نعم أيها الكاتب المبطل: أهل الجنة يرون الله تعالى بأعينهم يوم القيامة (١) الرد على «علي المتروك»
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين، وصلى الله وسلم وبارك علىالمبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فلقد نشر أحد الكتَّاب مقالاً بعنوان «هل يمكن رؤية الله يوم القيامة»، وأنكر في مقاله رؤية الله تعالى وشكّك المسلمين في ذلك، لذا رأيت من الواجب عليَّ أن أتصدى للرد عليه نصرة للحق، ونصيحة للخلق، ودحضاً للباطل الذي سطره في مقاله، والذي يمثل عقيدة المعتزلة والجهمية والروافض الباطنية، فأقول وبالله أستعين، وعليه أتوكل وإليه أنيب:
قال المبطل في مقاله: «سؤال يثور حوله الجدل والحيرة وهو هل يرى الإنسان الله بعينه المجردة يوم القيامة؟ وسيبقى هذا السؤال بلا إجابة حتى يرث الله الأرض ومن عليها» انتهى كلامه.
قلت: من أول عبارة نطق المبطل بالباطل المبين وناقض نفسه بنفسه، فقد أورد سؤالاً وزعم أن هذا السؤال سيبقى بلا إجابة حتى يرث الله الأرض ومن عليها، ومع هذا الزعم أجاب عن السؤال في مقاله ذاته والذي خلص فيه إلى أن الله تعالى -والعياذ بالله- لا يُرى ﴿سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (16)﴾ [النور]. فكيف يقول إنه سؤال لا جواب عليه ثم يجيب عنه؟! والحق أن سؤاله لا يثور حوله الجدل والحيرة ولا هم يحزنون، بل هذا السؤال قد أثير منذ قرون طويلة وتم عليه الجواب المبين لكن ظن هذا المبطل لجهله بسنة النبي صلى الله عليه وسلم بل بسبب عدم إيمانه بها أن السؤال محير ولا جواب عنه إلا ما ذكره من فلسفة المعتزلة، بل كيف سيجيد الكلام في العقيدة وهو غير متخصص بالعلم الشرعي لا من قريب ولا من بعيد، وهذا شأن من تكلم في ما لا يحسنه، فعادة يأتي بالغرائب والعجائب والتناقض، فلقد أخرج البخاري في صحيحه (6088) ومسلم في صحيحه أيضاً (267) عن أبي هريرة، قال: قال أناس: يا رسول الله، هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال: «هل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب»، قالوا: لا يا رسول الله، قال: «هل تضارون في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب»، قالوا: لا يا رسول الله، قال: «فإنكم ترونه يوم القيامة كذلك...» [الحديث]. فمن تأمل هذا الحديث يجزم بأن المبطل لو كان يؤمن بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كتب في مقاله ذلك الاعتقاد الفاسد.
ثم هذا الكاتب المبطل جهل أو تجاهل الأحاديث المتواترة الكثيرة الدالة على ثبوت رؤية المؤمنين لله تعالى يوم القيامة، ليس هذا فحسب بل استبدلها بحديث باطل ما أنزل الله به من سلطان فزعم أن الله قال في حديث قدسي عن علة خلق الإنسان بقوله: «كنت كنزاً مخفياً فخلقت الخلق لكي أعرف»، وهذا حديث موضوع مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم [انظر: كشف الخفاء للعجلوني برقم (2016)]، ثم زعم الكاتب المبطل بكلام باطل كذب فيه على نبي الله إبراهيم الخليل عليه السلام، فقال: «لقد حدثنا القرآن الكريم عن معاناة إبراهيم الخليل عليه السلام، وهو يبحث عن ربه ويتحدث القرآن عن هذه الحادثة فيقول: ﴿فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78)﴾ [الأنعام]، انتهى كلامه.
قلت: لم يكن إبراهيم عليه السلام شاكاً بالله تعالى ولم يكن يبحث عن ربه كما ظنَّ الكاتب المبطل وإنما فرض هذه المناظرة أمام قومه ليقيم الحجة البالغة عليهم لذا قال تعالى بعد سياق هذه القصة: ﴿وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آَتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83)﴾ [الأنعام].
ثم زعم الكاتب المبطل زوراً وبهتاناً أن نبي الله موسى عليه السلام سأل الله تعالى رؤيته تحت إلحاح بني إسرائيل فقال: «أما موسى الكليم فتحت إلحاح بني إسرائيل قال: ﴿وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143)﴾ [الأعراف]. ومن سياق هذه الآية نرى أن موسى الكليم عليه السلام كان يعرف مسبقاً أنه لا يستطيع رؤية الله بعينه المجردة ومن هنا قال: أرني أنظر إليك أي اجعل عيني تستطيع أن تراك وكانت النتيجة كما روتها الآية الكريمة» انتهى كلامه.
قلت: وهذا الكلام فيه من الباطل ما فيه:
- أولاً: من أين لك يا مبطل أن موسى عليه السلام سأل الله رؤيته تحت إلحاح بني إسرائيل؟ فالذي ذكره الله في كتابه أن بني إسرائيل أهلكهم الله بالصاعقة لما قالوا ﴿لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (55)﴾ [البقرة].
- ثانياً: كيف تزعم أن موسى عليه السلام يعرف مسبقاً أنه لا يستطيع رؤية الله بعينه المجردة؟ بل الواجب أن نظن بموسى عليه السلام خيراً، فلو كان يعرف مسبقاً أنه لا يرى الله تعالى لما سأل الله تعالى ذلك.
- ثالثاً: لو أن موسى عليه السلام سأل الله تعالى أمراً غير ممكن ولا
حق له فيه لكان الجواب غير ما ذكر الله تعالى والدليل على ذلك أن نوحاً
عليه السلام، لما قال: ﴿رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ
الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45)﴾ [هود]، فاسْتَعْلَم عن حال
ولده الذي غرق وقد وعده الله بنجاة أهله، وبما أن وعد الله حق ولا يخالف
الميعاد فكيف غرق ابنه والله أحكم الحاكمين؟! فقال الله تعالى: ﴿قَالَ يَا
نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ﴾ [هود: 46]، والله وعده الحق إذ قال:
﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا
مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ
الْقَوْلُ وَمَنْ آَمَنَ وَمَا آَمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ (40)﴾ [هود]،
وهذا الولد ممن سبق عليه القول بالغرق لكفره وتكذيبه لأبيه عليه السلام،
لذا قال تعالى: ﴿قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ
عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ
إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46)﴾ [هود]، أي: أعظك
تسألني هذا السؤال وأنت الذي دعوت على الكافرين بقولك: ﴿رَبِّ لَا تَذَرْ
عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26)﴾[نوح]، أي صاحب دار،
فكيف تسأل نجاة ابنك الكافر؟!
أقول: فلو كان موسى عليه السلام ليس له الحق بسؤال الله تعالى رؤيته لعاتبه الله تعالى كما عاتب نوحاً عليه السلام فتبين بهذا بطلان كلام الكاتب المبطل عندما قال إن موسى عليه السلام كان يعرف مسبقاً أنه لا يستطيع رؤية الله بعينه المجردة. - رابعاً: لو كان الله تعالى لا يرى بالعين المجردة كما زعم الكاتب
المبطل لكان المناسب للجواب على موسى عليه السلام أن يقال: إني لا أُرى،
لكن جاء الجواب بقوله تعالى: ﴿لَنْ تَرَانِي﴾ وفرق كبير بين الجوابين ولذلك
لو كان الله تعالى لا يُرى بالعين المجردة لما قال الله تعالى: ﴿وَلَكِنِ
انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي﴾
[الأعراف: 143]، وهذا يدل على أن الله تعالى لا يُرى في الدنيا ولا يدل
بوجه من الوجوه أن الله لا يرى يوم القيامة. لذا صح عن النبي صلى الله عليه
وسلم أنه قال: «وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ لَنْ تَرَوْا رَبَّكُمْ عَزَّ
وَجَلَّ حَتَّى تَمُوتُوا» [السنن الكبرى للنسائي- حديث:7509، السنة لابن
أبي عاصم، حديث:346]. وأما ما زعمه أهل الباطل من أن «لن» تفيد نفي
التأبيد كما في قوله تعالى (لن تراني) فهذا كذب على اللغة وأهلها. قال ابن
مالك في ألفيته:
ومن رأى النفي بـ (لن) مؤبداً ***** فقوله اردد وسواه فاعضدا
وأقول أيضاً: والذي يؤكد أن (لن) ليست لنفي التأييد ما استدل به أهل العلم في قوله تعالى عن الكفار ﴿فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (94) وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ﴾ [البقرة: 94- 95]، وهذا في الدنيا لن يتمنوا الموت أبداً لكن في الآخرة إذا دخلوا جهنم فإنهم يتمنون الموت كما دل على ذلك قوله تعالى: ﴿وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (77) لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (78)﴾ [الزخرف]، وهكذا الشأن في مسألتنا فموسى عليه السلام لن يرى الله تعالى في الدنيا لكنه سيرى الله تعالى يوم القيامة في الجنة، نسأل الله أن يحشرنا وإياه ونبينا محمداً صلى الله عليه وسلم ويدخلنا جنته ونرى ربنا تبارك وتعالى.
