الخميس، 27 ديسمبر 2012

الليبراليون السعوديون بعد الربيع العربي وصعود الإسلاميين: ارتباك وانقسام (2/2)

 الليبراليون السعوديون بعد الربيع العربي وصعود الإسلاميين: ارتباك وانقسام (2/2)

* مفاجأة الربيع العربي.. الانقسام:
سيكون من الصعب جداً على أي باحث أو مراقب حصر
ورصد الكم الكبير من المقالات والكتابات الليبرالية المحللة أو الناقدة لحالة الربيع العربي والخروج باستنتاجات ومحددات كلية منها، نظراً لاستقلالية كل كاتب بخطابه ونمطه الخاص، إضافة إلى تسارع وتضخم أحداث الربيع العربي، وتعقدها وتداخلها، الأمر الذي يعني بالضرورة اختلافاً في آراء الكاتب نفسه وموقفه عن بداية الربيع العربي ولحظة المفاجأة، إلى لحظة الهدوء والركود في الوسط، إلى النهايات في مرحلة “نتائج انتخابات الربيع العربي”.
لكن يمكن تلمس افتراق بعض المنطلقات والمواقف للكتاب الليبراليين السعوديين تجاه الربيع العربي في أطر عامة تنبثق من تحديد الأولويات للمشروع الليبرالي، فالشخصيات الليبرالية التي تجعل من الإصلاح السياسي أولوية وضرورة ولو استدعى ذلك التحالف مع الإسلاميين استبشروا كثيرا بأحداث الربيع العربي، ووقفوا معها، وأيدوها بقوة، باعتبارها لحظة تاريخية لميلاد عهد الحرية والكرامة لدى المواطن العربي، وبداية لاستقلال الشعوب العربية، وسقوط الديكتاتوريات والاستبداد.
في حين كان زملاؤهم الآخرون المناوئون للحركة الإسلامية باستمرار، المتمسكون بأولوية الإصلاح الثقافي يرون في الربيع العربي حالة من الفوضى المفتوحة، والمستقبل الغامض، وأنها تشكل ربيعاً للجماعات الجهادية، وتمكيناً للحركات الإسلامية المتطرفة.
وكانت نقطة الاختلاف البارزة بين الاتجاهين أيضاً في الموقف من وصول الحركات الإسلامية للحكم، بين من يقول أنهم جاءوا عبر صناديق الاقتراع الديمقراطية، وهذا تطور نوعي في فكر الحركات الإسلامية التي آمنت أخيراً بالديمقراطية، كما أنه يجب احترام حق الشعوب في اختيارها، فإن نجح الإسلاميون في الحكم فهذا لصالح المواطن العربي، وإن فشلوا فإن الصناديق التي جاءت بهم سوف تزيحهم في المرة القادمة.
في الطرف الآخر، عارض هذا الرأي كتاب آخرون متمسكون بموقفهم الرافض لحكم الحركات الإسلامية مؤكدين أن مبادئ تلك الحركات وتراثها يؤكد أنّها ستنقلب على العملية الديمقراطية في حال وصولها للحكم، وسوف تنتج ديكتاتوريات دينية متطرفة لا تقل سوءاً عن أنظمة الاستبداد السابقة. وبين هذين الاتجاهين كانت مساحة الانقسام في الخطاب الليبرالي تجاه الربيع العربي وصعود الحركات الإسلامية تتسع حيناً وتتقلص حينا آخر تبعاً لنتائج وتطورات الثورات العربية.
 وعلى الرغم من أن هناك مراجعات واضحة لدى بعض الكتاب الليبراليين المتحمسين مع أحداث الربيع العربي في بداياته حيث شرعوا أخيراً يتحدثون عن اختطاف الثورة، ومصادرتها، وضرورة المحافظة على قيمها، إلا أن شرارة الانقسام منذ البداية مازالت مستمرة تطل برأسها بين الفينة والأخرى.
