وجهة وطن محمد جلال كشك لم يكن مؤرخا أمينا أو
أديبا فذا فحسب، وإنما كان خبيرا لا يشق له
غبار فى فهم الثورات العربية تحديدا بكل تداعياتها وتمييز غثها من سمينها، بل كان قادرا ــ رحمه الله ــ على تحويل دروس التاريخ إلى ورقة عمل ينطلق منها صانعو القرار السياسى للحاضر والمستقبل.
اقتطفت من كتابه «السعوديون والحل الإسلامى» قطوفا متنوعة ادعوك لتأملها واستشعار حاجتنا الشديدة إلى اقتباسها لإعادة التوازن فى مرحلة تترنح فيها كرامة الثورة فى قلوب الكثيرين.
عن ما يشبه المصالحة الوطنية التى بحت أصواتنا نطالب بها، بدلا من حشد كل منتقد أو معارض فى خانة الخصوم، يقول جلال كشك متحدثا عن الملك عبدالعزيز مؤسس الدولة السعودية: «وإنما كان عبدالعزيز يتصرف بفهم ذكى للحديث الشريف: خياركم فى الجاهلية خياركم فى الإسلام إذا فقهوا.. وهذا هو شعار كل ثورة أو حرب أهلية أو حركة وحدة وطنية، ودولة عبدالعزيز قامت على ذلك كله، فهى تجمع بين الثورة والحرب الأهلية، وإزالة الكيانات بتوحيدها فى كيان وطنى واحد، لابد أن تنتقل إليه الولاءات الصغرى، هذه الولاءات التى كانت فى وقتها، أى قبل الحرب الوطنية وقيام الوحدة، مشروعة وطبيعية».
ويقول فى نفس السياق لكنى سأستبدل وصف الحرب الأهلية الذى استعمله بلفظ الثورة: «والثورة تتطلب النسيان فور الانتصار، وتقبل شعار لا غالب ولا مغلوب، حتى لا تبقى ثارات تتحول إلى انشقاقات فى الوحدة الوطنية.. فمن سقط فى عملية التحول سقط، ولكن باب التوبة والانتماء يظل مفتوحا، وإلا فإن الثورة التى بدأت بأقلية تتمتع بتصويت التاريخ لصالحها، ستبقى أقلية حتى وهى فى السلطة؛ وتصبح ثوريتها امتيازا موروثا ومن ثم تتحول إلى أداة قمع للأغلبية».
وعن الوحدة الوطنية وتغليب الانتماء للوطن على الانتماءات العصبية والقبلية وبالتالى فى وقتنا المعاصر عن انتماء للجماعة يقول: «والوحدة الوطنية تتطلب وتعنى نسيان الروح الإقليمية والقبلية؛ وهذا لا يمكن تحقيقه إذا ما استمرت المحاسبة والعقاب والتمييز على الولاءات والمواقف السابقة. ومن ثم كانت السياسة التى اتبعها عبدالعزيز هى وحدها القادرة على تحقيق هذه الأهداف والتحام تلك الأجزاء وشفاء الجراح وخلق المواطنية السعودية»
ولعشاق التبرير وتعليق الفشل على شماعات المؤمرات الداخلية والخارجية يفسر كاتبنا نجاح الملك عبدالعزيز رغم تكالب الدنيا على إفشال مشروعه فيقول: «والبعض يعتبرها كرامة، لكنها أيضا ثمرة سياسته، ووعيه بأنه ظاهرة جديدة وعميقة تحتاج إلى وقت حتى تفهم، ويؤمن بها، وأن المثل والسلوك والإقناع هى الطريقة لكسب المعارضين لا الترويع......».
وعن قدرة عبدالعزيز على تجميع واحتواء شتى التوجهات ومختلف المشارب يقول: «كانت لديه قدرة ساحرة على احتواء الآخرين، من شتى الثقافات والانتماءات والخلفيات، أخضع البدو بشهامته وسخائه ورجولته؛ بل فحولته التى تفتن العربى الأصيل، وبايعه الريحانى اللبنانى المسيحى الأمريكى الجنسية، و(فيلبى) الملحد ممثل الإمبراطورية ــ يقصد بريطانيا ــ وتلاميذ محمد عبده والأفغانى فى العالم العربى. وعشاق الخلافة من مسلمى الهند، وثوار ليبيا، والوفديون فى مصر، والوطنيون فى سوريا والعراق»، هل وصلت رسالة جلال كشك؟
الشروق
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مواضيع مشابهة - أو - ذات صلة :
غبار فى فهم الثورات العربية تحديدا بكل تداعياتها وتمييز غثها من سمينها، بل كان قادرا ــ رحمه الله ــ على تحويل دروس التاريخ إلى ورقة عمل ينطلق منها صانعو القرار السياسى للحاضر والمستقبل.
