ما كنت أتصور أن تقوم الخطوط السعودية بممارسة حالة واسعة من القمع وتكميم
أفواه الكتاب في
بعض الصحف الوطنية، عبر توقيعها لعقود إعلانية مع تلك الصحف تشترط فيها ألا يتم المساس بها بأي حال من الأحوال، على أني أيضا ما كنت أتصور أن يبلغ الضعف ببعض صحفنا الوطنية العريقة إلى هذا الحد الذي ترضخ فيه لمثل هكذا ابتزاز، فتتوقف عن أن تؤدي وظيفتها، وأن تكون صوت المواطن، فتبيع نفسها في سوق التسويق والإعلان بثمن بخس، إذ لن يساوي أي ثمن مهما كان، مقايضة شعب على مصلحته، والدفاع عن حقوق مواطن تم انتهاك حقوقه دون مبالاة أو اهتمام، حينها نقول بملء الفم : عظم الله أجرنا وجبر مصابنا .
ما يدعوني إلى التوطئة بذلك راجع إلى أني وذات يوم عابس كتبت بلطف مقالا أصف فيه بعض سلبيات شركة الخطوط السعودية اليومية التي يعاني منها الإنسان، وأعكس معاناة سيدة تعطل بها المسير في مطار الملك خالد الدولي بالرياض، دون سبب معلوم، ودون أن يتم الاعتذار منها أو يتم إبلاغها بإلغاء رحلتها، ولم تكن وحيدة في ذلك بل كان معها كل ركاب الرحلة المشؤومة 1029، لتبدأ ويبدأ الركاب رحلة العذاب في المجهول بحثا عن رحلة أخرى يمكن أن توصلهم إلى مبتغاهم. كان ذلك ملخص معاناة إنسان تصور أني ككاتب سأكون صوته الذي يصرخ من خلاله، ويعبر عن بعض لواعج نفسه، فأرسل لي مستصرخا راجيا أن أكتب معاناته وأعرضها على الملأ، مؤمنا بأني قادر على ذلك، فالأمر لا يمس بثوابت الوطن، ولا يتعلق بأي جانب من جوانب الأمن الوطني، لكنه ما درى بل وما دريت أنا أن الخطوط السعودية قد بلغ بها الاستقواء المستبد لتحجب أي صوت عابر يصرخ هنا أو هناك. وذلك هو قمة الفساد الذي بتنا نعيش فيه، وما أحوجنا إلى وقف هكذا نزيف، بل وما أوجنا إلى تفعيل حالة المراقبة والمتابعة، لبناء وطننا البناء الأمثل الذي نريد.
بقي أيها القارئ الكريم أن أعيد نشر ما أريد أن يتم وأده ليحكم القارئ أي نوع من الاستقواء قد بلغت به الخطوط السعودية لتمنع كلاما لينا منزوع المخالب كهذا، وسمته بعنوان إيجابي مفاده "لنجدد الثقة بالخطوط السعودية"، قلت فيه:
(أن تراوغ في قولك وسلوكك الوظيفي فذلك شيء خطير، لكن الأخطر منه أن تستمرأ المراوغة في خطابك وسلوكك الوظيفي مع الآخرين. في تصوري أن ذلك هو حال طيران الخطوط السعودية اليوم، الذي نجح في أن يزرع الرعب في قلوب راكبيه، وأن يجعلهم دائمي القلق والخوف حين الرغبة في السفر على أحد رحلات الخطوط الداخلية تحديدا.
ذلك هو حالي اليوم وحال الكثير ممن أعرف، حين نهمُّ بالسفر عبر الخطوط السعودية، فيبقى أحدنا مهموما حتى تبدأ الطائرة بالإقلاع، فالثقة قد أصبحت معدومة، والخوف من طارئ لا تعرف له نهاية، بات مسيطرا على أذهان كل الركاب، جراء كثرة التجارب السيئة والتعامل اللامبالي من قبل بعض موظفيها الأرضيين مع الحدث وقت حدوثه.
