05-06-1434 11:34
الرياض- "المثقف الجديد" ::
خرج الباحث السعودي المتخرج في أمريكا على الجمهور بكتاب (الوهابية بين الشرك وتصدع القبيلة)، وهو إذ يخاطب الجمهور يحاول إيهامهم بأنه كتاب جديد، وأنه مكتوب بالعربية، وهو في أصله رسالة دكتوراه قديمة كتبها بالإنجليزية للأمريكان، ثم بعد ذلك نشرها عند العرب، بمساعدة بعض أصدقائه في الترجمة، وهو ما حاول التلميح إليه في مقدمة الكتاب ولكنه لم يمتلك الجرأة على التصريح به!ورغم أن خالد الدخيل يرى أن كتابه يقدم بديلاً لنظريتين دينية ونظرية حداثية , وأنه متخلص من التفسير الخلدوني للاجتماع ,فإنه لم يقدم فكرة جديدة, وذلك ليس بسبب أنه غير متخصص في السياسة، ولكن بسبب أنه غير متخصص في العقيدة، ولا متخصص في التاريخ.
والفكرة القديمة التي يقدمها الدخيل محاولا إظهار أنها فكرة جديدة هي أن الدولة السعودية الأولى كانت ضرورية من أجل تحقيق النظام الاجتماعي وتأسيس الدولة، وينبغي الانتقال من هذه المرحلة إلى مرحلة الدولة الغربية إن في صورتها الملكية الاسمية أو في صورتها الجمهورية، وهذه فكرة ليست جديدة وليست وليدة اليوم, بل هي قديمة قدم الدولة السعودية الثالثة التي لا نزال نتفيأ ظلالها إلى اليوم ولله الحمد.
وعندما يتأمل المتأمل في كتابة الدخيل يظهر له أن الدخيل يريد أن ينفي وجود الشرك في الجزيرة العربية لكي ينفي استحقاقات إزالة الشرك وإقامة التوحيد في إقامة دولة تحكم بشرع الله، ليكون ما يستحق إقامة هذه الدولة هو ملء الفراغ الذي خلفه الحكم العثماني وولده انهيار القبيلة، وبهذا فإن حجته الوحيدة هي نفي الشرك، وهنا يظهر جهل الدخيل بالشرك ومظاهره، وأنه يحاكم نظرة محمد بن عبدالوهاب ومحمد بن سعود رحمهما الله للشرك من نظرته هو إلى الشرك، ومن معيار ما يسميه هو في نظره شركاً، وما لا يعده شركاً ,فهو ينفي اعتباره شركاً فيما قبل قيام الدولة السعودية الأولى، ولهذا فهو يعد التأليف في نصرة الشرك والدفاع عنه ليس شركاً بقدر ما هو خلاف أيديولوجي نظري بين محمد بن عبدالوهاب وخصوم الدولة، ولاجئاً في ذلك إلى تعارض بعض الروايات بين المؤرخين، متناسياً في ذلك أن الذاكرة الشعبية هي التي تثبت وجود الشرك, وأن اللجوء إلى كتب التاريخ في هذه المسألة غير مفيد، فلو لجأنا لمجرد اختلافات التاريخ لنفي حجة وجود الشرك لصح ذلك لنفي وجود الشرك في أي مكان من العالم الإسلامي، إذ إن تاريخ الأضرحة والمشاهد وزوارها لم يكتب كتابة تاريخية إحصائية دقيقة مختصة منذ ظهور البدع وحتى اليوم وإنما هي ممارسات شعبية قابلة للتدوين وقابلة للاختلاف في تاريخها أيما اختلاف، وكذلك الشأن في تواريخ الأصنام والمعبودات القديمة زمن الجاهلية، فليس اختلاف المؤرخين في اسم اللات هل هو مشتق من رجل كان يلت العجين ينفي، أم هي إلهة من آلهة المشركين مشتقة بالتأنيث من الإله، ليس ذلك الاختلاف نافياً لوجودها، وليس اختلاف المؤرخين في موضع صنم العزى أو صنم اللات أو غيرها من المعبودات من دون الله بدليل على نفي وجودها زمن الجاهلية، وليس اختلاف المؤرخين أو أهل الأدب فيمن كان يعبد تلك الآلهة من المشركين أهو تلك القبيلة أم قبيلة أخرى بنافٍ لحقيقة وجودها في الماضي، لأن مستند ذلك كله التواتر المعنوي الذي يرثه الأجيال عن الأجيال، الذي لا يعترف به أمثال الدخيل دليلاً مسلما به، بل ويعدونه أحد مدعمات المرويات الأسطورية، ومنشأ هذا الفهم المغلوط عنهم أخذهم هذه العلوم الإنسانية عمن لا يفرق بين التواتر المبني على ما مستنده الحس وبين المرويات المتناقلة على عواهنها بين الأجيال، فهذه ليست بتواتر ولم يسمها أحد من أهل العلم القدماء تواتراً.المهم أن كتاب (الوهابية بين الشرك وتصدع القبيلة) يقوم على أمرين أساسيين هما نظرية واستدلال.