أقول: يشير إلى قول الله تعالى: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (103)﴾ [الأنعام]، والحق أن هذه الآية لا تدل لا من قريب ولا من بعيد على نفي رؤية الله تعالى يوم القيامة بتاتاً وللعلماء في توجيه هذه الآية وجهان:
- الوجه الأول: أن الإدراك غير الرؤية والمنفي غير المثبت فالذي نفاه
الله تعالى الإدراك والذي أثبته الرؤية وبينهما فرق كما بين ذلك غير واحد
من المفسرين، فالإدراك الوقوف على كنه الشيء أو الإحاطة به أما الرؤية
فمعناها المعاينة. ومما يدل على ذلك ما ذكره الله تعالى في كتابه في قوله:
﴿فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا
لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62)﴾
[الشعراء]، أي لما تراءى جمع موسى عليه السلام وجمع فرعون فأثبت الله
الترائي أي: رأى بعضهم بعضاً، قال أصحاب موسى عليه السلام (إنا لمدركون)،
أي: سيحيطون بنا ويدركوننا، فقال موسى عليه السلام: كلا، قال ذلك ثقة بوعد
ربه تبارك وتعالى الذي قال: ﴿لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى (77)﴾
[طه]، فنفى الإدراك مع إثبات الرؤية.
كما أنه تعالى يعْلمُ عنه عباده شيئاً من أسمائه وصفاته لكن لا يحيطون به علماً كما قال تعالى: ﴿وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا (110)﴾ [طه]، فنفى الإحاطة مع ثبوت العلم، وقد ذكر بعض أهل العلم أمثلة للرؤية من غير إدراك، كرؤية الشمس ورؤية الشخص من بعيد، فإنك ترى الشمس ولا تدركها وترى الشخص عن بعد ولا تدركه. - الوجه الثاني: ما ذكره البغوي في تفسيره عن ابن عباس رضي الله عنهما ومقاتل أنهما قالا: لا تدركه الأبصار في الدنيا وهو يُرى في الآخرة، وهذا الذي نفته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لما قالت: من حدثك أن محمداً صلى الله عليه وسلم رأى ربه فقد كذب، ثم قرأت: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (103)﴾ [الأنعام]، [صحيح البخاري، حديث:4577]. فلقد كان جوابها على من سألها هل رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه؟ ولم يسألها السائل هل سيرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه، والفرق بين صيغة السؤالين ظاهر وواضح لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
والله أسأل أن يرزقني ووالدي والمسلمين لذة النظر إلى وجه الله الكريم، والحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
1434/05/20
2013/04/01
نعم أيها الكاتب المبطل: أهل الجنة يرون الله تعالى بأعينهم يوم القيامة (٢)
1434/05/27
2013/04/08
2013/04/08
الرد على «علي المتروك»
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:فهذه الحلقة الثانية في الرد على الكاتب المبطل الذي زعم بأن الله لا يُرى وذلك في مقال له نشره في جريدة الوطن بعنوان (هل يمكن رؤية الله يوم القيامة؟) فأقول وبالله أستعين وعليه أتوكل وإليه أنيب:
لقد استدل الكاتب بكلام فلسفي مشهور عن المعتزلة وأسلافهم مأثور ، وظن كما ظنوا بأنه كلام منطقي عقلاني وهو بعيد كل البعد عن العقل السليم الصريح فقال: (تثبت الأدلة العقلية أن الله لا يمكن أن يرى بالعين، لأن العين المجردة لا تستطيع أن ترى إلا الأجسام، وأقرب مثال على ذلك عدم القدرة على رؤية الهواء مثلاً فإذا لم يكن الشيء جسماً لا يمكن أن تراه العين، وبمعنى إذا تمكنا من رؤية شيء بالعين فلأن لهذا الشيء حيزاً وكتلة في حين أن الله سبحانه وتعالى أرفع من أن يتصف بهذه الصفات فهو وجود غير محدود ليس كمثله شيء)، إلخ كلامه.
أقول: هذا الكلام اشتمل على كثير من الباطل:
- أولاً: زعم أن الأدلة العقلية تثبت أن الله لا يمكن أن يرى بالعين
والحق الذي عليه المسلمون أن العقيدة تثبت بالأدلة النقلية أدلة الكتاب
والسُّنَّة لا بالأدلة العقلية، وذلك لأن العقل قاصر محدود والعقول متفاوتة
لا يمكن الاعتماد عليها في إثبات الأمور العقدية.
و للتوضيح: العقيدة هي الإيمان بالغيبيات كما وصف الله عباده المؤمنين المتقين في أول سورة البقرة فقال: ﴿ الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾ [البقرة: 1-3]، والغيب لا تحيط به ولا تدركه العقول فإذا ثبت بالأدلة النقلية أي بأدلة الكتاب والسُّنَّة بأن الله يُرى، وجب علينا الإيمان بذلك وإلا ما الفرق بيننا وبين الكفار؟!
والأمثلة على ذلك كثيرة جداً جداً اكتفي بذكر مثالين:
- الأول: نحن المسلمون نؤمن بالإسراء والمعراج وهو أن الله تعالى أسرى بعبده -بجسده و روحه- ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الاقصى ثم عرج به إلى السماوات العُلا كل ذلك حدث في ليلة واحدة، ومن أنكر هذا بحجة أن العقل لا يثبت ذلك فقد كفر.
- المثال الثاني: قيام الساعة وإحياء الله الموتى وبعثه إياهم خلقاً جديداً وغير ذلك مما أنكره المشركون وأثبته رب العالمين في كتابه وأخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته وآمن به المسلمون فهذه الحقيقة الكبرى يكذب بها الكفار المجرمون بحجة أن العقل لا يثبت ذلك.
- ثانياً: إذا عجز العقل أو قصر عن إثبات حقيقة ما و دلت الأدلة من الكتاب والسُّنَّة على تلك الحقيقة التي عجز العقل أو قصر عن إثباتها وجب علينا الإيمان بالأدلة النقلية والاعتقاد بما دلت عليه. فمثلاً لو عقل الكاتب و أمثاله عجزت و قصرت عن أن تستوعب أن الله يرى يوم القيامة والله يقول في كتابه ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)﴾ [القيامة]، و قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنكم سترون ربكم عياناً» [رواه البخاري من حديث جرير بن عبد الله رقم: (7020)]، وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا دخل أهل الجنَّةِ الجنَّةَ، قال: يقول الله تبارك وتعالى: تريدون شيئاً أزيدكم؟ فيقولون: ألم تُبيِّض وجوهنا؟ ألم تُدْخِلنا الجنَّةَ، وتُنَجِّنَا من النَّارِ؟ قال: فَيَكْشِفُ الحِجَابَ، فما أُعطوا شيئاً أحبَّ إليهم من النَّظر إلى ربهم عزَّ وجَلَّ»، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا يزيد بن هارون، عن حماد بن سلمة، بهذا الإسناد وزاد ثم تلا هذه الآية: ﴿للذين أحسنوا الحسنى وزيادة﴾ [رواه مسلم من حديث صهيب، رقم: (292)]، وغيرها من الأدلة التي تبلغ حد التواتر فهل نخالف هذه الأدلة من أجل أن العقل الفلاني قصر عنها؟ أقول: لا يقول ذلك إلا من لا عقل له.
- ثالثاً: النقل الصحيح لا يخالف العقل الصريح. فمتى ما صح الدليل عن
الله أو رسوله فلا يمكن أن يخالف عقلاً صريحاً، نعم قد يرد دليل لا يصح
كالأحاديث الموضوعة والمعلولة فتخالف العقل هذا ممكن لأنها ليست أدلة
صحيحة، كما أيضاً ممكن أن تخالف العقول السقيمة المتلطخة بأفكار الفلاسفة،
والمتدنسة بالعقائد الزائغة النصوصَ الصَّحيحةَ، أمَّا أن يتعارض نقلٌ
صحيحٌ مع عقلٍ صريحٍ فهذا لا يمكن؛ لذا لا يقال إذا تعارض العقل والنقل
فأيهما نقدم؟ بل نقول: أصلاً لا يتعارضان. نعم؛ الشريعة الإسلامية تأتي بما
تحار به العقول لكن لا يمكن أن تأتي بما تحيله العقول، وذلك لأن العقل
محدود فيحتار ويعجز عن إدراك ما هو فوق حدوده.
و سأضرب لك أيها القارئ مثلاً يرفع عنك اي إشكال قد يورده عليك المبطلون.
