سألت شيخي: هل يجوز دعم الاسلام السياسي؟
قلت اقصد الاسلام الحركي؟
قال ومقابله ماذا؟ هل بقيتنا معاقون ام موتى؟
قلت: قصدت الاحزاب والجماعات الاسلامية التي تشتغل في السياسة وتسعى للحكم؟
قال ولمٓ لا يشتغل المسلم بالسياسة ويحكم؟
قلت:
ولكنهم ليسوا "مسلمون" فقط، هم "اسلاميون" .. مجموعات منظمة انطلقت اساسا
للدعوة ثم اشتغلت بالسياسة او هي احزاب نشأت لتواكب العملية الديمقراطية
الجديدة في العالم العربي ولكن على اسس ايديلوجية اسلامية.
قال:
ولكن كيف تكون اسلاميا وديمقراطيا في وقت واحد؟ الديمقراطية تقوم على
التعددية المتكافئة بين الممثلين لكافة المواطنين، والحاكمية فيها للدستور
الوضعي. والاسلام مظلة واحدة تحفظ حقوق الاقليات ولكن بحكامها واحكامها،
والحاكمية لله وحده والمرجعية لشرعه، فكيف يقبل من هذه عقيدته ان يعمل
بالسياسة في اطار ديمقراطي يخالف ايمانه؟
قلت: اذن كيف يصل سلميا الى السلطة؟
قال: اي سلطة يريد الوصول اليها؟ سلطة تمثل حكما غير اسلامي؟
قلت: وما الحل اذن؟ اليس هذا افضل من ان يقبل ان يكون محكوما بهكذا سلطة؟
قال: الحل هو ان يغير نظام الحكم ليكون اسلاميا.
قلت: كيف وهو خارج السلطة؟
قال:
يعارض من منطلق شرعي وقانوني حتى يغير النظام ليكون شرعيا وحينها سيتولى
النظام بآليته اختيار الاصلح والأكفأ لادارة شئون كل دائرة وتخصص، بما في
ذلك السياسي والشرعي والقانوني. أما هذا التنازع على السلطة لكل صاحب غرض
فظاهرة غير صحية لم تخدم حتى البيئة التي انبثقت منها كما يجب فاخرجت لنا
زعماء تعجب كيف عقمت اممهم المتقدمة عن خير منهم.
قلت: اذن الاسلام هو الحل!
قال:
الاسلام شعار استغل كأي شعار. دعنا من الشعارات الفضفاضة ولنكن اكثر دقة.
اقول بل عقل المسلم المتخصص الباحث في تراثه المستنير بأرثه المراعي لبيئته
وظرفه هو الحل. لماذا نستورد الحلول الجاهزة من الاخرين؟ اليس من الاولى
ان نبدأ بالبحث عن حل عندنا؟ حل يناسبنا؟
قلت: ديمقراطية اسلامية؟
قال:
الديمقراطية مصطلح اغريقي يعني حكم الشعب للشعب. في الاسلام الحكم لله،
والولاية لامير الجماعة والشورى لاهل الحل والعقد. لماذا لا نسميها شورية
اسلامية؟
قلت: شورية ملزمة؟
قال:
الشورى مراحل ومستويات والبحث فيها يطول. فهناك شورى تختار فيها الجماعة
اميرها او تعفيه وهذه ملزمة. وهناك شورى تقدم له اراء يختار من بينها
الاصلح، وهذه غير ملزمة. قد افيدك ببعض علم ولكن علمي قليل. على علمائنا
ومفكرينا ان يبحثوا في هذه وتلك ويعطونا الاجابات والتفاصيل.
قلت: هناك بحوث في اسلمة العملية الديمقراطية.
