريق واحدها إبريق وهو وعاء من المعدن أو الصاج المدهون وعادة يكون عدد هذه الأباريق احدهما يغلى فيه الماء ويسمى "مفواح" والثاني يوضع فيه الشاي والسكر ويسمى "مصباب" غير أنه في حالة السفر يقتصر هذا العدد إلى إبريق واحد يغلى فيه الماء ويوضع فيه الشاي والسكر وكان هذا المشروب يسمى "السكر"كما كان يسمى "الحلو" وغالباً ما يكون إبريق السفر أسود اللون وذلك لتعرضه للنار.
8- الكاسات، واحدها كأس أو كاسة وتسمى "بيالة" ولم تكن بهذه الأشكال التي نراها بها اليوم، فقد كانت مصنوعة بشكل بدائي من الزجاج غير النقي وأحيانا تكون من المعدن على هيئة كأس يشرب به الشاي وذلك لأنها تتحمل تحركات السفر، ولم يكن الشاي منتشراً، كما هو اليوم بل إنه قليل ولا يصنع إلا لإنسان مرموق أو له مكانة أو ضيف عزيز أو تاجر كبير أما بقية الناس فقد لا يذوقه إلا نادراً مثل ذاك الذي ذاقه ابن عمه من وراء الخيشة عندما كان مع عقيل في طرفة موجودة بمحلها والسكر الذي يستعملونه من القوالب التي تكون بكتل كبيرة نوعاً ما تسمى "محاقين السكر"واحدها محقان لأن الكتلة تأتي على هيئة محقن أو محقان الماء.
9- أحياناً يستخدم الحليب الطازج الطبيعي بدلاً من الشاي حيث يغلى الحليب ويحلى بالسكر ويشرب يضاف إليه في فصل الشتاء الزنجبيل المسحوق وغير ذلك من الأفادية الحارة كالفلفل الأسود المسحوق خاصة في أيام البرد أو كنوع من العلاج لمن أصيب بأمراض صدرية كالزكام وغيره.
6- أدوات الطبخ:
يقتصر العقيلات في أواني الطبخ على الأواني الضرورية جداً من قدور وصحاف وصواني ومغارف تفي بالغرض لطبخ الطعام وغرفه وتقديمه للآكلين وأحياناً تستعمل الآنية لأكثر من غرض، فيأخذون ما تتطلبه القدور من كراسي حديد تقوم مقام الأثافي "الهوادي" في حالة نزولهم في أرض ليس فيها حجارة ويستخدم منها كلما خف حمله ووفى بالغرض المطلوب ويتولى الطباخ ومساعده ما يسمى "بالثاية" وهي المطبخ وما يتعلق به والقهوة ومستلزماتها وكل ما يتبع ذلك من مواد تموينية من كميات الطعام كالتمور والطحين من دقيق القمح وجريش القمح الصلب "اللقيمي" والأرز العراقي "التمن" والكليجا السكر المعجون بشيء من السمن مع الماء ثم الشوي على النار وهي بمثابة الخبز الجاهز للتناول في أي وقت حتى والناس على ظهور ركابهم خاصة إذا كانوا في سفر متواصل في "المحالات" التي لا يتسنى لرجال القافلة أن يستريحوا ويقوم طباخهم بإعداد الطعام لهم ومثل استعمال "الكليجا" التي يسميها الرواد الغربيون الذين رافقوا تلك القوافل بالخبز الجاف مثل هذه المادة مادة أخرى تسمى "الشعثاء" وهي من الأقط المجروش والتمر منزوع النوى مع قليل من السمن ومعمول على هيئة كتل صغيرة بمثابة قبضة اليد وهي جاهزة في أي وقت وتعطى مادة غذائية جيدة مثل سابقتها وربما زادت عليها هذا بالإضافة إلى السمن الحيواني من الضأن والماعز الذي تحتاج القافلة لكميات لا بأس بها ويسمى السمن الإدام "أو اليدام" تحتاج القافلة من هذا الأطعمة إلى كميات تكفي لرجالها في ذهابهم وإيابهم وقد تصل إلى عشرات الأحمال بالنسبة للقوافل الكبيرة، ولو ألقينا نظر على أدوات المطبخ التي يصحبها العقيلات في رحلاتهم المتواصلة على مدار السنة لوجدناها تتكون بصفة رئيسة من:
1- القدور بمختلف أحجامها حسب حجم القافلة قلة وكثرة فإذا كانت القافلة كبيرة يتراوح عدد رجالها ما بين 1000-2000 رجل أو أكثر وجدت معهم من القدور الكبيرة وتتوزع إلى عدد من الفرق أو "الخبر" وإن كانت القافلة متوسطة العدد ما بين 500-1000رجل كانت القدور والأواني أصغر من ذلك وإذا كانت القافلة صغيرة من 500شخص فما دون ذلك ينعكس على أوانيها مع أواني وقدور أخرى لمختلف أغراض القلي والطبخ.
2- الصحاف والصواني التي يقدم بها الطعام للآكلين وتتمشى بأحجامها مع أحجام سابقتها حيث يقدم لكل "خبرة" فرقة الطعام الذي يكفيهم من هذه القدور الملأى بالطعام ولا يهتمون كثيراً باللحوم إلا ما تيسر من صيد البر أثناء المسير من الظباء والمها والأرانب وغيرها وإذا تعذر وجود اللحم فإنهم يستغنون عنه بالسمن يأتدمون به وأحياناً يأتدمون باللبن أو المرق دون الحاجة إلى اللحم، فإذا حصل لهم السمن أغناهم عما سواه من اللحوم وغيرها.
3- المغارف وهي ما يغرف به الطعام من القدور وغالباً ما تكون مصنوعة من الخشب أو من المعدن ولها أحجام مختلفة حسب الحاجة إليها.
4- الكراسي أو "المراكيب" وهي التي تؤثف عليها القدور في حالة عدم وجود الحجارة الوافية بالغرض أما إذا وجدت الحجارة فهي أفضل للقدور كأثافي، الكراسي مصنوعة من قضبان الحديد الفولاذ حتى لا تتأثر بحرارة النار مع طول الاستعمال.
5- عدد من أواني الشرب "الطياس" واحدها طاس أو طاسة وتستخدم هذه لمختلف الأغراض عند الطبخ، إلى غير ذلك من الأدوات الضرورية لطبخ الطعام وتقديمه وتقديم الماء واللبن وغيره.

سابعاً: متطلبات الرحلة من الرجال

1- حجم القافلة:
تختلف متطلبات القافلة من الرجال تبعاً لكبر القافلة وصغرها فإذا كانت القافلة كبيرة احتاجت إلى أعداد كثيرة من الرجال من الحراس ورجال الخدمات للتحميل والتنزيل وإذا كانت القافلة تجارية يغلب عليها الأحمال، أما إذا كانت القافلة من تجار الإبل والخيول فإن الخدمات فيها تنصب على الرعيان ومن يقومون بعملية السقي فقافلة تتكون 500-700خيمة أو شراع يتكون حرس القافلة من 400-600رجل وعدد مماثل من الرجال للخدمات وقافلة تتكون من 300-400خيمة تحتاج من الحرس إلى عدد يتراوح ما بين 200-400 رجل وعدد مماثل للخدمات وكلما ارتفع عدد الخيام في القافلة احتاجت إلى حراس أكثر ويقل هذا العدد طردياً كلما انخفض عدد الخيام، أما بالنسبة للقوافل التي بضاعتها الإبل والخيول فإنها تقسم إلى رعايا فقافلة تتكون من 200-300رعية وتتكون الرعية حسب التقسيم من 81-91رأساً من الإبل منها 80أو 90رأس من الإبل العادية والعدد الفردي تكون "القعدة" وهي مطية الراعي ففي مثل هذه القافلة تحتاج من الرعيان و"الملاحيق" و"الخوياء" أو الحرس إلى عدد يتراوح ما بين 400-600رجل وكلما زادت عدد رعايا القافلة من الإبل ارتفع عدد الرجال الذين تحتاجهم غير أن الخيول تحتاج إلى رجال أكثر وذلك لحاجتها إلى الماء وتتراوح رعايا الخيل من 100-200فرس فإنها تحتاج إلى ضعف عدد الرجال والإبل التي تحمل الماء للخيل في "المحالات" أي الرحلات المتواصلة ويحمل الماء للخيل في الروايا على ظهور الإبل، مع مراعاة أن سير القوافل التي معها خيول يكون بطيئاً نظراً لقصر المسافة التي تقطعها الخيل يومياً ولحاجتها إلى الماء ولذلك فإن التجار ينتظرون هبوب الرياح الموسمية في البحار الهندية وفي هذا الوقت يقوم تجار الخيل ورعاتها بدفعها عبر المسارات الشمالة ويقطعون بها سبع عشرة مرحلة حتى يصلوا بها إلى الكويت، ويسوقون معهم في رحلتهم إبلاً تحمل لهم ولخيولهم مياه الشرب التي يحتاجونها للخيل من الموارد التي يمرون عليها، وبذلك يتضح أن القوافل التي تكون تجارتها الخيول هي أصعب من التي معها الإبل نظراً لأن الإبل تتحمل الظمأ والسير لمسافات طويلة دون الحاجة إلى الماء من الخيل، كذلك تختلف القافلة التي تحمل البضائع عن القوافل التي تحمل الحجاج الذين تتراوح قوافلهم ما بين 2000 – 3000 فرد وقد تزيد عن ذلك فمثل هذه القافلة الكبيرة تحتاج إلى حوالي نصف هذا العدد من رجال الخدمات الذين يعملون في التحميل والتنزيل والسقيا على الموارد، فإذا تصورنا أن مع هذه القافلة حوالي ثلاثة آلاف بعير فما هو المورد الذي يكفيهم من الماء إلا أن يكون ذلك على مراحل وتستمر عملية السقي بالليل والنهار على مدار الساعة بحيث تروي إبل القافلة ويأخذ الرجال ما يحتاجون من الماء في قربهم ورواياهم كما أن هذه القوافل الكبيرة تحتاج إلى العديد من الحراس، أما القوافل التجارية فإن الجند المرافقين للقافلة يتناسب طردياً مع مقدار الأمتعة التي ينقلونها وتبعاً لقيمتها حيث تتحمل هذه القيمة تكاليف الحراس ومصاريفهم وغالباً ما يكون لحمل كل بعير من القماش رجل مسلح واحد يحرسه أما إذا كان المتاع المحمول من السكر أو البن وما إلى ذلك من السلع الأدنى سعراً فيقوم كل عقيلي بحراسة بعيرين ولا يقل عدد الحراس المصاحبين لقوافل التجارة عن مئة حارس بالإضافة إلى شيوخهم يضاف إلى ذلك عدد كبير من الرجال يعرفون بالجمالة مهمتهم العناية بالإبل وتتراوح أعداد الإبل في قوافل السلع ما بين 1200-5000بعير وغالباً ما يكون ثلث هذا العدد محملاً بالسلع وثلثه الآخر لركوب التجار والمسافرين والثلث الأخير للأحمال مما يخص رجال القافلة من خيم وأواني وأطعمة وغيرها.
2- شيخ أو أمير القافلة:
لقوافل العقيلات من الترتيب والتنظيم ما يكفل لها النجاح وبلوغ الهدف المنشود، فحين يتم تحديد موعد الرحلة يقوم رجال العقيلات البارزين في الرحلة بانتخاب أو اختيار شيخ أو أمير القافلة الذي تسير القافلة بإمرته ويطيع الجميع أوامر هذا الشيخ وينقادون لها منصاعين دون توان أو اعتراض إلا إذا طلب منهم المشورة في أمر من الأمور وإلا فإنهم يظهرون له كل احترام ولديه صلاحيات واسعة على هذه الرحلة ورجالها أثناء هذا المشوار وهو يتحمل ما يترتب على تصرفه من تبعات وعادة لا يكون أمير الرحلة أو شيخها إلا من الرجال المجربين الذين يتمتعون بالرزانة والحكمة والحنكة والأخلاق الحسنة والحزم والروية والشجاعة وغير ذلك من الخصال التي تؤهلهم للقيادة، أما التجار الأجانب فإنهم يزورون شيخ القافلة ويتحفونه بهدايا صغيرة من قماش أو غيره ثم يتفقون معه على تكاليف النقل والمبلغ الذي يدفعونه عن حمل كل بعير من السلع والمبالغ التي يدفعونها عن ترحيل أشخاصهم وخدمهم والمرافقين معهم ومن ثم يقوم الشيخ ومجلسه بتقدير المصاريف اللازمة للرحلة والأعداد المطلوبة من الجمال والحرس والمرافقين وتقدير أجورهم ورسوم المرور وتكاليف الهدايا التي تدفع لشيوخ القبائل التي يعبرون أراضيها أو يمرون عند حدودها، وبمعنى أخر يعدون ميزانية الرحلة من كل شيء وقد قدرت "الخاوة" أو ضريبة الصحراء في إحدى القوافل بين بغداد وحلب عام 1187هـ 1774م بخمسة قروش عن حمل كل بعير وقد أداها التجار إلى الشيخ المسئول عن القافلة الذي أداها بدوره إلى شيوخ القبائل كل حسب حصته بمقدار حقه من الأرض التي تمر بها القافلة ويكون صندوق الرحلة تحت إشراف أمير القافلة المباشر يجمع فيه مصاريف الرحلة حيث يأخذ الأمير من كل تاجر من تجار العقيلات مبلغاً من المال على كل رأس من الإبل أو الخيل وتجمع هذه المبالغ في صندوق يسمى "الدَّبَّةْ" يصرف منه الأمير أجور حراس القافلة و"خاوات" القبائل والهدايا التي يقدمها لرؤساء القبائل وأجور الأدلاء وأجور الرفق الذين يرافقون القافلة من القبائل التي يعبرون أراضيها أو يمرون بالقرب من حدودها بحيث يعطى هذا الرفيق ما يرضيه من الملابس بالقدر المعقول بالإضافة إلى "الخاوة" التي تدفع لشيخ القبيلة والهدايا التي تهدى إليه من كل قافلة من هذه القوافل التي تمر بأرضه، وكذلك يصرف من الصندوق آنف الذكر الرسوم المترتبة على الإبل في تعديتها على الجسور من فوق الأنهار وأجور نقلها على المعديات عبر قناة السويس بعد حفرها، وقد قدر العثمانيون رسوماً جمركية معلومة حيث يأخذون من مواطني الإمبراطورية العثمانية رسوماً جمركية قدرها 8% وعلى الأجانب بنسبة أقل من ذلك حيث لا تتجاوز 3%وتحسب الرسوم على الصادر والوارد من البضائع جميعها، ومعلوم أن الأقطار العربية كانت منذ القرن العاشر الهجري حتى صدر القرن الرابع عشر الهجري ترزح تحت كابوس الحكم العثماني قبل أن يجثم على صدرها المستعمر الغربي من إنجليز وفرنسيين، هكذا نرى أمير أو شيخ القافلة يقوم بمهمات ليست سهلة من إدارة شئون القافلة والاهتمام بالحراسة والتعامل مع شيوخ القبائل لكسب ودهم والتفاهم مع أصحاب الموارد التي تمر بها القافلة وتنسيق ورود قافلته على الماء وتقديم الهدايا لأصحاب الماء وترتيب أمر الورود فيما لو وجد على الماء قوافل لعقيلات آخرين وما إذا كان الماء كافياً لهؤلاء وأولئك أو يجب أن يتعدوه إلى مورد آخر أوفر منه ماء وغير ذلك من المهام التي توكل إليه كل هذا يقوم أمير أو شيخ القافلة دون أي مقابل إلا لمجرد أنه أمير أو شيخ القافلة فيكتفي بالسمعة فقط.
