الثلاثاء، 13 أغسطس 2013

قصة مقتل الحسين كاملة

قصة مقتل الحسين من كتب الشيعة‎! ‎
________________________________________
من أصح كتب الشيعة في التاريخ والعقائد اخترنا لكم قصة مقتل الحسين رضي‎ ‎الله عنه‎
والكتاب هو الإرشاد للشيخ المفيدالمولود في سنة 336 هجرية‏‎
وللاختصار‎ ‎سوف ننقل لكم حرفيا ما ذكره المفيد في كتابه مع الاختصار والتركز على أهم نقاط‎ ‎القصة‎
ولذلك سوف أجتهد في وضع العناوين الرئيسية لكل موقف وألتزم بالنقل الحرفي‎ ‎للموضوع‎

‎  موقف الحسن والحسين من خلافة معاوية‎:
فكانت إمامة الحسين ع بعد وفاة أخيه بما قدمناه ثابتة و طاعته لجميع‎ ‎الخلق لازمة و إن ‏لم يدع إلى نفسه للتقية التي كان عليها و الهدنة الحاصلة بينه و‎ ‎بين معاوية بن أبي ‏سفيان فالتزم الوفاء بها و جرى في ذلك مجرى أبيه أمير‎ ‎المؤمنين

الإرشاد ج : 2 ص : 31‏‎

فصل فمن مختصر‎ ‎الأخبار التي جاءت بسبب دعوته ع و ما أخذه على الناس في الجهاد ‏من بيعته و ذكر جملة‎ ‎من أمره و خروجه و مقتله‎
ما رواه الكلبي و المدائني و غيرهما من أصحاب السيرة‎ ‎قالوا لما مات الحسن بن علي ع ‏تحركت الشيعة بالعراق و كتبوا إلى الحسين ع في خلع‎ ‎معاوية و البيعة له فامتنع‎ ‎عليهم ‏و ذكر أن بينه و بين معاوية عهدا و عقدا لا يجوز‎ ‎له نقضه حتى تمضي المدة فإن مات ‏معاوية نظر في ذلك

‎.‎ص:32‏

‎  وفاة معاوية‎ ‎وتحريض شيعة الكوفة‎:

و بلغ أهل الكوفة هلاك معاوية‎ ‎فارجفوا بيزيد و عرفوا خبر الحسين ع و امتناعه من بيعته ‏و ما كان من ابن الزبير في‎ ‎ذلك و خروجهما إلى مكة فاجتمعت الشيعة بالكوفة في منزل ‏سليمان بن صرد فذكروا هلاك‎ ‎معاوية فحمدوا الله عليه فقال سليمان إن معاوية قد هلك ‏و إن حسينا قد تقبض على‎ ‎القوم ببيعته و قد خرج إلى مكة و أنتم شيعته و شيعة أبيه ‏فإن كنتم تعلمون أنكم‎ ‎ناصروه و مجاهدو عدوه فأعلموه و إن خفتم الفشل و الوهن فلا ‏تغروا الرجل في‎ ‎نفسه‎
قالوا لا بل نقاتل عدوه و نقتل أنفسنا دونه قال فكتبوا‎
بسم الله الرحمن‎ ‎الرحيم للحسين بن علي ع من سليمان بن صرد و المسيب بن نجبة و ‏رفاعة بن شداد و حبيب‎ ‎بن مظاهر و شيعته من المؤمنين و المسلمين من أهل الكوفة ‏سلام عليك فإنا نحمد إليك‎ ‎الله الذي لا إله إلا هو. أما بعد فالحمد لله الذي قصم عدوك ‏الجبار العنيد الذي‎ ‎انتزى على هذه الأمة فابتزها أمرها و غصبها فيئها و تأمر عليها بغير ‏رضى منها ثم‎ ‎قتل خيارها و استبقى شرارها و جعل مال الله دولة بين جبابرتها و أغنيائها ‏فبعدا له‎ ‎كما بعدت ثمود إنه ليس علينا إمام فأقبل لعل الله أن يجمعنا بك على الحق و ‏النعمان‎ ‎بن بشير في قصر الإمارة لسنا نجمع معه في جمعه و لا نخرج معه إلى عيد و لو ‏قد بلغنا‎ ‎أنك أقبلت إلينا أخرجناه حتى نلحقه بالشام إن شاء الله
. ‎ثم سرحوا الكتاب مع‎ ‎عبد الله بن مسمع الهمداني و عبد الله بن وال و أمروهما بالنجاء ‏فخرجا مسرعين حتى‎ ‎قدما على الحسين ع بمكة لعشر مضين من شهر رمضان‎
‎. ‎و لبث أهل الكوفة يومين بعد‎ ‎تسريحهم بالكتاب و انفذوا قيس بن مسهر الصيداوي و ‏عبد الرحمن بن عبد الله الأرحبي و‎ ‎عمارة بن عبد السلولي إلى الحسين ع و معهم نحو ‏من مائة و خمسين صحيفة من الرجل و‎ ‎الاثنين و الأربعة‎
‎. ‎ثم لبثوا يومين آخرين و سرحوا إليه هانئ بن هانئ السبيعي و‎ ‎سعيد بن عبد الله ‏الحنفي و كتبوا إليه‎

بسم الله الرحمن الرحيم للحسين بن علي‎ ‎من شيعته من المؤمنين و المسلمين. أما بعد ‏فحي هلا فإن الناس ينتظرونك لا رأي لهم‎ ‎غيرك فالعجل العجل ثم العجل العجل و ‏السلام‎.‎

‎ و كتب شبث بن ربعي و حجار بن‎ ‎أبجر و يزيد بن الحارث بن رويم و عروة بن قيس و عمرو ‏بن الحجاج الزبيدي و محمد بن‎ ‎عمرو التيمي أما بعد فقد أخضر الجناب و أينعت الثمار فإذا ‏شئت فأقدم على جند لك‎ ‎مجند و السلام‎.‎

و تلاقت الرسل كلها عنده فقرأ الكتب و سأل الرسل عن الناس ثم‎ ‎كتب مع هانئ بن ‏هانئ و سعيد بن عبد الله و كانا آخر الرسل‎ ‎

بسم الله الرحمن‎ ‎الرحيم من الحسين بن علي إلى الملأ من المسلمين و المؤمنين أما ‏بعد فإن هانئا و‎ ‎سعيدا قدما علي بكتبكم و كانا آخر من قدم علي من رسلكم و قد فهمت ‏كل الذي اقتصصتم و‎ ‎ذكرتم و مقالة جلكم إنه ليس علينا إمام فأقبل لعل الله أن يجمعنا ‏بك على الهدى و‎ ‎الحق و إني باعث إليكم أخي و ابن عمي و ثقتي من أهل بيتي فإن ‏كتب إلي أنه قد اجتمع‎ ‎رأي ملئكم و ذوي الحجا و الفضل منكم على مثل ما قدمت به ‏رسلكم و قرأت في كتبكم أقدم‎ ‎عليكم وشيكا إن شاء الله فلعمري ما الإمام إلا الحاكم ‏بالكتاب القائم بالقسط الدائن‎ ‎بدين الحق الحابس نفسه على ذات الله و السلام‎
ص:36-39‏

خروج مسلم بن عقيل للكوفة‎:

و دعا الحسين بن علي ع مسلم‎ ‎بن عقيل بن أبي طالب رضي الله عنه فسرحه مع قيس ‏بن مسهر الصيداوي و عمارة بن عبد‎ ‎السلولي و عبد الرحمن بن عبد الله الأرحبي و أمره ‏بتقوى الله و كتمان أمره و اللطف‎ ‎فإن رأى الناس مجتمعين مستوسقين عجل إليه بذلك‎.
فأقبل مسلم حتى أتى المدينة‎ ‎فصلى في مسجد رسول الله ص و ودع من أحب من ‏أهله ثم استأجر دليلين من قيس فأقبلا به‎ ‎يتنكبان الطريق فضلا و أصابهم عطش شديد ‏فعجزا عن السير فأومئا له إلى سنن الطريق‎ ‎بعد أن لاح لهما ذلك فسلك مسلم ذلك ‏السنن و مات الدليلان عطشا‎.
فكتب مسلم بن‎ ‎عقيل رحمه الله من الموضع المعروف بالمضيق مع قيس بن مسهر أما ‏بعد فإنني أقبلت من‎ ‎المدينة مع دليلين لي فجارا عن الطريق فضلا و اشتد علينا العطش ‏فلم يلبثا أن ماتا و‎ ‎أقبلنا حتى انتهينا إلى الماء فلم ننج إلا بحشاشة أنفسنا و ذلك الماء ‏بمكان يدعى‎ ‎المضيق من بطن الخبت و قد تطيرت من وجهي هذا فإن رأيت أعفيتني منه ‏و بعثت غيري و‎ ‎السلام‎.
فكتب إليه الحسين بن علي ع أما بعد فقد خشيت أن لا يكون حملك على‎ ‎الكتاب إلي في ‏الاستعفاء من الوجه الذي وجهتك له إلا الجبن فامض لوجهك الذي وجهتك‎ ‎له و السلام‎.

الإرشاد ج : 2 ص : 40‏
وصول مسلم للكوفة ومبايعة‎ ‎الشيعة‎:

ثم أقبل حتى دخل الكوفة فنزل في دار المختار بن‎ ‎أبي عبيد و هي التي تدعى اليوم دار ‏سلم بن المسيب و أقبلت الشيعة تختلف إليه فكلما‎ ‎اجتمع إليه منهم جماعة قرأ عليهم ‏كتاب الحسين بن علي ع و هم يبكون و بايعه الناس‎ ‎حتى بايعه منهم ثمانية عشر ألفا ‏فكتب مسلم رحمه الله إلى الحسين ع يخبره ببيعة‎ ‎ثمانية عشر ألفا و يأمره بالقدوم‎ .

محاولة والي الكوفة لإطفاء‎ ‎الفتنة‎:
‎ و جعلت الشيعة تختلف إلى مسلم بن عقيل رضي الله‎ ‎عنه حتى علم مكانه فبلغ النعمان ‏بن بشير ذلك و كان واليا على الكوفة من قبل معاوية‏‎ ‎فأقره يزيد عليها فصعد المنبر فحمد ‏الله و أثنى عليه ثم قال‎ :
أما بعد فاتقوا‎ ‎الله عباد الله و لا تسارعوا إلى الفتنة و الفرقة فإن فيها يهلك الرجال و ‏تسفك‎ ‎الدماء و تغتصب الأموال إني لا أقاتل من لا يقاتلني و لا آتي على من لم يأت علي ‏و‎ ‎لا أنبه نائمكم و لا أتحرش بكم و لا آخذ بالقرف و لا الظنة و لا التهمة و لكنكم إن‎ ‎أبديتم ‏صفحتكم لي و نكثتم بيعتكم و خالفتم إمامكم فو الله الذي لا إله غيره‎ ‎لأضربنكم بسيفي ‏ما ثبت قائمه في يدي و لو لم يكن لي منكم ناصر أما إني أرجو أن يكون‎ ‎من يعرف الحق ‏منكم أكثر ممن يرديه الباطل‎.
فقام إليه عبد الله بن مسلم بن ربيعة‎ ‎الحضرمي حليف بني أمية فقال إنه لا يصلح ما ‏ترى إلا الغشم إن هذا الذي أنت عليه‎ ‎فيما بينك و بين عدوك رأي المستضعفين فقال له ‏النعمان أكون من المستضعفين في طاعة‎ ‎الله أحب إلي من أن أكون من الأعزين في ‏معصية الله ثم نزل‎.
و خرج عبد الله بن‎ ‎مسلم فكتب إلى يزيد بن معاوية أما بعد فإن مسلم بن عقيل قد قدم ‏الكوفة فبايعته‎ ‎الشيعة للحسين بن علي فإن يكن لك في الكوفة حاجة فابعث إليها رجلا ‏قويا ينفذ أمرك و‎ ‎يعمل مثل عملك في عدوك فإن النعمان بن بشير رجل ضعيف أو هو ‏يتضعف‎.


الإرشاد ج : 2 ص : 42‏
يزيد ومحاولة إطفاء‎ ‎الفتنة‎:

