الاثنين، 1 أبريل 2013

غصّة وألم.. يا مثقفي القطيف

 من الضروري التركيز في المرحلة المقبلة ـ بعد أن خذلتنا القيادات الدينية الشيعية وجمع المثقفين ـ على القيادات الاجتماعية، ورؤساء العائلات الكبيرة في القطيف، فمن الأفضل تصدير هؤلاء، بعد أن كانوا في الهامش
بكثير من التهكم، هاتفني أحد طلبة العلم الشرعيين قائلا: "هات لنا تعليقك، يا داعية التقارب والتعايش، على البيانين اللذين صدرا عن مثقفي وعلماء القطيف والأحساء، ردا على بيان وزارة الداخلية، بخصوص خلية التجسس التابعة لإيران".
حرت جوابا، فالبيانان مذيلان بأسماء شهيرة، أمضت سنوات في مشروع التقارب والوحدة، وجمعتنا مجالس شتى، كان همنا فيها بلورة مشروع تعايش لأبناء الوطن، وبالتأكيد أن البيانين صفعا كثيرا من المثقفين والناشطين السنة، الذين قطعوا أشواطا طويلة، وتحملوا عتابات مشايخهم، ولوم أصدقائهم، واستعداء خصومهم. إذ كانوا يمشون فعلا في مناطق ألغام، ولم يبالوا بذلك، غير أن هذه المفاجأة المدوّية من لدن رصفائهم في الطرف الآخر، صعقتهم، وأصابتهم بخرس حقيقي.

الأكثر وجعا، وما جعلني في ذهول لم أفق منه بعد؛ أن من بين المتهمين الذين تمّ القبض عليهم في خلية التجسس، أحد رموز الشيعة السعوديين، وكان فاعلا في مشروع التقارب بشكل كبير، وبيني وبينه آصرة وعلاقة صداقة، وضفته لمرات في برنامجي الأول (البيان التالي)، وكان يتحدث بكثير من الإيمان عن الوحدة الوطنية، وأهمية التقارب بين الطائفتين، ونافح بحجج وشواهد عن نفي علاقة أبناء الطائفة بإيران، بل وشارك الرجل في جلسات الحوار الوطني، ولن أقع هنا – برغم كل الألم والفجيعة في داخلي ـ فيما وقع فيه جمع المثقفين والعلماء الشيعة عبر البيانين، بل سأنتظر هنا حكم العدالة، ليفصل في وطنية أو خيانة الرجل، فالكلمة الأخيرة والفصل هي للقضاء.


ما حدث في بحر الأسبوعين الماضيين، نكسة حقيقية لكل دعاة التقارب في المملكة؛ لأن الرموز التي شاركت في صياغة البيانين، أخطؤوا كثيرا بحق الوطن، والخطأ برأيي، هو تخطئة الدولة - التي يدينون لها بالولاء - فيما قامت به، ولو صاغ هؤلاء بيانهم، بأن المتهمين ممن يعرفونهم وتاريخهم ناصع بالوطنية، وأنهم متحفظون حيال التهم، ولكنهم ينتظرون حكم القضاء فيهم أولا، لكانت وقفتهم مقدّرة لكل الأطراف جميعا.


أما الذهاب إلى تبرئة المتهمين من "عندياتهم"، لمجرد حسن الظن بهم، فهذا خطأ لا يغتفر، خصوصا وأنك إزاء دولة، لها أجهزتها الأمنية، والأكثر سوءا، الذهاب لتبرير ما قامت به وزارة الداخلية، بأنه للتعمية على أمور أخرى.. وهو تبرير واه وضعيف، وأعجب جدا، أن من بين الموقعين أسماء كبيرة ذوي ثقافة واسعة، يوافقون على مثل هذا التبرير السطحي.

