الاثنين، 25 مارس 2013

قذف المحصنات " بحث "


تنزيل (7)

   القذف في اللغة هو:الرمي بالشيء والسب ,
أما القذف فى الشرع هو الرمى بوطء يوجب الحد على المقذوف , وعن أم
المؤمنين عائشة رضى الله عنها أنها قالت ( لما نزل عذري قام رسول الله صلى الله عليه وسلّم على المنبر فذكر ذكر وتلا قران – وهو ما ورد في سورة النور عن حادثة الإفك- فلما نزل أمر برجلين وامرأة , فضربوا الحد فأما الرجُلين فهما حسان بن ثابت ومسطح , وأما المرأة هي حمنة بنت جحش ) .
       سمّى حد القذف لان الناطق بهذه الكلمة الفاحشة(الزنا) يقذفها كما يقذف الحجر في حالة غضب لا يدرى من أصابته في طريقها من محصنة برئيه وأبيها وأمها وزوجها وعشيرتها , فكل هولاء قد نالهم ضرر من قذيفته الطائشة وهو غافل لا يدرى من الآلام هؤلاء شئ ….
     والقذف هو أن تقول لامرأة أجنبية حرة عفيفة مسلمة : يا زانية أو يا باغية أو أن تقول لزوجها يا زوج الزانية أو يا زوج القحبة أو أن يقول مثل ذلك لصبى حر , وبذلك فقد وجب علية إقامة حد القذف إلا أن يُقيم بينة بذلك , والبينة هي ( أربعة شهود ) يشهدون على صدقة فيما قذف به , فان لم يقم البينة جُلد إذا طالبته بذلك التي قذفها أو الذي قذفه……
     وقال ابن بطال : أجمع العلماء على أن من قذف  امرأة بالزنا فلم يأت على ذلك ببينة فان علية الحد , إلا إن اقر المقذوف , وعلى هذا فانه يجب على الإمام أن يبعث إلى المرأة يسألها عن ذلك , وفى قصة العسيف ولو لم تعترف المرأة لوجب على والد العسيف حد القذف ، ومما يتفرع عن ذلك انه لو اعترف رجل بأنة زنى بامرأة معينة فأنكرت . هل يجب على هذا الشخص إقامة حد الزنا وحد القذف أم حد القذف فقط ؟….
      أما الإمام مالك فقد أقر الرأي الأول وهو إقامة الحدين حد القذف وحد الزنا , وأما الإمام أبو حنيفة فقد أقر القول الثاني وهو إقامة حد القذف فقط , أما الإمام الشافعي فقد ذهب بأنة يجب علية حد الزنا فقط والحجة فى ذلك أنة إن كان صدق مع نفسه ومع ولى الأمر فلا حد علية لقذفها , وان كان كاذب فيؤخذ بإقراره على نفسه.
إثبات حد القذف من القران الكريم والسنة الشريفة :-
1-قال تعالى {   إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ {23} يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُون{24} يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ } سورة النور.
 2- قال تعالى { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } سورة النور .
 3-قال تعالى { وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً } سورة الأحزاب .
4- و قال تعالى { مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ  } سورة ق .
 5- قال تعالى { إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ } سورة النور .
 6- قال رسول الله صلى الله علية وسلّم { آلا أنباكم بأكبر الكبائر ؟ قلنا : بلى يا رسول الله .قال: الشرك بالله ,وعقوق الوالدين , ثم قال وكان متكئاً ثم جلس ثم قال آلا وشهادة الزور ثم أخذ يكررها حتى قال الصحابة ليته سكت } , وقد اعتبر العلماء أن الرسول صلى الله علية وسلّم قد اعتبر قول الزور وشهادة الزور من اكبر الكبائر , والقذف ما هو آلا شهادة زور وقذف زور , بل هو اكثر من ذلك لان صاحبة أزور عن الحق أي مادا عنه .
7- قال صلى الله علية وسلم { أن الله يبغض الفاحش البذيء } وهو الذي يتكلم بالفُحش ورديء الكلام .
 8- عن أبى هريرة رضى الله عنه . قال . قال رسول الله صلى الله علية وسلّم {اجتنبوا السبع الموبقات . قالوا : يا رسول الله وما هنّ ؟  قال: الشرك بالله , والسحر , وقتل النفس التي حرّم الله إلا بالحق , واكل الربا , واكل مال اليتيم , والتولي يوم الزحف , وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات } صحيح البخاري 6857 .
 9-عن أبى هريرة رضى الله عنة قال .قال رسول الله صلى الله علية وسلّم { من قذف مملوكة وهو بريء مما قال جلُد يوم القيامة , إلا أن يكون كما قال } صحيح مسلم 1660,صحيح والبخاري 6858 .
10-قال صلّى الله علية وسلّم لمعاذ { ثكلتك أمك يا معاذ , وهل يُكب الناس على وجوههم في النار إلا حصائد ألسنتهم }.
 11-قال العلماء إن الرسول صلى الله علية وسلّم قد عظّم حُرمة عرض المسلم فقد قال علية الصلاة والسلام في خطبته في حجة الوداع { إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا فى شهر كم هذا فى بلدكم هذا…..} .
12- عن معاذ بن معاذ عن عوف الأعرابي عن أبي رجاء العطاردي قال : ( كان عمر و عثمان رضي الله عنهما يعاقبان على الهجاء ) . ( سنن البيهقى 17636 ) .
