السبت، 12 يناير 2013

السعودية – الحاضر والمستقبل مع رسالتين للأستاذين الكريمين صالح كامل وقينان الغامدي!!

رسالة للأخ الكريم الأستاذ قينان الغامدي
كتبتم مقالا حول مايحصل في دولة خليجية تجاه بلادنا. أثق تماما أن مجلس التعاون له دور
كبير يلتقي من خلاله القيادات ويتبادلون الأراء، وفي هذا خير كثير.

هناك سؤال يتم طرحه دائما في الإعلام قبل اجتماعات قادة دول مجلس التعاون الخليجي: لماذا لم يتم تطوير المجلس أكثر من ذلك .. ربما وصولا الى الإتحاد الذي دعا اليه والدنا خادم الحرمين الشريفين يحفظه الله؟

عندما تقرأ الإجابات والمقالات تكتشف أن معظمها يدور حول أن دول الخليج عبارة عن "دول وطنية" يصعب على حكوماتها التخلي عن "قراراتها السيادية" ولو بطريقة جزئية تحقق الإتحاد فيما بينها.

هذا السبب قد يكون أحد الأسباب، ولكن هناك أسباب أخرى تم طرحها في ورشة عمل أثناء زيارة لدولة خليجية شقيقة قبل نحو 8 سنوات، ولايمكن شرحها بأي حال من الأحوال.  ولكن يمكن طرح أخفها وطأة .. فقد قام أحد المتواجدين من طلابي بعرض فيديو يوضح قيام "شخص أجنبي" بإلقاء محاضرة أمام مجموعة من المسؤولين المدنيين والعسكريين في دولة خليجية (ليست قطر) يخوفهم فيها من الأطماع السعودية في دولتهم، وبعروض powerpoint تحمل طرقا نفسية تستغل كل قرار أتخذته الحكومة السعودية بحيث يتم فهمه بطريقة معكوسة.

حصل هذا رغم أن الدولة السعودية أثبتت المرة تلو الأخرى حرصها على سلامة وأمن كل الدول العربية، وضحت بالغالي والنفيس في سبيل حمايتها، وأثبتت أنها "الشقيقة الكبرى" لهن كما أوضح لك ذلك يا أخي قينان سمو وزير الداخلية الأمير نايف رحمه الله تعالى.

أما الأسباب الأخرى فلا يمكن الحديث عنها لأسباب لن تخفى علي رئيس تحرير وصحفي متمرس مثلكم.

وأقول: لايمكن يا أخ قينان أن تبني اذا كان غيرك يهدم، وأحد أهم الدروس أنه لايمكنك تطوير شيء دون أن تعرف مايحصل حولك سياسيا واقتصاديا وتطويريا وحمايته اعلاميا واستخباراتيا.

ولذلك ستظل بعض دول الخليج تغني خارج السرب، ويتم اقناعها للقيام بأدوار أكبر منها، وستكون هي نفسها ضحية .. كما أثبتت دروس التاريخ !!

                           رسالة للأخ الكبير الوجيه صالح كامل

أود أن اشكركم على الدعوات الكريمات التي تأتيني منكم بين الحين والآخر، والتي تحمل كلمات جميلة تعكس جهودكم وجهود الفريق من حولكم في غرفة جدة، ويعجز الإنسان عن الثناء عليكم لما نعرفه عنكم من جهود كبيرة في خدمة جموع رجال الأعمال، وهو مايجعلنا نعرف سبب ثقة المسؤولين بكم. 

أعتذر عن الحضور بسبب كثرة الأشغال ، وبعد المسافة لوجودها في منطقة أخرى (800 كم ذهابا وعودة)، مما سيسبب لي الإرهاق ويمنعني من العمل في اليوم التالي، لأن نشاطاتكم في منتصف الاسبوع. والموجودون فيهم الخير والبركة. 

كما أنني على معرفة بحال من تستضيفونهم وجهودهم النيرة، والتقاءكم بهم واحتفاءكم بهم يوضح ذلك، وهو أمر مشكور منكم، وأرجو من الله تعالى أن يوفقكم ويوفقهم لما فيه خدمة هذا الوطن.

أبا عبدالله: اذا تحب أمر عليكم لأشرب فنجال شاي فليس لدي مانع، ومهما أختلفت في مقالاتي معكم أو مع أي انسان آخر فثق تمام الثقة أننا نحمل لكم كل محبة وتقدير، وستظل مظلة هذا الوطن بثوابته تظلنا في جو من الأخوة والتسامح. تمنياتي لكم ولغرفتكم بالمزيد من التقدم والنجاح.

        السعودية – الحاضر والمستقبل !!

