الجمعة 3 رمضان 1434هـ - 12 يوليو 2013م
ليس الحدث المصري الذي تمثل في خلع الرئيس محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين بمعزل عن
امتداداته وتداعياته الخارجية .
فالإخوان ليسوا مجرد فصيل مصري خالص إذ إنهم غالباً وربما دائماً جزء من التنظيم العالمي للإخوان المسلمين الذي وإن ليست واضحة بنيته وهرميته، غير أنه قائم في عمليات التنسيق بين أطرافه على مستوى الخطاب الفكري والممارسة العملية .
في هذا الإطار يبرز حزب العدالة والتنمية في تركيا كواحد من أبرز فروع هذا التنظيم العالمي، وهذا بالطبع مدعاة للعجب والدهشة . إذ إن تركيا بلد علماني وليس ممكناً وفق الدستور تأسيس أحزاب على أساس ديني، كما ليس متاحاً استخدام الدين أداة في الحياة السياسية .
ولقد حاول حزب العدالة والتنمية بزعامة رجب طيب أردوغان أن يبعد شبهات البعد الديني من ممارسات الحزب من خلال تنفيذ إصلاحات ديمقراطية عامي 2003 و،2004 ولكنه سرعان ما توقف عن الاستمرار فيها بعدما ضمن سيطرته المطلقة على الحياة السياسية وإضعاف العسكر . فاندفع في سياسات تعكس الوجه الحقيقي لحزب العدالة والتنمية، وهي أنه حزب إسلامي وأحد أذرع الإخوان المسلمين في العالم . فعمل منذ العام 2010 على برنامج يفضي في النهاية إلى “أسلمة” الدولة على الطريقة الإخوانية، متسلحاً بأن صندوقة الاقتراع أعطته أصواتها . فكانت ردة فعل الشعب عبر انتفاضة تقسيم في نهاية مايو/ أيار الماضي، التي هزّت بقوة الصورة التي كان أردوغان يحرص على الظهور بها .
“إخوانية” حزب العدالة والتنمية تجعله المتأثر الأكبر بأحداث مصر التي استجاب فيها الجيش لنداء الملايين في ميدان التحرير وميادين مصر الأخرى، وقام بثورة 30 يونيو التي وضعت حداً لتسلط “الإخوان” .
لقد كانت مصر ركيزة أساسية لمشروع حزب العدالة والتنمية في الهيمنة على المنطقة . وقد استعاض أردوغان ووزير خارجيته أحمد داوود أوغلو العلاقات الممتازة مع دول الجوار بعلاقات على أساس الرابطة الأيديولوجية، وليس الدينية، مع تنظيم الإخوان المسلمين في تونس وفي مصر .
ولا شك أن مصر أهم بما لايقاس من تونس للمشروع التركي . ولقد عملت سلطة حزب العدالة والتنمية كل ما بوسعها لوصول الإخوان إلى السلطة في مصر عبر الدعم الفكري والتنظيمي والإعلامي والإعلاني وطريقة خوض الحملات الانتخابية .
لكن مشكلة أردوغان وداوود أوغلو والمسؤولين الآخرين في حزب العدالة والتنمية أنهم لم يروا إلى مصر إلا أنها ساحة للنشاط الأيديولوجي ومنصة للتأثير في الساحة الإقليمية متجاهلين مصر العروبة والوطنية وأدوارها التاريخية العريقة، وأنها قائدة العرب إن صحت صحوا وإن نامت ناموا .
لم يعترض أردوغان على محاولات الرئيس المصري احتكار السلطة والاستئثار بالمؤسسات المختلفة ومنها القضائية . ولكن عندما قام الشعب بثورة 30 يونيو علا صوت أنقرة معتبرة أن ما حدث في مصر انقلاب عسكري .
لقد كان الموقف التركي من حركة التغيير التي قادها الفريق أول عبدالفتاح السيسي حاداً جداً بحيث أظهر عمق الخسارة الاستراتيجية التي تعرّض لها الدور التركي من جراء خلع سلطة الإخوان المسلمين في مصر .
إن خسارة مصر كحليف أيديولوجي يضرب عمق المشروع التركي العثماني للهيمنة على المنطقة، وليس غريباً أن تتصرف تركيا إزاء مصر، كما لو أنها محمية تركية من دون أدنى مراعاة للشؤون الداخلية لدولة أخرى .
لقد خسرت أنقرة مصر حيث يتوقع بدء مرحلة جديدة باردة ومتوترة في العلاقة بين البلدين . ولا بد من أن ينعكس الموقف التركي من النظام الجديد في مصر على علاقتها ببعض دول الخليج . وإذا أضفنا لذلك الحساسيات الموجودة بين أنقرة والأردن بعد تصريحات انتقادية من جانب الملك عبدالله لأردوغان والإخوان المسلمين، لا يتبقى لتركيا من أية ركيز في المنطقة سوى تونس التي يحاول راشد الغنوشي عدم تكرار التجربة المصرية هناك، وحركة حماس الفلسطينية التي تعتبر أيضاً من أكبر الخاسرين من إطاحة إخوان مصر التي ستجد نفسها في أسوأ وضع لها، خصوصاً بعدما كانت قد خسرت المحور الإيراني- السوري .
وبالتالي ليس من أي مبالغة عندما نقول إن الدور التركي في المنطقة، كمشروع أيديولوجي إخواني، قد انكسر وانهزم . ولم يبق لتركيا، حزب العدالة والتنمية، ويا للمفارقة، سوى أن تعود إلى دورها الذي لا يشرّف أي بلد إسلامي، وهو أن تكون أداة لحلف شمالي الأطلسي في حروبه المفتوحة ضد المسلمين .