في ذات السياق يتحدث الأستاذ إبراهيم البليهي –أحد أبرز دعاة الليبرالية في السعودية– الذي تساءل معلقاً على أحداث الربيع العربي منتصف 2011 على حسابه الشخصي بتويتر: ”هل أفاق العرب؟ يبدو العرب الآن يتهيؤون لدخول التاريخ دخولا فاعلاً إيجابياً بعد ان خرجوا منه أو بعد أن دخلوه دخولا سلبيا للإعاقة وليس للمشاركة”، وأشاد البليهي بالثورة المصرية بقوة، مؤكداً أن انهيار النظام المصري “المتعفن” سيكون اعظم اثرا على العالم من انهيار جدار برلين، فـ”العالم كله يتجه الآن لمرحلة جديدة لان الحكم المصري الفظيع كان من اعتى حصون التخلف وقد انهار هذا الحصن”.
لكن البليهي في حوار له مع صحيفة عكاظ السعودية في أبريل 2012 تراجع بعض الشيء وقال إن المؤشرات لا تبشر بمستقبل ليبرالي مزدهر للثورات العربية، فتجربة الربيع العربي مازالت “محفوفة بالمخاطر والمعوقات وهي في الغالب معوقات ثقافية، فمصر وليبيا قد أزيل فيهما العائق السياسي ولكن العائق الثقافي مازال يهدد المستقبل وقد يعيدهما إلى وضع لا يقل انغلاقا عن سابقه، فالصراع على السلطة تخوضه أحزاب لم تتآلف مع الفضاء الليبرالي بل هي نتاج عهود الاستبداد وتخضع لثقافة منغلقة”.
في حين يرى الدكتور تركي الحمدـ الذي قال في ندوة ألقاها ضمن فعاليات (ملتقى نجران الثقافي) في أكتوبر 2011 أن الثورات الشعبية العربية أعادت الإنسان العربي والشعوب العربية إلى الفعل بعدما كان مفعولاً بها، مؤكداً أن عام 2011 وما يجرى فيه من تغييرات في بعض الدول العربية كان منطلقه البحث عن الحرية، فـ”الفرد الذي يرضى أن يعيش لمجرد أن يأكل ويشرب دون أن يحلم بحريته وكرامته الإنسانية ليس هو الإنسان الذي خلقه الله وكرّمه على سائر خلقه، لأن الإنسان الحقيقي هو كتلة من حرية وكتلة من كرامة”.
وفي مقال لها بعنوان (الغضب العربي ثورة خارج الحساب) نشر في صحيفة الحياة السعودية، يناير 2011، تؤكد الكاتبة الدكتورة بدرية البشر –وهي صوت نسائي ليبرالي بارز– معلقة على أحداث الربيع أن الشعوب العربية أصبحت متقدمة وأكثر وعياً من الأنظمة، “فمن استمع للتلفزيون التونسي، وهو يبث مطالب الشعب التونسي الثائر سيتملكه العجب وهو يستمع لقاموس ممتلئ بمفردات الوعي السياسي، المطالب كلها اشتقت من قاموس التغيير السلمي، ورفض احتكار السلطة، والمطالبة بالتعددية، وحكم المؤسسات، واحترام حقوق الإنسان، واحترام الدستور، وتفعيل القوانين المدنية، ومحاربة الفساد… نحن أمام مطالبات جديدة وتغيّرات جذرية تنفي تلك الاتهامات المزيفة، التي ورطتنا بها الحركات الإسلامية الإرهابية التي جعلت العالم يعتقد أن الأنظمة العربية متقدمة على شعبها”.
وفي حديثها عن أثر أحداث الربيع العربي منطقة الخليج في مقال لها بعنوان (اللهم حوالينا ولاعلينا) نشر في فبراير 2011، تقول: “إن الطاقة الشبابية التي حرّكت ثورتي تونس ومصر، هي عبقرية اكتسبها الشباب بسبب وسائل الاتصال العالمي وليس بسبب التعليم المتخلّف، وهم أكثرية الشرائح. المجتمعات الخليجية مثلهم مثل تونس ومصر. فماذا أعدت الأنظمة الخليجية لهذه العبقرية الشبابية؟ الخليج على تعدد درجات التشابه فيه والاختلاف، يعاني من غياب الحريات والفرص الاجتماعية أو السياسية والاقتصادية. وكلها تحتاج إلى المعالجة السريعة. التغيير السلمي ليس فقط هو فرصة متاحة للشعوب، بل هو أيضاً فرصة متاحة اليوم للأنظمة الخليجية، حتى لا تجد كرة الثلج أو شرارة الغضب منحدراً لها”.
