ليس المقصود من هذا المقال مباركة ما حدث لشحاتة في "أبو مسلّم" بقاهرة
مصر، وليس المقصود
إعلان النكير على ما جرى له، فضلاً عن تأبينه أو الحزن عليه.
لكن المراد هنا هو أن أعرض بعض النماذج مما جرى لشحاتة عبر التاريخ، في انتقام الناس أعياناً وعامّة وثورتهم على من يتعرض لأمهاتهم وقريباتهم، سواء أكان غضبهم في الدين والعقيدة، أم في ذات النسب والشرف، وكل ذلك معتبر صيانته في دين الله، لندرك ببعض هذه النماذج المستفيضة أن هذه الحادثة ليست غريبةً، وإنما ربما كان من الغريب ألاّ تحدث.
وقبل ذلك نقدّم بين يديّ هذه النماذج هذا النص لمحمد الموسوي الشيرازي في كتابه ليالي بيشاور، يقول فيه (ص421):
"أما نحن الشيعة فنعتقد أن كل من يقذف أي واحدة من زوجات رسول الله (ص) لا سيما حفصة وعائشة، فهو ملحد كافر ملعون مهدور الدم، لأن ذلك مخالف لصريح القرآن وٕاهانة لرسول الله (ص)". انتهى كلامه.
هذا بحسب الشيعة، ناهيك عمّا عند أهل السنة، فهو شأن آخر، وأما في المذهب الحنبلي الذي أدين لله بالتمذهب به، فقد قال أبو طالب: "سأَلت أحمد عمن شتم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: القتل أَجْبُنُ عنه، ولكن أضربُه ضرباً نكالاً" (الصارم المسلول/ 571).
والآن إلى النماذج، ونقتصر على ما كان من زمن الجاهلية حتى نهاية القرن الرابع الهجري:
• "جساس هو جساس بن مرة بن ذهل بن شيبان وهو ابن عم عمرو بن الحارث وكان سبب ذلك أن كليبا خرج يوما يدور في حماه فإذا هو بحمرة على بيض لها فلما نظرت إليه صرصرت وخفقت بجناحيها فقال أمن روعك أنت وبيضك في ذمتي ثم دخلت ناقة البسوس الحمى فكسرت البيض فرماها كليب في ضرعها فاستغاثت البسوس بجارها جساس وكان كليب زوج أخت جساس فعدا عليه جساس ومعه عمرو بن الحارث ابن عمه فقتلاه" (شرح أدب الكاتب، 1/189).
• "قال عمرو بن هند الملك ذات يوم لندمائه: "هل تعلمون أحدا من العرب تأنف أمه من خدمة أمي". قالوا: "نعم، أم عمرو بن كلثوم" قال: "ولم؟ ". قالوا: "لأن أباها مهلهل بن ربيعة وعمها كليب بن وائل أعز العرب، وبعلها كلثوم بن مالك أفرس العرب، وابنها عمرو وهو سيد قومه". فأرسل عمرو بن هند إلى عمرو بن كلثوم يستزيره، ويسأله أن يزير أمه أمه. فأقبل عمرو من الجزيرة إلى الحيرة في جماعة من بني تغلب. وأقبلت ليلى بنت المهلهل في ظعن من بني تغلب.
فأمر عمرو بن هند برواقه فضرب فيما بين الحيرة والفرات وأرسل إلى وجوه أهل مملكته فحضروا، فدخل عمرو بن كلثوم على عمرو بن هند في رواقه. ودخلت ليلى أم عمرو بن كلثوم وهند أم عمرو بن هند في قبة من جانب الرواق.
وقد كان عمرو بن هند قد أمر أمه أن تنحي الخدم إذا دعا بالطرف وتستخدم ليلى . فدعا عمرو بن هند بمائدة، ثم دعا بالطرف. فقالت هند: "ناوليني يا ليلى ذاك الطبق". فقالت ليلى: "لتقم صاحبة الحاجة إلى حاجتها". فأعادت إليها وألحت. فصاحت ليلى: "وا ذلاه، يا لتغلب". فسمعها ولدها عمرو فثار الدم في وجهه. ونظر إليه عمرو بن هند فعرف الشر في وجهه. فوثب عمرو بن كلثوم إلى سيف عمرو بن هند معلق بالرواق - ليس هنالك سيف غيره - فضرب به رأس عمرو بن هند . ونادى في تغلب . فانتهبوا ما في الرواق وساقوا نجائبه وساروا نحو الجزيرة" (رجال المعلقات العشر، 1/41).
