الأربعاء، 26 ديسمبر 2012

مهرجون يدافعون عن السعودية

02-12-143 05:32 
لا يكفي أن تكون سياسة الدولة حكيمة ومتوازنة وتقف مع أشقائها في السراء والضراء.. ولا يكفي أن تصاغ الرسائل السياسية الرسمية بكل دقة ووضوح المكتوبة منها والمنطوقة, ما لم يكن هناك جيش من المحللين السياسيين والمثقفين والمفكرين يتعاملون باحترافية مع الموقف السياسي ,لاسيما في زمن أصبح الفرد فيه وسيلة إعلامية مستقلة لا حد فيه للتعبير عن رأيه ,وفي زمن عربي متقلب ملتهب يمثل فيه آحاد الناس قوة لا ندرك متى تنطلق..!.


و من تابع لثلاثة عقود الإذاعات والصحف ,وبعدها الفضائيات ,ثم الإعلام الجديد يجد أن الدفاع عن السعودية هزيل وضعيف وأن الجهد السياسي الكبير المبذول يخذله ضعف شديد من قبل مجموعة المدافعين عن السعودية عبر اللقاءات والمناظرات والمقابلات.
في حين الأنظمة العربية الأخرى تملك أصواتا قوية ومؤثرة وهي تدافع عن أنظمة بعضها بشع متآمر ,ومع ذلك يصنع لها مثقفوها ومفكروها تأثيرا جماهيريا كبيرا ,لأنه تم اختيارهم بعناية وتأهيلهم وفق برامج جادة, ولهم تخصصاتهم المحددة ,لذا لا نتعجب من نظام عربي بشع ينهش فيه الظلم والفساد ,ويدار بعقلية طائفية وعميلة.. يصنعه رجاله المثقفون بأنه نظام الممانعة ,وناصر القضايا العربية وصانع الانجازات ,ولولا حربه القذرة الأخيرة.. لظل على زخرفه المصنوع.وعند قراءة الضعف الثقافي السعودي في زاويته السياسية نجد أن أسبابا كثيرة اجتمعت ,وكونت خللا واضحا في بنية الصوت المستقل المدافع عن السعودية ,أولها :أن الدخول في منظومة الدفاع أمر تطوعي بمبادرات ذاتية ,فيدخل في معارك سياسية وفكرية وثقافية كثير من غير المؤهلين الذين يسيئون للقضية ,حتى لو حسنت نيتهم, فحسن النية لا يصنع عملا جيدا.



وثانيها: أن بعض المدافعين اشتهر عنهم سوء الخلق وممارسات معلنة تجعل الجماهير تنفر من أي طرف يمثلونه.. فسلوكيات الفرد تنعكس على مواقفه وآرائه وتقبل الناس له, واختيار صاحب السجل الفردي النظيف طريق مهمة.
وثالثها :أن كثيرا من الشخصيات الصحفية والفكرية المدافعة.. لا تتسق رؤيتها مع الرؤية السياسية للسعودية, فكيف لمن يتبنى الفكر العلماني والليبرالي سنوات طويلة أن يتحول فجأة لتبني رؤية الدول السلفية المعلنة قطعا سينظر له كنائحة مستأجرة ولا شك , بل إن بعضهم يبحث عن مجد شحصي بتوريط المملكة ليدافع عنها لتسجيل موقف بطولي .