‎. ‎و خرج عبد الله بن مسلم فكتب إلى يزيد بن‎ ‎معاوية أما بعد فإن مسلم بن عقيل قد قدم ‏الكوفة فبايعته الشيعة للحسين بن علي فإن‎ ‎يكن لك في الكوفة حاجة فابعث إليها رجلا ‏قويا ينفذ أمرك و يعمل مثل عملك في عدوك‎ ‎فإن النعمان بن بشير رجل ضعيف أو هو ‏يتضعف ثم كتب إليه عمارة بن عقبة بنحو من كتابه‎ ‎ثم كتب إليه عمر بن سعد بن أبي ‏وقاص مثل ذلك. فلما وصلت الكتب إلى يزيد دعا سرجون‎ ‎مولى معاوية فقال ما رأيك إن ‏حسينا قد وجه إلى الكوفة مسلم بن عقيل يبايع له و قد‎ ‎بلغني عن النعمان بن بشير ‏ضعف و قول سيئ فمن ترى أن أستعمل على الكوفة‎
و كان‎ ‎يزيد عاتبا على عبيد الله بن زياد فقال له سرجون أ رأيت معاوية لو نشر لك حيا أما‎ ‎كنت آخذا برأيه قال: نعم قال فأخرج سرجون عهد عبيد الله بن زياد على الكوفة‎
و‎ ‎قال هذا رأي معاوية مات و قد أمر بهذا الكتاب فضم المصرين إلى عبيد الله بن زياد‎ ‎فقال له يزيد :أفعل ابعث بعهد عبيد الله إليه ثم دعا مسلم بن عمرو الباهلي و كتب‎ ‎إلى ‏عبيد الله بن زياد معه‎
أما بعد فإنه كتب إلى شيعتي من أهل الكوفة يخبروني‎ ‎أن ابن عقيل بها يجمع الجموع و ‏يشق عصا المسلمين فسر حين تقرأ كتابي هذا حتى تأتي‎ ‎الكوفة فتطلب ابن عقيل ‏طلب الخرزة حتى تثقفه فتوثقه أو تقتله أو تنفيه و السلام. و‎ ‎سلم إليه عهده على الكوفة ‏فسار مسلم بن عمرو حتى قدم على عبيد الله بالبصرة فأوصل‎ ‎إليه العهد و الكتاب فأمر ‏عبيد الله بالجهاز من وقته و المسير و التهيؤ إلى الكوفة‎ ‎من الغد ثم خرج من البصرة و ‏استخلف أخاه عثمان و أقبل إلى الكوفة و معه مسلم بن‎ ‎عمرو الباهلي و شريك بن أعور ‏الحارثي و حشمه و أهل بيته حتى دخل الكوفة و عليه‎ ‎عمامة سوداء و هو متلثم‎
و الناس قد بلغهم إقبال الحسين ع إليهم فهم ينتظرون‎ ‎قدومه فظنوا حين رأوا عبيد الله ‏أنه الحسين فأخذ لا يمر على جماعة من الناس إلا‎ ‎سلموا عليه و قالوا مرحبا بابن رسول ‏الله قدمت خير مقدم فرأى من تباشرهم بالحسين ما‎ ‎ساءه فقال مسلم بن عمرو لما ‏أكثروا :تأخروا هذا الأمير عبيد الله بن زياد‎.
و‎ ‎سار حتى وافى القصر في الليل و معه جماعة قد التفوا به لا يشكون أنه الحسين‎ ‎ع‎
فأغلق النعمان بن بشير عليه و على حامته فناداه بعض من كان معه ليفتح لهم‎ ‎الباب ‏فاطلع إليه النعمان و هو يظنه الحسين فقال أنشدك الله إلا تنحيت و الله ما‎ ‎أنا مسلم ‏إليك أمانتي و ما لي في قتالك من أرب‎
فجعل لا يكلمه ثم إنه دنا و تدلى‏‎ ‎النعمان من شرف فجعل يكلمه فقال افتح لا فتحت فقد ‏طال ليلك و سمعها إنسان خلفه فنكص‎ ‎إلى القوم الذين اتبعوه من أهل الكوفة على أنه ‏الحسين فقال أي قوم ابن مرجانة و‎ ‎الذي لا إله غيره ففتح له النعمان و دخل و ضربوا ‏الباب في وجوه الناس فانفضوا‎
‎. ‎و أصبح فنادى في الناس الصلاة جامعة فاجتمع الناس فخرج إليهم فحمد الله و أثنى ‏عليه‎ ‎ثم قال: أما بعد فإن أمير المؤمنين ولاني مصركم و ثغركم و فيئكم و أمرني بإنصاف‎ ‎مظلومكم و إعطاء محرومكم و الإحسان إلى سامعكم و مطيعكم كالوالد البر و سوطي و ‏سيفي‎ ‎على من ترك أمري و خالف عهدي فليبق امرؤ على نفسه الصدق ينبي عنك لا ‏الوعيد‎.
ثم‎ ‎نزل و أخذ العرفاء و الناس أخذا شديدا فقال اكتبوا إلى العرفاء و من فيكم من طلبة‎ ‎أمير المؤمنين و من فيكم من الحرورية و أهل الريب الذين رأيهم الخلاف و الشقاق فمن‎ ‎يجي‏ء بهم لنا فبرئ و من لم يكتب لنا أحدا فليضمن لنا ما في عرافته أن لا يخالفنا‎ ‎منهم ‏مخالف و لا يبغ علينا منهم باغ فمن لم يفعل برئت منه الذمة و حلال لنا دمه و‎ ‎ماله و أيما ‏عريف وجد في عرافته من بغية أمير المؤمنين أحد لم يرفعه إلينا صلب على‎ ‎باب داره و ‏ألغيت تلك العرافة من العطاء‎.


الإرشاد ج : 2 ص‏‎ ‎‏43-45‏

البحث عن مسلم بن عقيل‎:

‎. ‎فجاء هانئ حتى دخل على ابن زياد‎ ‎و معه القوم فلما طلع قال ابن زياد أتتك بحائن رجلاه فلما ‏دنا من ابن زياد و عنده‎ ‎شريح القاضي التفت نحوه فقال‎ :
‎                              أريد حباءه و يريد قتلي           عذيرك من خليلك من‎ ‎مراد‎

و قد كان أول ما دخل عليه مكرما له ملطفا فقال له هانئ و ما ذلك أيها‎ ‎الأمير قال إيه يا هانئ ‏بن عروة ما هذه الأمور التي تربص في دارك لأمير المؤمنين و‎ ‎عامة المسلمين جئت بمسلم بن ‏عقيل فأدخلته دارك و جمعت له السلاح و الرجال في الدور‎ ‎حولك و ظننت أن ذلك يخفى علي ‏فقال ما فعلت و ما مسلم عندي قال بلى قد فعلت فلما كثر‎ ‎ذلك بينهما و أبى هانئ إلا ‏مجاحدته و مناكرته دعا ابن زياد معقلا ذلك العين فجاء‎ ‎حتى وقف بين يديه فقال أ تعرف هذا قال ‏نعم و علم هانئ عند ذلك أنه كان عينا عليهم و‎ ‎أنه قد أتاه بأخبارهم فأسقط في يده ساعة ثم ‏راجعته نفسه فقال اسمع مني و صدق مقالتي‎ ‎فو الله لا كذبت و الله ما دعوته إلى منزلي و لا ‏علمت بشي‏ء من أمره حتى جاءني‎ ‎يسألني النزول فاستحييت من رده و دخلني من ذلك ذمام ‏فضيفته و آويته و قد كان من‎ ‎أمره ما كان بلغك فإن شئت أن أعطيك الآن موثقا مغلظا ألا أبغيك ‏سوءا و لا غائلة و‎ ‎لآتينك حتى أضع يدي في يدك و إن شئت أعطيتك رهينة تكون في يدك حتى ‏آتيك و أنطلق‎ ‎إليه فآمره أن يخرج من داري إلى حيث شاء من الأرض فأخرج من ذمامه و جواره ‏فقال له‎ ‎ابن زياد و الله لا تفارقني أبدا حتى تأتيني به قال لا و الله لا آتيك به أبدا‎ ‎أجيئك بضيفي ‏تقتله قال و الله لتأتين به قال لا و الله لا آتيك به. فلما كثر الكلام‎ ‎بينهما قام مسلم بن عمرو ‏الباهلي و ليس بالكوفة شامي و لا بصري غيره فقال أصلح الله‎ ‎الأمير خلني و إياه حتى أكلمه ‏فقام فخلا به ناحية من ابن زياد و هما منه بحيث‎ ‎يراهما فإذا رفعا أصواتهما سمع ما يقولان ‏فقال له مسلم يا هانئ إني أنشدك الله أن‎ ‎تقتل نفسك و أن تدخل البلاء على عشيرتك فو الله ‏إني لأنفس بك عن القتل أن هذا الرجل‎ ‎ابن عم القوم و ليسوا قاتليه و لا ضائريه فادفعه إليه ‏فإنه ليس عليك بذلك مخزاة و‎ ‎لا منقصة إنما تدفعه إلى السلطان فقال هانئ و الله إن علي ‏في ذلك للخزي و العار أنا‎ ‎أدفع جاري و ضيفي و أنا حي صحيح أسمع و أرى شديد الساعد ‏كثير الأعوان و الله لو لم‎ ‎أكن إلا واحدا ليس لي ناصر لم أدفعه حتى أموت دونه فأخذ يناشده و ‏هو يقول و الله لا‎ ‎أدفعه أبدا. فسمع ابن زياد ذلك فقال أدنوه مني فأدني منه فقال و الله ‏لتأتيني به أو‎ ‎لأضربن عنقك فقال هانئ إذا و الله تكثر البارقة حول دارك فقال ابن زياد وا لهفاه‏‎ ‎عليك أ بالبارقة تخوفني و هو يظن أن عشيرته سيمنعونه ثم قال أدنوه مني فأدني فاعترض‎ ‎وجهه بالقضيب فلم يزل يضرب وجهه و أنفه و جبينه و خده حتى كسر أنفه و سيل الدماء‎ ‎على ‏ثيابه و نثر لحم خده و جبينه على لحيته حتى كسر القضيب و ضرب هانئ يده إلى قائم‏‎ ‎سيف ‏شرطي و جاذبه الرجل و منعه فقال عبيد الله أ حروري سائر اليوم قد حل لنا دمك‎ ‎جروه فجروه ‏فألقوه في بيت من بيوت الدار و أغلقوا عليه بابه فقال اجعلوا عليه حرسا‎ ‎ففعل ذلك به فقام ‏إليه حسان بن أسماء فقال أ رسل غدر سائر اليوم أمرتنا أن نجيئك‎ ‎بالرجل حتى إذا جئناك به ‏هشمت وجهه و سيلت دمائه على لحيته و زعمت أنك تقتله فقال‎ ‎له عبيد الله و إنك لهاهنا فأمر ‏به فلهز و تعتع ثم أجلس ناحية فقال محمد بن الأشعث‎ ‎قد رضينا بما رآه الأمير لنا كان أو علينا ‏إنما الأمير مؤدب. و بلغ عمرو بن الحجاج‎ ‎أن هانئا قد قتل فأقبل في مذحج حتى أحاط بالقصر و ‏معه جمع عظيم ثم نادى أنا عمرو بن‎ ‎الحجاج و هذه فرسان مذحج و وجوهها لم تخلع طاعة و ‏لم تفارق جماعة و قد بلغهم أن‎ ‎صاحبهم قتل فأعظموا ذلك فقيل لعبيد الله بن زياد هذه مذحج ‏بالباب فقال لشريح القاضي‎ ‎ادخل على صاحبهم فانظر إليه ثم اخرج و أعلمهم أنه حي لم يقتل ‏فدخل فنظر شريح إليه‎ ‎فقال هانئ لما رأى شريحا يا لله يا للمسلمين أ هلكت عشيرتي أين ‏أهل الدين أين أهل‎ ‎البصر و الدماء تسيل على لحيته إذ سمع الرجة على باب القصر فقال إني ‏لأظنها أصوات‎ ‎مذحج و شيعتي من المسلمين إنه إن دخل علي عشرة نفر أنقذوني فلما سمع ‏كلامه شريح خرج‎ ‎إليهم فقال لهم إن الأمير لما بلغه مكانكم و مقالتكم في صاحبكم أمرني ‏بالدخول إليه‎ ‎فأتيته فنظرت إليه فأمرني أن ألقاكم و أن أعلمكم أنه حي و أن الذي بلغكم من ‏قتله‎ ‎باطل فقال عمرو بن الحجاج و أصحابه أما إذ لم يقتل فالحمد لله ثم‎ ‎انصرفوا‎.

الإرشاد ج : 2 ص : 48-51‏

بداية الثورة ضد ابن‎ ‎زياد‎:
‎ ‎. ‎و خرج عبيد الله بن زياد فصعد المنبر و معه أشراف‎ ‎الناس و شرطه و حشمه فقال أما بعد أيها ‏الناس فاعتصموا بطاعة الله و طاعة أئمتكم و‎ ‎لا تفرقوا فتهلكوا و تذلوا و تقتلوا و تجفوا و تحربوا ‏إن أخاك من صدقك و قد أعذر من‎ ‎أنذر ثم ذهب لينزل فما نزل عن المنبر حتى دخلت النظارة ‏المسجد من قبل باب التمارين‎ ‎يشتدون و يقولون قد جاء ابن عقيل قد جاء ابن عقيل فدخل عبيد ‏الله القصر مسرعا و‎ ‎أغلق أبوابه. قال عبد الله بن حازم أنا و الله رسول ابن عقيل إلى القصر ‏لأنظر ما‎ ‎فعل هانئ فلما حبس و ضرب ركبت فرسي فكنت أول أهل الدار دخل على مسلم بن ‏عقيل بالخبر‎ ‎فإذا نسوة لمراد مجتمعات ينادين يا عبرتاه يا ثكلاه فدخلت على مسلم بن عقيل ‏فأخبرته‎ ‎فأمرني أن أنادي في أصحابه و قد ملأ بهم الدور حوله و كانوا فيها أربعة آلاف رجل‎ ‎فناديت يا منصور أمت فتنادى أهل الكوفة و اجتمعوا عليه فعقد مسلم لرءوس الأرباع على‎ ‎القبائل كندة و مذحج و أسد و تميم و همدان و تداعى الناس و اجتمعوا فما لبثنا إلا‎ ‎قليلا حتى ‏امتلأ المسجد من الناس و السوق و ما زالوا يتوثبون حتى المساء فضاق بعبيد‎ ‎الله أمره و كان ‏أكثر عمله أن يمسك باب القصر‎ ‎و ليس معه في‎ ‎القصر إلا ثلاثون رجلا من الشرط و عشرون ‏رجلا من أشراف الناس و أهل بيته و خاصته‎ ‎و أقبل من نأى عنه من أشراف الناس يأتونه من ‏قبل الباب الذي يلي دار‎ ‎الروميين و جعل من في القصر مع ابن زياد يشرفون عليهم فينظرون ‏إليهم و هم يرمونهم‎ ‎بالحجارة و يشتمونهم و يفترون على عبيد الله و على أبيه‏‎.

الإرشاد ج‎ : 2 ‎ص : 52‏

‎  بداية خيانة الشيعة‎:
‎ و دعا ابن زياد كثير بن شهاب و أمره‎ ‎أن يخرج فيما أطاعه من مذحج فيسير في الكوفة و يخذل ‏الناس عن ابن عقيل و يخوفهم‎ ‎الحرب و يحذرهم عقوبة السلطان و أمر محمد بن الأشعث أن ‏يخرج فيمن أطاعه من كندة و‎ ‎حضرموت فيرفع راية أمان لمن جاءه من الناس و قال مثل ذلك ‏للقعقاع الذهلي و شبث بن‎ ‎ربعي التميمي و حجار بن أبجر العجلي و شمر بن ذي الجوشن ‏العامري و حبس باقي وجوه‎ ‎الناس عنده استيحاشا إليهم لقلة عدد من معه من الناس.فخرج ‏كثير بن شهاب يخذل الناس‎ ‎عن ابن عقيل و خرج محمد بن الأشعث حتى وقف عند دور بني ‏عمارة فبعث ابن عقيل إلى‎ ‎محمد بن الأشعث من المسجد عبد الرحمن بن شريح الشبامي ‏فلما رأى ابن الأشعث كثرة من‎ ‎أتاه تأخر عن مكانه و جعل محمد بن الأشعث و كثير بن شهاب و ‏القعقاع بن شور الذهلي و‎ ‎شبث بن ربعي يردون الناس عن اللحوق بمسلم و يخوفونهم ‏السلطان حتى اجتمع إليهم عدد‎ ‎كثير من قومهم و غيرهم فصاروا إلى ابن زياد من قبل دار ‏الروميين و دخل القوم معهم‎ ‎فقال له كثير بن شهاب أصلح الله الأمير معك في القصر ناس كثير ‏من أشراف الناس و من‎ ‎شرطك و أهل بيتك و مواليك فاخرج بنا إليهم فأبى عبيد الله و عقد ‏لشبث بن ربعي لواء‎ ‎فأخرجه. و أقام الناس مع ابن عقيل يكثرون حتى المساء و أمرهم شديد ‏فبعث عبيد الله‎ ‎إلى الأشراف فجمعهم ثم أشرفوا على الناس فمنوا أهل الطاعة الزيادة و ‏الكرامة و‎ ‎خوفوا أهل العصيان الحرمان و العقوبة و أعلموهم وصول الجند من الشام إليهم و ‏تكلم‎ ‎كثير حتى كادت الشمس أن تجب فقال أيها الناس ألحقوا بأهاليكم و لا تعجلوا الشر و لا‎ ‎تعرضوا أنفسكم للقتل فإن هذه جنود أمير المؤمنين يزيد قد أقبلت و قد أعطى الله‎ ‎الأمير عهدا ‏لئن تممتم على حربه و لم تنصرفوا من عشيتكم أن يحرم ذريتكم العطاء و‎ ‎يفرق مقاتلتكم في ‏مغازي الشام و أن يأخذ البري‏ء بالسقيم و الشاهد بالغائب حتى لا‎ ‎تبقى له بقية من أهل ‏المعصية إلا أذاقها وبال ما جنت أيديها و تكلم الأشراف بنحو من‎ ‎ذلك. ‏

