قصة مقتل الحسين من كتب الشيعة!
________________________________________
_______
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :
________________________________________
من أصح كتب الشيعة في التاريخ والعقائد اخترنا لكم قصة مقتل الحسين رضي الله عنه
والكتاب هو الإرشاد للشيخ المفيدالمولود في سنة 336 هجرية
وللاختصار سوف ننقل لكم حرفيا ما ذكره المفيد في كتابه مع الاختصار والتركز على أهم نقاط القصة
ولذلك سوف أجتهد في وضع العناوين الرئيسية لكل موقف وألتزم بالنقل الحرفي للموضوع
موقف الحسن والحسين من خلافة معاوية:
فكانت إمامة الحسين ع بعد وفاة أخيه بما قدمناه ثابتة و طاعته لجميع الخلق لازمة و إن لم يدع إلى نفسه للتقية التي كان عليها و الهدنة الحاصلة بينه و بين معاوية بن أبي سفيان فالتزم الوفاء بها و جرى في ذلك مجرى أبيه أمير المؤمنين
الإرشاد ج : 2 ص : 31
فصل فمن مختصر الأخبار التي جاءت بسبب دعوته ع و ما أخذه على الناس في الجهاد من بيعته و ذكر جملة من أمره و خروجه و مقتله
ما رواه الكلبي و المدائني و غيرهما من أصحاب السيرة قالوا لما مات الحسن بن علي ع تحركت الشيعة بالعراق و كتبوا إلى الحسين ع في خلع معاوية و البيعة له فامتنع عليهم و ذكر أن بينه و بين معاوية عهدا و عقدا لا يجوز له نقضه حتى تمضي المدة فإن مات معاوية نظر في ذلك
.ص:32
وفاة معاوية وتحريض شيعة الكوفة:
و بلغ أهل الكوفة هلاك معاوية فارجفوا بيزيد و عرفوا خبر الحسين ع و امتناعه من بيعته و ما كان من ابن الزبير في ذلك و خروجهما إلى مكة فاجتمعت الشيعة بالكوفة في منزل سليمان بن صرد فذكروا هلاك معاوية فحمدوا الله عليه فقال سليمان إن معاوية قد هلك و إن حسينا قد تقبض على القوم ببيعته و قد خرج إلى مكة و أنتم شيعته و شيعة أبيه فإن كنتم تعلمون أنكم ناصروه و مجاهدو عدوه فأعلموه و إن خفتم الفشل و الوهن فلا تغروا الرجل في نفسه
قالوا لا بل نقاتل عدوه و نقتل أنفسنا دونه قال فكتبوا
بسم الله الرحمن الرحيم للحسين بن علي ع من سليمان بن صرد و المسيب بن نجبة و رفاعة بن شداد و حبيب بن مظاهر و شيعته من المؤمنين و المسلمين من أهل الكوفة سلام عليك فإنا نحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو. أما بعد فالحمد لله الذي قصم عدوك الجبار العنيد الذي انتزى على هذه الأمة فابتزها أمرها و غصبها فيئها و تأمر عليها بغير رضى منها ثم قتل خيارها و استبقى شرارها و جعل مال الله دولة بين جبابرتها و أغنيائها فبعدا له كما بعدت ثمود إنه ليس علينا إمام فأقبل لعل الله أن يجمعنا بك على الحق و النعمان بن بشير في قصر الإمارة لسنا نجمع معه في جمعه و لا نخرج معه إلى عيد و لو قد بلغنا أنك أقبلت إلينا أخرجناه حتى نلحقه بالشام إن شاء الله
. ثم سرحوا الكتاب مع عبد الله بن مسمع الهمداني و عبد الله بن وال و أمروهما بالنجاء فخرجا مسرعين حتى قدما على الحسين ع بمكة لعشر مضين من شهر رمضان
. و لبث أهل الكوفة يومين بعد تسريحهم بالكتاب و انفذوا قيس بن مسهر الصيداوي و عبد الرحمن بن عبد الله الأرحبي و عمارة بن عبد السلولي إلى الحسين ع و معهم نحو من مائة و خمسين صحيفة من الرجل و الاثنين و الأربعة
. ثم لبثوا يومين آخرين و سرحوا إليه هانئ بن هانئ السبيعي و سعيد بن عبد الله الحنفي و كتبوا إليه
بسم الله الرحمن الرحيم للحسين بن علي من شيعته من المؤمنين و المسلمين. أما بعد فحي هلا فإن الناس ينتظرونك لا رأي لهم غيرك فالعجل العجل ثم العجل العجل و السلام.
و كتب شبث بن ربعي و حجار بن أبجر و يزيد بن الحارث بن رويم و عروة بن قيس و عمرو بن الحجاج الزبيدي و محمد بن عمرو التيمي أما بعد فقد أخضر الجناب و أينعت الثمار فإذا شئت فأقدم على جند لك مجند و السلام.
و تلاقت الرسل كلها عنده فقرأ الكتب و سأل الرسل عن الناس ثم كتب مع هانئ بن هانئ و سعيد بن عبد الله و كانا آخر الرسل
بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن علي إلى الملأ من المسلمين و المؤمنين أما بعد فإن هانئا و سعيدا قدما علي بكتبكم و كانا آخر من قدم علي من رسلكم و قد فهمت كل الذي اقتصصتم و ذكرتم و مقالة جلكم إنه ليس علينا إمام فأقبل لعل الله أن يجمعنا بك على الهدى و الحق و إني باعث إليكم أخي و ابن عمي و ثقتي من أهل بيتي فإن كتب إلي أنه قد اجتمع رأي ملئكم و ذوي الحجا و الفضل منكم على مثل ما قدمت به رسلكم و قرأت في كتبكم أقدم عليكم وشيكا إن شاء الله فلعمري ما الإمام إلا الحاكم بالكتاب القائم بالقسط الدائن بدين الحق الحابس نفسه على ذات الله و السلام
ص:36-39
خروج مسلم بن عقيل للكوفة:
و دعا الحسين بن علي ع مسلم بن عقيل بن أبي طالب رضي الله عنه فسرحه مع قيس بن مسهر الصيداوي و عمارة بن عبد السلولي و عبد الرحمن بن عبد الله الأرحبي و أمره بتقوى الله و كتمان أمره و اللطف فإن رأى الناس مجتمعين مستوسقين عجل إليه بذلك.
فأقبل مسلم حتى أتى المدينة فصلى في مسجد رسول الله ص و ودع من أحب من أهله ثم استأجر دليلين من قيس فأقبلا به يتنكبان الطريق فضلا و أصابهم عطش شديد فعجزا عن السير فأومئا له إلى سنن الطريق بعد أن لاح لهما ذلك فسلك مسلم ذلك السنن و مات الدليلان عطشا.
فكتب مسلم بن عقيل رحمه الله من الموضع المعروف بالمضيق مع قيس بن مسهر أما بعد فإنني أقبلت من المدينة مع دليلين لي فجارا عن الطريق فضلا و اشتد علينا العطش فلم يلبثا أن ماتا و أقبلنا حتى انتهينا إلى الماء فلم ننج إلا بحشاشة أنفسنا و ذلك الماء بمكان يدعى المضيق من بطن الخبت و قد تطيرت من وجهي هذا فإن رأيت أعفيتني منه و بعثت غيري و السلام.
فكتب إليه الحسين بن علي ع أما بعد فقد خشيت أن لا يكون حملك على الكتاب إلي في الاستعفاء من الوجه الذي وجهتك له إلا الجبن فامض لوجهك الذي وجهتك له و السلام.
الإرشاد ج : 2 ص : 40
وصول مسلم للكوفة ومبايعة الشيعة:
ثم أقبل حتى دخل الكوفة فنزل في دار المختار بن أبي عبيد و هي التي تدعى اليوم دار سلم بن المسيب و أقبلت الشيعة تختلف إليه فكلما اجتمع إليه منهم جماعة قرأ عليهم كتاب الحسين بن علي ع و هم يبكون و بايعه الناس حتى بايعه منهم ثمانية عشر ألفا فكتب مسلم رحمه الله إلى الحسين ع يخبره ببيعة ثمانية عشر ألفا و يأمره بالقدوم .
محاولة والي الكوفة لإطفاء الفتنة:
و جعلت الشيعة تختلف إلى مسلم بن عقيل رضي الله عنه حتى علم مكانه فبلغ النعمان بن بشير ذلك و كان واليا على الكوفة من قبل معاوية فأقره يزيد عليها فصعد المنبر فحمد الله و أثنى عليه ثم قال :
أما بعد فاتقوا الله عباد الله و لا تسارعوا إلى الفتنة و الفرقة فإن فيها يهلك الرجال و تسفك الدماء و تغتصب الأموال إني لا أقاتل من لا يقاتلني و لا آتي على من لم يأت علي و لا أنبه نائمكم و لا أتحرش بكم و لا آخذ بالقرف و لا الظنة و لا التهمة و لكنكم إن أبديتم صفحتكم لي و نكثتم بيعتكم و خالفتم إمامكم فو الله الذي لا إله غيره لأضربنكم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي و لو لم يكن لي منكم ناصر أما إني أرجو أن يكون من يعرف الحق منكم أكثر ممن يرديه الباطل.
فقام إليه عبد الله بن مسلم بن ربيعة الحضرمي حليف بني أمية فقال إنه لا يصلح ما ترى إلا الغشم إن هذا الذي أنت عليه فيما بينك و بين عدوك رأي المستضعفين فقال له النعمان أكون من المستضعفين في طاعة الله أحب إلي من أن أكون من الأعزين في معصية الله ثم نزل.
و خرج عبد الله بن مسلم فكتب إلى يزيد بن معاوية أما بعد فإن مسلم بن عقيل قد قدم الكوفة فبايعته الشيعة للحسين بن علي فإن يكن لك في الكوفة حاجة فابعث إليها رجلا قويا ينفذ أمرك و يعمل مثل عملك في عدوك فإن النعمان بن بشير رجل ضعيف أو هو يتضعف.