أما الدكتور عبدالرحمن الحبيب، فيشيد في مقال له بصحيفة الجزيرة السعودية –فبراير 2011– بالثورة المصرية واصفاً إياها بأنها كسرت كل قوانين علم الاجتماع السياسي التقليدي، “فهي ثورة الشارع الشبابي بلا تيار أو حركة سياسية أو حزب أو رمز أو قائد. ثورة تشكلت وانتظمت وحددت مسيرتها عبر شبكة التواصل الاجتماعي الإلكتروني.. ثورة نظيفة جدا وسلمية جداً ومنظمة جداً.. من راهنوا على الفوضى، ومن راهنوا على التشدد الديني، ومن راهنوا على سطحية الشباب وتهورهم.. إلخ، كلها رهانات سقطت.. والرموز النخبوية سقطت معها أو كادت”.
لكن في مقابل ذلك، الأستاذ عبدالله بن بجاد العتيبي –وهو كاتب ليبرالي بارز وباحث في شؤون الحركات الإسلامية– تحفظ على تسمية ما جرى في العالم العربي بالثورات، فهو كتب في مقاله “حول تعريف ما يجري في العالم العربي” في صحيفة الاتحاد الإماراتية، أبريل 2011، يقول: “إنّ ما يُسمّى بالثورات في العالم العربي ليست ثوراتٍ بالمعنى الحقيقي للكلمة ولكنّها احتجاجات تريد التغيير للتغيير، وتعبّر عن تنازعٍ للسلطة بين أجنحة الأنظمة القائمة، التي يسعى بعض أطرافها لخلخلة تلك الأنظمة بأية طريقةٍ، لرغبةٍ في سلطةٍ أكبر أو لتعبيرٍ عن مللٍ من الانتظار، وهي – أيضاً – ليست ثوراتٍ بمعنى أنها جاءت عبر تراكم الرؤية الفكرية والثقافية والتاريخية التي تعبّر عن نفسها بخطابٍ جديدٍ متماسكٍ ورؤيةٍ وإستراتيجية جديدةٍ تسعى لها وتضحي من أجلها”.
كما إنه يؤكد كثيراً ومنذ بداية الثورات العربية، أن الربيع العربي ماهو إلا ربيع للحركات الأصولية، وفرصة لازدهار تنظيم القاعدة.
 في مقالة له بعنوان هل “سرق” القرضاوي منصة التحرير؟ نشرت في الاتحاد الإماراتية فبراير 2011 يقول: “إن الدول والجماعات المنظّمة لا تتحرك في أزمنة الفوضى وفق الشعارات والأحلام والخيالات، ولكنّها توظّفها جميعاً لخدمة مصالحها، بطريقةٍ منظمةٍ وفاعلةٍ، فالإخوان حين يعلنون أنّهم كحملٍ وديعٍ لا يريدون سلطةً ولا رئاسةً ولا دولةً، فإن هذا لا يعني إلا شيئاً واحداً هو أنهم متفرّغون للعمل الجادّ والمنظّم على الأرض للسيطرة على المشهد برمّته”.
وكتب في مقالة “صعود الأصوليات والزمن الأصولي” الاتحاد الإماراتية، مايو 2011 يقول: “ويبقى الثابت الأوضح هو صعود الأصوليات والدخول في الزمن الأصولي”.
هو يصرح بكل حسم ووضوح في مقالة له نشرت في الشرق الأوسط الدولية في مايو 2012 بعنوان (الاعتراف بفشل ما يسمى بـ«الربيع العربي») قال فيها: “أحسب أن من المهم الاعتراف سريعا بفشل ما سمّي بثورات الربيع العربي، خاصة من قبل النخب الثقافية والسياسية الواعية، لأن الاعتراف وإن تأخر خير من المكابرة، فهو أول طريق استعادة الوعي والرؤية وبالتالي البحث عن مخارج آمنة تقلل الخسائر وتسعى لصناعة بارقة أمل وإن بعد لأي قد لا يكون يسيرا”.
