الحمد لله رب العالمين والصلاة
والسلام على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين ، أما بعد :
فهذه وقفات شرعية اقتضى كتابتها ما
يحصل في مدينة بريدة الحبيبة من مطالبات من بعض أهالي
المسجونين لإطلاق أو محاكمة
أقارب وأحباب لهم قضوا في السجن سنين عديدة ، مما نتج عنه حصول ضرر ظاهر على
أنفسهم وأبنائهم وزوجاتهم .
ولا أريد في هذه الكتابة بيان من
المتسبب ، ومن المصيب والمخطئ، وإنما الهدف التذكير ببعض القواعد والأصول الشرعية
، التي ينبغي أن تكون محل اتفاق بين كل أطراف القضية، بين الحاكم والمحكوم،
والكبير والصغير، والعالم والجاهل من عوام الناس، لأن هؤلاء جميعا يربطهم شيء
واحد، وهو أنهم مسلمون، يعلمون أن الواجب عليهم الرجوع إلى كتاب ربهم ، وسنة
نبيهم، عاملين بقوله تعالى (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن
يكون لهم الخيرة من أمرهم) ، داخلين فيمن قال الله عنهم (إنما كان قول المؤمنين
إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون)
، يعلمون أنهم لا يبلغون حقيقة إلإيمان بمجرد التحاكم إلى الشريعة حتى يضيفوا إلى
ذلك عدم وجود الحرج والضيق في صدورهم من حكم ربهم، ويسلموا لأمره بلا تردد أو ريب،
كما قال ربهم جل وعلا (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكّموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا
في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) .
وإني إن شاء الله لا أذكر قولا ولا
قاعدة إلا ومعه دليله من الكتاب أو السنة أو الإجماع أو من أقوال علماء الأمة المعتبرين
من المتقدمين أو المعاصرين.
وقبل الدخول في الموضوع لا بد من
التنبيه على ثلاثة أمور مهمة :
١- ينبغي لمن أراد الحكم على كلام
أحد النظر إلى حجته ودليله ومقصوده، وليس من العقل رد الدليل والحجة بذكر أشياء
خارجية لا علاقة لها بكلام المتكلم، وإن كانت هذه الأشياء الخارجية قد تكون حقا في
نفسها .
مثال ذلك: مَن قيل له: لا تسب آلهة
المشركين لأن ذلك يؤدي إلى سب ربنا جل وعلا، واسْتُدل له بقوله تعالى (ولا تسبوا
الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم) لا يصح له الإعتراض على ذلك
بحجة أن الآلهة من دون الله باطلة،وأنها مستحقة للسب،لأن من نهى عن السب لم يتكلم
عن كونها مستحقة للسب أو لا ، بل هو يراها أهلا للسب، لكنه يقول: نهيت عن سبها
لأنه يؤدي إلى سب الله ، والله حرّم ما يكون كذلك .
وهذا الأمر لو فُهم لبانت كثير من
الحقائق، ولزال كثير من الخلاف، فينبغي التفطن لذلك، وعدم إهماله أو تجاهله .
٢- أرجو قراءة ما سيأتي بعدل
وإنصاف، وعدم الاستعجال في الحكم على الكلام، فإذا رأيت قاعدة أو كلاما لم يرق لك،
فلا تحكم حتى تقرأ ما بعده، فلعلّ ما انتقده مطلق يأتي بعدُ ما يقيده، أو مجمل
يأتي بعد ما يبينه، أو بسبب إشكال يأتي بعدُ ما يزيله ويوضحه .
٣- إن القسمة العقلية لتحليل
المشكلة بين أهالي المسجونين ومن يؤيدهم من جهة ، وبين الدولة من جهة، تقتضي ثلاثة
احتمالات لا رابع لها، إما أن يكون الخطأ من المسجونين وأهاليهم فقط، وإما أن يكون
من الدولة فقط، وإما أن يكون الخطأ مشتركا بين الطرفين .
والحقيقة تبيّن أنه لا يمكن لأحد
تحديد واحد من هذه الاحتمالات بدقة، فإن مَن في السجن ليسوا على درجة واحدة باتفاق
الجميع، فمنهم من يستحق السجن كمن تورط في قتل مسلم أو تفجير وتخريب، ومنهم من ليس
كذلك، وتأخير المحاكمة قد يكون لسبب مقنع، وقد لا يكون.
إلا أني سأجعل كتابة ما سيأتي
مبنيا على أن الخطأ كله من الدولة، وأنه لا ذنب للمسجونين وأهاليهم فيما كان ويكون
.
لذا لا ينبغي لأحد أن يعترض على
شيء ذُكِر دليلُه بحجة براءة هؤلاء المسجونين، فإن هذا مما ليس داخلا في النقاش
والنزاع ، لأننا افترضنا وسلّمنا بثبوته ونفي ما سواه عنهم .