فلما سمع الناس مقالهم أخذوا يتفرقون و كانت المرأة تأتي ابنها أو أخاها فتقول‎ ‎انصرف الناس ‏يكفونك و يجي‏ء الرجل إلى ابنه و أخيه فيقول غدا يأتيك أهل الشام فما‎ ‎تصنع بالحرب و الشر ‏انصرف فيذهب به فينصرف فما زالوا يتفرقون حتى أمسى ابن عقيل و‎ ‎صلى المغرب و ما معه ‏إلا ثلاثون نفسا في المسجد فلما رأى أنه قد أمسى و ما معه إلا‏‎ ‎أولئك النفر خرج من المسجد ‏متوجها نحو أبواب كندة فما بلغ الأبواب و معه منهم عشرة‎ ‎ثم خرج من الباب فإذا ليس معه ‏إنسان فالتفت فإذا هو لا يحس أحدا يدله على الطريق و‎ ‎لا يدله على منزله و لا يواسيه بنفسه ‏إن عرض له عدو. فمضى على وجهه متلددا في أزقة‎ ‎الكوفة لا يدري أين يذهب حتى خرج إلى ‏دور بني جبلة من كندة فمشى حتى انتهى إلى باب‎ ‎امرأة يقال لها طوعة أم ولد كانت للأشعث ‏بن قيس فأعتقها فتزوجها أسيد الحضرمي فولدت‎ ‎له بلالا و كان بلال قد خرج مع الناس فأمه ‏قائمة تنتظره فسلم عليها ابن عقيل فردت ع‎ ‎فقال لها يا أمة الله اسقيني ماء فسقته و جلس و ‏أدخلت الإناء ثم خرجت فقالت يا عبد‎ ‎الله أ لم تشرب قال بلى قالت فاذهب إلى أهلك فسكت ثم ‏أعادت مثل ذلك فسكت ثم قالت له‎ ‎في الثالثة سبحان الله يا عبد الله قم عافاك الله إلى أهلك ‏فإنه لا يصلح لك الجلوس‎ ‎على بابي و لا أحله لك. فقام و قال يا أمة الله ما لي في هذا المصر ‏منزل و لا عشيرة‎ ‎فهل لك في أجر و معروف لعلي مكافئك بعد اليوم فقالت يا عبد الله و ما ذاك ‏قال أنا‎ ‎مسلم بن عقيل‎ ‎كذبني هؤلاء القوم و غروني و أخرجوني‎ ‎قالت أنت مسلم قال نعم ‏قالت ادخل فدخل بيتا في دارها غير البيت الذي تكون‎ ‎فيه و فرشت له و عرضت عليه العشاء ‏فلم يتعش. و لم يكن بأسرع أن جاء ابنها فرآها‎ ‎تكثر الدخول في البيت و الخروج منه فقال لها و ‏الله إنه ليريبني كثرة دخولك هذا‎ ‎البيت منذ الليلة و خروجك منه إن لك لشأنا قالت يا بني اله ‏عن هذا قال و الله‎ ‎لتخبرينني قالت أقبل على شأنك و لا تسألني عن شي‏ء فألح عليها فقالت ‏يا بني لا‎ ‎تخبرن أحدا من الناس بشي‏ء مما أخبرك به قال نعم فأخذت عليه الأيمان فحلف لها‎ ‎فأخبرته فاضطجع و سكت‎.
الإرشاد ج : 2 ص : 53-55‏

البحث عن ابن عقيل‎:
‎ علم ابن زياد‎ ‎بتفرق القوم ففتح باب السدة التي في المسجد ثم خرج فصعد المنبر و ‏خرج أصحابه معه‏‎ ‎فأمرهم فجلسوا قبيل العتمة و أمر عمرو بن نافع فنادى ألا برئت الذمة ‏من رجل من‎ ‎الشرط و العرفاء و المناكب أو المقاتلة صلى العتمة إلا في المسجد فلم يكن ‏إلا ساعة‎ ‎حتى امتلأ المسجد من الناس ثم أمر مناديه فأقام الصلاة و أقام الحرس خلفه و ‏أمرهم‎ ‎بحراسته من أن يدخل عليه أحد يغتاله و صلى بالناس ثم صعد المنبر فحمد الله و ‏أثنى‎ ‎عليه ثم قال أما بعد فإن ابن عقيل السفيه الجاهل قد أتى ما قد رأيتم من الخلاف و‎ ‎الشقاق فبرئت ذمة الله من رجل وجدناه في داره و من جاء به فله ديته اتقوا الله عباد‎ ‎الله و الزموا طاعتكم و بيعتكم و لا تجعلوا على أنفسكم سبيلا يا حصين بن نمير ثكلتك‎ ‎أمك إن ضاع باب سكة من سكك الكوفة أو خرج هذا الرجل و لم تأتني به و قد سلطتك ‏على‎ ‎دور أهل الكوفة فابعث مراصد على أهل السكك و أصبح غدا فاستبرئ الدور و جس ‏خلالها‎ ‎حتى تأتيني بهذا الرجل‎.

الإرشاد ج : 2 ص : 57‏

القبض على ابن عقيل وخيانة الشيعة الثانية‎:

و أصبح ابن تلك العجوز فغدا إلى عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث فأخبره‎ ‎بمكان مسلم ‏بن عقيل عند أمه فأقبل عبد الرحمن حتى أتى أباه و هو عند ابن زياد فساره‎ ‎فعرف ابن ‏زياد سراره فقال له ابن زياد بالقضيب‎ ‎في جنبه قم فائتني به الساعة فقام و‎ ‎بعث معه ‏قومه لأنه قد علم أن كل قوم يكرهون أن يصاب فيهم مسلم بن عقيل و بعث معه‎ ‎عبيد ‏الله بن عباس السلمي في سبعين رجلا من قيس حتى أتوا الدار التي فيها مسلم بن‎ ‎عقيل رحمه الله فلما سمع وقع الخيل و أصوات الرجال علم أنه قد أتى فخرج إليهم ‏بسيفه‎ ‎و اقتحموا عليه الدار فشد عليهم يضربهم بسيفه حتى أخرجهم من الدار ثم عادوا ‏إليه‎ ‎فشد عليهم كذلك فاختلف هو و بكر بن حمران الأحمري فضرب فم مسلم فشق ‏شفته العليا و‎ ‎أسرع السيف في السفلى و نصلت له ثنيتاه و ضرب مسلم في رأسه ‏ضربة منكرة و ثناه بأخرى‎ ‎على حبل العاتق كادت تطلع على جوفه فلما رأوا ذلك أشرفوا ‏عليه من فوق البيت فأخذوا‎ ‎يرمونه بالحجارة و يلهبون النار في أطنان القصب ثم يلقونها ‏عليه من فوق البيت فلما‎ ‎رأى ذلك خرج عليهم مصلتا بسيفه في السكة فقال له محمد ‏بن الأشعث لك الأمان لا تقتل‎ ‎نفسك و هو يقاتلهم و يقول‎
أقسمت لا أقتل إلا حرا إني رأيت الموت شيئا نكراو‎ ‎يجعل البارد سخنا مرا رد شعاع ‏الشمس فاستقراكل امرئ يوما ملاق شرا أخاف أن أكذب أو‎ ‎أغرا‎
فقال له محمد بن الأشعث إنك لا تكذب و لا تغر فلا تجزع إن القوم بنو عمك و‎ ‎ليسوا ‏بقاتليك و لا ضائريك و كان قد أثخن بالحجارة و عجز عن القتال فانبهر و أسند‏‎ ‎ظهره إلى ‏جنب تلك الدار فأعاد ابن الأشعث عليه القول لك الأمان فقال آمن أنا قال‎ ‎نعم فقال للقوم ‏الذين معه لي الأمان فقال القوم له نعم إلا عبيد الله بن العباس‎ ‎السلمي فإنه قال لا ناقة ‏لي في هذا و لا جمل و تنحى فقال مسلم أما لو لم تؤمنوني ما‎ ‎وضعت يدي في أيديكم. ‏و أتي ببغلة فحمل عليها فاجتمعوا حوله و انتزعوا سيفه فكأنه‎ ‎عند ذلك أيس من نفسه و ‏دمعت عيناه ثم قال هذا أول الغدر قال له محمد بن الأشعث أرجو‎ ‎أن لا يكون عليك بأس ‏فقال و ما هو إلا الرجاء أين أمانكم إنا لله و إنا إليه راجعون‎ ‎و بكى فقال له عبيد الله بن ‏العباس السلمي إن من يطلب مثل الذي تطلب إذا نزل به مثل‎ ‎الذي نزل بك لم يبك قال ‏إني و الله ما لنفسي بكيت و لا لها من القتل أرثي و إن كنت‎ ‎لم أحب لها طرفة عين تلفا‎ ‎و ‏لكن أبكي لأهلي المقبلين إلي‎ ‎أبكي للحسين ع و آل الحسين‎. ‎ثم أقبل على محمد بن ‏الأشعث فقال يا عبد الله‎ ‎إني أراك و الله ستعجز عن أماني فهل عندك خير تستطيع أن ‏تبعث من عندك رجلا على‎ ‎لساني أن يبلغ حسينا فإني لا أراه إلا قد خرج إليكم اليوم ‏مقبلا أو هو خارج غدا و‎ ‎أهل بيته و يقول إن ابن عقيل بعثني إليك و هو أسير في أيدي ‏القوم لا يرى أنه يمسي‎ ‎حتى يقتل و هو يقول‎ ‎ارجع فداك أبي و أمي بأهل بيتك و لا ‏يغرك‎ ‎أهل الكوفة فإنهم أصحاب أبيك الذي كان يتمنى فراقهم بالموت أو القتل إن أهل ‏الكوفة‎ ‎قد كذبوك و ليس لمكذوب رأي‎ ‎فقال ابن الأشعث و الله لأفعلن‎ .

الإرشاد ج : 2 ص : 58-60‏‎ ‎

عبيد الله بن‎ ‎زياد وموقفه من الحسين‎:

‎. ‎و خرج رسول ابن زياد فأمر‎ ‎بإدخاله إليه فلما دخل لم يسلم عليه بالإمرة فقال له ‏الحرسي أ لا تسلم على الأمير‎ ‎فقال إن كان يريد قتلي فما سلامي عليه و إن كان لا يريد ‏قتلي ليكثرن سلامي عليه‎ ‎فقال له ابن زياد لعمري لتقتلن‎
قال كذلك قال نعم قال فدعني أوص إلى بعض قومي قال‎ ‎افعل‎
فنظر مسلم إلى جلسائه و فيهم عمر بن سعد بن أبي وقاص فقال يا عمر إن بيني و‎ ‎بينك قرابة و لي إليك حاجة و قد يجب لي عليك نجح حاجتي و هي سر فامتنع عمر أن ‏يسمع‎ ‎منه فقال له عبيد الله لم تمتنع أن تنظر في حاجة ابن عمك فقام معه فجلس حيث ‏ينظر‎ ‎إليهما ابن زياد فقال له إن علي دينا بالكوفة استدنته منذ قدمت الكوفة سبعمائة ‏درهم‎ ‎فبع فاقضها عني فإذا قتلت فاستوهب جثتي من ابن زياد فوارها و ابعث إلى ‏الحسين ع من‎ ‎يرده فإني قد كتبت إليه أعلمه أن الناس معه و لا أراه إلا مقبلا فقال عمر ‏لابن زياد‎ ‎أ تدري أيها الأمير ما قال لي إنه ذكر كذا و كذا فقال له ابن زياد إنه لا يخونك‎ ‎الأمين و لكن قد يؤتمن الخائن أما مالك فهو لك و لسنا نمنعك أن تصنع به ما أحببت و‎ ‎أما ‏جثته فإنا لا نبالي إذا قتلناه ما صنع بها و‎ ‎أما حسين‎ ‎فإن هو لم يردنا لم نرده‎. ‎ثم قال ابن ‏زياد إيه يا ابن عقيل أتيت الناس و هم‏‎ ‎جميع فشتت بينهم و فرقت كلمتهم و حملت ‏بعضهم على بعض. قال كلا لست لذلك أتيت و لكن‎ ‎أهل المصر زعموا أن أباك قتل ‏خيارهم و سفك دماءهم و عمل فيهم أعمال كسرى و قيصر‎ ‎فأتيناه لنأمر بالعدل و ندعو ‏إلى حكم الكتاب‎ .
ثم قال ابن زياد اصعدوا به فوق‎ ‎القصر فاضربوا عنقه ثم أتبعوه جسده فقال مسلم بن ‏عقيل رحمة الله عليه لو كان بيني و‎ ‎بينك قرابة ما قتلتني فقال ابن زياد أين هذا الذي ‏ضرب ابن عقيل رأسه بالسيف فدعي‎ ‎بكر بن حمران الأحمري فقال له اصعد فلتكن أنت ‏الذي تضرب عنقه فصعد به و هو يكبر و‎ ‎يستغفر الله و يصلي على رسوله و يقول‎ ‎اللهم ‏احكم بيننا و بين‎ ‎قوم غرونا و كذبونا و خذلونا‎ ‎و أشرفوا به على موضع الحذاءين اليوم ‏فضربت‎ ‎عنقه و أتبع جسده رأسه. و قام محمد بن الأشعث إلى عبيد الله بن زياد فكلمه ‏في هانئ‎ ‎بن عروة فقال إنك قد عرفت منزلة هانئ في المصر و بيته في العشيرة و قد ‏علم قومه أني‎ ‎أنا و صاحبي سقناه إليك فأنشدك الله لما وهبته لي فإني أكره عداوة ‏المصر و أهله‎ ‎فوعده أن يفعل ثم بدا له فأمر بهانئ في الحال فقال أخرجوه إلى السوق ‏فاضربوا عنقه‎ ‎فأخرج هانئ حتى انتهي به إلى مكان من السوق كان يباع فيه الغنم و هو ‏مكتوف فجعل‎ ‎يقول وا مذحجاه و لا مذحج لي اليوم يا مذحجاه يا مذحجاه و أين مذحج ‏فلما رأى أن‎ ‎أحدا لا ينصره جذب يده فنزعها من الكتاف ثم قال أ ما من عصا أو سكين أو ‏حجر أو عظم‎ ‎يحاجز به رجل عن نفسه و وثبوا إليه فشدوه وثاقا ثم قيل له امدد عنقك ‏فقال ما أنا‎ ‎بها سخي و ما أنا بمعينكم على نفسي فضربه مولى لعبيد الله تركي يقال له ‏رشيد بالسيف‎ ‎فلم يصنع شيئا فقال هانئ إلى الله المعاد اللهم إلى رحمتك و رضوانك ثم ‏ضربه أخرى‎ ‎فقتله‎.