• "قال المفضل: كان عبد بني الحسحاس أسود طمطانياً إلا أنه كان حسن الشعر رقيق الألفاظ وأتي به أول ما قال الشعر عثمان بن عفان، فقيل له: اشتره فإنه شاعر، فقال: لا حاجة لي فيه؛ لأن العبد الأسود إذا كان شاعراً وجاع هجا مواليه، وإذا شبع شبب بنسائهم، وهو آخر أمره مقتول. وكان الأمر كما قال" (الأشباه والنظائر من أشعار المتقدمين، 1/61).
• "من بني فزارة: ثابت بن واقع، طلق امرأته ثم راجعها فقال ابن دارة:
يا ثابت بن واقعٍ ما أنتا ... أنت الذي طلقت لما جعتا.
حتى إذا اصطبحت واغتبقتا... أقبلت معتاداً لما تركتا.
أردت أن ترجعها كذبتا... قد أحسن اللّه وقد أسأتا.
فغضب له زميل بن عبد مناف، فأوعد ابن دارة، فقال:
أبلغ فزارة إني لا أصالحها ... حتى (...) زميلٌ أمّ دينارِ.
فقتل زميلٌ ابن دارة (...) وقال: أنا زميلٌ قاتل ابن دارة ... وراحض المخزاة عن فزارة... ثم جعلت عقلة البكارة" (أنساب الأشراف، 4/258).
• "والذي تولى قتله وقتل ابنه وغلامه رجل من بني أسد يقال له فاتك بن أبي الجهل بن فراس بن بداد، وكان من قوله وهو منعفر: قبحا لهذه اللحية يا سباب، وذلك أن فاتكاً هذا قرابة لوالدة ضبّة بن يزيد العيني الذي هجاه المتنبي بقوله:
ما أنصف القوم ضبّة ... وأمه الطرطبة.
ويقال إن فاتكاً خال ضبة، وأن الحمية داخلته لما سمع ذكرها بالقبيح في الشعر، وما للمتنبي شعر أسخف من هذا الشعر كلاماً، فكان على سخافته وركاكته سبب قتله وقتل ابنه وذهاب ماله" (بغية الطلب في تاريخ حلب، 2/682).
• "كان من مضى يخطبون النّاس يوم الجمعة بمكّة على أرجلهم قياما حتّى اتّخذ معاوية منبرا صغيرا على ثلاث درجات قدم به من الشام سنة حجّ. ثمّ صنع الخلفاء بعده منبراً أحكمت صناعته مفصّلاً قطعاً، وكان في خزانة المسجد، فإذا كان عيد أو جمعة أخرج المنبر أعواداً مفرّقة ونصب ما بين باب البيت والركن الشامي فيما يقابل المقام وأسند إلى جدار البيت، فيصعد الإمام يخطب عليه. وكذلك إذا ورد على صاحب مكّة كتاب من الخليفة نصب وقرئ عليه الكتاب.
فلمّا كانت سنة أربع وتسعين وثلاثمائة تكسّر ذلك المنبر في المسجد الحرام، وكان سبب كسره أنّ صاحب مصر الملقّب بالحاكم الحسن بن نزار بن معد أرسل إلى صاحب مكّة أبي الفتوح الحسن بن جعفر الحسني- قال القاضي الموسوي: وهو يومئذ قاضي مكّة وما والاها- بكتاب فيه شتم بعض الصحابة- رضوان الله عليهم- وبعض أزواجه - صلى الله عليه وسلم -، وأمر بقراءته على الناس. فلمّا فشا ذلك عند الناس من المجاورين والقاطنين بمكّة والمنتجعين وغيرهم من البلاد من قبائل العرب المجاورة، هذيل ورواحة وغيرهم، رجعوا إلى المسجد غضباً لله ولنبيّه ولأصحابه رضي الله عنهم. فلمّا بلغ ذلك القاضي تثاقل عن الخروج وتبطّأ وطال انتظار النّاس له، حتّى قال قائل: قد صعد المنبر. فرماه الناس بالحجارة وزحفوا إليه فلم يجدوه عليه، فتكسّر المنبر وصار رضاضاً.