نشرت مجموعة عبدالعزيز قاسم مقالا لأحد الكتاب يتحدث فيه عن مراحل التطور الإداري للدولة السعودية، ويفسر فيه بعض القرارات التطويرية التي أتخذها الملوك فيصل وخالد وفهد وعبدالله، ويستنتج في آخر المقال أن الملك عبدالله أتخذ في العام 2012 قرارات وسن أنظمة مهمة للغاية.

المقال مهم لمعرفة وجهة نظر الآخرين فينا، خصوصا وأنه أعتمد على مصادر أجنبية.   غير أنني أعتقد أن كاتب المقال أخطأ أحيانا في فهم ماجرى حقيقة بسبب أعتماده على المصادر الأجنبية من جهة، وفي بعضها ريبة ، والتي تفسر الامور تفسيرا عالي المستوى macro .

سبب كتابة هذا التحليل

إن سبب كتابة هذا التحليل السريع هو 3 أمور:

(1) أن التحليلات العالية المستوى لاشك مفيدة أحيانا، لكنها تصبح في بعض الأحيان وبالا على بلادنا، لأن النظرة الفوقية لاتعطيك تفاصيل واضحة حول كيفية القيام بأي تطوير.

(2) أن دعوة الكاتب وتشجيعه للملك عبدالله – يحفظه الله - في الإستمرار في سن الأنظمة التطويرية دون الدعوة للنظر في اتجاهات ادارية أخرى متاحة للدولة السعودية هو مما يدعو للأسف الشديد، فليس بالإمكان دائما التطوير دون النظرة الشمولية الإدارية التي قد تصلح دون الحاجة لسن أنظمة وهيئات جديدة تزيد الحكومة بيروقراطية وتطور الصراعات الإدارية بين الجهات المختلفة وتصيب النظام الإداري بالترهل وترفع تكاليفه التشغيلية، وفي ذلك خطر عظيم على الدولة على المدى البعيد.

(3) أن المسؤولين في منطقة مكة المكرمة وعلى رأسهم أمير المنطقة الأمير النشيط خالد الفيصل - يحفظه الله - يتحدثون كثيرا عن رغبتهم في الإنتقال بالإنسان في منطقة مكة المكرمة الى وضعية الدولة المتقدمة.  وهذا أمر يمس مشاعر كل مواطن يريد أن يرى بلاده في مصاف الدول المتقدمة.

في المدينة المنورة علمت أنه تم صرف أكثر من 50 مليار ريال في تطوير منطقتها المركزية عندما عملت مع اللجنة التنفيذية فيها قبل سنوات. ويمكننا أن أرى أن سمو أميرها الكريم يرغب أيضا في تطوير منطقته، خصوصا وأنه يترأس هيئة تطويرها.

وأعتقد أننا لو تأملنا قليلا، فإننا نجد أن هذا هو رغبة ولاة الأمر يحفظهم الله ورغبة بقية أمراء المناطق والوزراء والمسؤولين.

يقول الملك – يحفظه الله – في كل جلسة لإقرار الميزانية السنوية للدولة أنه لايوجد عذر لدى أي مسؤول.

وعلى هذا، فهذه الأموال والميزانيات التي يتم صرفها الى أين ستقودنا؟

خطأ التحليل

سوف أعطي مثالا على خطأ التحليل في بعض المواقع بسبب التحليل الفوقي .  على سبيل المثال، يقول كاتب المقال أن الملك فيصل رحمه الله تعالى أسس بعض المؤسسات خارج نطاق الوضع البيروقراطي الموجود، ودعمها ماليا، ومن ذلك جامعة الملك فهد للبترول والمعادن. وذكر تحديدا اسم من قامت الدولة بتكليفة بتأسيس جامعة البترول والمعادن، وهو "الدكتور صالح أمبا" رحمه الله تعالى.

هذا خطأ في فهم ماجرى، وهو خطأ يوضح أننا لم نفهم بعد معنى "التطوير" نحو وضعية الدول المتقدمة.

وطالما ظللنا بهذا الفهم، فسوف نظل نفسر مايحصل بطرق خاطئة، وهذا مما يمنع تقدمنا.

(1) أعترف المرحوم الدكتور غازي القصيبي في محاضرة له بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن ، وقد كنت حاضرا، أن عملية تأسيس جامعة البترول والمعادن تمت لسبب معين وفي وضع تاريخي معين وفي منطقة معزولة، وأنه يصعب تكرار التجربة. هذا رجل من رجالات الدولة يعرف مايتحدث عنه. وهو كلام تكرر كثيرا على ألسنة الكثيرين غيره.

