الاثنين، 22 أكتوبر 2012

البراهيم: «الكهرباء» أهدرت مليارات الريالات على مشروعات عاجلة وحلول مؤقتة بسبب غياب التخطيط

م.أحمد البراهيم

 اتهم الخبير في قطاع الكهرباء المهندس أحمد البراهيم الشركة السعودية للكهرباء، بإهدار مليارات الريالات على مشروعات عاجلة وحلول مؤقتة بسبب غياب التخطيط، وكشف عن أن الشركة تفتقد للأسلوب العلمي في فرز الكفاءات واختيار القيادات الإدارية ، وقال إن مشكلة انقطاع الكهرباء معلومة منذ 2008م وكانت تكلفة معالجتها أربعين مليون ريال في حينه، لكنها أصبحت مائتي مليون ريال الآن. وأكد أن التعيين في” الكهرباء” يعتمد على الحظوة والمحسوبية و القرابة والعلاقة الشخصية. وحدد البراهيم ثلاثة أسباب لضعف أداء الشركة السعودية للكهرباء وهي، ضعف الإمكانات المالية، سوء إدارة الموارد المالية، وضعف في القدرات البشرية الإدارية منها والفنية.

ضعف الإمكانات المالية
وفيما يتعلق بضعف الإمكانات المالية، قال إن المتأمل لواقع قطاع الكهرباء خلال الطفرة الأولى منتصف السبعينيات الميلادية ومنذ بدء الطفرة الحالية لا يجد العذر في ضعف الإمكانات المالية، مدللا على ذلك بما صرَّح به رئيس هيئة تنظيم الكهرباء مؤخراً بأن “حجم إنفاق الدولة على قطاع الكهرباء يقدر بمائة مليار ريال سنوياً من خلال دعم الوقود، أي أن الدولة تُقدِّم إعانة غير منظورة لتعرفة الطاقة الكهربائية تقدر بمائة مليار ريال سنوياً نتيجة الفرق بين السعر الدولي والسعر المحلي للوقود، وتصريحه أيضا بأنَّ الدولة منحت قروضاً حسنة للشركة بلغت 86 مليار ريال خلال السنوات الخمس الماضية لتمويل المشاريع الرأسمالية.
وتساءل :هل بعد ذلك يمكن قبول عُذر ضعف الإمكانات المالية للشركة !؟ في ظل هذا الدعم السخي لأكبر عامل في تكلفة إنتاج الكهرباء، وهو الوقود، وفي ظل هذه القروض الحسنة المؤجل سدادها. ولنا أن نتصور كم ستصبح تعرفة الطاقة الكهربائية (كيلووات/ ساعة) في المملكة، لو أدخل هذان العاملان في حساب تكلفة إنتاج الطاقة (ك.و.س)!؟ حيث لا محالة ستصبح التعرفة في المملكة من المعدلات الأعلى في العالم، الأمر الذي يعني بأنَّ دخل الشركة ينبغي أن يحقق أرباحاً معقولة ومقبولة اقتصادياً، لو انتهجت الشركة منهجا علميا صارما في رفع كفاءة أدائها الفني والإداري، وأجادت حسن استغلال مواردها المتاحة. و أضاف :ليس ذلك فقط، بل إنَّ الشركة تدرج في ميزانيتها قيمة الإهلاك من ضمن مصروفاتها السنوية، دون أن تقوم بسداد القروض المتراكمة عليها للدولة، أي أنَّ جزءاً من قيمة إهلاك الموجودات تمثل سيولة إضافية مستترة للشركة، إضافة إلى سيولة مستترة أخرى تحصل عليها من تأجيل الشركة دفع قيمة الوقود الذي تستهلكه سنويا والمدرج كذلك ضمن مصروفاتها السنوية.والحقيقة المغيبة هنا هي حصول الشركة على تصنيف ائتماني جعلها قادرة على الاقتراض من البنوك وإصدار الصكوك يعد بمثابة دليل على وفرة مالية تحت يد الشركة!؟ ولكن لماذا الاقتراض في ظل سيولة وفيرة، ناتجة عن قروض حسنة من الدولة بلغت واحدا وتسعين مليار ريال (25 + 15 + 51) خلال خمس سنوات، وعن سيولة مستترة ناتجة عن تأجيل الشركة دفع قيمة الوقود وعن حساب قيمة الإهلاك على موجودات ضخمة لم تسدد قروضها؟
سوء الإدارة المالية