 13- عن   عبد الملك  بن  عمير  عن  أصحابه عن الإمام علي رضي الله عنه : ( في الرجل يقول للرجل : يا خبيث ، يا فاسق ، قال : ليس عليه حد معلوم ، يعزر الوالي بما رأى  )                      . ( سنن البيهقى 17634 ) .
14- حدثني مالك عن زريق بن حكيم الأيلي : ( أن رجلا  يقال له  مصباح  استعان  ابنا له فكأنه استبطأه فلما جاءه قال له يا زان قال زريق فاستعداني عليه فلما أردت أن اجلده قال ابنه والله لئن جلدته لأبوءن على نفسي بالزنا فلما قال ذلك أشكل علي أمره ,  فكتبت فيه إلى عمر بن عبد العزيز وهو الوالي يومئذ اذكر له ذلك فكتب إلي عمر بن عبد العزيز أن أجز عفوه قال زريق , وكتبت إلى عمر بن عبد العزيز أيضا أريت رجلا افتري عليه أو على أبويه وقد هلكا أو أحدهما قال فكتب إلى عمر إن عفا فأجز عفوه في نفسه وان افتري على أبويه وقد هلكا أو أحدهما فخذ له بكتاب الله إلا أن يريد سترا قال يحيى سمعت مالكا يقول وذلك أن يكون الرجل المفترى عليه يخاف إن كشف ذلك منه أن تقوم عليه بينة فإذا كان على ما وصفت فعفا جاز عفوه ) .                   ( موطأ الإمام مالك) .

أسباب نزول آيات حد القذف :-

     عن أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها أنها قالت : كان رسول الله صلى الله علية وسلّم إذا أراد أن يخرج لسفر أقرع بين نسائه فآيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله صلى الله علية وسلّم معه ….
     قالت عائشة رضى الله عنها : فأقرع بيننا في غزوة غزاها , فخرج فيها سهمي , وخرجت مع رسول الله صلى الله علية وسلّم , وذلك بعد ما نزلت أية الحجاب , فأنا اُحمل في هودجي وانزل فيه , فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله علية وسلّم من غزوته وقفل , ودنونا من المدينة أذّن ليلة بالرحيل , فقمت حين أذن بالرحيل فمشيت حتى جاوزت الجيش …..
     فلما قضيت شأني أقبلت إلى رحلي , فلمست صدري فإذا عقد لي من جزع ظفار  قد انقطع , فرجعت فالتمست عقدي فحبسني إبتغاؤة , وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلونني , فاحتملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت اركب وهم يحسبون أنى فيه , قالت : وكان النساء إذا ذاك خفافاً لم يثقلن ولم يغشهن اللحم , إنما يأكلن  العلقة من الطعام , فلم يستنكر القوم خفة الهودج حين رفعوه وحملوه , وكنت جارية حديثة السن , فبعثوا الجمل وساروا ….
     ووجدت عقدي بعد ما استمر الجيش , فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب , فتيممت منزلي الذي كنت فيه , وظننت أن القوم سيفقدونني فيرجعون إلىّ , وبينما أنا جالسة في منزلي غلبتني عيناي فنمت ….
     وكان صفوان بن المعطل السلمي قد عرس من وراء الجيش , فادلج عند منزلي , فرأى سواد إنسان نائم , فأتاني فعرفني حين راني , وقد كان راني قبل الحجاب , فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني فخمرت وجهي بجلبابي و والله ما كلمني كلمة ولا سمعت منة كلمة غير إسترجاعة حين   أناخ راحلته , فوطئ على يدها فركبتها , فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعدما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة , فهلك من هلك في شأني ,  وكان الذي تولى كبره ( عبد الله بن أبى بن سلول ) .
     فقدمنا المدينة , فاشتكيت حين قدمنها شهراً والناس يغيضون في قول أهل الإفك , ولا اشعر بشي من ذلك وهو يربيني في وجعى إني لا أدرى من رسول الله صلى الله علية وسلم اللطف الذي أرى منة حين اشتكى , إنما يدخل رسول الله صلى الله علية وسلّم فيسلم ثم يقول ( كيف تيكم ؟) فذلك الذي يربيني ولا اشعر بالشر , حتى خرجت بعدما نقهت , وخرجت معي أم مسطح قِبل المناصع وهو متبرزنا ولا نخرج إلا ليلاً إلى ليل ….
      وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريباً من بيوتنا , وأمرنا أمر العرب الأول في التنزه في البرية , وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها في بيوتنا , فانطلقت أنا وأم مسطح وهى بنت أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف , وأمها ابنة صخر بن عامر خالة أبى بكر الصديق ,  فأقبلت أنا وأبنه أبى رهم أم مسطح قبل بيتي حين فرغنا من شأننا , فعثرت أم مسطح في مرطها فقالت : تعس مسطح , فقلت لها : بئس ما قلت , تسبين رجلاً شهد بدراً ؟ فقالت : أي هنتاة ألم تسمعي ما قال ؟ قلت : وماذا قال ؟ قالت فأخبرتني بقول أهل الإفك , فازددت مرضاً إلى مرضى ….