وبعد: فإليك هذه القواعد
والأصول :
أولا:
ينبغي على المسلم أن يعلم أنه
محاسب عن كل ما يقول ويفعل، وأنه بمجرد موته سينقطع عمله ويبدأ حسابه، فإن قدّم
خيرا فخير يجد، وإن شرا فشر، ولا خير إلا ما كان مقرونا بحجة من الكتاب والسنة،
ومن لم يكن متبعا لهما فإنه لا ينفعه متابعة الناس أو ثناءهم عليه في الدنيا، فإنه
سيكون في قبره وحيدا ليس له إلا ما عمل في الدنيا، وسيكلمه ربه في القيامة ليس
بينهما ترجمان، فعليه أن يعد لكل عمل جوابا ينفعه عند ربه إذا سأله لم فعلته؟
وليعد جوابا لكل نص من كتاب وسنة إذا سُئل: لِمَ لمْ تعمل به ولمَ لمْ تقبله؟ .
وليس للانسان إلا نفس واحدة، فلا
يجعل حياته تذهب بالتجارب، أو بما يراه في عقله مصلحة، بل عليه فعل ما دل عليه
الدليل، فبه النجاة والعصمة، ولا عتب ولا لوم على من أخذ به .
ثانيا:
حسن النية لا يكفي في الدلالة على
صحة الفعل وجوازه، بل لا بد أن تكون الطريقة صحيحة ، وتأمل في بيان ما قلتُ الحديث
التالي : روى الشيخان عن أنس بن مالك قال : [[جاء ثلاثة رهطٍ إلى بيوت أزواج النبي
صلى الله عليه وسلَّم ، يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلَّم ، فلما
أُخبروا كأنهم تقالُّوها وقالوا : أين نحن من النبي صلى الله عليه وسلَّم قد غُفر
له ما تقدم من ذنبه وما تأخر . قال أحدهم : أما أنا فأصلي الليل أبداً وقال الآخر
وأنا أصوم الدهر ولا أفطر وقال الآخر وأنا أعتزل النساء فلا أتزوَّج أبداً فجاء
رسول الله صلى الله عليه وسلَّم إليهم فقال " أنتم الذين قلتم كذا وكذا . أما
والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوَّج النساء
فمن رغب عن سنتي فليس مني ]] . فهؤلاء الصحابة الثلاثة أرادوا فعل أعمال جليلة ،
صوم في النهار وقيام في الليل وترك للزواج الذي قد يشغل عن العبادة ، وهم ما
أرادوا إلا الخير ومغفرة الذنوب ، ومع ذلك لما علم صلى الله عليه وسلم بقولهم غضب
وبيّن خطأ صنيعهم ، بل سمى فاعله بعد البيان راغبا عن سنته ثم تبرأ منه .
وقال ابن مسعود رضي الله عنه كما
عند الدارمي في سننه وابن وضاح في كتاب ما جاء في البدع وغيرهم : وكم من مريد
للخير لم يصبه .
وروى البيهقي بإسناد صحيح عن سعيد
ابن المسيب أنه رأى رجلا يصلي بعد طلوع الفجر أكثر من ركعتين ، يكثر فيها الركوع
والسجود ، فنهاه ، فقال : يا أبا محمد! أيعذبني الله على الصلاة ؟ قال : لا ، ولكن
يعذبك على خلاف السنة .
إذن : في الحكم على القضية التي
نحن بصددها لا يكتفى بالنظر إلى نية أحد من الطرفين، بل لا بد أن تصحب النية
الطريقة الصحيحة .
ثالثا:
ليس الصواب في القول والموقف الأشد
دائما، بل الصواب فيما دل عليه الدليل، سواء كان فيه شدة أو لا ، فهذا عمر رضي الله
عنه يقول للنبي صلى الله عليه وسلم لما عقد صلحا مع كفار قريش، وكان في ظاهره ذلة
للمسلمين ، قال رضي الله عنه : [[يا رسول الله ألسنا على الحق وهم على الباطل؟
قال: بلى. قال: أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟ قال بلى. قال: فعلام نعطى
الدنية في ديننا ونرجع ولما يحكم الله بيننا وبينهم؟]] .
فموقفه -رضي الله عنه- أشد بكثير
من موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومع ذلك فموقف الرسول صلى الله عليه وسلم
هو الصواب، وهو الذي يريده الله .
فعليه لا يسوغ ترجيح موقف على موقف
بكون الشدة والقوة فيه، فلا يقال مثلا: موقف العالم الفلاني خير من العالم الآخر،
لأن الأول تكلّم، والثاني سكت، أو لأن الأول واجه المسؤول ورفع صوته، والثاني
اكتفى بخطاب أو دعاء أو زيارة .
رابعا:
اتفقت الشرائع السماوية على تحريم
الظلم، وأنه سبب لحلول المصائب والنكبات على الشعوب والأفراد، ولو لم يكن في بيان
تحريم الظلم إلا قوله صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه مسلم (الظلم ظلمات يوم
القيامة) وقوله كما في الصحيحين (إن الله ليملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته، ثم
قرأ: [وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد]) لو لم يكن إلا
هذين الحديثين لكانا كافيين في بيان شناعة الظلم، وشدة خطورته، وقبح حال الواقع
فيه .
