الخميس، 6 سبتمبر 2012

تويتر يفضح أدعياء الحرية


ليس حسناً أن يقوم كاتب لطالما تغنّى بالحرية، وضجّ الفضاء بصوته وهو يشكو من القمع ، والمنع.. ثم يأتي برسالة يُطالب فيها بتكميم الأفواه، وإسكات الأصوات عن الحديث في تويتر !
أخذني العجب وأنا أقرأ رسالة د. زهير كتبي التي يُناشد فيها سمو وزير الداخلية ليمنع موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" حتى لا تكون الفتنة ، وتقع المصيبة ، لأن الحمام أصبح يلد عقارباً ولا يضع بيضاً على حسب تعبير كاتبنا المحترم .
والحمدلله أن المسؤولين في بلادنا على وعي كبير، ويعلمون مايدور حولهم أكثر ممّن يزعمون الثقافة ويدّعون العلم ، وإلا لكانت البلد بالفعل ستضجّ بالفوضى، ولرأينا الحمام (المحترم) يلد العقارب، وأصبح الديك يحمل في بطنه الأفاعي على حسب تعبير الكاتب أيضاً.
استوقفتني كثيرا هذه المقدمة ذات الدلالات المجازية التي تُنذر بشؤم تويتر على مجتمعنا، فأصبحت الفطر في تويتر منكّوسة، والحياة ليست هي الحياة التي نعرف، وبات كتّابنا ومثقفون يخشون من تويتر، ويخافون على البلد منه، أو بتعبير أدق كما قال الأستاذ جمال خاشقي: " الواحد صار يخاف يمشي في تويتر بالليل وحده!".

وقد حشد الأستاذ زهير كتبي في مقالته أسماء المثقفين الذين يُحذّرون من فتنة تويتر، ويخشون من سطوته على المجتمع، ومن بين الأسماء التي ذكرها كاتبنا أساطين المثقفين الذين يدعون للفكر والحرية - بزعمهم- كعبد الله بن بخيت، وأحمد العرفج !

ولعلك -أخي القارئ الكريم- يتبادر الآن سؤال في ذهنك : لماذا يخشى هؤلاء من تويتر؟

دعني أعود بكَ إلى التاريخ قليلاً، عندما أتى الانترنت بلادنا، وافتتحت الساحات العربية، وكانت أول منتدى عربي، احتشد فيها السعوديون من كل مكان، وأتوا إليها من كل الأقطار.. كانت مناخا رائعا بانفتاحها الحر على كل الأطياف، وكان بالطبع الصوت الإسلامي هو الذي يعلو فيها، ويصول ويجول... وتلك حقيقة لا بد أن نعترف بها: أن الصوت الإسلامي متى ما وجد مناخ الحرية، وفُتحت في وجهه الأبواب كان هو الصوت الأبلغ أثراً والأكثر تأثيراً.
كان في الساحة العربية كتّاب لبراليون، وشيعة، وإسماعلية... ومن مختلف طوائف المجتمع السعودي، لذلك اعتبرها القارئ العادي الصوت الحقيقي لهذا الشعب، والمتنفّس الحر الذي لا يتحكّم فيه رئيس تحرير بما يوافق مصالحه ومصالح صحيفته، أو بما يوافق فكره، وفكر السفارات التي يمثلها!

هذه الحرية التي كانت في الساحة العربية ضجّ منها أدعياء الحرية، وبرى الكتّاب أقلامهم، وقذفوا بمقالاتهم، وزعموا أن الساحات العربية خطر على الوطن، وأن خفافيش الانترنت يثيرون البلبة ! واقمعوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الأمر كله لبني لبرال !

ثم دخلنا في الألفية الثالثة وأتى تويتر بمناخه الحر، وقدرته على التأثير، وسُحب البساط من تحت أقدام الصحف، وانكشف الغطاء عن الذين يزعمون أنهم يمثلون المجتمع، وبانت مخرقتهم، فبدأوا في الهذيان، وأخذتهم الهلواس، وقاموا ببث الوساوس... فكتبوا ما كتبوا، وزعموا أنهم هم المصلحون، وأن تويتر وقومه هم المفسدون ولكن لا يشعرون !

