دعونا نتطلع إلى المستقبل الذي فرض نفسه ولم يزل يفرضه رغم كل غباوات
الذين لا يرون الحقائق عن
عمد أو عن بؤس فكري وافتقاد للبصيرة، ويتمتعون بقدره فائقة على إنكار الحقيقة.
عمد أو عن بؤس فكري وافتقاد للبصيرة، ويتمتعون بقدره فائقة على إنكار الحقيقة.
إنها عقلية الفاشي المتأسلم، ذلك أن
أسوأ أشكال الاستبداد والفاشية هي ذلك النوع الذي يمنح نفسه لباساً
متأسلماً ينطق بكلمات توحي بأنها إسلام بينما الفعل تأسلماً يستهدف تحقيق
مصالح ذاتية وستر عورات سلطتهم . ألم نقرأ في القرآن الكريم «قُلْ هَلْ
نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا. الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ
فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ
صُنْعًا» ( الكهف – 104) .. وفي الحديث الشريف «تحقر صلاة أحدكم في جنب
صلاتهم، وصوم أحدكم في جنب صومهم لكن لا يجاوز إيمانهم تراقيهم». لكن جماعة
الإخوان لم تكتف بالتسلط الفاشي المغلف بالدين، بل مارسته بواقع فعلي
مرير. فجوهر التعصب الفاشي يقوم على أحادية الرؤية فلا يرى صاحبه سوى رؤية
واحدة ويرفض كل ما عداها ويعتبر أن هذا الآخر هو العدو الذي يتعين اختفاؤه.
وهكذا مارسوا كل أنواع العسف ضد أجهزة الإعلام وضد المثقفين والخصوم
السياسيين ثم ضد حلفائهم، وحاولوا فرض رؤيتهم وحدها، وفرض سياسة الأخونة
على مختلف مؤسسات الإعلام – الإدارة المحلية – القضاء – وكافة أجهزة
الإدارة ليس فقط للسيطرة على مفاصل الدولة وإنما لتجهيز الساحة لانتخابات
برلمانية كانوا يعدون للإسراع بها وتزويرها ذلك التزوير الذي اعتادوا عليه
سواء في المطابع الأميرية أو بأقلام الحبر المتطاير أو شراء الأصوات أو
كراتين توزع على الفقراء بطعام يفتقدونه. لكنهم حاولوا هذه المرة الإطاحة
بثلاثة آلاف وخمسمائة قاض ليحل محلهم محامون إخوان ومتأخونون ومساكين من
المحامين يقفون بالساعات على سلالم المحاكم لاستجداء أية فرصة، ثم يقوم
هؤلاء بالإشراف على الانتخابات ليكون هناك مزور على كل صندوق بدلا من قاض
على كل صندوق. وفي سبيل هذا المخطط ارتكب الإخوان كل الغباوات الممكنة وغير
الممكنة بما أفقدهم مؤسسات بأكملها مثل مؤسسة القضاء ذات المكانة والمهابة
عبر التاريخ المصري الحديث ومؤسسات الحكم المحلي التي أطاحوا بقياداتها من
أجل أخونتها واستخدامها في تزييف الانتخابات والجيش والشرطة .. إلخ
لكن الشعب أبى وثار ثورة لم تحدث من قبل في تاريخ مصر سواء من حيث اتساعها وشموليتها وحدّة الكراهية التي تختزنها جماهير الشعب.
والحقيقة أن مرسي قد أعطى نفسه الحق في الدخول إلى موسوعة جينيس فهو الرئيس المنتخب (كما يزعمون) ولكن تسايلت شعبيته فور تسلمه السلطة ثم تدهورت بسرعة غير مسبوقة. فمرسي الذي فاز بفارق 1.3% وبسبب من تدخلات خارجية، الذي منحه البعض أصواتهم لمجرد أنهم لا يريدون الآخر، ما لبث بعد عدة أسابيع أن فقد ليس فقط تأييد من خاصموه في المعركة الانتخابية وإنما أيضاً من منحوه أصواتهم ومع كل يوم يرتكب مكتب الإرشاد الإخواني أخطاء يمليها على مندوبه في رئاسة الجمهورية وتظهر مرسي أمام الجميع أنه مجرد ألعوبة في يد قادة مكتب الإرشاد الذين كانوا يتعمدون إظهار سيطرتهم عليه وسطوتهم الباغية والمفتقدة للذكاء على كل الأجهزة المهمة في الدولة.