 في السياق ذاته، تناول الأستاذ مشاري الذايدي –كاتب وباحث ليبرالي بارز في شؤون الحركات الإسلامية– بشكل مبكر في مقالاته خطر صعود الإسلاميين المتشددين والحركات المتطرفة بسبب الربيع العربي، تتميز لغته بالحدة والنقد اللاذع للثورات العربية ومنتجاتها، يؤكد أن الوعي العربي رغم الثورات مازال متهالكاً، وبنية التخلف فيه مازالت قائمة، جاء ذلك واضحاً في مقالات تحت عنوان (الربيع الإخواني)، و(الربيع العربي الكاذب).
وفي مقال له بعنوان (سنة تملق الجماهير) –يناير 2012– أكد الذايدي فيه فشل الربيع العربي وشعاراته المدنية المرفوعة، قائلاً “لم يكد المشهد العربي الثوري يكشف زيف القشرة المدنية لحقيقة الثورة، ويتبين وجود ثوران ديني مبني على هشاشة التأسيس المدني في الوعي العربي العام، حتى وقعت الواقعة على رؤوس محرقي البخور منذ سنة في معبد الميادين الثورية العربية، خصوصا من نخب الكتاب والإعلاميين العرب، صار المشهد سورياليا، ليصبح الاحتكاك بالإخوان المسلمين والإسلاميين هو الحاكم، وبدأت اللغة المدنية تخبو قليلا وبدأ التبرؤ من العلمانية وما يمت لها بصلة، تقرباً للمشاعر الشعبية البسيطة”.
ويؤكد الذايدي موقفه المبكر الرافض للربيع العربي في مقال له بعنوان (هل انتهى موسم التصفيق للشارع) في صحيفة الشرق الأوسط في يونيو 2012: “لقد كان من الواضح بالنسبة لي وللقلة القليلة جدا –وهذه ليست حكمة بأثر رجعي، بل سبقت كتابتها في هذا المكان على مدار عام وأكثر– أن ثمار الربيع العربي كما يسمونه ستتدحرج، خصوصا في مصر وليبيا وربما اليمن، في سلال «الإخوان» وبقية التيارات الأصولية، وأن هتاف وحراك من يسمون بالمدنيين، لن يكون إلا وقودا في نار «الإخوان» التي ستأكل الأخضر واليابس، وتحاصر فكرة الحرية المدنية نفسها”.
ويستمر الذايدي في ذات المقال وبلغة صريحة وحازمة منتقداً المثقفين والكتاب الذين استشروا بالربيع العربي، يقول: “منذ بدية موسم ما سمي بالربيع العربي ونحن نشهد حالة سقوط مدوٍّ للنخب العربية التي صفقت للشارع العربي العظيم، وهللت لثورة الحرية، وبشرت بهطول أمطار دولة القانون والكرامة، وعودة الحرية المنيرة، ونهاية أساطير الأنظمة السابقة”.
ويتفق مع ذات النسق الباحث والكاتب الليبرالي منصور النقيدان –كان أحد أبرز الشخصيات الجدلية بالسعودية في موقفها الحاد ضد الصحوة الإسلامية منذ وقت مبكر– الذي قال بأن الربيع العربي ونتائجه أثبتت أنها ماهي إلا أماني كاذبة وتطلعات حالمة، تؤكد أن “القدرة الخلاقة على الحشد والتجميع وإثارة الفوضى لا تعني القدرة على البناء وفرض الاستقرار”.
ففي مقاله المنشور في يناير 2012 بصحيفة الاتحاد الإماراتية بعنوان (تنبؤات عام 2012) يقول النقيدان “في عام 2011 تفجرت طاقة هائلة استنفدت واستهلكت، وكانت ثمرة كل ذلك مثل قبض على الريح. و2012 سيكون عام تواضع من شمخت أنوفهم وظنوا أن دولتهم قد دالت، وسيكون عام الفاقة لمن ظنوا أن الأماني الكاذبة والخداع برفع المصاحف والنوم مع الشيطان يمكنه أن يطعم الملايين، ويوفر الوظائف، ويجني اللبن والعسل”.