خامسا:
وهذا أذكره عن طريق السؤال والجواب
ليسهل تصوره، مع التذكير بأننا اتفقنا على أن الكلام كله على تقدير أن سبب المشكلة
الواقعة من الدولة لا من غيرها .
والسؤال هو
: هل ما يذكره الناس من ظلم الحكام للناس، والتضييق عليهم ، هل أخبر عنه النبي
صلى الله عليه وسلم أو لا؟ وهل ذكر له حلاً وطريقة إذا وقع أو جعل الطريقة والحل
فيما دلت عليه عقولنا المختلفة المتفاوتة في القدرات والتصورات والتخيلات؟
والجواب:
أنه- وأيم الله- ذكر هذا صلى الله عليه وسلم ، وأنه -والله- لا يذكر هؤلاء الناس
شيئا من الظلم والتضييق الحاصل عليهم إلا وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم مثله
وأشد منه بكثير.
وإليك بعضا منها، مع رجائي أن
تقرأ الأحاديث كلمة كلمة، وتتأمل شدة الوصف الذي ذكره نبينا صلى الله عليه
وسلم :
أ- عن حذيفة بن اليمان رضي الله
عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهديي
ولا يستنون بسنتي، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس ) قلت :
كيف أصنع إن أدركت ذلك ؟ قال : ( تسمع وتطيع للأمير، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع
وأطع ) رواه مسلم .
ب- عن علقمة بن وائل عن أبيه قال
سأل سلمة بن يزيد الجعفي رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : قلنا يا
نبي الله : أرأيت إن قامت علينا أمراء يسألونا حقهم ويمنعونا حقنا فما تأمرنا ؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( اسمعوا وأطيعوا فإنما عليهم ما حملوا
وعليكم ما حملتم ) رواه مسلم.
ج- عن ابن مسعود رضي الله عنه عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ستكون أثرة وأمور تنكرونها ) قالوا : يا رسول
الله فما تأمرنا ؟ قال : ( تؤدون الحق الذي عليكم وتسألون الله الذي لكم ) رواه
البخاري ومسلم.
هذا كلام من لا ينطق عن الهوى ،
وهذا توجيهه للناس وهو الرحيم الشفيق عليهم، فهل يجرؤ أحد على رد كلامه، أو توجيه
الناس إلى غيره ؟
واعلم أن: من رد ذا فعلى رسول الله
رد ... وسوف عند الله يلتقيان
وقد تقول:
إن في هذا تشريعا للظلم، وإقرارا عليه، وفيه إغراء الحاكم على فعل مزيد من الظلم.
فيقال: لا تعجل سيأتي بيان كيفية العمل على إزالة الظلم، لكن تنبه على أمر خطير
هنا ، وهو أن ما ذكرته من الاعتراض لو سلّمنا به فإنه يصح أن يكون اعتراضا على
كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، فنحن إنما ذكرنا كلامه وقوله ، ولم نقل شيئا من
تلقاء أنفسنا .
وفي الأحاديث المتقدمة فائدة
منهجية
تبيّن خطأ بعض المتكلمين في هذا الباب ممن يراه الناس على السنة ، وهو أن العامة
الذين يسئلون ويشتكون من ظلم الحكام قد شاركوا الصحابة الذين في زمن النبي صلى
الله عليه وسلم في نفس السؤال ، فتجد بَعْدُ أن النبي صلى الله عليه وسلم اهتم
بمخاطبة المظلومين، وما يجب عليهم فعله حينئذ، بخلاف المعاصرين المشار إليهم فلا
تجد لهم خطابا للمظلومين فيما ينبغي عليهم فعله، بل يتوجه خطابهم مباشرة للحكام
والمسئولين ، وقد لا يحصل أي نفع للمظلوم سوى أنه رأى من يردد نفس شكواه لكن بصوت
آخر .
سادسا:
إن الشريعة الحكيمة لم تجعل الحاكم
يفعل ما شاء كيف شاء دون حث الناس على نصحه والإنكار عليه، وإنكار المنكرات التي
يسمح بها ، لكنها كما لم تأمر بصلاة مطلقة، بل ذكرت كيفيتها وشروطها وأوقاتها،
فكذلك وضعت للانكار على الحاكم والمنكرات التي تقع منه طريقة، توارثها أهل العلم
من الصحابة إلى يومنا هذا ، وخلاصتها في الأحوال التالية:
أ- إذا كان الإنسان عند الحاكم
أمامه، فهذا له أن ينكر عليه ولو كان أمام الناس، مع مراعاة المصالح والمفاسد في
ذلك .
ويستدل على ذلك بقوله صلى الله
عليه وسلم (أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر)، فقوله: (عند) تدل على أن هذا
يكون أمامه لا من خلفه .