3- الرجال المسلحون:
يتناسب عدد الرجال المسلحين مع حجم القافلة كما سبق إيضاح ذلك في مكان آخر فكلما كانت القافلة كبيرة احتاجت إلى عدد أكبر من الرجال المسلحين وكلما كانت القافلة ستمر في مناطق خطرة احتاجت لعدد أوفر من الرجال المسلحين، كذلك يعتمد على نوع البضائع إن كانت القافلة بها سلع ثمينة تكون عرضة لأطماع الطامعين فتكون حاجتها إلى حراسة مشددة أكثر أما في الأمور العادية فإن الأمر يكون أهون بحيث يخصص لكل بعيرين رجل واحد يحرسه، وهؤلاء العقيلات الذين يتخذون حرساً للقوافل غالباً ما يكونون من الشباب والكهول الخفيفين الشجعان الذين لهم معرفة بالتردد مع تلك الطرق ويعرفون عادات وتقاليد ونفسيات تلك القبائل التي سيمرون بأرضها وطبائع أفرادها، ويتم الاتفاق معهم في كل رحلة على أجر معين بحيث يكون هذا الأجر خارجاً عن المصاريف أثناء الطريق من الأكل والشرب ويتم الاتفاق على الأجر إما ذهاباً وعودة أو ذهاباً فقط وتتراوح الأجور بالنقود الفضية كالريال "الفرنسي" أو إحدى العملات الأخرى المذكورة في مكان آخر من هذا الكتاب فقد بلغت الأجرة من القصيم إلى عمان للفرد 15ريالاً "فرنسياً" وبلغت أجرة الرجل من حائل إلى عمان 12ريالاً "فرنسياً" كما أن الأجرة إذا كانت بالشهر تتراوح ما بين 5-8ريالات والرحلة قد تبلغ أكثر من شهر وقد يكون هذا العقيلي مع رفيقه العقيلي الآخر مدة طويلة بأجر أفضل من ذلك إذا عرفه عن كثب وعرف أخلاقه وهكذا تزيد الأجرة أو تنقص حسب وجود العرض والطلب وكفاءة الشخص ونوعية الحملة أما القوافل التي تكون البضاعة فيها الإبل أو الخيل فإنها بحاجة إلى رجال الخدمات أكثر من حاجتها إلى رجال الحراسة المسلحة ذلك أن الإبل أخف حركة من قافلة الأحمال وبذلك تقطع المسافة لو سيقت بوقت أسرع كما أن الخيل تحتاج إلى خدمات أكثر خاصة فيما يتعلق بسيرها وحذوها وتعهدها بالماء والعليق وهؤلاء الرجال المسلحون يؤمن لهم السلاح من قبل التجار الكبار أو أصحاب القوافل الكبيرة من كبار الناقلين أما أصحاب القوافل المتوسطة والصغيرة فغالباً ما يؤمن العقيلي سلاحه بنفسه غير أن صاحب القافلة يؤمن لهم الذخيرة أو يعطيهم مبالغ معينة ليشتري كل واحد منهم ذخيرة بندقيته خاصة عندما تعددت أنواع البنادق في الفترة الأخيرة ويتكون سلاح العقيلي من مصاحبي القوافل من السيف والرمح والنبال في أول عهدهم وبعد استخدام السلاح الناري أصبح العقيلي أول من يقتني هذا السلاح، ويتكون السلاح الناري من المسدس أو البندقية الصغيرة والبندقية الكبيرة ذات الفتيل بالإضافة إلى السلاح الأبيض وهو الخنجر أو السكين التي لا تفارق حزام بطنه، والذخيرة للبندقية ذات الفتيل هو ملح البارود وكريات القصدير وفتائل الإشعال وزناد القدح وخرق إشعال النار وقطعة من حجر الصوان وكل رجل مسلح يحوي حزامه على هذه العناصر ويجهزها ويستعملها في أسرع وقت ممكن، هذه الذخيرة كانت لذات الفتيل والبندقية التي جاءت بعدها وهي مطورة منها تسمى "القبسون" أو "المقمع" فضلاً انظر فقرة الأسلحة أما عندما تطورت البندقية إلى ذات الذخيرة المستقلة مثل "السليمي" وذات الأصبع و "الريفل" ثم "العصملي" ثم "الشرفا" فقد تغيرت الذخيرة وأصبحت على هيئة أصابع تسمى "فشق" أو "جبخان" أو "قفوش" وأصبح الرجل المسلح يتمنطق بحزام مرصوص بقذائف من ذخيرة الأسلحة التي تم الكلام عنها في مكان آخر من هذا الكتاب وبواسطة العقيلات المسلحين زاد انتشارها وتداولها بأيدي الناس في الجزيرة العربية.
4- الأدلاء والمعرفون:
من العناصر المهمة في رجال القافلة الأدلاء الذين يعرفون مسالك الطريق خاصة في الصحراء التي لا يوجد بها معالم واضحة أو في رمال النفود التي تنعدم فيها الأعلام والجبال خاصة في السرى ليلاً وبالأخص في الليالي التي تكون فيها السماء ملبدة بالغيوم أو يكون هناك قتام وغبار على الجو يحجب رؤية النجوم التي يستدل بها سراة القوافل تحت جنح الظلام، في هذه الأحوال الجوية تقع على عاتق الدليل مسئولية القافلة بكاملها بأن يهديها ويدلها إلى الطريق الصحيح ويوصلها إلى موارد المياه أو أن يضيعها ويؤدي بها إلى المهلكة وقد تحدث أوضاع غير الطروف الطبيعية المشار إليها بأن يكون هناك خطر على هذا الطريق المعروف من غزو قد كمنوا للقافلة من غير رجال القبيلة التي يمرون بأرضها، فيضطر أمير القافلة إلى تغيير مسارها إلى طريق آخر ليتجنب هذا الخطر، وهنا تأتي أهمية الدليل حيث يكون لديه مجموعة من الخيارات لسلوك أكثر من طريق يوصل القافلة إلى الطريق الآمن دون أن يعرضها كذلك الخطر الكامن لها أو أن تكون لدى أمير القافلة خطة بتجنب مراكز تحصيل الرسوم فيضرب طريقاً مغايراً للطريق المعروف ليتحاشى دفع الرسوم وهنا يبرز دور الدليل، فالدليل مهم جداً للقافلة وعليه اعتماد كبير، ومع أن العقيلات بكثرة ترددهم مع الطريق قد عرفوه شبراً شبراً لكن قد تكون قوافل جديدة أو أمراؤها وشيوخها يضربون هذا الطريق أو ذاك لأول مرة بالإضافة إلى الظروف المشار إليها آنفاً ويمتاز العقيلات بدقة الحدس وصواب الرؤية ومعرفة الأرض بأعلامها من الجبال والهضاب والقارات والحزون والحزوم والأدوية أو معالمها الفارقة التي توضع على الطريق والأشجار وغير ذلك، ليس هذا فحسب بل إنهم يعرفون وجهة السير ليلاً ونهاراً، ففي النهار يسترشدون بالشمس أما في الليل فيستدلون بالنجوم والكواكب وفي مقدمة هذه النجوم النجم القطبي أو "الجدي" وبنات نعش أو ما يسمى بالنجم الشمالي بالإضافة إلى النجوم الأخرى كالثريا والجوزاء والشعرى وسهيل في الشتاء أما في الصيف فيستدلون بالإضافة إلى الجدي بالسماكين وخاصة السماك الرامح أو الرقيب والنسرين والعقرب وقلبها النير وغير ذلك من النجوم التي يستدلون بها وفوق ذلك بعض الأدلاء يعرف حتى تراب الأرض التي يمرون بها باللمس والرائحة وقد اشتهر عدد منهم في هذا المجال وبمجرد أن يأخذ قبضة يده من تراب الأرض ويفركه بكفه ثم يشم رائحته يقول نحن في الأرض الفلانية أو يستدل عليها بالنبت والشجيرات التي تنبتها تلك الأرض وهكذا نرى أهمية الدليل في القافلة فهو بمثابة البوصلة لبحار السفينة وتحتاج كل قافلة إلى دليل واحد وربما أكثر من واحد ويعطى الدليل من الأجر ما يرضيه ويجعله يستمر مع هذه القافلة أو تلك.
الفئة الثانية من هذه العناصر هم فئة المعرفين وهم رجال لهم مكانتهم في قبائلهم إما أن يكونوا ممن لهم علاقة بشيخ القبيلة أو من يرشحهم شيخ القبيلة أو من يثبتون لشيخ القبيلة فعاليتهم وحذقهم وإثبات جدارتهم وبالطبع شيخ القبيلة مستفيد من وجود أحد أفراد قبيلته مع هذه القافلة أو تلك لأن هذا الفرد يجلب للشيخ المزيد من الهدايا بالإضافة إلى "الإتاوة" التي يحصل عليها الشيخ ولهذا فإن وجود المعرفين من القبائل في قوافل العقيلات له مردود مادي ومعنوي لكلا الجانبين، فالمعرف نفسه مستفيد مادياً بالأجرة التي يقبضها ويعطى جزءاً منها شيخ القبيلة ومعنوياً بمكانته بين أفراد القافلة والقبيلة مستفيدة مادياً بما يصل إلى شيخها من هدايا وأموال ومعنوياً بشعور من يعبرون أراضيها أنهم في كيان تلك القبيلة وتحت مظلة شيخها ومعرفة أحد أفرادها أما العقيلات فهم أيضاً مستفيدون مادياً بضمان مرور بضائعهم وممتلكاتهم وأرواحهم بأمان وسلام ومعنوياً بأنهم على علاقة طيبة مع مجموعة من شيوخ هذه القبائل التي يمرون بأراضيها عشرات المرات في السنة وتكون علاقتهم مع بعضهم حميمة وهو يعتبرون أن ما يدفعونه من أموال لهذه القبائل سواء كان ذلك لشيوخها أو معرفيها هي مبالغ ضئيلة تحتسب من ضمن المصاريف وتحمل على تلك البضائع ثم تضاف بعدها الأرباح الصافية، وعند دخوله أراضي القبيلة يرفع المعرف أو الرفيق من هذه القبيلة علماً معيناً إو إشارة معينة تخص هذه القبيلة ويعرفها أفرادها وعندئذ لا أحد يعترض هذه القافلة، وإن اقترب من هذه القافلة أحد فإن هذا المعرف أو الرفيق ينادي بأعلى صوته أن هذه القافلة تحت معرفة فلان الفلاني ومن ثم يكف من أقدم على هذه القافلة ويتراجع، ونادراً ما تتعرض قوافل العقيلات للسطو بسبب وجود هؤلاء "الرفق" أو المعرفين من أبرز القبائل التي تنزل في تلك الصحاري أو على أطرافها كما أنهم يحتفون بشيوخ القبائل ويقدمون لهم الهدايا كما تقدم، ويتخذ الرفقاء من كل قبائل شمر وعنزة والشرارات والحويطات وبني عطية وبني صخر والظفير ومطير وغيرهم من القبائل وتحتاج كل قافلة إلى معرف واحد من كل قبيلة، فإذا تصورنا عدد هذه القوافل التي تجوب تلك الصحاري ذاهبة وآيبة على مدار السنة أدركنا مدى الحيوية والتفاعل والمصلحة المشتركة التي تجري على أرضية هذه المنطقة الحيوية.
5- رجال الخدمات الأخرى:
لا غنى للقافلة عن رجال الخدمات الذين تدور على خدماتهم أعمال القافلة، ولذلك فالعقيلات يولون هذا الجانب اهتماماً خاصاً لما له من أهمية لأنهم عصب القافلة الذي يشد هيكلها والقوة الفعالة التي تبعث فيها الحيوية والحركة وبدونهم فلن تبرح القافلة مكانها فهم الذين يشدون أحمال البضائع على الإبل وينزلونها عنها وهم الذين يتولون سياق الإبل ورعيها كما يتولون أداء الخدمات لرجال القافلة من نصب الخيام وتقويضها عند الرحيل وتحميلها وإعداد القهوة والشاي وإعداد الطعام وغير ذلك من الخدمات ولهذا نجد فئاتهم تنقسم إلى ما يلي:
1- الرعيان: واحدهم راعي وهم الذين يتولون رعي الإبل والاهتمام بها وإيرادها على الموارد وعزل كل رعية لوحدها كما يتولون رعي الغنم والعناية بقطعانها وريها.
2- "الملاحيق" واحدهم "ملحاق" وهم الذين يساعدون الرعاة في تجميع الإبل وإلحاق المتخلف منها بالمتقدم ويكون مكانهم في الغالب في مؤخرة الرعايا وعلى جوانبها لإلحاق المتخلف وإعادة الناد منها والراعي يكون في مقدمتها.
3- "القلوط" أو السبور وهم بمثابة رجال الاستطلاع يرسلهم أمير القافلة أمام القافلة قبل انطلاقها ليستطلعوا ويسبروا الطريق ويكتشفون ما إذا كان هناك مخاطر في الطريق أو أي معلومات عن الطريق المراد سلوكه أو المورد المقصود وروده ثم يعودون ليخبروا الأمير بما رأوه أو سمعوه قبل انطلاق القافلة.
4- الجمالين واحدهم جمال وهم الذين يتولون تحميل الإبل عند انطلاقها وإنزال الأحمال عنها عند بروكها للراحة أو الإقامة والعناية بالإبل وأدوات الحمل من أشدة وحدائج ومسامات وهوادج ومحامل وأوثار وتفقد هذه الأدوات وما إذا كانت هذه الأدوات وحبالها جيدة وإصلاحها وصيانتها وعلاج آثارها في الإبل وغير ذلك مما يتعلق بعملية التحميل والتنزيل ونصب الخيام وتقويضها ولفها ثم تحميلها.
5- الرواة، واحدهم راوي وهم الذين يتولون نقل الماء لأفراد القافلة وخاصة القوافل التي تجارتها الخيل فإن الرواة يمثلون الثقل في عدد رجال القافلة، أما في القوافل العادية فهم الذين يقومون بمتح الماء من الآبار وسقي الإبل وتأمين القافلة بالماء في الروايا.
6- أصحاب القهوة "القهوجي" وهم الذين يتولون صنع القهوة وإدارتها وأحياناً يكون من كل فرقة أو مجموعة فرق واحد منهم يصنع لهم القهوة ويديرها عليهم.
7- الطباخون وهم الذين يقومون بإعداد الطعام لرجال القافلة أو لأكبر عدد منهم ويسمى الطباخون وأصحاب القهوة رجال "الثاية" وعند الطباخين أوعية الطعام ومصروف القافلة ورئيسهم مسئول عن ذلك.
8- إمام وخطيب القافلة ومهمته الأذان وأداء الصلوات برجال القافلة وتبصيرهم في أمور دينهم كما يقع عليه العبء الأكبر في تقريب وجهات النظر بين الطرفين المختلفين في البيع والشراء في حالة اختلافهم ومدى شرعية البيع من عدمه كما يقوم بتدوين المبايعات والعقود والرسائل التي يكتبها أمير القافلة إن كان هذا لا يجيد القراءة والكتابة.
9- الرسل أو المندوبون ويسمون "المناجيب" أو "المناديب" وهم الذين يكلفهم أمير القافلة إلى من أمامه من شيوخ القبائل أو المشرفين على موارد المياه، وذلك لتنسيق ورود القافلة في اليوم المحدد أو لإيصال رسائله إلى شيوخ القبائل فيما لو حصل أي إشكال مع أفراد من هذه القبيلة أو سوء تفاهم حول موضوع معين.
10- الحدادين ويرافق الحدادون القافلة التي معها خيل بصفة خاصة ويكون حداد واحد أو أكثر حسب حجم القافلة وذلك لحذاء الخيل عندما تمر بأرض خشنة ويصيبها الحفى أو ملاحظة حذاء الخيل كلما نسعت وتآكلت استبدلها ومن الملاحظ بصفة عامة أنه ليس هناك اختصاص من هذه الاختصاصات لا يقوم صاحبه إلا بما وكل إليه فبإمكان أي عقيلي أن يقوم بأي عمل يوكل إليه وتطلب منه عمله ليس بأمير القافلة فحسب بل انطلاقاً من روح التعاون والتكاتف والتفاني للوصول إلى الهدف المنشود.




