إنّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له،
ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله - صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم..
أما بعد:
فإن خير الكلام كلامُ الله تعالى، وخير الهدي هديُ محمد - صلى الله عليه وسلم -، وشرُّ الأمور محدثاتها.
وكلَّ محدثة بدعةٌ، وكل بدعة ضلالةٌ، وكل ضلالة في النار..
أيها الإخوة الكرام:
أحمد الله
تبارك وتعالى أن هداني إلى الاهتمام بالعقيدة وقضاياها، وأسأل الله عزَّ
وجل أن يثبت قلوبنا على العقيدة الصحيحة، عقيدة أحسن رفقة، عقيدة النبيين
والصديقين والشهداء والصالحين - وحسن أولئك رفيقًا.
ومما وفقني الله تعالى إلى معالجته من القضايا قضية إصلاح العقيدة، وجعلت لها عنوانًا هو (إصلاح العقيدة هو المُنْطَلَق لكل إصلاح)، فمنه تعالى أستلهم الرشد والعون، وهو جل وعلا قدير، وبالإجابة جدير..
أيها الإخوة الأحباب:
جالت بخاطري في هذا الموضوع مجموعة من النقاط، أوجزها فيما يلي:
(1) عن أبي عبدالرحمن عبدالله بن عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان" [رواه البخاري ومسلم].
والركن
الأول من أركان الإسلام يشكل أصلين عظيمين يكونان العقيدة الصحيحة للمسلم
الذي ينبغي أن تكون قاعدة راسخة تقام عليها أعماله حتى تصح جميعًا:
الأصل الأول، هو توحيد الله تعالى:
في ربوبيته، وفي أسمائه وصفاته، وفي ألوهيته، ذلك بأنه البارئ المصور
الرزاق المعطي المانع المحيي المميت المدبر لأمر هذا الكون كلَّه، وبأنه
المتسمي بالأسماء الحسنى وصفات الكمال العليا، كما سمى ووصف نفسه ووصفه
رسوله - صلى الله عليه وسلم - بلا تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، انطلاقًا من قوله تعالى: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الشورى: 11].
وبأنه المستحق وحده لجميع أنواع العبادة، فلا يصرف شيء منها لغيره جل وعلا.
وهذا الأصل الأول - وهو توحيد الله عز وجل - معناه: لا إله إلا الله.
والأصل الثاني، وهو توحيد شرع الله تعالى: ومعناه أن لا يحكم في حياة الناس إلا شرع واحد هو شرع الله عز وجل، ذلك بأنه هو الأعلم بمن خلق، وبما يصلح لهم: ﴿ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [الملك: 14].
ولهذا كان
من لطفه ورحمته بهم أن سَنَّ لهم شرعًا يصلح لهم في كل حالاتهم وعصورهم
وأمكنتهم، ولا يوجد البتة أعظم ولا أرفع ولا أحكم من حكمه تعالى فيما شرع: ﴿
وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ [المائدة: 50].
وكما أن العبادة لا ينبغي أن تكون إلا لله، كذلك فإن الحكم لا ينبغي أن يكون إلا لله، وقد أشار تعالى إلى هذا في قوله تعالى: ﴿ إِنِ
الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ
ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [يوسف: 40].
وهذا الأصل الثاني - وهو توحيد شرع الله عز وجل - معناه: محمد رسول الله كما أسلفتُ ومن ثم يتبين أن توحيد الله تعالى، وتوحيد شرعه معناه (لا إله إلا الله محمد رسول الله).
وديننا العظيم - دين الإسلام - هو الذي ارتضاه الله تعالى فقال: ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ﴾ [آل عمران: 19]، والذي لا يقبل من أحد سواه فقال: ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾
[آل عمران: 85]، هذا الدين لا مدخل إليه أبدًا إلا من باب التوحيد، فلا
يبدأ أمره إلا بلا إله إلا الله محمد رسول الله، ومن يريد أن يدخله لا يجد
له بابًا ينفذ إليه منه سوى باب التوحيد، فلو دخل أحد من غير هذا الباب،
فإنه ينفذ إلى دين آخر غير دين الإسلام.
