2012-12-10 |
ما أدخلته وسائل التواصل الاجتماعي من تحولات "جذرية" في الفعل السياسي
ومنظومة اتخاذ القرار ومنظومة "المعارضة" وأنماط الضغط السياسي وتشكيل
الأفكار وآلية الحشد السياسي، سواء حشد "الرأي" أو حتى الحشد الميداني، وما
أحدثته من تحول في عملية "الصحافة" وفرض مواضيع البرامج وتحول هذه الوسائل
إلى وجهة المعدين والصحفيين بدلا من السياحة في الشوارع، كل هذه التحولات
ستشكل تغييرا ملحوظا وكبيرا في مستقبل الحياة السياسية.
فاليوم صانع القرار ينشر قرارا ويتراجع عنه بعد رصده لعمليات رفض واسعة في
ساعات بعد أن كانت هذه العملية تحدث في أسابيع، إننا أمام تحولات كبيرة
ستفرض على الدارسين والمنظرين للعملية السياسية إعادة النظر في كل ما كتب
حولها.
لكن لم تستطع وسائل التواصل الاجتماعي الانتقال من التأثير في المعارك
السياسية للتأثير في المعارك "الانتخابية" الواسعة، فما زالت هذه العملية
مرتبطة بالواقع "الطبيعي" وليس "الافتراضي" وحسمها يتطلب عملا كبيرا على
الأرض واحتكاكا مباشرا بالجمهور.
فالشرائح الواسعة من الشعب المصري مازالت لم تتم "عولمتها" بشكل كامل
وإخضاعها للإعلام، ومازال الانتشار المجتمعي عاملا رئيسيا في حسم معارك
"الانتخابات" ولكن تدريجيا سيأخذ الإعلام هذا الحيز أيضا ليتحول "الإعلام"
إلى مجال "السياسة" وتتحول الممارسة السياسية في الأحزاب إلى قسم الإعلام
والتواصل، ويصبح السياسي هو جزء من منظومة الإعلام .. إنه الاحتكار القادم
لا محالة.
وهذه الحتمية منذرة بتحولات كبرى إن لم تلحظها إدارات الكيانات السياسية
في تعاطيها مع المستقبل، فسوف تتحول الأغلبية إلى "أقلية" وتتحول الأقلية
إلى أغلبية، لأن محركات الانتشار والتأثير وقتها ستكون متناسبة.
كما إن "احترافية" العمل الإعلامي والرسالة الإعلامية والتعاطي التقليدي
مع هذه التحديات يوقع المتعرضين لها لخطر فقدان مواقعهم جراء جمودهم
وتقليديتهم، حتما ستتحول الكيانات الإعلامية إلى "أحزاب" تحرك الواقع وتصنع
التوجهات وتصنع الساسة، ويجب التعامل مع هذه الحقيقة من الآن والإعداد لها
جيدا.
وإذا سلطنا الضوء على "الإسلاميين" ومستقبلهم في هذه العملية، فالموروث
الإسلامي قوامه "الدعوة" والدعوة عملية "إعلامية" في أساسها، والنبي يقول
(خلوا بيني وبين الناس)، فالمنظور "الإسلامي" قائم على هذه العملية، وحين
نجد الإسلاميين متأخرين في هذه العملية بل إعلامهم هو "أسوأ" إعلام موجود،
فهذا يدل على أنهم مغتربون عن نموذجهم، ومازالوا يعيشون في أسر "الشكل
التاريخي" ولم ينفذوا إلى "مضمون التصور" الخاص بالإسلام..
فالخطيب والمنبر والخطبة والجمعة والجماعة والأعياد كلها مناسبات "تواصل
جماهيري" وعملية اتصالية إعلامية بامتياز، ومستقبل السياسة في مصر والعالم
ستحول جوهر العمل السياسي من "العمل الحزبي" إلى "العمل الإعلامي، وستكون
الأحزاب فروع عن الإعلام، وهذا تحدي كبير لهم ننتظر ترجمته لواقع من الآن.
بقلم: أنس حسن / المدير السابق لشبكة رصد الإخبارية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..