       فلما رجعت إلى بيتي دخل علىّ رسول الله صلى الله علية وسلّم فسلّم , ثم قال صلى الله علية وسلّم : ( كيف تيكم ؟ ) فقلت له : أتأذن لي أن أتى أبوي , قالت : وأنا حينئذ أريد أن أتيقن الخبر من قبلهما , فآذن لي رسول الله صلى الله علية وسلّم فجئت أبوي , فقلت لأمي : يا أمتاه ماذا يتحدث الناس به؟ فقالت : أي بنية هوني عليكى فوالله لقلما كانت امرأة قط وضئيه عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا اكثرن عليها , فقلت : سبحان الله وقد تحدث الناس بها ؟ . فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقا لي دمع , ولا اكتحل بنوم , ثم أصبحت أبكى ….
     قالت : فدعا رسول الله صلى الله علية وسلّم ( على بن أبى طالب) و( أسامة بن زيد ) حين استلبث الوحي , يسألهما ويستشرهما في فراق أهلة , قالت : فأما أسامة بن زيد فأشار على رسول الله صلى الله علية وسلّم بالذي يعلم من براءة أهلة , وبالذي يعلم في نفسه لهم من الود , فقال أسامة : يا رسول الله أهلك ولا نعلم إلا خيراً , وأما علىّ بن أبى طالب فقال : يا رسول الله لم يضيق الله عليك والنساء سواها كثير , وان تسال الجارية تصدقك الخبر ….
     قالت : فدعا رسول الله صلى الله علية وسلّم بريرة فقال ( أي بريرة هل رأيت من شئ يربيك من عائشة ؟) فقالت له بريرة: والذي بعثك بالحق إن رأيت منها أمراً قط اغمصة عليها اكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتى الداجن فتاكلة , فقام رسول الله صلى الله علية وسلّم من يومه , فاستعذر من عبد الله بن ابى بن سلول , فقالت : قال رسول الله صلى الله علية وسلّم وهو على المنبر ( يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه فى أهلي , فوالله ما علمت على أهلي إلا خيراً , ولقد ذكروا رجلاً ما علمت علية إلا خيراً وما كان يدخل على أهلي إلا معي ) ….
     فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال : أنا أعذرك منة يا رسول الله , وأن كان من الاوس ضربنا عنقه , وان كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك , قالت : فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وكان رجلاً صالحاً ولكن احتملته الحمية , فقال لسعد بن معاذ : كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتلة , ولو كان من رهطك ما أحببت أن يُقتل , فقام أسيد بن حضير وهو ابن عم سعد بن معاذ فقال لسعد بن عبادة , كذبت لعمر الله لنقتلنة , فانك منافق تجادل عن المنافق , فتثاور الحيان الاوس والخزرج , حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله علية وسلّم على المنبر , فلم يزل رسول الله صلى الله علية وسلم بخفضهم حتى سكتوا , وسكت صلى الله علية وسلّم ….
     قالت : وبكيت يومي ذلك لا يرقا لي دمع , ولا اكتحل بنوم وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي , قالت فبينما هما جالسان عندي وإنما أبكى إذ استأذنت علّى امرأة من الأنصار , فأذنت لها , فجلست تبكى معي , فبينما نحن على ذلك  إذ دخل علينا رسول الله صلى الله علية وسلّم فسلّم ثم جلس , قالت : ولم يجلس عندي منذ قيل ما قيل , وقد لبث شهراً لا يوحي إلية فى شأني شئ….
     فتشهد رسول الله صلى الله علية وسلم حين جلس , ثم قال : (أما بعد يا عائشة فانه قد بلغني عنك كذا وكذا , فان كنت برئيه فسيبرئك الله , وان كنت الممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إلية , فان العبد إذا اعترف بذنبه وتاب . تاب الله علية ) قالت : فلما قضى رسول الله صلى الله علية وسلم مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منة قطرة , فقلت لأبى : اجب عنى رسول الله صلى الله علية وسلم , فقال : والله لا أدرى ما أقوله لرسول الله , فقلت لأمي : أجيبي عنى رسول الله , فقالت : والله لا أدرى ما أقول لرسول الله ….
     فقلت وأنا جارية حديثة السن لا اقر كثيراً من القران : والله لقد علمت , لقد سمعتم بهذا الحديث حتى استقر فى أنفسكم وصدقّتم به , فلئن قلت لكم إني برئيه – والله يعلم إني برئيه – لا تصدقونني , ولئن اعترفت بأمر والله يعلم إني برئيه لتصّدقني , فوالله ما أجد لي ولكم مثلاً إلا كما قال أبو يوسف { فصبراً جميل والله المستعان على ما تصفون } ….
       قالت : ثم تحولت فأضجعت على فراشي , قالت : وأنا والله اعلم إني حينئذ برئيه , وان الله تعالى مبرئي ببرء أتى , ولكن : والله ما كنت أظن أن ينزل فى شأني وحي يُتلى , ولشأني كان أحقر فى نفسي من أن يتكلم الله فيّ بأمر يُتلى , ولكن كنت أرجو أن يرى الرسول صلى الله علية وسلم فى النوم رؤيا يبرئني بها , قالت : فوالله ما رام رسول الله صلى الله علية وسلّم مجلسة , ولا خرج من أهل البيت أحد , حتى انزل الله تعالى على نبيه , فأخذة ما كان يأخذه من البر حاء عند الوحي  , حتى انه لينحدر منة مثل الجمان من العرق , وهو فى يوم شات من ثقل القول الذي انزل علية …..
