لمعرفة سبب الخلاف في قيادات الجيش الحر
شابت أجواء التوتر اجتماعاً سرياً جمع ضباطاً سوريين منشقين مع مسؤولين بوكالة الاستخبارات
المركزية الأمريكية (CIA) نتيجة سوء فهم بسيط:
فقد كان ضباط الجيش الحر قد أعدوا قائمة بالأسلحة والذخيرة وأدوات الاتصال التي تتطلبها عملية إحكام السيطرة على المحافظات الجنوبية ومواجهة النظام في دمشق؛ لكنهم فوجئوا بأن المسؤولين الأمريكيين لم يعيروا اهتماماً كبيراً لمعركة المصير! بل كان اهتمام ضباط الاستخبارات الأمريكية منصباً على جمع معلومات عن الكتائب الإسلامية التي صنفت على أنها "متشددة"، وعن أعداد مقاتليها وأماكن تواجدها، ولم يلتفتوا إلى ما أتى السوريون لمناقشته.
ونقل الكاتب البريطاني "فيل ساندز" عن أحد الضباط السوريين قوله: إن الاجتماع انحرف عن موضوعه بصورة مفاجئة عندما عرض الأمريكيون خططاً لشن ضربات جوية بطائرات دون طيار ضد مواقع للكتائب "المتطرفة" في سوريا، ثم سألوا الوفد السوري عن مدى استعدادهم لتوفير معلومات تساعد على تحديد الشخصيات القيادية والمواقع التي سيستهدفها قسم العمليات الخاصة، وعن إمكانية المساهمة في تلك العمليات ميدانياً، وأردف رئيس الوفد الأمريكي قائلاً: "يمكننا تدريب ثلاثين من رجالكم كل شهر لمساعدتنا في قتال الكتائب المتطرفة"!
ويذكر الضابط السوري أن لسانه قد انعقد من الدهشة إثر ذلك العرض الغريب، ثم تدارك نفسه قائلاً: "لكن اهتمامنا ينصب في الفترة الحالية على توحيد صفوفنا للقضاء على نظام الأسد"!
فأجابه الضابط الأمريكي: "لن أكذب عليك؛ إننا نتجه في الوقت الحالي لقتال الكتائب المتشددة والقضاء عليها، ويمكننا بعد ذلك أن نتحدث عن محاربة جيش الأسد، يتعين علينا تصفية هذه العناصر المتطرفة، وسنقوم بالعمل منفردين إن لم تساعدونا في هذه المهمة"!
لا يتوقف التقرير عند سرد هذه الحقائق المثيرة للاستغراب؛ بل ينقل كاتب التقرير عن الضباط السوريين قولهم: إن أغلب الاجتماعات التي يعقدونها مع أجهزة الاستخبارات الأوروبية تركز على الكتائب "المتطرفة"، ولا يعير ممثلو هذه الأجهزة اهتماماً كبيراً لمطالب الجيش الحر، ولا يبدون الاكتراث لمقترحاتهم حول: آليات حماية المدنيين، ومنع الشبيحة من ارتكاب المجازر، ووقف القصف العشوائي للمدن الآهلة بالسكان، وقال أحد ضباط الجيش الحر: "كلما اجتمعنا معهم يطلبون المزيد من المعلومات حول جبهة النصرة، يبدو أن هذا هو الأمر الوحيد الذي يهمهم في كل لقاء، لقد أصبح جمع المعلومات عن الكتائب المتطرفة أثمن بضاعة يمكن تقديمها للفت انتباه الاستخبارات الغربية إلينا".
لا شك في أن هناك عدد محدود من الضباط الذين انشقوا عن النظام بحثاً عن دور أكبر في مرحلة ما بعد بشار، ولذلك فإنهم يرفضون الانضمام للثورة، ويعملون بالتنسيق مع الاستخبارات الغربية في جمع المعلومات ضد قوى الثورة التي لا تنسجم مع توجهاتهم؛ إلا أن هذا لا ينطبق على معظم الضباط المنشقين؛ إذ إن أجهزة الاستخبارات الغربية تشتكي من عدم تعاون قيادة الجيش الحر معه في: "محاربة الإرهاب".