* الموقف من حكم الإسلاميين:
ساهم فوز مرشح الإخوان المسلمين في مصر الدكتور محمد مرسي بمنصب رئاسة الجمهورية المصرية في إثارة ردود فعل ليبرالية نقدية حادة متخوفة من تغول الحركات الإسلامية بعد الربيع العربي وسيطرتها على مفاصل بعض الدول العربية، يرى هؤلاء الكتاب أن الإخوان المسلمين بتاريخهم وتجاربهم لا يمكن الوثوق بهم والاطمئنان إلى احترامهم للعملية السياسية وقواعد التداول السلمي للسلطة، فتراثهم يشير بقوة إلى أنهم سيصلون للسلطة ديمقراطياً ثم يقبعون فيها ويتحولون إلى ديكتاتور جديد.
يتحدث عن ذلك بوضوح الكاتب مشاري الذايدي الذي قال في مقاله (الربيع الإخواني) – نوفمبر 2011: “هناك من يقول لك: حسنا، لندع الإسلاميين يجربون حظهم، فإما أن يتطوروا، مثل إسلاميي تركيا، وهذا ما نريده، وإما أن يفشلوا، ويكفونا شر أنفسهم للأبد. في نظري، هذه الحجة الأخيرة مضللة، لأنها مبنية على فرضية خاطئة، وهي أن الإسلاميين لم يجربوا الحكم في العالم العربي، والآن أتت فرصتهم. لكن الواقع يقول إنهم حكموا السودان وإيران.. والأمر الآخر من يضمن أن الأصوليين السياسيين إذا ثبت فشلهم سيخرجون من الحكم بعد أن يمتلكوا أسباب القوة والهيمنة؟.. هل نفع هذا في إيران التي تدار من قبل تلاميذ الخميني منذ أكثر من ثلاثة عقود؟”.
لكن يختلف معه الدكتور تركي الحمد الذي صرح في حديث خاص لمجلة “المجلة” مؤكداً حق التيارات جميعها في الوصول للسلطة مادامت تلتزم بمبادئ العملية الديمقراطية، “فللجميع الحق في الاختيار وللجميع الحق في تداول السلطة مهما كانت مشاربهم الإيديولوجية أو اتجاهاتهم السياسية والمذهبية ولكن بشرط واحد ألا وهو الالتزام بمبادئ الديمقراطية وقواعد اللعبة السياسية في إطارها الديمقراطي، حينها فإن للشعب أن يقرر من يكون في السلطة أو لا يكون، سواء كان علمانياً أو إسلاموياً، دينياً أو دنيوياً”.
غير أن الدكتور الحمد الذي بارك وأيد الربيع العربي، قال مشككاً في حديثه بمنطلقات ومبادئ وشعارات معظم الأحزاب والتيارات الإسلامية، حيث يرى أنها متناقضة تماماً مع أسس الفلسفة الليبرالية وقواعد العملية السياسية الديمقراطية، ومن هنا يأتي الخوف من انقلاب هذه التيارات وتلك الأحزاب على الإطار الديمقراطي للعملية السياسية حين تصل إلى السلطة وتقبض على مفاتيح السلطة بحسب ما يقوله الدكتور الحمد، لكنه يؤكد أن الحركات الإسلامية لم تعد قادرة على الانقلاب على العملية الديمقراطية لأن الظروف تغيرت بعد الربيع العربي، فالثورات الشعبية التي خلقت ظروف الديمقراطية الحالية قد منحت الشعوب ثقة في النفس وبالتالي قدرة على الحركة لرفض أي أنظمة تحاول أن تُعيد أجواء القمع والتوتاليرية المهيمنة سابقاً.
 لكن الكاتب والروائي الليبرالي السعودي عبده خال يقول في مقال له بصحيفة عكاظ السعودية بعنوان (صناعة فرعون جديد)، أكتوبر 2012: “ثوراتنا العربية قامت بها الشعوب واختطفتها قلة من المنتفعين وهي الآن ترسي دعائم استبداد بصورة جديدة وللأسف تم إدراج الدين كوسيلة لتمرير أهداف الزعماء فأصبح الاعتراض على سياساتهم اعتراضا على الدين مما يسهل عليهم قمع أي صوت ينبه تلك المجتمعات بأن فرعونا جديدا قادما ليقول لهم: أنا ربكم الأعلى!”.