والآن فقد مرسي كل تأييد فيما عدا الإخوان والذين تورطوا معه من الإرهابيين السابقين الذين أفرج عنهم من السجون أو استدعاهم من أفغانستان الذين ازدادت سطوتهم حتى عليه هو نفسه. ذلك أن العلاقة بين الإخوان والعناصر الإرهابية السابقة تحكمها علاقة فلسفية يمكن تسميتها «التناقض المتداخل» طرفان يتحالفان ويتداخلان في آن واحد وكل منهما وخلال هذه العملية يؤثر في الآخر ويتأثر به. فالإخوان استفادوا من إبراز هذه العناصر ومن تطرفهم الذي يصل إلى ما فوق الجنون ليوجهوا رسائل لنا وللشعب ولأمريكا والأوروبيين مؤكدين أنهم أرحم وأخف وطأة من هؤلاء المتشددين ويستفيدون من ذلك، بينما هؤلاء المتطرفون يتجهون إلى أتباعهم نحن حراس الشريعة (وما هم كذلك) أما الإخوان فمراؤون. لكن هذا الحلف غير المقدس يمثل ضغطا على كل من طرفيه وربما قيدا أيضا. ومع انهيار الحكم الإخواني يتسرب المتأخونون والحلفاء والمؤلفة قلوبهم.. تاركين السفينة الغارقة لأصحابها.
والمثير للدهشة أن هؤلاء الذين وصفهم مكتب إرشادهم أنهم أصحاب الأيدي المتوضئة كانوا في عديد من الأحوال أكثر فساداً من سابقيهم وفشلوا فشلا ذريعاً في إدارة شؤون مصر لأن الاختيار كان يتم على أساس الولاء والسمع والطاعة للرجل القوي المختفي خلف مرسي. واكتشف المصريون أن كثيرين منهم قد هبطت عليهم ثروات لا تأتي من مجرد عمل شريف أو حتى غير شريف وأنهم يسعون فحسب نحو الإثراء، حتى بغض النظر عن النوازع الدينية. فهل يصدق أحد أن أحد كبار قادة الإخوان هو الوكيل الحصرى لمحلات زارا الأوروبية الشهيرة التي تبيع حصرياً أيضاً وفي مصر الأزياء الأوروبية التي يقولون هم أنها فاضحة بما فيها مايوهات «البيكيني».. هل يصدق أحد أن هذا إسلام.؟
..ومع تدني شعبيتهم إلى الحضيض كانت حملة تمرد (أكثر من 22 مليون توقيع) وكانت مظاهرات غير مسبوقة قالت وكالة رويتر ودعمتها «جوجول» أن المتظاهرين في محافظات مصر الذين هتفوا من أعماقهم «يسقط حكم المرشد» يوم 30 يونيو بلغوا 14 مليونا.
والحقيقة أن الجريمة الكبرى التي ارتكبها الحكم الإخواني وعبّأت الجماهير ضده هي العبث بالسيادة المصرية على حدود الوطن. (الأنفاق التي ينهمر منها علنا إرهابيون وأسلحة ومخدرات) والمؤامرات التي تجري حول تعديل حدود سيناء، وفوق هذا السماح للإرهابيين من أصدقاء وحلفاء مرسي بالاحتشاد فيما أسموه بإمارة جبل الحلال بوسط سيناء وهو ما أثار مواطني سيناء ورجال الجيش والشرطة وكل المصريين ضد مرسي.
.. والحقيقة أن جماعة الإخوان قد فقدت بهذه الممارسات تأييد الأغلبية الكاسحة للمصريين. التي حشدت نفسها لتفرض إرادتها.. وقد فرضتها.. وما القوى السياسية الشابة أو التقليدية سوى صدى لغضب شعبي لم تعرف له مصر شبيهاً من قبل.