قال:
عدنا للاستيراد؟ هذه عمليات ترقيع لمستورد، وكأننا نصر على ان نجاري غيرنا
من الامم في انظمة حكمها ونماهيها في آلياتها، مع بعض اللمسات التي توحي
بأنها تناسبنا. وصارت الامة كتلك الفتاة التي غطت شعرها بالحجاب وباقي
جسمها بالبنطال واللباس الضيق، تحسب انها بذلك ترضي الله وترضي خلقه.
قلت:
اذن نحن امام انتكاسة للتيار الاسلامي. هل سنشهد تكرار للتجربة الجزائرية
عندما انقلب الجيش على الفائز الاسلامي فتحول الى الارهاب؟
قال:
كل تجربة لها خصوصيتها، وادعو الله ان لا تتكرر. ولكن ما اخشاه ان ينعكس
اخفاق الاحزاب الاسلامية العربية في تجربة الحكم على القادة والمدراء
الاكفاء لمجرد وصفهم بالاسلاميين. اعداء الشريعة سيستغلون الفرصة لمحاربة
الشريعة بعذر انها تمثل الاسلام السياسي او الحركي او الحزبي او اي من هذه
المصطلحات المبتدعة. والديمقراطية التعددية التي جاؤا بها ستستثني كل صاحب
دين.
قلت: هل تعني
باخفاق الاحزاب الاسلامية العربية في تجربة الحكم استبعاد نظرية المؤامرة
والدولة العميقة وتحالف الفلول والقوى الخارجية ضدهم؟
قال:
قال عمرو بن العاص لمعاوية بن ابي سفيان رضي الله عنهما ما دخلت في مأزق
الا ووجدت لي مخرجا منه. فرد عليه داهية العرب اما انا فما ادخل في امر قبل
ان اعرف ان لي مخرجا منه. الحكمة كانت تقتضي ان لا تستحوذ الاحزاب الفائزة
على السلطات كلها حتى لا يشعر الاخرون بالاقصاء ويتحولون الى اعداء. وزادت
فلم تتواضع في نشوة انتصارها وتميل الى التشاور والتقاسم والاحتواء. اين
التعددية التي باتت تؤمن بها؟ وماذا كنت تنتظر؟ ان يسلم ويستسلم الاخرون؟
لكل فعل رد فعل يماثله في القوة. والمصالح التي مسها او هددها حكم
الاسلاميين المنفرد اكبر وعمق واكثر تشعبا في الداخل والخارج من ان تنهار
او تنسحب لمجرد ان رأس نظامه مضى مع بعض اعوانه.
لقد
استعجلت هذه الاحزاب الدخول في مأزق لم تحسب لها ادارة له ولا مخرجا منه.
وراهنت على نظام حكم لم تؤمن به حقيقة ولم تحسن ممارسته. وكان الاعقل ان
تترك لغيرها ادارة الازمات وتتعلم هي من كراسي المعارضة. حتى اذا نضجت
التجربة ووضعت الاليات السليمة للمشاركة شاركوا لا تحت راية الدين فكلنا
مسلمون ولكن باسم الادارة الكفؤة والحكم الرشيد والنزاهة والتقى.
قلت: اذن لا ترى بصيص نور؟ الا ترى في ما جرى اي خير؟
قال:
بلى. ارجو ان نخرج من هذه الازمة بيقظة. آمل ان يأتي من المفكرين من يبحث
لنا في نظام حكم رشيد، يستسقي من تراثنا ويستلهم تاريخنا ويستقرأ واقعنا
ومستقبلنا. لا مانع من ان نتعلم من تجارب الاخرين ولكن لا نستسهل فنقلدهم،
او نتذاكى فنرقع للبوسهم.
وارجو
ان تعي شعوبنا بأن التدين والكفاءة الادارية امران محبذ ان يجتمعان ولكن
ليس بالضرورة. فما كل من كان صاحب دين وتقوى يصلح للامارة والادارة. كما ان
ما كل من كان كفؤ لللقيادة بالضرورة عالم دين.
بقلم: د. خالد محمد باطرفي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..