السانحة الأولى
تشرق الجوارح بالطاعات وتستضيء النفوس بالقربات ، تحفنا هذه الأيام صور
الإقبال الجماعي على الله بحسن الاستجابة لندائه (يا باغي الخير أقبل)
تنتشي روحك إن كنت بينهم فرمضان بحق هو شهر تنمية الإرادات والعزائم ،
العزيمة نقلة بين النية والعمل وهي قوة نفسية تمنحك الانتشاء للإقدام والمضي وشعور يتسرب من الآخرين يكسبك الثقة والثبات .. فعزيمتك انتصار
لنفسك على نفسك وثبات لغيرك ..
السانحة الثانية :
ينطلق الشهر الرباني (رمضان) بإصلاح السريرة .. ومنتهى غايته إصلاح
السريرة (كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) ..
ومحل الإرادات ومستقرها في السريرة (إنما الأعمال بالنيات) .. وثمرة الثواب
إصلاح السريرة (يوم تبلى السرائر) .. وعمدة القبول بنقاء السريرة (إلا من
أتى الله بقلب سليم) .. فحري بالمؤمن أن يجعل لنفسه مع كل عمل نية خاصة لا
سيما في الأعمال التي يدفعه إليها إقبال غالب الناس ، وثمرة تلك النية
الخاصة المضي والاستمرار على الصالحات بعد انقضاء الشهر أو عند انقطاع
الناس ، ودلالة على ثبات القصد والنية وأدعى لقبول الأعمال عند الله .
السانحة الثالثة :
أبدع أعمالاً مشروعة يسيرة تحفظ لك وهجك الروحي وإقبالك على الله وداوم
عليها .. خصص ٣٠ ريالا أو ٣٠٠ ريالا.. وضعها في جيبك العلوي تخرج قسط كل
يوم بيومه لتضعها في يد الفقير دون تردد ، خصص ٣٠ وجبة.. تدفع بواحدة كل
يوم لتفطير الصائمين بمسجدك.. انشر العلم بمطوية صغيرة تضعها في سيارتك
وتنير بها عقل مسلم وقلبه.. تسلل إلى معوز تعلم حاله من قريب أو بعيد وواسه
بدعاء أو مساندة أو وجبة أو مال.. أشرق بطيب نفس وإرادة خالصة على أهلك
وأحيي فيهم اللطف وحسن المعاشرة والصحبة...
لن تعدم عما تجد فيه الأثر البالغ على صفاء قلبك .. فاستعن بالله و(لا
تحقرن من المعروف شيئا) ، ورُبَّ عمل صغير عظّمته النية ورُبَّ عمل كبير
حقّرته النية كما قال أحد السلف .
السانحة الرابعة :
ذمَّ اللهُ اللهو والالتهاء في كتابه (ألهاكم التكاثر) .. يشيع في أهل
الدنيا التكاثر من ملذاتها ومتعها ، كما يشيع في أهل الله وطاعته التكاثر
من القربات والصالحات .. ومما يحسن ترشيده وضبطه في شهر المغفرة والرحمات
مما أكثر فيه الناس -ونحن منهم- بلا حد استخدام التقنية ، إذ أصبحت هي من
تستخدمهم ، فلا يكاد المرء يعد تسبيحاته واستغفاره إلا على أزرار جهازه !
.. فلا قلب يتهيأ للعبادة ولا وقت يبقى للمحاسبة والتفكر وهكذا تضيع
الأوقات والواجبات وتفوت المواسم ونحن في اللهو دون شعور ، والأحسن حالا
منا من يسوغ كثرة استخدامه للتقنية في الدعوة والخير مما يديم عليه الغفلة
وتضييع الشهر دون استثمار أمثل لسوانحه وهباته .. والمؤمَّل هنا ليس في
إقامة الحجة وردّها وإنما حسبنا أن المرء بصير بنفسه وبما يقوي قلبه ويزكي
نفسه ويقوّم عمله ..
وأسّس عزيمتك بشعار ( ألا أدلك على خير من التغريد ؟ .. الترتيل ) .. فهو
أبقى أثرا .. فإن أردت صلاح قلبك وصلاح أمتك فعد إلى القرآن .
السانحة الخامسة :
ودّع في عامك هذا ١٤٣٤هـ شهر رمضان وتجهّز للحاق بأحبابك فهم ينتظرونك وقد
تأخّرت عنهم .. فهم يحبونك ويشتاقون للقائك كما تحبهم وتشتاق إليهم .. فكم
كنت تردد عليهم التحية ويسمعونك تسلّم عليهم وتقول لهم (وإنا إن شاء الله
بكم لاحقون).. أما أطلت المجيء وتأخرت عنهم ؟ .. بالله كم ستبقى بعيدا عنهم
أكثر من ذلك ؟! .. شوقهم لك لا يحتمل أن تبقى شهر أو شهرين أو ستة أشهر
فربما تجاورهم قبل رمضان المسلمين القادم ، فخذ من الزاد ما يبلغ بك درجتهم
أو تشفع به لهم .. والديك .. أحبابك .. صلحاء الأمة .. شهداؤها .. وأنا
وأنت في الطريق (يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها وتوفى كل نفس ما عملت وهم
لايظلمون)..
اللهم بلغنا من الأعمال الصالحة في شهرك الكريم ما لا نندم على تقصيرنا
فيه وألهمنا ما ينفعنا وتجاوز عنا ذنوبنا واختم لنا أعمارنا بأحسن ختام ..
كتبه/ أبوعبدالملك عبدالكريم باعبدالله
رمضان ١٤٣٤هـ
تقبل الله منا ومنكم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..