والرابعة : أنك لا تشعر باستقلالية المدافع فهو يستخدم لغة ومفردات الخطاب الرسمي ,بل تظنه مصدرا مسئولا ,وليس مثقفا مستقلا يدافع عن وجهة نظره, ,وهي بحاجة للغة إعلامية مقنعة واللغة السياسية للدولة رائعة ليست بحاجة لمثقف يعيد صيغتها في لقاء فكري جدلي لا تجدي معه نمطية السياسة.
والخامسة: أن المدافع غالبا يميل إلى لغة التشجيع الرياضي أكثر منه منطقية المفكر وثقافته.. فهو يدور حول قضايا محددة ,ولو تجاوزها الحوار, ويظهر منه التوتر والقلق ومحاولة إنهاء اللقاء بأسرع وقت, نتيجة لذلك يستفزه السؤال مهما كان طبيعيا.
والسادسة : أن كثيرا من المدافعين لا يفرق حين يتحدث لإذاعة أو قناة محلية وبين حوار ساخن في إعلام دولي يستمع له الصديق والعدو والمحايد, فهو يستخدم ذات الألفاظ والحجج, وهو مغرق بالمحلية لا يرد على تساؤلات الخصم ولا المقدم لأنه لا يدرك جيدا تساؤلات جمهور الإعلام غير المحلي..!.والسابعة: الضعف المعلوماتي عنده وقد شاهدت كثيرا منهم يدلي بمعلومات غير صحيحة ,أو أخبار تم نفيها رسميا ,فهو لا يملك المعلومة بشكل كافِ وقدرته على التحليل والربط ضعيفة, مما يؤثر على سرعة بديهته, كما تشعر أنه لم يحضّر للقاء جيدا ,فهو بلا قصاصات ,ولا تأسيس لماضي القضية ,ولا تفاعلاتها الشعبية والإقليمية والدولية.



والثامنة :خلط الكثير منهم بين موقفه الفكري ,وخصومه المحليين وبين الموقف السياسي السعودي الذي جاء للدفاع عنه.. فهو ينتهز الفرصة للتأكيد على فكره الخاص ,وإقحام خصومه في أي قضية ,ولو لم يكن لها ارتباط بالنقاش ,فهو يستخدم دفاعه عن السعودية لنفسه بكل أنانية.
هذه أهم الأسباب التي جعلت القرار والموقف السعودي رغم منطقيته وقوته غالبا يخسر جماهيريته ويقف متعثرا بعدما ينطلق من أروقة السياسة نحو بحار الإعلام ,ولنضع بين يدي القارئ مثالين لحوار حول قضايا تخص السياسة السعودية وكيف كان موقف المدافع كئيبا ضعيفا.



1- كانت الضربة الاستباقية التي أبطلت مفعول الهجوم الأهوج من جماعات العنف التخريبية في مدينة ابقيق ـتعتبر تفوقا أمنيا وسياسيا لوزارة