ثامناً: الطرق:

1- الطرق التي يسلكونها صيفاً:
تختلف الطرق التي يسلكها العقيلات خاصة والمسافرين عامة حسب الوقت الذي تسير فيه القافلة ففي فصل الصيف تحتاج القوافل إلى الماء الكثير سواء بالنسبة للمسافرين أو الإبل والخيل ولذلك تجدهم يتابعون الموارد حتى لو طال عليهم الطريق بخلاف الشتاء الذي لا تحتاج الإبل فيه إلى الماء مدة طويلة ولذلك فهم يختصرون الطريق والموارد اختصاراً واضحاً فيسلكون طريقاً قصداً كما يلاحظ أنه في حالة تباعد الموارد يسيرون بما يسمى "محال" والمحال هو السير آخر النهار والليل بطوله وصدر النهار الثاني بدون توقف أي يسيرون البرادين والليل كاملاً وبمعنى آخر أنهم يسيرون حوالي 18عشرة ساعة متواصلة في اليوم والليلة يسيرون على هذا المنوال ما بين يومين وأربعة أو خمسة أيام على هذا المعدل حتى يقطعوا تلك المسافات الشاسعة ويصلوا إلى المورد الثاني أي أنهم يسيرون 32 أو 54 أو 72 أو 90ساعة سيراً حثيثاً حتى يصلوا إلى المورد الثاني وكان بعض العقيلات الذين يضربون طريق النفود يدفنون قرب الماء صيفاً في رمال النفود وتبقى تلك القرب محتفظة بالماء داخلها مدة طويلة إن كانت جيدة الجلد صلبة وذلك عندما يكونون مضطرين إلى قطع مسافات عبر النفود في وقت الصيف لأي طارئ يطرأ عليهم ويضعون لهذه القرب إشارة يعرفونها هم وحدهم وذلك تحسباً لما قد يحدث لهم من ظروف عدم توفر الموارد، خشية أن يهلكوا من العطش، وتستمر هذه الرحلات لمتابعة الموارد الواحد بعد الآخر وهكذا دواليك ولو نظرنا إلى الطريق الصيفي من حائل إلى عمان بالأردن التي كانت تسمى "الغربية" لكان هناك عدة طرق تنطلق من حائل متجهة إلى الغرب ثم إلى الشمال الغربي حسب ما أفادني به الرواة وهي كما يلي:
أولاً: طريق حائل إلى عمان صيفاً:
1- حائل - قصر العشروات – موقق – الحيزا – فرحة - مشاش هاضل – مغيرا – باير – الثميد - عمان.
2- حائل - قصر العشروات – موقق – الخبة - العويد - فرحة – المشاش – العفية –الهوج – مليح - أبو ثنية (محال) بسيطاء – عرفجا -وادي السرحان – الثميد - عمان.
3- حائل - قصر العشروات – موقق – الفيضة – ثليثوة – حزابا – عرنان – الحيزا –المشاش – مغيرا – باير – الثميد - أم كور – عرفجا - وادي السرحان – النباج – المعاصر – قراقر – الهزيم – القريات – النبك - العمري - عمان.
4- حائل - قصر العشروات – موقق – العسافية - أم كور – عرفجا - وادي السرحان – النباج – المعاصر - قراقر – الهزيم – القريات – النبك – العمري - عمان.
5- حائل - قصر العشروات – موقق – حبران – المسيجيد – هدانيا – الحيزا – فرحة –مغيرا – النبك – القريات – العمري - عمان.
6- حائل - قصر العشروات – موقق – الرمادة – العويد (يقع شمال جبل المسمى وغرب جبل حبران) فرحة (بالنفود) – العافية – ميقوع - موارد وادي السرحان وهي صبيحا –شفار – الجراوي – عرفجا - النبك (أبو قصر) شيبة – الرديفة – النباج – المحيضر –الحصاة – الرديفة – جماجم – الناصفة – قراقر - أبو نخلة (القريات) النبك – العمري - عمان.
ثانياً: طريق حائل إلى النجف بالعراق صيفاً على النحو التالي:
1- حائل – التيم – الحيانية – لوقة – الشبكة – العيون - النجف.
2- حائل – التيم – الأطواء – الحيانية – الصليب – الحزل – الليفة – الشبكة - النجف (وكل هذه الموارد محال على الربع) وقد يمر البعض على موارد – البريت - واللصف.
3- حائل – الشعيبات – الخاصرة – خضراء – لينة – السلمان - النجف (السلمان في الأراضي العراقية وفيه مركز لتسجيل القادمين، والمغادرين للعراق" وهناك من سالكي هذا الطريق من يمر على مورد - اللعاعة ما بين مورد السلمان والصفاوي ومورد الأجلال الذي يمتاز بعذوبة مائه وعمقه "40بوعاً" 80متراً وكذلك مورد الشبرم الذي يقع إلى الشرق عن طريق زبيدة وأقرب موقع لهن من الشمال الغربي واقصة.
ثالثاً: طريق حائل الكويت:
1- حائل – الخاصرة – بقعاء – تربة – البدع – خضراء – لينة – الحيانية – السلمان -حفر الباطن – الرقعي - العيون.
2- حائل – تربة - حفر الباطن - الرقعي - الكويت وهذا الطريق محال.
رابعاً: طريق بريدة عمان:
1- بريدة – القرعاء – الأجفر – زرود - بدع خضراء – الحيانية – عذفاء – سكاكه -المرير (بوادي السرحان) - ريق البنات - العين البيضاء (بأعلى وادي السرحان) العمى (محال) وهو داخل الأراضي الأردنية ومن الجدير بالذكر أن مورد الشويحطية بضواحي سكاكه يعتبر ملتقى الإبل والقوافل الواردة من القصيم أو العراق أو حائل وأحياناً يكون اللقاء على مورد (صوير) الواقع إلى الشرق عن سكاكه أو مورد قرقر إلى الغرب عن الجوف.
2- بريدة – قصيباء – زرود - الحجرة – الحيانية – عذفاء – الجوف – قارا - وادي السرحان - بموارده المتعددة المذكورة آنفاً ثم القريات – النبك - العمري.
الطريق من القصيم إلى الكويت:
1- بريدة – الزلفي – جراب – الإرطاوية - أم الجماجم - حفر الباطن - الجهراء.
وطريق الزلفي يسلك نفس الموارد – جراب – الإرطاوية - أم الجماجم - حفر الباطن -الجهراء.
وطريق المجمعة – الإرطاوية - أم الجماجم - حفر الباطن - الجهراء.
وطريق الرياض إلى الأحساء - الرياض حفر العتك - الأحساء.
2-الطرق التي يسلكونها شتاء:
تعتبر الطرق التي يسلكها العقيلات شتاء أقصر مسافة حيث يتبعون الطريق القصير أي قصداً أو رأساً من نقطة الانطلاق حتى الغاية المقصودة دون التقيد بالمرور على الموارد التي يمرون عليها في رحلات الصيف وأول الخريف بحيث لا يمرون إلى على الموارد التي في طريقهم لأخذ مياه الشرب فقط وذلك لاستغناء الإبل عن الماء فترة طويلة فضلاً عن أن فصل الشتاء والربيع موسم نزول الأمطار وحتى مياه الشرب يمكن أن يستغنوا عن مياه الآبار والموارد بمياه الأمطار المتوفرة في المصانع والمصامد والغدران والخبارى التي تبقى بعد نزول المطر فضلاً عن أن مسار الرحلة في هذين الفصلين من السنة تتسم بميزات أخرى منها استمتاع الإبل بالرعي بما تضرب عليه في طريقها من المراعي الجيدة فمثل هذه الرحلات يغلب عليها طابع رحلة الرعي أكثر منها رحلة جادة كما في الصيف خاصة إذا كانت البضاعة المجلوبة من الجزيرة العربية من الإبل أو الخيل أو كانت الأحمال من البضائع التي لا خشية عليها فيما لو أصابها المطر فإن مثل هذه القوافل يسير أصحابها حتى إذا وجدوا المرعى الجيد مكثوا فيه بضعة أيام حتى ترعى الإبل ويزداد سمنها سمناً أو تعوض ما نقص من سمنها أثناء رحلتها، أما إذا كانت البضائع المحملة مما يتأثر بالمطر كأن تكون من السكر أو الأقمشة وما شابه ذلك فإن أمير القافلة يحاول تحاشي مواسم الأمطار والوصول ببضائعه في أسرع وقت ممكن كما أن الرحلات الشتوية يمكن أن تسلك المناطق الرملية حيث أن رمال النفود إذا مطرت أصبحت صلبة تسير عليها الإبل والخيل وكأنها أرض صلبة عادية دون أن تغوص فيها أخفافها أو حوافرها وبذلك يسهل سلوك الطرق الرملية التي يستحيل سلوكها في فصل الصيف والخريف وبذلك تصبح الرحلات أكثر سهولة وأسرع في المسار خلال رمال النفود الكبير ورمال الدهناء ونفود السر ونفود الثويرات وغيرها من الأنفاد المترامية في أنحاء الجزيرة العربية في شمالها وشرقها ووسطها كما أن موضوع الماء ومتابعة الموارد وما يحصل عليها من ازدحامات كل هذه الأمور تسقط من حسابات العقيلات في رحلاتهم الشتوية والربيعية وبذلك يقطعون مسافات شاسعة في نصف المدة التي كانوا يمضونها في فصل الصيف، ونتيجة لذلك تتوفر السلع المستوردة في هذين الفصلين نظراً لكثرة ما يستورد منها للأسباب آنفة الذكر ولذلك نلحظ أن الخطوط الطويلة من الأحساء إلى حلب عن طريق شمال شبه الجزيرة العربية أكثر وقت تسلكها فيه القوافل في فصلي الشتاء والربيع كما نجد أن الرحلات من شقراء والمجمعة والزلفي وبريدة إلى مصر عن طريق حائل تنشط في هذين الفصلين ولو ألقينا نظرة على هذه الطرق لوجدناها كالآتي:
أولاً: طريق حائل الشام:
1- حائل – جبة – رقيعان – حنا – طريف – الزرقاء – الرصيفة - عمان.
2- حائل – قنا – الشقيق - دومة الجندل – العسافية – القريات – سحاب – الجاكورة – عمان - وادي السرب - شونة ابن عدوان – أريحا - الشطبة.
3- حائل – قنا – جبة - خباري المصطبغة – ميقوع – النبك – القريات – الحديثة –العمري - عمان.
ثانياً: طريق حائل العراق:
1- حائل – الأطواء – الحيانية – الليفية – الشبكة - النجف.
2- حائل - التيم – الحيانية – لوقة - العيون - المشهد.
ثالثاً: طريق حائل الكويت:
1- حائل – الخاصرة – بقعاء – تربة – البدع – لينة – الحيانية - حفر الباطن – الرقعي – العيون - الكويت.
2- حائل – تربة - حفر الباطن – الرقعي - الكويت.
رابعاً: طريق القصيم إلى فلسطين ومصر:
1- قصيبا – الكهفة – سميراء - قصر العشروات – الطويلة – الرمادي – الحيوي - بقرا لطيف – العلا – المويلح - حفر معان – الغور - وادي الأردن – فلسطين - أو يتجه من المويلح إلى طابا – قطيا – العريش - بئر العبد – الدويدار - القنطرة الشرقية.
خامساً: طريق القصيم عمان:
1- بريدة – الأجفر – الحيانية – عذفاء – الجوف – العيساوية – العمري - عمان.
2- قصيبا – زرود – الحجرة – الحيانية – عذفاء – الجوف – النبك – العمري - عمان.
3- الطرق العكسية من الأقطار العربية:
يسلك العقيلات من الأقطار العربية المجاورة إلى الجزيرة العربية نفس الطرق التي يسلكونها في الذهاب يتابعون الموارد صيفاً ويمرون على ما كان منها ضرورياً شتاء وربيعاً وإن كانوا يعتبرون في رحلة العودة أو ما يسمونه "بالتشريق" أسرع من "التغريب" وإذا صح هذا الاعتبار فإنما ينطبق على تجار الإبل والخيل وذلك لأنهم في طريق العودة أو التشريق لا يوجد معهم إبل أو خيل تعوقهم وتتطلب منهم المسير ببطء ومتابعة الموارد والمناهل وغنما يسيرون بخفة على ركابهم فيقطعون المسافة التي كانوا يقطعونها في رحلة الذهاب بمدة تتراوح من شهرين إلى ثلاثة في مدة لا تتعدى خمسة عشر يوماً إن كان المسير قصداً أما إذا كانت الإبل محملة بالبضائع فإنها تسير بنفس المسافة والوقت اللهم إلا إذا روعي في السير عملية الانحدار التدريجي من الشمال إلى الجنوب ومن الغرب إلى الشرق إضافة إلى العامل النفسي بالاشتياق إلى الأهل مما يجعلهم يشعرون بقرب المسافة وسرعة الوقت كما أن موضوع التسابق بين تجار العقيلات ممن جلبوا معهم بضائع وسلعاً جديدة وذلك لكسب الأولوية في الأسواق المحلية، وأحياناً لا تأتي القوافل رأساً حيث تخرج من مصر وتمر على فلسطين والأردن كل هذه المسببات تعوق القافلة في مسير عودتها فمثلاً:
1- طريق البصرة حائل من البصرة – الزبير – الجهراء - حفر الباطن – البشوك – الزبيرة – زرود – الصدير - حائل.
2- طريق المشهد أو النجف إلى حائل من المشهد – العيون – الشبكة – لوقة – الحيانية -حائل.
3- طريق الكويت حائل: الجهراء - حفر الباطن – البشوك – الزبيرة – زرود – الصدير - حائل.
4- طريق عمان حائل: عمان – العمري – النبك – النباج – عرفجا – العسافية – موقق - حائل.
5- عمان – العمري – الحديثة – النبك – ميقوع – جبة – قنا -حائل.
6-طريق الشام إلى القصيم:
الغوطة – ضمير – المات – الوريان – الحماد - وادي السرحان – الجوف – قارا – مغيرا – عذفا – الثغور – الحيانية – رثة – زرود – قصيبا – بريدة - عنيزة.
7- طريق مصر القصيم:
القاهرة – بلبيس – الاسماعيلية – سينا - وادي الراحة – نويبع – ذهب – طابا – العقبة – المويلح - تبوك – العلا – تيماء - قصر العشروات – الكهفة - قصيبا.
8- طريق عمان إلى القصيم عن طريق العراق:
عمان – الحماد – الرطبة – الجديدة – السماوة – بغداد – النجف – القرعاء – واقصة –زبالة – الشقوق – المرجوم - الثعلبية – النفود – الحجرة – لينة – الطرفية – بريدة - عنيزة.
هذا مجمل الطرق التي حصلت عليها من الرواة في الفقرات السابقة ويحتمل أن أحصل على معلومات إضافية عن هذه الطرق أو تعديل أو تصحيح لمسارات القوافل سواء فيما أوردت أو ما يتوفر لدي من معلومات عن الموارد والمناهل المتجهة من الأحساء شمالاً وغرباً أو من الرياض والعراق المتجهة منها إلى الشمال والشرق والغرب وذلك لعدم توفر الرواة الذين سلكوا نفس الطرق ويعونها تماماً وكل ما أحصل عليه في المستقبل من معلومات سوف أضيفها إن شاء الله في الطبعات القادمة لإتمام الفائدة للقارئ.