الإرشاد ج : 2 ص : 61-64‏

خروج الحسين‎ :

و كان خروج مسلم بن‎ ‎عقيل رحمة الله عليهما بالكوفة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي ‏الحجة سنة ستين و‎ ‎قتله يوم الأربعاء لتسع خلون منه يوم عرفة و كان توجه الحسين ع ‏من مكة إلى العراق‎ ‎في يوم خروج مسلم بالكوفة و هو يوم التروية بعد مقامه بمكة بقية ‏شعبان و شهر رمضان‎ ‎و شوالا و ذا القعدة و ثماني ليال خلون من ذي الحجة سنة ستين ‏و كان قد اجتمع إليه‎ ‎مدة مقامه بمكة نفر من أهل الحجاز و نفر من أهل البصرة انضافوا ‏إلى أهل بيته و‎ ‎مواليه. و لما أراد الحسين ع التوجه إلى العراق طاف بالبيت و سعى بين ‏الصفا و‎ ‎المروة و أحل من إحرامه و جعلها عمرة‎ .

الإرشاد ج : 2 ص‏‎ : 67‎

المحاولات لرد الحسين عن الخروج للكوفة‎:

‏1‏‎- ‎فروي عن الفرزدق الشاعر أنه قال حججت بأمي في سنة ستين فبينا‎ ‎أنا أسوق ‏بعيرها حين دخلت الحرم إذ لقيت الحسين بن علي ع خارجا من مكة معه أسيافه و‎ ‎تراسه فقلت لمن هذا القطار فقيل للحسين بن علي فأتيته فسلمت عليه و قلت له ‏أعطاك‎ ‎الله سؤلك و أملك فيما تحب بأبي أنت و أمي يا ابن رسول الله ما أعجلك عن ‏الحج فقال‎ ‎لو لم أعجل لأخذت ثم قال لي من أنت قلت امرؤ من العرب فلا و الله ما ‏فتشني عن أكثر‎ ‎من ذلك ثم قال لي أخبرني عن الناس خلفك فقلت الخبير سألت قلوب ‏الناس معك و أسيافهم‎ ‎عليك و القضاء ينزل من السماء و الله يفعل ما يشاء فقال صدقت ‏لله الأمر و كل يوم‎ ‎ربنا هو في شأن إن نزل القضاء بما نحب فنحمد الله على نعمائه و هو ‏المستعان على‎ ‎أداء الشكر و إن حال القضاء دون الرجاء فلم يبعد من كان الحق نيته و ‏التقوى سريرته‎ ‎فقلت له أجل بلغك الله ما تحب و كفاك ما تحذر‎.


‏2‏‎- . ‎و كان الحسين بن علي ع لما خرج من مكة اعترضه يحيى بن سعيد بن العاص و‎ ‎معه ‏جماعة أرسلهم عمرو بن سعيد إليه فقالوا له انصرف إلى أين تذهب فأبى عليهم و مضى‎ ‎و تدافع الفريقان و اضطربوا بالسياط و امتنع الحسين و أصحابه منهم امتناعا قويا و‎ ‎سار ‏حتى أتى التنعيم فلقي عيرا قد أقبلت من اليمن فاستأجر من أهلها جمالا لرحله و‎ ‎أصحابه و قال لأصحابها من أحب أن ينطلق معنا إلى العراق وفيناه كراءه و أحسنا صحبته‎ ‎و من أحب أن يفارقنا في بعض الطريق أعطيناه كراء على قدر ما قطع من الطريق ‏فمضى معه‎ ‎قوم و امتنع آخرون‎.

‏3‏‎- ‎و ألحقه عبد الله بن جعفر‎ ‎رضي الله عنه بابنيه عون و محمد و كتب على أيديهما إليه ‏كتابا يقول فيه أما بعد‎ ‎فإني أسألك بالله لما انصرفت حين تنظر في كتابي فإني مشفق ‏عليك من الوجه الذي توجهت‎ ‎له أن يكون فيه هلاكك و استئصال أهل بيتك إن هلكت ‏اليوم طفئ نور الأرض فإنك الإرشاد‎ ‎علم المهتدين و رجاء المؤمنين فلا تعجل بالمسير ‏فإني في أثر كتابي و السلام‎. ‎

‎  ‏4-و صار عبد الله بن جعفر إلى عمرو بن سعيد فسأله‎ ‎أن يكتب للحسين أمانا و يمنيه ‏ليرجع عن وجهه فكتب إليه عمرو بن سعيد كتابا يمنيه‎ ‎فيه الصلة و يؤمنه على نفسه و ‏أنفذه مع أخيه يحيى بن سعيد فلحقه يحيى و عبد الله بن‎ ‎جعفر بعد نفوذ ابنيه و دفعا إليه ‏الكتاب و جهدا به في الرجوع فقال إني رأيت رسول‎ ‎الله ص في المنام و أمرني بما أنا ‏ماض له فقالا له فما تلك الرؤيا قال ما حدثت أحدا‎ ‎بها و لا أنا محدث أحدا حتى ألقى ربي ‏جل و عز فلما أيس منه عبد الله بن جعفر أمر‎ ‎ابنيه عونا و محمدا بلزومه و المسير معه و ‏الجهاد دونه و رجع مع يحيى بن سعيد إلى‎ ‎مكة‎.

 ‏5‏‎-‎ثم أقبل الحسين ع من الحاجر يسير نحو‎ ‎الكوفة فانتهى إلى ماء من مياه العرب فإذا ‏عليه عبد الله بن مطيع العدوي و هو نازل‎ ‎به فلما رأى الحسين ع قام إليه فقال بأبي أنت ‏و أمي يا ابن رسول لله ما أقدمك و‎ ‎احتمله و أنزله‎
فقال له الحسين ع كان من موت معاوية ما قد بلغك فكتب إلى أهل‎ ‎العراق يدعونني إلى ‏أنفسهم فقال له عبد الله بن مطيع أذكرك الله يا ابن رسول الله و‎ ‎حرمة الإسلام أن تنتهك ‏أنشدك الله في حرمة قريش أنشدك الله في حرمة العرب فو الله‎ ‎لئن طلبت ما في أيدي ‏بني أمية ليقتلنك و لئن قتلوك لا يهابوا بعدك أحدا أبدا و الله‎ ‎إنها لحرمة الإسلام تنتهك و ‏حرمة قريش و حرمة العرب فلا تفعل و لا تأت الكوفة و لا‎ ‎تعرض نفسك لبني أمية فأبى ‏الحسين ع إلا أن يمضي‎.

 ‏6‏‎-‎و روى عبد الله بن سليمان و المنذر بن المشمعل الأسديان قالا لما قضينا‎ ‎حجنا لم تكن ‏لنا همة إلا اللحاق بالحسين ع في الطريق لننظر ما يكون من أمره فأقبلنا‎ ‎ترقل نياقنا ‏مسرعين حتى لحقنا بزرود فلما دنونا منه إذا نحن برجل من أهل الكوفة قد‎ ‎عدل عن ‏الطريق حين رأى الحسين ع فوقف الحسين كأنه يريده ثم تركه و مضى و مضينا نحوه‎ ‎فقال أحدنا لصاحبه اذهب بنا إلى هذا لنسأله فإن عنده خبر الكوفة فمضينا حتى انتهينا‎ ‎إليه فقلنا السلام عليك فقال و عليكم السلام قلنا ممن الرجل قال أسدي قلنا و نحن‎ ‎أسديان فمن أنت قال أنا بكر بن فلان و انتسبنا له ثم قلنا له أخبرنا عن الناس وراءك‎ ‎قال ‏نعم لم أخرج من الكوفة حتى قتل مسلم بن عقيل و هانئ بن عروة و رأيتهما يجران‎ ‎بأرجلهما في السوق. فأقبلنا حتى لحقنا الحسين ص فسايرناه حتى نزل الثعلبية ممسيا‎ ‎فجئناه حين نزل فسلمنا عليه فرد علينا السلام فقلنا له رحمك الله إن عندنا خبرا إن‎ ‎شئت حدثناك علانية و إن شئت سرا فنظر إلينا و إلى أصحابه ثم قال ما دون هؤلاء ستر‏‎ ‎فقلنا له رأيت الراكب الذي استقبلته عشي أمس قال نعم و قد أردت مسألته فقلنا قد و‎ ‎الله استبرأنا لك خبره و كفيناك مسألته و هو امرؤ منا ذو رأي و صدق و عقل و إنه‎ ‎حدثنا ‏أنه لم يخرج من الكوفة حتى قتل مسلم و هانئ و رآهما يجران في السوق بأرجلهما‏‎ ‎فقال إنا لله و إنا إليه راجعون رحمة الله عليهما يكرر ذلك مرارا فقلنا له ننشدك‎ ‎الله في ‏نفسك و أهل بيتك إلا انصرفت من مكانك هذا فإنه ليس لك بالكوفة ناصر و لا‎ ‎شيعة بل ‏نتخوف أن يكونوا عليك فنظر إلى بني عقيل فقال ما ترون فقد قتل مسلم فقالوا‏‎ ‎و الله لا ‏نرجع حتى نصيب ثأرنا أو نذوق ما ذاق فأقبل علينا الحسين ع و قال لا خير‎ ‎في العيش ‏بعد هؤلاء فعلمنا أنه قد عزم رأيه على المسير فقلنا له خار الله لك فقال‎ ‎رحمكما الله‎ .

الإرشاد ج : 2 ص : 67-75‏

وصول الحسين لمشارف الكوفة‎:

و لما بلغ‎ ‎عبيد الله بن زياد إقبال الحسين ع من مكة إلى الكوفة بعث الحصين بن نمير ‏صاحب شرطه‎ ‎حتى نزل القادسية و نظم الخيل ما بين القادسية إلى خفان و ما بين ‏القادسية إلى‎ ‎القطقطانة و قال الناس هذا الحسين يريد العراق. و لما بلغ الحسين ع ‏الحاجر من بطن‎ ‎الرمة بعث قيس بن مسهر الصيداوي و يقال بل بعث أخاه من الرضاعة ‏عبد الله بن يقطر‎ ‎إلى أهل الكوفة و لم يكن ع علم بخبر مسلم بن عقيل رحمة الله عليهما ‏و كتب معه إليهم‎
بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن علي إلى إخوانه من المؤمنين و المسلمين‎ ‎سلام عليكم فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فإن كتاب مسلم بن عقيل‎ ‎جاءني يخبر فيه بحسن رأيكم و اجتماع ملئكم على نصرنا و الطلب بحقنا فسألت الله أن‎ ‎يحسن لنا الصنيع و أن يثيبكم على ذلك أعظم الأجر و قد شخصت إليكم من مكة يوم‎ ‎الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجة يوم التروية فإذا قدم عليكم رسولي فانكمشوا في‏‎ ‎أمركم و جدوا فإني قادم عليكم في أيامي هذه و السلام عليكم و رحمة الله‎
و كان‎ ‎مسلم كتب إليه قبل أن يقتل بسبع و عشرين ليلة و كتب إليه أهل الكوفة أن لك ‏هاهنا‎ ‎مائة ألف سيف فلا تتأخر‎ .

‎ الإرشاد ج : 2 ص : 70-71‏‎

وصول خبر خيانة الشيعة للحسين‎:

فأقبلنا حتى‎ ‎لحقنا الحسين ص فسايرناه حتى نزل الثعلبية ممسيا فجئناه حين نزل ‏فسلمنا عليه فرد‎ ‎علينا السلام فقلنا له رحمك الله إن عندنا خبرا إن شئت حدثناك علانية ‏و إن شئت سرا‎ ‎فنظر إلينا و إلى أصحابه ثم قال ما دون هؤلاء ستر فقلنا له رأيت الراكب ‏الذي‎ ‎استقبلته عشي أمس قال نعم و قد أردت مسألته فقلنا قد و الله استبرأنا لك خبره ‏و‎ ‎كفيناك مسألته و هو امرؤ منا ذو رأي و صدق و عقل و إنه حدثنا أنه لم يخرج من الكوفة‎ ‎حتى قتل مسلم و هانئ و رآهما يجران في السوق بأرجلهما فقال إنا لله و إنا إليه‎ ‎راجعون رحمة الله عليهما يكرر ذلك مرارا فقلنا له‎ ‎ننشدك الله‎ ‎في نفسك و أهل بيتك إلا ‏انصرفت من مكانك هذا فإنه ليس لك بالكوفة ناصر و لا شيعة بل‎ ‎نتخوف أن يكونوا عليك‎ ‎فنظر إلى بني عقيل فقال ما ترون فقد قتل مسلم فقالوا و‎ ‎الله لا نرجع حتى نصيب ثأرنا ‏أو نذوق ما ذاق فأقبل علينا الحسين ع و قال لا خير في‎ ‎العيش بعد هؤلاء فعلمنا أنه قد ‏عزم رأيه على المسير فقلنا له خار الله لك فقال‎ ‎رحمكما الله فقال له أصحابه إنك و الله ‏ما أنت مثل مسلم بن عقيل و لو قدمت الكوفة‎ ‎لكان الناس إليك أسرع فسكت ثم انتظر ‏حتى إذا كان السحر قال لفتيانه و غلمانه أكثروا‎ ‎من الماء فاستقوا و أكثروا ثم ارتحلوا ‏فسار حتى انتهى إلى زبالة فأتاه خبر عبد الله‎ ‎بن يقطر فأخرج إلى الناس كتابا فقرأه ‏عليهم‎

بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد‎ ‎فإنه قد أتانا خبر فظيع قتل مسلم بن عقيل و هانئ بن ‏عروة و عبد الله بن يقطر‎ ‎و قد خذلنا شيعتنا‎ ‎فمن أحب منكم الانصراف فلينصرف غير حرج ‏ليس‎ ‎عليه ذمام‎ .
 