أيعقل يا سادة، أن تقوم دولة بكاملها، برمي هذه التهمة الشنيعة، وهي الخيانة العظمى، تجاه خلية، معظم أفرادها من كبار الشخصيات في مجال تخصصاتها، دون بيّنة أو وثائق لديها، لمجرد التعمية المزعومة، وهي تعلم تبعات مثل هذه التهمة الكبيرة التي تطال دولة معادية كإيران؟ وستتخطى المسألة أمن المملكة إلى سائر الدول المجاورة لنا، التي ستتأثر بمثل هذا الحدث، وهو ما حصل لاحقا.

أناقش هنا كمواطن - بكل العقلانية - الزملاء موقعي البيانين، إذ لو كان الأمر بما قالوا به، لرمت الجهة الأمنية التهمة، على المتطرفين من جماعة (نمر النمر) مثلا، أو المنتمين لـ(حزب الله الحجاز)، أو أولئك الشباب الذين تدربوا، في سورية أو لبنان أو جزيرة (دهلك) في البحر الأحمر، ولكان ذلك كفيلا بما برّر به موقعو البيانين، وستطمس ما تريد، ولن يعترض عليها أحد، بل ولن يجرؤ أي مواطن – مهما كان انتماؤه - على الدفاع عنهم.
مؤسف بشكل كبير، ردة الفعل هذه من لدن المثقفين والعلماء الشيعة، وإن جاء مفكر بحجم الدكتور عبدالله النفيسي الذي أمضى أكثر من ثلاثين عاما في الشأن الإيراني، ودخل لصميم قضية الشيعة، وصرح لنا بتأكيد جازم، وهو يعلق على موضوع خلية التجسس السعودية، بأن مثل هذين البيانين لا يصدران إلا بتوجيه من (قم)، إلا أنني لن أجازف بذلك، ولكن سأحسن الظن، وأقول إن ما قام به هؤلاء هو بدافع غيرتهم لإخوتهم، ويتفهم مثلي تلك الهبة، ولكن الوطن أولى وأغلى وأهمّ.

بت أكثر إيمانا، بأن دور المثقفين الشيعة السلبي حيال ما يحدث داخل الطائفة، أحد أهم الأسباب، لتفشي حالة التطرف، ولست لوحدي من يقول بهذا، فجمعٌ من المثقفين والمثقفات، ممن زاروا القطيف، خلال السنوات الماضية، انتهوا مثلي إلى هذه الرؤية، بأن كثيرا من مثقفي الشيعة السعوديين عبر صمتهم، وسلبيتهم، وعدم القيام بأدوارهم التنويرية داخل فكر الطائفة، وأخذ زمام التوجيه من القيادات الدينية، أدى إلى شيوع فكر التطرف للأسف بين شباب الطائفة، وهي دعوة مني لكل من باشر هذا الملف من زملائي الإعلاميين والمثقفين، بل وحتى الشرعيين، أن يدلوا بدلوهم في هذه المسألة، حتى نكون صادقين وواضحين إزاء إخوتنا أولئك في الوطن.


بعد خيبة الأمل تلك، قلت لصاحبي الشامت: إنني اليوم أكثر إيمانا من ذي قبل، بضرورة التقارب، وبلورة رؤية للتعايش مع إخواننا في الوطن، ممن يدينون حقيقة بولائهم لقيادتنا السياسية، وثبت إخلاصهم لهذا المجتمع، كي لا ندفع البسطاء والعوام والوسطيين منهم لأحضان المتطرفين وذوي الرؤية المتلونة، ولا يتأتى هذا إلا من إعطائهم حقوقهم كمواطنين، بما تعارفت عليه دول العالم، حيال أصحاب المذاهب والأقليات التي تعيش بينهم.


من الضروري التركيز في المرحلة المقبلة ـ بعد أن خذلتنا القيادات الدينية الشيعية وجمع المثقفين ـ على القيادات الاجتماعية، ورؤساء العائلات الكبيرة في القطيف والأحساء، فمن الأفضل تصدير هؤلاء، بعد أن كانوا في الهامش.


ما زلت أشعر بغصة الفجيعة، في ثلة الأسماء التي آمنا بوسطيتها ووطنيتها.. لربما تصحح خطأها.




عبد العزيز محمد قاسم  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..