الإرشاد ج : 2 ص : 42
يزيد ومحاولة إطفاء الفتنة:
. و خرج عبد الله بن مسلم فكتب إلى يزيد بن معاوية أما بعد فإن مسلم بن عقيل قد قدم الكوفة فبايعته الشيعة للحسين بن علي فإن يكن لك في الكوفة حاجة فابعث إليها رجلا قويا ينفذ أمرك و يعمل مثل عملك في عدوك فإن النعمان بن بشير رجل ضعيف أو هو يتضعف ثم كتب إليه عمارة بن عقبة بنحو من كتابه ثم كتب إليه عمر بن سعد بن أبي وقاص مثل ذلك. فلما وصلت الكتب إلى يزيد دعا سرجون مولى معاوية فقال ما رأيك إن حسينا قد وجه إلى الكوفة مسلم بن عقيل يبايع له و قد بلغني عن النعمان بن بشير ضعف و قول سيئ فمن ترى أن أستعمل على الكوفة
و كان يزيد عاتبا على عبيد الله بن زياد فقال له سرجون أ رأيت معاوية لو نشر لك حيا أما كنت آخذا برأيه قال: نعم قال فأخرج سرجون عهد عبيد الله بن زياد على الكوفة
و قال هذا رأي معاوية مات و قد أمر بهذا الكتاب فضم المصرين إلى عبيد الله بن زياد فقال له يزيد :أفعل ابعث بعهد عبيد الله إليه ثم دعا مسلم بن عمرو الباهلي و كتب إلى عبيد الله بن زياد معه
أما بعد فإنه كتب إلى شيعتي من أهل الكوفة يخبروني أن ابن عقيل بها يجمع الجموع و يشق عصا المسلمين فسر حين تقرأ كتابي هذا حتى تأتي الكوفة فتطلب ابن عقيل طلب الخرزة حتى تثقفه فتوثقه أو تقتله أو تنفيه و السلام. و سلم إليه عهده على الكوفة فسار مسلم بن عمرو حتى قدم على عبيد الله بالبصرة فأوصل إليه العهد و الكتاب فأمر عبيد الله بالجهاز من وقته و المسير و التهيؤ إلى الكوفة من الغد ثم خرج من البصرة و استخلف أخاه عثمان و أقبل إلى الكوفة و معه مسلم بن عمرو الباهلي و شريك بن أعور الحارثي و حشمه و أهل بيته حتى دخل الكوفة و عليه عمامة سوداء و هو متلثم
و الناس قد بلغهم إقبال الحسين ع إليهم فهم ينتظرون قدومه فظنوا حين رأوا عبيد الله أنه الحسين فأخذ لا يمر على جماعة من الناس إلا سلموا عليه و قالوا مرحبا بابن رسول الله قدمت خير مقدم فرأى من تباشرهم بالحسين ما ساءه فقال مسلم بن عمرو لما أكثروا :تأخروا هذا الأمير عبيد الله بن زياد.
و سار حتى وافى القصر في الليل و معه جماعة قد التفوا به لا يشكون أنه الحسين ع
فأغلق النعمان بن بشير عليه و على حامته فناداه بعض من كان معه ليفتح لهم الباب فاطلع إليه النعمان و هو يظنه الحسين فقال أنشدك الله إلا تنحيت و الله ما أنا مسلم إليك أمانتي و ما لي في قتالك من أرب
فجعل لا يكلمه ثم إنه دنا و تدلى النعمان من شرف فجعل يكلمه فقال افتح لا فتحت فقد طال ليلك و سمعها إنسان خلفه فنكص إلى القوم الذين اتبعوه من أهل الكوفة على أنه الحسين فقال أي قوم ابن مرجانة و الذي لا إله غيره ففتح له النعمان و دخل و ضربوا الباب في وجوه الناس فانفضوا
. و أصبح فنادى في الناس الصلاة جامعة فاجتمع الناس فخرج إليهم فحمد الله و أثنى عليه ثم قال: أما بعد فإن أمير المؤمنين ولاني مصركم و ثغركم و فيئكم و أمرني بإنصاف مظلومكم و إعطاء محرومكم و الإحسان إلى سامعكم و مطيعكم كالوالد البر و سوطي و سيفي على من ترك أمري و خالف عهدي فليبق امرؤ على نفسه الصدق ينبي عنك لا الوعيد.
ثم نزل و أخذ العرفاء و الناس أخذا شديدا فقال اكتبوا إلى العرفاء و من فيكم من طلبة أمير المؤمنين و من فيكم من الحرورية و أهل الريب الذين رأيهم الخلاف و الشقاق فمن يجيء بهم لنا فبرئ و من لم يكتب لنا أحدا فليضمن لنا ما في عرافته أن لا يخالفنا منهم مخالف و لا يبغ علينا منهم باغ فمن لم يفعل برئت منه الذمة و حلال لنا دمه و ماله و أيما عريف وجد في عرافته من بغية أمير المؤمنين أحد لم يرفعه إلينا صلب على باب داره و ألغيت تلك العرافة من العطاء.
الإرشاد ج : 2 ص 43-45
البحث عن مسلم بن عقيل:
. فجاء هانئ حتى دخل على ابن زياد و معه القوم فلما طلع قال ابن زياد أتتك بحائن رجلاه فلما دنا من ابن زياد و عنده شريح القاضي التفت نحوه فقال :
أريد حباءه و يريد قتلي عذيرك من خليلك من مراد
و قد كان أول ما دخل عليه مكرما له ملطفا فقال له هانئ و ما ذلك أيها الأمير قال إيه يا هانئ بن عروة ما هذه الأمور التي تربص في دارك لأمير المؤمنين و عامة المسلمين جئت بمسلم بن عقيل فأدخلته دارك و جمعت له السلاح و الرجال في الدور حولك و ظننت أن ذلك يخفى علي فقال ما فعلت و ما مسلم عندي قال بلى قد فعلت فلما كثر ذلك بينهما و أبى هانئ إلا مجاحدته و مناكرته دعا ابن زياد معقلا ذلك العين فجاء حتى وقف بين يديه فقال أ تعرف هذا قال نعم و علم هانئ عند ذلك أنه كان عينا عليهم و أنه قد أتاه بأخبارهم فأسقط في يده ساعة ثم راجعته نفسه فقال اسمع مني و صدق مقالتي فو الله لا كذبت و الله ما دعوته إلى منزلي و لا علمت بشيء من أمره حتى جاءني يسألني النزول فاستحييت من رده و دخلني من ذلك ذمام فضيفته و آويته و قد كان من أمره ما كان بلغك فإن شئت أن أعطيك الآن موثقا مغلظا ألا أبغيك سوءا و لا غائلة و لآتينك حتى أضع يدي في يدك و إن شئت أعطيتك رهينة تكون في يدك حتى آتيك و أنطلق إليه فآمره أن يخرج من داري إلى حيث شاء من الأرض فأخرج من ذمامه و جواره فقال له ابن زياد و الله لا تفارقني أبدا حتى تأتيني به قال لا و الله لا آتيك به أبدا أجيئك بضيفي تقتله قال و الله لتأتين به قال لا و الله لا آتيك به. فلما كثر الكلام بينهما قام مسلم بن عمرو الباهلي و ليس بالكوفة شامي و لا بصري غيره فقال أصلح الله الأمير خلني و إياه حتى أكلمه فقام فخلا به ناحية من ابن زياد و هما منه بحيث يراهما فإذا رفعا أصواتهما سمع ما يقولان فقال له مسلم يا هانئ إني أنشدك الله أن تقتل نفسك و أن تدخل البلاء على عشيرتك فو الله إني لأنفس بك عن القتل أن هذا الرجل ابن عم القوم و ليسوا قاتليه و لا ضائريه فادفعه إليه فإنه ليس عليك بذلك مخزاة و لا منقصة إنما تدفعه إلى السلطان فقال هانئ و الله إن علي في ذلك للخزي و العار أنا أدفع جاري و ضيفي و أنا حي صحيح أسمع و أرى شديد الساعد كثير الأعوان و الله لو لم أكن إلا واحدا ليس لي ناصر لم أدفعه حتى أموت دونه فأخذ يناشده و هو يقول و الله لا أدفعه أبدا. فسمع ابن زياد ذلك فقال أدنوه مني فأدني منه فقال و الله لتأتيني به أو لأضربن عنقك فقال هانئ إذا و الله تكثر البارقة حول دارك فقال ابن زياد وا لهفاه عليك أ بالبارقة تخوفني و هو يظن أن عشيرته سيمنعونه ثم قال أدنوه مني فأدني فاعترض وجهه بالقضيب فلم يزل يضرب وجهه و أنفه و جبينه و خده حتى كسر أنفه و سيل الدماء على ثيابه و نثر لحم خده و جبينه على لحيته حتى كسر القضيب و ضرب هانئ يده إلى قائم سيف شرطي و جاذبه الرجل و منعه فقال عبيد الله أ حروري سائر اليوم قد حل لنا دمك جروه فجروه فألقوه في بيت من بيوت الدار و أغلقوا عليه بابه فقال اجعلوا عليه حرسا ففعل ذلك به فقام إليه حسان بن أسماء فقال أ رسل غدر سائر اليوم أمرتنا أن نجيئك بالرجل حتى إذا جئناك به هشمت وجهه و سيلت دمائه على لحيته و زعمت أنك تقتله فقال له عبيد الله و إنك لهاهنا فأمر به فلهز و تعتع ثم أجلس ناحية فقال محمد بن الأشعث قد رضينا بما رآه الأمير لنا كان أو علينا إنما الأمير مؤدب. و بلغ عمرو بن الحجاج أن هانئا قد قتل فأقبل في مذحج حتى أحاط بالقصر و معه جمع عظيم ثم نادى أنا عمرو بن الحجاج و هذه فرسان مذحج و وجوهها لم تخلع طاعة و لم تفارق جماعة و قد بلغهم أن صاحبهم قتل فأعظموا ذلك فقيل لعبيد الله بن زياد هذه مذحج بالباب فقال لشريح القاضي ادخل على صاحبهم فانظر إليه ثم اخرج و أعلمهم أنه حي لم يقتل فدخل فنظر شريح إليه فقال هانئ لما رأى شريحا يا لله يا للمسلمين أ هلكت عشيرتي أين أهل الدين أين أهل البصر و الدماء تسيل على لحيته إذ سمع الرجة على باب القصر فقال إني لأظنها أصوات مذحج و شيعتي من المسلمين إنه إن دخل علي عشرة نفر أنقذوني فلما سمع كلامه شريح خرج إليهم فقال لهم إن الأمير لما بلغه مكانكم و مقالتكم في صاحبكم أمرني بالدخول إليه فأتيته فنظرت إليه فأمرني أن ألقاكم و أن أعلمكم أنه حي و أن الذي بلغكم من قتله باطل فقال عمرو بن الحجاج و أصحابه أما إذ لم يقتل فالحمد لله ثم انصرفوا.