في كل مرة أهم بالسفر أتذكر تلك الساعات المشؤومة التي واجهتني في مطار الرياض حين تم تأخير رحلتي لمدة قاربت الأربع وعشرين ساعة، دون أن أجد وغيري أي جواب شاف، سوى الهروب والتملص من موظفين، أجزم أنهم لا حول لهم ولا قوة مثلنا، وأجزم أنهم لم يعودوا قادرين على الابتسامة وصدق الحديث من كثرة خروقات شركتهم التي ينتمون إليها. وأحسب أن المآسي لا تنتهي، فهذه صرخة تصلني من إحدى السيدات التي انقطع بها السبيل في مطار الرياض صباح يوم السبت الفائت جراء إلغاء رحلتها إلى جدة وفق روايتها دون مبالاة، والأسوأ دون تقديم أي اعتذار لها وللمسافرين معها، الذين قطعوا كرت صعود الطائرة على الرحلة رقم 1029، وانتظروا نداء من هنا أو هناك لصعود الطائرة عبر بوابة 36، ثم إذا بهم يتفاجؤوا بأن الطائرة قد أقلعت بحسب إفادة موظف المطار، والأعجب أنها قد أقلعت تاركة أمتعتهم على السير الكهربائي. هكذا بكل بساطة ينتهي الموقف عند موظف المطار، لتبدأ رحلة العذاب للمسافر بحثا عن مقعد آخر، في رحلة أخرى، علَّه يصل إلى غايته.
والسؤال: هل لهذا العذاب من نهاية؟ وهل هناك وسيلة لتجديد الثقة بالخطوط السعودية؟ في تصوري أن ذلك ممكنا إذا أدرنا وطننا وفق ثقافة المجتمع التعاقدي الذي يرتكز على اختيار الأكفأ، ويقوم على المتابعة والمحاسبة، وهو ما أشير إليه دوما في مقالاتي. بقي أن أشير إلى أن الإعلامي عبدالعزيز قاسم قد سلط الضوء عبر نخبة من ضيوفه في برنامجه حَرَاك على مكمن الخلل في قطاع الخطوط السعودية، فأرجو أن يجد صوتهم وصوتنا وصوت كل المسافرين رجع صدى، وأملنا أن تنتهي عذاباتنا وليس ذلك بعسير، لاسيما وأننا نملك الكفاءة الإدارية العالية، ونملك القدرة المالية الفائقة، وهما بداية أي مشوار يهدف إلى إصلاح وتجديد قطاع الطيران السعودي بخاصة).
ذلك كان جوهر المقال وعنوانه، فهل يحمل سببا لأن يتم الاعتذار من نشره؟ وهل قد أصبحت الخطوط السعودية كشركة تجارية وقطاع خدمي أصلا من أصول الثوابت الوطنية الكبرى ليتم استثناءها من النقد والتقويم؟ أرجو أن أجد إجابة فالأمر قد استعصى عليّ .
...........
المصدر
د. زيد بن علي الفضيل
بعض الصحف الوطنية، عبر توقيعها لعقود إعلانية مع تلك الصحف تشترط فيها ألا يتم المساس بها بأي حال من الأحوال، على أني أيضا ما كنت أتصور أن يبلغ الضعف ببعض صحفنا الوطنية العريقة إلى هذا الحد الذي ترضخ فيه لمثل هكذا ابتزاز، فتتوقف عن أن تؤدي وظيفتها، وأن تكون صوت المواطن، فتبيع نفسها في سوق التسويق والإعلان بثمن بخس، إذ لن يساوي أي ثمن مهما كان، مقايضة شعب على مصلحته، والدفاع عن حقوق مواطن تم انتهاك حقوقه دون مبالاة أو اهتمام، حينها نقول بملء الفم : عظم الله أجرنا وجبر مصابنا .
ما يدعوني إلى التوطئة بذلك راجع إلى أني وذات يوم عابس كتبت بلطف مقالا أصف فيه بعض سلبيات شركة الخطوط السعودية اليومية التي يعاني منها الإنسان، وأعكس معاناة سيدة تعطل بها المسير في مطار الملك خالد الدولي بالرياض، دون سبب معلوم، ودون أن يتم الاعتذار منها أو يتم إبلاغها بإلغاء رحلتها، ولم تكن وحيدة في ذلك بل كان معها كل ركاب الرحلة المشؤومة 1029، لتبدأ ويبدأ الركاب رحلة العذاب في المجهول بحثا عن رحلة أخرى يمكن أن توصلهم إلى مبتغاهم. كان ذلك ملخص معاناة إنسان تصور أني ككاتب سأكون صوته الذي يصرخ من خلاله، ويعبر عن بعض لواعج نفسه، فأرسل لي مستصرخا راجيا أن أكتب معاناته وأعرضها على الملأ، مؤمنا بأني قادر على ذلك، فالأمر لا يمس بثوابت الوطن، ولا يتعلق بأي جانب من جوانب الأمن الوطني، لكنه ما درى بل وما دريت أنا أن الخطوط السعودية قد بلغ بها الاستقواء المستبد لتحجب أي صوت عابر يصرخ هنا أو هناك. وذلك هو قمة الفساد الذي بتنا نعيش فيه، وما أحوجنا إلى وقف هكذا نزيف، بل وما أوجنا إلى تفعيل حالة المراقبة والمتابعة، لبناء وطننا البناء الأمثل الذي نريد.