* المثقفون الآخرون.. الليبرو إخوان:
لم يكن غريباً أن يرحب الإسلاميون في العالم العربي والإسلامي بفوز الحركات الإسلامية بالحكم في مصر وتونس وغيرها، لكن المشهد على ضفاف نتائج انتخابات الربيع العربي كان غريباً هذه المرة حين رحب بالنتائج كتاب وشخصيات ليبرالية وعلمانية. هذا ما استغربه بشدة الكاتب مشاري الذايدي حين قال: “أن يفرح الإخوان ومن لف لفهم في مصر أو خارجها بهذا المقعد الرئاسي، فأمر مفهوم، فهم أهل الشأن، ومن حقهم الفرح، لكن ما لا تفهمه كيف يغني ويصفق من يقول إنه علماني ويدعو لحماية الحقوق والحريات الشخصية والفنون وحرية التعبير والتفكير وكل ما يمت بصلة إلى فكرة الدولة العلمانية؟! هل هو جهل أو تجاهل..؟! لا ندري..”.
 يتفق معه في ذات الملاحظة الكاتب عبدالله بن بجاد العتيبي قائلاً: “انتشى الإسلاميون في الخليج بفوز الرئيس محمد مرسي أيما انتشاء، وهذا مفهوم، فروابط الأيديولوجيا وأماني انتقال الحالة لبلدانهم تملأ عقولهم قبل عواطفهم.. لكن بعض المثقفين ألقى تاريخه القديم وراء ظهره بحثا عن الشعبوية، وبعض الإعلاميين إما عاوده الشوق الإخواني القديم، أو أنه خضع لسلطة الجماهير وأسلم قياده لها، والمبررات حاضرة، فحجم الشعارات المرفوعة اليوم تمكن كثيرا منهم من الاختباء تحتها للتعبير عما يُنيل مزيدا من الشعبوية، أو يبحث عن مكان تحت شمس الإخوان الجديدة”.
النقد الفكري المستمر من قبل بعض الكتاب الليبراليين المتواصل للفكر الإخواني، حول أثر (الإخوان المسلمين، وخطر وصولهم للسلطة بعد الربيع العربي) بالإضافة إلى الزخم الذي أحدثته تصريحات وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد التي قال فيها بأن (الإخوان) لا يحترمون السيادة الوطنية للدول، ويسعون لاختراق هيبتها وقوانينها، رافقتها تصريحات نارية من رئيس شرطة دبي في الإمارات العربية المتحدة ضاحي خلفان الذي شن هجوماً عنيفاً على تنظيم الإخوان المسلمين في مصر، وأتباعهم في الخليج.
هذه الحملة النقدية للحركات الإسلامية لما بعد الربيع العربي لم تثر حفيظة وغضب الإسلاميين فحسب، بل أثارت امتعاضاً ورفضاً من كتاب ومحللين محسوبين على التيار الليبرالي السعودي. ففي مقاله بصحيفة عكاظ الذي جاء بعنوان (هلكتونا بالاخوان) تحدث الكاتب السعودي خلف الحربي – وهو كاتب محلي ينتمي للتيار الليبرالي، يهتم بقضايا الخدمات وإشكاليات المواطنين وتحظى مقالاته بمتابعة عالية – عن “بعض المثقفين والصحفيين المنافقين الذين تخصصوا هذه الأيام في تضليل الشارع العربي وإلصاق أي تهمة بالإخوان المسلمين”، ويضيف ساخراً ”فكرت بأن أصبح أخونجيا ليس لقناعة بفكر الإخوان المسلمين ولكن عناداً لهؤلاء الصحفيين”.
ويرى الحربي في مقاله المنشور في أكتوبر 2012 أن الإخوان المسلمين ليسوا مخلوقات فضائية بل هم ينتمون إلى واحد من أكبر وأقدم الأحزاب السياسية في الوطن العربي، ومهما اختلفنا معهم إلا أن هذا لا يلغي أنهم قدموا مجموعة لا يستهان بها من السياسيين والمفكرين ورجال الاقتصاد في كافة أنحاء العالم العربي، وقد دفعوا أثمانا غالية من أجل الحفاظ على وجودهم خصوصا في مصر وسوريا، ولو تقاعس الإخوان عن مناصرة القضايا التي تشغل الشارع العربي اليوم لأتهمهم الناس بالنفاق والدجل، وهم في كل ثورات الربيع العربي وقفوا في ذات المكان الذي يقف فيه الليبراليون والسلفيون وبقية التيارات الأخرى فكيف يكون عملهم شريرا وعمل غيرهم بطوليا؟!.”