فأقول: لو مرت فوقك في السماء طائرة تسمع بأذنيك صوتها وترى بعينيك جرمها ثم ما زالت تبتعد عنك حتى لم تسمع صوتها ولا ترى جرمها، فهل يعني ذلك أنها سقطت أو انعدمت؟
الجواب: قطعاً لا، إذن أين ذهبت؟
ستقول ابتعدت بعيداً أكثر من مدى وحدود سمعي وبصري لذا لم أعد أسمعها ولا أراها.
فإذا قيل لك: لماذا؟
ستقول: لأن سمعي وبصري محدودان بطاقةٍ معينةٍ لا طاقة لها بإدراك ما بعد حدودهما.
أقول: وهكذا العقل له حدٌّ معينٌ وطاقةٌ محدودةٌ، فليس من العقل أصلاً أن ينكر العاقل ما لا يدركه عقله أو ما كان فوق حدود عقله، فإذا العقل عجز أن يدرك كيف سيرى المؤمنون ربهم يوم القيامة وذلك لأن قدرته محدودة فلا يعني ذلك أن الله لا يُرى يوم القيامة.
وعلى هذا المسلمون المؤمنون يؤمنون ويعتقدون اعتقاداً جازماً لا ريب فيه بأن الله تعالى يُرى يوم القيامة بدلالة الكتاب و السُّنَّة والعقل الصريح لا يُنْكِر ذلك لمجرد قصوره عن إدراك ما فوق طاقته. - رابعاً: قول الكاتب المبطل (لأن العين المجردة لا تستطيع أن ترى إلا الأجسام...).
فهذا باطل من وجوه:
- هذا القول مخالف لأدلة الكتاب والسُّنَّة فلا يُلتفت إليه.
- لا دليل على أن العين المجردة لا تستطيع أن تَرى إلا الأجسام.
- الله تعالى قادر أن يخلق العين المجردة يوم القيامة على حال ترى فيها ما لا تراه في الدنيا.
- خامساً: القاعدة عند المسلمين من أهل السنة و الجماعة أنهم يؤمنون
بكل ما أثبته الله تعالى لنفسه في كتابه وأثبته له رسوله صلى الله عليه
وسلم في سنته كالحياة والسمع والبصر والعلم على وجه الكمال المطلق اللائق
به تعالى من غير تمثيل، وينفون عن الله تعالى ما نفاه الله عز وجل عن نفسه
في كتابه ونفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته كالموت والسَّنَةِ
والنوم والعجز والظلم، ومع الإيمان بكمال ضده، فالله تعالى لا يموت ولا
تأخذه سِنَةٌ ولا نوم، لكمال حياته وقيوميته ولا يعجزه شيء لكمال علمه
وقدرته ولا يظلم أحداً لكمال رحمته وعدله وهكذا. كما ينفون، أي: المسلمون
من أهل السُّنَّة والجماعة، كل صفات النقص عن الله تعالى المنزّه المقدس
فهو (الملك القدوس السلام).
أما ما لم يثبت نفيه و لا إثباته و لا يدل على نقص لله عز وجل فهذا لا يثبتونه أهل السُّنَّة ولا ينفونه ويتأدبون بأدب القرآن ويمتثلون قول الله عز وجل ﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36)﴾ [الإسراء]، ومن الأمثلة على هذا النوع من الصفات (الجسم، الجهة، العرض، الحد ونحوها)، فالموقف الصحيح من مثل هذه الألفاظ لم يرد في الكتاب ولا في السُّنَّة؛ إذ لن تجد أن الله جسم ولا أن الله ليس بجسم فلا يجوز لنا أن ننفي ولا نثبت.
أما من جاءنا و قال إن الله جسم أو أن الله ليس بجسم فلا نقرّه ولا ننكر عليه و إنما نستفصل منه، فإن قصد معنى صحيحاً وافقناه و وجهناه إلى الإمساك عن هذا الإطلاق، وإن قصد معنى باطلاً أنكرنا عليه المعنى الباطل ووجهناه إلى ترك الباطل وإلى الإمساك عن هذا الإطلاق.
إذا عرفت هذا أخي القارئ الكريم تبين لك الأسلوب الباطل الذي يتبعه المعتزلة وقرره الكاتب في مقاله فقال: (إذا قلنا: أن الله يُرى بالعين...).
فأقول: لا يجوز ردُّ الأدلة الشّرعية من الكتاب والسُّنَّة المتواترة التي دلّت على رؤية أهل الجنة لله عزَّ وجلَّ يوم القيامة بهذا التعليل العليل؛ كونه جلَّ وعلا لا يُرى، لأنه إذا يُرى بالعين المجردة فهو جسم، والله ينزه عن أن يكون جسماً، إلى آخر هذه الكلام الباطل الذي ما أنزل الله به من سلطان.
فأقول: بل الحق فيما قال الله ورسوله لا فيما تراه غير منطقي وغير مقبول، فأنت وأمثالك أولى بأن تحجبوا عن الله تعالى بسبب إنكاركم أن الله تعالى يراه المؤمنون يوم القيامة. قال تعالى: ﴿كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15)﴾ [المطففين].
أكتفي بهذا القدر وأشكر الإخوة المشايخ وطلبة العلم الذين تولوا الرد على الكاتب المبطل نصرة للعقيدة فجزاهم الله خيراً و هكذا يجب علينا ألا نسمح لمن هبَّ و دبَّ بأن يعبث بعقيدة المسلمين.
و الحمد لله رب العالمين و صلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
نعم أيها الكاتب المبطل: أهل الجنة يرون الله تعالى بأعينهم يوم القيامة (٣)
الرد على «علي المتروك»
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فهذه الحلقة الثَّالثة في الردِّ على الكاتب المبطل الذي زعم بأن الله لا يُرى، وذلك في مقال له نشره في
جريدة «الوطن» بعنوان (هل يمكن رؤية الله يوم القيامة؟) فأقول وبالله أستعين وعليه أتوكل وإليه أنيب:
قال الكاتب المبطل: «هكذا الدعوة عندما تكون لله.... فكيف إذا كان الحوار بين المسلمين أنفسهم عندما يختلفون في إثبات رأي أو نفيه» انتهى كلامه.
فأقول: مسألة رؤية الله تعالى يوم القيامة مسألةٌ عقديةٌ كبيرةٌ يتوقف عليها إيمانٌ أو كفرٌ، فمن آمنَ بكتاب الله -القرآن الكريم والذكر الحكيم- الذي ﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ﴾- ومن آمنَ بسّنة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم -الوحي المبين من رب العالمين- فلا يمكن أنْ يُنكر رؤيةَ الله تعالى يوم القيامة؛ فنصوصُ القرآن والسُّنة متواترةٌ مشهورةٌ، وتفاسيرُ الصحابة والتابعين ثابتة في بطونِ كتب المسلمين منثورة، وخلاف أهل السُّنة والجماعة مع أهل البدع والأهواء ليس اختلافاً في إثبات رأي أو نفيه، كما يزعم الكاتب المبطل. وأهل السُّنة لا يتساهلون مع أهل الأهواء، ولا يداهنون في دينهم، ولا يجاملون على حساب عقيدتهم، بينما تجد أهلَ البدعِ دائماً يقلِّلون من شأن الخلاف مع أهل السُّنة، ويزعمون إنما هو مجرد اختلاف في وجهات النظر، هذا في النور والضياء، لكن في الظلام والخفاء؛ الله وحده يعلم ما يحملونه في قلوبهم على أهل السُّنة!!
وتابع معي أخي القارئ الكريم ماذا يقول الكاتب المبطل: «فإن مرجع المسلمين كما أمرهم نبيهم -صلوات الله عليه وآله- هو الرجوع إلى كتاب الله العزيز» انتهى كلامه.
فأقول: سبحان الله! وهل رجع الكاتب إلى كتاب الله العظيم؟
والله عجيب أمر أهل البدع والأهواء؛ فهم لا يقيمون للقرآن وزناً، إذا جاؤوا إلى آيات الذكر الحكيم قدموا عليها عقولهم السقيمة وفلسفة إبليس وجنده، فزعموا أن هذا لا يليق بالله، وهذا يوهمُ التشبيهَ والتمثيلَ، فما زالوا في طنطنة وفلسفة حتى حملوا على القرآن حملةً شرسةً، فحرّفوا الكَلِمَ عن مواضعه، وفسروه بأهوائهم وأخرجوه عن مراد الله تعالى به، وسمّوا فعلهم هذا «تأويلاً»، ليكون تبريراً لتحريفاتهم الباطلة.
أخي القارئ الكريم استمر معي في القراءة لترى العجب العجاب في كلام هذا الكاتب المبطل.
قال الكاتب المبطل: «وفي خضم ما جاء في كتب التراث وما تضمنته بعضها من أحاديث لا تنسجم مع العقل والمنطق القرآني بل أحاديث مغرقة بالخيال...». ثم ذكر أمثلة على ذلك إلى أن قال: «وهي موثقة ونقلتها كتب التراث المعتبرة...» إلى أن قال: «ويبدو أن بعض المتربصين بالإسلام دسَّ هذه الأحاديث لتكون جزءاً من التراث الإسلامي» انتهى كلامه.