الداخلية, استضافت إذاعة (بي بي سي) أستاذا للتاريخ في جامعة الملك سعود ,وسألته عن أبعاد هذه الحادثة, وبدلا من الحديث عن هذا الانجاز النوعي في الضربات الاستياقية والقوة الاستخباراتية علق قائلا :"مخطئ من يظن أن هؤلاء الإرهابيين لوحدهم معهم كثير ممن يسمون طلبة العلم وكثير من الخطباء ومنسوبو المدارس ,بل وكثير من الأهالي يتسترون على هؤلاء الإرهابيين.. " رد المقدم الذي من صالحه الإثارة :"وهل يعني ذلك يا سيد .(.. ) أن الحكومة فشلت مع الإرهاب فكريا ,وأنهم يحصلون على مزيد من تعاطف السعوديين ويمثلون أكثرية في بلادكم" الضيف أدخل نفسه في قفص اتهام و أجهض هذا النجاح بحمقه وسيطرت الصراع الفكري مع خصومه على عقليته, هذا الضعيف الأحمق أضاع جهود الأمن من خلال إجابة أفرحت خصوم الوطن, من خول هذا للحديث باسم الوطن؟ ولم لم يتدرب بالشكل الكافي للدخول في نقاشات حساسة؟.
2 - كان دخول قوات درع الجزيرة بقيادة السعودية لمواجهة المؤامرة الإيرانية ,وعملائها درسا تاريخيا لن ينساه أبناء الخليج,.فقد كان تحركا بطلب من مملكة البحرين دقيقا في وقته وبحزم أجهض سنوات من المكر الإيراني, ولما جاء رئيس التحرير ليدافع عن الموقف السعودي في قناة دولية ,ومعه أباطرة من حزب الوفاق البحريني ,ومعارض شيعي سعودي بلندن.. أجاب بكل سفاهة على أول سؤال عن سبب التدخل " أن السعودية تعتبر البحرين عمقا أمنيا لها وتدخلت لحماية مصالحها.. وأمريكا تدخلت في أفغانستان والعراق لما شعرت أن ما يحدث يهدد مصالحها".. الضيفان الحاقدان لم يصدقا خبرا بهذه الإجابة الغبية التي تخالف تماما التصريحات الرسمية للسعودية والبحرين وطوال ساعة كاملة يستدلان على رأييهما على إجابة هذا المدافع الأحمق, بل قال ممثل حزب الوفاق " قلناها قبل إن القوات السعودية تدخلت حتى بدون إذن الحكومة البحرينية أشكر الأخ على صراحته ومنطقيته" وهو يشكره على حمقه وسوء تصرفه تجاه دولته, تتساءل هذا الذي قبل أن يكون ضيفا في قضية حساسة وحوار ساخن لم لم يكلف نفسه قراءة متمعنة للموضوع..؟ لماذا لم يعتذر عن موضوع لا يفهم أبعاده..؟ هل اتصل بوزارة الخارجية واستفاد من رؤيتهم واطلع على ملف الموضوع السياسي والأمني والمعلوماتي..؟ أم أنه بادر فرحا بالاستضافة دون وعي ولا إعداد..؟.هذان المثالان نموذجان لأمثلة كثيرة تدل على أن الدعم اللوجستي للقرار السياسي يعاني من ضعف شديد رغم أن المواقف السياسية تتسم بالهدوء والحزم معا ,وأنها في مجملها جيدة ,ولكن للأسف يقتلها بلادة المدافعين ,وضعف إعدادهم, رغم أن المثقف والمفكر السعودي في النقاشات الفكرية والثقافية والمذهبية يعتبر من أنجح المحاورين ويملك ثراء معرفيا قويا ولديه سرعة بديهة رائعة ولكن عند الحوار السياسي يتحول لشخصية أليفة لا يستطيع استحضار المعلومة ولا التحليل والربط ولا يملك وسيلة إقناع.
لذلك لا بد أن نعطي هذا الموضوع اهتماما كبيرا ,لأنه سند القرار السياسي, وأحد أهم معالم الصراع الدبلوماسي وتأخرنا كثيرا في وضع أسس لهذه البنية المهمة.. عبر الآتي :

1- أن تتوقف المبادرات الشخصية, وأن يعرف من له حق التداخل في الدفاع عن الموقف السعودي ,لاسيما في الأحداث الساخنة, وأن تبعد الشخصيات الساذجة والجاهلة والحمقى تماما عن هذا المجال ,وهم موجودون للأسف كثيرا.. وتراهم في تويتر يشوهون كل جميل لمواقفنا السياسية.


2- صناعة جيل وشخصيات قوية مدربة تخضع للتطوير ولورش عمل مقننة تعتني بالحوار والنقاش والجدل السياسي, وأن تتخصص كل مجموعة منها في شأن سياسي محدد لكي تبدع فيه.


3- المبادرة في وضع مركز معلومات متكامل ويحدّث يوميا, يمكّن المحاور من معلومات مفصلة عن القضية والضيف المقابل والمقدم, ويوضح وجهة النظر الرسمية ومبرراتها السياسية والأخلاقية وتاريخ القضية محل النقاش.


4- المحاور يمثل نفسه وليس مصدرا سياسيا لذلك له فرصة لوضع رأيه الخاص وتحفظه على جوانب من الموقف السياسي الرسمي دون أن يخضع لمساءلة وأن لا يكون قلقا أثناء الحوار من الرأي الرسمي في آرائه.


وبالطبع لدى الباحثين والمختصين مزيد من الحلول والخطط التي تصنع دوائر متوالية من المساندة السياسية توقف هذا الظلم الجماهيري لنا في الوطن العربي.. ومن أهم أسبابه خط الدفاع الثقافي والفكري المهلهل


عادل أحمد الماجد



المثقف الجديد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..