الإرشاد ج : 2 ص : 48-51
بداية الثورة ضد ابن زياد:
. و خرج عبيد الله بن زياد فصعد المنبر و معه أشراف الناس و شرطه و حشمه فقال أما بعد أيها الناس فاعتصموا بطاعة الله و طاعة أئمتكم و لا تفرقوا فتهلكوا و تذلوا و تقتلوا و تجفوا و تحربوا إن أخاك من صدقك و قد أعذر من أنذر ثم ذهب لينزل فما نزل عن المنبر حتى دخلت النظارة المسجد من قبل باب التمارين يشتدون و يقولون قد جاء ابن عقيل قد جاء ابن عقيل فدخل عبيد الله القصر مسرعا و أغلق أبوابه. قال عبد الله بن حازم أنا و الله رسول ابن عقيل إلى القصر لأنظر ما فعل هانئ فلما حبس و ضرب ركبت فرسي فكنت أول أهل الدار دخل على مسلم بن عقيل بالخبر فإذا نسوة لمراد مجتمعات ينادين يا عبرتاه يا ثكلاه فدخلت على مسلم بن عقيل فأخبرته فأمرني أن أنادي في أصحابه و قد ملأ بهم الدور حوله و كانوا فيها أربعة آلاف رجل فناديت يا منصور أمت فتنادى أهل الكوفة و اجتمعوا عليه فعقد مسلم لرءوس الأرباع على القبائل كندة و مذحج و أسد و تميم و همدان و تداعى الناس و اجتمعوا فما لبثنا إلا قليلا حتى امتلأ المسجد من الناس و السوق و ما زالوا يتوثبون حتى المساء فضاق بعبيد الله أمره و كان أكثر عمله أن يمسك باب القصر و ليس معه في القصر إلا ثلاثون رجلا من الشرط و عشرون رجلا من أشراف الناس و أهل بيته و خاصته و أقبل من نأى عنه من أشراف الناس يأتونه من قبل الباب الذي يلي دار الروميين و جعل من في القصر مع ابن زياد يشرفون عليهم فينظرون إليهم و هم يرمونهم بالحجارة و يشتمونهم و يفترون على عبيد الله و على أبيه.
الإرشاد ج : 2 ص : 52
بداية خيانة الشيعة:
و دعا ابن زياد كثير بن شهاب و أمره أن يخرج فيما أطاعه من مذحج فيسير في الكوفة و يخذل الناس عن ابن عقيل و يخوفهم الحرب و يحذرهم عقوبة السلطان و أمر محمد بن الأشعث أن يخرج فيمن أطاعه من كندة و حضرموت فيرفع راية أمان لمن جاءه من الناس و قال مثل ذلك للقعقاع الذهلي و شبث بن ربعي التميمي و حجار بن أبجر العجلي و شمر بن ذي الجوشن العامري و حبس باقي وجوه الناس عنده استيحاشا إليهم لقلة عدد من معه من الناس.فخرج كثير بن شهاب يخذل الناس عن ابن عقيل و خرج محمد بن الأشعث حتى وقف عند دور بني عمارة فبعث ابن عقيل إلى محمد بن الأشعث من المسجد عبد الرحمن بن شريح الشبامي فلما رأى ابن الأشعث كثرة من أتاه تأخر عن مكانه و جعل محمد بن الأشعث و كثير بن شهاب و القعقاع بن شور الذهلي و شبث بن ربعي يردون الناس عن اللحوق بمسلم و يخوفونهم السلطان حتى اجتمع إليهم عدد كثير من قومهم و غيرهم فصاروا إلى ابن زياد من قبل دار الروميين و دخل القوم معهم فقال له كثير بن شهاب أصلح الله الأمير معك في القصر ناس كثير من أشراف الناس و من شرطك و أهل بيتك و مواليك فاخرج بنا إليهم فأبى عبيد الله و عقد لشبث بن ربعي لواء فأخرجه. و أقام الناس مع ابن عقيل يكثرون حتى المساء و أمرهم شديد فبعث عبيد الله إلى الأشراف فجمعهم ثم أشرفوا على الناس فمنوا أهل الطاعة الزيادة و الكرامة و خوفوا أهل العصيان الحرمان و العقوبة و أعلموهم وصول الجند من الشام إليهم و تكلم كثير حتى كادت الشمس أن تجب فقال أيها الناس ألحقوا بأهاليكم و لا تعجلوا الشر و لا تعرضوا أنفسكم للقتل فإن هذه جنود أمير المؤمنين يزيد قد أقبلت و قد أعطى الله الأمير عهدا لئن تممتم على حربه و لم تنصرفوا من عشيتكم أن يحرم ذريتكم العطاء و يفرق مقاتلتكم في مغازي الشام و أن يأخذ البريء بالسقيم و الشاهد بالغائب حتى لا تبقى له بقية من أهل المعصية إلا أذاقها وبال ما جنت أيديها و تكلم الأشراف بنحو من ذلك.
فلما سمع الناس مقالهم أخذوا يتفرقون و كانت المرأة تأتي ابنها أو أخاها فتقول انصرف الناس يكفونك و يجيء الرجل إلى ابنه و أخيه فيقول غدا يأتيك أهل الشام فما تصنع بالحرب و الشر انصرف فيذهب به فينصرف فما زالوا يتفرقون حتى أمسى ابن عقيل و صلى المغرب و ما معه إلا ثلاثون نفسا في المسجد فلما رأى أنه قد أمسى و ما معه إلا أولئك النفر خرج من المسجد متوجها نحو أبواب كندة فما بلغ الأبواب و معه منهم عشرة ثم خرج من الباب فإذا ليس معه إنسان فالتفت فإذا هو لا يحس أحدا يدله على الطريق و لا يدله على منزله و لا يواسيه بنفسه إن عرض له عدو. فمضى على وجهه متلددا في أزقة الكوفة لا يدري أين يذهب حتى خرج إلى دور بني جبلة من كندة فمشى حتى انتهى إلى باب امرأة يقال لها طوعة أم ولد كانت للأشعث بن قيس فأعتقها فتزوجها أسيد الحضرمي فولدت له بلالا و كان بلال قد خرج مع الناس فأمه قائمة تنتظره فسلم عليها ابن عقيل فردت ع فقال لها يا أمة الله اسقيني ماء فسقته و جلس و أدخلت الإناء ثم خرجت فقالت يا عبد الله أ لم تشرب قال بلى قالت فاذهب إلى أهلك فسكت ثم أعادت مثل ذلك فسكت ثم قالت له في الثالثة سبحان الله يا عبد الله قم عافاك الله إلى أهلك فإنه لا يصلح لك الجلوس على بابي و لا أحله لك. فقام و قال يا أمة الله ما لي في هذا المصر منزل و لا عشيرة فهل لك في أجر و معروف لعلي مكافئك بعد اليوم فقالت يا عبد الله و ما ذاك قال أنا مسلم بن عقيل كذبني هؤلاء القوم و غروني و أخرجوني قالت أنت مسلم قال نعم قالت ادخل فدخل بيتا في دارها غير البيت الذي تكون فيه و فرشت له و عرضت عليه العشاء فلم يتعش. و لم يكن بأسرع أن جاء ابنها فرآها تكثر الدخول في البيت و الخروج منه فقال لها و الله إنه ليريبني كثرة دخولك هذا البيت منذ الليلة و خروجك منه إن لك لشأنا قالت يا بني اله عن هذا قال و الله لتخبرينني قالت أقبل على شأنك و لا تسألني عن شيء فألح عليها فقالت يا بني لا تخبرن أحدا من الناس بشيء مما أخبرك به قال نعم فأخذت عليه الأيمان فحلف لها فأخبرته فاضطجع و سكت.
الإرشاد ج : 2 ص : 53-55
البحث عن ابن عقيل:
علم ابن زياد بتفرق القوم ففتح باب السدة التي في المسجد ثم خرج فصعد المنبر و خرج أصحابه معه فأمرهم فجلسوا قبيل العتمة و أمر عمرو بن نافع فنادى ألا برئت الذمة من رجل من الشرط و العرفاء و المناكب أو المقاتلة صلى العتمة إلا في المسجد فلم يكن إلا ساعة حتى امتلأ المسجد من الناس ثم أمر مناديه فأقام الصلاة و أقام الحرس خلفه و أمرهم بحراسته من أن يدخل عليه أحد يغتاله و صلى بالناس ثم صعد المنبر فحمد الله و أثنى عليه ثم قال أما بعد فإن ابن عقيل السفيه الجاهل قد أتى ما قد رأيتم من الخلاف و الشقاق فبرئت ذمة الله من رجل وجدناه في داره و من جاء به فله ديته اتقوا الله عباد الله و الزموا طاعتكم و بيعتكم و لا تجعلوا على أنفسكم سبيلا يا حصين بن نمير ثكلتك أمك إن ضاع باب سكة من سكك الكوفة أو خرج هذا الرجل و لم تأتني به و قد سلطتك على دور أهل الكوفة فابعث مراصد على أهل السكك و أصبح غدا فاستبرئ الدور و جس خلالها حتى تأتيني بهذا الرجل.