‎ الإرشاد ج : 2 ص : 75‏


 تفرق‎ ‎الناس عن الحسين‎

 فتفرق الناس عنه و أخذوا يمينا‎ ‎و شمالا حتى بقي في أصحابه الذين جاءوا معه من ‏المدينة و نفر يسير ممن انضموا إليه‎ ‎و إنما فعل ذلك لأنه ع علم أن الأعراب الذين اتبعوه ‏إنما اتبعوه و هم يظنون أنه‎ ‎يأتي بلدا قد استقامت له طاعة أهله فكره أن يسيروا معه إلا ‏و هم يعلمون على ما‎ ‎يقدمون. فلما كان السحر أمر أصحابه فاستقوا ماء و أكثروا ثم سار ‏حتى مر ببطن العقبة‎ ‎فنزل عليها فلقيه شيخ من بني عكرمة يقال له عمرو بن لوذان ‏فسأله أين تريد فقال له‎ ‎الحسين ع الكوفة فقال الشيخ أنشدك الله لما انصرفت فو الله ‏ما تقدم إلا على الأسنة‎ ‎و حد السيوف و‎ ‎إن هؤلاء الذين بعثوا إليك لو كانوا كفوك‎ ‎مئونة ‏القتال و وطئوا لك الأشياء فقدمت عليهم كان ذلك رأيا فأما على هذه الحال التي‏‎ ‎تذكر ‏فإني لا أرى لك أن تفعل‎ ‎فقال له يا عبد الله ليس يخفى علي الرأي و لكن‎ ‎الله تعالى لا ‏يغلب على أمره ثم قال ع و الله لا يدعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة من‎ ‎جوفي فإذا ‏فعلوا سلط الله عليهم من يذلهم حتى يكونوا أذل فرق الأمم‎ .

الإرشاد ج : 2 ص : 76‏

 اعتراض جيش ابن زياد‎ ‎للحسين وبقية جيشه‎:

ثم سار الحسين ع من بطن العقبة‎ ‎حتى نزل شراف فلما كان في السحر أمر فتيانه ‏فاستقوا من الماء فأكثروا ثم سار منها‎ ‎حتى انتصف النهار فبينا هو يسير إذ كبر رجل من ‏أصحابه فقال له الحسين ع الله أكبر‎ ‎لم كبرت قال رأيت النخل فقال له جماعة من أصحابه ‏و الله إن هذا المكان ما رأينا به‎ ‎نخلة قط فقال الحسين ع فما ترونه قالوا نراه و الله آذان ‏الخيل قال أنا و الله أرى‎ ‎ذلك ثم قال ع ما لنا ملجأ نلجأ إليه فنجعله في ظهورنا و نستقبل ‏القوم بوجه واحد‎ ‎فقلنا بلى هذا ذو حسمى إلى جنبك تميل إليه عن يسارك فإن سبقت ‏إليه فهو كما تريد‎. ‎فأخذ إليه ذات اليسار و ملنا معه فما كان بأسرع من أن طلعت علينا ‏هوادي الخيل‎ ‎فتبيناها و عدلنا فلما رأونا عدلنا عن الطريق عدلوا إلينا كان أسنتهم ‏اليعاسيب و‎ ‎كأن راياتهم أجنحة الطير فاستبقنا إلى ذي حسمى فسبقناهم إليه و أمر ‏الحسين ع‎ ‎بأبنيته فضربت. و جاء القوم زهاء ألف فارس مع الحر بن يزيد التميمي حتى ‏وقف هو و‎ ‎خيله مقابل الحسين ع في حر الظهيرة و الحسين و أصحابه معتمون متقلدو ‏أسيافهم‎ .

الإرشاد ج : 2 ص : 77‏‎

 بداية المفاوضات بين‎ ‎الجيشين‎:

و كان مجي‏ء الحر بن يزيد من القادسية و‎ ‎كان عبيد الله بن زياد بعث الحصين بن نمير و ‏أمره أن ينزل القادسية و تقدم الحر بين‎ ‎يديه في ألف فارس يستقبل بهم حسينا فلم يزل ‏الحر موافقا للحسين ع حتى حضرت صلاة‎ ‎الظهر و أمر الحسين ع الحجاج بن مسرور أن ‏يؤذن فلما حضرت الإقامة خرج الحسين ع في‎ ‎إزار و رداء و نعلين فحمد الله و أثنى عليه ‏ثم قال‎:
أيها‎ ‎الناس إني لم آتكم حتى أتتني كتبكم و قدمت على رسلكم أن اقدم علينا فإنه ليس ‏لنا‎ ‎إمام لعل الله أن يجمعنا بك على الهدى و الحق فإن كنتم على ذلك فقد جئتكم ‏فأعطوني‎ ‎ما أطمئن إليه من عهودكم و مواثيقكم و إن لم تفعلوا و كنتم لمقدمي كارهين ‏انصرفت‎ ‎عنكم إلى المكان الذي جئت منه إليكم‎.
فسكتوا عنه و لم يتكلم أحد منهم‎ ‎بكلمة. فقال للمؤذن أقم فأقام الصلاة فقال للحر أ تريد ‏أن تصلي بأصحابك قال لا بل‎ ‎تصلي أنت و نصلي بصلاتك فصلى بهم الحسين بن علي ع ‏ثم دخل فاجتمع إليه أصحابه و‎ ‎انصرف الحر إلى مكانه الذي كان فيه فدخل خيمة قد ‏ضربت له و اجتمع إليه جماعة من‎ ‎أصحابه و عاد الباقون إلى صفهم الذي كانوا فيه ‏فأعادوه ثم أخذ كل رجل منهم بعنان‎ ‎دابته و جلس في ظلها. فلما كان وقت العصر أمر ‏الحسين بن علي ع أن يتهيئوا للرحيل‎ ‎ففعلوا ثم أمر مناديه فنادى بالعصر و أقام فاستقام ‏الحسين ع فصلى بالقوم ثم سلم و‎ ‎انصرف إليهم بوجهه فحمد الله و أثنى عليه ثم قال‎:
أما بعد‎ ‎أيها الناس فإنكم إن تتقوا الله و تعرفوا الحق لأهله يكن أرضى لله عنكم و نحن ‏أهل‎ ‎بيت محمد و أولى بولاية هذا الأمر عليكم من هؤلاء المدعين ما ليس لهم و السائرين‎ ‎فيكم بالجور و العدوان 0و إن أبيتم إلا كراهية لنا و الجهل بحقنا و كان رأيكم الآن‎ ‎غير ما ‏أتتني به كتبكم و قدمت به على رسلكم انصرفت عنكم‎ .
فقال له الحر‎ ‎أنا و الله ما أدري ما هذه الكتب و الرسل التي تذكر فقال الحسين ع لبعض ‏أصحابه يا‎ ‎عقبة بن سمعان أخرج الخرجين اللذين فيهما كتبهم إلي فأخرج خرجين ‏مملوءين صحفا فنثرت‎ ‎بين يديه فقال له الحر إنا لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك و قد أمرنا ‏إذا نحن‎ ‎لقيناك إلا نفارقك حتى نقدمك الكوفة على عبيد الله فقال له الحسين ع الموت ‏أدنى‎ ‎إليك من ذلك ثم قال لأصحابه قوموا فاركبوا فركبوا و أنتظر حتى ركب نساؤهم ‏فقال‎ ‎لأصحابه انصرفوا فلما ذهبوا لينصرفوا حال القوم بينهم و بين الانصراف فقال ‏الحسين ع‎ ‎للحر ثكلتك أمك ما تريد فقال له الحر أما لو غيرك من العرب يقولها لي و هو ‏على مثل‎ ‎الحال التي أنت عليها ما تركت ذكر أمه بالثكل كائنا من كان و لكن و الله ما لي ‏إلى‎ ‎ذكر أمك من سبيل إلا بأحسن ما يقدر عليه فقال له الحسين ع فما تريد قال‎ ‎أريد أن ‏انطلق بك إلى الأمير عبيد الله بن زياد‎ ‎قال إذا و‎ ‎الله لا أتبعك قال إذا و الله لا أدعك فترادا ‏القول ثلاث مرات فلما كثر الكلام‎ ‎بينهما قال له الحر‎ ‎إني لم أؤمر بقتالك إنما أمرت ألا ‏أفارقك‎ ‎حتى أقدمك الكوفة‎ ‎فإذا أبيت فخذ طريقا لا يدخلك الكوفة و لا يردك إلى‎ ‎المدينة ‏تكون بيني و بينك نصفا حتى أكتب إلى الأمير و تكتب إلى يزيد أو إلى عبيد‎ ‎الله فلعل الله ‏إلى ذلك أن يأتي بأمر يرزقني فيه العافية من أن أبتلي بشي‏ء من أمرك‎ ‎فخذ هاهنا ‏فتياسر عن طريق العذيب و القادسية فسار الحسين ع و سار الحر في أصحابه‎ ‎يسايره و ‏هو يقول له‎ ‎يا حسين إني أذكرك الله في نفسك فإني‎ ‎أشهد لئن قاتلت لتقتلن‎
فقال له الحسين ع أ فبالموت تخوفني و هل يعدو بكم‎ ‎الخطب أن تقتلوني و سأقول كما ‏قال أخو الأوس لابن عمه و هو يريد نصرة رسول الله ص‎ ‎فخوفه ابن عمه و قال أين تذهب ‏فإنك مقتول فقال‎
سأمضي فما بالموت عار على الفتى‎ ‎إذا ما نوى حقا و جاهد مسلما‎
و آسى الرجال الصالحين بنفسه و فارق مثبورا و باعد‎ ‎مجرما‎
فإن عشت لم أندم و إن مت لم ألم كفى بك ذلا أن تعيش و ترغما‎
‎. ‎فلما سمع‎ ‎ذلك الحر تنحى عنه فكان يسير بأصحابه ناحية و الحسين ع في ناحية أخرى ‏حتى انتهوا‎ ‎إلى عذيب الهجانات‎.

الإرشاد ج : 2 ص : 79-81‏

المراسلات بين ابن زياد وقواده في أمر الحسين‎:

فلما أصبح الحسين ع نزل فصلى الغداة ثم عجل الركوب فأخذ يتياسر بأصحابه‎ ‎يريد أن ‏يفرقهم فيأتيه الحر بن يزيد فيرده و أصحابه فجعل إذا ردهم نحو الكوفة ردا‎ ‎شديدا امتنعوا ‏عليه فارتفعوا فلم يزالوا يتياسرون كذلك حتى انتهوا إلى نينوى المكان‎ ‎الذي نزل به ‏الحسين ع فإذا راكب على نجيب له عليه السلاح متنكب قوسا مقبل من الكوفة‎ ‎فوقفوا ‏جميعا ينتظرونه فلما انتهى إليهم سلم على الحر و أصحابه و لم يسلم على‎ ‎الحسين و ‏أصحابه و دفع إلى الحر كتابا من عبيد الله بن زياد فإذا فيه أما بعد فجعجع‎ ‎بالحسين حين ‏يبلغك كتابي و يقدم عليك رسولي و لا تنزله إلا بالعراء في غير حصن و‎ ‎على غير ماء فقد ‏أمرت رسولي أن يلزمك و لا يفارقك حتى يأتيني بإنفاذك أمري و‎ ‎السلام. فلما قرأ الكتاب ‏قال لهم الحر هذا كتاب الأمير عبيد الله يأمرني أن أجعجع‎ ‎بكم في المكان الذي يأتي ‏كتابه و هذا رسوله و قد أمره ألا يفارقني حتى أنفذ‎ ‎أمره‎.
و أخذهم الحر بالنزول في ذلك المكان على غير ماء و لا قرية فقال له الحسين‎ ‎ع دعنا ‏ويحك ننزل في هذه القرية أو هذه يعني نينوى و الغاضرية أو هذه يعني شفنة قال‎ ‎لا و ‏الله ما أستطيع ذلك هذا رجل قد بعث إلي عينا علي فقال زهير بن القين إني و‎ ‎الله ما ‏أراه يكون‎ ‎بعد الذي ترون إلا أشد مما ترون يا ابن رسول الله إن قتال هؤلاء‎ ‎الساعة أهون ‏علينا من قتال من يأتينا بعدهم فلعمري ليأتينا بعدهم ما لا قبل لنا به‎ ‎فقال الحسين ع ما ‏كنت لأبدأهم بالقتال ثم نزل و ذلك يوم الخميس و هو اليوم الثاني‎ ‎من المحرم سنة إحدى ‏و ستين‎.

قدوم عمر بن سعد ومحاولاته‎ ‎للإصلاح‎:

فلما كان من الغد قدم عليهم عمر بن سعد بن‎ ‎أبي وقاص من الكوفة في أربعة آلاف ‏فارس فنزل بنينوى فبعث إلى الحسين ع عروة بن قيس‎ ‎الأحمسي فقال له ائته فسله ‏ما الذي جاء بك و ما ذا تريد. و كان عروة ممن كتب إلى‎ ‎الحسين ع فاستحيا منه أن يأتيه ‏فعرض ذلك على الرؤساء الذين كاتبوه فكلهم أبى ذلك و‎ ‎كرهه‎.
فقام إليه كثير بن عبد الله الشعبي و كان فارسا شجاعا لا يرد وجهه شي‏ء‎ ‎فقال أنا ‏أذهب إليه و و الله لئن شئت لأفتكن به فقال له عمر ما أريد أن تفتك به و‎ ‎لكن ائته فسله ‏ما الذي جاء بك. فأقبل كثير إليه فلما رآه أبو ثمامة الصائدي قال‎ ‎للحسين ع أصلحك الله ‏يا أبا عبد الله قد جاءك شر أهل الأرض و أجرؤهم على دم و‎ ‎أفتكهم و قام إليه فقال له ‏ضع سيفك قال لا و لا كرامة إنما أنا رسول فإن سمعتم مني‎ ‎بلغتكم ما أرسلت به إليكم و ‏إن أبيتم انصرفت عنكم قال فإني آخذ بقائم سيفك ثم تكلم‎ ‎بحاجتك قال لا و الله لا تمسه ‏فقال له أخبرني بما جئت به و أنا أبلغه عنك و لا أدعك‎ ‎تدنو منه فإنك فاجر فاستبا و ‏انصرف إلى عمر بن سعد فأخبره الخبر. فدعا عمر قرة بن‎ ‎قيس الحنظلي فقال له ويحك ‏يا قرة الق حسينا فسله ما جاء به و ما ذا يريد فأتاه قرة‎ ‎فلما رآه الحسين ع مقبلا قال أ ‏تعرفون هذا فقال له حبيب بن مظاهر نعم هذا رجل من‎ ‎حنظلة تميم و هو ابن أختنا و قد ‏كنت أعرفه بحسن الرأي و ما كنت أراه يشهد هذا‎ ‎المشهد فجاء حتى سلم على الحسين ‏ع و أبلغه رسالة عمر بن سعد إليه فقال له الحسين‎ ‎كتب إلي أهل مصركم هذا أن أقدم ‏فأما إذ كرهتموني فأنا أنصرف عنكم ثم قال حبيب بن‎ ‎مظاهر ويحك يا قرة أين ترجع إلى ‏القوم الظالمين انصر هذا الرجل الذي بآبائه أيدك‎ ‎الله بالكرامة فقال له قرة أرجع إلى ‏صاحبي بجواب رسالته و أرى رأيي قال فانصرف إلى‎ ‎عمر بن سعد فأخبره الخبر فقال ‏عمر أرجو أن يعافيني الله من حربه و قتاله‎ .‎