وبعد هذه المقدمة التي لم يكن بد منها ، دعونا الآن ننقاش رسالة د. زهير كتبي، ونرى أبرز حججه التي اعتمد عليها.

أبرز ما استدل به الكاتب زهير : أن تويتر أصبح محرضا للعنف ويدعو للقتل، وزعم أن الشيخ خضر بن سند أقسم على قتل حميد الدين.

وما زعمه د. زهير أن خضر بن سند أقسم على قتل حميد الدين ليس بصحيح، وهو من الافتراء على الشيخ خضر، ولست هنا في مقام الدفاع عنه، وقد نفى ما قاله عنه زهير في تويتر فبالإمكان الرجوع إلى كلامه. وعلى د. زهير أن يُثبت ذلك وإلا ليعتذر للقارئ والشيخ خضر.

أما أن هناك في تويتر أناسا متطرفون فنعم، ولا ينكر ذلك أحد، ولكن ما عددهم؟ وما تأثيرهم؟
وزهير وغيره من المناوئين لتويتر ينظرون للجانب المُظلم دائماً ويهولونه ويعظمونه.. وعلى منطق الأستاذ زهير نستطيع أن نقول: إن الجوّالات يستخدمها المتطرفون فعلى الدولة أن تمنعها وتحاربها، وأن الانترنت كله يستخدمه المتطرفون فيجب منعه بالكلّية، وإن السيارات أيضاً يستخدمها المتطرفون فيجب أن نمنع استيرادها ... وعدّد نقاطاً كثيرة من هذا النوع على منطق الأستاذ زهير !!

يقول الأستاذ زهير -وهو في معرض بيان أبرز حججه-: "مما يفقد نظام الحكم هيبته مثل الكتابات المتبادلة بين بناتكم الاميرات . مثل ما كتبته صاحبة السمو الملكي الاميرة سارة بنت طلال بن عبدالعزيز ، والاميرة صاحبة السمو الملكي الاميرة بسمة بنت سعود بن عبدالعزيز فهذا يساعد على اهتزاز صورتكم أمام الشعب والعالم، وافتقاد هيبتكم السياسة على مستوى العالم . وهو يشكل مادة دسمة للمعارضة تستغلها لصالحها".

هل سمعتم بالكتابات المتبادلة بين الأميرات، وما أحدثته في صورة الدولة أمام الشعب والعالم؟

لا أدري هل يظن د. زهير أن دولتنا دولة من ورق تهتز صورتها لمجرد رسائل متبادلة بين أميرة وأميرة؟

إن الأستاذ زهيراً وغيره من المثقفين اعتادوا على مناخ الصحف، ومزاج حرية التعبير التي يفرضها رئيس التحرير، ولم يعتد على هذا المناخ الحر، ويرى د. زهير أن ما أورده من العظائم والكبائر، ومَثَلُه في ذلك مَثَلُ أعرابي من بادية دخل مدينة متطورة عظيمة، فانبهر بما فيها، وأتى يُحدّث قومه بما رأى، وكان من حدثيه، أن هناك أميرة رآها تراسل أميرة ! فيا للعار والشنار!

وحسبي الآن وحسبك أيها القارئ من حجج الأستاذ زهير، فهي مؤسسة على جرف هار، عند أدنى نقاش تتهاوى، فلم تبن هذه الحجج على منطق صحيح، ولا على عقل سليم.

ولعلّي هنا أذكِّر بمحاسن تويتر التي غفل -أو تغافل- عنها  د. زهير.

فمن حسنات تويتر أنه بوابة لنشر الخير ونشر العلم... وكم من طالب علم استفاد منه، وأفاد غيره بما علمه، وهو أيضاً حلقة وصل بين المسؤوليين والمواطنين، فكم من مؤسسة حكومية أنشأت حسابا لاستقبال الشكاوى أو المقترحات واستفاد منه المواطن.

وتويتر أيضاً - يا أستاذ زهير- هو الذي أوصل صوتك للناس ليقرأ رسالتك هذه آلاف الناس، ولو لم يكن تويتر لم يصل صوتك بهذه السرعة، وصوتك -كما تقول- صوت وطني، فها هو تويتر يُحسن إليك من حيث تُسيء إليه!





كتبه/ عبدالله بن محمد الحسني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..