خبراء رأوها أمراً تعجيزياً والنجيمي اعتبرها تعويضاً
ريم سليمان- دعاء بهاء الدين– بدر الروقي – سبق: تحولت
الدية من عقوبة رادعة إلى المتاجرة بالدم، وقد دفعت هذه التجارة الرخيصة
الخبراء بمطالبة الجهات
المعنية بوضع سقف ملزم وعادل للدية، ولاسيما بعدما انتشر سماسرة يتاجرون فيها مقابل نسبة معينة، واكتظت وسائل الإعلام الحديثة بأنواعها بنداءات وصرخات واستغاثات للتدخل في دفع الدية وعتق رقاب ذويهم.
المعنية بوضع سقف ملزم وعادل للدية، ولاسيما بعدما انتشر سماسرة يتاجرون فيها مقابل نسبة معينة، واكتظت وسائل الإعلام الحديثة بأنواعها بنداءات وصرخات واستغاثات للتدخل في دفع الدية وعتق رقاب ذويهم.
"سبق" تناقش المختصين في الارتفاع
الجنوني للديات، متسائلة هل ما يحدث الآن من ذوي الدم من مبالغة يعد عفواً
أم تجارة دم؟ ومتى سيتدخل المسؤولون لوضع حدٍ لتلك العمليات التسويقية؟
إنقاذ رقبة ابني
تترقب أسرة أحد المحكوم عليه بالقصاص مد يد العون لعتق رقبة ابنهم المشروطة بـ20 مليون ريال، وبصوت ممزوج بالألم تحدث لـ"سبق"
والد المحكوم عليه قائلاً: ابني موقوف ثلاث سنوات، شاءت إرادة الله أن
يرتكب جريمة قتل خطأ، ولا ندري حتى الآن كيف حدث ذلك، معرباً عن أسفه لعجزه
عن سداد المبلغ المطلوب، وقال: اشترط علينا أهل القتيل دفع دية قدرها 20
مليوناً لإنقاذ رقبة ابني، استطعنا تدبير مليوني ريال فقط، والباقي 18
مليون ريال لا ندري كيف نستطيع سدادها؟
مرارة الألم
وبصوتٍ باكٍ تحدثت أم مشعل قائلة: في يوم كئيب من حياتي وأثناء مشادة
كلامية بين ولدي وأحد أصدقائه، قتل ولدي، وتجرعت مرارة الألم، وتأملت
أبناءه، زهور بريئة ذبلت قبل أوانها، موضحة تواضع الحالة المادية لابنها
وقالت: ابني كان موظفاً بسيطاً، وتأثرت أسرته بوفاته، عرض علي أهل القاتل
دية كبيرة سوف تسهم في تأمين مستقبل أسرته، بيد أني تنازلت عنها، ابتغاءً
لوجه الله، مؤكدة أن ابنها سيظل في قلبها حتى تلقاه.
متاجرة بالدماء
رفض شيخ قبيلة بعسير حسن الجابرية البارقي المبالغة في قيمة الدية، معتبراً
إياها متاجرةً بالدماء، وأمراً تعجيزياً من قِبل أهل القتيل، وأرجع ذلك
للتفاخر بين القبائل بارتفاع قيمة دية أبنائها عن القبيلة الأخرى.
وحثّ البارقي أهل القتيل على العفو والصفح عن قاتل ابنهم لوجه الله تعالى، مشيداً بأخلاق من يعفو ابتغاءً لوجه الله.
وبنبرة تشاؤم تحدث المأذون الشرعي الشيخ عمر العاطفي قائلاً: للأسف الشديد
يصر أهل القتيل على طلب دية كبيرة مقابل عتق رقبة القاتل، مبيّناً أن هذا
يرتبط بالحالة النفسية لهم ومدى استعدادهم للعفو عن القاتل، وأبدى أسفه
لعدم جدوى مساعي الأمراء وشيوخ القبائل في إقناع أهل القتيل بالتنازل لوجه
الله.