  و كتب‎ ‎إلى عبيد الله بن زياد‎
بسم الله الرحمن الرحيم‎
أما بعد فإني حين نزلت‎ ‎بالحسين بعثت إليه رسلي فسألته عما أقدمه و ما ذا يطلب ‏فقال كتب إلي أهل هذه البلاد‎ ‎و أتتني رسلهم يسألونني القدوم ففعلت فأما إذ كرهوني ‏و بدا لهم غير ما أتتني به‎ ‎رسلهم فأنا منصرف عنهم‎.
قال حسان بن قائد العبسي و كنت عند عبيد الله حين أتاه‎ ‎هذا الكتاب فلما قرأه قال‎
الآن إذ علقت مخالبنا به يرجو النجاة و لات حين‎ ‎مناص‎
و كتب إلى عمر بن سعد أما بعد فقد بلغني كتابك و فهمت ما ذكرت فاعرض على‎ ‎الحسين أن يبايع ليزيد هو و جميع أصحابه فإذا فعل هو ذلك رأينا رأينا و السلام‎.
فلما ورد الجواب على عمر بن سعد قال قد خشيت أن لا يقبل ابن زياد العافية‏‎.
و‎ ‎لما رأى الحسين نزول العساكر مع عمر بن سعد بنينوى و مددهم لقتاله أنفذ إلى عمر ‏بن‎ ‎سعد أني أريد أن ألقاك فاجتمعا ليلا فتناجيا طويلا ثم رجع عمر بن سعد إلى مكانه و‎ ‎كتب إلى عبيد الله بن زياد. أما بعد فإن الله قد أطفأ النائرة و جمع الكلمة و أصلح‎ ‎أمر الأمة ‏هذا حسين قد أعطاني عهدا أن يرجع إلى المكان الذي أتى منه أو أن يسير إلى‎ ‎ثغر من ‏الثغور فيكون رجلا من المسلمين له ما لهم و عليه ما عليهم أو أن يأتي أمير‎ ‎المؤمنين ‏يزيد فيضع يده في يده فيرى فيما بينه و بينه رأيه و في هذا لكم رضى و‎ ‎للأمة صلاح‎.

الإرشاد ج : 2 ص : 85-87‏‎

شمر بن ذي‎ ‎الجوشن وبداية المأساة‎:

فلما قرأ عبيد الله الكتاب‎ ‎قال هذا كتاب ناصح مشفق على قومه‎.
فقام إليه شمر بن ذي الجوشن فقال :أ تقبل هذا‎ ‎منه و قد نزل بأرضك و إلى جنبك و الله ‏لئن رحل من بلادك و لم يضع يده في يدك ليكونن‎ ‎أولى بالقوة و لتكونن أولى بالضعف و ‏العجز فلا تعطه هذه المنزلة فإنها من الوهن و‎ ‎لكن لينزل على حكمك هو و أصحابه فإن ‏عاقبت فأنت أولى بالعقوبة و إن عفوت كان ذلك‎ ‎لك‎.
قال له ابن زياد نعم ما رأيت الرأي رأيك أخرج بهذا الكتاب إلى عمر بن سعد‎ ‎فليعرض على ‏الحسين و أصحابه النزول على حكمي فإن فعلوا فليبعث بهم إلي سلما و إن هم‎ ‎أبوا ‏فليقاتلهم فإن فعل فاسمع له و أطع و إن أبى أن يقاتلهم فأنت أمير الجيش و اضرب‎ ‎عنقه ‏و ابعث إلي برأسه‎.
و كتب إلى عمر بن سعد أني لم أبعثك إلى الحسين لتكف عنه‎ ‎و لا لتطاوله و لا لتمنيه ‏السلامة و البقاء و لا لتعتذر له و لا لتكون له عندي‎ ‎شافعا انظر فإن نزل حسين و أصحابه ‏على حكمي و استسلموا فابعث بهم إلي سلما و إن‎ ‎أبوا فازحف إليهم حتى تقتلهم و ‏تمثل بهم فإنهم لذلك مستحقون و إن قتل الحسين فأوطئ‎ ‎الخيل صدره و ظهره فإنه عات ‏ظلوم و ليس أرى أن هذا يضر بعد الموت شيئا و لكن علي‎ ‎قول قد قلته لو قتلته لفعلت ‏هذا به فإن أنت مضيت لأمرنا فيه جزيناك جزاء السامع‎ ‎المطيع و إن أبيت فاعتزل عملنا و ‏جندنا و خل بين شمر بن ذي الجوشن و بين العسكر‎ ‎فإنا قد أمرناه بأمرنا و السلام‎.
فأقبل شمر بكتاب عبيد الله إلى عمر بن سعد فلما‎ ‎قدم عليه و قرأه قال له عمر ما لك ‏ويلك لا قرب الله دارك قبح الله ما قدمت به على و‎ ‎الله إني لأظنك أنك نهيته أن يقبل ما ‏كتبت به إليه و أفسدت علينا أمرنا قد كنا‎ ‎رجونا أن يصلح لا يستسلم و الله حسين إن ‏نفس أبيه لبين جنبيه‎ ‎
فقال له شمر‎ ‎أخبرني ما أنت صانع أ تمضي لأمر أميرك و تقاتل عدوه و إلا فخل بيني و ‏بين الجند و‎ ‎العسكر‎ .
قال لا لا و الله و لا كرامة لك و لكن أنا أتولى ذلك فدونك فكن أنت على‎ ‎الرجالة‎
و نهض عمر بن سعد إلى الحسين عشية الخميس لتسع مضين من المحرم. و جاء‎ ‎شمر ‏حتى وقف على أصحاب الحسين ع فقال أين بنو أختنا فخرج إليه العباس و جعفر و‎ ‎عثمان ‏بنو علي بن أبي طالب ع فقالوا ما تريد فقال أنتم يا بني أختي آمنون‎.
فقالت‎ ‎له الفتية لعنك الله و لعن أمانك أ تؤمننا و ابن رسول الله لا أمان له‎.
ثم نادى‎ ‎عمر بن سعد يا خيل الله اركبي و أبشري فركب الناس ثم زحف نحوهم بعد ‏العصر و حسين ع‎ ‎جالس أمام بيته محتب بسيفه إذ خفق برأسه على ركبتيه و سمعت ‏أخته الصيحة فدنت من‎ ‎أخيها فقالت يا أخي أ ما تسمع الأصوات قد اقتربت فرفع الحسين ‏ع رأسه فقال إني رأيت‎ ‎رسول الله ص الساعة في المنام فقال لي إنك تروح إلينا ‏فلطمت أخته وجهها و نادت‎ ‎بالويل فقال لها ليس لك الويل يا أخية اسكتي رحمك الله و ‏قال له العباس بن علي رحمة‎ ‎الله عليه يا أخي أتاك القوم فنهض ثم قال يا عباس اركب ‏بنفسي أنت يا أخي حتى تلقاهم‎ ‎و تقول لهم ما لكم و ما بدا لكم و تسألهم عما جاء بهم. ‏فأتاهم العباس في نحو من‎ ‎عشرين فارسا فيهم زهير بن القين و حبيب بن مظاهر فقال ‏لهم العباس ما بدا لكم و ما‎ ‎تريدون قالوا جاء أمر الأمير أن نعرض عليكم أن تنزلوا على ‏حكمه أو نناجزكم قال فلا‎ ‎تعجلوا حتى أرجع إلى أبي عبد الله فأعرض عليه ما ذكرتم ‏فوقفوا و قالوا ألقه فأعلمه‎ ‎ثم القنا بما يقول لك فانصرف العباس راجعا يركض إلى ‏الحسين ع يخبره الخبر و وقف‏‎ ‎أصحابه يخاطبون القوم و يعظونهم و يكفونهم عن قتال ‏الحسين. فجاء العباس إلى الحسين‎ ‎ع فأخبره بما قال القوم فقال ارجع إليهم فإن ‏استطعت أن تؤخرهم إلى الغدوة و تدفعهم‎ ‎عنا العشية لعلنا نصلي لربنا الليلة و ندعوه و ‏نستغفره فهو يعلم أني قد أحب الصلاة‎ ‎له و تلاوة كتابه و الدعاء و الاستغفار‎.

الإرشاد ج : 2 ص‏‎ ‎‏89-91‏

تأجيل القتال ليوم العاشر من محرم‎:

فمضى العباس إلى القوم و رجع من عندهم و معه رسول من قبل عمر بن سعد‎ ‎يقول إنا ‏قد أجلناكم إلى غد فإن استسلمتم سرحناكم إلى أميرنا عبيد الله بن زياد و‎ ‎إن أبيتم ‏فلسنا تاركيكم و انصرف‎.
فجمع الحسين ع أصحابه عند قرب المساء‎ ‎وقال‎:
أما بعد فإني لا أعلم أصحابا أوفى و لا خيرا من أصحابي و لا أهل بيت أبر و‎ ‎لا أوصل من ‏أهل بيتي فجزاكم الله عني خيرا ألا و إني لأظن أنه آخر يوم لنا من هؤلاء‎ ‎ألا و إني قد ‏أذنت لكم فانطلقوا جميعا في حل ليس عليكم مني ذمام هذا الليل قد غشيكم‏‎ ‎فاتخذوه ‏جملا‎
فقال له إخوته و أبناؤه و بنو أخيه و ابنا عبد الله بن جعفر لم‎ ‎نفعل ذلك لنبقى بعدك لا أرانا ‏الله ذلك أبدا بدأهم بهذا القول العباس بن علي رضوان‎ ‎الله عليه و اتبعته الجماعة عليه ‏فتكلموا بمثله و نحوه‎
فقال الحسين ع يا بني‎ ‎عقيل حسبكم من القتل بمسلم فاذهبوا أنتم فقد أذنت لكم قالوا ‏سبحان الله فما يقول‎ ‎الناس يقولون إنا تركنا شيخنا و سيدنا و بني عمومتنا خير الأعمام ‏و لم نرم معهم‎ ‎بسهم و لم نطعن معهم برمح و لم نضرب معهم بسيف و لا ندري ما صنعوا ‏لا و الله ما‎ ‎نفعل ذلك و لكن تفديك أنفسنا و أموالنا و أهلونا و نقاتل معك حتى نرد موردك ‏فقبح‎ ‎الله العيش بعدك‎.

الإرشاد ج : 2 ص91 : 92‏

وصية‎ ‎الحسين لاخته زينب‎:

و قال لها يا أختاه اتقي الله و‎ ‎تعزى بعزاء الله و اعلمي أن أهل الأرض يموتون و أهل ‏السماء لا يبقون و أن كل شي‏ء‎ ‎هالك إلا وجه الله الذي خلق الخلق بقدرته و يبعث الخلق ‏و يعودون و هو فرد وحده أبي‎ ‎خير مني و أمي خير مني و أخي خير مني و لي و لكل ‏مسلم برسول الله ص أسوة فعزاها‎ ‎بهذا و نحوه و قال لها يا أخية إني أقسمت فأبري ‏قسمي لا تشقي علي جيبا و لا تخمشي‎ ‎علي وجها و لا تدعي علي بالويل و الثبور إذا ‏أنا هلكت ثم جاء بها حتى‎ ‎أجلسها‎.

الإرشاد ج : 2 ص : 94‏‎

الاستعداد للمعركة‎ ‎الفاصلة‎:

و أصبح الحسين بن علي ع فعبا أصحابه بعد‎ ‎صلاة الغداة و كان معه اثنان و ثلاثون فارسا ‏و أربعون راجلا فجعل زهير بن القين في‎ ‎ميمنة أصحابه و حبيب بن مظاهر في ميسرة ‏أصحابه و أعطى رايته العباس أخاه و جعلوا‎ ‎البيوت في ظهورهم و أمر بحطب و قصب ‏كان من وراء البيوت أن يترك في خندق كان قد حفر‎ ‎هناك و أن يحرق بالنار مخافة أن ‏يأتوهم من ورائهم. و أصبح عمر بن سعد في ذلك اليوم‎ ‎و هو يوم الجمعة و قيل يوم ‏السبت فعبأ أصحابه و خرج فيمن معه من الناس نحو الحسين ع‎ ‎و كان على ميمنته عمرو ‏بن الحجاج و على ميسرته شمر بن ذي الجوشن و على الخيل عروة‎ ‎بن قيس و على ‏الرجالة شبث بن ربعي و أعطى الراية دريدا مولاه‎.