فأقول: ليس في كتب أهل السُّنة أحاديثَ صحيحة مستقيمة الأسانيد سليمة من الشذوذ مقبولة لا تنسجم مع العقل والمنطق القرآني، كما زعم الكاتب، فالعلماءُ الذين هم ورثةُ الأنبياء قد وفقهم الله تعالى فبيّنوا الصحيحَ من السَّقيمِ، وصفّوا ونقّوا السُّنة النبوية بتوفيق الله لهم، فالله حافظٌ لدينه، كما قال تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)﴾ [الحجر]، وكما حفظ الله القرآنَ كذلك حفظ الله سنةَ نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، لا كما يظن المبطلون، فلقد قال الله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ [المائدة]، فمن ظنَّ بأنَّ الله تعالى تكفَّلَ بحفظِ القُرآن دونَ السُّنةِ فقد ظنَّ بالله ظنَّ السّوء، و﴿ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (27)﴾ [ص]. لأنَّ دينَ الله تعالى الذي أكمله لعباده وأتمَّ عليهم به النعمة، ورضيه لهم ديناً؛ إنما هو في الكتاب والسُّنة وليس في الكتاب فحسب، وسيبقى دينُ الله محفوظاً بحفظ الله له، مصوناً بما سخّر الله له من علماء أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلى قبيل قيام الساعة. وكل مَنْ دسَّ فيه ما ليس منه محاولاً إخفاء الحق، فسَيُظْهِر الله أمرَه، وسيميزَ اللهُ الحقَ من الباطلِ، كما قال تعالى: ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8)﴾ [الصف].
والأحاديث الصحيحة المتواترة في إثبات رؤية الله تعالى يوم القيامة حقٌ لا ريبَ فيه، وليست من الخيال ولا تخالف القرآن، كما أشار إلى ذلك الكاتب المبطل.
والعجيب في أمر هذا الكاتب أنه قال: «ويبدو أن بعض المتربصين بالإسلام دسَّ هذه الأحاديث لتكون جزءاً من التراث الإسلامي»، ثم بعد كلامه هذا مباشرة استدلَّ بحديثٍ مكذوبٍ موضوعٍ مدسوسٍ؛ فقال: «فقد ورد عنه -أي النبي صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «ستكثر الكذابة من بعدي، فإذا جاءكم الحديث عني فأعرضوه على كتاب الله، فإن وافق فخذوا به، وإن خالف فاضربوه عرض الحائط» انتهى كلامه.
أقول: لقد ذكر الكاتب المبطل في مقاله أكثرَ من ثلاثين آية، وغالباً يذكر تخريج كل آية، فيذكر اسم السورة ورقم الآية، ولو لم يفعل ذلك لما ضرّه شيءٌ، فالآيات معلومة معروفة، وذكر أيضاً بعض النقولات لبعض المفسرين والمتكلمين وذكر المرجع ورقم الصفحة، بينما لما ذكر هذا الحديثَ المكذوبَ «ستكثر الكذابة من بعدي، فإذا جاءكم الحديث عني...» إلخ، لم يذكر مَنْ رواه، ولا من أيِّ مرجعٍ استقاه، أتدري لماذا أيها القارئ الكريم؟
سأجيبك: لأنّه حديثٌ موضوعٌ مكذوبٌ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني «حديث باطل لا سند له، ولم يرد في كتاب معتمد»، وإنما هو مِنْ وَضْعِ بعضِ الزنادقة الذين أرادوا إبطال سُنة النبي صلى الله عليه وسلم. وكل الأحاديث التي جاءت في عرض الأحاديث على القرآن لم يَثْبُت منها شيءٌ؛ فهي إما موضوعةٌ مكذوبةٌ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أسانيدها منكرةٌ مظلمةٌ.
وأعجب ما في هذا الحديث المكذوب أنَّ واضعه الكذاب الأشر في بداية كذبه على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ستكثر الكذابة من بعدي»!! وهو أحد الكذابة، هذا أولاً.
ثانياً: قال: «فإذا جاءكم الحديث عني فاعرضوه على كتاب الله»، فلنبدأ بهذا الحديث نفسه، فلو عرضناه على كتاب الله لوجدناه مخالفاً لكتاب الله؛ لأنَّ الله تعالى يقول: ﴿وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ﴾ [الحشر: 7]، ولم يأمرنا أن نعرضَ الحديثَ على القرآنِ قبل الأخذِ به.
ثالثاً: يقول: «فإن وافق فخذوا به»، وأحاديث الرؤية توافق القرآن تماماً، فلماذا الكاتب لم يأخذ بها؟!
رابعاً: يقول: «وإن خالف»، وهذا كذبٌ؛ إذ لا يمكن للحديث أنْ يخالف القرآن إلا أن يكون ليس حديثاً أصلاً، أو من الأحاديث التي لا تصح، ولا تثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنَّ الحديث وحيٌ من الله تعالى كما قال جلَّ وعلا: ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)﴾ [النجم]، ويقول جلَّ وعلا: ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82)﴾ [النساء]، وفي الحديث الصحيح قال عليه الصلاة والسلام: «ألا إنِّي أُوتِيتُ الكِتابَ ومِثْلَهُ مَعَهُ، ألا إنِّي أُوتِيتُ القُرْآنَ ومِثْلَهُ مَعَهُ،....» [رواه المقدام بن معدي كرب الكندي، «مسند أحمد بن حنبل» -مسند الشاميين- حديث: (16866)، و «الشريعة» للآجري -باب التحذير من طوائف يعارضون سنن النبي صلى الله عليه وسلم- حديث: (95) بتكرار جملة: «ألا إنِّي أُوتِيتُ القُرْآنَ ومِثْلَهُ مَعَهُ»].
خامساً: يقول: «فاضربوه عرض الحائط»، أقول: والذي نفسي بيده الأولى أن يُضرب بعرض الحائط حديث هذا المكذوب لا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال الكاتب المبطل: «وبما أننا بصدد الكلام عن عدم رؤية الله في يوم القيامة، فليس جديداً، وإنما كان رأياً قديماً، بل كان هو الرأي السائد في الصدر الأول من الصحابة والتابعين إلى أوائل القرن الثاني عندما تولى المعتزلة الحكم، ابتداء من عهد المأمون وهو رأي الشيعة أيضاً، ولم يتغير هذا الرأي إلا بعد ما سيطر أهل الحديث على الحكم العباسي -أيام المتوكل- وأقصيت المعتزلة، ونُكِّل بهم أشد التنكيل، وكانت نقطة صراع يتبين منها الموالي للحكم العباسي والخارج عليه مثلها مثل فتنة الإمام أحمد في (خلق القرآن)» انتهى كلامه.
قلت: كلامُ الكاتب اشتمل على حقٍّ وباطلٍ، وصدقٍ وكذبٍ، وهذا شرٌ من لو كان كلامه كله باطلاً محضاً، لأنَّ الباطل إذا اشتمل على شيءٍ من الحق يصير متلبساً على الناس، وإنما يفعل ذلك من أراد أن يروّج الباطلّ لذا قال تعالى: ﴿ وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42)﴾ [البقرة].
ولبيان ذلك أقول: لقد كذب الكاتب حينما قرَّر بأنَّ القول بعدم رؤية الله يوم القيامة ليس جديداً، وإنما كان رأياً قديماً، بل كان هو الرأي السائد في الصدر الأول من الصحابة والتابعين، والحق الذي لا ريب فيه أنَّ الصدر الأول لم يُؤْثر فيه عن أحدٍ منهم أنّه أنكرَ رؤية الله تعالى يوم القيامة، ولم يُؤْثر عن أحدٍ معتبرٍ قطٍّ أنّه قال بعدم رؤية الله تعالى يوم القيامة، ولو وَجَدَ من قال بهذا القول الباطل لكان أول من يورد قوله هذا الكاتب المبطل، لكن أنَّى له ذلك، إذْ لا سبيل له إلى الصدر الأول ليجد واحداً من الصحابة أو التابعين أنكر رؤية الله تعالى يوم القيامة، فالأحاديث المرفوعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغت حدَّ التواتر، وتفاسير الصحابة والتابعين لآيات القرآن مشهورة، لا يُنكر ذلك إلا أحدَ رجلين: إما جاهلٌ، أو مبطلٌ، لذا لا يخلو كتابٌ في عقيدة السَّلف، ولا تفسيرٌ مأثورٌ معتبرٌ إلا وذكر فيه مسألة رؤية الله تعالى على أنها من المسائل العقدية المُسَلَّمِ بها، والمُجْمَعِ عليها، ثمَّ القولُ برؤية الله يوم القيامة مسألةٌ عظيمةٌ من مسائل الاعتقاد، وليست رأياً فقهياً رآه فلان أو فلان -كما قد يصوره الكاتب-، ولقد وقع خلاف يسير في مسألة هل رأى النبي صلى الله عليه وسلم ربه في الدنيا بعين رأسه أو لا؟ والحق أنه لم يرَ ربه في الدنيا، أما أن يُقال اختلف الصحابة أو التابعون في رؤية الله تعالى يوم القيامة، فهذا والذي نفسي بيده من الكذب والباطل الصريح.