ومن ثم
تظهر الأهمية البالغة في أن نلفت الناس إلى الولوج إلى الإسلام من بابه
الوحيد الذي لم يشرع الله الدخول إليه إلا منه، وهو باب التوحيد، فمن دخل
من غيره وظن أنه دخل الإسلام فليسارع إلى الخروج من المنفد الذي نفذ منه،
ويولي وجهه شطر باب التوحيد، ذلك أن كل سعي للوالج من غير باب التوحيد
باطل، مهما كان كمُّه، إذ الإسلامُ لا ينظر إلا إلى كيفية عمل العاملِ لا
إلى كمية عمله، وقد اعتبر الإسلامُ عملَ الداخل من غير باب التوحيد شركًا،
فأبطله جميعه، ولو مات صاحبه مُصِرًُّا عليه مع اعتقاده، لَحُرِمَ الجنة َ،
وصَارَ إلى النار، يقول تعالى: ﴿ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام: 88]، ويقول تعالى: ﴿ إِنَّهُ
مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ
وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ﴾ [المائدة: 72]، ويقول - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه مسلم عن جابر - رضي الله عنه -: "من لقي الله لا يشرك به شيئًا دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به شيئًا دخل النار" - فضلًا عن ذلك فإن الله لا يغفر هذا الإصرار على الشرك إذا كان نهاية صاحبه، فيقول جل وعلا: ﴿
إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ
ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا
عَظِيمًا ﴾ [النساء: 48].
ولهذه
الأهمية البالغة للتوحيد بأصليه الذي يكوِّن عقيدة المسلم، كان لزامًا على
كل داعية أن يبدأ دعوته به. فقد روى البخاري ومسلم عن ابن عباس - رضي الله
عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما بعث معاذًا إلى اليمن قال له: "إنك
تأتي قومًا من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادةُ أن لا إله إلا
الله - وفي روايته ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله". ويتبين من هذا الحديث - وخاصة الرواية الأخيرة توحيد الله عز وجل، وتوحيد شرعه.
ولذلك كان أول ما دعا إليه الرسل جميعًا أقوامَهم إليه توحيد الله عز وجل - وقد أجمل الله تعالى ذلك في قوله: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ [سورة الأنبياء: 25]، وفي قوله: ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾ [سورة النحل: 36].
وفصل تعالى ذلك في مثل قوله عن نوح عليه السلام: ﴿
لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا
اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ
عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [سورة الأعراف: 59 - 60]، ورد نوح على اعتداء قومه: ﴿ قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [سورة الأعراف: 61 - 62]، وقوله تعالى عن هود - عليه الصلاة والسلام -: ﴿ وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ * قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ﴾ [سورة الأعراف: 65 - 66]، ورد هود على اعتداء قومه: ﴿ قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ ﴾ [سورة الأعراف: 67 - 68].
وقوله تعالى عن صالح: ﴿ وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ﴾ [سورة الأعراف: 73]. فلم يطيعوه: ﴿ فَتَوَلَّى
عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي
وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ ﴾ [سورة الأعراف: 79].
وقوله تعالى عن شعيب عليه الصلاة والسلام: ﴿ وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ﴾ [سورة الأعراف: 85].
فلم يطيعوه: ﴿ فَتَوَلَّى
عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي
وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آَسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ ﴾ [سورة الأعراف: 93].
وقوله تعالى عن إبراهيم عليه الصلاة والسلام: ﴿ قَدْ
كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ
إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ
مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ
الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ ﴾ [سورة الممتحنة: 4].
وقوله تعالى عن موسى عليه الصلاة والسلام: ﴿ قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾ [سورة الأعراف: 140].
فلم يطيعوه - فقال: ﴿ يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [سورة الأعراف: 104].
وقوله تعالى عن عيسى عليه الصلاة والسلام: ﴿ مَا
قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي
وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا
تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ
شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ [سورة المائدة: 117].
وقوله تعالى عن محمد - صلى الله عليه وسلم -: ﴿
وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ
أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ ﴾ [سورة الزمر: 65 - 66].
ودعا قومه إلى توحيد الله عز وجل فعجبوا من ذلك: ﴿ وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ * أَجَعَلَ الْآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ ﴾ [سورة ص: 4 - 5].
وقد مكث الرسول - صلى الله عليه وسلم - في مكة ثلاثة عشر عامًا لا همَّ له إلا تأسيس العقيدة، والدعوة إليها، وترسيخها في قلوب أصحابه.
ولما هاجر الرسول - صلى الله عليه وسلم -
إلى المدينة، وبدأت آيات التشريع والأحكام تتنـزل عليه، وجدتْ قلوبَ أولئك
الصحابة الكرام مُعبَّدة لأوامر الله تعالى، ومستعدةً لقبول أحكامه
والإذعان لها.