ويدل عليه ما في الصحيح من قصة
الرجل الذي أنكر على مروان بن الحكم لما أراد مروان تقديم خطبة العيد على الصلاة ،
فقال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه، وقد كان حاضرا: (أما هذا فقد أدى الذي عليه) .
فهذه كذلك فيها أن الإنكار كان في
حضرة الأمير .
وقد ذكر فقيه العصر ومفخرة القصيم
العلامة ابن عثيمين -رحمه الله- أن جميع ما ورد عن السلف في الإنكار على الحكام
إنما هو في حضرتهم وأمامهم ، فقال رحمه الله: (...لكن كلامنا على الإنكار على
الحاكم مثل أن يقوم الإنسان -مثلاً- في المسجد ويقول: الدولة ظلمت..الدولة فعلت،
فيتكلم في نفس الحكام، وهناك فرق بين أن يكون الأمير أو الحاكم الذي تريد أن تتكلم
عليه بين يديك وبين أن يكون غائبا؛ لأن جميع الإنكارات الواردة عن السلف إنكارات
حاصلة بين يدي الأمير أو الحاكم. وهناك فرق بين كون الأمير حاضرا أو غائبا) ا.هـ .
ب- ما شاع بين الناس من المنكرات
كانتشار الربا أو الخمر أو غيرهما ، فهذه تُنكر ويُبين حرمتها ويحذر الناس منها من
غير نسبتها إلى الحاكم، لأن بذلك تحصل المصلحة بذكر الحكم وتحذير الناس، وتدرأ
المفسدة التي قد تقع في القلوب من الهيجان على السلطان،ويدل على ذلك فعل السلف
رحمهم الله، وما سيأتي من أدلة في حرمة الانكار العلني على الولاة إن لم يكن في
حضرتهم .
وسيأتي ما يؤيد هذا من كلام الشيخ
عبدالعزيز بن باز رحمه الله .
ج- أن يكون الإنكار في غيبة الحاكم
أو الأمير، كأن يكون على مجمع الناس وملتقياتهم ، وفي الصحف ووسائل الإعلام فلا
يجوز .
وقد ذكر الإمامان ابن باز وابن
عثيمين أن هذه الطريقة من الإنكار العلني على الولاة خلاف طريقة السلف .
قال الإمام ابن باز رحمه الله في
مجموع فتاواه (7 / 306): فالنصح يكون بالأسلوب الحسن والكتابة المفيدة والمشافهة
المفيدة , وليس من النصح التشهير بعيوب الناس ، ولا بانتقاد الدولة على المنابر
ونحوها، لكن النصح أن تسعى بكل ما يزيل الشر ويثبت الخير بالطرق الحكيمة وبالوسائل
التي يرضاها الله عز وجل ا.هـ . وقال (8 / 210) ـ أيضا ـ :ليس من منهج السلف
التشهير بعيوب الولاة ، وذكر ذلك على المنابر: لأن ذلك يفضي إلى الفوضى وعدم السمع
والطاعة في المعروف ، ويفضي إلى الخوض الذي يضر ولا ينفع , ولكن الطريقة المتبعة
عند السلف: النصيحة فيما بينهم وبين السلطان ، والكتابة إليه ، أو الاتصال
بالعلماء الذين يتصلون به حتى يوجه إلى الخير، أما انكار المنكر فيكون بدون ذكر
الفاعل: فينكر الزنا، وينكر الخمر، وينكر الربا من دون ذكر من فعله، فذلك واجب؛
لعموم الادلة ويكفي انكار المعاصي والتحذير منها من غير ان يذكر من فعلها لا حاكما
ولا غير حاكم ).
وقال الإمام ابن عثيمين -رحمه
الله-: فإن مخالفة السلطان فيما ليس من ضروريات الدين علنا، وإنكار ذلك عليه في
المحافل والمساجد والصحف ومواضع الوعظ وغير ذلك، ليس من باب النصيحة في شيء، فلا
تغتر بمن يفعل ذلك وإن كان عن حسن نية؛ فإنه خلاف ما عليه السلف الصالح المقتدى
بهم ا.هـ .
وقد دل على عدم جواز هذا الإنكار
العلني أدلة منها :
أ- عن عياض ابن غنم أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال : " من أراد أن ينصح لسلطان بأمر فلا يبد له علانية،
ولكن ليأخذ بيده، فيخلو به، فإن قبل منه فذاك، وإلا كان قد أدي الذي عليه له
" رواه ابن أبي عاصم في كتاب السنة .صححه الألباني وجوده ابن باز .
ب- أخرج البخاري ومسلم عن أبي وائل
قال: قيل لأسامة بن زيد: لو أتيت عثمان فكلمته، قال: إنكم لتـُرَوْنَ أني لا أكلمه
إلا أسمعكم، إني أكلمه في السر، دون أن أفتح باباً لا أكون أول من فتحه.