ورأى البراهيم أن سوء إدارة الموارد المالية وإفساد الوفرة المالية يتمثل في: تكلفة عملية إعادة الهيكلة بلغت مائتي مليون ريال ، تكلفة عقود “نظام ساب الإلكتروني” الخاص بالشركة تجاوزت المليار ريال، وهذا المبلغ وحده يكفي لإنشاء شركة عملاقة في مجال تكنولوجيا المعلومات. والسؤال هنا، ما هي التكلفة الفعلية للنظام؟ وهل تطبيق هذا النظام، للإدارة الإلكترونية، ترك أثرا له على تقليص عمالة الجهاز المساند؟، مقارنة تكلفة عقود إنشاء مشاريع محطات توليد الكهرباء للشركات المستقلة (IPP) التي ينفذها المستثمرون وعقود إنشاء مشاريع شركة الكهرباء المبرمة مباشرة من قبلها، تفصح عن وجود فارق كبير نسبياً في التكلفة، وهذه مشاريع ذات كثافة رأسمالية عالية لا ينبغي التغافل عنها (كل عقد تكلفته مليارات الريالات)، وقد أكد على ذلك الدكتور إبراهيم المنيف رئيس الشركة السعودية الموحدة للكهرباء في المنطقة الوسطى سابقا في حوار لصحيفة سبق في 23 رمضان الماضي حيث قال “تمكنت شركات القطاع الخاص السعودي بمشاركته العالمية من بيع الكهرباء وبناء محطات توليد بأسعار تقل عن أسعار شركة الكهرباء بما لا يقل عن %40.. والسبب البيروقراطية والمخاطرة وسعرها مع الأسف” افتقاد المبررات الاقتصادية لعقود عمالة صيانة المحطات والشبكات (وفرق الطوارئ!) وقراءة العدادات وتقنية المعلومات، التي لا تنطبق عليها شروط اللجوء لعقود التشغيل والصيانة بمفهوم OUT SOURCING)) كونها عمالة دائمة تعمل تحت إشراف الشركة (من سلبياتها احتمال استبدال العمالة وارد كلما انتهت مدة أي عقد، أي إرباك لسير العمل وجودته)، أضف إليها قصة تَكلفة عقود إيجار أسطول المركبات والمعدات وأسلوب استخدامها وتخصيصها، فهذه بحد ذاتها هدر للموارد يصعب تقديره لغير القائمين عليه، ناهيك عن تكرار عقود الاستشارات وتمديدها، مع شركات رواتب أفرادها متضخمة بأنواعها المتعددة (من هندسية وإدارية ومالية وإعلامية وموارد بشرية وتقنية معلومات ) . والسؤال هنا، لماذا: لا تقوم الشركة السعودية للكهرباء بإعلان عدد العمالة غير المباشرة العاملة حاليا في الشركة، ونشر قائمة بالعقود الاستشارية منذ تأسيسها بأنواعها المتعددة، توضح مجمل تكلفتها، وتبيّن ما هو الساري منها حاليا؟، و التبذير والإسراف في المصاريف الإدارية من رواتب متضخمة للجهاز الإداري وصرف مكافآت مالية لهم ومن انتدابات ودورات وندوات ومؤتمرات وزيارات، وأصبح التعصاقد مع أصحاب الحظوة كمستشار بعد بلوغ سن ستين عاما (سن التقاعد الرسمي) أمراً مألوفاً، وهو هدر مالي غير مبرر.
ضعف القدرات البشرية
وفيما يتعلق بضعف القدرات البشرية الإدارية والفنية، كشف المهندس البراهيم عن دراسة أجرتها شركة استشارية لقياس كفاءة الجهاز الإداري في شركة الكهرباء،وأكَّدت نتائجها ما أجمع عليه العاملون من افتقاد الشركة للأسلوب العلمي السليم في فرز الكفاءات واختيار القيادات الإدارية على مختلف المستويات، إذ افتقدت عملية التعيين في المناصب للموضوعية، فلم تستند على معايير موضوعية منصفة وعادلة تضع الموظف المناسب في المكان المناسب وفق مؤهلاته وقدرته وخبرته وكفاءته، و توصلت الدراسة إلى وجود قصور في قدرة وكفاءة عديد من المعينين في المناصب الإدارية مقارنة بمرؤوسيهم، وأوصت باستبدالهم بمرؤوسيهم الأدنى منهم مرتبة ومنصبا، لكن هذه التوصية لم ترق للإدارة العليا بالشركة التي حرفتها إلى إعادة تأهيلهم وتدريبهم.