فهل أدرك الإخوان وبعد فوات الأوان أنهم بهذه الممارسات لم يغلقوا أمام أنفسهم فحسب باب السيطرة على الحكم مرة أخرى ولعقود عديدة وليس هم وحدهم وإنما كل من على شاكلتهم سواء من دول الربيع العربي أو حتى على نطاق العالم؟
والإجابة لا أعتقد. فمن واقع دراستي لتاريخهم أجدهم يرتكبون الخطأ وعندما يترتب عليه كارثة يعتبرونه مجرد امتحان من الله.. ويواصلون دوما ارتكاب ذات الأخطاء ليضعوا أنفسهم في كل مرة خارج إطار العقل. ويبدأوا من جديد ليخطئوا ذات الأخطاء ويُهزموا من جديد.
* * *
ولعل من حق الجميع أن يسأل لماذا هم هكذا دوما يصعدون أو بتعبيرهم يتفيأون ويستعلون على الجميع ثم ينحدرون فيهزمون؟ ولعل من حقي أن اجتهد في الإجابة.
مشكلتهم أو كارثتهم تكمن في ثلاث مسلمات. وكلمة مسلمات هنا مقصودة بذاتها فكل عبارات الإمام الشهيد المرشد الأول حسن البنا هي مسلمات واجبة الاتباع. ولعلها ليست مصادفة أنه طوال عهد الأستاذ البنا بالجماعة أي منذ 1928 وحتى 1948 أي طوال عشرين عاما لم يتجاسر أحد من كبار أعضاء الجماعة أو صغارها أن يكتب كتابا أو يقدم إبداعاً فكرياً أو رؤية فقهية أو شرعية فذلك كله ظل قاصرا حصريا للأستاذ البنا. وذلك مقصود فلا مجال لتعدد الآراء حتى ولو تقاربت حتى لا تزوغ أبصار الأتباع عن ضوء الإيمان الآتي فقط من المرشد. وللحقيقة كان هناك ديوان شعر ركيك لصهر البنا الأستاذ عبد الحكيم عابدين عنوانه «البواكير» لكنه وحتى كونه مجرد شعر ركيك طويت صفحته سريعا ولم يلتفت إليه أحد.
والآن ما هي المسلمات الثلاث؟
• المخادعة وتأتي مغلفة كالعادة بغلاف يشبه الفقه فتكون «لعبة المصالح المشتركة مع الطاغوت» والطاغوت عند الإخوان هو الآخر كل الآخر وأي آخر بما في ذلك أخلص الحلفاء والأصدقاء.. وتجري مخادعتهم بهدف تحقيق الكسب المنشود ثم يجري الانقضاض عليهم.
وكل مرة يفعلونها مع الملك فاروق ثم إسماعيل صدقي ثم النقراشى ثم عبد الناصر (1954) ثم عبدالناصر (1965) ثم السادات ثم المجلس العسكري (2011) .. ثم (2012) وفي كل مرة يفشلون لأنهم كما يفسرون كل انتكاساتهم لم يأخذوا بالأسباب ولأن الأمر كله محنة وامتحان من الله. ولا يدركون أبداً أن مخادعة الحلفاء لا تلبث أن تنكشف.. فالحليف قد يخدع مرة وثانية ولكن التكرار يعلمه فتكون انتكاستهم ويكون افتضاحهم وتحول الحليف إلى خصم.
• محاولة احتكار الإسلام وتأتي عبر كلمات حاسمة فالبنا أصدر برنامجا (منهاجا) وأعلنه في المؤتمر الثالث للجماعة وقال «هذا المنهاج كله من الإسلام وكل نقص منه نقص من الإسلام ذاته» فكل نقد لمنهاجهم أو أفعالهم هو نقد للإسلام ذاته أو بالدقة هو خروج على الإسلام.
