الأحد، 7 يوليو 2013

من 25 يوليو إلى 30 يونيه: مسافة للفهم

من 25 يوليو إلى 30 يونيه: مسافة للفهم
 ثورة 25 يناير كانت من أجل قيم الحرية والعدالة والكرامة وشارك فيها غالبية الشعب المصري، وهذه القيم باقية في وجدان
الشعب لا يمكن أن يزيلها العسكر، وإن ضغط علها اليوم لتنحسر، فسوف تظهر غدا وتزهر وتثمر.
هذه القيم رغبة شعب بأكمله وليست رغبة فئة، لهذا فهي باقية وهي منصورة. ومن عرف السنن الاجتماعية وقوانين التغيير الاجتماعي فهو موقن بهزيمة العسكر وعودة السلطة إلى الشعب. والملاحظ أن تصريحات الإدارة الأمريكية تعكس قلقا كبيرا حول وضع مصر وتنبئ بأنها غير مستقرة وأن العسكر لم يسيطر بعد.
التحدي الذي يواجه الشعب المصري هو مقدار ثباته في الميدان والتحدي الذي يواجه العسكر هو سرعة إفراغ الشارع من المتظاهرين.
وإذا استطاع الشعب أن يبقى معتصما في الشارع، فسوف تظهر اختلافات العسكر وتنتصر إرادة الشعب. بعض الاتجاهات والرؤى تكون مستكنة في نفوس أصحابها يمنع من ظهورها ضغط الموقف، فإذا تغير الظرف الاجتماعي إما بسبب ثمن باهظ يقتضيه الحل المختار أو بتعثر تنفيذه، تشجع صاحب الرأي المستكن وعبر عن رأيه ودافع عنه.
ومما يؤيد وجود رأي آخر أن ليس كل الجيش كان راضيا بالانقلاب، فمن في الجيش هم أبناء الشعب المصري يؤلمهم ما يؤلمه ويسرهم ما يسره، وأيضا ليس كلهم مستفيدين من الانقلاب. وأصحاب الرأي المعارض يحتاجون الظروف المواتية للتعبير عن رفضهم.
وإذا استطاع الشعب المصري أن يحدث أزمة بصموده للحل الذي اختاره قادة الجيش، فإن الجيش وغيره سوف يبدأ النظر في الحلول البديلة، والناس عند كل أزمة يبحثون عن حلول بديلة ويفكرون فيما لا يستطيعون التفكير فيه في ظروفهم الطبيعية.
ولعل أهم ما يميز الجيش المصري أنه ليس جيشا طائفيا ولم يتدرب على قتل الشعب ومواجهته، ولهذا من المستبعد جدا أن يدخل في مواجهة مع أهله: مع أبيه وأخيه وابنه وابن عمه وأمه وجاره. الجيش يختلف عن أجهزة الأمن.
حينما تقع المصائب والمحن، فالمسلم يرجو في طياتها المنح ويتلمس في الأقدار الحكم، وانقلاب 30 يونيه وإن كان ساءنا فإنه لا يخلو من نعم، منها أنه فرصة ليراجع الإسلاميون، ومنهم الإخوان، طريقتهم في الحكم.
مرسي كان هو الرئيس وكان يشتم في عقر داره وتركب عليه الأكاذيب ويسخر منه وليس للشاتم حق ثابت ضائع يطلبه ولكنها العلمانية التي تضيق بالإسلام، ولم يتخذ مرسي مع هؤلاء أي إجراء، وأيسر ما كان يستطيع عمله هو تقديمهم للقضاء ليحكم فيهم.
مرسي جاء بانتخابات نتيجة ثورة، ولكن هذه الثورة لم تغير من بنية العهد السابق شيئا فبقي رجاله وأنظمته في الأمن والجيش والقضاء والإعلام، ومؤسسات الدولة الأخرى.
الثورة لها قانونها، فالشعب ما ثار إلا من أجل التغيير، فإذا لم يستطع الرئيس المنتخب التغيير فهذا إما لعجزه وإما لفشل الثورة.
