رغم
أن الجزائر قد قدمت أكثر من مليون شهيدا من أجل تحررها من الاحتلال
الفرنسي , ورغم أن حركة التحرر كانت ترفع بها راية الإسلام وكان بها رموز
إسلامية كبيرة قدمت التضحيات هي وإفراد شعب الجزائر المسلم إلا أن
العلمانية الفرنسية بمخالبها الشديدة تغلغلت في المجتمع الجزائري وغربته عن
دينه فترات طويلة .
فاستمدت
الثورات الجزائرية زخمها وقوتها من الشعور الإسلامي المتنامي بقيام عدد من
العلماء والمصلحين بدورهم في حث الشعب على التحرر والجهاد في سبيل الله
لطرد المحتل , وكان من أهمهم ابن باديس والإبراهيمي حيث ساهما بجهدهما بشكل
عميق في النهضة الإسلامية وكونا قاعدة المقاومة الرئيسية والتي تمكنت من
التخلص من الاحتلال البغيض الذي جثم على صدور شعب مسلم أكثر من 130 عاما
ارتكب فيها كل المنكرات التي لا تعرفها الأديان ولا يوجد لمثلها نظير إلا
ما حدث من الأوروبيين تجاه الهنود الحمر في القارة الأمريكية أثناء تكوينهم
للولايات المتحدة الأمريكية .
وبعدها تأتي الدساتير الجزائرية بعد التحرر لتوضع بها مادته الثانية التي تقول أن"الإسلام دين الدولة" رغم
كثير من الممارسات من الحكومات المتتالية التي تبعد كثيرا عن هذا المبدأ
إلا أن وجوده دوما يضع عنوانا لهوية الدولة التي يجب وأن تعرف به .
وعملت
العلمانية في الجزائر بعد التحرير أضعاف جهدها أثناء الاحتلال للالتفاف
حول إرادة الجزائريين ولإبقاء الجزائر تحت السيطرة الفرنسية بعلمانيتها
وغربيتها حتى وإن كانت تتدثر برداء الحرية أو يحكمها من يحمل في هويته أنه
جزائري رغم أن كثيرا من أفعالهم وقراراتهم لا تقدم مصلحة شعب الجزائر
الدينية أو الثقافية أبدا بل تكرس للوجود الفرنسي الغربي كثقافة وقيم
وأخلاق , حتى غدت اللغة الفرنسية سائدة بالفعل في كثير من ممارسات
الجزائريين وتضاءلت بجوارها اللغة العربية التي تعاني لتحتل مكانتها داخل
هذا البلد العربي المسلم .
واليوم
تتحرك العلمانية - بأحزابها الكبيرة والقوية التأثير في المجتمع وعلى
دوائر صنع القرار الجزائري - خطوة مهاجمة للأمام, وفي اتخاذها سبيل الهجوم
دليل على عدم قوة معارضتها داخل الحكومات الجزائرية التي لا تعمل في سبيل
وقف تقدم العلمانية في البلاد .
فتقدم
حزب علماني جزائري وهو حزب "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية" بمشروع
تمهيدى للدستور يدعو فيه لإلغاء نص المادة الثانية التي تبرز الهوية
الإسلامية الإسلام من الدستور.
وتنص
المادة المقترح وضعها بديلا عن مادة هوية الإسلام في مشروع دستورهم أن
"الدولة الوطنية العصرية تقتضى الفصل بين السياسة والدين ، وتحصر حقل
الإيمان في المجال الخاص" ، ويعتبرون أن " مبدأ اللائكية (الفصل بين الدين
والدولة) في كل المجتمعات الديمقراطية بمثابة جوهر صيرورة الديمقراطية ".
وهكذا يصير الدين – كل دين والأهم إبعاد الإسلام عن واقع الحياة - كما عند الفرنسيين تماما وغيرهم
من الأوروبيين هوية ثانوية ليس له تدخل ولا اعتبار إلا في المجال الخاص
فلا يخرج بالإنسان عند حدود أربعة جدران في دور العبادة , ولا يمكن لأحد أن
يطالب بان يرجع إليه أي قانون أو يكون حاكما على أي تصرف للدولة أو
للأفراد , فلكل جزائري مسلم ما يعتقده وما يمارسه في حدود مسجده فقط ويصبح
مجرما قانونا لو طالب أن يراجع حكم وفق شريعته التي أمره الله بها .
إن الآمال
معلقة على المجتمع الجزائري المسلم الذي تعرض لأقسى وأقصى درجات التغريب
ومورست عليه اشد الضغوط لإبعاده عن دينه على مدى 130 عاما والذي احتفظ
بدينه بعدها فلم يفقده , بل ظل دينه هو المؤثر الأول في سلوكياته , فكلما
أتى عليه استحقاق انتخابي أو ثوري إلا كانت حركته باسم الإسلام أقوى وأرسخ
من أي حركة تحت أية دعوة , فالأمل كبير أن تكون هذه هي بداية صحوة إسلامية
جديدة في الجزائر للدفاع عن هويتهم التي تنتزع منهم فهل سيقبل الشعب
الجزائري أن ترفع هويته الإسلامية من دستوره ؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..