هاهم
يبدعون مره أخرى في مجال آخر. فقد أبدع المصريون كثيرا في تلك الحرب. في
73 غيروا كثيراً من المفاهيم العسكرية بقيادة ثعلب العسكرية الفريق سعد
الدين الشاذلي رحمه الله
فقد قادهم إلى نصر لا يتحقق إن أخذنا بمعادلات
ميزان التسليح, إلا انه قادهم بالابتكار وبأفكار خلاقه حملت للعسكرية قواعد
جديدة وتكتيكات جديدة, مثل خفة مناورة المشاة ضد المدرعات بنظرية الاقتراب
المباشر بصواريخ الكتف, فظهر البطل عبد العاطي حامد (محمد عبد العاطي عطية
شرف) مجند واحد صاد 23 دبابة إسرائيلية, وهم بالزوارق الصغيرة أغرقوا تاج
البحرية الإسرائيلية المدمرة ايلات, ثم فكرة مضخات الماء لنحر ونحت خط
بارليف كانت رائدة.
قدموا كل ذلك في الحرب للعلوم العسكرية, والآن يقدمون في السلم للعلوم السياسة,
حيث سيكتب المصريون فصلا جديدا في ذلك بثلاث ظواهر, الأولى: تعديل في آلية
النظام الديمقراطي. إن صناديق الانتخابات وحدها لم تعد تكفي, فهي آلية
للاختيار ويلزم معها آلية للاستمرار. يجب أن يكون المنتخب مرضي عنه شعبياً
باستمرار. فتغير معنى الديمقراطية من (الوصول للحكم) برغبة الشعب إلى
(الحكم) برغبة الشعب, فيحكم الحاكم المنتخب بخططه وبرامجه وأيضا بإيحاءات
المعارضة في نفس الوقت. فالتفويض الديمقراطي لم يعد تفويضاً مطلقاً.
ولا يكفي للحكم المنتخب معرفة الرأي العام بل يلزمه عدم الانفصال عن
"المزاج" العام للأمة. لكن أهم الأهم الذي قدمه الشعب المصري كتغيير سياسي
جديد هو انه لن يحكمهم من ليسو راضون عنه تماماً, جيدا كان أو سيئاً أميناً
أو لصاً. لابد للحاكم أن يرضي الشعب. الحاكم منهم ثانيا ولهم أولا, فأهم من أنه منهم أنه لهم, ليس لإخوانه أو أولاده أو حزبه, بل لهم هم, هم كلهم.
ربما
هي صورة جديدة من نظرية العقد الاجتماعي تقدمها مصر للحضارة الإنسانية. لن
يحكم أحد إلا برضي شعبي ليس في أول وآخر فترة الحكم, بل طوال فترة
الحكم.
كسروا للعالم الثالث نظرية تألية الحاكم
وهذا يجعل من يتولى منصباً عاماً كأنه ليس تحت الرقابة البرلمانية كما هو
النظام الديمقراطي بل تحت رقابة الوطن كله. أمر مستحيل؟ أعلم ذلك, ولكني
أتحدث عن الواقع لا عن المفترض. يقدمون للعالم رقابة بها لن تباع شركة من شركات القطاع العام بعد اليوم, لن توزع ثروات الوطن بثمن بخس, لن توهب أراضي الأوطان للخاصة والمتسلقين والمنتفعين والأقرباء والأقربين.
الثانية: قدموا نظرية جديدة وهي أن الحاكم ان لم يتغير يُغّير, لابد من سرعة الاستجابة للتغير فالبطء قاتل في السياسة والعناد مهلكة.
الأمر
الثالث الذي سيقدمه المصريون لعلم السياسة هو الوزن النوعي للشباب. لا
مكان لعواجيز الأحزاب وكهول السياسة. لم تعد السياسة قاصرة على رموز سياسية
برلمانية أو حزبية, سيكون وزنا للشباب أكبر.
لا أتحدث هنا عما كان يجب أن يحدث لأني لا أحلل بل أدرس واقعا. فأنا مؤيد فكريا لمرسي كشخص, خصوصا نزاهته المالية, (وهي معيار الرجال عندي),
ولكن يجب ألا ننسى مثال طلب ولاية أبي ذر. وأرى أن المعارضة كانت بصفة
عامة سيئة وأن أداء مرسي رغم تواضعه أفضل من أداء معارضيه بمراحل ولكن ربما
لو وجد وضعا هادئا لحقق لبلده قفزات وقفزات, ولم تعط له فرصة حقيقة, فقد
تكالبت عليه بقايا النظام السابق في الشارع وفي المحاكم وفي الإعلام وفوق كل ذلك تكالب خارجي خبيث. واني لأعلم أنهم بذلك التكالب قد أضاعوا على مصر فرصاً لا تعوض.
هذا
ما قدم الشعب المصري للعلوم السياسية. ألا أن هناك جانب آخر مشرق قدم
للجانب الاجتماعي وهو أن يجتمع عشرون مليونا في مظاهرات ولا يكون نسبياً
لها ضحايا (فضحايا تلك المظاهرات أقل من ضحايا حوادث السيارات في نفس اليوم
في دول أخرى). أعلم أني ككاتب أخاطر بكتابة مقال عن أحداث قد تكذبني لأنها
ما زالت تتفاعل وتغلي في المشهد (كتب المقال يوم الاثنين 1 يوليو), فقد
تنزلق مصر إلى نفق مظلم. ولكني أدعو وأتمنى, وأحلم وأراهن على غير ذلك, لا
أراهن وفق معطيات فلست محللا سياسيا ولا كاتبا محترفا بل أكتب وفق هوى,
فقبل أن تقول أنت أيها القارئ الكريم أني أكتب وفق هوى أقولها أنا, نعم إني أكتب عن هوى. ومن يهوى مصر يستحيل عليه كتمان الهوى.
بقلم: جميل فارسي
بقلم: جميل فارسي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..