وقال إنَّ إخفاق الشركة السعودية للكهرباء في المقام الأول ناتج عن القصور في قدرات وكفاءة الجهاز الإداري على مختلف المستويات، وعلى وجه الخصوص الإدارة العليا في الشركة كون الفرص الوظيفية غير متكافئة، إذ إن التعيين في المناصب قائم على أساس الحظوة والمحسوبية والعلاقة الشخصية والقرابة الأسرية، وأضحى التندر الشائع في أروقة شركة الكهرباء هو أن أهم أعمال الشركة تدار من قبل شركات استشارية ومقاولين تحت إشراف من تراه الإدارة العليا مناسبا لها.
شواهد قصور الأداء الإداري
ورصد شواهد ضعف وقصور الأداء الإداري في عدد من النقاط وهي :
(1)                   المتابع لتصريحات الشركة السعودية للكهرباء حول استمرار الانقطاعات المتكررة للكهرباء في مناطق المملكة المختلفة خلال السنوات العشر الماضية سيجد أنها تؤكد كل سنة على أنَّ “الانقطاع لن يتكرر في السنة القادمة”، إلى أنْ تم تغيير صيغة التصريح فيما بعد ليصبح “سوف تقل الانقطاعات في السنة القادمة”. كما أنَّ تصريحات الشركة هذه السنة تنسب انقطاعات الكهرباء إلى مشاكل في شبكات التوزيع المحلية وليس إلى العجز في قدرات التوليد الذي اعتادت الشركة على تكراره في تصريحات السنوات السابقة، ويؤكد هذا الأمر عدم القدرة على تشخيص المشكلة وفق رؤية متكاملة والعجز عن معالجتها جذرياً.
(2)          كان ديدن الشركة على الدوام التركيز على توسعة قدرات محطات التوليد القائمة في المناطق المعزولة، غير المربوطة بالشبكة الموحدة، لحل مشكلة انقطاعات الكهرباء، وأخيراً أقرت بأنَّ الحل يكمُن في جانب منه بالربط الكهربائي، ولعل مشروع ربط حفر الباطن شاهد على ذلك، وفي تطوير شبكات التوزيع القائمة.
(3)          تراخي الشركة السعودية للكهرباء بشأن الأخذ بالدراسات والتوصيات التي تطالب منذ تأسيسها قبل اثني عشر عاماً، بالتعجيل والإسراع في استكمال الربط الكهربائي لمراكز الأحمال في عموم المملكة بشبكة موحدة وفي معالجة مشاكل شبكات التوزيع المتقادمة، وهو أمر مستغرب وغير مبرر.
(4)          عدم التخطيط الاستراتيجي لنظام الكهرباء، الذي يحقق بناء نظام كهربائي متكامل يكون فيه كل مشروع يقام هو جزء من كل ضمن منظومة متكاملة في آخر المطاف، فهل ذلك له صلة بإمكانات جهاز التخطيط الاستراتيجي لنظام الكهرباء الذي يتطلب قدرات وكفاءات على مستوى عالٍ من التأهيل والتخصص الدقيق في حقول هندسية متعددة وفي حقول اقتصادية وإحصائية، أم هناك أسباب أخرى؟
لقد أهدرت الشركة السعودية للكهرباء مليارات الريالات على مشاريع عاجلة وحلول مؤقتة بسبب غياب ذلك التخطيط. وما وضع الانقطاع المتكرر للكهرباء بحفر الباطن وأسلوب معالجته إلا شاهد على ذلك، حيث قامت الشركة بتعزيز محطة التوليد بمولدات مؤقتة وفق عقود إيجار مبرمة مع المقاولين، بل إن مشكلة انقطاع الكهرباء معلومة منذ 2008م وكانت في حينه تكلفة معالجتها أربعين مليون ريال وأصبحت فيما بعد مائتي مليون ريال وفق إفادة عضو المجلس البلدي في حفر الباطن (1/9/2012)، حيث لم ينف ذلك الرئيس التنفيذي للشركة خلال المقابلة.
(5)          عدم وضع خطة استراتيجية جادة تطبق وفق منهج عملي طويل الأمد لإدارة الحمل على أسس اقتصادية تصب في جيب المشترك والشركة معا، حيث اكتفت بحملات إعلامية موسمية لترشيد الاستهلاك ثبت عدم جدواها، فضلا عن عدم قيام الشركة بخفض الفاقد في شبكات الكهرباء والمحطات.
(6)          التأخير غير المبرَّر في استخدام العدادات الذكية في المنشآت الصناعية والمراكز التجارية الكبيرة ولمن يرغب من المشتركين الآخرين، من خلال تطبيق تعرفه تتيح للمستفيد التوفير في تكلفة استهلاكه للطاقة، كحافز لترحيل أحماله عن وقت الذروة، وهو مقترح قديم ومطبق عالميا.