 لكن مشاري الذايدي في مقال سابق له –نشر في يونيو 2012– وكأنه يرد على هذه الأفكار المتذمرة من نقد الإخوان، يقول: “إن جولة موجزة بهدوء في تاريخ وأدبيات «الإخوان»، كافية للتنور والفهم، عوضاً عن التسمر على شاشات الـ«آي باد» والـ«آي فون» لمتابعة ثرثرات «تويتر»، أو الفضائيات الخفيفة”.
 يضيف الذايدي: “«الإخوان» يدركون هذه الهشاشة ويعملون على استثمارها، بما فيه استثمار الشعارات المدنية الفضفاضة لخلق «جبهة» من التحالفات تغطي على النواة الإخوانية الصلبة، التي لا تظهر إلا لحظة الاستحقاق السلطوي وتوزيع المغانم”.
وفي ظل هذا الهجوم اللاذع على الإخوان المسلمين، وصعودهم في الربيع العربي كتبت بدرية البشر مقالاً معاكساً في نوفمبر 2011 أشادت فيه بأفكار الشيخ راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة الإخوانية بتونس وقالت: “المبادئ التي أطلقها راشد الغنوشي ظننت أنني وحدي من سيحترمها، لكنني فوجئت بشيوخ ودعاة وطلبة علم شرعي يهللون مثلي لراشد الغنوشي، لماذا قبلوا من راشد الغنوشي القيم والمبادئ التي تحترم الحريات والأقليات وحقوق المرأة، واعتبروه المسلم الحق الذي يستحق الدعم والتأييد، وحين قلنا ربع ما قال صرنا الليبراليين العلمانيين، طيب ممكن تعتبروني بدرية «الغنوشي»”.
 ويتساءل الدكتور عبدالرحمن الحبيب في مقال له بصحيفة الجزيرة في نوفمبر 2011 قائلاً: “ما الذي يجعل ليبراليين يتخوفون من نجاح الإسلاميين المعتدلين رغم أنهم أتوا بآلية الديمقراطية الليبرالية؟”. يجيب الحبيب: “إنها الخصومة التي جعلت من ليبراليين لا يرون في هذا النجاح إلا مدخلاً للتطرف والاستبداد. إلا أن الأحزاب ذات الواقعية السياسية أدركت نتائج الربيع العربي الذي غير المشهد السياسي برمته، وركزت على الاستحقاق الانتخابي متجهة نحو قضايا شعوبها الأساسية لتحسين معيشتها وحقوقها تاركة متشددي السلفية والعلمانية يتناحرون في خطابهم الأيديولوجي”.
لكن الكاتب عبدالله بن بجاد العتيبي يرد ويقول في مقال بعنوان (الليبرو إخوان) في يوليو 2012 قائلاً: “يجني المثقف كثيرا على تاريخه وعلى أتباعه حين ينظر لجماعة الإخوان من ثقب صندوق الاقتراع، حيث لا تاريخ ولا وعي ولا ثقافة ولا سياسة، بل مجرد أرقام ترصف بجوار بعضها بعضا ثم يتم تقديسها بوجوب الخضوع والتسليم… يمكن لأي متابع استحضار كثير من تخبطات رموز «الإخوان» المنتخبين أخيرا ومرشديهم غير المنتخبين في تونس ومصر، ولكن بعض «الليبرو إخوان» وبشكل طقوسي يفضلون التغاضي عنها تماما واعتبارها غير ذات معنى لوجه صندوق الاقتراع وأرقامه”.
أما الأستاذ يوسف الديني، وهو باحث ليبرالي وكاتب بصحيفة الشرق الأوسط، فيقول في مقال له بعنوان (الصعود الإخواني والمكارثية الليبرالية) في يوليو 2012 معلقاً على بعض الكتابات الليبرالية المتعاطفة مع الإخوان المسلمين: “حين أستمع لخطاب مدعي الليبرالية ممن كانت جل خصومتهم مع التطرف الديني… أهمس بابتسامة وأقول: «عزيزي المتلبرل أخرج الإخواني الذي بداخلك»”.
  مجلة "المجلة"
  عبدالله الرشيد
2012-12-22 |

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..