الإرشاد ج : 2 ص : 57
القبض على ابن عقيل وخيانة الشيعة الثانية:
و أصبح ابن تلك العجوز فغدا إلى عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث فأخبره بمكان مسلم بن عقيل عند أمه فأقبل عبد الرحمن حتى أتى أباه و هو عند ابن زياد فساره فعرف ابن زياد سراره فقال له ابن زياد بالقضيب في جنبه قم فائتني به الساعة فقام و بعث معه قومه لأنه قد علم أن كل قوم يكرهون أن يصاب فيهم مسلم بن عقيل و بعث معه عبيد الله بن عباس السلمي في سبعين رجلا من قيس حتى أتوا الدار التي فيها مسلم بن عقيل رحمه الله فلما سمع وقع الخيل و أصوات الرجال علم أنه قد أتى فخرج إليهم بسيفه و اقتحموا عليه الدار فشد عليهم يضربهم بسيفه حتى أخرجهم من الدار ثم عادوا إليه فشد عليهم كذلك فاختلف هو و بكر بن حمران الأحمري فضرب فم مسلم فشق شفته العليا و أسرع السيف في السفلى و نصلت له ثنيتاه و ضرب مسلم في رأسه ضربة منكرة و ثناه بأخرى على حبل العاتق كادت تطلع على جوفه فلما رأوا ذلك أشرفوا عليه من فوق البيت فأخذوا يرمونه بالحجارة و يلهبون النار في أطنان القصب ثم يلقونها عليه من فوق البيت فلما رأى ذلك خرج عليهم مصلتا بسيفه في السكة فقال له محمد بن الأشعث لك الأمان لا تقتل نفسك و هو يقاتلهم و يقول
أقسمت لا أقتل إلا حرا إني رأيت الموت شيئا نكراو يجعل البارد سخنا مرا رد شعاع الشمس فاستقراكل امرئ يوما ملاق شرا أخاف أن أكذب أو أغرا
فقال له محمد بن الأشعث إنك لا تكذب و لا تغر فلا تجزع إن القوم بنو عمك و ليسوا بقاتليك و لا ضائريك و كان قد أثخن بالحجارة و عجز عن القتال فانبهر و أسند ظهره إلى جنب تلك الدار فأعاد ابن الأشعث عليه القول لك الأمان فقال آمن أنا قال نعم فقال للقوم الذين معه لي الأمان فقال القوم له نعم إلا عبيد الله بن العباس السلمي فإنه قال لا ناقة لي في هذا و لا جمل و تنحى فقال مسلم أما لو لم تؤمنوني ما وضعت يدي في أيديكم. و أتي ببغلة فحمل عليها فاجتمعوا حوله و انتزعوا سيفه فكأنه عند ذلك أيس من نفسه و دمعت عيناه ثم قال هذا أول الغدر قال له محمد بن الأشعث أرجو أن لا يكون عليك بأس فقال و ما هو إلا الرجاء أين أمانكم إنا لله و إنا إليه راجعون و بكى فقال له عبيد الله بن العباس السلمي إن من يطلب مثل الذي تطلب إذا نزل به مثل الذي نزل بك لم يبك قال إني و الله ما لنفسي بكيت و لا لها من القتل أرثي و إن كنت لم أحب لها طرفة عين تلفا و لكن أبكي لأهلي المقبلين إلي أبكي للحسين ع و آل الحسين. ثم أقبل على محمد بن الأشعث فقال يا عبد الله إني أراك و الله ستعجز عن أماني فهل عندك خير تستطيع أن تبعث من عندك رجلا على لساني أن يبلغ حسينا فإني لا أراه إلا قد خرج إليكم اليوم مقبلا أو هو خارج غدا و أهل بيته و يقول إن ابن عقيل بعثني إليك و هو أسير في أيدي القوم لا يرى أنه يمسي حتى يقتل و هو يقول ارجع فداك أبي و أمي بأهل بيتك و لا يغرك أهل الكوفة فإنهم أصحاب أبيك الذي كان يتمنى فراقهم بالموت أو القتل إن أهل الكوفة قد كذبوك و ليس لمكذوب رأي فقال ابن الأشعث و الله لأفعلن .
الإرشاد ج : 2 ص : 58-60
عبيد الله بن زياد وموقفه من الحسين:
. و خرج رسول ابن زياد فأمر بإدخاله إليه فلما دخل لم يسلم عليه بالإمرة فقال له الحرسي أ لا تسلم على الأمير فقال إن كان يريد قتلي فما سلامي عليه و إن كان لا يريد قتلي ليكثرن سلامي عليه فقال له ابن زياد لعمري لتقتلن
قال كذلك قال نعم قال فدعني أوص إلى بعض قومي قال افعل
فنظر مسلم إلى جلسائه و فيهم عمر بن سعد بن أبي وقاص فقال يا عمر إن بيني و بينك قرابة و لي إليك حاجة و قد يجب لي عليك نجح حاجتي و هي سر فامتنع عمر أن يسمع منه فقال له عبيد الله لم تمتنع أن تنظر في حاجة ابن عمك فقام معه فجلس حيث ينظر إليهما ابن زياد فقال له إن علي دينا بالكوفة استدنته منذ قدمت الكوفة سبعمائة درهم فبع فاقضها عني فإذا قتلت فاستوهب جثتي من ابن زياد فوارها و ابعث إلى الحسين ع من يرده فإني قد كتبت إليه أعلمه أن الناس معه و لا أراه إلا مقبلا فقال عمر لابن زياد أ تدري أيها الأمير ما قال لي إنه ذكر كذا و كذا فقال له ابن زياد إنه لا يخونك الأمين و لكن قد يؤتمن الخائن أما مالك فهو لك و لسنا نمنعك أن تصنع به ما أحببت و أما جثته فإنا لا نبالي إذا قتلناه ما صنع بها و أما حسين فإن هو لم يردنا لم نرده. ثم قال ابن زياد إيه يا ابن عقيل أتيت الناس و هم جميع فشتت بينهم و فرقت كلمتهم و حملت بعضهم على بعض. قال كلا لست لذلك أتيت و لكن أهل المصر زعموا أن أباك قتل خيارهم و سفك دماءهم و عمل فيهم أعمال كسرى و قيصر فأتيناه لنأمر بالعدل و ندعو إلى حكم الكتاب .
ثم قال ابن زياد اصعدوا به فوق القصر فاضربوا عنقه ثم أتبعوه جسده فقال مسلم بن عقيل رحمة الله عليه لو كان بيني و بينك قرابة ما قتلتني فقال ابن زياد أين هذا الذي ضرب ابن عقيل رأسه بالسيف فدعي بكر بن حمران الأحمري فقال له اصعد فلتكن أنت الذي تضرب عنقه فصعد به و هو يكبر و يستغفر الله و يصلي على رسوله و يقول اللهم احكم بيننا و بين قوم غرونا و كذبونا و خذلونا و أشرفوا به على موضع الحذاءين اليوم فضربت عنقه و أتبع جسده رأسه. و قام محمد بن الأشعث إلى عبيد الله بن زياد فكلمه في هانئ بن عروة فقال إنك قد عرفت منزلة هانئ في المصر و بيته في العشيرة و قد علم قومه أني أنا و صاحبي سقناه إليك فأنشدك الله لما وهبته لي فإني أكره عداوة المصر و أهله فوعده أن يفعل ثم بدا له فأمر بهانئ في الحال فقال أخرجوه إلى السوق فاضربوا عنقه فأخرج هانئ حتى انتهي به إلى مكان من السوق كان يباع فيه الغنم و هو مكتوف فجعل يقول وا مذحجاه و لا مذحج لي اليوم يا مذحجاه يا مذحجاه و أين مذحج فلما رأى أن أحدا لا ينصره جذب يده فنزعها من الكتاف ثم قال أ ما من عصا أو سكين أو حجر أو عظم يحاجز به رجل عن نفسه و وثبوا إليه فشدوه وثاقا ثم قيل له امدد عنقك فقال ما أنا بها سخي و ما أنا بمعينكم على نفسي فضربه مولى لعبيد الله تركي يقال له رشيد بالسيف فلم يصنع شيئا فقال هانئ إلى الله المعاد اللهم إلى رحمتك و رضوانك ثم ضربه أخرى فقتله.
الإرشاد ج : 2 ص : 61-64
خروج الحسين :
و كان خروج مسلم بن عقيل رحمة الله عليهما بالكوفة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجة سنة ستين و قتله يوم الأربعاء لتسع خلون منه يوم عرفة و كان توجه الحسين ع من مكة إلى العراق في يوم خروج مسلم بالكوفة و هو يوم التروية بعد مقامه بمكة بقية شعبان و شهر رمضان و شوالا و ذا القعدة و ثماني ليال خلون من ذي الحجة سنة ستين و كان قد اجتمع إليه مدة مقامه بمكة نفر من أهل الحجاز و نفر من أهل البصرة انضافوا إلى أهل بيته و مواليه. و لما أراد الحسين ع التوجه إلى العراق طاف بالبيت و سعى بين الصفا و المروة و أحل من إحرامه و جعلها عمرة .
الإرشاد ج : 2 ص : 67
المحاولات لرد الحسين عن الخروج للكوفة:
1- فروي عن الفرزدق الشاعر أنه قال حججت بأمي في سنة ستين فبينا أنا أسوق بعيرها حين دخلت الحرم إذ لقيت الحسين بن علي ع خارجا من مكة معه أسيافه و تراسه فقلت لمن هذا القطار فقيل للحسين بن علي فأتيته فسلمت عليه و قلت له أعطاك الله سؤلك و أملك فيما تحب بأبي أنت و أمي يا ابن رسول الله ما أعجلك عن الحج فقال لو لم أعجل لأخذت ثم قال لي من أنت قلت امرؤ من العرب فلا و الله ما فتشني عن أكثر من ذلك ثم قال لي أخبرني عن الناس خلفك فقلت الخبير سألت قلوب الناس معك و أسيافهم عليك و القضاء ينزل من السماء و الله يفعل ما يشاء فقال صدقت لله الأمر و كل يوم ربنا هو في شأن إن نزل القضاء بما نحب فنحمد الله على نعمائه و هو المستعان على أداء الشكر و إن حال القضاء دون الرجاء فلم يبعد من كان الحق نيته و التقوى سريرته فقلت له أجل بلغك الله ما تحب و كفاك ما تحذر.
2- . و كان الحسين بن علي ع لما خرج من مكة اعترضه يحيى بن سعيد بن العاص و معه جماعة أرسلهم عمرو بن سعيد إليه فقالوا له انصرف إلى أين تذهب فأبى عليهم و مضى و تدافع الفريقان و اضطربوا بالسياط و امتنع الحسين و أصحابه منهم امتناعا قويا و سار حتى أتى التنعيم فلقي عيرا قد أقبلت من اليمن فاستأجر من أهلها جمالا لرحله و أصحابه و قال لأصحابها من أحب أن ينطلق معنا إلى العراق وفيناه كراءه و أحسنا صحبته و من أحب أن يفارقنا في بعض الطريق أعطيناه كراء على قدر ما قطع من الطريق فمضى معه قوم و امتنع آخرون.
3- و ألحقه عبد الله بن جعفر رضي الله عنه بابنيه عون و محمد و كتب على أيديهما إليه كتابا يقول فيه أما بعد فإني أسألك بالله لما انصرفت حين تنظر في كتابي فإني مشفق عليك من الوجه الذي توجهت له أن يكون فيه هلاكك و استئصال أهل بيتك إن هلكت اليوم طفئ نور الأرض فإنك الإرشاد علم المهتدين و رجاء المؤمنين فلا تعجل بالمسير فإني في أثر كتابي و السلام.
4-و صار عبد الله بن جعفر إلى عمرو بن سعيد فسأله أن يكتب للحسين أمانا و يمنيه ليرجع عن وجهه فكتب إليه عمرو بن سعيد كتابا يمنيه فيه الصلة و يؤمنه على نفسه و أنفذه مع أخيه يحيى بن سعيد فلحقه يحيى و عبد الله بن جعفر بعد نفوذ ابنيه و دفعا إليه الكتاب و جهدا به في الرجوع فقال إني رأيت رسول الله ص في المنام و أمرني بما أنا ماض له فقالا له فما تلك الرؤيا قال ما حدثت أحدا بها و لا أنا محدث أحدا حتى ألقى ربي جل و عز فلما أيس منه عبد الله بن جعفر أمر ابنيه عونا و محمدا بلزومه و المسير معه و الجهاد دونه و رجع مع يحيى بن سعيد إلى مكة.