فالنظرية هي أن الدولة السعودية الأولى بمساعدة الوهابية لم تقم لضرورة دينية ,ولكن بسبب أن السيطرة العثمانية غير موجودة ونظام القبيلة أخذ في الانهيار ,ولذلك كان ضروريا قيامها للحفاظ على الأمن الاجتماعي، وهذا مسوغ نشوء الدولة السعودية من وجهة نظره، وليس مسوغ قيامها وجود الشرك ونشر التوحيد والحكم بشرع الله.
ومما يرد على هذه النظرية أنه إن كان الأمر كذلك فكيف يدفع الدخيل من يقول بمثل مقولته في شأن نشوء الدولة الإسلامية، فإنها كذلك نشأت في وضع انهيار للقبائل وفراغ سياسي يستحق ضرورةً أن يتم التعامل معه، ولهذا فإن هذه النظرية يستطيع أي أحد تطبيقها على أي دولة قامت في ظل فراغ أمني سياسي وينفي الفكرة الأيديولوجية التي قامت على إثرها، ويمكن بهذه الطريقة أيضاً نفي قيام الدولة السوفيتية على الفكرة الشيوعية وأن يقال: نتيجة لانهيار الملكيات الأوروبية القديمة ووجود فراغ لا أحد يستطيع سده اجتماعيا وسياسيا كان لا بد من نشوء شكل جديد من أشكال الدولة والحكم، وهلم جراً.وأما الاستدلال على نظريته فيقول الدخيل ما معناه إنه لم يكن ثمة شرك في الجزيرة العربية ويستدل بذلك على أن قيام الدولة السعودية لم يكن باعثه دينياً.
وهذا الاستدلال يرد عليه أنه يصح إذا ثبت أنه لم يوجد في نجد والجزيرة شرك آنذاك، وقد سبق تناول هذا القول، كما يرد عليه أن يقال: إن جميع ما قاله الدخيل في نفي الشرك في نجد والجزيرة العربية في تلك الحقبة من التاريخ يمكن أن يقال مثله في نفي الشرك في العالم الإسلامي كله سابقا وحاليا ولاحقا، فيما هو موجود محسوس معلوم بالضرورة، وسيكون فيما بعد معلوما بالتواتر.
أما كلام الدخيل في حاجة الدولة السعودية الأولى للدولة لكي ينتظم الأمن وتستقر الأوضاع وضاع وتنبني الدولة فهذا كلام صحيح، لكنه كما ذكرنا يمكن أن يقال في كل دولة نشأت في فراغ أمني سياسي.
الآن انتهينا من نظرية الكتاب والاستدلال عليها.
لكن لا بد بعد ذلك أن ننتقل إلى مآل هذه النظرية، وموضعها من رؤية خالد الدخيل نفسه وثقافته، وإلا فإننا لا نستطيع أن نربط بينها وبين المؤلف، ولا بينها وبين بقية ما يكتبه الكاتب.
فخطورة مقولة خالد الدخيل تتمحض في أننا إذا اعتبرنا أن الدولة السعودية مسوغ قيامها هو إنشاء الدولة وإنهاء الفراغ الاجتماعي والسياسي فقط، فعندئذ يمكن اعتبار هذا الأمر قد تم، وأن مرحلة الحكم الملكي الفعلي الحالي للبلاد أشبه بمرحلة انتقالية لإنشاء الدولة وتثبيت الأمن، وعندئذ فقد طال أمد هذه المرحلة بعد تحقق هذه الأهداف، وينبغي بعد ذلك الانتقال لنوع جديد من أنواع الدول ونظام الحكم!
لكن من أين جاء الدخيل بهذه الفكرة؟
الفكرة قديمة قدم الدولة السعودية الثالثة، فليست جديدة في نفسها، وهي موجودة عند كل من يشكر للدولة السعودية ويعترف لها بالقضاء على الفوضى وحرب القبائل وتحوّيلها المملكة العربية السعودية إلى دولة ذات حدود وسيادة ووحدة واحدة.