• أسلمة العنف.. ويكون العنف سبيلا منذ البداية لفرض الأهداف. ولابد كالعادة من تقديمه كضرورة شرعية. ونقرأ ما كتبه الشيخ عبدالرحمن الساعاتي والد المرشد الأول «استعدوا ياجنود، وليعد كل منكم سلاحه، وامضوا إلى حيث تؤمرون، وصفوا لهذه الأمة الدواء واعكفوا على إعداده في صيدليتكم ولتقم على إعطائه فرقة الإنقاذ منكم، فإذا الأمة أبت فأوثقوا يديها بالقيود وأثقلوا ظهرها بالحديد وجرعوها الدواء بالقوة وإن وجدتم في جسمها عضواً خبيثاً فاقطعوه أو سرطاناً خطيرا فأزيلوه، فكثير من أبناء هذا الشعب في آذانهم وقر وفي عيونهم عمى» (النذير – أول المحرم 1357 هـ).. والأمة أبت وكرهت فحقت عليها لعنة العنف. أما الأستاذ حسن البنا فقد أكد أن العنف ضرورة شرعية فيقول «وما كانت القوة إلا كالدواء المر الذي تحمل عليه الإنسانية العابثة المتهالكة حملا ليرد جماحها ويكسر جبروتها وطغيانها، وهكذا نظرية السيف في الإسلام، فلم يكن السيف في يد المسلم إلا كالمشرط في يد الجراح لحسم الداء الاجتماعي (النذير – رمضان 1357 هـ). ونلاحظ أن استخدام السيف عند البنا فريضة إسلامية وهي موجهة ضد الإنسانية كلها.. (إنها ذات أفكار بن لادن) وما هذا كله بإسلام بل هو تأسلم مرير المذاق.
وبهذا الثالوث البائس تعيش الجماعة لتنهض ثم تنحدر، لكن انحدارها هذه المرة سيقتادها هي ومثيلاتها في كل العالم إلى هاوية لن يستفيقوا منها.. إلا بعد عقود عدة. أو هذا ما أعتقد.
لكن الشعب أبى وثار ثورة لم تحدث من قبل في تاريخ مصر سواء من حيث اتساعها وشموليتها وحدّة الكراهية التي تختزنها جماهير الشعب.
والحقيقة أن مرسي قد أعطى نفسه الحق في الدخول إلى موسوعة جينيس فهو الرئيس المنتخب (كما يزعمون) ولكن تسايلت شعبيته فور تسلمه السلطة ثم تدهورت بسرعة غير مسبوقة. فمرسي الذي فاز بفارق 1.3% وبسبب من تدخلات خارجية، الذي منحه البعض أصواتهم لمجرد أنهم لا يريدون الآخر، ما لبث بعد عدة أسابيع أن فقد ليس فقط تأييد من خاصموه في المعركة الانتخابية وإنما أيضاً من منحوه أصواتهم ومع كل يوم يرتكب مكتب الإرشاد الإخواني أخطاء يمليها على مندوبه في رئاسة الجمهورية وتظهر مرسي أمام الجميع أنه مجرد ألعوبة في يد قادة مكتب الإرشاد الذين كانوا يتعمدون إظهار سيطرتهم عليه وسطوتهم الباغية والمفتقدة للذكاء على كل الأجهزة المهمة في الدولة.
والآن فقد مرسي كل تأييد فيما عدا الإخوان والذين تورطوا معه من الإرهابيين السابقين الذين أفرج عنهم من السجون أو استدعاهم من أفغانستان الذين ازدادت سطوتهم حتى عليه هو نفسه. ذلك أن العلاقة بين الإخوان والعناصر الإرهابية السابقة تحكمها علاقة فلسفية يمكن تسميتها «التناقض المتداخل» طرفان يتحالفان ويتداخلان في آن واحد وكل منهما وخلال هذه العملية يؤثر في الآخر ويتأثر به. فالإخوان استفادوا من إبراز هذه العناصر ومن تطرفهم الذي يصل إلى ما فوق الجنون ليوجهوا رسائل لنا وللشعب ولأمريكا والأوروبيين مؤكدين أنهم أرحم وأخف وطأة من هؤلاء المتشددين ويستفيدون من ذلك، بينما هؤلاء المتطرفون يتجهون إلى أتباعهم نحن حراس الشريعة (وما هم كذلك) أما الإخوان فمراؤون. لكن هذا الحلف غير المقدس يمثل ضغطا على كل من طرفيه وربما قيدا أيضا. ومع انهيار الحكم الإخواني يتسرب المتأخونون والحلفاء والمؤلفة قلوبهم.. تاركين السفينة الغارقة لأصحابها.