     ولمّا سرى عن رسول الله صلى الله علية وسلم وهو يضحك , فكان أول كلمة تكلم بها أن قال ( ابشري يا عائشة , أما الله عز وجل فقد برأك ) , فقالت لي أمي : قومي إليه , فقلت : والله لا أقوم إلية , ولا احمد إلا الله عز وجل , وهو الذي انزل براءتي ….
      وانزل الله عز وجل {  إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُم بَلْ هُوَ   خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ {11} لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ } . سورة النور .

·       وبهذا يظهر لنا بعد التعرف على هذه القصة  ما يلي :-

1-  بالنظر فيما نزلت الآيات التي ذُكر فيها حد القذف نزلت فى أم المؤمنين عائشة ولتبرئتها من الإفك الذي دار حولها , وليكفى أن نعلم  أن حد القذف نزل بصدد ما اُثير حول أم من أمهات المؤمنين مما يُبين فداحة هذا الجُرم .
 2-  أنظر إلى ما فعلته هذه الكلمات المزورة التي قُذفت بها أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها كامرأة قُذفت فى سمعتها وشرفها , وكيف أنها قضت ليالي تبكى وتشكى أنينها إلى الله عز وجل وهى برئيه مظلومة وربما يكون من قذفها لا يبالي بشيء .
3-  أنظر إلى ما حدث لأهل السيدة عائشة رضى الله عنها وما مسهم من ضرر من الكلمات الخبيثة التي أُثيرت حول اتهام العفيفة الطاهرة , وكيف أن قذف المؤمنة الطاهرة العفيفة لا يضر فقط بها , وإنما يصيب أهلها وأخواتها وعشيرتها بالأذى والخزى , بل إن هناك من أفراد متهورون فى كل عائلة ممكن بدون روية ولا تثبّت أن يرتكب جريمة قتل فيمن  تحدث بهذه الأحاديث , أو أن يرتكب جريمة قتل فى حق الإنسان المقذوف فى حقه أو حقها .
 4-  انظر أيضا إلى ما أصاب الرسول صلى الله علية وسلّم من ضيق وحرج مما قيل حول زوجته الطاهرة العفيفة التي لا يعرف عنها غير كل طيب , مما جعله يتغير فى معاملتها وحديثة إليها , وهنا نجد أن هناك من الأزواج قد لا يتثبت من حقيقة ما يُقال فيرتكب جريمة قتل , وأن لم يرتكب جريمة قتل فقد يُطّلق زوجته وتنهد الأسرة بسبب كلمات خبيثة مزورة وردت فى حق زوجة طاهرة شريفة عفيفة .
5-  كذلك نجد أن كلمات القذف يمكن أن تنشر معارك وحروب قد لا تنتهي , فعندما قام الرسول صلى الله علية وسلّم وقـال ( يـا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قـد بلغني أذاه فى أهلي …..) كادت أن تقتتل الفرقتين من الاوس والخزرج لولا أن الرسول صلى الله علية وسلّم اخذ يخفضّهم حتى سكتوا ….
        وبهذا نجد أن كلمات القذف قد تهدم أسرة وتُقيم حروب ومعارك بين الناس فضلاً عن أنها قد تُسي إلى امرأة عفيفة طاهرة أو رجل شريف , وليس فقط ذلك بل إنها تسيء إلى الأهل والعشيرة , وأخيراً فإنها قد تكون من أهم أسباب الجرائم الخاصة بالشرف والعرض والسمعة.
                           ***************
·       حد القذف من الناحية الفقهية :-
·         عقوبة القذف تنقسم إلى ثلاثة أقسام :-
1-  الجلد ثمانين جلدة , وهذا الحد اتفق علية جميع علماء المسلمين وذلك بنص القران الكريم {    وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء  فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } سورة النور .
 2-  أن تُرد شهادة الشخص القاذف أي ترد شهادته وتسقط إلا إذا تاب وتوبته هي أن يذهب إلى القاضي ويقول لقد كذبت فى تهمتي بفلان وهو ليس بزاني فيكّذب نفسه , ولقد ذهب بعض العلماء على انه لا تُقبل له شهادة أبدا حتى ولو تاب وذلك بنص القران الكريم بأنة لا تُقبل له شهادة أبدا.
 3-  أن يُحكم علية بالفسوق , والفاسق هو الذي لا يُقبل منة خبر , فقد قال الله عز وجل { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا } سورة الحجرات , أي تثبتوا مما يدل على إنه يسقط عنة الخبر.
وليس ذلك فقط , بل أن الله تبارك وتعالى قد حكم علية بأحكام أخرى وهى :-
-         أن يكون عند الله تعالى من الكاذبين .
-         أنة ملعون فى الدنيا وملعون فى الآخرة .
-         أنّ له عذاب عظيم عند الله تبارك وتعالى قد أدخره له يوم القيامة .
-         أن تشهد علية جوارحه زيادة فى الخزى و العار على روؤس الأشهاد يوم القيامة .
  • ·       الشروط الواجب توافرها لإقامة حد القذف :-
1-        شروط متعلقة بالشخص القاذف :-
 -         العقل .
-         البلوغ.
-         الاختيار أي أن يكون حراً غير مكره .