4-مدة الرحلة:
تعتمد مدة الرحلة التي يقطعها العقيلات على عدة عوامل منها حجم القافلة كلما كانت القافلة كبيرة كلما كان مسيرها بطيئاً وكلما صغرت كان مسيرها أسرع، والعامل الثاني الطريق التي يسلكونها إن كان طويلاً بسبب متابعة الموارد طالت الرحلة وإن كان قصيراً قصرت تبعاً لذلك ، العامل الثالث نوع الأحمال فإن كانت ثقيلة أو لا يخشى عليها من التلف فإنهم لا يستعجلون بها وإن كانت خفيفة أو يخشى عليها من الخراب مع طول الوقت ، أو تكون البضاعة المجلوبة جديدة ويريد تجار العقيلات الفوز بطرحها في الأسواق بسرعة خشية المنافسة فإنهم يسرعون بها قدر الإمكان ويسلكون أقصر الطرق الموصلة إليها ومن الجدير بالذكر أن حمل البعير المكون من فردتين من البضائع يتراوح ثقله ما بين 260-270رطلاً أو 130-135رطل أي 250كيلاً بأي حال من الأحوال على أن البعير الذي يحمل شخصاً يؤخذ عنه عادة نصف إيجار البعير الذي يحمل السلع، العامل الرابع وقت انطلاق الرحلة فإن كانت في وقت الصيف الذي يخشى معه العطش وقلة المرعى للإبل فإنهم يسرعون في قطع المسافة بقدر استطاعتهم وإن كانت الرحلة في زمن الربيع واعتدال الجو في الخريف فإنهم يسيرون ببطء لتناول الإبل من المرعى ما يزيدها قوة وسمناً، الخامس: الأمان والخوف فإن كانت الطرق التي سيسلكونها آمنة فإنهم يسيرون طبيعياً دون تخوف أو تغيير وجهة السير وإن كانت الطريق مخيفة فإن هاجس الخوف يجعلهم يحثون القافلة ويسلكون طريقاً مغايراً للطريق المعتاد، وقد يتجشمون مناطق وعرة وطرق موحشة مظمئة في سبيل سلامتهم، وغير ذلك من العوامل التي تتحكم في الرحلة، غير أنهم بصفة عامة يغتنمون استثمار الوقت والاستفادة منه بقدر الإمكان فهم تجار يريدون استغلال كل دقيقة من وقتهم للاستفادة منها إذا استثنينا من ذلك تجار الإبل والخيول الذين يحاولون مسايرة بضاعتهم بما لا يضرها والحرص على ما ينفعها من ارتياد المراعي الجيدة في الطريق والمكوث فيها فترة كافية بحيث تسمن الإبل و"تستصنع" الخيل في هذه المراعي ثم ينتقلون بعد ذلك إلى مراعي أخرى حتى يصلوا إلى هدفهم ومواشيهم من الإبل والخيل على أحسن حال وأجمل منظر وتتراوح مدة الرحلات ما بين ثلاثة أشهر إلى شهرين إلى شهر في القوافل الكبيرة والثقيلة الحمل أما تجار الخيل والإبل فقد تصل مدة الرحلة إلى أربعة أشهر أو أقل قليلاً أو أكثر يسيراً وقد تصل مدة الرحلة للقوافل السريعة ما بين شهر إلى عشرين يوماً وربما أقل من خسة عشر يوماً في حالة الخوف أو وقت الحر أو إذا كانت البضائع جديدة ويريدون اغتنام الفرصة في طرحها في الأسواق قبل توريدها من تاجر آخر، وقد حدثني الشاعر محمد بن عبدالله الجريفاني وهو أحد العقيلات المشهورين بمنطقة حائل في الآونة الأخيرة فقال: لقد قطعنا الطريق من البصرة إلى حائل على النحو التالي من البصرة إلى الجهراء يومين مسيراً عادياً ومن الجهراء إلى حفر الباطن ثلاثة أيام (محال) ومن حفر الباطن إلى مورد البشوك يوم وليلتين وصبح اليوم الثاني ومن البشوك إلى الزبيرة يومين ومن الزبيرة إلى زرود يومين ومن زرود إلى الصدير يومين ومن الصدير إلى حائل يومين فتكون مدة الرحلة من البصرة إلى حائل 15يوماً وقال عن الطريق من حائل إلى عمان الطريق الشتوي من حائل إلى جبة ثلاثة أيام ومن جبة إلى الشقيق يومين ومن الشقيق إلى الجوف ثلاثة أيام ومن الجوف إلى النبك أربعة أيام (محال) ومن النبك إلى العمري ثلاثة أيام ومن العمري إلى عمان يوم وليلة فتكون مدة الرحلة ستة عشر يوماً، ومعلوم أنه قد تزيد المدة قليلاً وقد تنقص، هذا مثال للرحلات السريعة أما الرحلات البطيئة فتكون مدتها أطول كما مر بنا آنفاً.
شبكة الطرق:
ارتبطت شبه الجزيرة العربية الأم مع الأقطار العربية الأخرى المجاورة بشبكة طرق حيوية كثيفة منذ القدم، وكان للعقيلات دور مهم في شغل هذه الطرق وإحيائها أثناء فترة تواجدهم على الساحة ولا يدرك أهمية هذا الجانب إلا من عاصره وخبره فإذا علمنا أن هذه الطرق الرئيسة تنطلق من شرق ووسط وشمال شبه الجزيرة العربية متجهة إلى الشمال والشمال الشرقي والشمال الغربي والغرب من نقاط الانطلاق الرئيسة من العقير وعينين "الجبيل" والقطيف وهجر (الأحساء) والرياض وشقراء والمجمعة والزلفي وعنيزة وبريدة وحائل وتيماء والجوف إلى كل من الكويت والزبير والبصرة والسماوة والحلة والعمارة وسوق الشيوخ والنجف وبغداد والموصل وعمان والزرقاء ودمشق وعذراء وحوران والغوطة ودير الزور وحلب وبيروت ورأس العين والقدس وحيفا ويافا وغزة وخان يونس وطولكرم وجنين واللد وبئر السبع ودير البلح ورفح والعريش وبلبيس وأبو كبير والزقازيق وشبين الكوم والمطرية وإمبابة والقاهرة والأبيض وأم درمان وغيرها وبعض هذه الطرق يحاذي الخليج العربي والبعض يشطح عنه فاريا كبد الصحراء يسير على الموارد المتواجدة على أديم هذه الرمال الشاسعة، ولو القينا نظرة عليها لألفيناها تشبه الشرايين المتشابكة المتعاقبة التي تنقل معين الحياة من وإلى تلك الأقطار وهي في ذات الوقت تعتبر بمثابة الوشائج القوية المتينة التي تربط هذه الأقطار بعضها ببعض يوم كان الإنسان ينطلق من أي نقطة في الجزيرة العربية لا يرده إلا الكويت أو الزبير أو البصرة أو بغداد أو دمشق أو حلب أو القدس أو حيفا أو يافا أو القاهرة أو أي مدينة أخرى دون أن يحسب أي حساب لأي شيء، ولا يحمل وثيقة ولا جواز سفر، كان ذلك قبل أن يتدخل الاستعمار الغربي ويضع بيننا هذه الحدود والحواجز المصطنعة وقبل أن يغرس بذرته الخبيثة في أرض فلسطين التي سوف تقتلعها العزيمة الجادة والتصميم المحدد والإيمان الصادق القوي لتخلص ثالث الحرمين الشريفين من براثن التلمود الحاقد وتعود القدس إلى حظيرة الإسلام إن عاجلاً أو آجلاً إن شاء الله، هذه الطرق التي كانت تمثل تلك الروابط التاريخية عبر القرون المتعاقبة والتي كان العقيلات يشغلونها فترة تواجدهم وللقارئ الكريم أن يتصور تلك القوافل المنطلقة من تلك النقاط السابق ذكرها وكل قافلة تتراوح الإبل فيها ما بين 100-1000بعير وقد تصل إلى 2000 بعير و3000 بعير و100 فرس و200 فرس و300 فرس ومع هذه القوافل من الرجال ما يتراوح طردياً ما بين 50،100،500،1000،2000،5000،6000 رجل بمختلف الاتجاهات منها ما هو منطلق من الجنوب إلى الشمال الشرقي وإلى الشمال وإلى الشمال الغربي وإلى الغرب ومنها ما هو منطلق من النقاط المقابلة سالكاً الطرق المعاكسة إلى الجنوب الغربي والجنوب الشرقي والشرق تخيل هذه الحركة والحيوية المنبعثة من تحرك تلك القوافل الضاربة في كل اتجاه بهذه الأعداد الكثيفة من الحيوانات والبشر الذين يمثلون عصب الحياة والمصالح المتبادلة بين تلك الأقطار ولو نظرنا لهذه اللوحة التي تعج بالحركة والنشاط والحيوية والجهد المستمر الدؤوب الذي لا ينقطع على هذه الطرق لأدركنا مدى ما ترمز إليه هذه العناصر من إمكانية وحدة هذه الأقطار وتلاحمها وتماسكها وقد لعب العقيلات دوراً مهماً في هذا الجانب حيث كانوا يتعاملون مع كل هذه الأقطار بكل ثقة وأمانة وود وإخاء كما سيأتي تفصيل ذلك في موضع آخر كانت هذه الطرق تمثل شريان الحياة الذي يتم من خلاله تبادل المنفعة قبل أن يكون للموانئ البحرية الدور الرئيس في مثل هذه الجوانب وعبر مناطق لا تعبرها سوى سفينة الصحراء الإبل، هذه الطرق التي تعد بعشرات الآلاف من الأكيال أو الأميال يقطعها العقيلات على ظهور إبلهم وخيولهم وأحياناً يقطعونها سيراً على الأقدام عندما تكون الإبل محملة، ليس هذا فحسب بل إنهم يتحملون ما يلاقونه على هذه الطرق من ظروف الحياة الصحراوية القاسية من حرارة الشمس المحرقة صيفاً وبرودة الجو القارس شتاء ومن تقلبات الجو والعواصف الرملية والأمطار الغزيرة والسيول والبرد والثلوج وغير ذلك من العوامل الطبيعية الصعبة التي تكتنف الجو الصحراوي فضلاً عن الجوع والعطش ومتابعة الموارد في الصيف ومخاطر الموت من الظمأ إضافة إلى الخوف من قطاع الطرق في أوقات الحروب والشغاشغ والغزوات المتبادلة بين القبائل وغير ذلك من المتاعب، لكن إنسان هذه الجزيرة صلب العود شديد المراس قوي العزيمة صعب الشكيمة يصارع الأهوال ويصادم النكبات ويخرج منها في الغالب منتصراً عليها.
وفضلاً عن الطرق التي تخرج من الجزيرة العربية شرقاً وشمالاً وغرباً هناك الطرق الداخلية التي لا تقل عن سابقتها حيوية وحركة ونشاطاً وهي الطرق المتجهة بين مدن وبلدان وقرى الجزيرة العربية وهي التي تمثل خط التموين الأول وشريان الحياة الرئيس داخل شبه الجزيرة العربية وخاصة بين هذه المدن وبين المدينتين الكريمتين مكة المكرمة والمدينة المنورة، والموانئ البحرية على الخليج العربي كالعقير والكويت والقطيف وعلى البحر الأحمر مثل جدة وينبع وغيرها، فالمدينتان الكريمتان لهما موقعهما وقدسيتهما لدى الإنسان العربي المسلم وفي ما يتعهده من المسلمين الذين يأتون لتأدية فريضة الحج في كل عام وما يجنيه هؤلاء المتعهدون من أموال لقاء نقل الحجاج وتأمينهم وخدمتهم حتى يؤدوا فريضة الحج، أما الثغور البحرية فتتمثل أهميتها في الناحية التجارية فإن الطرق الداخلية ذات أهمية عظمى هي الأخرى وقد عمل العقيلات عليها بكل حيوية ونشاط طيلة فترة تواجدهم، وخلاصة القول إن شبكة هذه الطرق الداخلية والخارجية وحيويتها تنفي نفياً قاطعاً الاعتقاد السائد عند البعض بأن شبه الجزيرة العربية كانت في شبه عزلة لا ينفذ إليها أحد وأن من نفذ إليها فكأنه اكتشف عالماَ مجهولاً كانت مثل هذه الاعتقادات سائدة عند الكثير من الأوروبيين فالأمر ليس كما يظنون وشبكة الطرق البرية المصاحبة لهذا الكلام أكبر برهان على ذلك.
6-عبور الأنهار:
يتجنب العقيلات الأنهار الموجودة في طريقهم بقدر الإمكان والأنهار التي تعترض سبيلهم هي نهر الفرات ونهر دجلة وشط العرب ونهر الأردن ونهر النيل فإذا كانت على تلك الأنهار معابر وجسور يعبرون عليها فإن الأمر يهون حيث تعبر قوافلهم وإبلهم وخيولهم فوق هذه الجسور دون عناء إلا ما قد يدفعونه من ضرائب أو رسوم لهذه الجسور لكن الأمر يكمن عندما تنعدم مثل هذه الجسور خاصة على نهر الأردن وبالذات عند فيضان النهر وزيادة منسوب مائه بعد فصل الربيع فإن العقيلات بحاجة إلى من يعبر قوافلهم وخاصة إذا كانت من الإبل والخيل، فالخيل تسبح ولا تحتاج إلى جهد كبير عند عبور هذا النهر خاصة إذا قادها جواد جريء سبوح فإنها تتبعه بكل قوة ونشاط حتى تعبر النهر لكن الإشكال يكمن في الإبل التي تحتاج إلى من يبحث لها عن الأماكن التي يقل فيها عمق الماء عند مفارش النهر ومتسعاته وهذه الأماكن قد حلتها قبائل النصيرات الذين يسكنون على الضفة الغربية لنهر الأردن ويشاركون في مهمة عبور الإبل والخيل من هذه الأماكن مقابل مبلغ من المال على كل رأس وبعد عبور الإبل والخيل تنصب الخيام هناك ثم يبدأ العقيلات لجلب الإبل والخيل إلى الأسواق في فلسطين على دفعات، أما في العراق فإن الإبل والخيول تعبر فوق جسور على كل من شط العرب أو نهري دجلة والفرات ودفع رسوم رمزية لقاء هذا العبور وغالباً ما تكون الطرق التي يسلكها العقيلات محاذية للأنهار ولا تجتازها إلا للضرورة القصوى وعند ذلك يتحمل العقيلات ما يدفعونه من رسوم لهذه الجسور ومن أشهر المعابر على نهر الفرات معبر "دواس" الذي أشار إليه الأمير عبدالله بن رشيد رحمه الله بقوله:
تعاطن المعبار من عند دواس * * * وأنا على الخابور مالي مطية
وغير ذلك، أما في مصر فالأمر مثله في العراق حيث تعبر الإبل والخيول من فوق النيل إلى غرب النهر عبر جسور مقامة هناك مقابل أجور رمزية وغالباً ما تكون أسواق الخيول والإبل إلى الشرق من النهر ولا تعبر غرباً إلا لغرض الرعي هذه الأنهار على قلتها في هذا الجزء من الوطن العربي إلا أنها تمثل إحدى العوائق الطبيعية التي تؤثر في حركة التجارة في هذه الحيوانات حيث أن عبور هذه الأعداد الكبيرة من الإبل والخيول في كل يوم تقريباً يحتاج إلى ترتيب معين للوقت الذي يسمح فيه لعبور هذه الحيوانات وغالباً ما يكون العبور في آخر الليل عندما تخف الحركة على هذه الجسور من المارة وحتى الساعات الأولى من صباح اليوم التالي في مجموعات متتابعة معقولة العدد،بحيث لا يؤثر عبورها دفعة واحدة سلبياً على تلك الجسور، وإذا كانت الأعداد من هذه الإبل والخيول بالآلاف فإن عبورها على تلك الجسور محدودة الطاقة يحتاج إلى عدة أيام وهذا بطبيعة الحال مما يؤثر في عملية التسويق كما يزيد من المصاريف المترتبة على هذا النوع من التجارة وبالتالي يقلل من أرباحها كما أن عملية العبور سباحة كما في نهر الأردن يعرض التاجر للخسارة إذا غرق شيء من هذه الإبل أو الخيول أثناء العبور، نظراً لأن هذه الحيوانات التي عاشت في الصحراء يصعب عليها عبور هذه الأنهار العميقة سباحة، فإذا كانت تجفل من الماء القليل وتفزع منه فكيف إذا دفعت إلى ماء قد يصل ارتفاعه في بعض الأحيان إلى ما يقارب مترين ولولا دفع هذه الإبل وحشرها على النهر وضربها بالعصي لما عبرت، ولكن إذا تقدمها بعير جريء نشيط تبعته وقد يعثر ما يعثر ويسقط في الماء فيجرفه التيار ويغرق فإذا نفق بعير بالغرق أصبح ثمنه خسارة على صاحب المال، أما الخيل فهي أقل خطراً من الإبل، حيث أن الخيل تسبح في الماء ولا يغرق منها إلا الهزيل الأعجف أو المسن وعلى الرغم من هذه العوائق الطبيعية فإن العقيلات قد قهروها وسيطروا عليها بقوة إرادتهم وصلابة عزيمتهم وبعد غايتهم.
