يقوم المعلِّم بغرس القيم الفكريَّة في الطلاب، وهو القدوة في ذلك؛ ليتحقَّق عدم ظهور أو تنامي ظاهرة التطرُّف لديهم من خلال هذه القيم، وهي حبُّ العلم، فينشأ الطلاب محقِّقين عدم ظهور أو تنامي ظاهرة التطرف في حياتهم.
أولاً- قيمة حب العلم:
من حُسْن التأديب والتربية أن يَغرِس
المعلمُ في الطلاب حبَّ التعلم والحرص على طلب العلم، وأن يُبيِّن لهم كيف
جعل الله تعالى أول آيات القرآن الكريم؛ قال الله تعالى: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ [العلق: 1 - 5].
وأن القرآن الكريم قد اشتمَل على ما
يُقارِب (750) سبعمائة وخمسين آية تَحُثُّ وتدعو إلى إعمال الفِكْر في هذا
الكون وما فيه من مخلوقات مسخَّرة للإنسان.
يؤدي العلم إلى ثمرة وهي معرفة الله،
وهو أشرف العلوم وأوجبها، وكان ثمار شجرته ذات الأصل الثابت، والعلم يؤدي
إلى جهاد النفس والسعي إلى عبادة الله، وإزالة القَذَى عن النفس والترقِّي
في مدارج السالكين إلى رب العالمين، والعلم له صِلة بالإيمان وعِلم السلوك (التزكية)؛ فالعلم بالحق العامل به هو (المنعم عليه) وهو الذي زكَّى نفسه بالعلم النافع والعمل، وهو المفلِح الذي قال الله تعالى فيه: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ﴾ [الشمس: 9]، فالعلم "مُذاكرته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وطلبه قُرْبة، وبذْله صدقة، ومدارسته تعدل بالصيام والقيام"؛ ابن القيم.
والعلم يكفِّر الذنوب والخطايا "ويُطهِّر
النفسَ؛ لأنه عبادة جليلة يحظى بها المسلم بالأجر العظيم ومن الحسنات التي
يُكفِّر الله بها السيئات"؛ (كرزون، 1997م: ج1،ص199).
ومن ثمرة العلم تعميق الإيمان بالله
وكتابه ورسوله، والإيمان بالقدر خيره وشره واليوم الآخر، وليس كما "زعموا
أن هدف البحث العلمي هو إكسابُ الطالب قدرة على تفسير الظواهر العلميَّة
فحسب"؛ (الهلالي، 2000م: 108).
قال الله تعالى: ﴿ وَلِيَعْلَمَ
الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا
بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ
آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [الحج: 54]، فالدراسة النظرية
لمجرد الدراسة عن غاية العلم وثَمرته، فهذا ليس بعلم؛ لأنه لا يَعصِم مِن
فقه الهوى وإغواء الشيطان، ولا يُقدِّم للبشرية خيرًا، كما أن المتعلِّمين
الذين "لم يُتقِنوا العلم أخطر على أي أمة من الجهلة؛ لأنهم يَبنون مواقفهم
على معلوماتٍ مغلوطة أو منقوصة، فيَضِلون ويُضِلون، وهم يحسبون أنهم
يُحسِنون صُنعًا، في حين أن الجهلة لا يُفتون ولا يدَّعون المعرفة، فليس
مظنَّة ذلك"؛ (الأسمر، 2001م: 329)؛ لذا يُحذَر اللجوء إلى المعرفة غير
اليقينية، بل يجب التأكيد على إتقان المعرفة بعزم وصبرٍ ومثابرة وشروط؛ لذا فإن العلم حتى يؤتي ثمرتَه يكون بشروط عدة:
1- الإخلاص لله والطلب بعلمه رضا الله - سبحانه وتعالى.
2- تحديد الهدف من العلم الذي يطلبه المتعلِّم، ويحذر من الفوضى في طلب العلم.
3- التلقِّي عن أهل العلم الموثوقِ بهم.
4- الأخذ وتحصيل العلم بالتدرج؛ قال الله تعالى: ﴿ وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا ﴾ [الإسراء: 106].
5- التهيئة لأسباب فَهْم الدرس.
6- إدراك الواقع بدون تحقيق المناط؛ أي: نزوله نزولاً صحيحًا.
"إن العلم النافع يَعصِم صاحبه بتوفيق
الله من الانحراف والضلال، ويحميه من الوقوع في البدع والمُحدَثات،
والشركيَّات والضلالات، ويحمله على تعظيم الشعائر والحُرمات، والتجافي عن
المنكرات والموبِقات"؛ (الفوزان، 2004م: 11).
فالعلم النافع هو الذي يقي من مكايد
الشيطان ونزغاته، ويكشِف شُبهاته وتلبيساته، فكلما كان المعلم الصادق أكثر
علمًا بالشريعة وتضلُّعًا منها، كان أكثر تمسُّكًا بالسنّة وحرصًا عليها،
وبعدًا عن البدعة ونفورًا منها، وحذرًا من مصايد الشيطان ووساوسه.
ولهذا أمرنا ربنا - عز وجل - بالرجوع إلى العلماء الربانيين في الأمور التي تهم الأمة، وتَمَس مصالحها العامة؛ فقال سبحانه: ﴿ وَإِذَا
جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ
رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ
الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ
وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [النساء: 83].
د. علي بن عبده بن شاكر أبو حميدي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..