وكان يوماً عظيماً ومشهداً مهيباً ولم يُقْدِمْ أحد بعد ذلك أن يعلّق بذلك المذهب" (المسالك والممالك، 1/197-396).
انتهى المراد من النماذج.
ومن باب الاستطراد أن يشار إلى أنه المهمّ أن ينبّه إلى أن هذا السلوك لم يكن في الماضي مقتصراً على العرب والمسلمين فحسب، بل كان متبعاً في أشراف الروم أيضاً، وأكتفي منه بمثالين، أحدهما عند الروم مما قبل الإسلام، والآخر بعد الإسلام:
• "رأى امرؤ القيس بنت قيصر فشغفها وشغفته حباً، دون أن يعلم أبوها بالأمر.
ثم إن قيصر ضم إليه جيشاً كثيفاً، وفيه جماعة من أبناء الملوك، فاندس رجل من بني أسد يقال له الطماح، وكان امرؤ القيس قد قتل أخاً له، فجاء الطماح هذا إلى بلاد الروم مستخفيا فوشى به إلى قيصر، بعد أن فصل بالجيش. فقال له: إن امرأ القيس غوي عاهر، وإنه لما انصرف عنك بالجيش ذكر أنه كان يراسل ابنتك وتراسله، وهو قائل فيها في ذلك أشعاراً يشهرها بها في العرب فيفضحها ويفضحك. فلما سمع ذلك قيصر بعث إلى امرئ القيس بحلة مسمومة منسوجة بالذهب. وقال له: قد أرسلت إليك بحلتي التي كنت ألبسها، تكرمة لك. فإذا وصلت إليك فالبسها باليمن والبركة. واكتب إلى بخبرك. فلما وصلت إليه لبسها، واشتد بها سروره. وكان يوما صائفاً شديد الحر، فأسرع فيه السم، وسقط جلده فلذلك سمي ذا القروح. وفي حالته هذه يقول:
وبدلت قرحا داميا بعد صحة ... فيا لك من نعمى تحولنَ أبؤسا
لقد طمح الطماح من بعد أرضه ... ليلبسني من دائه ما تلبسا"
(رجال المعلقات العشر، 1/20).
• "خرج جماعة من بلاد المغرب يريدون أرض مصر لأداء فريضة الحج، وساروا في بحر الملح، فألقتهم الريح إلى جزيرة صقلية ، فأخذهم النصارى وما معهم، وأتوا بهم إلى ملك صقلية، فأوقفهم بين يديه وسألهم عن حالهم، فأخبروه أنهم خرجوا يريدون الحج، فألقاهم الريح إلى هنا، فقال: أنتم غنيمة قد ساقكم الله إلي، وأمر بهم أن يقيدوا حتى يباعوا ويستخدموا في مهنهم، وكان من جملتهم رجل شريف، فقال له على لسان ترجمانه: أيها الملك إذا قدم عليك ابن ملك ماذا تَصنع به؟ قال: أكرمه، قال: وإن كان على غير دينك؟ قال: وما كرامته إلا إذا كان على غير ديني؟ وإلا فأهل ديني واجب كرامتهم. قال: فإني ابن أكبر ملوك الأرض، قال: ومن أبوك؟ قال: علي بن أبى طالب رضى الله عنه. قال: ولم لا قلت أبى محمد - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: خشيت أن تشتموه. قال: لا نشتمه أبداً. قال: بيَّنْ لي صدق ما ادعيت به، فأخرج له نسبته - وكانت معه في رق - فأمر بتخليته وتخلية من معه لسبيلهم، وجهزهم. ثم بلغه أن بعض النصارى من أجناده بال على هذا الشريف، فأمر به فأحرق، وشهر في بلده. ونودي عليه: هذا جزاء من يشتم الملوك ، فإنه كان شتم أبا الشريف أيضاً" (السلوك لمعرفة دين الملوك، 2/449).
فلعل في هذه النماذج المسوقة ما يكفي لبيان ما يمكن أن تصل إليه ردات الفعل الفردية أو الجماعيّة على هذه الأنماط من السلوكيات المشينة، فليست أعراض الناس ولا أمهاتهم وأخواتهم مما يستهان به ويخاض فيه هذا الخوض الذي خاضه شحاتة في أمنا عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ورفيقته في الجنة رضوان الله عليها وعلى سائر أمهات المؤمنين.