5-ثم أقبل الحسين ع من الحاجر يسير نحو الكوفة فانتهى إلى ماء من مياه العرب فإذا عليه عبد الله بن مطيع العدوي و هو نازل به فلما رأى الحسين ع قام إليه فقال بأبي أنت و أمي يا ابن رسول لله ما أقدمك و احتمله و أنزله
فقال له الحسين ع كان من موت معاوية ما قد بلغك فكتب إلى أهل العراق يدعونني إلى أنفسهم فقال له عبد الله بن مطيع أذكرك الله يا ابن رسول الله و حرمة الإسلام أن تنتهك أنشدك الله في حرمة قريش أنشدك الله في حرمة العرب فو الله لئن طلبت ما في أيدي بني أمية ليقتلنك و لئن قتلوك لا يهابوا بعدك أحدا أبدا و الله إنها لحرمة الإسلام تنتهك و حرمة قريش و حرمة العرب فلا تفعل و لا تأت الكوفة و لا تعرض نفسك لبني أمية فأبى الحسين ع إلا أن يمضي.
6-و روى عبد الله بن سليمان و المنذر بن المشمعل الأسديان قالا لما قضينا حجنا لم تكن لنا همة إلا اللحاق بالحسين ع في الطريق لننظر ما يكون من أمره فأقبلنا ترقل نياقنا مسرعين حتى لحقنا بزرود فلما دنونا منه إذا نحن برجل من أهل الكوفة قد عدل عن الطريق حين رأى الحسين ع فوقف الحسين كأنه يريده ثم تركه و مضى و مضينا نحوه فقال أحدنا لصاحبه اذهب بنا إلى هذا لنسأله فإن عنده خبر الكوفة فمضينا حتى انتهينا إليه فقلنا السلام عليك فقال و عليكم السلام قلنا ممن الرجل قال أسدي قلنا و نحن أسديان فمن أنت قال أنا بكر بن فلان و انتسبنا له ثم قلنا له أخبرنا عن الناس وراءك قال نعم لم أخرج من الكوفة حتى قتل مسلم بن عقيل و هانئ بن عروة و رأيتهما يجران بأرجلهما في السوق. فأقبلنا حتى لحقنا الحسين ص فسايرناه حتى نزل الثعلبية ممسيا فجئناه حين نزل فسلمنا عليه فرد علينا السلام فقلنا له رحمك الله إن عندنا خبرا إن شئت حدثناك علانية و إن شئت سرا فنظر إلينا و إلى أصحابه ثم قال ما دون هؤلاء ستر فقلنا له رأيت الراكب الذي استقبلته عشي أمس قال نعم و قد أردت مسألته فقلنا قد و الله استبرأنا لك خبره و كفيناك مسألته و هو امرؤ منا ذو رأي و صدق و عقل و إنه حدثنا أنه لم يخرج من الكوفة حتى قتل مسلم و هانئ و رآهما يجران في السوق بأرجلهما فقال إنا لله و إنا إليه راجعون رحمة الله عليهما يكرر ذلك مرارا فقلنا له ننشدك الله في نفسك و أهل بيتك إلا انصرفت من مكانك هذا فإنه ليس لك بالكوفة ناصر و لا شيعة بل نتخوف أن يكونوا عليك فنظر إلى بني عقيل فقال ما ترون فقد قتل مسلم فقالوا و الله لا نرجع حتى نصيب ثأرنا أو نذوق ما ذاق فأقبل علينا الحسين ع و قال لا خير في العيش بعد هؤلاء فعلمنا أنه قد عزم رأيه على المسير فقلنا له خار الله لك فقال رحمكما الله .
الإرشاد ج : 2 ص : 67-75
وصول الحسين لمشارف الكوفة:
و لما بلغ عبيد الله بن زياد إقبال الحسين ع من مكة إلى الكوفة بعث الحصين بن نمير صاحب شرطه حتى نزل القادسية و نظم الخيل ما بين القادسية إلى خفان و ما بين القادسية إلى القطقطانة و قال الناس هذا الحسين يريد العراق. و لما بلغ الحسين ع الحاجر من بطن الرمة بعث قيس بن مسهر الصيداوي و يقال بل بعث أخاه من الرضاعة عبد الله بن يقطر إلى أهل الكوفة و لم يكن ع علم بخبر مسلم بن عقيل رحمة الله عليهما و كتب معه إليهم
بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن علي إلى إخوانه من المؤمنين و المسلمين سلام عليكم فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فإن كتاب مسلم بن عقيل جاءني يخبر فيه بحسن رأيكم و اجتماع ملئكم على نصرنا و الطلب بحقنا فسألت الله أن يحسن لنا الصنيع و أن يثيبكم على ذلك أعظم الأجر و قد شخصت إليكم من مكة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجة يوم التروية فإذا قدم عليكم رسولي فانكمشوا في أمركم و جدوا فإني قادم عليكم في أيامي هذه و السلام عليكم و رحمة الله
و كان مسلم كتب إليه قبل أن يقتل بسبع و عشرين ليلة و كتب إليه أهل الكوفة أن لك هاهنا مائة ألف سيف فلا تتأخر .
الإرشاد ج : 2 ص : 70-71
وصول خبر خيانة الشيعة للحسين:
فأقبلنا حتى لحقنا الحسين ص فسايرناه حتى نزل الثعلبية ممسيا فجئناه حين نزل فسلمنا عليه فرد علينا السلام فقلنا له رحمك الله إن عندنا خبرا إن شئت حدثناك علانية و إن شئت سرا فنظر إلينا و إلى أصحابه ثم قال ما دون هؤلاء ستر فقلنا له رأيت الراكب الذي استقبلته عشي أمس قال نعم و قد أردت مسألته فقلنا قد و الله استبرأنا لك خبره و كفيناك مسألته و هو امرؤ منا ذو رأي و صدق و عقل و إنه حدثنا أنه لم يخرج من الكوفة حتى قتل مسلم و هانئ و رآهما يجران في السوق بأرجلهما فقال إنا لله و إنا إليه راجعون رحمة الله عليهما يكرر ذلك مرارا فقلنا له ننشدك الله في نفسك و أهل بيتك إلا انصرفت من مكانك هذا فإنه ليس لك بالكوفة ناصر و لا شيعة بل نتخوف أن يكونوا عليك فنظر إلى بني عقيل فقال ما ترون فقد قتل مسلم فقالوا و الله لا نرجع حتى نصيب ثأرنا أو نذوق ما ذاق فأقبل علينا الحسين ع و قال لا خير في العيش بعد هؤلاء فعلمنا أنه قد عزم رأيه على المسير فقلنا له خار الله لك فقال رحمكما الله فقال له أصحابه إنك و الله ما أنت مثل مسلم بن عقيل و لو قدمت الكوفة لكان الناس إليك أسرع فسكت ثم انتظر حتى إذا كان السحر قال لفتيانه و غلمانه أكثروا من الماء فاستقوا و أكثروا ثم ارتحلوا فسار حتى انتهى إلى زبالة فأتاه خبر عبد الله بن يقطر فأخرج إلى الناس كتابا فقرأه عليهم
بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإنه قد أتانا خبر فظيع قتل مسلم بن عقيل و هانئ بن عروة و عبد الله بن يقطر و قد خذلنا شيعتنا فمن أحب منكم الانصراف فلينصرف غير حرج ليس عليه ذمام .
الإرشاد ج : 2 ص : 75
تفرق الناس عن الحسين
فتفرق الناس عنه و أخذوا يمينا و شمالا حتى بقي في أصحابه الذين جاءوا معه من المدينة و نفر يسير ممن انضموا إليه و إنما فعل ذلك لأنه ع علم أن الأعراب الذين اتبعوه إنما اتبعوه و هم يظنون أنه يأتي بلدا قد استقامت له طاعة أهله فكره أن يسيروا معه إلا و هم يعلمون على ما يقدمون. فلما كان السحر أمر أصحابه فاستقوا ماء و أكثروا ثم سار حتى مر ببطن العقبة فنزل عليها فلقيه شيخ من بني عكرمة يقال له عمرو بن لوذان فسأله أين تريد فقال له الحسين ع الكوفة فقال الشيخ أنشدك الله لما انصرفت فو الله ما تقدم إلا على الأسنة و حد السيوف و إن هؤلاء الذين بعثوا إليك لو كانوا كفوك مئونة القتال و وطئوا لك الأشياء فقدمت عليهم كان ذلك رأيا فأما على هذه الحال التي تذكر فإني لا أرى لك أن تفعل فقال له يا عبد الله ليس يخفى علي الرأي و لكن الله تعالى لا يغلب على أمره ثم قال ع و الله لا يدعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي فإذا فعلوا سلط الله عليهم من يذلهم حتى يكونوا أذل فرق الأمم .
الإرشاد ج : 2 ص : 76
اعتراض جيش ابن زياد للحسين وبقية جيشه:
ثم سار الحسين ع من بطن العقبة حتى نزل شراف فلما كان في السحر أمر فتيانه فاستقوا من الماء فأكثروا ثم سار منها حتى انتصف النهار فبينا هو يسير إذ كبر رجل من أصحابه فقال له الحسين ع الله أكبر لم كبرت قال رأيت النخل فقال له جماعة من أصحابه و الله إن هذا المكان ما رأينا به نخلة قط فقال الحسين ع فما ترونه قالوا نراه و الله آذان الخيل قال أنا و الله أرى ذلك ثم قال ع ما لنا ملجأ نلجأ إليه فنجعله في ظهورنا و نستقبل القوم بوجه واحد فقلنا بلى هذا ذو حسمى إلى جنبك تميل إليه عن يسارك فإن سبقت إليه فهو كما تريد. فأخذ إليه ذات اليسار و ملنا معه فما كان بأسرع من أن طلعت علينا هوادي الخيل فتبيناها و عدلنا فلما رأونا عدلنا عن الطريق عدلوا إلينا كان أسنتهم اليعاسيب و كأن راياتهم أجنحة الطير فاستبقنا إلى ذي حسمى فسبقناهم إليه و أمر الحسين ع بأبنيته فضربت. و جاء القوم زهاء ألف فارس مع الحر بن يزيد التميمي حتى وقف هو و خيله مقابل الحسين ع في حر الظهيرة و الحسين و أصحابه معتمون متقلدو أسيافهم .