بقي أيها القارئ الكريم أن أعيد نشر ما أريد أن يتم وأده ليحكم القارئ أي نوع من الاستقواء قد بلغت به الخطوط السعودية لتمنع كلاما لينا منزوع المخالب كهذا، وسمته بعنوان إيجابي مفاده "لنجدد الثقة بالخطوط السعودية"، قلت فيه:
(أن تراوغ في قولك وسلوكك الوظيفي فذلك شيء خطير، لكن الأخطر منه أن تستمرأ المراوغة في خطابك وسلوكك الوظيفي مع الآخرين. في تصوري أن ذلك هو حال طيران الخطوط السعودية اليوم، الذي نجح في أن يزرع الرعب في قلوب راكبيه، وأن يجعلهم دائمي القلق والخوف حين الرغبة في السفر على أحد رحلات الخطوط الداخلية تحديدا.
ذلك هو حالي اليوم وحال الكثير ممن أعرف، حين نهمُّ بالسفر عبر الخطوط السعودية، فيبقى أحدنا مهموما حتى تبدأ الطائرة بالإقلاع، فالثقة قد أصبحت معدومة، والخوف من طارئ لا تعرف له نهاية، بات مسيطرا على أذهان كل الركاب، جراء كثرة التجارب السيئة والتعامل اللامبالي من قبل بعض موظفيها الأرضيين مع الحدث وقت حدوثه.
في كل مرة أهم بالسفر أتذكر تلك الساعات المشؤومة التي واجهتني في مطار الرياض حين تم تأخير رحلتي لمدة قاربت الأربع وعشرين ساعة، دون أن أجد وغيري أي جواب شاف، سوى الهروب والتملص من موظفين، أجزم أنهم لا حول لهم ولا قوة مثلنا، وأجزم أنهم لم يعودوا قادرين على الابتسامة وصدق الحديث من كثرة خروقات شركتهم التي ينتمون إليها. وأحسب أن المآسي لا تنتهي، فهذه صرخة تصلني من إحدى السيدات التي انقطع بها السبيل في مطار الرياض صباح يوم السبت الفائت جراء إلغاء رحلتها إلى جدة وفق روايتها دون مبالاة، والأسوأ دون تقديم أي اعتذار لها وللمسافرين معها، الذين قطعوا كرت صعود الطائرة على الرحلة رقم 1029، وانتظروا نداء من هنا أو هناك لصعود الطائرة عبر بوابة 36، ثم إذا بهم يتفاجؤوا بأن الطائرة قد أقلعت بحسب إفادة موظف المطار، والأعجب أنها قد أقلعت تاركة أمتعتهم على السير الكهربائي. هكذا بكل بساطة ينتهي الموقف عند موظف المطار، لتبدأ رحلة العذاب للمسافر بحثا عن مقعد آخر، في رحلة أخرى، علَّه يصل إلى غايته.
والسؤال: هل لهذا العذاب من نهاية؟ وهل هناك وسيلة لتجديد الثقة بالخطوط السعودية؟ في تصوري أن ذلك ممكنا إذا أدرنا وطننا وفق ثقافة المجتمع التعاقدي الذي يرتكز على اختيار الأكفأ، ويقوم على المتابعة والمحاسبة، وهو ما أشير إليه دوما في مقالاتي. بقي أن أشير إلى أن الإعلامي عبدالعزيز قاسم قد سلط الضوء عبر نخبة من ضيوفه في برنامجه حَرَاك على مكمن الخلل في قطاع الخطوط السعودية، فأرجو أن يجد صوتهم وصوتنا وصوت كل المسافرين رجع صدى، وأملنا أن تنتهي عذاباتنا وليس ذلك بعسير، لاسيما وأننا نملك الكفاءة الإدارية العالية، ونملك القدرة المالية الفائقة، وهما بداية أي مشوار يهدف إلى إصلاح وتجديد قطاع الطيران السعودي بخاصة).
ذلك كان جوهر المقال وعنوانه، فهل يحمل سببا لأن يتم الاعتذار من نشره؟ وهل قد أصبحت الخطوط السعودية كشركة تجارية وقطاع خدمي أصلا من أصول الثوابت الوطنية الكبرى ليتم استثناءها من النقد والتقويم؟ أرجو أن أجد إجابة فالأمر قد استعصى عليّ .
...........
المصدر
د. زيد بن علي الفضيل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..