ولفت العاطفي إلى أن بعض شباب القبيلة يهددون بالقتل من أهلهم، في حال
تنازلهم عن الدية ابتغاءً لوجه الله تعالى، مطالباً شيوخ القبائل بالتفاهم
مع أهل القتيل لتخفيض قيمة الدية، واقترح في ختام حديثه إنشاء صندوق
للطوارئ في كل قبيلة لمساعدة الشباب الذين يعجزون عن دفع قيمة الديات.
أرقام تعجيزية
أرجع الشيخ عبدالله براك الحارثي ببيشة ارتفاع الديات لأسباب عدة أهمها
الضغط من قِبل القائمين بالتوسط للصلح كي يتنازل صاحب الدم، فيقوم برفع
الدية حتى يرد بها المصلحون، أو تعجيزية لإحراج أهل القاتل، مشيراً إلى
مشكلات لجنة الإصلاح في منطقتهم وهي الدعم المادي، والحاجة إلى مختصين
قادرين على الإصلاح، وكذلك تحتاج إلى الحماية الأمنية في حال الصلح.
واستعرض الحارثي قصة لرجل تنازل لوجه الله عن قاتل ابنه دون أي مقابل مادي
ودون وساطة، مبيّناً تأثير ذلك على أهل القاتل فقاموا بزيارته، ودفع مبالغ
وهدايا، بيد أنه رفضها ابتغاء وجه الله.
جهود اللجنة
أبان لـ"سبق" محافظ الطائف ورئيس لجنة
إصلاح ذات البين فهد بن عبدالعزيز بن معمر أن اللجنة نظرت في 80 قضية قتل
تقريباً، تم العفو في نحو 90 % منها ابتغاء وجه الله دون مقابل، والباقي
بمبالغ محدودة غير مبالغ فيها كما يتصوره البعض، مؤكداً أن خادم الحرمين
الشريفين حدد الديات في عتق الرقاب بخمسمائة ألف ريال، رغبةً في الحد من
بعض المبالغات، بيد أن أولياء الدم قد يطلبون مبالغ خيالية أحياناً ربما
لدفع الحرج عنه من الوجهات الكثيرة والكبيرة.
وأشاد ابن معمر بدور اللجنة في التفاهم مع أولياء الدم قائلاً: نحن نُدرك
مكانة القتيل لدى أهله، ومهما دفع لهم من مال فلن يعوض فقدان ابنهم، كما أن
الطرف الآخر مهما طُلب منه لإنقاذ ابنه فهو أزهد بكثير من حد السيف،
مشيداً بالأخلاق والعادات الأصيلة في المجتمع التي تجعل الكثير يعتقون
الرقاب لوجه الله تعالى.
ونفى ما يُشاع حول ارتباط ارتفاع الديات بمناطق دون أخرى، فليس هناك منطقة
أو محافظة أو قبيلة ترتفع فيها الديات دون غيرها، مرجعاً ذلك لأولياء الدم
وأسرة القتيل، مؤكداً أن الوضع ليس قبلياً كما يعتقد البعض، وقال: العتق
للرقبة أو طلب القصاص ليس من حق القبيلة، وإنما يخص ورثة المجني عليه فهم
أصحاب الحق في العفو أو القصاص، منوهاً بدور أبناء القبيلة ومشايخها في بذل
الجهود المخلصة، في سبيل السعي للعتق.
ورفض اتهام لجان الإصلاح بالقصور قائلاً: من يقول هذا الكلام لم يطّلع ولم
يقرأ أو يسمع عن الجهود التي تبذلها اللجان، على الرغم من أن وسائل الإعلام
أسهمت كثيراً لإبراز جهود اللجان في كل منطقة، ضارباً مثالاً بلجنة إصلاح
ذات البين بالطائف لنظرها فيما يقرب من 1680 قضية بينها قضايا قتل وأخرى،
على الرغم من حداثة عمرها الزمني المحدود الذي لا يتعدى 7 سنوات، كما أن
هناك لجنة في المحكمة العامة بالطائف حققت نتائج في نحو 600 قضية.