الإرشاد ج : 2 ص : 77
بداية المفاوضات بين الجيشين:
و كان مجيء الحر بن يزيد من القادسية و كان عبيد الله بن زياد بعث الحصين بن نمير و أمره أن ينزل القادسية و تقدم الحر بين يديه في ألف فارس يستقبل بهم حسينا فلم يزل الحر موافقا للحسين ع حتى حضرت صلاة الظهر و أمر الحسين ع الحجاج بن مسرور أن يؤذن فلما حضرت الإقامة خرج الحسين ع في إزار و رداء و نعلين فحمد الله و أثنى عليه ثم قال:
أيها الناس إني لم آتكم حتى أتتني كتبكم و قدمت على رسلكم أن اقدم علينا فإنه ليس لنا إمام لعل الله أن يجمعنا بك على الهدى و الحق فإن كنتم على ذلك فقد جئتكم فأعطوني ما أطمئن إليه من عهودكم و مواثيقكم و إن لم تفعلوا و كنتم لمقدمي كارهين انصرفت عنكم إلى المكان الذي جئت منه إليكم.
فسكتوا عنه و لم يتكلم أحد منهم بكلمة. فقال للمؤذن أقم فأقام الصلاة فقال للحر أ تريد أن تصلي بأصحابك قال لا بل تصلي أنت و نصلي بصلاتك فصلى بهم الحسين بن علي ع ثم دخل فاجتمع إليه أصحابه و انصرف الحر إلى مكانه الذي كان فيه فدخل خيمة قد ضربت له و اجتمع إليه جماعة من أصحابه و عاد الباقون إلى صفهم الذي كانوا فيه فأعادوه ثم أخذ كل رجل منهم بعنان دابته و جلس في ظلها. فلما كان وقت العصر أمر الحسين بن علي ع أن يتهيئوا للرحيل ففعلوا ثم أمر مناديه فنادى بالعصر و أقام فاستقام الحسين ع فصلى بالقوم ثم سلم و انصرف إليهم بوجهه فحمد الله و أثنى عليه ثم قال:
أما بعد أيها الناس فإنكم إن تتقوا الله و تعرفوا الحق لأهله يكن أرضى لله عنكم و نحن أهل بيت محمد و أولى بولاية هذا الأمر عليكم من هؤلاء المدعين ما ليس لهم و السائرين فيكم بالجور و العدوان 0و إن أبيتم إلا كراهية لنا و الجهل بحقنا و كان رأيكم الآن غير ما أتتني به كتبكم و قدمت به على رسلكم انصرفت عنكم .
فقال له الحر أنا و الله ما أدري ما هذه الكتب و الرسل التي تذكر فقال الحسين ع لبعض أصحابه يا عقبة بن سمعان أخرج الخرجين اللذين فيهما كتبهم إلي فأخرج خرجين مملوءين صحفا فنثرت بين يديه فقال له الحر إنا لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك و قد أمرنا إذا نحن لقيناك إلا نفارقك حتى نقدمك الكوفة على عبيد الله فقال له الحسين ع الموت أدنى إليك من ذلك ثم قال لأصحابه قوموا فاركبوا فركبوا و أنتظر حتى ركب نساؤهم فقال لأصحابه انصرفوا فلما ذهبوا لينصرفوا حال القوم بينهم و بين الانصراف فقال الحسين ع للحر ثكلتك أمك ما تريد فقال له الحر أما لو غيرك من العرب يقولها لي و هو على مثل الحال التي أنت عليها ما تركت ذكر أمه بالثكل كائنا من كان و لكن و الله ما لي إلى ذكر أمك من سبيل إلا بأحسن ما يقدر عليه فقال له الحسين ع فما تريد قال أريد أن انطلق بك إلى الأمير عبيد الله بن زياد قال إذا و الله لا أتبعك قال إذا و الله لا أدعك فترادا القول ثلاث مرات فلما كثر الكلام بينهما قال له الحر إني لم أؤمر بقتالك إنما أمرت ألا أفارقك حتى أقدمك الكوفة فإذا أبيت فخذ طريقا لا يدخلك الكوفة و لا يردك إلى المدينة تكون بيني و بينك نصفا حتى أكتب إلى الأمير و تكتب إلى يزيد أو إلى عبيد الله فلعل الله إلى ذلك أن يأتي بأمر يرزقني فيه العافية من أن أبتلي بشيء من أمرك فخذ هاهنا فتياسر عن طريق العذيب و القادسية فسار الحسين ع و سار الحر في أصحابه يسايره و هو يقول له يا حسين إني أذكرك الله في نفسك فإني أشهد لئن قاتلت لتقتلن
فقال له الحسين ع أ فبالموت تخوفني و هل يعدو بكم الخطب أن تقتلوني و سأقول كما قال أخو الأوس لابن عمه و هو يريد نصرة رسول الله ص فخوفه ابن عمه و قال أين تذهب فإنك مقتول فقال
سأمضي فما بالموت عار على الفتى إذا ما نوى حقا و جاهد مسلما
و آسى الرجال الصالحين بنفسه و فارق مثبورا و باعد مجرما
فإن عشت لم أندم و إن مت لم ألم كفى بك ذلا أن تعيش و ترغما
. فلما سمع ذلك الحر تنحى عنه فكان يسير بأصحابه ناحية و الحسين ع في ناحية أخرى حتى انتهوا إلى عذيب الهجانات.
الإرشاد ج : 2 ص : 79-81
المراسلات بين ابن زياد وقواده في أمر الحسين:
فلما أصبح الحسين ع نزل فصلى الغداة ثم عجل الركوب فأخذ يتياسر بأصحابه يريد أن يفرقهم فيأتيه الحر بن يزيد فيرده و أصحابه فجعل إذا ردهم نحو الكوفة ردا شديدا امتنعوا عليه فارتفعوا فلم يزالوا يتياسرون كذلك حتى انتهوا إلى نينوى المكان الذي نزل به الحسين ع فإذا راكب على نجيب له عليه السلاح متنكب قوسا مقبل من الكوفة فوقفوا جميعا ينتظرونه فلما انتهى إليهم سلم على الحر و أصحابه و لم يسلم على الحسين و أصحابه و دفع إلى الحر كتابا من عبيد الله بن زياد فإذا فيه أما بعد فجعجع بالحسين حين يبلغك كتابي و يقدم عليك رسولي و لا تنزله إلا بالعراء في غير حصن و على غير ماء فقد أمرت رسولي أن يلزمك و لا يفارقك حتى يأتيني بإنفاذك أمري و السلام. فلما قرأ الكتاب قال لهم الحر هذا كتاب الأمير عبيد الله يأمرني أن أجعجع بكم في المكان الذي يأتي كتابه و هذا رسوله و قد أمره ألا يفارقني حتى أنفذ أمره.
و أخذهم الحر بالنزول في ذلك المكان على غير ماء و لا قرية فقال له الحسين ع دعنا ويحك ننزل في هذه القرية أو هذه يعني نينوى و الغاضرية أو هذه يعني شفنة قال لا و الله ما أستطيع ذلك هذا رجل قد بعث إلي عينا علي فقال زهير بن القين إني و الله ما أراه يكون بعد الذي ترون إلا أشد مما ترون يا ابن رسول الله إن قتال هؤلاء الساعة أهون علينا من قتال من يأتينا بعدهم فلعمري ليأتينا بعدهم ما لا قبل لنا به فقال الحسين ع ما كنت لأبدأهم بالقتال ثم نزل و ذلك يوم الخميس و هو اليوم الثاني من المحرم سنة إحدى و ستين.
قدوم عمر بن سعد ومحاولاته للإصلاح:
فلما كان من الغد قدم عليهم عمر بن سعد بن أبي وقاص من الكوفة في أربعة آلاف فارس فنزل بنينوى فبعث إلى الحسين ع عروة بن قيس الأحمسي فقال له ائته فسله ما الذي جاء بك و ما ذا تريد. و كان عروة ممن كتب إلى الحسين ع فاستحيا منه أن يأتيه فعرض ذلك على الرؤساء الذين كاتبوه فكلهم أبى ذلك و كرهه.
فقام إليه كثير بن عبد الله الشعبي و كان فارسا شجاعا لا يرد وجهه شيء فقال أنا أذهب إليه و و الله لئن شئت لأفتكن به فقال له عمر ما أريد أن تفتك به و لكن ائته فسله ما الذي جاء بك. فأقبل كثير إليه فلما رآه أبو ثمامة الصائدي قال للحسين ع أصلحك الله يا أبا عبد الله قد جاءك شر أهل الأرض و أجرؤهم على دم و أفتكهم و قام إليه فقال له ضع سيفك قال لا و لا كرامة إنما أنا رسول فإن سمعتم مني بلغتكم ما أرسلت به إليكم و إن أبيتم انصرفت عنكم قال فإني آخذ بقائم سيفك ثم تكلم بحاجتك قال لا و الله لا تمسه فقال له أخبرني بما جئت به و أنا أبلغه عنك و لا أدعك تدنو منه فإنك فاجر فاستبا و انصرف إلى عمر بن سعد فأخبره الخبر. فدعا عمر قرة بن قيس الحنظلي فقال له ويحك يا قرة الق حسينا فسله ما جاء به و ما ذا يريد فأتاه قرة فلما رآه الحسين ع مقبلا قال أ تعرفون هذا فقال له حبيب بن مظاهر نعم هذا رجل من حنظلة تميم و هو ابن أختنا و قد كنت أعرفه بحسن الرأي و ما كنت أراه يشهد هذا المشهد فجاء حتى سلم على الحسين ع و أبلغه رسالة عمر بن سعد إليه فقال له الحسين كتب إلي أهل مصركم هذا أن أقدم فأما إذ كرهتموني فأنا أنصرف عنكم ثم قال حبيب بن مظاهر ويحك يا قرة أين ترجع إلى القوم الظالمين انصر هذا الرجل الذي بآبائه أيدك الله بالكرامة فقال له قرة أرجع إلى صاحبي بجواب رسالته و أرى رأيي قال فانصرف إلى عمر بن سعد فأخبره الخبر فقال عمر أرجو أن يعافيني الله من حربه و قتاله .
و كتب إلى عبيد الله بن زياد
بسم الله الرحمن الرحيم
أما بعد فإني حين نزلت بالحسين بعثت إليه رسلي فسألته عما أقدمه و ما ذا يطلب فقال كتب إلي أهل هذه البلاد و أتتني رسلهم يسألونني القدوم ففعلت فأما إذ كرهوني و بدا لهم غير ما أتتني به رسلهم فأنا منصرف عنهم.
قال حسان بن قائد العبسي و كنت عند عبيد الله حين أتاه هذا الكتاب فلما قرأه قال
الآن إذ علقت مخالبنا به يرجو النجاة و لات حين مناص
و كتب إلى عمر بن سعد أما بعد فقد بلغني كتابك و فهمت ما ذكرت فاعرض على الحسين أن يبايع ليزيد هو و جميع أصحابه فإذا فعل هو ذلك رأينا رأينا و السلام.