ج- ثبت عند سعيد بن منصور في سننه
عَن سعيد بْن جبير قَالَ: قلت لابن عَبَّاس: آمر إمامي بالمعروف؟ قَالَ: إن خشيت
أن يقتلك فلا، فإن كنت ولا بد فاعلا ففيما بينك وبينه ولا تغتب إمامك .وأخرج نحوه
ابن أبي شيبة .
د- ثبت عن عبد الله بن عكيم -فيما
أخرج ابن سعد في طبقاته وغيره – أنه قال: لا أعين على دم خليفة أبداً بعد عثمان
" فيقال له : يا أبا معبد أو أعنت على دمه ؟ فيقول : إني أعد ذكر مساويه
عوناً على دمه .
هـ- كل دليل فيه حرمة الخروج على
السلطان ، وكل دليل فيه ذم الخوارج ، لأن الشريعة تحرم الشيء والوسيلة إليه ،
والانكار العلني وسيلة واضحة للخروج على السلطان ، كما نص على هذا ابن حجر ، وكما
هو فهم عبدالله بن عكيم لما قال : لا أعين على دم خليفة أبداً بعد عثمان "
فقيل له : يا أبا معبد أوَ أعنت على دمه ؟ فقال : إني أعد ذكر مساويه عوناً على
دمه .
سابعا:
ممن لهم حق الطاعة في غير معصية
نوّاب السلطان من الأمراء وغيرهم: ويدل على ذلك ما يلي :
أ- في صحيح مسلم قال رسول صلى الله
عليه وسلم (من أطاعني فقد أطاع الله ومن يعصني فقد عصا الله ، ومن يطع أميري فقد أطاعني
،ومن يعص أميري فقد عصاني).
الشاهد فيه:
أنه عدّ طاعة أميره طاعة له ، وقد كان صلى الله عليه وسلم هو الإمام .
ب- في الصحيحين من حديث علي رضي
الله عنه قال : (بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية فاستعمل رجلا من
الأنصار وأمرهم أن يطيعوه فغضب فقال أليس أمركم النبي صلى الله عليه وسلم
أن تطيعوني قالوا بلى قال فاجمعوا لي حطبا فجمعوا فقال أوقدوا نارا فأوقدوها
فقال ادخلوها فهمّوا وجعل بعضهم يمسك بعضا ويقولون فررنا إلى النبي صلى
الله عليه وسلم من النار فما زالوا حتى خمدت النار فسكن غضبه فبلغ النبي صلى
الله عليه وسلم فقال لو دخلوها ما خرجوا منها إلى يوم القيامة الطاعة في
المعروف) .
ففيه أنه أوجب عليهم طاعة أميره ،
وأنهم فهموا ذلك ، لذلك أمرهم الأمير بالدخول في النار محتجا بوجوب طاعتهم له ،
وأقروه على ذلك ، وكذلك أقره صلى الله عليه وسلم ، لكن الانكار كان فقط لأنه أمر
بمعصية .
ج- هذا فهم أهل العلم كما تقدم من
قول ابن عباس : ولا تغتب إمامك ، يريد الحجاج بن يوسف.
وقال القرطبي في شرح مسلم (٤ / ٣٩
) : [قوله ( على المرء المسلم السمع والطاعة...) ظاهرٌ في وجوب السمع والطاعة
للأئمة والأمراء والقضاة ولاخلاف فيه إذا لم يأمر بمعصية فإن أمر بمعصية فلا تجوز
طاعته في تلك المعصية قولاً واحداً ] .
قلت: وهذه حكاية إجماع .
وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله
كما في لقاءات الباب المفتوح (161): (وأما الوزراء والأمراء والمدراء والرؤساء فهم
نواب عن ولي الأمر، فأمرهم كأمر ولي الأمر يطاعون في غير معصية الله) . وقال كذلك
في لقاءات الباب المفتوح(104/12) لما سُئل عن أمير التنظيم هل تجب طاعته، فقال: (
إذا كان التنظيم من قِبَل ولي الأمر فإنه يجب التمشي بما يقول؛ لأنه نائب عن ولي
الأمر الذي تجب طاعته في غير معصية الله) .
د- ما تقدم في فقرة (هـ) من النقطة
السادسة ، ويؤكده أن الخوارج الذين خرجوا عثمان كان أول خروجهم طعنهم في ولاة
عثمان رضي الله عنه .
وبذكر النقطتين السابقتين نخلص إلى
أن الواجب لزوم السمع والطاعة للأمراء مهما ظلموا ، ومهما جاروا ، لا لأجلهم ،
وإنما طاعة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم كما تقدم في الأدلة الصريحة في هذا ،
وكذلك فإنه لا يجوز الإنكار العلني على الحكام لما فيه من إثارة الناس عليهم ،
وحصول المفاسد العظيمة بسبب ذلك .
وقد يعترض بعض الناس على الكلام باعتراضين
مشهورين :
أولهما:
إن مقتضى ما ذكر أن نأذن ونجوّز للحكام بالتعدي على أموالنا ونحن ساكتون، ليس
علينا إلا الصبر .