شفاعة ولي الأمر
أشار أمين عام لجنة إصلاح ذات البين بعسير مسفر الحرملي إلى دور اللجنة في
الصلح بين الطرفين ومحاولة تقريب وجهات النظر بين القبائل، مؤكداً أنه قبل
البت في الصلح يتم دراسة وافية للقضية، ومعرفة هل تستحق الدراسة أم لا،
ولفت إلى أنه إذا كان القاتل مجرماً فإنه لا يستحق الشفاعة.
ولفت إلى أن نسبة 60 % ما زالوا ينظرون إلى الدية برؤية شرعية، ويخشون تبعة
التنازل مستقبلاً كالثأر من القاتل، نافياً ارتباط مكانة القبيلة بارتفاع
مبلغ الدية وقال: إن القبائل عظيمة الشأن تتنازل لوجه الله، أو تقبل أي دية
دون شروط مسبقة، وأثنى على أهل المنطقة لاحترامهم شفاعة ولي الأمر وشيوخ
القبائل، وتنازلهم لوجه الله في أكثر القضايا.
وقال: في اللجنة نتعامل مع القضية بمنظور واحد تجاه ذوي القاتل والقتيل،
مؤكداً مراعاة شعور أهل القتيل، وعدم الضغط النفسي عليهم للتنازل وقال:
نتعامل بالود والاحترام مع أهل القتيل، ولا نجبرهم على التنازل، فإذا أبدوا
رغبتهم في التنازل نشجعهم، ونبدأ في الإجراءات، وإذا رفضوا فينتهي دورنا
في الوساطة.
عملية تسويقية
حول الحالة النفسية لمن ينتظر الموافقة على الدية والعفو، قال الاستشاري
النفسي الدكتور محمد الحامد: الانتظار صعب جداً على أي شخص، واصفاً هذا
الشخص بشرود الذهن والعصبية والخوف من المستقبل، حتى مشاعر الفرح من الصعب
أن يشعر بها، حيث لا يعي إن كان من الأحياء أو الأموات.
ولفت إلى أن ما يحدث الآن من أرقام الدية أمور تعجيزية، مطالباً بإعادة
النظر في قضية الحد فإما أن يتم القصاص أو دفع فدية تحت سقف معين، حتى لا
تترك أي مجال للطمع وتباع وتشترى أرواح البشر، مشيراً إلى أن المبالغة في
الدية يعد أمراً معيباً لصاحب الدم، وقال: ترك روح الميت مجال لعملية
تسويقية رخيصة بمبلغ 20 أو 30 مليون جنيه هو بيع وليس عفواً.
تجارة بالبشر
رأى الاستشاري النفسي الدكتور حاتم الغامدي أن ظاهرة ارتفاع أسعار الديات
شوهت قيم القصاص، مضيفاً أن ما وصل إليه الحال من استغلال عواطف البشر
لاستدرار أموالهم، حتى دخل سماسرة للترويج من خلال وسائل التواصل
الاجتماعي، وقد يكون وراءها عصابات.
وأعرب عن أسفه من المبالغة الموجودة في أسعار الديات، وصارت حياة الإنسان
تقدر بالمال، متسائلاً ما قيمة العفو أمام عظم الأجر والتنازل لوجه الله،
متسائلاً متى يتوقف المجتمع عن هذا الأسلوب المشابه للتجارة بالبشر، مما
جعل الحزن على القتيل غير صادق وانتفت الحالة الإنسانية، وأصبح البحث عن
الدية هو الأهم.
التوعية المجتمعية
من جهة أخرى فرق أستاذ علم الاجتماع سعود الدحيان بين القتل العمد الذي
يعطي الحق إما في تنفيذ الحكم أو العفو، وبين الخطأ الذي يقبل فيه الدية
المعتادة أو التنازل، مشيراً إلى أن السبب الرئيسي في ارتفاع الدية هو
الدافع المادي لدى الورثة، ويكون على حسب أهمية القتيل وأيضاً الشخص
القاتل، ومن ثم بدأ تزايد الأسعار لدى قبيلة ما وصارت مثالاً يُحتذى به.