فلما ورد الجواب على عمر بن سعد قال قد خشيت أن لا يقبل ابن زياد العافية.
و لما رأى الحسين نزول العساكر مع عمر بن سعد بنينوى و مددهم لقتاله أنفذ إلى عمر بن سعد أني أريد أن ألقاك فاجتمعا ليلا فتناجيا طويلا ثم رجع عمر بن سعد إلى مكانه و كتب إلى عبيد الله بن زياد. أما بعد فإن الله قد أطفأ النائرة و جمع الكلمة و أصلح أمر الأمة هذا حسين قد أعطاني عهدا أن يرجع إلى المكان الذي أتى منه أو أن يسير إلى ثغر من الثغور فيكون رجلا من المسلمين له ما لهم و عليه ما عليهم أو أن يأتي أمير المؤمنين يزيد فيضع يده في يده فيرى فيما بينه و بينه رأيه و في هذا لكم رضى و للأمة صلاح.
الإرشاد ج : 2 ص : 85-87
شمر بن ذي الجوشن وبداية المأساة:
فلما قرأ عبيد الله الكتاب قال هذا كتاب ناصح مشفق على قومه.
فقام إليه شمر بن ذي الجوشن فقال :أ تقبل هذا منه و قد نزل بأرضك و إلى جنبك و الله لئن رحل من بلادك و لم يضع يده في يدك ليكونن أولى بالقوة و لتكونن أولى بالضعف و العجز فلا تعطه هذه المنزلة فإنها من الوهن و لكن لينزل على حكمك هو و أصحابه فإن عاقبت فأنت أولى بالعقوبة و إن عفوت كان ذلك لك.
قال له ابن زياد نعم ما رأيت الرأي رأيك أخرج بهذا الكتاب إلى عمر بن سعد فليعرض على الحسين و أصحابه النزول على حكمي فإن فعلوا فليبعث بهم إلي سلما و إن هم أبوا فليقاتلهم فإن فعل فاسمع له و أطع و إن أبى أن يقاتلهم فأنت أمير الجيش و اضرب عنقه و ابعث إلي برأسه.
و كتب إلى عمر بن سعد أني لم أبعثك إلى الحسين لتكف عنه و لا لتطاوله و لا لتمنيه السلامة و البقاء و لا لتعتذر له و لا لتكون له عندي شافعا انظر فإن نزل حسين و أصحابه على حكمي و استسلموا فابعث بهم إلي سلما و إن أبوا فازحف إليهم حتى تقتلهم و تمثل بهم فإنهم لذلك مستحقون و إن قتل الحسين فأوطئ الخيل صدره و ظهره فإنه عات ظلوم و ليس أرى أن هذا يضر بعد الموت شيئا و لكن علي قول قد قلته لو قتلته لفعلت هذا به فإن أنت مضيت لأمرنا فيه جزيناك جزاء السامع المطيع و إن أبيت فاعتزل عملنا و جندنا و خل بين شمر بن ذي الجوشن و بين العسكر فإنا قد أمرناه بأمرنا و السلام.
فأقبل شمر بكتاب عبيد الله إلى عمر بن سعد فلما قدم عليه و قرأه قال له عمر ما لك ويلك لا قرب الله دارك قبح الله ما قدمت به على و الله إني لأظنك أنك نهيته أن يقبل ما كتبت به إليه و أفسدت علينا أمرنا قد كنا رجونا أن يصلح لا يستسلم و الله حسين إن نفس أبيه لبين جنبيه
فقال له شمر أخبرني ما أنت صانع أ تمضي لأمر أميرك و تقاتل عدوه و إلا فخل بيني و بين الجند و العسكر .
قال لا لا و الله و لا كرامة لك و لكن أنا أتولى ذلك فدونك فكن أنت على الرجالة
و نهض عمر بن سعد إلى الحسين عشية الخميس لتسع مضين من المحرم. و جاء شمر حتى وقف على أصحاب الحسين ع فقال أين بنو أختنا فخرج إليه العباس و جعفر و عثمان بنو علي بن أبي طالب ع فقالوا ما تريد فقال أنتم يا بني أختي آمنون.
فقالت له الفتية لعنك الله و لعن أمانك أ تؤمننا و ابن رسول الله لا أمان له.
ثم نادى عمر بن سعد يا خيل الله اركبي و أبشري فركب الناس ثم زحف نحوهم بعد العصر و حسين ع جالس أمام بيته محتب بسيفه إذ خفق برأسه على ركبتيه و سمعت أخته الصيحة فدنت من أخيها فقالت يا أخي أ ما تسمع الأصوات قد اقتربت فرفع الحسين ع رأسه فقال إني رأيت رسول الله ص الساعة في المنام فقال لي إنك تروح إلينا فلطمت أخته وجهها و نادت بالويل فقال لها ليس لك الويل يا أخية اسكتي رحمك الله و قال له العباس بن علي رحمة الله عليه يا أخي أتاك القوم فنهض ثم قال يا عباس اركب بنفسي أنت يا أخي حتى تلقاهم و تقول لهم ما لكم و ما بدا لكم و تسألهم عما جاء بهم. فأتاهم العباس في نحو من عشرين فارسا فيهم زهير بن القين و حبيب بن مظاهر فقال لهم العباس ما بدا لكم و ما تريدون قالوا جاء أمر الأمير أن نعرض عليكم أن تنزلوا على حكمه أو نناجزكم قال فلا تعجلوا حتى أرجع إلى أبي عبد الله فأعرض عليه ما ذكرتم فوقفوا و قالوا ألقه فأعلمه ثم القنا بما يقول لك فانصرف العباس راجعا يركض إلى الحسين ع يخبره الخبر و وقف أصحابه يخاطبون القوم و يعظونهم و يكفونهم عن قتال الحسين. فجاء العباس إلى الحسين ع فأخبره بما قال القوم فقال ارجع إليهم فإن استطعت أن تؤخرهم إلى الغدوة و تدفعهم عنا العشية لعلنا نصلي لربنا الليلة و ندعوه و نستغفره فهو يعلم أني قد أحب الصلاة له و تلاوة كتابه و الدعاء و الاستغفار.
الإرشاد ج : 2 ص 89-91
تأجيل القتال ليوم العاشر من محرم:
فمضى العباس إلى القوم و رجع من عندهم و معه رسول من قبل عمر بن سعد يقول إنا قد أجلناكم إلى غد فإن استسلمتم سرحناكم إلى أميرنا عبيد الله بن زياد و إن أبيتم فلسنا تاركيكم و انصرف.
فجمع الحسين ع أصحابه عند قرب المساء وقال:
أما بعد فإني لا أعلم أصحابا أوفى و لا خيرا من أصحابي و لا أهل بيت أبر و لا أوصل من أهل بيتي فجزاكم الله عني خيرا ألا و إني لأظن أنه آخر يوم لنا من هؤلاء ألا و إني قد أذنت لكم فانطلقوا جميعا في حل ليس عليكم مني ذمام هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا
فقال له إخوته و أبناؤه و بنو أخيه و ابنا عبد الله بن جعفر لم نفعل ذلك لنبقى بعدك لا أرانا الله ذلك أبدا بدأهم بهذا القول العباس بن علي رضوان الله عليه و اتبعته الجماعة عليه فتكلموا بمثله و نحوه
فقال الحسين ع يا بني عقيل حسبكم من القتل بمسلم فاذهبوا أنتم فقد أذنت لكم قالوا سبحان الله فما يقول الناس يقولون إنا تركنا شيخنا و سيدنا و بني عمومتنا خير الأعمام و لم نرم معهم بسهم و لم نطعن معهم برمح و لم نضرب معهم بسيف و لا ندري ما صنعوا لا و الله ما نفعل ذلك و لكن تفديك أنفسنا و أموالنا و أهلونا و نقاتل معك حتى نرد موردك فقبح الله العيش بعدك.
الإرشاد ج : 2 ص91 : 92
وصية الحسين لاخته زينب:
و قال لها يا أختاه اتقي الله و تعزى بعزاء الله و اعلمي أن أهل الأرض يموتون و أهل السماء لا يبقون و أن كل شيء هالك إلا وجه الله الذي خلق الخلق بقدرته و يبعث الخلق و يعودون و هو فرد وحده أبي خير مني و أمي خير مني و أخي خير مني و لي و لكل مسلم برسول الله ص أسوة فعزاها بهذا و نحوه و قال لها يا أخية إني أقسمت فأبري قسمي لا تشقي علي جيبا و لا تخمشي علي وجها و لا تدعي علي بالويل و الثبور إذا أنا هلكت ثم جاء بها حتى أجلسها.
الإرشاد ج : 2 ص : 94
الاستعداد للمعركة الفاصلة:
و أصبح الحسين بن علي ع فعبا أصحابه بعد صلاة الغداة و كان معه اثنان و ثلاثون فارسا و أربعون راجلا فجعل زهير بن القين في ميمنة أصحابه و حبيب بن مظاهر في ميسرة أصحابه و أعطى رايته العباس أخاه و جعلوا البيوت في ظهورهم و أمر بحطب و قصب كان من وراء البيوت أن يترك في خندق كان قد حفر هناك و أن يحرق بالنار مخافة أن يأتوهم من ورائهم. و أصبح عمر بن سعد في ذلك اليوم و هو يوم الجمعة و قيل يوم السبت فعبأ أصحابه و خرج فيمن معه من الناس نحو الحسين ع و كان على ميمنته عمرو بن الحجاج و على ميسرته شمر بن ذي الجوشن و على الخيل عروة بن قيس و على الرجالة شبث بن ربعي و أعطى الراية دريدا مولاه.