والمثير للدهشة أن هؤلاء الذين وصفهم مكتب إرشادهم أنهم أصحاب الأيدي المتوضئة كانوا في عديد من الأحوال أكثر فساداً من سابقيهم وفشلوا فشلا ذريعاً في إدارة شؤون مصر لأن الاختيار كان يتم على أساس الولاء والسمع والطاعة للرجل القوي المختفي خلف مرسي. واكتشف المصريون أن كثيرين منهم قد هبطت عليهم ثروات لا تأتي من مجرد عمل شريف أو حتى غير شريف وأنهم يسعون فحسب نحو الإثراء، حتى بغض النظر عن النوازع الدينية. فهل يصدق أحد أن أحد كبار قادة الإخوان هو الوكيل الحصرى لمحلات زارا الأوروبية الشهيرة التي تبيع حصرياً أيضاً وفي مصر الأزياء الأوروبية التي يقولون هم أنها فاضحة بما فيها مايوهات «البيكيني».. هل يصدق أحد أن هذا إسلام.؟
..ومع تدني شعبيتهم إلى الحضيض كانت حملة تمرد (أكثر من 22 مليون توقيع) وكانت مظاهرات غير مسبوقة قالت وكالة رويتر ودعمتها «جوجول» أن المتظاهرين في محافظات مصر الذين هتفوا من أعماقهم «يسقط حكم المرشد» يوم 30 يونيو بلغوا 14 مليونا.
والحقيقة أن الجريمة الكبرى التي ارتكبها الحكم الإخواني وعبّأت الجماهير ضده هي العبث بالسيادة المصرية على حدود الوطن. (الأنفاق التي ينهمر منها علنا إرهابيون وأسلحة ومخدرات) والمؤامرات التي تجري حول تعديل حدود سيناء، وفوق هذا السماح للإرهابيين من أصدقاء وحلفاء مرسي بالاحتشاد فيما أسموه بإمارة جبل الحلال بوسط سيناء وهو ما أثار مواطني سيناء ورجال الجيش والشرطة وكل المصريين ضد مرسي.
.. والحقيقة أن جماعة الإخوان قد فقدت بهذه الممارسات تأييد الأغلبية الكاسحة للمصريين. التي حشدت نفسها لتفرض إرادتها.. وقد فرضتها.. وما القوى السياسية الشابة أو التقليدية سوى صدى لغضب شعبي لم تعرف له مصر شبيهاً من قبل.
فهل أدرك الإخوان وبعد فوات الأوان أنهم بهذه الممارسات لم يغلقوا أمام أنفسهم فحسب باب السيطرة على الحكم مرة أخرى ولعقود عديدة وليس هم وحدهم وإنما كل من على شاكلتهم سواء من دول الربيع العربي أو حتى على نطاق العالم؟
والإجابة لا أعتقد. فمن واقع دراستي لتاريخهم أجدهم يرتكبون الخطأ وعندما يترتب عليه كارثة يعتبرونه مجرد امتحان من الله.. ويواصلون دوما ارتكاب ذات الأخطاء ليضعوا أنفسهم في كل مرة خارج إطار العقل. ويبدأوا من جديد ليخطئوا ذات الأخطاء ويُهزموا من جديد.
* * *
ولعل من حق الجميع أن يسأل لماذا هم هكذا دوما يصعدون أو بتعبيرهم يتفيأون ويستعلون على الجميع ثم ينحدرون فيهزمون؟ ولعل من حقي أن اجتهد في الإجابة.
مشكلتهم أو كارثتهم تكمن في ثلاث مسلمات. وكلمة مسلمات هنا مقصودة بذاتها فكل عبارات الإمام الشهيد المرشد الأول حسن البنا هي مسلمات واجبة الاتباع. ولعلها ليست مصادفة أنه طوال عهد الأستاذ البنا بالجماعة أي منذ 1928 وحتى 1948 أي طوال عشرين عاما لم يتجاسر أحد من كبار أعضاء الجماعة أو صغارها أن يكتب كتابا أو يقدم إبداعاً فكرياً أو رؤية فقهية أو شرعية فذلك كله ظل قاصرا حصريا للأستاذ البنا. وذلك مقصود فلا مجال لتعدد الآراء حتى ولو تقاربت حتى لا تزوغ أبصار الأتباع عن ضوء الإيمان الآتي فقط من المرشد. وللحقيقة كان هناك ديوان شعر ركيك لصهر البنا الأستاذ عبد الحكيم عابدين عنوانه «البواكير» لكنه وحتى كونه مجرد شعر ركيك طويت صفحته سريعا ولم يلتفت إليه أحد.