وعن الأماكن التي بدأت ترتفع فيها أسعار الديات قال الدحيان: هذه الظاهرة
الجديدة ظهرت في النمط القبلي والبادية أكثر من المدينة، مشيراً إلى أن
التفاخر بأسعار الديات في القبائل تقديراً لقيمة الفرد زاد من قيمة الدية.
وعن الحلول المقترحة لتقليل حد الدية أجاب قائلاً: لا توجد حلول سوى
بالتوعية، فهي ثقافة مجتمع بأكمله، ولا يستطيع أحد تحديد أسعار الدية وفرض
رقم معين على المجتمع.
إطار درامي
تحدث لـ "سبق" مخرج فيلم "بازار الدية"
محمد هلال والذي ناقش القضية عبر فيلم على اليوتيوب، قائلاً: لقد آثرنا
مناقشة القضايا الشائكة في المجتمع، مبيّناً تأثره بما أثير في الآونة
الأخيرة من ارتفاع قيمة الديات، بحيث وصل لأرقام فلكية، وأبدى سعادته
بالتعليقات الايجابية التي تفاعلت معه عبر اليوتيوب قائلاً: لقد أيد فكرة
الفيلم نحو 70 % من مشاهديه، ورفضوا هذه المبالغ الطائلة للديات، وفضلوا
التنازل لوجه الله تعالى، بينما 20 % تمسكوا بالدية حتى لو ارتفعت قيمتها.
أرقام فلكية
أبان عضو الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان المحامي والمستشار القانوني خالد
الفاخري الفرق بين القتل العمد والخطأ قائلاً: إن القتل العمد هو أن يكون
الجاني مترصداً للضحية، ومبيت النية لقتله بسبب خلافات فيما بينهما ويكون
لدى الجاني قصد واضح كإزهاق روح المجني عليه، كما أن الآلة المستخدمة في
القتل يتضح من خلالها بأن هناك قتلاً عمداً.
وشدد الفاخري على أن أحكام الشريعة محددة فيما يتعلق بالحدود والاعتداء على
النفس، حيث إن القاتل يقتل إلا إذا رأى أولياء الدم العفو والتنازل عن
الاقتصاص من القاتل، مؤكداً أن الشريعة الإسلامية حددت الدية المقررة
شرعاً، بيد أن بعض أولياء الدم أصبح يساوم أهل القاتل على التنازل في مقابل
دفع مبالغ مالية طائلة وصلت إلى أرقام فلكية، ولفت إلى أن ما يقوم به
البعض حالياً قد ينجم عنه اتفاقات مسبقة للحصول على أموال بهذه الطرق.
تعويض للأبناء
من جانبه , أفاد أستاذ الفقه في جامعة الإمام الدكتور محمد النجيمي بأنه
يجوز للناس أن يتصالحوا على مبالغ أكثر من الدية المقررة، ورأى أنه من
الصعب جداً في هذا الزمن تحديد مبلغ صغير للدية، حيث كان من المقرر لها أن
تكون 300 ألف ريال وتم رفعها إلى 500 ألف، وقال: هذا المبلغ يعد ضعيفاً
جداً وخصوصاً إذا كان المتوفى رب الأسرة وعائلها الوحيد، مشيراً إلى أهمية
أن تتدخل الدولة بالقدر المعقول ورفع حد الدية إلى 5 ملايين ريال سعودي
للتعويض.
وطالب بتشكيل لجنة من جهات مختصة على أن تضع مبالغ مقبولة لأصحاب الديات،
كما يجب على العلماء أن يبحثوا قضية جوهرية ومقبولة وهي أن الدية ليست
عقوبة فقط بل هي تعويض لأهل القتيل، مستدلاً على ذلك بأن الشرع جعل دية
الرجل ضعف دية المرأة باعتباره هو العائل فتصبح الدية تعويضاً للأبناء.
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..