...........
عبدالواحد الأنصاري:
المقف الجديد
إعلان النكير على ما جرى له، فضلاً عن تأبينه أو الحزن عليه.
لكن المراد هنا هو أن أعرض بعض النماذج مما جرى لشحاتة عبر التاريخ، في انتقام الناس أعياناً وعامّة وثورتهم على من يتعرض لأمهاتهم وقريباتهم، سواء أكان غضبهم في الدين والعقيدة، أم في ذات النسب والشرف، وكل ذلك معتبر صيانته في دين الله، لندرك ببعض هذه النماذج المستفيضة أن هذه الحادثة ليست غريبةً، وإنما ربما كان من الغريب ألاّ تحدث.
وقبل ذلك نقدّم بين يديّ هذه النماذج هذا النص لمحمد الموسوي الشيرازي في كتابه ليالي بيشاور، يقول فيه (ص421):
"أما نحن الشيعة فنعتقد أن كل من يقذف أي واحدة من زوجات رسول الله (ص) لا سيما حفصة وعائشة، فهو ملحد كافر ملعون مهدور الدم، لأن ذلك مخالف لصريح القرآن وٕاهانة لرسول الله (ص)". انتهى كلامه.
هذا بحسب الشيعة، ناهيك عمّا عند أهل السنة، فهو شأن آخر، وأما في المذهب الحنبلي الذي أدين لله بالتمذهب به، فقد قال أبو طالب: "سأَلت أحمد عمن شتم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: القتل أَجْبُنُ عنه، ولكن أضربُه ضرباً نكالاً" (الصارم المسلول/ 571).
والآن إلى النماذج، ونقتصر على ما كان من زمن الجاهلية حتى نهاية القرن الرابع الهجري:
• "جساس هو جساس بن مرة بن ذهل بن شيبان وهو ابن عم عمرو بن الحارث وكان سبب ذلك أن كليبا خرج يوما يدور في حماه فإذا هو بحمرة على بيض لها فلما نظرت إليه صرصرت وخفقت بجناحيها فقال أمن روعك أنت وبيضك في ذمتي ثم دخلت ناقة البسوس الحمى فكسرت البيض فرماها كليب في ضرعها فاستغاثت البسوس بجارها جساس وكان كليب زوج أخت جساس فعدا عليه جساس ومعه عمرو بن الحارث ابن عمه فقتلاه" (شرح أدب الكاتب، 1/189).
• "قال عمرو بن هند الملك ذات يوم لندمائه: "هل تعلمون أحدا من العرب تأنف أمه من خدمة أمي". قالوا: "نعم، أم عمرو بن كلثوم" قال: "ولم؟ ". قالوا: "لأن أباها مهلهل بن ربيعة وعمها كليب بن وائل أعز العرب، وبعلها كلثوم بن مالك أفرس العرب، وابنها عمرو وهو سيد قومه". فأرسل عمرو بن هند إلى عمرو بن كلثوم يستزيره، ويسأله أن يزير أمه أمه. فأقبل عمرو من الجزيرة إلى الحيرة في جماعة من بني تغلب. وأقبلت ليلى بنت المهلهل في ظعن من بني تغلب.
فأمر عمرو بن هند برواقه فضرب فيما بين الحيرة والفرات وأرسل إلى وجوه أهل مملكته فحضروا، فدخل عمرو بن كلثوم على عمرو بن هند في رواقه. ودخلت ليلى أم عمرو بن كلثوم وهند أم عمرو بن هند في قبة من جانب الرواق.
وقد كان عمرو بن هند قد أمر أمه أن تنحي الخدم إذا دعا بالطرف وتستخدم ليلى . فدعا عمرو بن هند بمائدة، ثم دعا بالطرف. فقالت هند: "ناوليني يا ليلى ذاك الطبق". فقالت ليلى: "لتقم صاحبة الحاجة إلى حاجتها". فأعادت إليها وألحت. فصاحت ليلى: "وا ذلاه، يا لتغلب". فسمعها ولدها عمرو فثار الدم في وجهه. ونظر إليه عمرو بن هند فعرف الشر في وجهه. فوثب عمرو بن كلثوم إلى سيف عمرو بن هند معلق بالرواق - ليس هنالك سيف غيره - فضرب به رأس عمرو بن هند . ونادى في تغلب . فانتهبوا ما في الرواق وساقوا نجائبه وساروا نحو الجزيرة" (رجال المعلقات العشر، 1/41).