والآن ما هي المسلمات الثلاث؟
• المخادعة وتأتي مغلفة كالعادة بغلاف يشبه الفقه فتكون «لعبة المصالح المشتركة مع الطاغوت» والطاغوت عند الإخوان هو الآخر كل الآخر وأي آخر بما في ذلك أخلص الحلفاء والأصدقاء.. وتجري مخادعتهم بهدف تحقيق الكسب المنشود ثم يجري الانقضاض عليهم.
وكل مرة يفعلونها مع الملك فاروق ثم إسماعيل صدقي ثم النقراشى ثم عبد الناصر (1954) ثم عبدالناصر (1965) ثم السادات ثم المجلس العسكري (2011) .. ثم (2012) وفي كل مرة يفشلون لأنهم كما يفسرون كل انتكاساتهم لم يأخذوا بالأسباب ولأن الأمر كله محنة وامتحان من الله. ولا يدركون أبداً أن مخادعة الحلفاء لا تلبث أن تنكشف.. فالحليف قد يخدع مرة وثانية ولكن التكرار يعلمه فتكون انتكاستهم ويكون افتضاحهم وتحول الحليف إلى خصم.
• محاولة احتكار الإسلام وتأتي عبر كلمات حاسمة فالبنا أصدر برنامجا (منهاجا) وأعلنه في المؤتمر الثالث للجماعة وقال «هذا المنهاج كله من الإسلام وكل نقص منه نقص من الإسلام ذاته» فكل نقد لمنهاجهم أو أفعالهم هو نقد للإسلام ذاته أو بالدقة هو خروج على الإسلام.
• أسلمة العنف.. ويكون العنف سبيلا منذ البداية لفرض الأهداف. ولابد كالعادة من تقديمه كضرورة شرعية. ونقرأ ما كتبه الشيخ عبدالرحمن الساعاتي والد المرشد الأول «استعدوا ياجنود، وليعد كل منكم سلاحه، وامضوا إلى حيث تؤمرون، وصفوا لهذه الأمة الدواء واعكفوا على إعداده في صيدليتكم ولتقم على إعطائه فرقة الإنقاذ منكم، فإذا الأمة أبت فأوثقوا يديها بالقيود وأثقلوا ظهرها بالحديد وجرعوها الدواء بالقوة وإن وجدتم في جسمها عضواً خبيثاً فاقطعوه أو سرطاناً خطيرا فأزيلوه، فكثير من أبناء هذا الشعب في آذانهم وقر وفي عيونهم عمى» (النذير – أول المحرم 1357 هـ).. والأمة أبت وكرهت فحقت عليها لعنة العنف. أما الأستاذ حسن البنا فقد أكد أن العنف ضرورة شرعية فيقول «وما كانت القوة إلا كالدواء المر الذي تحمل عليه الإنسانية العابثة المتهالكة حملا ليرد جماحها ويكسر جبروتها وطغيانها، وهكذا نظرية السيف في الإسلام، فلم يكن السيف في يد المسلم إلا كالمشرط في يد الجراح لحسم الداء الاجتماعي (النذير – رمضان 1357 هـ). ونلاحظ أن استخدام السيف عند البنا فريضة إسلامية وهي موجهة ضد الإنسانية كلها.. (إنها ذات أفكار بن لادن) وما هذا كله بإسلام بل هو تأسلم مرير المذاق.
وبهذا الثالوث البائس تعيش الجماعة لتنهض ثم تنحدر، لكن انحدارها هذه المرة سيقتادها هي ومثيلاتها في كل العالم إلى هاوية لن يستفيقوا منها.. إلا بعد عقود عدة. أو هذا ما أعتقد.
نشرت هذه المادة في صحيفة الشرق المطبوعة العدد رقم (٥٧٩) صفحة (١٢) بتاريخ (٠٥-٠٧-٢٠١٣)
--------------------
التعليق :
مع ملاحظاتنا الكثيرة على حركة الإخوان
وأن المقال أوضح بعضها
الا ان مثلهذه المقالات محلها الصحف المصرية وليست صحفنا !
--------------------
التعليق :
مع ملاحظاتنا الكثيرة على حركة الإخوان
وأن المقال أوضح بعضها
الا ان مثلهذه المقالات محلها الصحف المصرية وليست صحفنا !
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..