 2-        شروط متعلقة بالشخص المقذوف :-
 -         العقل .
-         البلوغ .
-         الإسلام  .
-         الحرية أي أن يكون المقذوف حراُ وليس عبداً .
-         العفة وهى البعد عن فعل فاحشة الزنا والبراءة والشرف واطمئنان النفس .
 3-          شروط متعلقة بالشيء المقذوف به :-
-         التعريض بالزنا والتصريح الظاهر الذي يُفهم منة بدون التواء القذف .
-         إقرار القاذف على نفسه , أو بشهادة الشهود .
       فأما عن الشروط الواجب توافرها في الشخص القاذف هي العقل والبلوغ والاختيار , لان ذلك اصل التكليف ولا تكليف بدون هذه الأشياء فلا حد على المجنون أو الصبي أو المكره , أما إذا كان الصبي مراهقاً بحيث يؤذى قذفه فأنة يُعّزر تعزيراً مناسباً .
      أما الشروط التي يجب توافرها في الشخص المقذوف وهى :-
-    العقل لان الحد شُرع للزجر عن الأذية بالضرر الواقع على المقذوف ولا مضّرة على من فقد عقلة فلا يُحد قاذفة .
-    البلوغ حيث أنة لا يُحد قاذف صغير حيث قال ابن المنذر والإمام احمد في الجارية بنت تسع يُجلد قاذفها , كذلك الصبي إذا بلغ ضُرب قاذفة , وقال ابن المنذر أيضا : لا يُحد على من قذف من لم يبلغ , لان ذلك كذب ويعّزر على الأذى .
-    الإسلام حيث أنة إذا كان المقذوف من غير المسلمين لم يُقر الحد على قاذفة عند جمهور العلماء , وإذا كان العكس فقذف النصراني أو اليهودي المسلم الحر فعلية ما على المسلم ثمانون جلدة .
-    الحرية فلا يُحد العبد بقذف الحر له , سواء كان العبد ملكاً للقاذف أم لغيرة لان مرتبته تختلف عن مرتبة الحر , وان كان قذف الحر للعبد محرماً لما رواة البخاري ومسلم عن الرسول صلى الله علية وسلّم حيث قال { من قذف مملوكة بالزنا أُقيم علية الحد يوم القيامة  , إلا أن يكون كما قال } , وذلك يكون في الآخرة لارتفاع الملك , واستواء الشريف والوضيع , والحر والعبد , أما الإمام ابن حزم فانه يرى أن قاذف العبد يُقام علية الحد وإنه لا فرق بين الحر والعبد في هذه الناحية والمؤمن له حرمة عظيمة .
-    أما عن الشرط الأخير وهو العفة , والمرأة العفيفة هي المرأة الشريفة البعيدة عن فعل فاحشة الزنا , وهى أيضا المرأة المطمئنة النفس البريئة التي لم تفعل شئ تخجل منة.
                           ***************
·      ألفاظ القذف : -
·        ألفاظ القذف تنقسم إلى ثلاثة أقسام :-
1-   ألفاظ صريحة :-
          وقد اتفق العلماء على أن يُقام الحد بالقذف باللفظ الصريح , كان يقول يا زانية أو زنا قُبلك أو دُبرك .
 2-   ألفاظ الكناية :-
          وهى كان يقول الشخص يا فاسقة ,أو يا فاجرة , أو يا خبيثة , أو يا ابنة الحرام أو يا ابن الحرام , وهنا نجد أنة لم يرميها بالزنا صراحة , واتفق العلماء على إن هذا لا يكون قذفاً فلا يُحد إلا أن يريده , وهنا يؤتى بالشخص القاذف ويُسأل ماذا كنت تقصد بها , فإذا قال أقصد الزنا يُقام علية الحد , أما إذا قال لم اكن اقصد الزنا ولكن اقصد أنة يعمل عمل أهل الفجور , وان لم يصدقّه المقذوف في حقه فهنا نأمره بالحلف بالله أنة لم يقصد الزنا , ويجب على الإمام أن يعّزره بما يراه لأنة قد أذاه بذلك وألحق به الشين .
3-   ألفاظ التعريض :-
          وقد اختلف العلماء والفقهاء في حكم الشخص القاذف , وألفاظ التعريض هي كأن يقول شخص لأخر يا ابن الحلال , أما أنا ما زنيت , أنا معروف النسب , ليست أمي بزانية , أنا عفيف الفرج , أي أن المقصود بألفاظ التعريض هي الألفاظ التي تحتمل في طيا تيها القذف بالزنا , وقـد تعددت أراء الفقهاء في حـد القذف بألفاظ التعريض على النحو التالـي :-
 -         الحنفية :-
         في أحد أراءهم ذهبوا إلى أنة لا يجب  إقامة الحد في التعريض وان نوى القذف , وذلك لان ألفاظ التعريض تحتمل القذف وغيرة فلا يجب إقامة الحد  على إن الأصل براءة الذمة.
-         الشافعية :-
         في أحد روايتهم اتفقوا مع الحنفية على انه يجب إقامة الحد على أن الأصل براءة الذمة , أما الرأي الثاني للشافعية فقد ذهبوا فيه إلى أنة إذا نوى به القذف وفسّره به وجب إقامة الحد علية , وان قال انه لم ينوى فلا يُقام علية الحد والقول قولة مع يمينه .