(2) يصف الذين يعرفون الدكتور صالح أمبا بأنه كان رجل أمن منضبط.

في محاضرة غربية أعترف محاضر بأنه لايمكن لرجل أمن تأسيس جامعات علمية مدنية متطورة، ولكن يمكن له تأسيس جامعة أمنية متطورة. وهناك فرق كبير بين الإثنين.

في محاضرة أخرى، أوضح محاضر بأنهم كانوا يعلمون مصير تونس وتحولها الى دولة أمنية وتسلطية وغياب حقوق الإنسان فيها وسقوط حكومتها لاحقا حينما تم السماح لزين العابدين – خريج كلية الأمن – بالوصول الى الرئاسة، ولكنه أوضح أيضا أن الخيارات كانت محدودة للغاية بسبب كبر سن الرئيس الاسبق الحبيب بورقيبة، وخوف معظم من حوله منه.

رجال الأمن لهم تخصصات مهمة في حماية أمن الدولة، ولكن ليس من بينها تطوير الدولة مدنيا وتأسيس جامعات عالمية ومدنية متميزة.  هذا أمر يعجز عنه المدنيون المتخصصون (وهم أمامكم تستطيعون أن ترونهم في كل الدول العربية والنامية)، فكيف يقوم به رجال أمن غير متخصصين؟

أن تقود العملية أمرا مقبولا، ولكن أن تدعي ماليس فيك فذاك أمر ليس من المهنية في شيء، والرجل – كما تابعت تاريخه - لم يدع يوما أنه قام بتأسيس جامعة البترول، بل فهمت من مصادري أنه كان يقول (أنني عملت ضمن فريق عمل)، فكيف يكتب الأخوان مقالات يدعون فيها ماليس ممكنا من الناحية المنطقية.

إن هذا يعني أن ميزانياتنا سيتم صرفها دون أن نصل الى أهدافنا في الوصول الى وضعية الدولة المتقدمة.

(3) أفخر كثيرا بالجامعة .. وعند عودتي من البعثة مررت على معالي مدير الجامعة الدكتور بكر بن بكر، وسألته: كيف أمكن تأسيس هذه الجامعة في منطقة لاتوفر الدعم الحضاري لها قبل نحو 50 سنة (1387هـ) ؟ 

كانت أشبه بالجزيرة المتطورة في منطقة نامية، والصور قبل 50 سنة توضح حال المنطقة الشرقية.

معالي الدكتور كان لطيفا للغاية، ولم يبخل في الإجابة برغم كثرة مشاغله، وتحدث لمدة ساعتين ونصف كاملة عن ذكرياته في تأسيس الجامعة والجهود التي بذلت.

رؤيا تطويرية متميزة

كمتخصص أمكنني أن الاحظ أنه كان هناك رؤيا تطويرية متميزة .. تبعها جهود متخصصة وحثيثة في سبيل تأسيس جامعة عالمية متميزة ، تستطيع تخريج مهندسين منضبطين يستطيعون العمل في حقول النفط، ويبلغ عدد قيادي أرامكو من خريجي جامعة الملك فهد للبترول والمعادن نحو 33% حينما غادرت الجامعة قبل سنوات. العملية اذن مدروسة، وليست عشوائية.

ومع ذلك ظلت أسئلة في ذهني لم أستطع الحصول على اجابات لها من معالي المدير، ولامن غيره ممن عاصروا عملية التأسيس.

(4) إن الجهود التي يتحدثون عنها قامت في أماكن أخرى في تأسيس جامعات أخرى في بلادنا ، فلماذا لم تخرج نفس النتائج المتميزة ؟

على سبيل المثال، حتى السنة التحضيرية التي تم اقناع سمو أمير منطقة المدينة المنورة السابق الأمير مقرن بن عبدالعزيز يحفظه الله، بها من خلال التقرير الذي كتبته بيدي، وقامت اللجنة برفعه لسموه .. لكي يتم تطبيقها في جامعة طيبة كأول جامعة طبقت السنة التحضيرية بعد جامعة البترول، ووافقت وزارة المالية بعد طلب من سموه الكريم .. أقول حتى السنة التحضيرية في جامعة طيبة ليست هي نفس السنة التحضيرية في جامعة البترول.  ونفس الأمر بالنسبة للجامعات الأخرى، ويمكنك زيارة قوقل والبحث عن الموضوع والشكاوى حوله لترى مانقصد.

ورغم أن جامعة طيبة كلفت أستاذا من جامعة البترول في الإشراف عليها عند تاسيسها، إلا أنه لم يستطع أن يطبقها بنفس الكفاءة والمستوى. لماذا .. ؟! بصراحة هناك خلل في فهمنا للأمور وكيف ينبغي أن تسير.