والجواب من ثلاثة أوجه:
أولها: تقدم أننا لو سلّمنا بصحة
الاعتراض لساغ أن يكون اعتراضا على كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، فهو الذي قال
لنا كما في صحيح مسلم: (تسمع وتطيع وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك)، وهو الذي الذي قال
فيمن يسألونا حقهم من السمع والطاعة لهم ، ويمنعونا حقنا من المال والمناصب (
تؤدون الحق الذي عليكم وتسألون الله الذي لكم ) ، وأحاديثه في ذلك كثيرة جدا ، فلو
صح الاعتراض لصح أن يكون على كلامه صلى الله عليه وسلم ، ولا يقول مسلم بجوازه.
ثانيها: نحن مأمورون بمتابعة
الدليل الشرعي دون النظر إلى أي أمر آخر، والدليل دل على الصبر على جور الحاكم
وعدم منابذته والخروج عليه، ونحن في هذا مأجورون مثابون، وهو عليه ظلمه ، وربنا
يعاقبه عليه في الدنيا والآخرة .
ويؤكد هذا المعنى أن العلماء
مجمعون على جواز دفع الصائل ، واستثنوا من ذلك أن يكون السلطان ، كما قال ابن
المنذر: «والذي عليه أهل العلم أن للرجل أن يدفع عما ذكر- أي النفس والمال- إذا
أريد ظلماً بغير تفصيل، إلا أن كل ما يحفظ عنه من علماء الحديث كالمجمعين على
استثناء السلطان للآثار الواردة بالأمر بالصبر على جوره، وترك القيام عليه» . (فتح
الباري (123/5)).
ولا تتعجب من هذا فإنه هو الذي سار
عليه الأئمة ، فكم من إمام عالم ظُلم، وكم من إمام عالم جُلد وسُجن، ولم يَرِد عن
واحد منهم أنه انتقم أو طلب من يدفع عنه ، وقد كان إمام أهل السنة أحمد بن حنبل
يُجلد حتى يُغمى عليه، والعلماء في وقته يُقتلون ويُضيق عليهم، ويُجبر الناس على
القول بخلق القرآن ، ومع ذلك كان يأمر بالسمع والطاعة والانكار في القلوب. وشيخ
الإسلام ابن تيمية رحمه الله أوذي وسُجن مرات، ولم يحرض أو يؤلب الناس على إمامهم،
حتى أنه وهو من هو في منزلته وإمامته وكبير نفعه للناس مات مسجونا في قلعة دمشق، مع
أن هذين الإمامين لهم من الأتباع ما يعدون بالآلاف، وإشارة منهم كفيلة بإثارة
الناس على الولاة ، لكنهم لم يفعلوا ، رحمهما الله وأئمة المسلمين رحمة واسعة .
وقد روى الآجري في كتاب الشريعة عن
سويد بن غفلة أنه قال: قال لي عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لا أدري لعلك أن تخلف
بعدي، فأطع الإمام وإن أمّر عليك عبد حبشي مجدع، وإن ظلمك فاصبر، وإن حرمك فاصبر،
وإن دعاك إلى أمر ينقصك في دنياك فقل: سمعا وطاعة، دمي دون ديني).
وينبغي
أن يعلم أن ذلك كله رحمة بالشعوب لا حبا بالحكام، لأن فتح باب الإنكار والإنتقام
يتولد منه مفاسد أكبر وأعظم .
وقد
أعجبتني هنا عبارة ذكرها بعض الفضلاء فقال: ( ناصح
ابنُ باز (سرا) سبعين سنة، فظهر الخير وعم النفع، وناصح غيره (علانية) فانتشرت
الفتن وبقي المنكر ... هنا الفرق بين النصح الشرعي وغير الشرعي) .
ثالثها: أنه قد مرّ أن للناس
مناصحة سلطانهم، وتخويفه وزجره عن الظلم بتذكيره بعاقبته وشؤمه ، لكن بشرط أن تكون
هذا النصيحة وفق الضوابط الشرعية المتقدم ذكرها .
وأما الإعتراض الثاني:
فقول القائل: قد جربنا فنصحنا بالسر فلم يُستجب لنا، أو لم نُمكّن من الوصول إلى
السلطان ، والجواب: أن يقال: نحن لو سُلّمنا بهذا :فإن الله يقول (لا يكلف الله
نفسا إلا وسعها) ويقول عز وجل (إن عليك إلا البلاغ) فنحن علينا البلاغ بالطرق
الشرعية ، فإن استطعنا فالحمد لله ، وإلا فالقاعدة : لا واجب مع العجز ، كمن عجز
عن القيام في الفريضة يسقط عنه الوجوب .
ولو رأينا رجلا يسمع الأغاني ، ونصحناه
فلم يستجب ، فلا يجوز لنا قتله بحجة أن الطريقة الأولى لم تنفع .