-         المالكية :-
       فقد ذهبوا إلى أنة يجب إقامة الحد فى التعريض مطلقاً نوى به القذف أو لم ينوى , وذلك لأنة لا يخلو من قصد أحد بذلك فى نفسه , فنأخذ له حقه منة وان كنا لا نعلم ذاته , وذلك تطهيراً لذلك القاذف من هذه العادة الخبيثة , وقد استشهدوا بما روى عن رجلين استباه في عهد عمر بن الخطاب فقال أحدهما للأخر : والله ما أنا بزانِِ ولا أمي بزانية , فاستشار عمر الناس في ذلك . فقال قائل مدح أباة وأمة , وقال أخر ون : قد كان لأبية وأمة مدح غير ذلك فجلدة ثمانين جلدة .
-         الحنابلة :-
         ذهب الحنابلة في إحدى روايتهم ما اتفق مع الشافعية على أنة إذا كان الشخص نوى بالتعريض القذف وفسّره به وجب علية إقامة الحد , وان لم ينو لا حد علية والقول قولة مع يمينه , وفى رواية أخرى لهم ذهبوا إلى أنة يجب الحد على الإطلاق نوى أو لم ينو , خصوصاً إذا كان في حالة غضب وثورة لأنها قرينة تُفيد بأنة يقصد إهانته و إلحاق العار بالمقذوف .
                     ***************
     أتفق العلماء على إن إقامة الحد تتوقف على مطالبة المقذوف فى حقه بإقامة الحد , فإذا لم يستطيع القاذف أن يُثبت البينة فى حق المقذوف وحكم القاضي فى حقه بإقامة الحد ثم بعد ذلك عفا المقذوف عنة فلا يُقام حد القذف ويسقط , ولا يجوز للمقذوف أن يُطالب بمال أو غرامة بدلاً من الجلد وذلك من قبل القضاة , فالقاضي يأمر بحد الله عز وجل , أما إذا تم الاتفاق بين القاذف والمقذوف في حقه بتعويض مالي وعرض الصلح فلا بأس به . ( زاد المستنقع – محمد الشنقيطى ).
     اتفق العلماء على أنة لا تُقبل شهادة للقاذف بعد إقامة الحد علية وذلك لان الجلد هو للزجر ولمقابلة الإيذاء بالإيذاء , وأما رد الشهادة فهي عقوبة لسانية تُشبه قطع يد السارق فكأنة روعي أن جزاء هذا اللسان الذي اقترف ذلك الإثم العظيم أن يُهدر ويُقطع أثرة فلا يُعتد بما يقوله ويشهد به بين الناس فهو و  العدم سواء …..
     وأما تفسيقّه فهو مبالغة في الزجر , وإشارة إلى أن ما لقي من جزاء في الدنيا من الحد ورد الشهادة لم يعفه من اعتباره فاسقاً خارجاً عن أمر ربة وطاعته تبارك وتعالى .
                             ***************
     ولكننا نسأل هل يجوز قبول شهادة القاذف إذا تاب وحسُنت توبته ؟
1-  الرأي الأول هو رأى الإمام مالك والشافعي واحمد والليث والقاسم ومسالم والزهري ويروا قبول شهادة المحدود فى قذف إذا تاب توبة نصوحة , ولقد ذهب بعض العلماء أن التوبة تكون بالذهاب إلى القاضي ويقول : لقد كذبت فى تهمتي بفلان وهو ليس زانى فيُكّذب نفسه , وقد قال عمر بن الخطاب عن من حدهم في قذف ( إن تُبت قبلت شهادتك ) .
 2-  أما الرأي الثاني فهو رأى الأحناف والاوزاعى والثوري والحسن وسعيد بن المسيب ويروا عدم قبول الشهادة على الإطلاق , واصل الاختلاف يكمُن فى تفسير قول الله تعالى {  وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } سورة النور ,  فهل الاستثناء فى الآية راجع إلى الأمرين معاً : أي عدم قبول الشهادة والحكم بالفسق أو راجع إلى الفسق فقط ؟….
      فمن قال إن الاستثناء راجع إلى الأمرين معاً قال بجواز قبول الشهادة بعد التوبة ؟ ومن قال إن الاستثناء راجع إلى الحكم بالفسوق قال بعدم قبولها مهما كانت توبته , وتكون توبة القاذف كما قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنة  ( توبة القاذف لا تكون إلاّ بان يُكّذب نفسه في ذلك القذف الذي لا حد فيه) ….
      وقال للذين شهدوا على المغيرة ( من اكذب نفسه أجزى شهادته فيما يستقبل , ومن لم يفعل لم أجز شهادته ) فاكذب الشبل بن معبد , ونافع بن الحارث بن لكدة أنفسهما وتابا , ورفض أبو بكرة أن يفعل , وقالت طائفة أخرى من العلماء أن توبته أن يُصلح ويحسُن حالة وان لم يرجع عن قولة بتكذيب نفسه وحسبة الندم على قذفه والاستغفار منة .