ولكي لايرى أخواننا العرب أنفسهم علينا ، فإنني أستطيع القول بأن من قام بجهود تأسيس الجامعة التفصيلية لايمكن أن ينتمي للمنطقة العربية من محيطها لخليجها، ولايمكن أن يكون من الدول النامية.   إن الأمور التطويرية التي تمت هي أمور خارج نطاقنا. ومع ذلك فإن هذا لايعني أننا لانستطيع أن نتعلم اذا عرفنا مفاتيح المعرفة وكيفية طرح الاسئلة بطريقة صحيحة، وهذه أيضا ليست سهلة إلا اذا كنت تحمل رؤيا صحيحة.

وهكذا ظلت اسئلة في ذهني .. بالتالي بحثت عن اجابات لها في أماكن أخرى لدى بعض أصدقائي آنذاك من الإستشاريين الدوليين التي كانت تربطني بهم علاقة .. وبصفة خاصة .. لأن هذه من اسرار العمل بالنسبة لهم !!

الإجابات التي ذكرها معالي الدكتور لاتتفق ولاتتناغم تماما مع اجابات الإستشاريين، الذين كان بعضهم على اطلاع تام بما جرى خلال تلك الفترة التي تم فيها تأسيس جامعة البترول .. من خلال ماهو موثق كتابيا .. !!

وهذا يفسر لماذا لم نستطع تأسيس جامعة مماثلة.

وبإعتراف الجميع.

ولو كان الأمر سهلا – كما قد نعتقد – لكان معالي الدكتور بكر قد ساعد الجامعات السعودية الأخرى في الوصول الى مستوى جامعته، ولكان وزير التعليم العالي الاسبق الأستاذ حسن آل الشيخ قد طلب منه القيام بذلك.  بل أن معالي الدكتور بكر كان نفسه عضوا في مجلس ادارة جامعة قطر، ومع ذلك لم تتطور تلك الجامعة الى مستوى جامعة البترول والمعادن أكاديميا !

فكيف سننتقل الى وضعية الدول المتقدمة اذا كنا غير قادرين على فهم هذه الأساسية التي قفز فوقها الكتاب الغربيون ربما عن غير قصد ، وتبعهم كاتب المقال وغيره فيها، معتقدا أنه يقدم أدبيات تاريخية Literature Review لمقاله من خلال مراجعة ماكتبه أولئك الكتاب الغربيون؟

أين الرؤية الصحيحة ؟!

عدد الذين يمتلكون رؤية صحيحة !!

كان أستاذي الأمريكي يقول: لو جمعت عدد الذين يمتلكون رؤية تطويرية صحيحة للتطوير وحل المشاكل على المستوى القومي في الولايات المتحدة كلها لوجدت أن عددهم قليل للغاية، وهم يحتاجون الى رعاية واحتضان لكي لايضيعوا في زحمة الحياة اليومية ومتطلبات المعيشة.

نعم .. أصحاب الرؤيا قليلون .. وهم يولدون بها .. تركيبة مخهم غير .. هذا في دولة متقدمة، فكيف بالدول النامية .. ؟!

ليس المهم أن نطور لمجرد التطوير، بل المهم أن نطور وفي أذهاننا رؤية صحيحة ومعرفة بقدرات من سيقومون بالعمل، وكيف سنصل الى مانريد، وهذا مالايتفق مع بعض ما أراه من أمور تحتاج منا الى مراجعة.

وأقول: وحده غازي القصيبي – رحمه الله - أمتلك الشجاعة على الإعتراف علنيا بهذه الحقيقة في محاضرته التي ذكرتها أنفا.

ولذلك فإن التاريخ لن يرحمنا اذا ظللنا لانرى المستقبل بطريقة صحيحة، وظللنا نتحدث بالعموميات ، وظللنا نضع الأمور في غير نصابها، فالمستقبل في يوم من الأيام سيصبح تاريخا كتبناه نحن بأيدينا ونفذناه بأعمالنا وميزانياتنا !! وسوف يحاسبنا التاريخ (وما أقساه من محاسب!!)، وسوف تحاسبنا الأجيال القادمة حينما نصل اليهم وفي أيادينا انجازات لا تتناسب مع الميزانيات التي صرفناها والجهود التي بذلناها، وهو ما لا أظن أحدا يتمناه.

تمنياتي للجميع بالتوفيق.

الدكتور كمال الصبحي – المدينة المنورة
استشاري ادارة المشاريع التطويرية واتخاذ القرارات وحل المشاكل
أستاذ متقاعد مبكرا من جامعة الملك فهد للبترول والمعادن بالظهران

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..