وإنما حدث بعد العصر الأول الخلافُ في رؤية الله يوم القيامة، والذين خالفوا في ذلك المعتزلة والشيعة والإباضية وغيرهم، نعم خالفوا عقيدة الكتاب والسُّنة؛ فزعموا أنَّ الله تعالى لا يُرى يوم القيامة، وحرّفوا الآيات الدالة على أن الله تعالى يُرى يوم القيامة، وأنكروا تفسير الصحابة والتابعين رضي الله عنهم، بل وأنكروا تفسير النبي صلى الله عليه وسلم لقول الله تعالى: ﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ [يونس: 26]، كما أنكروا الأحاديث المتواترة التي في الصحيحين وغيرهما.
أخي القارئ الكريم لم ينته الرد على الكاتب المبطل وتابعني في المقال القادم إن شاء الله تعالى. والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
فهذه الحلقة الثَّالثة في الردِّ على الكاتب المبطل الذي زعم بأن الله لا يُرى، وذلك في مقال له نشره في
جريدة «الوطن» بعنوان (هل يمكن رؤية الله يوم القيامة؟) فأقول وبالله أستعين وعليه أتوكل وإليه أنيب:
قال الكاتب المبطل: «هكذا الدعوة عندما تكون لله.... فكيف إذا كان الحوار بين المسلمين أنفسهم عندما يختلفون في إثبات رأي أو نفيه» انتهى كلامه.
فأقول: مسألة رؤية الله تعالى يوم القيامة مسألةٌ عقديةٌ كبيرةٌ يتوقف عليها إيمانٌ أو كفرٌ، فمن آمنَ بكتاب الله -القرآن الكريم والذكر الحكيم- الذي ﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ﴾- ومن آمنَ بسّنة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم -الوحي المبين من رب العالمين- فلا يمكن أنْ يُنكر رؤيةَ الله تعالى يوم القيامة؛ فنصوصُ القرآن والسُّنة متواترةٌ مشهورةٌ، وتفاسيرُ الصحابة والتابعين ثابتة في بطونِ كتب المسلمين منثورة، وخلاف أهل السُّنة والجماعة مع أهل البدع والأهواء ليس اختلافاً في إثبات رأي أو نفيه، كما يزعم الكاتب المبطل. وأهل السُّنة لا يتساهلون مع أهل الأهواء، ولا يداهنون في دينهم، ولا يجاملون على حساب عقيدتهم، بينما تجد أهلَ البدعِ دائماً يقلِّلون من شأن الخلاف مع أهل السُّنة، ويزعمون إنما هو مجرد اختلاف في وجهات النظر، هذا في النور والضياء، لكن في الظلام والخفاء؛ الله وحده يعلم ما يحملونه في قلوبهم على أهل السُّنة!!
وتابع معي أخي القارئ الكريم ماذا يقول الكاتب المبطل: «فإن مرجع المسلمين كما أمرهم نبيهم -صلوات الله عليه وآله- هو الرجوع إلى كتاب الله العزيز» انتهى كلامه.
فأقول: سبحان الله! وهل رجع الكاتب إلى كتاب الله العظيم؟
والله عجيب أمر أهل البدع والأهواء؛ فهم لا يقيمون للقرآن وزناً، إذا جاؤوا إلى آيات الذكر الحكيم قدموا عليها عقولهم السقيمة وفلسفة إبليس وجنده، فزعموا أن هذا لا يليق بالله، وهذا يوهمُ التشبيهَ والتمثيلَ، فما زالوا في طنطنة وفلسفة حتى حملوا على القرآن حملةً شرسةً، فحرّفوا الكَلِمَ عن مواضعه، وفسروه بأهوائهم وأخرجوه عن مراد الله تعالى به، وسمّوا فعلهم هذا «تأويلاً»، ليكون تبريراً لتحريفاتهم الباطلة.
أخي القارئ الكريم استمر معي في القراءة لترى العجب العجاب في كلام هذا الكاتب المبطل.
قال الكاتب المبطل: «وفي خضم ما جاء في كتب التراث وما تضمنته بعضها من أحاديث لا تنسجم مع العقل والمنطق القرآني بل أحاديث مغرقة بالخيال...». ثم ذكر أمثلة على ذلك إلى أن قال: «وهي موثقة ونقلتها كتب التراث المعتبرة...» إلى أن قال: «ويبدو أن بعض المتربصين بالإسلام دسَّ هذه الأحاديث لتكون جزءاً من التراث الإسلامي» انتهى كلامه.
فأقول: ليس في كتب أهل السُّنة أحاديثَ صحيحة مستقيمة الأسانيد سليمة من الشذوذ مقبولة لا تنسجم مع العقل والمنطق القرآني، كما زعم الكاتب، فالعلماءُ الذين هم ورثةُ الأنبياء قد وفقهم الله تعالى فبيّنوا الصحيحَ من السَّقيمِ، وصفّوا ونقّوا السُّنة النبوية بتوفيق الله لهم، فالله حافظٌ لدينه، كما قال تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)﴾ [الحجر]، وكما حفظ الله القرآنَ كذلك حفظ الله سنةَ نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، لا كما يظن المبطلون، فلقد قال الله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ [المائدة]، فمن ظنَّ بأنَّ الله تعالى تكفَّلَ بحفظِ القُرآن دونَ السُّنةِ فقد ظنَّ بالله ظنَّ السّوء، و﴿ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (27)﴾ [ص]. لأنَّ دينَ الله تعالى الذي أكمله لعباده وأتمَّ عليهم به النعمة، ورضيه لهم ديناً؛ إنما هو في الكتاب والسُّنة وليس في الكتاب فحسب، وسيبقى دينُ الله محفوظاً بحفظ الله له، مصوناً بما سخّر الله له من علماء أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلى قبيل قيام الساعة. وكل مَنْ دسَّ فيه ما ليس منه محاولاً إخفاء الحق، فسَيُظْهِر الله أمرَه، وسيميزَ اللهُ الحقَ من الباطلِ، كما قال تعالى: ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8)﴾ [الصف].
والأحاديث الصحيحة المتواترة في إثبات رؤية الله تعالى يوم القيامة حقٌ لا ريبَ فيه، وليست من الخيال ولا تخالف القرآن، كما أشار إلى ذلك الكاتب المبطل.
والعجيب في أمر هذا الكاتب أنه قال: «ويبدو أن بعض المتربصين بالإسلام دسَّ هذه الأحاديث لتكون جزءاً من التراث الإسلامي»، ثم بعد كلامه هذا مباشرة استدلَّ بحديثٍ مكذوبٍ موضوعٍ مدسوسٍ؛ فقال: «فقد ورد عنه -أي النبي صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «ستكثر الكذابة من بعدي، فإذا جاءكم الحديث عني فأعرضوه على كتاب الله، فإن وافق فخذوا به، وإن خالف فاضربوه عرض الحائط» انتهى كلامه.
أقول: لقد ذكر الكاتب المبطل في مقاله أكثرَ من ثلاثين آية، وغالباً يذكر تخريج كل آية، فيذكر اسم السورة ورقم الآية، ولو لم يفعل ذلك لما ضرّه شيءٌ، فالآيات معلومة معروفة، وذكر أيضاً بعض النقولات لبعض المفسرين والمتكلمين وذكر المرجع ورقم الصفحة، بينما لما ذكر هذا الحديثَ المكذوبَ «ستكثر الكذابة من بعدي، فإذا جاءكم الحديث عني...» إلخ، لم يذكر مَنْ رواه، ولا من أيِّ مرجعٍ استقاه، أتدري لماذا أيها القارئ الكريم؟
سأجيبك: لأنّه حديثٌ موضوعٌ مكذوبٌ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني «حديث باطل لا سند له، ولم يرد في كتاب معتمد»، وإنما هو مِنْ وَضْعِ بعضِ الزنادقة الذين أرادوا إبطال سُنة النبي صلى الله عليه وسلم. وكل الأحاديث التي جاءت في عرض الأحاديث على القرآن لم يَثْبُت منها شيءٌ؛ فهي إما موضوعةٌ مكذوبةٌ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أسانيدها منكرةٌ مظلمةٌ.
وأعجب ما في هذا الحديث المكذوب أنَّ واضعه الكذاب الأشر في بداية كذبه على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ستكثر الكذابة من بعدي»!! وهو أحد الكذابة، هذا أولاً.
ثانياً: قال: «فإذا جاءكم الحديث عني فاعرضوه على كتاب الله»، فلنبدأ بهذا الحديث نفسه، فلو عرضناه على كتاب الله لوجدناه مخالفاً لكتاب الله؛ لأنَّ الله تعالى يقول: ﴿وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ﴾ [الحشر: 7]، ولم يأمرنا أن نعرضَ الحديثَ على القرآنِ قبل الأخذِ به.