7-عبور البحار:
لم يقتحم العقيلات البحر في رحلاتهم إلا ماكان ضرورياً وذلك بعد حفر قناة السويس واستخدامها كممر مائي يفصل القارة الأفريقية عن القارة الآسيوية بعد عام 1297هـ 1879م أي في بداية القرن الرابع عشر الهجري حتى انتهاء دورهم، وبالطبع فإن مصر في الجزء الأفريقي غرب قناة السويس والطريق منها وإليها عبر هذه القناة بالإضافة إلى العبور من فوق شط العرب ورأس الخليج باتجاه عربستان والمحمرة والإمارات العربية في تلك الناحية التي كانت ترتبط بعلاقات وثيقة مع أجزاء العالم العربي الأخرى قبل أن تستولي عليها إيران وتجثم على صدرها فكان الطريق من تلك النواحي وإليها وإلى ما وراءها من بلاد فارس وتلك الأصقاب يحتاج إلى عبور البحار، وكانت الأهوار التي في جنوب العراق تمثل عائقاً طبيعياً للعقيلات خاصة أصحاب الإبل والخيول نظراً لما تمثله من الوخامة والمناطق الضحلة لكنهم يتجنبونه قدر الإمكان مراعاة لصحة وسلامة أنعامهم اللهم إلا للعبور إلى شرق الشط فكانت الإبل والخيول تعبر إلى تلك الناحية فوق سفن تنقلها إلى الجانب الشرقي وقليل منها يعبر فوق الجسور ومن ثم تأخذ طريقها إلى تلك الجهات أما على قناة السويس فقد كانت تعبر القناة في معديات كبيرة تنقلها من القنطرة الشرقية التي يتجمع فيها العقيلات ويتم التأكد من سلامة الإبل من الأمراض بعد حجرها في المركز الصحي (الكرنتينا) ومن ثم يتم ترتيب نقلها إلى القنطرة الغربية على دفعات حيث تحمل المعدية الواحدة حوالي ثمانين رأساً من الإبل أو الخيل وبعد عبور إبل وخيل كل عقيلي يسير بها إلى الأسواق التي تباع فيها أو إلى الاصطبلات التي تستريح فيها والمذكورة في فقرة أسواق البيع في موضع آخر من هذا الكتاب هذا مجمل احتكاك العقيلات بالبحار وبهذا يتضح أن علاقة العقيلات بالصحراء أكثر من علاقتهم بالبحار والأنهار إلا ما تدعو الضرورة إليه.

تاسعاً: انتشار العقيلات:

1-في العراق:
بحكم موقع العراق الجغرافي من شبه الجزيرة العربية وبحكم ما يشد هذا القطر من الأواصر والروابط الأخوية بين القبائل العربية التي تعيش في الجزيرة العربية وفروعها التي نزحت للقطر العراقي الشقيق كان ذلك منذ أمد بعيد قبل مباشرة العقيلات نشاطهم بأزمنة سحيقة أي منذ أكثر من خمسة آلاف سنة، وبعد أن أصبح للعقيلات نشاطهم المعروف، وقد مر بنا في فصل سابق الدور الذي لعبه العقيلات في العراق في القرنين الثاني والثالث عشر الهجريين إبان الحكم العثماني للعراق، وما تدفق على العراق من موجات بشرية واكبت قيام الحركة الإصلاحية في نجد مما نتج عنه انتعاش الزبير حتى أصبحت مدينة مزدهرة بفضل الله ثم بفضل من وفد إليها من أبناء الجزيرة العربية الذين كان معظمهم من العقيلات، وبالإضافة إلى ما حصل في نجد فيما أشير إليه آنفاً فقد اضطرت سنوات الجدب نزوح زخات أخرى من الطاقة البشرية في سنوات متعاقبة فاستوطن بعض هذه المجموعات في الزبير واستوطن البعض الآخر المدن العراقية الأخرى كالبصرة والحلة والعمارة والنجف وسوق الشيوخ وكربلاء وبغداد والموصل وفي النصف الثاني من القرن الثالث عشر إبان ضعف الدولة السعودية الثانية ونشوء إمارة الرشيد في حائل وبسط سلطانها على معظم نجد لحقت موجات أخرى إلى الزبير والبصرة وبغداد والموصل وغيرها من المدن العراقية من هذه الزخات المتتابعة من الطاقة البشرية أصبحت قناة العقيلات صلبة قوية وعملوا بجد وإخلاص في الكثير من التخصصات التي تلائم معرفتهم، ولعبوا دوراً هاماً في الأحداث الجارية على ساحة القطر العراقي كما مر بنا في فقرات سابقة وكان لله ثم لهم الفضل الأكبر في صد هجمات الطامعين من فرس وغيرهم بغية السيطرة على الأجزاء الجنوبية الشرقية من القطر العراقي كالبصرة والزبير وما والاهما وبالرجوع إلى الفصل الخامس من هذا الكتاب يتضح لنا صحة ما أشير إليه وقد تمركز العقيلات بشكل رئيس في كل من الزبير والبصرة وبغداد وتكاد أن تكون مدينة الزبير مدينة العقيلات الأولى ومن آثارهم بها مسجد الرواف، بالإضافة إلى مراكز مهمة في البصرة، وما منطقة الكرخ في مدينة بغداد إلا منطقة يتكون معظم سكانها من العقيلات وقد تولوا حمايتها والدفاع عنها فترات طويلة حتى اشتهرت عند البغداديين بلقب "صوب عقيل" أي جهة العقيلات يتضح ذلك بالعودة إلى فصل دور العقيلات العسكري، بالإضافة إلى ما سبق، هناك تواجد فاعل في كل من مدينة النجف أو "المشهد" وفي السماوة وفي سوق الشيوخ الذي لا يزال به حتى الآن بقايا من العقيلات، وكما ذكرت آنفاً للروابط القبلية التي تربط بين سكان شبه الجزيرة العربية والقبائل العربية التي تستوطن الأراضي العراقية أهمية خاصة مثل قبيلة شمر بفرعيها شمر الجزيرة وشمر طوقة وقبيلة عنزة وقبيلة الجبور من بني خالد وقبيلة الظفير وغيرهم من القبائل التي لها جذور في الجزيرة العربية وفروع هناك هذه الروابط والأواصر إذا ما أضيفت إلى المصالح الاقتصادية والتجارية المشتركة التي كان العقيلات ينشدونها ويسعون حثيثاً للحصول عليها مضافاً إلى ذلك التصاق الموقع الجغرافي بين شمال شبه الجزيرة العربية والأراضي العراقية حيث بقوا فيها وتأقلموا مع أهلها وأصبحوا عراقيين مع مر الزمن وجزء آخر منهم عادوا إلى أهلهم وذويهم في الجزيرة العربية عندما قام كيان المملكة العربية السعودية عند منتصف القرن الرابع عشر الهجري القرن العشرين الميلادي أي بعد عام 1350هـ والبعض الآخر لا يزال باقياً هناك يود العودة إلى أهله دون جدوى غير أنه من الملاحظ أنه قد عادت أعداد كبيرة من أهل الزبير بالذات في السنوات الأخيرة.
2-في سوريا:
لا يقل تواجد العقيلات في سوريا عن مثيله في العراق وإن لم تكن الأرض متجاورة، إلا أنه بحكم كون سوريا هي قلب الشام كان ذلك قبل التقسيمات الاستعمارية التي قسمت الوطن العربي ومزقته تلك المزق وجعلت من الشام لوحده أربعة كيانات سوريا والأردن ولبنان وفلسطين ومع هذا فقد بقيت الشام مرتاد وموئل أعداد كبيرة من العقيلات الذين اتخذوا من الغوطة وهي الميدان في مدينة دمشق مرتكزاً لهم وأقاموا في كل من حوران وعذرا ودير الزور وحلب نقاط تجمع أخرى وبلغ الاطمئنان من التجار الدمشقيين إلى الخروج مع العقيلات وولوج أراضي الجزيرة العربية لشراء الإبل والخيول من أبناء القبائل العربية مباشرة وتأليفها ثم العودة بها إلى الشام، وبعد استقرار العقيلات بالشام حصل التحام وامتزاج جعل العقيلات يساهمون مساهمة فعالة في أحداث الشام لمدة طويلة منذ أن خيم الحكم التركي على تلك البلاد في مطلع القرن العاشر الهجري إلى أن حصلت المؤامرة الاستعمارية الكبرى بعد الحرب العالمية الأولى وسقوط السلطة التركية واقتسام الأقطار العربية بين الدول الاستعمارية الرئيسة آنذاك وصار الشام من نصيب فرنسا فاشترك العقيلات في المقاومة حتى معركة ميسلون وموقعة الميدان التي أبلى العقيلات فيهما بلاء حسناً كما هو موضح في موضع آخر من الكتاب، لم يكتف العقيلات بالأحداث السياسية والعسكرية فحسب بل كان بيدهم تسيير عصب الحياة يومذاك وهي التجارة حيث قاموا بربط الشرق الآسيوي بالغرب الأوربي عبر الأراضي السورية حيث كانت التجارة الدولية تمر مع الخط الرئيس الموصل بين موانئ الخليج العربي كالبصرة والكويت وتتجه إلى الشمال الغربي عبر الأراضي العراقية فالأراضي السورية من الزاوية الشمالية الشرقية لتتجه إلى حلب ومن ثم إلى موانئ البحر الأبيض المتوسط حيث السفن الأوربية، وبالعكس حيث تتجه القوافل من الغرب إلى الشرق عبر هذا الخط ولذلك كان لتمركز العقيلات في دير الزور ما يبرره حيث يمر بقربه ذلك الخط أو الخط الثاني وهو الذي يتجه من موانئ الخليج المشار إليها مضافاً إليها العقير والقطيف وتتجه إلى الغرب مباشرة فتصل إلى دمشق ومن ثم إلى ميناء بيروت وصيدا فإن تواجد العقيلات على هذا الخط قد تمركز في كل من حوران وبصرى والغوطة والميدان بمدينة دمشق وقد لعب العقيلات دوراً مهماً في الحياة الاقتصادية السورية حيث بلغت فعاليتهم أن كانت معظم المواشي وهي الإبل والخيول التي كانت عصب الحياة في عملية النقل بأيديهم وذلك قبل وجود الآلة كالسكك الحديدية وغيرها بالإضافة إلى ما يتمتعون به من سمعة عالمية في النقل العام عبر الصحراء العربية وما يتصفون به من كريم الأخلاق التي جعلتهم محل الثقة بالنسبة للتجار الشاميين فقد كان للعقيلات تواجد فعال وكثافة في العدد فرضت احترامهم على إخوانهم الشاميين وأوحت بالتخوف والتوجس من المستعمرين الفرنسيين ذلك بعد ان انخرط عدد كبير من العقيلات في الجيش العربي السوري في بداية الأمر بسلاح الهجانة ثم في الجيش نفسه، لذلك نجد المستعمر الفرنسي قد ركز بدرجة رئيسة في حربه على الحي الذي يسكنه العقيلات وهو حي الميدان فصار يقصفه بالطائرات والقنابل وذلك لما لقيه فيه من عنف المقاومة عند احتلاله ولذلك ركز عليه كما هو موضح في مكان آخر من هذا الكتاب، من هذا نرى أن تواجد العقيلات في سوريا قد تركز على عدة أماكن دمشق بغوطتها وميدانها ودير الزور وحوران وعذراء وقد زرت دير الزور بنفسي عام 1392هـ 1972م ورأيت أعداداً كبيرة من بقايا العقيلات هناك، بالإضافة إلى ما يربط سوريا بالجزيرة العربية من روابط وأواصر بين قبائلها المتمثلة في قبيلة عنزة بفروعها المختلفة وقبيلة شمر الجزيرة أو شمر الجربا وقبيلة الجبور من بني خالد وقبيلة الظفير وقبيلة العوازم وغيرها من القبائل الأخرى هذه الروابط جعلت من سوريا ثاني قطر عربي بعد العراق يرتبط بالجزيرة العربية بفضل تواجد العقيلات فيه وممارسة نشاطهم أيام تواجدهم على الساحة.
3-الأردن:
يعطي تقارب الموقع والتصاقه آثاراً إيجابية في تواجد العقيلات، حيث أن أراضي شرق الأردن هي الملاصقة لأراضي شبه الجزيرة العربية وبمعنى آخر تعتبر جزء منها وخاصة في أجزائها الجنوبية وعلى اعتبار معان والكرك والزرقا وعمان أولى مدن الشام مما يلي شبه الجزيرة العربية فليس بعد مدينة الجوف في شمال الجزيرة العربية سوى مدينة عمان وليس بعد موارد وادي السرحان سوى مورد العمري في الأراضي الأردنية فضلاً عن الإرتباط القبلي بين بوادي شبه الجزيرة العربية مثل قبائل شمر وعنزه والرولة من عنزة والجبور من بني خالد والحويطات وبني عطية والشرارات والعوازم وبني صخر والظفير وغيرهم، هذه القبائل التي تكون بعض فروعها في أرض الجزيرة وبعضها في الأردن والمناطق الموالية له ومناطق الرعي مشتركة بين هذه القبائل إذا ما أضفنا المصالح المشتركة المتبادلة بين العقيلات وسكان هذه المدن الموجودة في أدنى الأراضي الشامية قبل التقسيمات الأخيرة عندما كانت عمان بمثابة القبلة للعقيلات، إليها يتجهون عند طلب الرزق ويسمونها "الغربية" في ذلك الوقت عندما كانت نجد لا يوجد بها من الرزق إلا ما ينقب من الصخر في أعمال الأرض وكانت عمان بوابة الشام فإذا وصل الواحد إلى عمان وصل إلى الشام، وبعد تقسيم الشام إلى هذه الكيانات بعد الحرب العالمية الأولى وحصول الإنجليز على فلسطين وشرق الأردن لعبت عمان دوراً هاماً في استقطاب أكبر عدد ممكن من العقيلات حيث انتزعت هذا الدور من بغداد فاتجه العقيلات في المجال التجاري أو طالب العمل في عهد حكومة الانتداب البريطاني وممثله "جلوب" أو "أبو حنيك" كما يسميه البعض فقد كان العقيلات يأتونه مجموعات ووحداناً وكان ذلك الإنجليزي المحنك ينتقي من أبناء القبائل العربية الذين يفدون إلى عمان من الجزيرة العربية ينتقي منهم الصفوة الممتازة أجساماً وقيافة وجرأة وشجاعة للجيش العربي الأردني فأوجد بذلك قاعدة جيدة حيث يعتبر الجيش العربي الأردني من أفضل الجيوش في الوطن العربي شكلاً وأجساماً وتدريباً وتقنية لفترة من الزمن وكانت لبنته الأولى من العقيلات الذين يفدون من الجزيرة العربية ومن القبائل العربية التي تقطن الأراضي الأردنية، أما الجانب الاقتصادي فعلى اعتبار أن الأراضي الأردنية قريبة الشبه من أراضي شبه الجزيرة العربية فقد كانت بالنسبة للجزيرة العربية بوابة الشام كما أشير إلى ذلك آنفاً هذه الميزات جعلت من عمان ملتقى القوافل الواردة من سوريا وفلسطين ومصر والعراق والجزيرة العربية ومنها تتفرع هذه الطرق وتضرب القوافل الاتجاهات المختلفة، سواء أكانت قوافل تجارة المواشي كالإبل والخيل والأغنام أو تجارة السلع الأخرى، ومن هنا فقد كان للأردن أهمية خاصة وقد تركز العقيلات بدرجة رئيسة بعمان والزرقاء، وإربد والرمثا والبلقا والكرك ومعان والعقبة ولا تزال لهم بقايا في الزرقاء قد زرتهم بنفسي عام 1386هـ 1966م فوجدت منهم أعداداً كثيرة وقد كان للعقيلات دور إيجابي بارز في الحياة الاقتصادية حيث كانوا يتولون عملية النقل بين سوريا وفلسطين ومصر والعراق والجزيرة العربية سواء أكانوا ناقلين كما مر بنا أم تجار للمواشي والسلع المختلفة أو أفراد في القوات المسلحة وقوة لحراسة القوافل والحدود فيما يسمى جيش الهجانة غير من هم في الجيش النظامي وكان جيش الهجانة لهم زي خاص "دشن" أي مظهر معين في اللباس والركاب اقتبسوا أكثر معالمه وترتيباته من العقيلات واستمروا على ذلك حتى حل محلهم أبناء القبائل الأردنية حين عاد هؤلاء العقيلات إلى أوطانهم واستقر منهم من استقر في المدن والأرياف.