الإرشاد ج : 2 ص : 95‏‎

الحسين يخاطب أهل‎ ‎الكوفة‎:

ثم دعا الحسين ع براحلته فركبها و نادى‎ ‎بأعلى صوته‎
يا أهل العراق و جلهم يسمعون فقال أيها الناس اسمعوا قولي و لا‎ ‎تعجلوا حتى أعظكم ‏بما يحق لكم علي و حتى أعذر إليكم فإن أعطيتموني النصف كنتم بذلك‎ ‎أسعد و إن لم ‏تعطوني النصف من أنفسكم فاجمعوا رأيكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم‎ ‎اقضوا إلي و ‏لا تنظرون إن وليي الله الذي نزل الكتاب و هو يتولى الصالحين ثم حمد‎ ‎الله و أثنى عليه و ‏ذكر الله بما هو أهله و صلى على النبي ص و على ملائكة الله و‎ ‎أنبيائه فلم يسمع متكلم ‏قط قبله و لا بعده أبلغ في منطق منه ثم قال أما بعد‎ ‎فانسبوني فانظروا من أنا ثم ارجعوا ‏إلى أنفسكم و عاتبوها فانظروا هل يصلح لكم قتلي‎ ‎و انتهاك حرمتي أ لست ابن بنت ‏نبيكم و ابن وصيه و ابن عمه و أول المؤمنين المصدق‎ ‎لرسول الله بما جاء به من عند ربه ‏أ و ليس حمزة سيد الشهداء عمي أ و ليس جعفر‎ ‎الطيار في الجنة بجناحين عمي أ و لم ‏يبلغكم ما قال رسول الله لي و لأخي هذان سيدا‎ ‎شباب أهل الجنة فإن صدقتموني بما ‏أقول و هو الحق و الله ما تعمدت كذبا منذ علمت أن‎ ‎الله يمقت عليه أهله و إن كذبتموني ‏فإن فيكم من لو سألتموه عن ذلك أخبركم سلوا جابر‎ ‎بن عبد الله الأنصاري و أبا سعيد ‏الخدري و سهل بن سعد الساعدي و زيد بن أرقم و أنس‎ ‎بن مالك يخبروكم أنهم سمعوا ‏هذه المقالة من رسول الله ص لي و لأخي أما في هذا حاجز‎ ‎لكم عن سفك دمي فقال ‏له شمر بن ذي الجوشن هو يعبد الله على حرف إن كان يدري ما تقول‎ ‎فقال له حبيب بن ‏مظاهر و الله إني لأراك تعبد الله على سبعين حرفا و أنا أشهد أنك‎ ‎صادق ما تدري ما ‏يقول قد طبع الله على قلبك ‏
ثم قال لهم الحسين ع فإن كنتم في شك من‎ ‎هذا أ فتشكون أني ابن بنت نبيكم فو الله ‏ما بين المشرق و المغرب ابن بنت نبي غيري‎ ‎فيكم و لا في غيركم ويحكم أ تطلبوني ‏بقتيل منكم قتلته أو مال لكم استهلكته أو بقصاص‎ ‎جراحة فأخذوا لا يكلمونه فنادى يا ‏شبث بن ربعي يا حجار بن أبجر يا قيس بن الأشعث يا‎ ‎يزيد بن الحارث أ لم تكتبوا إلى أن ‏قد أينعت الثمار و أخضر الجناب و إنما تقدم على‎ ‎جند لك مجند فقال له قيس بن الأشعث ‏ما ندري ما تقول و لكن انزل على حكم بني عمك‎ ‎فإنهم لم يروك إلا ما تحب فقال له ‏الحسين لا و الله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل و‎ ‎لا أفر فرار العبيد ثم نادى يا عباد الله ‏إني عذت بربي و ربكم أن ترجمون أعوذ بربي‎ ‎و ربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب‎. ‎‎

الإرشاد ج : 2 ص :97‏‎- ‎‏-98‏

 انضمام الحر بن يزيد للحسين‎:

فلما رأى الحر بن يزيد أن القوم قد صمموا على قتال الحسين ع قال لعمر بن‎ ‎سعد أي ‏عمر أ مقاتل أنت هذا الرجل قال إي و الله قتالا أيسره أن تسقط الرءوس و تطيح‎ ‎الأيدي ‏قال أ فما لكم فيما عرضه عليكم رضى قال عمر أما لو كان الأمر إلي لفعلت و‎ ‎لكن أميرك ‏قد أبى. فأقبل الحر حتى وقف من الناس موقفا و معه رجل من قومه يقال له‎ ‎قرة بن ‏قيس فقال له يا قرة هل سقيت فرسك اليوم قال لا قال فما تريد أن تسقيه قال‎ ‎قرة ‏فظننت و الله أنه يريد أن يتنحى فلا يشهد القتال و يكره أن أراه حين يصنع ذلك‎ ‎فقلت له ‏لم أسقه و أنا منطلق فأسقيه فاعتزل ذلك المكان الذي كان فيه فو الله لو أنه‎ ‎أطلعني ‏على الذي يريد لخرجت معه إلى الحسين بن علي ع فأخذ يدنو من الحسين قليلا‎ ‎قليلا ‏فقال له المهاجر بن أوس ما تريد يا ابن يزيد أ تريد أن تحمل فلم يجبه و أخذه‎ ‎مثل الأفكل و ‏هي الرعدة فقال له المهاجر إن أمرك لمريب و الله ما رأيت منك في موقف‎ ‎قط مثل هذا و ‏لو قيل لي من أشجع أهل الكوفة ما عدوتك فما هذا الذي أرى منك فقال له‎ ‎الحر إني و ‏الله أخير نفسي بين الجنة و النار فو الله لا أختار على الجنة شيئا و لو‎ ‎قطعت و حرقت. ‏ثم ضرب فرسه فلحق بالحسين ع فقال له جعلت فداك يا ابن رسول الله أنا‎ ‎صاحبك الذي ‏حبستك عن الرجوع و سايرتك في الطريق و جعجعت بك في هذا المكان و ما ظننت‎ ‎أن ‏القوم يردون عليك ما عرضته عليهم و لا يبلغون منك هذه المنزلة و الله لو علمت‎ ‎أنهم ‏ينتهون بك إلى ما أرى ما ركبت منك الذي ركبت و إني تائب إلى الله تعالى مما‎ ‎صنعت ‏فترى لي من ذلك توبة فقال له الحسين ع نعم يتوب الله عليك‎ .

الإرشاد ج : 2 ص :99- 100‏

بداية‎ ‎المعركة‎:

‎. ‎و نادى عمر بن سعد يا ذويد ادن رأيتك‎ ‎فأدناها ثم وضع سهمه في كبد قوسه ثم رمى و ‏قال اشهدوا أني أول من رمى ثم ارتمى‎ ‎الناس و تبارزوا‎ .
فصاح عمرو بن الحجاج بالناس يا حمقى أ تدرون من تقاتلون‎ ‎تقاتلون فرسان أهل المصر ‏و تقاتلون قوما مستميتين لا يبرز إليهم منكم أحد فإنهم‎ ‎قليل و قل ما يبقون و الله لو لم ‏ترموهم إلا بالحجارة لقتلتموهم فقال عمر بن سعد‎ ‎صدقت الرأي ما رأيت فأرسل في ‏الناس من يعزم عليهم ألا يبارز رجل منكم رجلا منهم. ثم‎ ‎حمل عمرو بن الحجاج في ‏أصحابه على الحسين ع من نحو الفرات فاضطربوا ساعة فصرع مسلم‏‎ ‎بن عوسجة ‏الأسدي رحمة الله عليه و انصرف عمرو و أصحابه و انقطعت الغبرة فوجدوا‎ ‎مسلما صريعا ‏فمشى إليه الحسين ع فإذا به رمق فقال رحمك الله يا مسلم منهم من قضى‎ ‎نحبه و ‏منهم من ينتظر و ما بدلوا تبديلا و دنا منه حبيب بن مظاهر فقال عز علي مصرعك‎ ‎يا ‏مسلم أبشر بالجنة فقال مسلم قولا ضعيفا بشرك الله بخير فقال له حبيب لو لا أني‎ ‎أعلم ‏أني في أثرك من ساعتي هذه لأحببت أن توصيني بكل ما أهمك. ثم تراجع القوم إلى‎ ‎الحسين ع فحمل شمر بن ذي الجوشن لعنه الله على أهل الميسرة فثبتوا له فطاعنوه و ‏حمل‎ ‎على الحسين و أصحابه من كل جانب و قاتلهم أصحاب الحسين قتالا شديدا فأخذت ‏خيلهم‎ ‎تحمل و إنما هي اثنان و ثلاثون فارسا فلا تحمل على جانب من خيل الكوفة إلا ‏كشفته‎. ‎فلما رأى ذلك عروة بن قيس و هو على خيل أهل الكوفة بعث إلى عمر بن سعد ‏أ ما ترى ما‎ ‎تلقى خيلي منذ اليوم من هذه العدة اليسيرة ابعث إليهم الرجال و الرماة ‏فبعث عليهم‎ ‎بالرماة فعقر بالحر بن يزيد فرسه فنزل عنه و جعل يقول‎
إن تعقروا بي فأنا ابن‎ ‎الحر أشجع من ذي لبد هزبر‎
و يضربهم بسيفه و تكاثروا عليه فاشترك في قتله أيوب بن‎ ‎مسرح و رجل آخر من فرسان ‏أهل الكوفة و قاتل أصحاب الحسين بن علي ع القوم أشد قتال‏‎ ‎حتى انتصف النهار فلما ‏رأى الحصين بن نمير و كان على الرماة صبر أصحاب الحسين ع‎ ‎تقدم إلى أصحابه و كانوا ‏خمس مائة نابل أن يرشقوا أصحاب الحسين ع بالنبل فرشقوهم‎ ‎فلم يلبثوا أن عقروا ‏خيولهم و جرحوا الرجال و أرجلوهم و اشتد القتال بينهم ساعة و‎ ‎جاءهم شمر بن ذي ‏الجوشن في أصحابه فحمل عليهم زهير بن القين رحمه الله في عشرة رجال‎ ‎من أصحاب ‏الحسين فكشفهم عن البيوت و عطف عليهم شمر بن ذي الجوشن فقتل من القوم و رد‎ ‎الباقين إلى مواضعهم و أنشأ زهير بن القين يقول مخاطبا للحسين ع اليوم نلقى جدك‎ ‎النبيا و حسنا و المرتضى علياو ذا الجناحين الفتى الكميا‎
و كان القتل يبين في‎ ‎أصحاب الحسين ع لقلة عددهم و لا يبين في أصحاب عمر بن سعد ‏لكثرتهم و اشتد القتال و‎ ‎التحم و كثر القتل و الجراح في أصحاب أبي عبد الله الحسين ع ‏إلى أن زالت الشمس فصلى‎ ‎الحسين بأصحابه صلاة الخوف. و تقدم حنظلة بن سعد ‏الشبامي بين يدي الحسين ع فنادى‎ ‎أهل الكوفة يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم ‏الأحزاب يا قوم إني أخاف عليكم يوم‎ ‎التناد يا قوم لا تقتلوا حسينا فيسحتكم الله بعذاب و ‏قد خاب من افترى ثم تقدم فقاتل‎ ‎حتى قتل رحمه الله‎.

الإرشاد ج : 2 ص :103- 105‏‎

اشتداد المعركة وقرب النهاية‎:

ثم رمى رجل من‎ ‎أصحاب عمر بن سعد يقال له عمرو بن صبيح عبد الله بن مسلم بن ‏عقيل رحمه الله بسهم‎ ‎فوضع عبد الله يده على جبهته يتقيه فأصاب السهم كفه و نفذ ‏إلى جبهته فسمرها به فلم‎ ‎يستطع تحريكها ثم انتحى عليه آخر برمحه فطعنه في قلبه ‏فقتله. و حمل عبد الله بن‎ ‎قطبة الطائي على عون بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ‏رضي الله عنه فقتله. و حمل‎ ‎عامر بن نهشل التيمي على محمد بن عبد الله بن جعفر بن ‏أبي طالب رضي الله عنه فقتله‎. ‎و شد عثمان بن خالد الهمداني على عبد الرحمن بن ‏عقيل بن أبي طالب رضي الله عنه‏‎ ‎فقتله‎.‎


ثم جلس الحسين ع أمام الفسطاط فأتي بابنه‎ ‎عبد الله بن الحسين و هو طفل‎ ‎فأجلسه ‏في حجره فرماه رجل من بني أسد بسهم فذبحه فتلقى الحسين ع دمه فلما ملأ كفه‎ ‎صبه في الأرض ثم قال رب إن تكن حبست عنا النصر من السماء فاجعل ذلك لما هو خير ‏و‎ ‎انتقم لنا من هؤلاء القوم الظالمين‎
ثم حمله حتى وضعه مع قتلى أهله. و رمى عبد‎ ‎الله بن عقبة الغنوي أبا بكر بن الحسن ‏بن علي بن أبي طالب ع فقتله. فلما رأى العباس‎ ‎بن علي رحمة الله عليه كثرة القتلى ‏في أهله قال لإخوته من أمه و هم عبد الله و جعفر‎ ‎و عثمان يا بني أمي تقدموا حتى ‏أراكم قد نصحتم لله و لرسوله فإنه لا ولد لكم فتقدم‎ ‎عبد الله فقاتل قتالا شديدا فاختلف ‏هو و هانئ بن ثبيت الحضرمي ضربتين فقتله هانئ‎ ‎لعنه الله و تقدم بعده جعفر بن علي ‏رحمه الله فقتله أيضا هانئ و تعمد خولي بن يزيد‎ ‎الأصبحي عثمان بن علي رضي الله ‏عنه و قد قام مقام إخوته فرماه بسهم فصرعه و شد عليه‎ ‎رجل من بني دارم فاحتز ‏رأسه. و حملت الجماعة على الحسين ع فغلبوه على عسكره و اشتد‎ ‎به العطش فركب ‏المسناة يريد الفرات و بين يديه العباس أخوه فاعترضته خيل ابن سعد و‎ ‎فيهم رجل من ‏بني دارم فقال لهم ويلكم حولوا بينه و بين الفرات و لا تمكنوه من الماء‎ ‎فقال الحسين ع ‏اللهم أظمئه فغضب الدارمي و رماه بسهم فأثبته في حنكه فانتزع الحسين‎ ‎ع السهم و ‏بسط يده تحت حنكه فامتلأت راحتاه بالدم فرمى به ثم قال اللهم إني أشكو‎ ‎إليك ما يفعل ‏بابن بنت نبيك ثم رجع إلى مكانه و قد اشتد به العطش و أحاط القوم‎ ‎بالعباس فاقتطعوه ‏عنه فجعل يقاتلهم وحده حتى قتل رضوان الله عليه و كان المتولي‎ ‎لقتله زيد بن ورقاء ‏الحنفي و حكيم بن الطفيل السنبسي بعد أن أثخن بالجراح فلم يستطع‎ ‎حراكا. و لما رجع ‏الحسين ع من المسناة إلى فسطاطه تقدم إليه شمر بن ذي الجوشن في‎ ‎جماعة من ‏أصحابه فأحاط به فأسرع منهم رجل يقال له مالك بن النسر الكندي فشتم الحسين‎ ‎و ‏ضربه على رأسه بالسيف و كان عليه قلنسوة فقطعها حتى وصل إلى رأسه فأدماه ‏فامتلأت‎ ‎القلنسوة دما فقال له الحسين لا أكلت بيمينك و لا شربت بها و حشرك الله مع ‏الظالمين‎ ‎ثم ألقى القلنسوة و دعا بخرقة فشد بها رأسه و استدعى قلنسوة أخرى ‏فلبسها و اعتم‎ ‎عليها و رجع عنه شمر بن ذي الجوشن و من كان معه إلى مواضعهم ‏فمكث هنيهة ثم عاد و‎ ‎عادوا إليه و أحاطوا به. فخرج إليهم عبد الله بن الحسن بن علي ع ‏و هو غلام لم يراهق‎ ‎من عند النساء يشتد حتى وقف إلى جنب الحسين فلحقته زينب ‏بنت علي ع لتحبسه فقال لها‎ ‎الحسين احبسيه يا أختي فأبى و امتنع عليها امتناعا ‏شديدا و قال و الله لا أفارق عمي‎ ‎و أهوى أبجر بن كعب إلى الحسين ع بالسيف فقال له ‏الغلام ويلك يا ابن الخبيثة أ تقتل‎ ‎عمي فضربه أبجر بالسيف فاتقاها الغلام بيده فأطنها ‏إلى الجلدة فإذا يده معلقة و‏‎ ‎نادى الغلام يا أمتاه فأخذه الحسين ع فضمه إليه و قال يا ‏ابن أخي اصبر على ما نزل‎ ‎بك و احتسب في ذلك الخير فإن الله يلحقك بآبائك الصالحين‎.
ثم رفع الحسين ع يده‎ ‎و قال اللهم إن متعتهم إلى حين ففرقهم فرقا و اجعلهم طرائق ‏قددا و لا ترض الولاة‎ ‎عنهم أبدا فإنهم دعونا لينصرونا ثم عدوا علينا فقتلونا‎
و حملت الرجالة يمينا و‎ ‎شمالا على من كان بقي مع الحسين فقتلوهم حتى لم يبق معه ‏إلا ثلاثة نفر أو أربعة‎ ‎فلما رأى ذلك الحسين دعا بسراويل يمانية يلمع فيها البصر ففزرها ‏ثم لبسها و إنما‎ ‎فزرها لكيلا يسلبها بعد قتله. فلما قتل عمد أبجر بن كعب إليه فسلبه ‏السراويل و تركه‎ ‎مجردا فكانت يدا أبجر بن كعب بعد ذلك تيبسان في الصيف حتى كأنهما ‏عودان و تترطبان‎ ‎في الشتاء فتنضحان دما و قيحا إلى أن أهلكه الله. فلما لم يبق مع ‏الحسين ع أحد إلا‎ ‎ثلاثة رهط من أهله أقبل على القوم يدفعهم عن نفسه و الثلاثة ‏يحمونه حتى قتل الثلاثة‎ ‎و بقي وحده و قد أثخن بالجراح في رأسه و بدنه فجعل يضاربهم ‏بسيفه و هم يتفرقون عنه‎ ‎يمينا و شمالا‎.