                            ***************
  • ·        حد القذف للعبيد :-
      ذهب العلماء إلى أنة إذا كان القاذف عبداً وقد قذف غيرة فإنه يُقام علية الحد أربعين جلدة وقد ذهب إلى ذلك الأئمة الأربعة , وقد استشهدوا على ذلك بقول الله تعالى فى سورة النساء { وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِح الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } ……
      فقد شطر الله عز وجل حد الزنا على العبد بالنصف , وبذلك يكون على القذف الذي هو اقل منة و أدنى , وكذلك استشهدوا بان الخلفاء الراشدين كانوا يجلدون الرقيق أربعون جلدة في حد القذف , فقد قال أبو ذكر بن حزم ( أدركت أبا بكر وعمر وعثمان وعلىّ يجلدون العبد إذا قذف أربعون جلدة ولم ينكرها أحد عليه ) .
·       المقصد الشرعي لحد القذف والآثار المترتبة علية :-
1-  إن الله عز وجل لمّا بيّن في سورة النور ما في جريمة الزنا من عظيم الفُحش وكبير الشناعة مما لا يجتمع فى جريمة أخرى , وذلك لما فيها من انكسار الرأس وهدم الشرف , وكان هدف الشارع العظيم هو حفظ الأعراض وصون الشرف لصاحبة والاحتفاظ بالكرامة ….
        فكان من مقتضى حكمته جل شانة هذا التشريع الزاجر للنفوس الجامحة التي قد يدفعها الغضب والحقد أن تُصيب الناس كرامتهم وتخدش شرفهم وهو اعز ما لديهم مستهينة بما اقترفت , وقد بيّن ذلك الله تبارك وتعالى حين قال { إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ } . سورة النور .
2-  عرض الله عز وجل لنا فيما فرض من أحكام حد القذف الزاجر الرادع , الكفيل بصيانة الأعراض وحفظ الكرامة والشرف حتى تنز جر النفوس عن الإقدام على هذا الجُرم الفظيع , وليتأدب عامة المؤمنين بطلب ظن الخير بالآخرين وعدم المسارعة إلى سوء الظن بالناس , والدعوة إلى تطهير اللسان وصون الآداب , وتقرير بينات التهم بحسب فظاعتها حتى لا يتخذ الناس الكيد بالاتهام الكاذب ذريعة للخدش والنكاية بلا حق .
 3-  إذا أردنا التحدث عن تأثير حد القذف من الناحية الاجتماعية فى حق أي شخص , فلنتأمل قذف أحد الأشخاص فى حق شخص أخر بلا شهود , مجرد كلمات ولكنها ليست كلمات فقط على من قُذف فى حقه ….
      إن الناس اليوم وكل يوم لا يهمهم الدليل والبينة , إنهم فقط ينساقون وراء القول حتى وان كان غير صحيح وغير حقيقي , والطبيعة البشرية على مر السنين تحب الكلام فى الخطأ والصواب دون تفرقة ….
      ولننظر إلى شخص قُذف أو قُذفت زوجته أو أخته أو أبنته أو لننظر إلى امرأة قُذفت فى شرفها وكرامتها لنجد أن تأثير ذلك عليها اجتماعياً أنة قد أوقعها فى المهانة والذل والإحباط وكلام الناس , وكل ذلك بسبب كلمات ألقى بها الشخص القاذف دون أن يعي ما يقول….
       وللنظر إلى نظرة أفراد المجتمع نفسه فى حق المقذوف فى حقه سواء بالباطل أو بالحق , فقد يشك فيك حتى أقرب الناس إليك , ويعيش هذا الشخص المقذوف فى حقه فى آلم وهم وضيق نتيجة كلمات ألقاها شخص فاسق بلا بينة وبلا دليل , ويصبح المقذوف فى حقه إما محتقر نتيجة لما قيل فى حقه , إما مشكوك فيه ….
        وهنا يأتي دور الشريعة الإسلامية لكي تعلّم أفراد المجتمع , فتقول لمثل ذلك الشخص القاذف هل لديك البينة على ما تقول ؟ وهذه البينة ما هي إلا وجود أربعة من الشهود يشهدون على صحة ما قذف به أو صحة ما قاله ….
         وان لم يستطع أن يُقيم البينة على كلامة فبذلك يستحق العقوبة وهى الجلد وذلك حتى لا يخوض فى أعراض الناس وشرفهم وكرامتهم بلا بينة ودليل على ما يقول .
4-  أيضاً نجد أن من تأثير وجود حد القذف من الناحية الاجتماعية هو تهذيب النفوس وإزالة أسباب العداوة والبغضاء بين أفراد المجتمع , فأسباب البغضاء والعداوة لابد أن تنشأ بين القاذف والمقذوف فى حقه , لان المقذوف فى حقه لابد من أن يكّن فى قلبه الحقد والغل تجاه الشخص الذي أساء إلى سمعته وكرامته وشرفة ….
         وأما أن حد القذف يعمل على تهذيب النفوس  وتهذيب اللسان وتعويده على النطق بالحق والخير وعدم الخوض فى أعراض الناس , وهذا يتضح لنا جلياً بداية من قول الرسول صلى الله علية وسلم حيث يقول { ليس المسلم بفاحش ولا لعّان ولا بذئ } , أي أن المسلم لابد من أن يبتعد عن الألفاظ النابية ولابد من أن يبتعد عن الفُحش من القول ويصون لسانة ….
        ولقد حذّرنا الرسول صلى الله علية وسلّم من اللسان ومن خطرة فقال لمعاذ رضى الله عنة  { ثكلتك أمك يا معاذ , وهل يُكب الناس على وجوههم في النار إلا حصائد ألسنتهم }, وغيرها من الأحاديث التي وردت عن الرسول صلى الله علية وسلّم التي تحث الإنسان المسلم العفيف الشريف أن يبتعد عن فُحش القول  ….