ونظراً لانعدام التوافق في الأهداف وتحديد الأولويات؛ فإن الضباط السوريين الذين التقاهم "فيل ساندز" قد أكدوا له أنهم فقدوا الأمل من الحصول دعم الدول الغربية التي لا تقدم سوى التصريحات والوعود، وبأن إستراتيجيتهم العسكرية تهدف إلى: تطوير تقنيات التصنيع المحلي، والحصول على الأسلحة النوعية من السوق السوداء، وأضاف أحدهم: "بات واضحاً لدينا أن حكومات الغرب لا تخوض المعركة التي نخوضها نحن؛ السوريون يقاتلون من أجل نيل حريتهم، بينما تريد الدول الغربية منا أن نقاتل بعضنا، ولا تكترث بسفك المزيد من دماء السوريين".
وقد دفعت حالة ضعف التعاون بين الإدارة الأمريكية وعموم القوى الثورية في سوريا إلى محاولة واشنطن تحقيق إستراتيجيتها من خلال البحث عن نقاط الالتقاء مع موسكو؛ حيث يبدي الروس تفهماً أكبر للحساسيات الغربية؛ ففي اللقاء الذي جمع كيري ولافروف بموسكو (7 مايو 2013) كانت مشكلة القضاء على "الجماعات المتطرفة" في سوريا أحد أهم النقاط التي توافق عليها الجانبان، وأقر كيري بأنه يتفق مع رؤى موسكو في مواجهة هذه الجماعات.
وبعد مرور أسبوع على اجتماع الاستخبارات الأمريكية مع ضباط الجيش الحر؛ عُقد اجتماع آخر في منتجع "سوتشي" بالبحر الأسود بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، واستمر الحديث بينهما مدة ثلاث ساعات حول مخاطر الأزمة السورية وسبل احتوائها، حيث طلب بوتين من ضيفه أن يعمل على استخدام نفوذ تل أبيب في واشنطن لإقناع الإدارة الأمريكية بعدم جدوى محاولة الإطاحة ببشار أسد، وضرورة عدم تسليح المعارضة، مؤكداً أن موسكو معنية في الوقت الحالي بتدمير البنى التحتية للجماعات المسلحة التي تمثل خطورة على مصالح كل من موسكو وتل أبيب والدول الغربية على حد تعبيره.
د. بشير زين العابدين / باحث سوري
٢٠١٣/٠٦/٢
مهم..قراءته ليفسر لك سبب الخلاف في قيادات الجيش الحر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مواضيع مشابهة - أو - ذات صلة :
شابت أجواء التوتر اجتماعاً سرياً جمع ضباطاً سوريين منشقين مع مسؤولين بوكالة الاستخبارات
المركزية الأمريكية (CIA) نتيجة سوء فهم بسيط:
فقد كان ضباط الجيش الحر قد أعدوا قائمة بالأسلحة والذخيرة وأدوات الاتصال التي تتطلبها عملية إحكام السيطرة على المحافظات الجنوبية ومواجهة النظام في دمشق؛ لكنهم فوجئوا بأن المسؤولين الأمريكيين لم يعيروا اهتماماً كبيراً لمعركة المصير! بل كان اهتمام ضباط الاستخبارات الأمريكية منصباً على جمع معلومات عن الكتائب الإسلامية التي صنفت على أنها "متشددة"، وعن أعداد مقاتليها وأماكن تواجدها، ولم يلتفتوا إلى ما أتى السوريون لمناقشته.
ونقل الكاتب البريطاني "فيل ساندز" عن أحد الضباط السوريين قوله: إن الاجتماع انحرف عن موضوعه بصورة مفاجئة عندما عرض الأمريكيون خططاً لشن ضربات جوية بطائرات دون طيار ضد مواقع للكتائب "المتطرفة" في سوريا، ثم سألوا الوفد السوري عن مدى استعدادهم لتوفير معلومات تساعد على تحديد الشخصيات القيادية والمواقع التي سيستهدفها قسم العمليات الخاصة، وعن إمكانية المساهمة في تلك العمليات ميدانياً، وأردف رئيس الوفد الأمريكي قائلاً: "يمكننا تدريب ثلاثين من رجالكم كل شهر لمساعدتنا في قتال الكتائب المتطرفة"!
ويذكر الضابط السوري أن لسانه قد انعقد من الدهشة إثر ذلك العرض الغريب، ثم تدارك نفسه قائلاً: "لكن اهتمامنا ينصب في الفترة الحالية على توحيد صفوفنا للقضاء على نظام الأسد"!