• "قال المفضل: كان عبد بني الحسحاس أسود طمطانياً إلا أنه كان حسن الشعر رقيق الألفاظ وأتي به أول ما قال الشعر عثمان بن عفان، فقيل له: اشتره فإنه شاعر، فقال: لا حاجة لي فيه؛ لأن العبد الأسود إذا كان شاعراً وجاع هجا مواليه، وإذا شبع شبب بنسائهم، وهو آخر أمره مقتول. وكان الأمر كما قال" (الأشباه والنظائر من أشعار المتقدمين، 1/61).
• "من بني فزارة: ثابت بن واقع، طلق امرأته ثم راجعها فقال ابن دارة:
يا ثابت بن واقعٍ ما أنتا ... أنت الذي طلقت لما جعتا.
حتى إذا اصطبحت واغتبقتا... أقبلت معتاداً لما تركتا.
أردت أن ترجعها كذبتا... قد أحسن اللّه وقد أسأتا.
فغضب له زميل بن عبد مناف، فأوعد ابن دارة، فقال:
أبلغ فزارة إني لا أصالحها ... حتى (...) زميلٌ أمّ دينارِ.
فقتل زميلٌ ابن دارة (...) وقال: أنا زميلٌ قاتل ابن دارة ... وراحض المخزاة عن فزارة... ثم جعلت عقلة البكارة" (أنساب الأشراف، 4/258).
• "والذي تولى قتله وقتل ابنه وغلامه رجل من بني أسد يقال له فاتك بن أبي الجهل بن فراس بن بداد، وكان من قوله وهو منعفر: قبحا لهذه اللحية يا سباب، وذلك أن فاتكاً هذا قرابة لوالدة ضبّة بن يزيد العيني الذي هجاه المتنبي بقوله:
ما أنصف القوم ضبّة ... وأمه الطرطبة.
ويقال إن فاتكاً خال ضبة، وأن الحمية داخلته لما سمع ذكرها بالقبيح في الشعر، وما للمتنبي شعر أسخف من هذا الشعر كلاماً، فكان على سخافته وركاكته سبب قتله وقتل ابنه وذهاب ماله" (بغية الطلب في تاريخ حلب، 2/682).
• "كان من مضى يخطبون النّاس يوم الجمعة بمكّة على أرجلهم قياما حتّى اتّخذ معاوية منبرا صغيرا على ثلاث درجات قدم به من الشام سنة حجّ. ثمّ صنع الخلفاء بعده منبراً أحكمت صناعته مفصّلاً قطعاً، وكان في خزانة المسجد، فإذا كان عيد أو جمعة أخرج المنبر أعواداً مفرّقة ونصب ما بين باب البيت والركن الشامي فيما يقابل المقام وأسند إلى جدار البيت، فيصعد الإمام يخطب عليه. وكذلك إذا ورد على صاحب مكّة كتاب من الخليفة نصب وقرئ عليه الكتاب.
فلمّا كانت سنة أربع وتسعين وثلاثمائة تكسّر ذلك المنبر في المسجد الحرام، وكان سبب كسره أنّ صاحب مصر الملقّب بالحاكم الحسن بن نزار بن معد أرسل إلى صاحب مكّة أبي الفتوح الحسن بن جعفر الحسني- قال القاضي الموسوي: وهو يومئذ قاضي مكّة وما والاها- بكتاب فيه شتم بعض الصحابة- رضوان الله عليهم- وبعض أزواجه - صلى الله عليه وسلم -، وأمر بقراءته على الناس. فلمّا فشا ذلك عند الناس من المجاورين والقاطنين بمكّة والمنتجعين وغيرهم من البلاد من قبائل العرب المجاورة، هذيل ورواحة وغيرهم، رجعوا إلى المسجد غضباً لله ولنبيّه ولأصحابه رضي الله عنهم. فلمّا بلغ ذلك القاضي تثاقل عن الخروج وتبطّأ وطال انتظار النّاس له، حتّى قال قائل: قد صعد المنبر. فرماه الناس بالحجارة وزحفوا إليه فلم يجدوه عليه، فتكسّر المنبر وصار رضاضاً.