اقتطفت من كتابه «السعوديون والحل الإسلامى» قطوفا متنوعة ادعوك لتأملها واستشعار حاجتنا الشديدة إلى اقتباسها لإعادة التوازن فى مرحلة تترنح فيها كرامة الثورة فى قلوب الكثيرين.
عن ما يشبه المصالحة الوطنية التى بحت أصواتنا نطالب بها، بدلا من حشد كل منتقد أو معارض فى خانة الخصوم، يقول جلال كشك متحدثا عن الملك عبدالعزيز مؤسس الدولة السعودية: «وإنما كان عبدالعزيز يتصرف بفهم ذكى للحديث الشريف: خياركم فى الجاهلية خياركم فى الإسلام إذا فقهوا.. وهذا هو شعار كل ثورة أو حرب أهلية أو حركة وحدة وطنية، ودولة عبدالعزيز قامت على ذلك كله، فهى تجمع بين الثورة والحرب الأهلية، وإزالة الكيانات بتوحيدها فى كيان وطنى واحد، لابد أن تنتقل إليه الولاءات الصغرى، هذه الولاءات التى كانت فى وقتها، أى قبل الحرب الوطنية وقيام الوحدة، مشروعة وطبيعية».
ويقول فى نفس السياق لكنى سأستبدل وصف الحرب الأهلية الذى استعمله بلفظ الثورة: «والثورة تتطلب النسيان فور الانتصار، وتقبل شعار لا غالب ولا مغلوب، حتى لا تبقى ثارات تتحول إلى انشقاقات فى الوحدة الوطنية.. فمن سقط فى عملية التحول سقط، ولكن باب التوبة والانتماء يظل مفتوحا، وإلا فإن الثورة التى بدأت بأقلية تتمتع بتصويت التاريخ لصالحها، ستبقى أقلية حتى وهى فى السلطة؛ وتصبح ثوريتها امتيازا موروثا ومن ثم تتحول إلى أداة قمع للأغلبية».
وعن الوحدة الوطنية وتغليب الانتماء للوطن على الانتماءات العصبية والقبلية وبالتالى فى وقتنا المعاصر عن انتماء للجماعة يقول: «والوحدة الوطنية تتطلب وتعنى نسيان الروح الإقليمية والقبلية؛ وهذا لا يمكن تحقيقه إذا ما استمرت المحاسبة والعقاب والتمييز على الولاءات والمواقف السابقة. ومن ثم كانت السياسة التى اتبعها عبدالعزيز هى وحدها القادرة على تحقيق هذه الأهداف والتحام تلك الأجزاء وشفاء الجراح وخلق المواطنية السعودية»
ولعشاق التبرير وتعليق الفشل على شماعات المؤمرات الداخلية والخارجية يفسر كاتبنا نجاح الملك عبدالعزيز رغم تكالب الدنيا على إفشال مشروعه فيقول: «والبعض يعتبرها كرامة، لكنها أيضا ثمرة سياسته، ووعيه بأنه ظاهرة جديدة وعميقة تحتاج إلى وقت حتى تفهم، ويؤمن بها، وأن المثل والسلوك والإقناع هى الطريقة لكسب المعارضين لا الترويع......».
وعن قدرة عبدالعزيز على تجميع واحتواء شتى التوجهات ومختلف المشارب يقول: «كانت لديه قدرة ساحرة على احتواء الآخرين، من شتى الثقافات والانتماءات والخلفيات، أخضع البدو بشهامته وسخائه ورجولته؛ بل فحولته التى تفتن العربى الأصيل، وبايعه الريحانى اللبنانى المسيحى الأمريكى الجنسية، و(فيلبى) الملحد ممثل الإمبراطورية ــ يقصد بريطانيا ــ وتلاميذ محمد عبده والأفغانى فى العالم العربى. وعشاق الخلافة من مسلمى الهند، وثوار ليبيا، والوفديون فى مصر، والوطنيون فى سوريا والعراق»، هل وصلت رسالة جلال كشك؟
الشروق
نادر بكار |
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مواضيع مشابهة - أو - ذات صلة :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..