ثالثاً: يقول: «فإن وافق فخذوا به»، وأحاديث الرؤية توافق القرآن تماماً، فلماذا الكاتب لم يأخذ بها؟!
رابعاً: يقول: «وإن خالف»، وهذا كذبٌ؛ إذ لا يمكن للحديث أنْ يخالف القرآن إلا أن يكون ليس حديثاً أصلاً، أو من الأحاديث التي لا تصح، ولا تثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنَّ الحديث وحيٌ من الله تعالى كما قال جلَّ وعلا: ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)﴾ [النجم]، ويقول جلَّ وعلا: ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82)﴾ [النساء]، وفي الحديث الصحيح قال عليه الصلاة والسلام: «ألا إنِّي أُوتِيتُ الكِتابَ ومِثْلَهُ مَعَهُ، ألا إنِّي أُوتِيتُ القُرْآنَ ومِثْلَهُ مَعَهُ،....» [رواه المقدام بن معدي كرب الكندي، «مسند أحمد بن حنبل» -مسند الشاميين- حديث: (16866)، و «الشريعة» للآجري -باب التحذير من طوائف يعارضون سنن النبي صلى الله عليه وسلم- حديث: (95) بتكرار جملة: «ألا إنِّي أُوتِيتُ القُرْآنَ ومِثْلَهُ مَعَهُ»].
خامساً: يقول: «فاضربوه عرض الحائط»، أقول: والذي نفسي بيده الأولى أن يُضرب بعرض الحائط حديث هذا المكذوب لا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال الكاتب المبطل: «وبما أننا بصدد الكلام عن عدم رؤية الله في يوم القيامة، فليس جديداً، وإنما كان رأياً قديماً، بل كان هو الرأي السائد في الصدر الأول من الصحابة والتابعين إلى أوائل القرن الثاني عندما تولى المعتزلة الحكم، ابتداء من عهد المأمون وهو رأي الشيعة أيضاً، ولم يتغير هذا الرأي إلا بعد ما سيطر أهل الحديث على الحكم العباسي -أيام المتوكل- وأقصيت المعتزلة، ونُكِّل بهم أشد التنكيل، وكانت نقطة صراع يتبين منها الموالي للحكم العباسي والخارج عليه مثلها مثل فتنة الإمام أحمد في (خلق القرآن)» انتهى كلامه.
قلت: كلامُ الكاتب اشتمل على حقٍّ وباطلٍ، وصدقٍ وكذبٍ، وهذا شرٌ من لو كان كلامه كله باطلاً محضاً، لأنَّ الباطل إذا اشتمل على شيءٍ من الحق يصير متلبساً على الناس، وإنما يفعل ذلك من أراد أن يروّج الباطلّ لذا قال تعالى: ﴿ وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42)﴾ [البقرة].
ولبيان ذلك أقول: لقد كذب الكاتب حينما قرَّر بأنَّ القول بعدم رؤية الله يوم القيامة ليس جديداً، وإنما كان رأياً قديماً، بل كان هو الرأي السائد في الصدر الأول من الصحابة والتابعين، والحق الذي لا ريب فيه أنَّ الصدر الأول لم يُؤْثر فيه عن أحدٍ منهم أنّه أنكرَ رؤية الله تعالى يوم القيامة، ولم يُؤْثر عن أحدٍ معتبرٍ قطٍّ أنّه قال بعدم رؤية الله تعالى يوم القيامة، ولو وَجَدَ من قال بهذا القول الباطل لكان أول من يورد قوله هذا الكاتب المبطل، لكن أنَّى له ذلك، إذْ لا سبيل له إلى الصدر الأول ليجد واحداً من الصحابة أو التابعين أنكر رؤية الله تعالى يوم القيامة، فالأحاديث المرفوعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغت حدَّ التواتر، وتفاسير الصحابة والتابعين لآيات القرآن مشهورة، لا يُنكر ذلك إلا أحدَ رجلين: إما جاهلٌ، أو مبطلٌ، لذا لا يخلو كتابٌ في عقيدة السَّلف، ولا تفسيرٌ مأثورٌ معتبرٌ إلا وذكر فيه مسألة رؤية الله تعالى على أنها من المسائل العقدية المُسَلَّمِ بها، والمُجْمَعِ عليها، ثمَّ القولُ برؤية الله يوم القيامة مسألةٌ عظيمةٌ من مسائل الاعتقاد، وليست رأياً فقهياً رآه فلان أو فلان -كما قد يصوره الكاتب-، ولقد وقع خلاف يسير في مسألة هل رأى النبي صلى الله عليه وسلم ربه في الدنيا بعين رأسه أو لا؟ والحق أنه لم يرَ ربه في الدنيا، أما أن يُقال اختلف الصحابة أو التابعون في رؤية الله تعالى يوم القيامة، فهذا والذي نفسي بيده من الكذب والباطل الصريح.
وإنما حدث بعد العصر الأول الخلافُ في رؤية الله يوم القيامة، والذين خالفوا في ذلك المعتزلة والشيعة والإباضية وغيرهم، نعم خالفوا عقيدة الكتاب والسُّنة؛ فزعموا أنَّ الله تعالى لا يُرى يوم القيامة، وحرّفوا الآيات الدالة على أن الله تعالى يُرى يوم القيامة، وأنكروا تفسير الصحابة والتابعين رضي الله عنهم، بل وأنكروا تفسير النبي صلى الله عليه وسلم لقول الله تعالى: ﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ [يونس: 26]، كما أنكروا الأحاديث المتواترة التي في الصحيحين وغيرهما.
أخي القارئ الكريم لم ينته الرد على الكاتب المبطل وتابعني في المقال القادم إن شاء الله تعالى. والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
1434/06/05
2013/04/15
2013/04/15
---------------------------------------------
نعم أيها الكاتب المبطل: أهل الجنة يرون الله تعالى بأعينهم يوم القيامة (٤)
1434/06/19
2013/04/29
2013/04/29
الرد على «علي المتروك»
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:فهذه الحلقة الرابعة في الردِّ على الكاتب الذي زعم بأن الله لا يُرى، وذلك في أكثر من مقالة له نشرها في جريدة «الوطن» بعنوان (هل يمكن رؤية الله يوم القيامة؟) فأقول وبالله أستعين وعليه أتوكل واليه أنيب:
و بعد ان قرر في المقال الأول بأن الله تعالى لا يُرى ولا يمكن ان يُرى بالعين المجردة وقمت بالرد عليه، عاد في المقال الثاني، وقرر ان المسألة فيها خلاف أو فيها قولان:
القول الأول: قول جمهور أهل السُّنة الذين ذهبوا الى اثبات رؤية الله تعالى في الجنة. والقول الثاني: وهو عدم رؤية الله تعالى وذكر ان من ذهب الى عدم رؤية الله تعالى يوم القيامة هم المعتزلة والاباضية والزيدية وذكر أنهم تأولوا أدلة الرؤية والحقيقة أنهم حرفوا أدلة الرؤية. و الى هنا الحمد لله هذا اقرار منه بأن عقيدة أهل السُّنة في رؤية الله تعالى يوم القيامة هي الايمان بأن أهل الجنة يرون الله تعالى يوم القيامة. كما أنه أقر بأن الذين أنكروا رؤية الله تعالى هم المعتزلة والاباضية والزيدية لكنه زعم ان جماعة من أهل السُّنة منهم عائشة رضي الله عنها ومجاهد وأبو صالح السمان وعكرمة ذهبوا الى القول بعدم رؤية الله يوم القيامة.
ولا شك أنه مطالب بأن يذكر للقراء من أين نقل عن جماعة من أهل السنة قولهم بانكار رؤية الله تعالى يوم القيامة، لكن أنّى له ذلك، فرؤية الله تعالى يوم القيامة عقيدة مجمع عليها، ولم يختلف عليها اثنان من أهل السُّنة والجماعة، وانما وقع الخلاف في مسألة رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه ليلة المعراج بأم عينيه وهذا الذي نفته أم المؤمنين عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا وزوجته في الجنة في الآخرة وهي رضي الله عنها ممن سيرى الله تعالى في الجنة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين.
نعم الراجح ان النبي صلى الله عليه وسلم لم ير ربه في الدنيا بعين رأسه لا في ليلة المعراج ولا في غيرها وما ذكره الكاتب من الأدلة على نفي رؤية الله تعالى لا علاقة لها بالبحث المتنازع فيه وهو رؤية الله تعالى يوم القيامة، فهي اما أدلة فيها نفي الادراك وهذا حق، فالله لا يدرك وسبق ان بينت بأن الرؤية أعم من الادراك، فالله تعالى يُرى لكن لا يدرك. وأيضا ساق أدلة وأقوالاً في نفي رؤية الله تعالى في الدنيا ونحن لسنا بصدد هذا البحث أصلاً لكن هي محاولة لترويج معتقده.