ومرسي كان يستطيع الرجوع إلى الشعب الذي انتخبه ويصارحه بالحقيقة ويطلب منه إكمال ثورته، ولكنه لم يفعل فبقي يهادن قوى النظام البائد ويتعامى عن مؤامراتهم حتى أوقعوا به.
لا توجد ثورة في الدنيا تسمح لمن ثارت عليه بالحركة والعمل ضدها في عقر دارها إلا ثورة 25 يناير في مصر.
وأي ثورة يفترض فيها أن تأتي برجالها ونظمها وفلسفتها وإلا فهي فاشلة. مفهوم الحرية له حدود وليس من حدوده أن تسمح للآخر بقتلك والتعدي عليك، وليس من التعبير عن الرأي التعدي على الآخرين.
في عهد مرسي كانت المظاهرات المضادة لا تحتاج إلى إذن وكانت المظاهرات تعتدي على مؤسسات الدولة والأملاك الخاصة وعلى المواطنين ولم تكن الدولة قادرة على منع التعدي ولا حماية المتعدى عليه. هذه ليست حرية وإنما هي عجز.
أرجو أن يكون فيما وقع عبرة وأن يتجه الشعب حينما يستعيد سلطته إلى تنقية مؤسسات الدولة واستعادة هويته.
من المنح التي رافقت انقلاب 30 يونيه استعادة الهوية التي سرقها منا الربيع العربي: مع الربيع العربي ظن كثيرون أن الديمقراطية هي إكسير الحياة السياسية، وأن لا صوت يعلو فوق صوت الحرية، وأن لا قيمة أعظم من إرادة الشعب، وبدأ شباب أخيار ومفكرون من داخل الصف الإسلامي يتناقشون أيهما أولى عبادة الله وتوحيده والدينونة له أو الحرية.
ورأى بعضهم أن الحل في اختيار الشعب وقالوا لاشيء يقدم على إرادة الشعب حتى لو كان توحيد الله عز وجل.
كان الواهمون يظنون أن الكل سوف يرجع إلى إرادة الشعب وحكمه ولهذا قدموها على توحيد الله ورضوا بتصور كنسي للإسلام، إن خطأهم الأكبر هو ظنهم أن الشروط التي أنضجت التجربة السياسية في الغرب هي نفس الشروط التي سوف تنضج التجربة السياسية في البلاد العربية.
في الغرب إجماع على العلمانية من جميع القوى السياسية، ولذا يمكن تداول السلطة، أما في بلاد الإسلام فالعلمانية كفر ولا يمكن أن تحظى بإجماع، نعم يمكن تداول السلطة حينما تجمع القوى السياسية على الإسلام، فيطمئن المسلم على دينه ولا يبالي كثير بالحزب الذي يحكمه.
انقلاب 30 يونيه بدد وهم الحرية ووهم الديمقراطية، وأرجو أن يجعل المسلمين أكثر بصيرة بما يريدونه فلا تصرفهم عن هويتهم صوارف الأزمات والأحداث العارضة. كما أرجو ألا يكون هذا دافعا إلى انتهاج سبيل العنف في الشأن السياسي وفي التغيير ولكنه دافع إلى التصميم والصدق مع الله ومع الناس.
الربيع العربي مع ما فيه من خير كزوال الطاغية وتنسم الحرية، إلا أنه ساهم  في خلط القيم عند بعض الإسلاميين، فبعضهم اجتث من أرضه فغرد في مناخ آخر، وتماهى مع إطار معرفي وافد.
ودرجة الانحراف تبدأ صغيرة جدا لا ينتبه لها من وقعت منه ولكنها سرعان ما تتسع فينتقل الشخص من إطار معرفي إلى إطار معرفي أخر وهو يظن نفسه محسنا. 
وانقلاب 30 يونيه خفت من بريق الحرية في مفهومها العلماني وخفض من أمل صندوق الانتخاب الديمقراطي، وجعل الكثير يعيد ترتيب ما اختل من القيم ويعيد اكتشاف هويته.
بقلم: د. عبد الله بن ناصر الصبيح
 كاتب وباحث سعودي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..