       أما من لا يردعه ضميره وخشيته من الله عز وجل وأتباعه لسنة النبي صلى الله علية وسلّم , يردعه الحد ويردعه السلطان , فمن لم يستطع أن يحفظ لسانة بعد كل هذه التحذيرات فلا يلوم إلا نفسه عندما يٌجلد فى قذفه لغيرة دون بينة ودليل على قوله , وتأتى الشريعة أيضاً لتصون وتحمى الأبرياء من التعرض للإساءة من قبل أصحاب النفوس الضعيفة والألسن المغتابة السليطة .
5-     وكذلك لا يمكن أن نغفل الدور العظيم الذي يقوم به حد القذف فى الأماكن التي يُطبق فيها , وذلك من الناحية الاجتماعية ودورة فى تقليل معدلات الجريمة , إننا إذا نظرنا فى أي يوم من الأيام , وفى أي جريدة من الجرائد  لوجدنا العديد من جرائم القتل التي قام بها أشخاص فى حق نساؤهم وبناتهم وأخواتهم , وقد يساعد على ذلك أن يكون مثل هؤلاء الأشخاص خارج البلاد لفترة ثم يعودون ليجدون هذا الكلام الذي قد يمكن أن يروجه وينشره شخص عديم الضمير والدين….
         فلا يكون من هذا الشخص إلا أن يقتل تلك المرأة التي قد تكون برئيه مما نٌسب إليها , وقد لا يقوم بقتلها ولكن قد يقوم بتطليقها ويحرمها من أطفالها وتتهدم الأسرة ويتشرد الأطفال أو يضيعون بين الأب و الأم , أو قد يقوم هذا الشخص بقتل الإنسان القاذف نفسه انتقاما وثاراً لشرفة وكرامته ….
       وكل ذلك بسبب الكلام الخبيث الذي  لا يحتمل أي شئ من الصدق , ويأتي هنا دور الشريعة الإسلامية التي تنظم حياة المجتمع من أقوال وأفعال فتضع شروط وحدود وتمسك السنة هؤلاء الفسقه كما قال عنهم القران الكريم ….
       فإذا كان الشخص القاذف لا يملك البينة على ما قال فى حق المقذوف فى حقه فسوف يُجلد أمام الناس جميعاً جزاءاً بما قال وهو يعي أو لا يعي تأثيره فى حق المقذوف , وبالتالي تقل معدلات الجريمة  التي قد يقع فيها المقذوف فى حقه .
6-  وإذا تحدثنا عن تأثير القذف من الناحية النفسية لوجدنا أن التأثير النفسي للمقذوف فى حقه يكون تأثير كبير فقد يشعر بالقهر والظلم لما أصابه فى شرفة وسمعته ….
         إننا حينما نذكر حادثة الإفك فى هذا الباب نجد أن الرسول صلى الله علية وسلّم وأم المؤمنين عائشة رضى الله عنها الهم والغم والحزن لما قيل فى حقهم , وليس ذلك فحسب بل أصاب أيضاً سيدنا أبو بكر والسيدة أم رومان زوج الصدّيق أبو بكر وأم السيدة عائشة رضى الله عنهما ….
       وبذلك يتضح لنا أن من يُلقى كلمة يظنها بسيطة وهى عند الله عز وجل كبيرة , قد تهدم أسرة  وانه لا تصيب المقذوف فى حقه فقط بل أنها تُصيب أسرته بكاملها , فعلى سبيل المثال فهي لا تُصيب المرأة فقط فهي أيضاً تُصيب أبناؤها وزوجها وعشيرتها أهلها ….
       ومن هنا جاء حد القذف لكي يحمى المسلم ويحمى نفسيته  من أن يُصاب بالأذى والهم والغم من أشخاص لا يكون على مستوى الإسلام وعلى مستوى مبادئه وقيمة وأخلاقه , فيقطع ألسنتهم ويجعلهم قبل أن يخوضوا فى أعراض الناس وشرفهم يفكرون آلف مرة قبل أن يلفظ بأي لفظ.
7-  لقد أنزل الله تبارك وتعالى في حد السرقة أية واحدة , وفى حد قاطع الطريق أية واحدة , وفى حد الزنا انزل تبارك وتعالى آيتين , أما في حد القذف فقد انزل الله تعالى آيتين , ثم تبعة بنوع أخر منة وهو (اللعان ) فانزل الله تعالى فيه خمس آيات , ثم أردف بذكر حادثة الإفك فانزل فيه تسع آيات ….
        ثم اتبع ذلك كله فانزل أربع آيات في النهى عن قذف المحصنات الغافلات المؤمنات ,  فكأن الله عز وجل انزل في حد القذف و أحكامه و أنواعه وبيان عقابه وشرح الأضرار المترتبة عليه والنهى عنه والتحذير من الوقوع فيه عشرين أية في سورة النور , مما يُبين لنا مدى حرص الله تبارك وتعالى وتحذيره لنا من الوقوع في مثل هذا الجُرم البشع الذي يُثير الفتن في المجتمع ويهتك الأعراض ويخدش الكرامة ولا يصون شرف الأفراد في المجتمع .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..