لكن من يقرأ طرح الدخيل يشم فيه رائحة ما، وهي أنه يحاول إسقاط وضع قيام أمريكا ونشوئها على واقع قيام السعودية الأولى ونشوئها، وهذا ما يجعل من الجدير بنا الإشارة إلى أن هذا الكتاب قدمه الدخيل كرسالة دكتوراه للأمريكان، ولعله أعطاهم هذا التصور في الكتاب ليقرب لهم ويحبب إليهم الصورة التي يريدون تحقيقها في السعودية، وكأنه يقول لهم: انظروا، ما حصل لكم هو ما حصل لنا، لكننا نحتاج فقط إلى إكمال الطريق، فوضعنا مع نشوء دولتنا السعودية هو شبيه بوضعكم حين حمل الآباء الأمريكيون الأول على عواتقهم توحيد أمريكا وتثبيت الأوضاع الأمنية والاجتماعية فيها، وكأنه يقول: أما الآن فنحن الآن في وضع شبيه بوضع يريد أن ينتقل إلى فكرة تحرير العبيد على زمن إبراهام لينكولن.
ومهما صح هذا التحليل أو لم يصح فإن الرسالة ترى أن الحركة الوهابية ساعدت محمد بن سعود على قيام الدولة السعودية الأولى لهدف ضروري بسيط كان لا بد منه، لكن سياق طرح الكتاب يقدمها كمرحلة طال أمدها وأخذت أكثر من وقتها المستحق، وكان ينبغي لها بالقياس على مراحل نشوء أمريكا أن تنتقل إلى نوع جديد من أنواع الدول، في طريقة تولي الحكم وطريقة الحكم وطريقة نظام الحكم وفق دستور يتوافق مع النظرة الغربية الموجودة على الواقع.وبهذا يمكن الجمع بين ما في هذه الرسالة وبيين أطروحات خالد الدخيل في مقالاته وحواراته في إطار موحد، لأن كتاباته تهتم بالتنظير للدولة السعودية على أنها مرحلة طويلة قامت على أثر موت القبيلة للقضاء على الخلل الأمني والاجتماعي الذي يهدد كل شيء، والإصلاح السياسي الدستوري الذي يدعو إليه خالد الدخيل ويتبناه هو بصراحة الملكية الاسمية (التي تسمى الدستورية) في ظل دستور غير ديني للبلاد وهي فكرة غير مبتكرة ولا جديدة، بل مستهلكة حتى النخاع، لكنها في نهاية الأمر بضاعته التي يسوق لها، التي تنصب في نظرته إلى الدولة السعودية كدولة ضرورية، لكنها كذلك دولة مرحلية (يجب التنبه لهذا) وأنه ينبغي الوعي بذلك للانتقال إلى مرحلة الدولة الغربية الملكية الاسمية أو الجمهورية الموجودة في الغرب تحديداً.
وأي دفع يظهر في خطاب الدخيل كأنه استثناء لهذا الخطاب فإنما هي بالنسبة للمتأمل الحصيف استثناءات شكلية أو مرحلية هي الأخرى تصب في هذا المجرى.
وبهذا فإن الدخيل وفقاً لدراسته الغربية وتنظيره التاريخي والسياسي، إنما هو مسخر بسلطة الثقافة والواقع، وهو مسير في مآلات خطاباته للاعتراف بتبعيته لفكرة نهاية التاريخ الفوكايامية، وبرغم فرار خالد الدخيل من النظرية الخلدونية التي تقضي بتبعية المغلول للغالب، ورغم تقليل الدخيل من شأن هذه النظرية وتبرؤه منها فإنه محكوم بها في رؤيته وخطابه، وعاجز عن تجاوزها بلسان الحال، وبلسان مآل خطابه، الذي لم يمكنه من تفسير قيام الدولة السعودية إلا على اعتبار أنها مرحلة من مراحل تكوين الدولة الغربية التي يتملك شكلها ونظامها وفكرها كيانه ويسيطر عليه... ولهذا فإنك تجد في خطاب الدخيل أن كل ما يطمح إليه هو تسريع الانتقال من هذه المرحلة (التي يعتقدها مرحلة) التي طال أمدها للوصول إلى المرحلة النهائية التي تعد في نظره النور الذي لا بد من عبور النفق للوصول إليه بأسرع وقت. وهو محكوم في عمق فكره وظاهر خطابه بهذه النظرة التي تسيطر عليه وتحكمه سواء شعر بذلك أم لم يشعر به وبما أن الكتاب أصله بالإنجليزية كرسالة علمية وترجمه مؤلفه إلى العربية بمساعدة وتحرير من عدد من زملائه، فإنه كتاب كتبه الدخيل للأمريكان، ونشره للعرب، وأساس حجته فيه أن الشرك لم يكن موجودا في السعودية، لأنه يرى أن ما يعتبره أهل العلم شركاً لم يكن موجوداً في السعودية، وكل ما هنالك أن هذه كان لا بد من قيامها ضرورة، لكن كان ينبغي أن تكون مرحلة، وهذه المرحلة طالت أكثر من حقها، وينبغي لنا التسريع للانتقال منها إلى مرحلة الدولة الغربية، التي هي النهاية المثالية التي يجب تعميمها وعولمتها على جميع العالم، والسلام
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..