* نقلا عن "الخليج" الإماراتية
امتداداته وتداعياته الخارجية .
فالإخوان ليسوا مجرد فصيل مصري خالص إذ إنهم غالباً وربما دائماً جزء من التنظيم العالمي للإخوان المسلمين الذي وإن ليست واضحة بنيته وهرميته، غير أنه قائم في عمليات التنسيق بين أطرافه على مستوى الخطاب الفكري والممارسة العملية .
في هذا الإطار يبرز حزب العدالة والتنمية في تركيا كواحد من أبرز فروع هذا التنظيم العالمي، وهذا بالطبع مدعاة للعجب والدهشة . إذ إن تركيا بلد علماني وليس ممكناً وفق الدستور تأسيس أحزاب على أساس ديني، كما ليس متاحاً استخدام الدين أداة في الحياة السياسية .
ولقد حاول حزب العدالة والتنمية بزعامة رجب طيب أردوغان أن يبعد شبهات البعد الديني من ممارسات الحزب من خلال تنفيذ إصلاحات ديمقراطية عامي 2003 و،2004 ولكنه سرعان ما توقف عن الاستمرار فيها بعدما ضمن سيطرته المطلقة على الحياة السياسية وإضعاف العسكر . فاندفع في سياسات تعكس الوجه الحقيقي لحزب العدالة والتنمية، وهي أنه حزب إسلامي وأحد أذرع الإخوان المسلمين في العالم . فعمل منذ العام 2010 على برنامج يفضي في النهاية إلى “أسلمة” الدولة على الطريقة الإخوانية، متسلحاً بأن صندوقة الاقتراع أعطته أصواتها . فكانت ردة فعل الشعب عبر انتفاضة تقسيم في نهاية مايو/ أيار الماضي، التي هزّت بقوة الصورة التي كان أردوغان يحرص على الظهور بها .
“إخوانية” حزب العدالة والتنمية تجعله المتأثر الأكبر بأحداث مصر التي استجاب فيها الجيش لنداء الملايين في ميدان التحرير وميادين مصر الأخرى، وقام بثورة 30 يونيو التي وضعت حداً لتسلط “الإخوان” .
لقد كانت مصر ركيزة أساسية لمشروع حزب العدالة والتنمية في الهيمنة على المنطقة . وقد استعاض أردوغان ووزير خارجيته أحمد داوود أوغلو العلاقات الممتازة مع دول الجوار بعلاقات على أساس الرابطة الأيديولوجية، وليس الدينية، مع تنظيم الإخوان المسلمين في تونس وفي مصر .
ولا شك أن مصر أهم بما لايقاس من تونس للمشروع التركي . ولقد عملت سلطة حزب العدالة والتنمية كل ما بوسعها لوصول الإخوان إلى السلطة في مصر عبر الدعم الفكري والتنظيمي والإعلامي والإعلاني وطريقة خوض الحملات الانتخابية .
لكن مشكلة أردوغان وداوود أوغلو والمسؤولين الآخرين في حزب العدالة والتنمية أنهم لم يروا إلى مصر إلا أنها ساحة للنشاط الأيديولوجي ومنصة للتأثير في الساحة الإقليمية متجاهلين مصر العروبة والوطنية وأدوارها التاريخية العريقة، وأنها قائدة العرب إن صحت صحوا وإن نامت ناموا .
لم يعترض أردوغان على محاولات الرئيس المصري احتكار السلطة والاستئثار بالمؤسسات المختلفة ومنها القضائية . ولكن عندما قام الشعب بثورة 30 يونيو علا صوت أنقرة معتبرة أن ما حدث في مصر انقلاب عسكري .
لقد كان الموقف التركي من حركة التغيير التي قادها الفريق أول عبدالفتاح السيسي حاداً جداً بحيث أظهر عمق الخسارة الاستراتيجية التي تعرّض لها الدور التركي من جراء خلع سلطة الإخوان المسلمين في مصر .
إن خسارة مصر كحليف أيديولوجي يضرب عمق المشروع التركي العثماني للهيمنة على المنطقة، وليس غريباً أن تتصرف تركيا إزاء مصر، كما لو أنها محمية تركية من دون أدنى مراعاة للشؤون الداخلية لدولة أخرى .
لقد خسرت أنقرة مصر حيث يتوقع بدء مرحلة جديدة باردة ومتوترة في العلاقة بين البلدين . ولا بد من أن ينعكس الموقف التركي من النظام الجديد في مصر على علاقتها ببعض دول الخليج . وإذا أضفنا لذلك الحساسيات الموجودة بين أنقرة والأردن بعد تصريحات انتقادية من جانب الملك عبدالله لأردوغان والإخوان المسلمين، لا يتبقى لتركيا من أية ركيز في المنطقة سوى تونس التي يحاول راشد الغنوشي عدم تكرار التجربة المصرية هناك، وحركة حماس الفلسطينية التي تعتبر أيضاً من أكبر الخاسرين من إطاحة إخوان مصر التي ستجد نفسها في أسوأ وضع لها، خصوصاً بعدما كانت قد خسرت المحور الإيراني- السوري .
وبالتالي ليس من أي مبالغة عندما نقول إن الدور التركي في المنطقة، كمشروع أيديولوجي إخواني، قد انكسر وانهزم . ولم يبق لتركيا، حزب العدالة والتنمية، ويا للمفارقة، سوى أن تعود إلى دورها الذي لا يشرّف أي بلد إسلامي، وهو أن تكون أداة لحلف شمالي الأطلسي في حروبه المفتوحة ضد المسلمين .
* نقلا عن "الخليج" الإماراتية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..