تاسعا:
وهي نتيجة حتمية لما سبق: لا يجوز
الإنكار على الحكام والأمراء عن طريق المظاهرات أو الاعتصامات والتجمعات ، لأن ما
تظاهر واعتصم الناس لأجله سُئل عنه النبي صلى الله عليه وسلم فلم يأمر بالمظاهرة
ولا الاعتصام ولا التجمعات ، ولو كانت جائزة لبيّنها صلى الله عليه وسلم، وقد علم
أن هذه الطريقة لا تولد إلا شرا، وأنها بداية لفتن عظيمة ، لا قِبل لأحد بإطفائها
إذا قامت ، ولا أعتقد أن هذا يحتاج إلى كبير نظر لإثباته، فنظرة سريعة لما وقع
ويقع في تونس وليبيا ، ومصر واليمن كفيلة بإظهار المفاسد التي لا يعلم متى نهايتها
إلا الله وحده .
وإليك هذا الرابط في بيان حرمة
المظاهرات والاعتصامات من كلام كبار أهل العلم: http://po.st/MgIV5A
وهنا مقال في بيان حرمة المظاهرات
مع بيان الأدلة والرد على شبهات مجوزيها: http://islamancient.com/play.php?catsmktba=3073
وينبني على ما تقدم مسألة
: وهي أن المظاهرات محرمة لما فيها من المفاسد الكثيرة، فلو أذن بها ولي الأمر فلا
تجوز طاعته في ذلك، لأنه حينئذ يكون قد أمر بمعصية ، ولا طاعة لمخلوق في معصية
الخالق.
وقد أفتى بذلك الشيخ ابن عثيمين
رحمه الله إذ سئل عن حاكم يحكم بغير ما أنزل الله، ويسمح بالمظاهرات، ويضع ضوابطها
بنفسه، فأجاب بحرمة طاعته ، لأنه أمر بمعصية، وكلامه رحمه الله في الرابط التالي: http://t.co/zdY7GVQSjH
ويغلط بعض الناس، ويجعل حكم
المظاهرات معلقا بما نراه من مصلحة أو مفسدة، وقد بيّنتُ بطلان هذا القول بشيء من
التفصيل في مقال، فانظره لزاما على هذا الرابط: http://islamancient.com/play.php?catsmktba=101782
وبعد أيها الكرام: فقد ظهر جليا
مما تقدم حرمة الخروج على ولاة الأمر، وحرمة كل ما يؤدي إلى الخروج، كإثارة الناس
وتهيجهم بذكر وإبراز معايب ولاتهم، أو فعل ما هو صورةٍ أو مقدمة للخروج من
المظاهرات والاعتصامات والانكار العلني المصاحب للسب والشتم .
ورحم الله ابن عثيمين إذ يقول: (من
نصيحتهم أن لا نُثِيرَ الناس عليهم ، وإثارةُ الناس عليهم ليس معناه أن
نقول يا أيها الناس ثوروا على أمرائكم .
هذا لا أحد يقوله , لكن ذكر
المساوئ وإخفاء المحاسن يوجب إثارة الناس ؛ لأن الإنسان بشر ، وإذا ذُكرت
مساوئ شخص عنده دون ذكر المحاسن سوف يمتلئ قلبه بغضاً له ، فهذا أيضاً من نصيحتهم
، وقد جعله الرسول صلى الله عليه وسلم من الدين) .(ذكره في شرحه لحديث (الدين
النصيحة) في كتاب الجامع من بلوغ المرام).
وإني لأعتب عتبا شديدا على من خالف
هذه الأصول المحكمة، وأعجب ممن سمحت له نفسه وطابت بأن يقدّم النساء ويأمرهن بالتظاهر
والاعتصام والتعرض للأجانب. أعجب لأن نساء هذا البلد كن ولا زلن مضرب مثل في العفة
والحياء والحشمة، كيف سمح هؤلاء الرجال بإخراج النساء ، وليس فقط ذلك ، بل بأخذ
صور لهن -وإن كنّ متجبات التحجب الكامل-، وعرض هذه الصور على ملايين من الناس ،
أين ما تعلمناه من قوله صلى الله عليه وسلم (والحياء شعبة من الإيمان) ، أين
التوجيه الرباني الذي طالما خاطبنا به مدعي الاختلاط من الفاسقين ، ألا وهو قوله
تعالى (وقرن في بيوتكن) ، وأين الحديث الذي كنا نقرره ونكرره مفتخرين به،وهو أن
أبا أسيد الأنصاري سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو خارج من المسجد
فاختلط الرجال مع النساء في الطريق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للنساء:
استأخرن فإنه ليس لكنّ أن تحققن الطريق -أي: وسط الطريق- ، عليكن بحافات الطريق،
فكانت المرأة تلتصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به).