الإرشاد ج : 2 ص :109- 111‏

 استشهاد الحسين رضوان الله عليه‎:

‎. ‎فقال‎ ‎حميد بن مسلم فو الله ما رأيت مكثورا قط قد قتل ولده و أهل بيته و أصحابه أربط ‏جأشا‎ ‎و لا أمضى جنانا منه ع إن كانت الرجالة لتشد عليه فيشد عليها بسيفه فتنكشف ‏عن يمينه‎ ‎و شماله انكشاف المعزى إذا شد فيها الذئب. فلما رأى ذلك شمر بن ذي ‏الجوشن استدعى‎ ‎الفرسان فصاروا في ظهور الرجالة و أمر الرماة أن يرموه فرشقوه ‏بالسهام حتى صار‎ ‎كالقنفذ فأحجم عنهم فوقفوا بإزائه و خرجت أخته زينب إلى باب ‏الفسطاط فنادت عمر بن‎ ‎سعد بن أبي وقاص ويحك يا عمر أ يقتل أبو عبد الله و أنت تنظر ‏إليه فلم يجبها عمر‎ ‎بشي‏ء فنادت ويحكم أ ما فيكم مسلم فلم يجبها أحد بشي‏ء و نادى ‏شمر بن ذي الجوشن‎ ‎الفرسان و الرجالة فقال ويحكم ما تنتظرون بالرجل ثكلتكم أمهاتكم ‏فحمل عليه من كل‎ ‎جانب فضربه ذرعة بن شريك على كفه اليسرى فقطعها و ضربه آخر ‏منهم على عاتقه فكبا‎ ‎منها لوجهه و طعنه سنان بن أنس بالرمح فصرعه و بدر إليه خولي ‏بن يزيد الأصبحي لعنه‎ ‎الله فنزل ليحتز رأسه فأرعد فقال له شمر فت الله في عضدك ما ‏لك ترعد. و نزل شمر‎ ‎إليه فذبحه ثم دفع رأسه إلى خولي بن يزيد فقال احمله إلى الأمير ‏عمر بن سعد ثم‎ ‎أقبلوا على سلب الحسين ع فأخذ قميصه إسحاق بن حيوة الحضرمي و ‏أخذ سراويله أبجر بن‎ ‎كعب و أخذ عمامته أخنس بن مرثد و أخذ سيفه رجل من بني دارم ‏و انتهبوا رحله و إبله و‎ ‎أثقاله و سلبوا نساءه. قال حميد بن مسلم فو الله لقد كنت أرى ‏المرأة من نسائه و‎ ‎بناته و أهله تنازع ثوبها عن ظهرها حتى تغلب عليه فيذهب به منها ثم ‏انتهينا إلى علي‎ ‎بن الحسين ع و هو منبسط على فراش و هو شديد المرض و مع شمر ‏جماعة من الرجالة فقالوا‎ ‎له أ لا نقتل هذا العليل فقلت سبحان الله أ يقتل الصبيان إنما ‏هو صبي و إنه لما به‎ ‎فلم أزل حتى رددتهم عنه‎.

الإرشاد ج : 2 ص : 112-113‏‎

عمر بن سعد ونهاية المعركة‎:

و جاء عمر بن‎ ‎سعد فصاح النساء في وجهه و بكين فقال لأصحابه لا يدخل أحد منكم بيوت ‏هؤلاء النسوة و‎ ‎لا تعرضوا لهذا الغلام المريض و سألته النسوة ليسترجع ما أخذ منهن ‏ليتسترن به فقال‎ ‎من أخذ من متاعهن شيئا فليرده عليهن فو الله ما رد أحد منهم شيئا ‏فوكل بالفسطاط و‎ ‎بيوت النساء و علي بن الحسين جماعة ممن كانوا معه و قال ‏احفظوهم لئلا يخرج منهم أحد‎ ‎و لا تسيئن إليهم. ثم عاد إلى مضربه و نادى في أصحابه ‏من ينتدب للحسين فيوطئه فرسه‎ ‎فانتدب عشرة منهم إسحاق بن حيوة و أخنس بن مرثد ‏فداسوا الحسين ع بخيولهم حتى رضوا‎ ‎ظهره و سرح عمر بن سعد من يومه ذلك و هو ‏يوم عاشوراء برأس الحسين ع مع خولي بن يزيد‎ ‎الأصبحي و حميد بن مسلم الأزدي إلى ‏عبيد الله بن زياد و أمر برءوس الباقين من‏‎ ‎أصحابه و أهل بيته فنظفت و كانت اثنين و ‏سبعين رأسا و سرح بها مع شمر بن ذي الجوشن‎ ‎و قيس بن الأشعث و عمرو بن الحجاج ‏فأقبلوا حتى قدموا بها على ابن زياد. و أقام بقية‎ ‎يومه و اليوم الثاني إلى زوال الشمس ‏ثم نادى في الناس بالرحيل و توجه إلى الكوفة و‎ ‎معه بنات الحسين و أخواته و من كان ‏معه من النساء و الصبيان و علي بن الحسين فيهم و‎ ‎هو مريض بالذرب و قد أشفى‎.

الإرشاد ج : 2 ص :113- 114‏


وصول رأس الحسين لابن زياد‎:

جلس‎ ‎ابن زياد للناس في قصر الإمارة و أذن للناس إذنا عاما و أمر بإحضار الرأس فوضع ‏بين‎ ‎يديه و جعل ينظر إليه و يتبسم و في يده قضيب يضرب به ثناياه و كان إلى جانبه زيد ‏بن‎ ‎أرقم صاحب رسول الله ص و هو شيخ كبير فلما رآه يضرب بالقضيب ثناياه قال له ارفع‎ ‎قضيبك عن هاتين الشفتين فو الله الذي لا إله غيره لقد رأيت شفتي رسول الله ص ‏عليهما‎ ‎ما لا أحصيه كثرة تقبلهما ثم انتحب باكيا فقال له ابن زياد أبكى الله عي************ أ تبكي‎ ‎لفتح الله و الله لو لا أنك شيخ قد خرفت و ذهب عقلك لضربت عنقك فنهض زيد بن أرقم ‏من‎ ‎بين يديه و صار إلى منزله‎.

الإرشاد ج : 2 ص :114- 115‏‎

وصول خبر مقتل الحسين ليزيد‎:

فروى عبد الله‎ ‎بن ربيعة الحميري فقال إني لعند يزيد بن معاوية بدمشق إذ أقبل زحر بن ‏قيس حتى دخل‎ ‎عليه فقال له يزيد ويلك ما وراءك و ما عندك فقال أبشر يا أمير المؤمنين ‏بفتح الله و‎ ‎نصره ورد علينا الحسين بن علي في ثمانية عشر من أهل بيته و ستين من ‏شيعته فسرنا‎ ‎إليهم فسألناهم أن يستسلموا أو ينزلوا على حكم الأمير عبيد الله بن زياد ‏أو القتال‎ ‎فاختاروا القتال على الاستسلام فغدونا عليهم مع شروق الشمس فأحطنا بهم ‏من كل ناحية‎ ‎حتى إذا أخذت السيوف مأخذها من هام القوم جعلوا يهربون إلى غير وزر و ‏يلوذون منا‎ ‎بالآكام و الحفر لواذا كما لاذ الحمائم من صقر فو الله يا أمير المؤمنين ما كانوا‎ ‎إلا جزر جزور أو نومة قائل حتى أتينا على آخرهم فهاتيك أجسادهم مجردة و ثيابهم‎ ‎مرملة و خدودهم معفرة تصهرهم الشمس و تسفي عليهم الرياح زوارهم العقبان و ‏الرخم‎ ‎فأطرق يزيد هنيهة ثم رفع رأسه فقال قد كنت أرضى من طاعتكم بدون قتل ‏الحسين أما لو‎ ‎أني صاحبه لعفوت عنه‎.

الإرشاد ج : 2 ص :118- 119‏‎

ارسال النساء و الرؤوس ليزيد‎:

و لما أصبح‎ ‎عبيد الله بن زياد بعث برأس الحسين ع فدير به في سكك الكوفة كلها و ‏قبائلها‎.
و‎ ‎لما فرغ القوم من التطواف به بالكوفة ردوه إلى باب القصر فدفعه ابن زياد إلى زحر بن‎ ‎قيس و دفع إليه رءوس أصحابه و سرحه إلى يزيد بن معاوية‎.
ثم إن عبيد الله بن زياد‎ ‎بعد إنفاذه برأس الحسين ع أمر بنسائه و صبيانه فجهزوا و أمر ‏بعلي بن الحسين فغل بغل‎ ‎إلى عنقه ثم سرح بهم في أثر الرأس مع مجفر بن ثعلبة ‏العائذي و شمر بن ذي الجوشن‎ ‎فانطلقوا بهم حتى لحقوا بالقوم الذين معهم الرأس‎.

الإرشاد ج : 2 ص‏‎ :‎‏117-119‏

موقف يزيد من قتل الحسين‎:

‏1‏‎-‎و لما وضعت الرءوس بين يدي يزيد و فيها رأس‎ ‎الحسين ع قال يزيد‎

نفلق هاما من رجال أعزة‎ ‎علينا …..و هم كانوا أعق و أظلما‎

فقال يحيى بن الحكم أخو مروان بن‎ ‎الحكم و كان جالسا مع يزيد‎

لهام بأدنى الطف أدنى‎ ‎قرابة …..من ابن زياد العبد ذي الحسب الرذل‏‎
أمية أمسى نسلها عدد الحصى ……و بنت‎ ‎رسول الله ليس لها نسل‎

فضرب يزيد في صدر يحيى بن‎ ‎الحكم و قال اسكت ثم قال لعلي بن الحسين يا ابن ‏حسين أبوك قطع رحمي و جهل حقي و‎ ‎نازعني سلطاني فصنع الله به ما قد رأيت.
فقال ‏علي بن الحسين ما أَصابَ مِنْ‎ ‎مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ‎ ‎أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ. فقال يزيد لابنه خالد اردد‎ ‎عليه فلم يدر خالد ما يرد ‏عليه. فقال له يزيد قل ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ‎ ‎فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَ يَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ. ثم دعا ‏بالنساء و الصبيان‎ ‎فأجلسوا بين يديه فرأى هيئة قبيحة فقال قبح الله ابن مرجانة لو كانت ‏بينكم و بينه‎ ‎قرابة رحم ما فعل هذا بكم و لا بعث بكم على هذه الصورة‎.

الإرشاد ج‎ : 2 ‎ص :119- 120‏‎

‏2‏‎-‎فأطرق يزيد هنيهة ثم‎ ‎رفع رأسه فقال قد كنت أرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين ‏أما لو أني صاحبه لعفوت‎ ‎عنه‎.

الإرشاد ج : 2 ص :119‏‎

‏3‏‎-‎لما أراد يزيد أن يجهزهم دعا علي بن الحسين ع فاستخلاه ثم قال له لعن‎ ‎الله ابن ‏مرجانة أم و الله لو أني صاحب أبيك ما سألني خصلة أبدا إلا أعطيته إياها و‎ ‎لدفعت ‏الحتف عنه بكل ما استطعت و لكن الله قضى ما رأيت كاتبني من المدينة و أنه كل‎ ‎حاجة ‏تكون لك‎.

الإرشاد ج : 2 ص : 122‏‎

عودة‎ ‎النساء و زين العابدين للمدينة‎:
ثم أمر بالنسوة أن ينزلن في دار على حدة معهن أخوهن علي بن الحسين‎ ‎ع فأفرد لهم ‏دار تتصل بدار يزيد فأقاموا أياما ثم ندب يزيد النعمان بن بشير و قال‎ ‎له تجهز لتخرج بهؤلاء ‏النسوان إلى المدينة و لما أراد أن يجهزهم دعا علي بن الحسين‎ ‎ع فاستخلاه ثم قال له ‏لعن الله ابن مرجانة أم و الله لو أني صاحب أبيك ما سألني‎ ‎خصلة أبدا إلا أعطيته إياها و ‏لدفعت الحتف عنه بكل ما استطعت و لكن الله قضى ما‎ ‎رأيت كاتبني من المدينة و أنه ‏كل حاجة تكون لك. و تقدم بكسوته و كسوة أهله و أنفذ‎ ‎معهم في جملة النعمان بن ‏بشير رسولا تقدم إليه أن يسير بهم في الليل و يكونوا أمامه‎ ‎حيث لا يفوتون طرفه فإذا ‏نزلوا تنحى عنهم و تفرق هو و أصحابه حولهم كهيئة الحرس لهم‏‎ ‎و ينزل منهم حيث إذا ‏أراد إنسان من جماعتهم وضوءا أو قضاء حاجة لم يحتشم. فسار معهم‎ ‎في جملة النعمان ‏و لم يزل ينازلهم في الطريق و يرفق بهم كما وصاه يزيد و يرعونهم‎ ‎حتى دخلوا المدينة‎ ..
الإرشاد ج : 2 ص : 122‏



 تم بحمد الله توثيق قصة مقتل الحسين‎ ‎من كتاب ‏الإرشاد للمفيد الذي يعد من أهم علماء الشيعة‎

_______
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

محاضرة بعنوان " سيرة الحسين " للشيخ نواف السالم


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..