في حمى ما يسمى بالربيع العربي ودراما سقوط الأنظمة في مسلسل الثورات
الهزلية برز عامل خفي من
عومل عوامل سقوط تلك الأنظمة العسكرية هذا العامل كان
بمثابة الداء والدواء في آن واحد.
إن الأنظمة العسكرية البائدة قد بذرت أسباب سقوطها منذ بدايات نشأتها
الأولى؛ فبالانقلاب على السلطة السياسية أسّس العسكر لمبدأ الانقلاب عليهم وعبر نفس
المبررات التي استخدموها في انقلابهم الاول.
إن الأسباب التي تذرعت بها القوى العسكرية في عملية انقلابها على السلطة
في مرحلة ما قبل الحكم العسكري كانت هي الأسباب ذاتها التي استخدمت للانقلاب عليها. العدل
والمساواة والحرية وسيادة الشعب وسلطة الامة ومحاربة الفساد والفقر كانت هي
الشعارات التي استخدمتها الأنظمة
العسكرية كمبررات تشرعن بها انقلابها على السلطة آن ذاك. وهي نفسها الشعارات التي
استخدمت للإطاحة بها.
إن الفصام السياسي الذي مارسته الأنظمة العسكرية في الحكم خلق معضلة الهوية
في المجتمع فأصبح النظام في صراع مع ذاته ومع مجتمعه. وأصبحت
الشعارات التي نادت بها تلك الأنظمة في
بداياتها - والتي كانت المكون الرئيس الذي استمدت منه تلك الأنظمة شرعيتها- مصدر التهديد الذي
يؤرقها. لقد ربت تلك الأنظمة أجيالا على شعارات وقناعات لا تؤمن بها ولا تمارسها إلا على خشبة
المسرح السياسي الصوري.
إن السعي نحو البقاء والاستمرارية دفعا الأنظمة العسكرية إلى تبني الازدواجية
في الممارسة السياسة ما بين ما يعلن وما يتم على ارض الواقع. فأصبحت
الأنظمة تحاول
الحصول على الشرعية عبر مسرحية سياسة يتم فيها استخدام الشعارات السابقة الذكر
للتسويق لبضاعتها وكسب التأييد والرضى الشعبي الزائف للحصول على قبول محلي والدولي.
إلا أن هذه الشعارات لم تتعد خشبة المسرح السياسي ولم تخرج عن مسار المسرحية
السياسية للشرعية المزيفة. فكان الممثلون والجمهور على حد سواء يستمتعون بفصول
المسرحية ومساحة الصراع السياسي والفكري فيها على الرغم من زيفها ورداءتها.
هذه الازدواجية في الممارسة خلقت أزمة هوية عند أفراد المجتمع والتي عمقت
معضلة الصراع مع الذات عند الأنظمة السياسية بين البقاء والمصداقية. بسبب الازدواجية أصبح صراع الذات بين البقاء والمصداقية أهم مكونات الانهيار
الحتمي المنطقي للأنظمة العسكرية – بجانب تركها لنصرة دين الله وتطبيق شرعه-؛ فبقدر
ما سعت تلك الأنظمة للبقاء بقدر ما ابتعدت عن المصداقية وبالتالي فقدت أحد عوامل البقاء
وبقدر ما سعت نحو المصداقية بقدر ما خسرت من سلطة، بمعنى أنها إذا مارست الشعارات
المعلنة بمصداقية خسرت السلطة وإذا حاولت المحافظة عليها خسرت الشرعية. وبالتالي أصبحت
في معضلة ديالكتيكية لا يمكن أن تخرج منها. وما زاد المعضلة تعقيدا أنه في كلتا
الحالتين هناك نتيجة حتمية منطقية واحدة وهي الانهيار.
الإخوان المسلمون وغيرهم من الجماعات الاسلامية الحركية وقعت في نفس المأزق
فأصبحت تعاني من بذور السقوط التي زرعتها وبنفس الذرائع الاول التي استخدمها العسكر من قبل في
مسرحيتهم لكسب الشرعية وتبرير اسقاط الأنظمة؛ إلا
أنها زادت عاملا جديدا وهو استخدام الدين فأسقطت
به الأنظمة
العسكرية –بإذن الله- وتسقط به بعد ذلك –إذا قدر الله-.
يمكن
القول أن هذه الجماعات أخذت تشرعن أفكارها ومعتقداتها ذات الجذور الغربية وتصفها
بأنها قيم إسلامية؛ وقدمت كل ما كان يقدمه اللبراليين ولكن بلباس إسلامي؛ مثل
الحرية والديمقراطية والتعددية. والمفارقة هنا أن الاخوان المسلمون بطوائفهم
المتعددة لا يؤمنون بهذه القيم وإنما يستخدمونها لتحقيق هدفهم الأكبر وهو
الاستيلاء على السلطة والاحتفاظ بها. من هنا تبدأ المعضلة الديالكتيكية ومشوار
السقوط.
السؤال هنا هو.. هل سيستطيع (الإسلاميون الحركيون ) الخروج من معضلة الصراع
مع الذات والانفكاك من الديالكتيك ذي النتيجة الحتمية المنطقية الواحدة؟!
بقلم: عبد
المحسن بن محمد بن عبدالعزيز آل سعود
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..