لقد تشبعت قلوبُ الصحابة - رضي الله عنهم - بعقيدة التوحيد بأصليها العظيمين (توحيد الله تعالى، وتوحيد شرعه)، وكانوا حراسًا عليها، حتى إذا ما أحسوا انحرافًا قليلًا عنها شَدَّدُوا عليه النكير. ومن أمثلة ذلك:
أن عبدالله
بن مسعود - رضي الله عنه -، دخل مسجد الكوفة، فرأى حلَقًا، وفي وسط كل
حَلْقةٍ كُومًا من الحصى، ورجلًا قائمًا على كل حلقة يقول لهم:
(سبحوا مائة، فيسبحون مائة، احمدوا مائة، فيحمدون مائة، كبروا مائة، فيكبرون مائة) - فقال: لهم عبدالله بن مسعود رضي الله عنه:
(يا قوم، والله لأنتم على ملة هي أهدى من ملة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أو مقتحمو باب ضلالة)، وكلامه إليهم معقول، لأنهم بفعلهم ما لم يفعله الرسول - صلى الله عليه وسلم - إما أن يكونوا: أهدى منه، وهذا محال، وإما أنهم افتتحوا بابًا جديدًا للضلالة بالابتداع. فقالوا: "والله يا أبا عبدالرحمن ما أدرنا إلا الخير"، فقال لهم "وكم من مريد الخير لم يبلغه"
- فهؤلاء القوم لم يُحَوِّلْ صلاحُ نياتهم عملَهَم المبتدع إلى عمل مشروع.
فالله تعالى لا يُعبد إلا بما شرع - فكما أن العبادة لا ينبغي أن تُصرف
إلا له وحده، كذلك لا ينبغي أن يتخذ إلى عبادته إلا شرعَهُ وحده.
ولذلك وضع الرسول - صلى الله عليه وسلم -
لنا مبدأ قَطَعَ فيه الطريق على كل من تُسوّل له نفسُه المَسَاسَ بتوحيد
شرع الله تعالى، فقال (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)، ذلك أن
العبادات بنصوصها توقيفية لا مجال لإعمال العقول في شيء منها بأي لون من
ألوان الاجتهاد، إلا فقهًا في نص اتباعًا ابتداعًا.
وقد روى البخاري ومسلم عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلًا يمشي في الحج بين رجلين يسندانه فقال: "ما هذا؟ فقالوا: "يا رسول الله نذر أن يحج ماشيًا" فقال - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله عن تعذيب هذا نفسه لغنيٌ، مُرُوهُ فَلْيَرْكَبْ".
ورأى الرسول - صلى الله عليه وسلم - رجلًا آخر يجلس في الشمس، فسأل عنه، فقالوا: "يا رسول الله نذر أن يصوم، ولا يتكلم، ويجلس في الشمس"، فقال - صلى الله عليه سلم - "ليتم صومه، وليتكلم، وليجلس في الظل".
وجاء ثلاثة نفر إلى بيوت النبي - صلى الله عليه وسلم - يسألون عن عبادته، فلما أُخْبِرُوا كأنهم تَقَالُّوهَا، فقال أحدهم: وأين نحن من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -،
إن الله قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، أما أنا فأقوم ولا أنام،
وقال الآخر: أما أنا فأصوم الدهر ولا أفطر، وقال الثالث: أما أنا فلا أتزوج
النساء فلما رجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جمع الناس ثم قال: "ما
بال أقوام يقولون كذا وكذا، أما إني أعلمكم بالله، وأتقاكم لله، وأبركم،
لكني أصوم وأفطر، وأقوم وأنام، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سُنتي فليس مني". [أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما].
هذه هي عقيدة التوحيد: توحيد الله عز وجل، وتوحيد شرع في معنى لا إله إلا الله، محمد رسول الله.
(2)
إذا تبينت أهمية عقيدة التوحيد على هذه الصورة، فإن آثار هذه العقيدة تظهر
واضحة في عمل الفرد وسلوكه. ذلك بأن العقيدة وعاؤها القلب ومستقرها، وكل
وعاء لا ينضح إلا بما فيه، فوعاء العسل لا ينضح إلا عسلًا، ووعاء الخل لا
ينضح إلا خلًا. ومن ثم إذا كانت العقيدة التي عُقِدتْ في القلب وَرُبِطَتْ فيه، سليمةٌ، سَلِمَتْ بها حركات الجسم كله وسكناته، لأنها هي التي تهيمن على الجسم وتدبر دَفَّتت.
وبناءٌ على
ذلك لا يتحرك أي عضو من أعضاء الجسم ولا يسكن بما يخالف ما شرع الله تبارك
وتعالى، أما إذا كانت العقيدة التي تثبتت في القلب عقيدةً فاسدةً، نتج عن
ذلك تخبطٌ وانحراف في حركات الجسم كله وسكناته. ﴿ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا ﴾ [سورة الأعراف: 58].
وذلك معناه أن العمل والسلوك يتبعان العقيدة ما يتبع الظِلُّ العودَ، ولا يمكن أن يستقيم الظل ما دام أن العود أعوج.
﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ *
يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ
وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ﴾ [سورة إبراهيم: 24 ، 27].
تاريخ الإضافة: 2/10/2012 ميلادي - 16/11/1433 هجري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..