4-فلسطين:
يعتبر تواجد العقيلات في فلسطين امتداداً لتواجدهم في الأردن وسوريا فكل الأقطار الثلاثة بالإضافة إلى لبنان كان يطلق عليها الشام غير أن التواجد في فلسطين يمثل ركيزة مهمة ذلك أن فلسطين تعتبر من أكبر الأسواق التجارية في منطقة الشام حيث يوجد بها العديد من الأسواق في كل من القدس ونابلس وغزة وخان يونس وبئر سبع ورفح وعسقلان واللد والرملة ومجدل عين وغيرها، كما أن فيها بيت المقدس في مدينة القدس القبلة الأولى للمسلمين وثالث الحرمين الشريفين والتي تمثل للعقيلات وهم العرب المسلمون جانباً مهماً من الناحية الدينية حيث تعتبر زيارة المسجد والصلاة فيه من الأمور المهمة واللازمة لكل عقيلي يأتي إلى تلك البقاع كما تمثل مدينة القدس من الناحية التجارية مصدراً لكثير من السلع المصنوعة محلياً أو السلع المستوردة عن طريق موانئ فلسطين على البحر الأبيض المتوسط حيفا ويافا وعكا فمن القدس ينقل العقيلات معظم ما يشترونه من السلع الفلسطينية وهي بمثابة حلب بالنسبة لسوريا، كما أن القدس سوق يجلب إليها العقيلات ما يحضرونه من سلع الأقطار الأخرى سواء من داخل الجزيرة العربية أو خارجها كما أن المدن الفلسطينية كانت مركزاً لمن يبحث عن عمل من العقيلات حيث تكثر فيها أعمال الفلاحة وما يتعلق بها لأن فلسطين بلد زراعي من الطراز الأول وبلد خيرات وفيرة لذلك يجد العقيلات فرص العمل كثيرة وقد حدثني مثل من يزاول الأعمال الحرة بقوله: كان هناك تجمعاً عمالياً في كل من حيفا ويافا والقدس يوجد فيه مجموعات من العمال من العقيلات وغيرهم الذين يجيدون أعمال الفلاحة ولا يرغبون في كثرة التنقل والتجوال حتى يكون الواحد منهم راس مال يستطيع المتاجرة فيه مع العقيلات الذين يجوبون الآفاق، هذا بالإضافة إلى الارتباط العضوي بين قبائل هذا القطر وقبائل شبه الجزيرة العربية من مثل قبيلة بلى وبني عطية والشرارات والعوازم، والحويطات في الجنوب وبني صخر والجبور من بني خالد وعنزة والظفير في شمال فلسطين مما يلي سوريا والأردن، هذه الوشائج التي تربط هذا القطر من أقطار العالم العربي بالأقطار المجاورة الأخرى مما يجعل العقيلي لا يشعر بالغربة أو الحرج في مدن هذا القطر، وقد بقي هذا التواجد منذ أول ظهور للعقيلات حتى ما بعد الحرب العالمية الثانية حين أفاد الشيخ رشاد الشواء أن العقيلات الذين بقوا في غزة وحدها خمسة آلاف نفس هذا بعد انتهاء دورهم أما عندما كانوا نشطين فكان يفوق هذا العدد بكثير، ومن نافل القول أن تواجد العقيلات في المدن الفلسطينية قبل غرس الغرب بذرته الخبيثة على أرض فلسطين كان مهماً وفعالاً فقد كان تواجدهم يعتبر بمثابة عصب الحياة التجارية وبصفة خاصة في مجال النقل وجلب السلع وعلى الأخص الإبل والخيول من الجزيرة العربية حيث يعتمد الفلاح الفلسطيني عليها في حرث أرضه في المناطق السهلة ونقل منتجاته في المناطق الجبلية الوعرة على الإبل التي يجلبها العقيلات من الجزيرة العربية وحيث أن الجنوب الفلسطيني أرض صحراوية تقطنها القبائل العربية التي يوجد بعضها في الجزيرة العربية والبعض في هذا الجزء فليس بمستغرب أن يحدث هذا التلاحم والتواصل بين العقيلات وهذه القبائل العربية الآسيوية والأقطار العربية الأفريقية مصر وما بعدها وذلك قبل حفر قناة السويس وربما بعدها ولذلك فلا غنى للعقيلات من الاستقرار في فلسطين وإيجاد التواجد لهم على هذا الطريق الحيوي الهام حيث تركزوا في كل من غزة وخان يونس والقدس وبئر السبع وغيرها.
5- مصر:
ما من شك في أن تواجد العقيلات في مصر يعد أمراً حيوياً لهم باعتبار مصر أحد الأقطار العربية الأفريقية الملاصقة لفلسطين والتي يرتبطون بها بعلاقات تجارية منذ نشأت العقيلات الأولى ولا أدل على ذلك مما تحدث به ابن فضل الله العمري من أعلام القرن الثامن الهجري وذكر أن بني عقيل كانوا يجلبون إلى مصر نجائب الإبل وكرائم الخيل كما مر بنا في فصل سابق وذلك في العهد المملوكي، ذلك أن التاريخ التجاري الضارب في القدم بين مصر والعقيلات في أول تكويناتهم وربما كان قبل ذلك ما هو خارج عن موضوعنا ويدخل في زاوية التاريخ، فإذا تعتبر مصر سوقاً تجارياً يقصدها العقيلات ببضاعتهم المجلوبة من الجزيرة العربية أو من الأقطار الشرقية من الهند وجنوب شرق آسيا التي ينقلونها من موانئ الخليج العربي عبر الطريق الصحراوي حيث كانت مصر بمثابة الجسر لهذه البضائع إلى أوربا من التوابل والأفاوية والبهارات سواء ما كان منها عن طريق موانئ البحر الأحمر وينقلها العقيلات أو يساهمون في نقلها إلى موانئ البحر الأبيض المتوسط كالاسكندرية وذلك قبل حفر قناة السويس أو ما ينقل العقيلات من موانئ الخليج كما مر بنا آنفاً، كما كان للعقيلات مشاركة فعالة في عملية حفر قناة السويس سواء بالتموين بالإبل وغيرها أو المشاركة في العمل، إذ والحالة كذلك فلابد من تواجد للعقيلات في أنحاء مختلفة من مصر، كما أن مصر تعتبر البوابة الأفريقية على البر الآسيوي والبوابة الآسيوية على البر الأفريقي ومن خلال هذه البوابة يعبر الذاهبون والقادمون لأداء فريضة الحج من المسلمين في الأماكن المقدسة بمكة المكرمة والمدينة المنورة من مصر والأقطار العربية الأفريقية أو الأقطار الإسلامية الأفريقية وكذلك من يذهبون لزيارة بيت المقدس من المسلمين ومن يحج إلى بيت المقدس من غير المسلمين الكل يعبر من خلال هذه البوابة ذهاباً وإياباً ليس ذلك فحسب ولكن هناك روابط وثيقة بين قبائل الجزيرة العربية وبين القبائل العربية التي استقرت في مصر أو عبرتها إلى الأقطار العربية المجاورة مثل قبائل بني هلال وبني جشم وبني سليم وبني تميم وطيئ التي عبرت إليها واستقر بعضها في مصر وتحضرت وبعض من عبر من قبيلة طيء في القرن السادس الهجري واستقر بمصر وتحضر أو ما أعقب ذلك في العصور القريبة من قبيلة حرب وبني رشيد والعوازم وجهينة وبلى الذين استقر بعضهم في مصر والبعض الآخر تجاوزها إلى السودان وغيرها من الأقطار العربية فكان للعقيلات تواجد مستمر منذ القدم فقد كان منهم طلاب علم بالأزهر وتجاراً على طريق القوافل ومتعهدين لنقل الحجاج ومحاربين في صفوف جيش محمد علي باشا وابنه إبراهيم باشا في الشام وفي العصور المتأخرة إبان حفر قناة السويس وما بعدها نال العقيلات مكانة رفيعة لدى الحكام الأتراك والألبان في مصر ونالوا حضوتهم حيث منحوهم الأراضي التي أقاموا عليها بيوتهم في كل من بلبيس، والزقازيق، والمطرية، وحلمية الزيتون، والصالحية، وأبو كبير، وأبو حماد، وكفر نصار، وامبابة، ومصر الجديدة، وذلك لإقامة أسواق تجارية وتربية خيولهم ومراكز انطلاق قوافلهم للنقل داخل مصر وخارجها قبل إيجاد القطارات فيها بالإضافة إلى القنطرة شرق والقنطرة غرب، في هذه المراكز ثبت تواجد العقيلات الفعال، ويعتبر العقيلات من ازدهرت على أيديهم حلبة سباق الخيل في مصر في عهد محمد علي باشا وأبنائه وأحفاده من الحكام الألبان الذين حكموا مصر إلى آخر سلالتهم عند نهاية دور العقيلات وشغل العقيلات دوراً مهماً في تربية الخيول وتكاثرها في مصر وممن ساهم في هذا المجال السيد محمود باشا رئيس وزراء مصر وحنفي باشا وهما من العقيلات من أولاد سليم من قبيلة حرب ومحمد الشواربي باشا الذي لا يزال اسمه يطلق على أحد شوارع القاهرة القديمة الرئيسة هو من قبيلة حرب أيضاً وغير ذلك كثير إضافة إلى علاقة الدم والدين التي تربط أبناء هذا القطر بأبناء الأقطار العربية الأخرى، إذاً فتواجد العقيلات كان له أهمية كبيرة في مصر ولا تزال حتى الآن أسر كبيرة من العقيلات تعيش في مصر بعد انتهاء دور العقيلات في وقتنا الراهن.
6- في السودان:
يعتبر هذا القطر العربي الشقيق آخر قطر عربي وصل إليه العقيلات في القارة الأفريقية أثناء تواجدهم حسبما اطلعت عليه من المصادر إذ أنهم حسب علمي الآن لم يتجهوا غرباً إلى المغرب أو أن هناك فئة تماثلهم يقومون بالأعمال التي يقومون بها في أقطار المغرب العربي بحيث تصل خدماتهم ونشاطاتهم بين المغرب العربي وبين مصر، خاصة فيما يتعلق بنقل الحجاج ومصاحبتهم وخدمتهم، أما العقيلات محل البحث فإن مداهم ينتهي في السودان حسب معلوماتي حتى الآن ففي هذا القطر امتداد للارتباط بمصر من حيث العلاقات التجارية والخدمات التجارية إضافة إلى أنه بلد يمتاز بالمراعي الجيدة ويقوم سكانه بتربية الحيوانات ومنها الإبل بشكل رئيس حيث تمتاز الإبل السودانية بالمتانة وقوة التحمل والصبر على الأجواء الحارة لأنها تربت في جو حار وإن كانت أجسامها أصغر من أجسام الإبل النجدية وخاصة ما يجلب من شمالها إبل عنزة وشمر، إلا أن الإبل السودانية شديدة التحمل صبورة على العمل، هذه الخاصية أضافت مزية إغراء للعقيلات بحيث يختصرون بعض الطريق الطويل من الجزيرة العربية لشراء الإبل ويشترونها من السودان بالتعاون مع التجار السودانيين ورؤساء القبائل السودانية يؤلفون هذه الإبل ويجلبونها إلى مصر والأقطار الأخرى من باب التنويع في الإبل النجدية والحجازية والسودانية ولهذا الغرض فقد تواجد العقيلات في المدن الرئيسة قواعد الأقاليم مثل أم درمان والنهود والأبيض وإمبادر وغيرها فضلاً عمن يجوبون البراري يشترون الإبل من القبائل السودانية ويؤلفونها ثم يدفعونها إلى المراكز الرئيسة ومن ثم ترسل إلى أسواق البيع فكان لهذا الجانب أهمية خاصة بحيث يخدم الاقتصاد السوداني ويوفر على الفرد جلب حيواناته بنفسه كما يخدم في الوقت ذاته للتاجر العقيلي بما يوفره له من مسافة الطريق الشاسعة التي يقطعها في قلب الجزيرة العربية للبحث عن الإبل، فضلاً عن الأرباح التي يجنيها من هذه العملية لأن الإبل السودانية أرخص بكثير من الإبل المجلوبة من الجزيرة العربية وفضلاً عن الجانب التجاري هناك علاقات أخرى تربط هذا القطر بالأقطار العربية الإسلامية الأخرى وتجعل العقيلات لا يجدون صعوبة في الاستيطان في هذا القطر تلك العلاقات هي اللغة والدين، فاللغة العربية التي تربط السودان بالأقطار العربية الأخرى هي من أقوى الوشائج وصلة القربى والدين الإسلامي الذي يدين به غالبية السودانيين هو من أقوى الأمشاج التي تشد أبناء هذا القطر بالأقطار العربية الأخرى إضافة إلى علاقة الدم بين القبائل العربية المقيمة في الجزيرة العربية والتي يوجد لها فروع تقيم في السودان مثل قبائل جهينة والعوازم وبلى وبني عطية والحويطات وبني رشيد وحرب وغيرهم، لهذه الأسباب كلها فلا غرابة من التواجد العقيلي في السودان يعزز ذلك ما للسودان من مركز زراعي ممتاز حيث يصدر الكثير من الحاصلات الزراعية على رأسها القطن والفول السوداني الذي اشتهر هذا القطر بزراعته لأول مرة وارتبط اسمه فيه منذ أن عرف هذا الصنف من الحبوب وانتشر من السودان إلى بقية أنحاء الأقطار العربية الآسيوية أو عن طريق البحر الأحمر عن طريق ميناء بور سودان، إلى كل من ميناء جدة وينبع ومن ثم إلى الجزيرة العربية إضافة إلى سلعة مهمة أخرى وهي العاج سن الفيل التي تعتبر من السلع النفيسة التي كان لها من الرواج ما أغرى العقيلات بالمتاجرة فيها وهكذا نرى أن العقيلات كانت لهم فعالية بارزة في هذا القطر وبقي منهم أناس هناك رأيت مجموعة منهم لدى السفير السعودي في الخرطوم عام 1386هـ 1966م وأراني أحد موظفي السفارة السعودية هناك الحي الذي كان يقيم فيه العقيلات في مدينة أم درمان.