وكان يوماً عظيماً ومشهداً مهيباً ولم يُقْدِمْ أحد بعد ذلك أن يعلّق بذلك المذهب" (المسالك والممالك، 1/197-396).
انتهى المراد من النماذج.
ومن باب الاستطراد أن يشار إلى أنه المهمّ أن ينبّه إلى أن هذا السلوك لم يكن في الماضي مقتصراً على العرب والمسلمين فحسب، بل كان متبعاً في أشراف الروم أيضاً، وأكتفي منه بمثالين، أحدهما عند الروم مما قبل الإسلام، والآخر بعد الإسلام:
• "رأى امرؤ القيس بنت قيصر فشغفها وشغفته حباً، دون أن يعلم أبوها بالأمر.
ثم إن قيصر ضم إليه جيشاً كثيفاً، وفيه جماعة من أبناء الملوك، فاندس رجل من بني أسد يقال له الطماح، وكان امرؤ القيس قد قتل أخاً له، فجاء الطماح هذا إلى بلاد الروم مستخفيا فوشى به إلى قيصر، بعد أن فصل بالجيش. فقال له: إن امرأ القيس غوي عاهر، وإنه لما انصرف عنك بالجيش ذكر أنه كان يراسل ابنتك وتراسله، وهو قائل فيها في ذلك أشعاراً يشهرها بها في العرب فيفضحها ويفضحك. فلما سمع ذلك قيصر بعث إلى امرئ القيس بحلة مسمومة منسوجة بالذهب. وقال له: قد أرسلت إليك بحلتي التي كنت ألبسها، تكرمة لك. فإذا وصلت إليك فالبسها باليمن والبركة. واكتب إلى بخبرك. فلما وصلت إليه لبسها، واشتد بها سروره. وكان يوما صائفاً شديد الحر، فأسرع فيه السم، وسقط جلده فلذلك سمي ذا القروح. وفي حالته هذه يقول:
وبدلت قرحا داميا بعد صحة ... فيا لك من نعمى تحولنَ أبؤسا
لقد طمح الطماح من بعد أرضه ... ليلبسني من دائه ما تلبسا"
(رجال المعلقات العشر، 1/20).
• "خرج جماعة من بلاد المغرب يريدون أرض مصر لأداء فريضة الحج، وساروا في بحر الملح، فألقتهم الريح إلى جزيرة صقلية ، فأخذهم النصارى وما معهم، وأتوا بهم إلى ملك صقلية، فأوقفهم بين يديه وسألهم عن حالهم، فأخبروه أنهم خرجوا يريدون الحج، فألقاهم الريح إلى هنا، فقال: أنتم غنيمة قد ساقكم الله إلي، وأمر بهم أن يقيدوا حتى يباعوا ويستخدموا في مهنهم، وكان من جملتهم رجل شريف، فقال له على لسان ترجمانه: أيها الملك إذا قدم عليك ابن ملك ماذا تَصنع به؟ قال: أكرمه، قال: وإن كان على غير دينك؟ قال: وما كرامته إلا إذا كان على غير ديني؟ وإلا فأهل ديني واجب كرامتهم. قال: فإني ابن أكبر ملوك الأرض، قال: ومن أبوك؟ قال: علي بن أبى طالب رضى الله عنه. قال: ولم لا قلت أبى محمد - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: خشيت أن تشتموه. قال: لا نشتمه أبداً. قال: بيَّنْ لي صدق ما ادعيت به، فأخرج له نسبته - وكانت معه في رق - فأمر بتخليته وتخلية من معه لسبيلهم، وجهزهم. ثم بلغه أن بعض النصارى من أجناده بال على هذا الشريف، فأمر به فأحرق، وشهر في بلده. ونودي عليه: هذا جزاء من يشتم الملوك ، فإنه كان شتم أبا الشريف أيضاً" (السلوك لمعرفة دين الملوك، 2/449).
فلعل في هذه النماذج المسوقة ما يكفي لبيان ما يمكن أن تصل إليه ردات الفعل الفردية أو الجماعيّة على هذه الأنماط من السلوكيات المشينة، فليست أعراض الناس ولا أمهاتهم وأخواتهم مما يستهان به ويخاض فيه هذا الخوض الذي خاضه شحاتة في أمنا عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ورفيقته في الجنة رضوان الله عليها وعلى سائر أمهات المؤمنين.
...........
عبدالواحد الأنصاري:
المقف الجديد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..