ومن محاولات الكاتب اليائسة أنه نقل كلاماً عن غيره فسر قول الله تعالى في حق الكفار {كَلَّا إنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15)} [المطففين]، بأنهم محجوبون عن ثواب ربهم واكرامه وأنعامه وعن كلامه لا عن رؤيته واستدل بقول الله تعالى: {وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (174)} [البقرة].
أقول: يا ليت شعري لو تدبر الكاتب أو غيره قليلاً لما استشكل هذا الاستشكال ولما قال هذا القول. فإن الكفار محجوبون عن ثواب ربهم واكرامه وانعامه وأعظم وأكبر اكرام من الله تعالى لأهل الجنة هو النظر الى وجه الله الكريم وليس بين قول الله تعالى: {كَلَّا إنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} وبين قوله تعالى: {وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} منافاة وليس في الآية الثانية تقييد للآية الأولى بل المعنى متطابق تماماً، فالكفار يوم القيامة محجوبون عن الله تعالى رؤية وكلاماً وثواباً والحمد لله رب العالمين. ثم بالمناسبة هنا سؤال يطرح نفسه على الكاتب وهو: ما الفرق بين رؤية العباد لله تعالى بأعينهم وسماعهم لكلام الله اذا كلمهم بآذانهم؟ فإذا كان الله يكلم أهل الجنة ويسمعونه بآذانهم المخلوقة وأنت تؤمن بذلك فما الذي يمنعك عن الايمان بأن أهل الجنة يرون الله تعالى بأعينهم المخلوقة؟
وأنا أستبعد انه يعتقد بأن الله تعالى يتكلم بحرف، وصوت كما يعتقد ويؤمن أهل السُّنة والجماعة بذلك، لأن الذين يتبعهم بنفي رؤية الله تعالى يزعمون بأن كلام الله مخلوق أو ان كلام الله معنى قائم بالنفس لا ان الله تعالى يتكلم كلاماً حقيقياً بحرف وصوت. ومن محاولات الكاتب انه زعم ان (ناظرة) بمعنى منتظرة فحسب، ثم ساق آيات ورد فيها فعل (نظر) ليستدل على ان (ناظرة) ليست بالضرورة معناها النظر الى وجه الله الكريم.
أقول والتحقيق ان فعل نظر اذا تعدى بنفسه من غير حرف جر فمعناه انتظر وأمهل ومثاله الآيات التي استدل بها الكاتب كقوله تعالى: {فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (35)} [النمل]، وقوله: {هَلْ يَنْظُرُونَ الَّا ان يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَالَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (210)} [البقرة]، وغيرهما من الآيات. ويختلف معناه بحسب الحرف الذي يتعدى به، فاذا تعدى بحرف الجر (في) فيكون معناه تأمل وتفكر فتقول: نظرت في كذا، أي تأملت وتفكرت فيه، وهذا يستعمل كثيراً في التفكر في الشيء، ومنه قوله تعالى: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآَيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (101)} [يونس]، أي: تأملوا، أما اذا تعدى فعل (نظر) بحرف الجر (الى) فمعناه الرؤية بالعين فتقول: نظرت الى الرجل أي رأيته بعيني، ومنه قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) الَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)} [القيامة]، أي: ترى وجه الله تعالى، ونسب النظر الى الوجوه لأنها موضع العيون كما قال تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} [البقرة: 144]، ويؤكد هذا حديث «انكم سترون ربكم عياناً» [رواه البخاري من حديث جرير بن عبدالله رقم: (7020)].
ولذلك نجد عامة المفسرين من الصحابة والتابعين وسائر علماء أهل السنة فسروا قول الله تعالى: {إلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} بالرؤية الى وجه الله الكريم. الا ما جاء عن مجاهد رحمه الله تعالى أو غيره أنهم قالوا: تنتظر منه الثواب، وهذا الذي ظفر به الكاتب وفرح به. والجواب عليه من وجوه:
الأول: لو سلمنا لك ان معنى الآية تنظر الى ثواب ربها فأعظم ثواب أهل الجنة هو النظر الى وجه الله الكريم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «اذا دخل أهل الجنَّةِ الجنَّةَ، قال: يقول الله تبارك وتعالى: تريدون شيئاً أزيدكم؟ فيقولون: ألم تُبيِّض وجوهنا؟ ألم تُدْخِلنا الجنَّةَ، وتُنَجِّنَا من النَّارِ؟ قال: فَيَكْشِفُ الحِجَابَ، فما أُعطوا شيئاً أحبَّ اليهم من النَّظر الى ربهم عزَّ وجَلَّ»، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا يزيد بن هارون، عن حماد بن سلمة، بهذا الاسناد وزاد ثم تلا هذه الآية: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} [رواه مسلم من حديث صهيب، رقم: (292)].
الثاني: مجاهد رحمه الله تعالى في تفسيره للآية لم ينكر رؤية الله تعالى بل نقل عنه ابن أبي حاتم وابن كثير رحمهما الله بأنه ممن يثبت رؤية الله تعالى.
الثالث: رؤية الله تعالى ثبتت بالكتاب الكريم والأحاديث المتواترة، وجمهور المفسرين وأئمة الاسلام والمسلمين قالوا بها فلا يضرنا تفسير مجاهد رحمه الله تعالى.
والعجيب في أمر الكاتب أنه نقل من تفسير ابن جرير رحمه الله تعالى تفسير مجاهد للآية وترك تفسير غيره صريحاً كعكرمة رحمه الله تعالى وغيره ممن صرح بأن الآية المراد بها رؤية الله تعالى لكن لا يستغرب هذا الفعل فالبعض كما قيل: يذكرون الذي لهم ولا يذكرون الذي عليهم، لذا تجد الكاتب أيضاً ينقل أقوالاً وأحاديث موضوعة ويعرض عن الأحاديث المتواترة ومنها في الصحيحين «البخاري ومسلم». انظر ماذا يقول: (وقد احتج بعض الاخوة من دعاة الرؤية بأن قوله تعالى {ادخلوها بسلام ذلك يوم الخلود لهم ما يشاؤون فيها ولدينا مزيد}، فقال: لماذا نحمل الكلمات أكثر مما تحتمل ففسر المزيد برؤية الله) انتهى كلامه.
فأقول: الذي فسر المزيد برؤية الله تعالى ليس بعض الاخوة وانما هو بأبي وأمي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما روى ذلك مسلم رحمه الله في صحيحه (رقم 292) من حديث صهيب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «اذا دخل أهل الجنَّةِ الجنَّةَ، قال: يقول الله تبارك وتعالى: تريدون شيئاً أزيدكم؟ فيقولون: ألم تُبيِّض وجوهنا؟ ألم تُدْخِلنا الجنَّةَ، وتُنَجِّنَا من النَّارِ؟ قال: فَيَكْشِفُ الحِجَابَ، فما أُعطوا شيئاً أحبَّ اليهم من النَّظر الى ربهم عزَّ وجَلَّ» حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا يزيد بن هارون، عن حماد بن سلمة، بهذا الاسناد وزاد ثم تلا هذه الآية: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة}.
وأجزم بأن الكاتب علم بهذا الحديث لكنه أعرض عنه ليوهم القراء بأن تفسير المزيد والزيادة انما هو تفسير بعض الاخوة وليس تفسير النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك ذكر الآية التي في سورة {ق والقرآن المجيد} وهي قوله {ولديْنَا مَزِيد}، ولم يذكر الآية التي في سورة يونس وهي قوله: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس: 26].
أخي القارئ لم أنته من الرد على كلام الكاتب الذي يحاول التشويش لذا سأستمر في الرد عليه ان شاء الله تعالى ولأظهرن باذن الله للقراء ضعف كلامه والله غالب على أمره، والحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
-------------------------------------------------
نعم أيها الكاتب المبطل: أهل الجنة يرون الله تعالى بأعينهم يوم القيامة (٥)
1434/06/26
2013/05/06
2013/05/06
الرد على «علي المتروك»
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:فهذا هو المقال الخامس في الردِّ على الكاتب المبطل الذي زعم بأن الله لا يُرى، وذلك في أكثر من مقال له نشرها في جريدة «الوطن» بعنوان (هل يمكن رؤية الله يوم القيامة؟)، فرددت عليه بأربعة مقالات وهذا الخامس ولن يكون الأخير بإذن الله تعالى، فأقول وبالله أستعين وعليه أتوكل وإليه أنيب:
أولاً: لما ذكر الكاتب حديثاً موضوعاً أي مكذوباً على رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وضعه بعض الزنادقة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ونصه «ستكثر الكذابة من بعدي، فإذا جاءكم الحديث عني فاعرضوه على كتاب الله، فإن وافق فخذوا به، وإن خالف فاضربوه عرض الحائط».