عاشراً: المصاعب التي يواجهونها

1- غارات الطامعين:
في وقت تضعف فيه السلطة القوية المسيطرة تارة وتنعدم تارة أخرى وتتواجد بدرجات متفاوتة من القوة والضعف يطمع الطامعون بانتهاز الفرص المتاحة الثمينة من تلك القوافل التي تحمل البضائع المغرية والسلع الثمينة فلا يتركون سانحة إلا اهتبلوها، إلا أن يمنعهم من ذلك مانع سواء أكانت سلطة قوية يخشون فتكها ويتحاشون تنكيلها أو تحكم ذلك أعراف وتقاليد وعادات القبائل التي تقطن تلك المساحات الشاسعة من الصحراء وتعتبرها ملكاً لها وتتمثل هذه الإجراءات القبلية بما مر بنا من موضوع المعرفين والأتاوات والضرائب التي تدفعها تلك القوافل لشيوخ القبائل والمعرفين أو الهدايا التي يحصل عليها الرؤساء والشيوخ من رؤساء وأمراء القوافل، وإذا كانت السلطة قوية كما رأينا في سلطة العقيليين وسلطة بني خالد في الأحساء والسلطة السعودية في الدرعية ثم في الرياض والسلطة الرشيدية في حائل، إذا كانت هذه السلطة في حالة قوة فإنها تمنع أولئك الطامعين من تحقيق أطماعهم وتوقفهم عند حدهم، لكن تلك السلطات يأتي عليها دور لم تكن قوية بما فيه الكفاية نظراً لتفاوت الحكام في قوتهم وضعفهم وقوة السلطة وضعفها ووجود الاضطرابات فيها، وحين ينعدم الأمن وقوة السلطان نفسه ويعتمد الإنسان على حماية نفسه بنفسه في مثل هذه الأحوال يحصل لقوافل العقيلات ما يزعجها من الغارات عليها من قبل جهات مناوئة لهذه القبيلة التي تمر القافلة بأراضيها حتى يخفروا ذمتها ضاربين بعرض الحائط ضمانة معرفيها بأراضيها ووجاهة شيخها، وقد يأتي أولئك الغزاة من قبيلة بعيدة فيستولون على تلك القوافل ويقتلون من يقف في طريقهم من رجال تلك القوافل وخاصة إذا كانت قوافل يقل فيها الرجال المسلحون، أو كان هؤلاء الغزاة أكثر منهم عدداً أو أقوى عدة وعتاداً أو كمنوا لهم قرب موارد المياه وجاءت القوافل ظمآنة والناس عطشى وفاجأهم أولئك الطامعون قبيل ورودهم الماء، فإنهم بلا شك سوف يتغلبون عليهم إلا أن ينصرهم الله من عنده، وقد يكون لهذه الغارات على القوافل في أرض هذه القبيلة أو تلك من قبل ثأرات وإحن مع شيخ هذه القبيلة أو القبيلة نفسها ويريدون هضم حقه والحط من قدره ومكانته بين القبائل الأخرى، وقد يكون هذا الإجراء ناتج عن ضعف هذه القبيلة والاستهانة بقدرها من قبيلة هي أقوى منها وتمثل هذه الغارات والغزوات الكبيرة بين قبيلة وأخرى كما أسلفنا كما تمثل قطاع الطرق ذوي الأطماع المحدودة الذين يكتفون بالقوافل الصغيرة أو بجزء من القافلة الكبيرة أو المتوسطة من يتطرفون به أو ينهبونه في غفلة من حراسة القافلة وأكثر ما يأتي إغارة قطاع الطرق بالليل عندما يهجع الناس ويخلدون إلى الراحة والنوم وإذا ندَّ بعير أو عدة إبل من القافلة فإنهم يأخذونه ويهربون به أو يخاتلون الحراس ورجال القافلة ويراقبونهم حتى إذا ناموا اختطفوا ما يستطيعون اختطافه، يحدث هذا في المناطق البعيدة عن السلطة الحاكمة والتي لا تصلها أخبار هذه الفعلة إلا وقد وصل مرتكبها إلى مأمنه وأدرك مبتغاه، كان مثل هذا العمل يحدث في حواشي أراضي شبه الجزيرة العربية وعلى مشارف الأراضي العراقية والأردنية والسورية بحيث لا تستطيع السلطة في أي قطر من هذه الأقطار ضبط مثل هذه الحوادث في الأماكن النائية عن مركزها سيما وأن المواصلات يومذاك كانت على الإبل، فمتى يصل الخبر ومتى تصل قوة الردع أو الحملة إن كان هناك قوة إلى مكان الحادث، هذه الحوادث كانت مما يزعج العقيلات ويؤثر في حركاتهم ويسبب لهم بعض الخسائر ولكن رغم هذا فقد ثبتوا له واستعدوا أتم استعداد وشقوا طريقهم بكل إصرار وعناد وقوة حتى وصلوا إلى هدفهم وبلغوا غايتهم.
2-موارد المياه:
تمثل موارد المياه شريان الحياة الرئيس للعقيلات وغيرهم خاصة في فصلي الصيف والخريف فهي التي تتحكم بمسارات قوافلهم ويترتب عليها طول الرحلات وقصرها وكم تستغرق الرحلة من الوقت وغير ذلك مما رايناه في فصل الطرق حيث يكون مسير القافلة عادياً عند تقارب الموارد "محالا" عند تباعدهم، كما قد يكون معتدلاً عند توالي المناهل ومعوجاً متعرجاً عند تناثرها، تسير القافلة تبعاً لمناهل الماء أينما سارت، أحياناً يمتد الطريق لمسافة مضاعفة واتجاهات منحرفة عن الاتجاه الصحيح كأن يكون الاتجاه شمالاً فتتجه القافلة شرقاً وغرباً وربما جنوباً وذلك لمتابعة هذه الموارد، وليت الأمر يتوقف عند هذا الحد، ولكنه يتعداه إلى ما هو أهم فمن المنغصات التي تواجه العقيلات حول هذه المناهل إمكانية كمون الخطر حولها، فغالباً ما يترصد قطاع الطرق والطامعون بهذه القوافل أو بجزء منها حول هذه الموارد أو عليها أو في الطريق إليها أو في الطريق منها ولذلك نرى أمير القافلة أو رئيسها إذا اقترب من المنهل أرسل من قبله طليعة يسمون السبور أو "القلوط" ليسبروا هذا الطريق ويروا ما إذا كان آمناً أم لا، يستقطعون الأثر ليتأكدوا أن الطريق ليس عليه ما يخيف، فإن رأوه كذلك وردوا إلى المنهل وإن أوجسوا خيفة فإنهم يجتنبونه مع طريق آخر إلى مورد غيره إن كان يقربهم مورد بديل وإن لم يكن هناك غيره ولا مناص من سلوك هذا الطريق تدبروا الأمر وأرسل الأمير مفرزة لتستطلع حقيقة الخطر ويتم تدارك الأمر بالتفاهم مع مصدره كما أن من مهمات فرقة الاستطلاع أو "القلوط" ليروا من على البئر من الناس الواردين ومدى مكثهم على المورد فأحياناً يكون المورد خالياً من الوراد وأحياناً أخرى يكون عليه ورد قليل وأحياناً ثالثة يكون أعداداً غفيرة من الناس وأعداد هائلة من الإبل تصل إلى آلاف ففي مثل هذه الحالة الأخيرة يتم التنسيق مع صاحب المورد على اساس أن يأخذوا دورهم وإن لم يكن للمورد من يشرف عليه يتم التنسيق مع الوراد على أساس أن يأخذوا دورهم قبل من سيأتي بعدهم وعند ذلك يتأخرون بعض الوقت حتى يقترب دورهم للورود وذلك تجنباً للربكة واختلاط الآبال، وإذا كان هناك من يشرف على هذه الموارد فإن رئيس القافلة يرسل إليه بعض الهدايا من أجل تسهيل عملية الورود، هذه الترتيبات تتم على الموارد، فإذا جاء دور القافلة للورود فإن رجالها يهبون كلهم بالتساعد والتساند من أجل إيراد إبلهم أو خيلهم وملء الروايا والقرب وكل أوعية الماء ومتى شربت الإبل أول مرة ثم استراحت "عطنت" ثم وردت للمرة الثانية استراحت مرة أخرى ثم وردت للمرة الثالثة حيث تأخذ رغبتها من الماء ثم تصدر عن الماء وأحياناً تبقى على الماء يوماً كاملاً وربما يومين أو أكثر إذا كانت إبل القافلة كثيرة العدد بالآلاف ويتم سقي الإبل بواسطة السانية أو السواني التي تنزف الماء وتخرجه من البئر بالدلو كما سبقت الإشارة إلى ذلك في فصل سابق ويتم السقي في النهار والليل في وقت الأزمات والازدحام على المياه في فصل الصيف، وأحياناً يكون المورد من النوع الذي يحتاج إلى غرف بالدلو لملئها فينزل الرجل أو الرجلان أو الرجال داخل البئر أو الدحل يغرفون الماء ويملأ كل واحد دلوه التي تخرج الماء من البئر لسقي الإبل يعقبهم غيرهم إذا تعب الواحد منهم أثناء عملية السقي التي تكون متعبة إذا كانت الإبل كثيرة العدد بالمئات أو الآلاف وأحياناً يحصل اختلافات حول الماء ودور كل واحد ويحصل اللغط والمشادات الكلامية وربما المضاربات وقد يحصل قتل إذا لم تتصرف الحكمة والعقل في مثل هذا الموقف وأكثر ما تحصل هذه المشاكل في فصل الصيف والخريف أما في فصل الشتاء والربيع فتنتفي هذه المنغصات حول المياه.
3- العوامل الطبيعية:
تلعب العوامل الطبيعية في تقلبات الجو من برد قارس وحر مرهق وسقوط الأمطار والسيول الجارفة والثلوج والبرد وهبوب العواصف الرملية وغير ذلك من العوامل الطبيعية تمثل عوائق مهمة في مسير قوافل العقيلات في هذه المنطقة الصحراوية فقد رأينا في فقرة سابقة أثر حرارة الجو في الصيف مما يجبر القوافل إلى تتبع الموارد وملازمة مسير المناهل التي يشربون منها في الوقت الذي لا تحتاج القوافل لهذه الطرق في فصلي الشتاء والربيع فتقصر المسافات وتختصر الطرق، وفي المقابل نجد في فصل الشتاء من المنغصات اشتداد موجات البرد والعواصف الثلجية كلما اقتربنا من الأراضي الشامية بيد أن البرد والعواصف في أغلب الأحيان أشد قساوة من العواصف الثلجية فكانت القوافل في هذا الفصل تتجنب السرى ليلاً لقساوة برد الصحراء ويقتصر سيرها على النهار القصير بطبيعة الحال كما أن الإبل تحتاج إلى المزيد من العلف الذي يدفئها في الوقت الذي قد لا يتوفر في كل أرض إضافة إلى ذلك فإن نزول الأمطار وجريان السيول في الأودية يعيق مسيرة تلك القوافل ليس هذا فحسب بل إن نزول الأمطار قد يتلف بعض السلع ويخرب بعضها الآخر ويؤثر على البعض الثالث فتضطر هذه القوافل أن تبقى في ملاذ يحمي تلك السلع من الأمطار أما إذا نزل عليها المطر وهي خارج المكان الذي يحميها فلا شك أن بعض السلع تالف لا محالة أو متأثر على اقل تقدير كالسكر والأقمشة وما في حكمها أما إذا كان المطر برداً فإنه كذلك يؤثر حتى على الإبل والناس، هذه العوامل الطبيعية التي تعصف بتلك القوافل في فصلي الشتاء والربيع وخاصة في آخره الذي يسمى "الصيف" وهو 50يوماً وتكثر فيه الأمطار الثلجية البرد والسيول الجارفة أما أول فصل الربيع والذي يسمى "السماك" وهو 40يوماً فهو أقل خطراً هذا فضلاً عن فيضان الأنهار في المناطق التي يوجد بها أنهار قرب دجلة والفرات واليرموك والنيل فإن فيضان النهر وزيادته عن مجراه العادي حتى يصل إلى المسارات التي يسلكونها عائقاً لقوافلهم وإبلهم وسرعة مرورها، أما في فصل الصيف الحقيقي أو القيظ فإن من معوقاته العواصف الرملية الحارة المصحوبة بالأتربة والتي يدوم هبوبها أحياناً باليومين والثلاثة وربما تزيد عن ذلك وتنقص وأحياناً تدفن الرمال التي تثيرها تلك العواصف الأحمال وتمنع الرؤية حتى إلى مسافات قريبة وقد أخبرني أكثر من واحد أن بعض العواصف الرملية يدوم هبوبها من يومين إلى ثلاثة أيام وفي هذه الحالة فإنهم يجمعون الإبل وينيخونها ويعقلونها ويجيدون عقلها ويضعون عنها أحمالها فيجعلونها تستدبر الرياح وأحياناً يدوم هبوب هذه الرياح يوم ونصف وإذا زاد هبوبها قد تدفن الأحمال وقد يدفن الرمل أجزاء من جسم البعير البارك لكن بعد سكون العاصفة تطلق عقل الإبل فتنهض من مباركها نافضة ما عليها من رمل وغبار، هذه العواصف التي تهب على القوافل فجأة خاصة في المناطق القريبة من النفود والكثبان الرملية وإذا كانت الإبل أحمالها عليها فإنها تجمع وتناخ ويجاد عقلها وتكون بمثابة الذرى للرعيان الذين يكونون في وسطها للانتباه لها حتى لا تضيع أثناء العاصفة الرملية، هذه العوامل الطبيعية المشار إليها غير أنها لم تقف حائلاً بينهم وبين تحقيق أهدافهم ولم تكن سداً منيعاً يصعب عليهم اجتيازه بل على العكس فإنهم قد تصدوا لها وقاوموها وشقوا طريقهم خلالها عبر مئات السنين وحققوا أغراضهم ووصلوا إلى أهدافهم ومع أنها كانت تعوقهم وتؤخرهم بعض الوقت غير أن صلابة الإرادة عندهم وقوة التصميم جعلتهم ينتصرون على هذه العوامل الطبيعية مثلها مثل العوامل المصطنعة التي أوجدها الإنسان نفسه والتي تتضمنها الفقرة اللاحقة.