(7)          عند مقارنة المشاريع المنفذة فعلياً والمشاريع المقترحة في “التقرير” الذي قُدِّم للمجلس الاقتصادي الأعلى قبل عدة سنوات، والذي على أساسه قامت الدولة بصرف 19 مليار ريال للشركة، سيتبين غياب التخطيط الدقيق الذي تعيشه الشركة السعودية للكهرباء منذ إنشائها نتيجة غياب الرؤية المستقبلية.
(8)          عدم الدقة في عملية إدارة مخزون المواد الضخم (بمليارات الريالات)، فما زال العجز والنقص في مواد قطع الغيار عموماً ومواد الشبكات وإيصال التيار الكهربائي للمشتركين يتكرر سنوياً، وما زال طلب الشراء العاجل للمواد قائما، فلا تُنسى القرارات التي تسببت فجأة في شح ونقص مخزون مواد الشبكات نتيجة بيع جزء من مخزون الشركة من مواد تبيّن فيما بعد الحاجة إليها.
(9)          تلكؤ الشركة منذ تأسيسها في تطبيق برنامج متكامل للتقاعد المبكر يشمل جميع العمالة الزائدة والعاجزة وذات الكفاءة الإنتاجية المتواضعة، وهوما كان سيحقق وفرا ماليا سنويا مهولا في المنظور المستقبلي، دون الإضرار بالعاملين أو الشركة كون البرنامج سوف يمول نفسه من الوفر المالي الذي سيتحقق في بند الرواتب.
(10)      إنكار شركة الكهرباء المستمر لتواضع أداء قطاع السلامة والأمن الصناعي بالرغم من الحوادث المميتة، التي كان آخرها في الباحة، وتجاهل صيحات العاملين حول قلة الإمكانات المتاحة للأمن الصناعي والعجز عن توفير المستوى المطلوب من وسائل وبرامج السلامة لوقاية الفنيين من الحوادث المتكررة.
(11)      التأخير في تنفيذ خطة مراحل الهيكلة وفق دراسة الاستشاري التي كان يفترض أنْ تـُنجـَز في 2005م ، حيث يفصل نشاط التوليد والنقل والتوزيع عن بعضها، وتقام شركة نقل مستقلة تنظم نقل وشراء وبيع الطاقة الكهربائية.
(12)      اعتراف الرئيس التنفيذي للشركة المهندس علي البراك مؤخراً في مقابلة مع”الإخبارية” بأن الشركة تنفذ حالياً مشاريع تبلغ قيمتها مائة مليار معظمها متعثر، وهذا لا محالة يُعتبر إخفاقا غير مقبول في إدارة الإشراف على مشاريعها وإخفاقا في اختيار المقاولين المؤهلين، وهو ما يثير التساؤل : أين ذهبت خبرات قطاع الكهرباء المتراكمة على مدار أربعة عقود !؟
(13)      ذكر المهندس علي البراك في (1/9/2012)، أن قيمة المشاريع التي تنفذها الشركة تبلغ 140 مليار ريال، و ثلاثين مليار ريال ينفذها القطاع الخاص، في رمضان وبعد أقل من شهر، بأنها مائة مليار ريال؟ فهل من تفسير لذلك سوى التخبط الذي تعاني منه الشركة؟
(14)      تفويت فرصة إنجاز ربط مناطق المملكة بشبكة موحدة في ظل الانخفاض الذي حصل في تكلفة تنفيذ مشاريع الكهرباء وخصوصا شبكات النقل ومحطات التحويل الرئيسة عند تأسيس الشركة، والتفريط بفرص تمويل ميسرة لتنفيذ تلك المشاريع، من خلال تقسيط قيمة العقود للمقاولين على دفعات سنوية طويلة الأجل،. لقد تضخمت قيمة تلك المشاريع فيما بعد واستفحلت ظاهرة انقطاع الكهرباء المتكررة سنويا، ولو اتخذت إدارة الشركة القرار الملائم في حينه دون تباطؤ لتجاوزت عديدا من الصعوبات التي عانت وتعاني منها حاليا، ولكنه فيما يبدو الافتقار للرؤية المستقبلية.
(15)      المماطلة في عرقلة السماح للقطاع الخاص للاستثمار في مشاريع توليد الكهرباء وبناء محطات توليد مستقلة، وتأخير انخراط المستثمرين في صناعة الكهرباء لسنوات عديدة كانت المملكة أحوج ما تكون لإقامة تلك المحطات


صحيفة الشرق 21 أكتوبر 2012
.
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..