أقول: ما استطاع الكاتب أن يُخَطئ قولي ويثبت صحة الحديث، لأن الحديث مكذوب لم يرد في أي كتاب معتمد، فأعرض عن انتقادي له وكأنه لم يره!! ثم ذكر أحاديث أخرى في معنى هذا الحديث كلها ذات أسانيد مظلمة لا يثبت منها شيء بل هي مخالفة للكتاب والسنة، فلو بدأنا بها وطبقنا ما دلت عليه على الأحاديث نفسها لكانت هي أولى الأحاديث بأن يُضرب بها عرض الحائط، وذلك لأنها ليست أحاديث أصلا، ولو فَرِح بها المبطلون المخالفون.
ثانياً: عقيدة المعتزلة والإباضية والزيدية وغيرهم التي تخالف الكتاب والسنة هي أولى بأن تُضرب بعرض الحائط، فهؤلاء لم ينفوا رؤية أهل الجنة لوجه الله تعالى فحسب، بل نفوا صفة الوجه لله تبارك وتعالى، بلا حجة، فإن ذكروا حجتهم ذكروا حججاً باطلة واهية ربما عجزوا أن يقنعوا بها أنفسهم فضلاً عن أن يقنعوا بها غيرهم.
ثالثاً: زعم الكاتب أن الآيات الدالة على ثبوت رؤية أهل الجنة لله تعالى هي من الآيات المتشابهة وليست من الآيات المحكمة!! وفي الحقيقة كلام الكاتب لا يخرج عن أحد أمرين، أحلاهما مُرٌّ: إما أنه لا يعرف الفرق بين المحكم والمتشابه أو أنه يكذب ويفتري. فالمتشابه هو ما كان خفي المعنى لأنه يحتمل أكثر من معنى والمحكم ما كان واضح المعنى، وقول الله تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ﴾ أي يوم القيامة، ﴿نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ أي تنظر إلى الله تعالى، لأن «ناظرة» تعدت بحرف الجر (إلى) فأي احتمال يمكن أن يرد على هذه الآية غير المعنى المتعين الذي صرح به النبي صلى الله عليه وسمل بأحاديث متواترة منها قوله صلى الله عليه وسلم: «إنكم سترون ربكم عياناً» [رواه البخاري من حديث جرير بن عبد الله رقم: (7020)].
رابعاً: ثم ذكر الكاتب المبطل كلاماً هو من أقبح ما سطره في مقالاته الأربعة فقال بالحرف الواحد: «هل أن الله يراه الإنسان بالعين المجردة كما يدعيه أصحاب الرؤية.... وهذا يستلزم النقص والجسمية والتشبيه بالمخلوق أم أن الله تعالى ليس قابلاً للرؤية ولا يصح الإحاطة به فقد قال عن نفسه: ﴿إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ (54)﴾ [فصلت]، فكيف يظهر في جزء من مخلوقاته فيحيط به المحاط؟ وهل ظهور الله سبحانه وتعالى بوجهه فقط أو بجسمه فيتحول إلى جسم مادي، فيراه أهل الجنة يوم القيامة» انتهى كلامه.
قلت: هذا الكلام باطل من وجوه عدة، منها:
أن الذي قال إن الله تعالى يراه أهل الجنة ليسوا أصحاب الرؤية كما زعمت، وإنما قال ذلك الله في كتابه بقوله: ﴿إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ [القيامة: 23]، وقاله رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنته بقوله: «إنكم سترون ربكم عياناً» [سبق تخريجه]. لو كان إثبات رؤية الله تعالى يستلزم النقص والجسمية والتشبيه بالمخلوق كما زعم الكاتب لما أثبتها الله تعالى في كتابه وأثبتها رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته.
وأما قول الكاتب «أم أن الله تعالى ليس قابلاً للرؤية» فهذا باطل، إذ لو كان الله تعالى لا يُرى لما قال الله تعالى عن نفسه ﴿إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾، ولا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنته عن ربه: «إنكم سترون ربكم عياناً«. وقول الكاتب: «ولا يصح الإحاطة به فقد قال عن نفسه ﴿إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ (54)﴾ [فصلت]
أقول: ومن قال بأن الله يحيط به شيء أو يدركه أحد من خلقه؟ فالكاتب ما زال يراوغ بمحاولات يائسة وهروب واضح وخروج سافر عن موضوع البحث الأساسي، وهو رؤية الله تعالى وليس الإحاطة به ولا إدراكه.
وأما قول الكاتب: «فكيف يظهر في جزء من مخلوقاته فيحيط به المحاط؟»
فأقول: ومن قال بأن الله تعالى يظهر في جزء من مخلوقاته فيحيط به المحاط؟ عجيب أمر هذا الكاتب يتوهم كلاماً لم ينطق به أهل السنة ثم يستنكره عليهم!!
وأما قوله عن الله «كيف» فهذه قاصمة الظهر لأهل الأهواء من الأولين والآخرين، فكلما جاءهم الخبر عن الله ورسوله قالوا: «كيف»، وغاب عنهم بأن أمور الغيب لا يُسأل عنها بـ «كيف»، إذ لو كان الغيب تدرك كيفيته ما صار غيباً والله تعالى وصف عباده المؤمنين المتقين بأنهم يؤمنون بالغيب، فقال: ﴿هُدًى لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾ [البقرة: 2- 3]. والمؤمن إذا جاءه الخبر عن الله ورسوله يقول: آمنت، وصدقت، وتيقنت، ولا يسأل، فيقول: كيف وكيف؟ وإلا ما الفرق بين المؤمنين وبين الكافرين الذين أنكروا إحياء الله تعالى لهم وبعثهم وحسابهم، فقالوا: ﴿أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً (11) قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ (12)﴾ [النازعات]، وقالوا: ﴿مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ﴾؟
كان الأولى أن يسأل الكاتب أولئك الذين يدعون الأولياء من دون الله تعالى كيف يسمعهم وكيف يستجيب لهم إذا دعوه من دون الله تعالى؟ إن بعض الصالحين قُتل شهيداً مظلوماً منذ أكثر من أربعة عشر قرناً ولم يستطع أن يدفع عن نفسه القتل، فكيف يمكنه أن يستجيب لمن دعاه بعد موته وقد واراه التراب؟! كان الأولى بالكاتب أن يبحث في هذه المسألة العظيمة أولى من إنكاره لرؤية الله تعالى.
قيل لتائب من الشرك: كيف اهتديت للتوحيد؟ فقال: نظرت في حال المدعو من دون الله تعالى فوجدت أنه من المستحيل أن يُدعى بجميع اللغات وفي جميع القارات وفي كل الأوقات ثم يقضي للناس الحاجات، فلو كان كذلك فما الفرق بينه وبين رب الأرض والسماوات؟! قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5)﴾ [الأحقاف]. الجواب: لا أحد أضل من هؤلاء.
وأما قول الكاتب: «وهل ظهور الله سبحانه وتعالى بوجهه فقط أو بجسمه فيتحول إلى جسم مادي فيراه أهل الجنة يوم القيامة».
أقول: أخي القارئ! هل مرَّ بك من الباطل في حياتك مثل هذا؟! هل أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم لما قرأوا قوله تعالى: ﴿إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ وسمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنكم سترون ربكم عياناً» قالوا: كيف نراه؟ وهل سيظهر لنا بوجهه فقط أو بجسمه؟ وهل سيتحول إلى جسم مادي فنراه؟ إلى آخر هذه التساؤلات القبيحة التي لا تليق بمؤمن يؤمن بالله واليوم الآخر، نسأل الله العافية.
ثم قال الكاتب المبطل كلاماً خطيراً جداً جداً ونصه: «وصف من طلب من النبي موسى رؤية ربه من السفهاء.... ثم قال: وذم الله تعالى من طلب الرؤية واعتبرها كفراً... واعتبرهم من المجرمين بحق الله تعالى.... إلى أن قال: وقال تعالى ﴿أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ﴾ الآية، ويبدو من هذه الآية وجه شبه بين مطالبهم ومطالب بني إسرائيل، ومن هنا فقد شدد القرآن النكير على هؤلاء واعتبر أن مطلب الرؤية خروج عن الملة، بقوله: ﴿ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ﴾« انتهى كلامه بحروفه لكن اختصرته فلم أذكر بعض الآيات.
أقول: السفهاء والمجرمون الذين ذمهم الله تعالى إنما هم الذين اشترطوا لإيمانهم بالله ورسوله موسى عليه السلام أن يروا الله تعالى، كما قال تعالى: ﴿ لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً﴾ [البقرة: 55]، أما مجرد الطلب فليس سفهاً ولا جرماً ولا كفراً، فإن لم يستوعب الكاتب ذلك فليتدبر قول موسى عليه السلام: ﴿قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ﴾ [الأعراف: 143]، ثم ليخبرنا عن حال موسى عليه السلام هل كفر بالله؟ ولا شك أن من حق المسلم أن يسأل الله تعالى لذة النظر إلى وجهه الكريم وليس هذا سفهاً ولا جرماً ولا كفراً.
أخي القارئ لم أنته من الرد على هذا الكاتب الذي يحاول التشويش على أهل السنة لذا سأستمر في الرد عليه إن شاء الله تعالى والله غالب على أمره، والحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..