4- الحدود السياسية:
لم تكن الحدود التي نشاهدها اليوم بين الأقطار العربية موجودة قبل تدخل الاستعمار الغربي في الوطن العربي وبعد الحرب العالمية الأولى من عام 1333-1337هـ/1914-1918م وما أعقب هذه الحرب من سقوط الحكم التركي واقتسام أقطار الوطن العربي الإسلامي بين الدول الاستعمارية الغربية الرئيسة آنذاك بريطانيا وفرنسا وإيطاليا حيث وضعت بريطانيا يدها على العراق وشرق الأردن وفلسطين ومصر والسودان وإمارات الخليج العربي، ولو أن كل من مصر وإمارات الخليج وجنوب الجزيرة سبقت هذا التاريخ بدور رمزي وصار من نصيب فرنسا سوريا ولبنان، فقد رسخت هذه الدول الاستعمارية لهذه الأقطار وكان الناس قبل ذلك يسيرون بين هذه الأقطار دون حدود أو حواجز، تخرج القوافل من بين هذه الأقطار ولا حاجز يحول بينها ولا حدود تميزها صحيح أن هناك حدود قطرية معنوية يعرف الناس من خلالها إن كانوا في العراق أو في سوريا أو مصر من خلال مدنه وسكانه بما في هذه المدن من معالم وأعلام كالأنهار والجبال والبحار وغير ذلك لكن لا توجد حدود مادية خطت على الورق أولاً ثم جسدت على طبيعة الأرض بإشارات وعلامات وحرس حدود ونقاط عبور ومراكز نفتيش وغير ذلك مما هو ثابت الآن في الحدود السياسية، هذه الحدود أوجدت إرباكاً لقوافل العقيلات التي كانت تسرح وتمرح وتعبر من أي مكان تريده ويناسبها فصارت لا تعبر إلا مع نقاط معينة محصورة مما سبب لها عائقاً يحد من حركاتها ويجعلها عرضة للازدحام على هذه المعابر كما يعرضها للإيقاف والمنع أحياناً والتفتيش أحياناً أخرى خاصة والأمر فيها صار بأمر دولة أجنبية وقبل وضع هذه الحدود السياسية فقد اكتفى الحكام الأتراك الذين جثم حكمهم على صدر البلاد العربية أربعة قرون، اقتصر هؤلاء على تعيين مراكز لجباية الضرائب حول المدن الرئيسة وما عدا ذلك فقد كانت الأقطار مفتوحة على بعضها حتى مع الأقطار التي لم يسيطر عليها الأتراك مثل منطقة نجد، وما من شك فإن قيام هذه الحدود التي قامت على أساس مفاوضات بين أقطاب المستعمرين الجدد من ناحية وبين هذا المستعمر والهيئات والسلطات المحلية كما حدث بين فرنسا وبريطانيا التي رسمت الحدود بين كل من سوريا والعراق وشرق الأردن وفلسطين ومصر أما ما يخص السلطات المحلية فكما جرى بين بريطانيا ودول إمارات الخليج العربي كالكويت وقطر والمملكة العربية السعودية هذه الحدود قامت في بعض الأحيان على أساس الأمر الواقع أو الاحتلال وأحياناً أخرى على أساس التفاوض بموجب وثائق بسط نفوذ قديمة قبل هذا التاريخ وقد أوجد المستعمر الإنجليزي بالذات بخبثه وكيده وخسته بؤراً للاختلاف في هذه الحدود لا تزال تنبعث منها الخلافات بين الحين والآخر بين هذه الأقطار حتى وقتنا الحاضر كل هذه الإجراءات وقعت بعد تصفية الممتلكات التركية في الأقطار التي كانت تركيا تسمى "بالرجل المريض" الذي اقتسموا تركته بعد تحجيمه وإعادته إلى حجمه المناسب في نظرهم في الأراضي التركية فقط وأعطوه جزءاً من الأراضي السورية المتمثلة في لواء الأسكندرون هذه الحدود قد أوجدت للعقيلات عائقاً اصطناعياً حد من سرعة تحركاتهم وأفقدتهم حرية العبور من أي طريق يريدونه كما أنه أثر في عملية تحجيم القوافل حسب استيعاب الممرات المعدة للعبور مما اضطر بعضهم إلى تجنب تلك النقاط حيث يصبحون عرضة للمطاردة والخطر عند الدخول إلى القطر مرة أخرى إلا لمن يؤذن لهم بالدخول، هذا فيما يخص القوافل أما ما يخص الأشخاص فقد أوجد هذا الصنيع البغيض التفرقة بين أجزاء الوطن العربي الواحد وبذروا الحزازات والفوارق بحيث أصبح هناك سوري ولبناني وعراقي وأردني وسعودي وكويتي وقطري وإماراتي وعماني ومصري وسوداني وفلسطيني ويمني وحتم على كل فرد ألا يدخل إلى أي قطر من قطر آخر إلا بوثيقة عبور أو جواز سفر وتأشيرات دخول وخروج ومدة إقامة وغير ذلك من الإجراءات التي لم تكن موجودة من قبل فحدت هذه الإجراءات من دخول الأشخاص من بلد إلى آخر وكان من المسببات التي قلصت دور العقيلات ثم أدت إلى زواله تماماً بعد الحرب العالمية الثانية.
5- الضرائب:
بالإضافة إلى ما يدفعه العقيلات من الإتاوات والهدايا لشيوخ القبائل ومعرفيها الذين مر بنا ذكرهم في فقرات سابقة تأتي الضرائب والرسوم التي تؤخذ على هذه البضائع منها ما يمر مروراً فيستحق الرسوم أو ما يورد للبلد أو القطر فيكون المستحق عليه ضريبة وقد أثرت الضرائب والرسوم على مسار العقيلات وعلى أسعار بضائعهم وأثرت على ما يجنونه من أرباح، وإن كانت مثل هذه الضرائب في الحقيقة لا يؤثر على العقيلات أنفسهم بقدر ما تؤثر على المستهلك أولاً وأخيراً، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن العقيلات يضعون سعر السلعة الأساسي ويضيفون إليه سعر التكاليف من مصاريف القافلة والإتاوات وأقيام الهدايا والرسوم والضرائب ثم يضيفون إليها ما يناسبهم من أرباح كل حسب قناعته أو طمعه ثم تحدد قيمة السلعة على هذا الأساس فيكون المستهلك هو الذي يدفع كل ما يترتب على هذا ويتحمله، ولكن حدث أحياناً أن يحصل تنافس في السوق خاصة في سوق الإبل والخيل، إما بورود أعداد كبيرة منها أو بسبب قلة الطلب عليها أو بسبب هزالها خاصة في أيام المحل عندما تكون الأرض مجدبة فتكون كل هذه المصاريف أو جزء منها على حساب أرباح العقيلات، وقد تتعرض أرباح العقيلات لهزة عنيفة عندما تنفق وتهلك أعداد من هذه الحيوانات بالغرق في السيول والأنهار أو عندما تتعرض لأي نوع من مؤثرات العوامل الطبيعية الأخرى أو تتلف البضاعة كالسكر في حالة هطول الأمطار عليه والقافلة في الطريق أو عندما تكون التجارة من السوائل كالسمن والدبس والعسل وتتعرض لتشقق أوعيتها أو تنضح فتنقص كميتها أو تكون من "القاز" "الكيروسين" فيتسرب من الصفائح أو يتبخر من شدة حرارة الشمس وارتجاجة في الصفائح على ظهور الإبل أو تكون من البضائع القابلة للكسر كالزجاج والمرايا والأواني الخزفية عند نقلها وتحركها على الإبل وغير ذلك من العوارض التي تصيب العقيلي بخسائر مؤثرة وأحياناً تكون خسائر فادحة وقاصمة لظهره، وفوق هذا لابد له من دفع الرسوم والضرائب في حالة وجود هذه السلع، أو جزء منها، ولذلك تجد بعض العقيلات يتهربون من دفع هذه الضرائب والرسوم وكان العثمانيون يأخذون من مواطني الأمبراطورية العثمانية رسوماً جمركية قدرها 8% أما الأجانب فإنهم يدفعون رسوماً جمركية أقل مقدارها 3% من قيمة البضائع وتحسب على الصادر والوارد على حد سواء، هذا في العهد العثماني الذي دام قرابة أربعة قرون واخذ شطراً مهماً من دور العقيلات الذين امتد وجودهم منذ القرن السابع أو الثامن الهجري وحتى منتصف القرن الرابع عشر الهجري كما مر بنا في فترة سابقة، وبعد أن حصلت الحدود والمراكز في الثلاثين سنة الأخيرة من وجود العقيلات أصبح هناك تفاوت في قيمة هذه الرسوم الجمركية وتتراوح ما بين 1-2ريال "فرانسي" على الرأس الواحدة والجمرك على البعير الواحد 3ريالات (فرانسي)أما الخيل فالرسوم عليها من 2-4 ريالات (فرانسي) والجمرك 6ريالات (فرانسي) لكل رأس من الخيل، حيث تدفع الرسوم للعبور في البلد الذي لن تباع فيه هذه الحيوانات أما الجمرك فتدفع في البلد الذي ستباع فيه الإبل والخيول، وبالطبع فإن مقدار هذه الرسوم والجمارك تؤثر على مكاسب العقيلات ولكن رغم هذا فقد استطاع العقيلات التغلب على هذه العوائق والانطلاق بمسيرتهم التي امتدت لقرون عديدة متلاحقة واثبتوا جدارتهم في هذا المسار الذي أدوا فيه مهمتهم وقاموا بها خير قيام خلال تلك الأحقاب الماضية حتى انتهى دورهم أخيراً.
6- الاغتراب ودور المرأة:
من المعوقات التي صاحبت رحلة العقيلات طول الغياب عن الأهل والوطن الأم بما يترك من سلبيات على الأسرة، فليس الغياب عن الأهل زمن الرحلة التي تدوم بضعة أشهر فحسب ولكن الاغتراب لمدة أطول من ذلك وتعد بالسنوات، فهناك مئات بل آلاف الحكايات التي تتحدث عن اغتراب العقيلات منها على سبيل المثال لا الحصر ذلك العقيلي الذي سافر وابنه حمل في بطن أمه ولم يعد هذا العقيلي إلا ويستقبله ابنه وقد نبت الشعر في وجهه وعارضيه أي مدة تقرب من عقدين من الزمن ومنها ذلك العقيلي الذي ترك زوجته وهي حامل وجاءه ابنه في الشام ومعه رعية من الإبل قد جلبها حيث أصبح هذا الإبن عقيلي مثل أبيه ولم يره أبوه إلا بعد أن قدم إليه، ومنهم ذلك العقيلي الذي غاب واغترب عن أهله حوالي ثلاثين سنة ولما عاد بما حصل عليه من مال من النقود الذهبية والفضية وقرب بلده سطا عليه مجموعة من اللصوص وقطاع الطرق وسلبوه ما معه من نقود، فعرج على مورد ماء بأحد أطراف بلدته ليملأ قربته بالماء بعد أن عزم على العودة من حيث أتى دون أن يواجه أهله، فصادف رجلاً من أهل بلدته يعرفه ولما سأله عن خبره روى له ما جرى عليه وما صمم على فعله من العودة إلى الشام ولما قال له: ألا تمر ببلدك لتسلم على أهلك وأمك، ما زاد هذا العقيلي على أن قال: "غيرها لطلبه" أي غير هذه المرة فذهب قوله مثلاً سائراً وعاد إلى الاغتراب مرة أخرى لأنه لا يريد أن يأتي إلى أهله بعد كل هذه الغيبة وهو صفر اليدين، وغير ذلك من القصص التي تملأ مئات الصفحات، وعبء الاغتراب بالنسبة للعقيلات يقع على عاتق المرأة بالدرجة الأولى خاصة إذا كانت هذه المرأة ربة أطفال حيث يقع عل كاهلها مسئولية كبيرة هي مسئولية تربيتهم وهي من أشق المسئوليات في غياب الأب تماماً بالإضافة إلى مسئولية معيشتهم في وقت تصعب فيه لقمة العيش ويشق تحصيلها على الرجال الذين يكدحون بسواعدهم وينزفون من عرقهم في سبيل الحصول عليها فضلاً عن المرأة التي لا حول لها ولا طول في تحصيلها اللهم إلا ما تحصل عليه مما يرسله إليها زوجها بين الحين والآخر فتبدأ باقتصاده على نفسها وأولادها إلى حين يأتيها مدد آخر بعد فترة من الزمن، فكانت المرأة والحالة هذه تنزل إلى ميدان العمل بما يناسب قوتها وما تتقنه من مهارات مهنية كأن تساعد زوجات الفلاحين في أعمال المزرعة من تهيئة الأعلاف ودقها للسواني أو عملية الحصاد وتنقية الحب أو قطف الثمار وجني التمور وغير ذلك من أعمال بأجر معين تتقاضاه ممن تعمل عندهم لتستعين به على شئون حياتها مع أطفالها، أو أن تجني الأعشاب في موسم الربيع وتحفظها وتخزينها في غرف تبيعها على الفلاحين عندما يحتاجون إلى ذلك وتستعين بأثمان هذا المحصول على مصاريف أطفالها، أو أن تجني الأعشاب ذات الحبوب التي تؤكل مثل شجيرات الفث "السمح" وشجيرات الدعاع هذه الأنواع من الأعشاب لها حبوب ذات قيمة غذائية جيدة تصنع منها بعد طحنها الأطعمة التي تقوم مقام الحبوب الأخرى من قمح وشعير وغيره، تجمع هذه الحبوب وتخزنها للحاجة إليها وبعضهن تجيد بالإضافة إلى ذلك أعمالاً يدوية أخرى كالخياطة والغزل والحياكة وصنع المنسوجات الصوفية والوبرية أو دبغ الجلود أو صنع المشغولات الجلدية أو صنع السفيف والأوعية من خوص النخيل وغير ذلك من الأعمال المهنية النافعة للفرد والمجتمع والتي تكسب المرأة من ريعها ما يساعد على نفقتها مع أولادها، بالإضافة إلى يرسله إليها زوجها، وبعضهم تعتمد على نفسها اعتماداً كاملاً فتؤمن نفقاتها مع أولادها دون الالتفات إلى يرسله لها زوجها، والبعض منهن تسند ظهر زوجها فتنمي له ثروة من ذاتها وتدعم زوجها وهو في غربته بما تنميه من الحيوانات وما تتاجر به مع بنات جنسها، هذا الكلام بالنسبة لزوجات العقيلات من الطبقة الدنيا من المبتدئين أو الذين يعملون بالأجور المحدودة أما الطبقة الوسطى والعليا من كبار العقيلات فإن زوجاتهم يؤمن لهن كل ما يلزم من مصاريف أثناء غياب أزواجهن سواء فيما يتركونه لهن من نفقات أو ما يرسلونه أثناء غيابهم وما عليهن سوى تدبير هذه النفقات والاقتصاد فيها بقدر ومقدار أما موضوع تربية الأولاد فإن العبء كاملاً يقع على عواتقهن في كل الطبقات من العقيلات يساعدهن في ذلك إما أبو العقيلي أو أخوه أو أحد أقاربه خاصة فيما يتعلق بالذكور إذا شبوا على الطوق وأصبحت الأم لا تستطيع في بعض الأحيان أن توجههم الوجهة السليمة، وكثير من أبناء العقيلات قد التصقوا بأمهاتهم في عهد الطفولة والصبا أكثر من التصاقهم بآبائهم الذين يغابون عنهم بالشهور والسنين، لكن تلك الأمهات كن على مستوى مسئولية الأمومة والتربية السليمة الصالحة، حيث تغرس الأم في نفوس أبنائها الجانب الديني ومكارم الأخلاق وسمات الرجولة ونزعة الجد والاجتهاد والطموحات المؤدية إلى بناء المجد والتنافس والسعي إلى الأفضل بمنافسة الآخرين بالإضافة إلى نفحات الأب الذي ما إن يعود من سفره إلا ويتفقد شئون أبنائه ويتسمع إلى أخبارهم ويسأل عن سلوكياتهم ثم يوجههم الوجهة السليمة ثم يتابع ذلك في السفرات القادمة، أما معاناة الزوجات من غياب أزواجهن من الناحية العاطفية فهي أليمة حقاً، حين يغاب العقيلي عن زوجته الشهور المتعاقبة بل قد تمتد إلى السنوات والزوجة تعاني من وقع الغربة والبين صابرة حيناً متصبرة أحياناً أخرى محافظة على نفسها وشرفها وأبنائها وأموال زوجها في سبيل الحفاظ على بنية البيت متماسكة إلى حين عودة الزوج وبعده، وكثير منهن قد بنين بيوتاً وربين أجيالاً يفتخر بهم الوطن حين أصبحوا رجالاً بما تعنيه هذه الكلمة من القوة والسداد والمكانة وبهذا نرى أن زوجات العقيلات قد تحملن الكثير من الأعباء أثناء غياب أزواجهن لتحصيل لقمة العيش وساندن ظهورهم وخففن من معاناتهم أثناء الاغتراب بسد مكانهم والنيابة عنهم في الأعمال التي من المفروض أن يقوموا بها وبوجود تلك الزوجات المخلصات خلفهم قد خففن عنهم العبء وأزحن عنهم العوائق ومهدن لهم الطريق التي سلكوها حتى وصلوا إلى غايتهم وحققوا أحلامهم، كما أن العقيلي المغترب يكافح من أجل الحصول على لقمة العيش يصارع تيار الحياة العاتي فإنه كذلك كان يعاني من آلام الاغتراب فيما يتعلق بأولاده وزوجه لكن ظروف الحياة أجبرته على ذلك فبقي يصارع تيارها ويكابد مشاقها ليحقق هدفه الذي وضعه نصب عينيه حتى بلغ ما بلغ في هذه المهنة التي اختارها لنفسه أو وجد نفسه مضطراً على ولوجها لعدم وجود فرص للحصول على لقمة العيش سواها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..