ثم ألا يرى هؤلاء ما حصل ويحصل
لإخواننا في اليمن ومصر جراء خروج الشعب على إمامهم وسلطانهم، ذهب الأمن على النفس
والمال، وحل محله الخوف والضياع، أرادوا زيادة المال والغنى ، فزادوا فقرا وجوعا،
وهاك مقطعا لشاب مصري يصف ما يحصل لهم بألم وأسى، وفيه عبرة وعظة:
وإني لأرى أن أزمتهم تزداد سوءا كل
يوم، وأظن -وأرجو أن يخيب ظني- أن مشاكلهم لا تكون مع الأيام إلا في زيادة، ولن
تحل إلا بأحد أمرين : إما بإراقة دماء كثيرة ، أو بابتعاد الناس على الدين ،
فيجتمعوا على الحريات المطلقة التي لا تفرق بين إيمان وكفر، و طاعة ومعصية ، وذلك
أن الخارجين على رؤسائهم غرسوا في الناس عقيدة باطلة، مخالفة لضروريات الدين ، ألا
وهي : أنْ لا فرق بين الحاكم والمحكوم ، وأن للشعب الخروج على حاكمه متى أراد ،
وانما هو عقد بين الطرفين، فإذا اخلّ الحاكم بما عليه انتقض العقد.
ونتج عن هذه العقيدة الفاسدة
اختلال في الأمر واستمرار للفوضى ، لأن الشعب الواحد يحمل طوائف كثيرة، فلو أرضى
الحاكم طائفة لم ترض عنه الطائفة الأخرى وخرجت عليه، وهكذا في سلسلة لا تنتهي .
وانظروا إلى حال أهلنا في مصر مع
الدستور الجديد -بغض النظر عن مدى موافقته للشريعة من عدمها- كيف انقسم الناس
تجاهه، ولو عُدّل مرات كثيرة فسيأتي من يخالف ويثير الفوضى .
أصبح الجماهير في المدرجات إن لم
يرق لهم شيء نزلوا وقتل بعضهم بعضا، ولم يكن ذلك ليحصل لو وُجدت عقيدة تقرر أن
هناك سلطانا علينا طاعته، وله معاقبة من يستحق العقاب دون اعتراض من أحد فينا .
ولا يقولن قائل
: بل هذه ديمقراطية يمكن تطبيقها ونجاحها في بلدان المسلمين كما طبقت ونجحت في
بلاد الكافرين ، فإنه لا قياس صحيح بين الأمرين ، لأن الديمقراطية لا يمكن تطبيقها
في بلدان المسلمين لكونها تخالف كل ما ورد من نصوص الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر ، وكل الحدود الواردة في الشريعة كحد الزنا والسرقة والقتل ، فلو طبقت
الديمقراطية لعارضها المسلمون ، ولو طبق الاسلام والحدود لخرجت شرذمة من الأراذل
تعارض ، فلا محيص من وجود سلطان يهابه كل من أراد مخالفة أو اعتداء، وإلا لا
تستقيم الأمور أبدا.
ثم أقول ختاما
: إنه والله لا يُعلم على وجه الأرض في زماننا هذه خير من هذه الدولة، ولا يوجد
شعب يتعلم أبناؤه ويتدارسون القرآن والسنة والعقيدة الصحيحة مثل شعب هذه الدولة،
وما من بقعة في الأرض يصل إليها الإسلام إلا وتجد لهذه الدولة فيها فضلا وسهما،
ولو لم يكن إلا جهودها في استقبال الزوار والحجيج وتأمين السبل لهم لكان كافيا في
بيان فضلها وسابقتها ، ولذا فإن شباب هذا البلد ورجاله لن يسمحوا لأحد كائنا من
كان أن يعبث بنظام وأمن البلد، وأراواحُ الجميع ودمائهم فداء في الدفاع والذب عنه،
ووالله لنبذلن الغالي والنفيس في الذود عن حياضه، لما نرى فيه من كثرة الخير
الديني الذي عمّ وشمل كل أرجاءه .
وليعلم كل أحد أنه ليس المهم بقاء
هذه الدولة أو ذهابها، فقد تبقى - وهذا ما نظنه- وقد تذهب ، مثلها مثل باقي دول
الإسلام على مر العصور، وإنما المهم ما كان دور كل واحد تجاهها، وهل وافق فعله
مذهب أهل السنة أو لا ، وعلى أي حال يقابل ربه في القيامة .
وهنا يتوقف القلم، مع التذكير
والتنبيه على أن الكتابة كانت على تقدير كون الغلط وسبب المشكلة الحاصلة كان من
الدولة، وسيتبعها كتابة أخرى إن شاء الله بعد أيام قلائل، فيها بيان حقائق
ودلائل تبين براءة الدولة من أمور كثيرة تنسب إليها، وفيها بيان تناقض منتقديها
وشدة تحاملهم عليها، ونقل أقوالهم موثقة منسوبة إليهم.
واللهَ أسأل التوفيق والتيسير
والإعانة .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد
وآله وصحبه أجمعين .
وكتبه: ناصر بن غازي الرحيلي
المدرس في قسم العقيدة في الجامعة
الإسلامية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..