فأجابه الضابط الأمريكي: "لن أكذب عليك؛ إننا نتجه في الوقت الحالي لقتال الكتائب المتشددة والقضاء عليها، ويمكننا بعد ذلك أن نتحدث عن محاربة جيش الأسد، يتعين علينا تصفية هذه العناصر المتطرفة، وسنقوم بالعمل منفردين إن لم تساعدونا في هذه المهمة"!
لا يتوقف التقرير عند سرد هذه الحقائق المثيرة للاستغراب؛ بل ينقل كاتب التقرير عن الضباط السوريين قولهم: إن أغلب الاجتماعات التي يعقدونها مع أجهزة الاستخبارات الأوروبية تركز على الكتائب "المتطرفة"، ولا يعير ممثلو هذه الأجهزة اهتماماً كبيراً لمطالب الجيش الحر، ولا يبدون الاكتراث لمقترحاتهم حول: آليات حماية المدنيين، ومنع الشبيحة من ارتكاب المجازر، ووقف القصف العشوائي للمدن الآهلة بالسكان، وقال أحد ضباط الجيش الحر: "كلما اجتمعنا معهم يطلبون المزيد من المعلومات حول جبهة النصرة، يبدو أن هذا هو الأمر الوحيد الذي يهمهم في كل لقاء، لقد أصبح جمع المعلومات عن الكتائب المتطرفة أثمن بضاعة يمكن تقديمها للفت انتباه الاستخبارات الغربية إلينا".
لا شك في أن هناك عدد محدود من الضباط الذين انشقوا عن النظام بحثاً عن دور أكبر في مرحلة ما بعد بشار، ولذلك فإنهم يرفضون الانضمام للثورة، ويعملون بالتنسيق مع الاستخبارات الغربية في جمع المعلومات ضد قوى الثورة التي لا تنسجم مع توجهاتهم؛ إلا أن هذا لا ينطبق على معظم الضباط المنشقين؛ إذ إن أجهزة الاستخبارات الغربية تشتكي من عدم تعاون قيادة الجيش الحر معه في: "محاربة الإرهاب".
ونظراً لانعدام التوافق في الأهداف وتحديد الأولويات؛ فإن الضباط السوريين الذين التقاهم "فيل ساندز" قد أكدوا له أنهم فقدوا الأمل من الحصول دعم الدول الغربية التي لا تقدم سوى التصريحات والوعود، وبأن إستراتيجيتهم العسكرية تهدف إلى: تطوير تقنيات التصنيع المحلي، والحصول على الأسلحة النوعية من السوق السوداء، وأضاف أحدهم: "بات واضحاً لدينا أن حكومات الغرب لا تخوض المعركة التي نخوضها نحن؛ السوريون يقاتلون من أجل نيل حريتهم، بينما تريد الدول الغربية منا أن نقاتل بعضنا، ولا تكترث بسفك المزيد من دماء السوريين".
وقد دفعت حالة ضعف التعاون بين الإدارة الأمريكية وعموم القوى الثورية في سوريا إلى محاولة واشنطن تحقيق إستراتيجيتها من خلال البحث عن نقاط الالتقاء مع موسكو؛ حيث يبدي الروس تفهماً أكبر للحساسيات الغربية؛ ففي اللقاء الذي جمع كيري ولافروف بموسكو (7 مايو 2013) كانت مشكلة القضاء على "الجماعات المتطرفة" في سوريا أحد أهم النقاط التي توافق عليها الجانبان، وأقر كيري بأنه يتفق مع رؤى موسكو في مواجهة هذه الجماعات.
وبعد مرور أسبوع على اجتماع الاستخبارات الأمريكية مع ضباط الجيش الحر؛ عُقد اجتماع آخر في منتجع "سوتشي" بالبحر الأسود بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، واستمر الحديث بينهما مدة ثلاث ساعات حول مخاطر الأزمة السورية وسبل احتوائها، حيث طلب بوتين من ضيفه أن يعمل على استخدام نفوذ تل أبيب في واشنطن لإقناع الإدارة الأمريكية بعدم جدوى محاولة الإطاحة ببشار أسد، وضرورة عدم تسليح المعارضة، مؤكداً أن موسكو معنية في الوقت الحالي بتدمير البنى التحتية للجماعات المسلحة التي تمثل خطورة على مصالح كل من موسكو وتل أبيب والدول الغربية على حد تعبيره.
د. بشير زين العابدين / باحث سوري
٢٠١٣/٠٦/٢
مهم..قراءته ليفسر لك سبب الخلاف في قيادات الجيش الحر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مواضيع مشابهة - أو - ذات صلة :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..