الإرشاد ج : 2 ص : 95
الحسين يخاطب أهل الكوفة:
ثم دعا الحسين ع براحلته فركبها و نادى بأعلى صوته
يا أهل العراق و جلهم يسمعون فقال أيها الناس اسمعوا قولي و لا تعجلوا حتى أعظكم بما يحق لكم علي و حتى أعذر إليكم فإن أعطيتموني النصف كنتم بذلك أسعد و إن لم تعطوني النصف من أنفسكم فاجمعوا رأيكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا إلي و لا تنظرون إن وليي الله الذي نزل الكتاب و هو يتولى الصالحين ثم حمد الله و أثنى عليه و ذكر الله بما هو أهله و صلى على النبي ص و على ملائكة الله و أنبيائه فلم يسمع متكلم قط قبله و لا بعده أبلغ في منطق منه ثم قال أما بعد فانسبوني فانظروا من أنا ثم ارجعوا إلى أنفسكم و عاتبوها فانظروا هل يصلح لكم قتلي و انتهاك حرمتي أ لست ابن بنت نبيكم و ابن وصيه و ابن عمه و أول المؤمنين المصدق لرسول الله بما جاء به من عند ربه أ و ليس حمزة سيد الشهداء عمي أ و ليس جعفر الطيار في الجنة بجناحين عمي أ و لم يبلغكم ما قال رسول الله لي و لأخي هذان سيدا شباب أهل الجنة فإن صدقتموني بما أقول و هو الحق و الله ما تعمدت كذبا منذ علمت أن الله يمقت عليه أهله و إن كذبتموني فإن فيكم من لو سألتموه عن ذلك أخبركم سلوا جابر بن عبد الله الأنصاري و أبا سعيد الخدري و سهل بن سعد الساعدي و زيد بن أرقم و أنس بن مالك يخبروكم أنهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله ص لي و لأخي أما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي فقال له شمر بن ذي الجوشن هو يعبد الله على حرف إن كان يدري ما تقول فقال له حبيب بن مظاهر و الله إني لأراك تعبد الله على سبعين حرفا و أنا أشهد أنك صادق ما تدري ما يقول قد طبع الله على قلبك
ثم قال لهم الحسين ع فإن كنتم في شك من هذا أ فتشكون أني ابن بنت نبيكم فو الله ما بين المشرق و المغرب ابن بنت نبي غيري فيكم و لا في غيركم ويحكم أ تطلبوني بقتيل منكم قتلته أو مال لكم استهلكته أو بقصاص جراحة فأخذوا لا يكلمونه فنادى يا شبث بن ربعي يا حجار بن أبجر يا قيس بن الأشعث يا يزيد بن الحارث أ لم تكتبوا إلى أن قد أينعت الثمار و أخضر الجناب و إنما تقدم على جند لك مجند فقال له قيس بن الأشعث ما ندري ما تقول و لكن انزل على حكم بني عمك فإنهم لم يروك إلا ما تحب فقال له الحسين لا و الله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل و لا أفر فرار العبيد ثم نادى يا عباد الله إني عذت بربي و ربكم أن ترجمون أعوذ بربي و ربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب.
الإرشاد ج : 2 ص :97- -98
انضمام الحر بن يزيد للحسين:
فلما رأى الحر بن يزيد أن القوم قد صمموا على قتال الحسين ع قال لعمر بن سعد أي عمر أ مقاتل أنت هذا الرجل قال إي و الله قتالا أيسره أن تسقط الرءوس و تطيح الأيدي قال أ فما لكم فيما عرضه عليكم رضى قال عمر أما لو كان الأمر إلي لفعلت و لكن أميرك قد أبى. فأقبل الحر حتى وقف من الناس موقفا و معه رجل من قومه يقال له قرة بن قيس فقال له يا قرة هل سقيت فرسك اليوم قال لا قال فما تريد أن تسقيه قال قرة فظننت و الله أنه يريد أن يتنحى فلا يشهد القتال و يكره أن أراه حين يصنع ذلك فقلت له لم أسقه و أنا منطلق فأسقيه فاعتزل ذلك المكان الذي كان فيه فو الله لو أنه أطلعني على الذي يريد لخرجت معه إلى الحسين بن علي ع فأخذ يدنو من الحسين قليلا قليلا فقال له المهاجر بن أوس ما تريد يا ابن يزيد أ تريد أن تحمل فلم يجبه و أخذه مثل الأفكل و هي الرعدة فقال له المهاجر إن أمرك لمريب و الله ما رأيت منك في موقف قط مثل هذا و لو قيل لي من أشجع أهل الكوفة ما عدوتك فما هذا الذي أرى منك فقال له الحر إني و الله أخير نفسي بين الجنة و النار فو الله لا أختار على الجنة شيئا و لو قطعت و حرقت. ثم ضرب فرسه فلحق بالحسين ع فقال له جعلت فداك يا ابن رسول الله أنا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع و سايرتك في الطريق و جعجعت بك في هذا المكان و ما ظننت أن القوم يردون عليك ما عرضته عليهم و لا يبلغون منك هذه المنزلة و الله لو علمت أنهم ينتهون بك إلى ما أرى ما ركبت منك الذي ركبت و إني تائب إلى الله تعالى مما صنعت فترى لي من ذلك توبة فقال له الحسين ع نعم يتوب الله عليك .
الإرشاد ج : 2 ص :99- 100
بداية المعركة:
. و نادى عمر بن سعد يا ذويد ادن رأيتك فأدناها ثم وضع سهمه في كبد قوسه ثم رمى و قال اشهدوا أني أول من رمى ثم ارتمى الناس و تبارزوا .
فصاح عمرو بن الحجاج بالناس يا حمقى أ تدرون من تقاتلون تقاتلون فرسان أهل المصر و تقاتلون قوما مستميتين لا يبرز إليهم منكم أحد فإنهم قليل و قل ما يبقون و الله لو لم ترموهم إلا بالحجارة لقتلتموهم فقال عمر بن سعد صدقت الرأي ما رأيت فأرسل في الناس من يعزم عليهم ألا يبارز رجل منكم رجلا منهم. ثم حمل عمرو بن الحجاج في أصحابه على الحسين ع من نحو الفرات فاضطربوا ساعة فصرع مسلم بن عوسجة الأسدي رحمة الله عليه و انصرف عمرو و أصحابه و انقطعت الغبرة فوجدوا مسلما صريعا فمشى إليه الحسين ع فإذا به رمق فقال رحمك الله يا مسلم منهم من قضى نحبه و منهم من ينتظر و ما بدلوا تبديلا و دنا منه حبيب بن مظاهر فقال عز علي مصرعك يا مسلم أبشر بالجنة فقال مسلم قولا ضعيفا بشرك الله بخير فقال له حبيب لو لا أني أعلم أني في أثرك من ساعتي هذه لأحببت أن توصيني بكل ما أهمك. ثم تراجع القوم إلى الحسين ع فحمل شمر بن ذي الجوشن لعنه الله على أهل الميسرة فثبتوا له فطاعنوه و حمل على الحسين و أصحابه من كل جانب و قاتلهم أصحاب الحسين قتالا شديدا فأخذت خيلهم تحمل و إنما هي اثنان و ثلاثون فارسا فلا تحمل على جانب من خيل الكوفة إلا كشفته. فلما رأى ذلك عروة بن قيس و هو على خيل أهل الكوفة بعث إلى عمر بن سعد أ ما ترى ما تلقى خيلي منذ اليوم من هذه العدة اليسيرة ابعث إليهم الرجال و الرماة فبعث عليهم بالرماة فعقر بالحر بن يزيد فرسه فنزل عنه و جعل يقول
إن تعقروا بي فأنا ابن الحر أشجع من ذي لبد هزبر
و يضربهم بسيفه و تكاثروا عليه فاشترك في قتله أيوب بن مسرح و رجل آخر من فرسان أهل الكوفة و قاتل أصحاب الحسين بن علي ع القوم أشد قتال حتى انتصف النهار فلما رأى الحصين بن نمير و كان على الرماة صبر أصحاب الحسين ع تقدم إلى أصحابه و كانوا خمس مائة نابل أن يرشقوا أصحاب الحسين ع بالنبل فرشقوهم فلم يلبثوا أن عقروا خيولهم و جرحوا الرجال و أرجلوهم و اشتد القتال بينهم ساعة و جاءهم شمر بن ذي الجوشن في أصحابه فحمل عليهم زهير بن القين رحمه الله في عشرة رجال من أصحاب الحسين فكشفهم عن البيوت و عطف عليهم شمر بن ذي الجوشن فقتل من القوم و رد الباقين إلى مواضعهم و أنشأ زهير بن القين يقول مخاطبا للحسين ع اليوم نلقى جدك النبيا و حسنا و المرتضى علياو ذا الجناحين الفتى الكميا
و كان القتل يبين في أصحاب الحسين ع لقلة عددهم و لا يبين في أصحاب عمر بن سعد لكثرتهم و اشتد القتال و التحم و كثر القتل و الجراح في أصحاب أبي عبد الله الحسين ع إلى أن زالت الشمس فصلى الحسين بأصحابه صلاة الخوف. و تقدم حنظلة بن سعد الشبامي بين يدي الحسين ع فنادى أهل الكوفة يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب يا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد يا قوم لا تقتلوا حسينا فيسحتكم الله بعذاب و قد خاب من افترى ثم تقدم فقاتل حتى قتل رحمه الله.
الإرشاد ج : 2 ص :103- 105
اشتداد المعركة وقرب النهاية:
ثم رمى رجل من أصحاب عمر بن سعد يقال له عمرو بن صبيح عبد الله بن مسلم بن عقيل رحمه الله بسهم فوضع عبد الله يده على جبهته يتقيه فأصاب السهم كفه و نفذ إلى جبهته فسمرها به فلم يستطع تحريكها ثم انتحى عليه آخر برمحه فطعنه في قلبه فقتله. و حمل عبد الله بن قطبة الطائي على عون بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه فقتله. و حمل عامر بن نهشل التيمي على محمد بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه فقتله. و شد عثمان بن خالد الهمداني على عبد الرحمن بن عقيل بن أبي طالب رضي الله عنه فقتله.
ثم جلس الحسين ع أمام الفسطاط فأتي بابنه عبد الله بن الحسين و هو طفل فأجلسه في حجره فرماه رجل من بني أسد بسهم فذبحه فتلقى الحسين ع دمه فلما ملأ كفه صبه في الأرض ثم قال رب إن تكن حبست عنا النصر من السماء فاجعل ذلك لما هو خير و انتقم لنا من هؤلاء القوم الظالمين
ثم حمله حتى وضعه مع قتلى أهله. و رمى عبد الله بن عقبة الغنوي أبا بكر بن الحسن بن علي بن أبي طالب ع فقتله. فلما رأى العباس بن علي رحمة الله عليه كثرة القتلى في أهله قال لإخوته من أمه و هم عبد الله و جعفر و عثمان يا بني أمي تقدموا حتى أراكم قد نصحتم لله و لرسوله فإنه لا ولد لكم فتقدم عبد الله فقاتل قتالا شديدا فاختلف هو و هانئ بن ثبيت الحضرمي ضربتين فقتله هانئ لعنه الله و تقدم بعده جعفر بن علي رحمه الله فقتله أيضا هانئ و تعمد خولي بن يزيد الأصبحي عثمان بن علي رضي الله عنه و قد قام مقام إخوته فرماه بسهم فصرعه و شد عليه رجل من بني دارم فاحتز رأسه. و حملت الجماعة على الحسين ع فغلبوه على عسكره و اشتد به العطش فركب المسناة يريد الفرات و بين يديه العباس أخوه فاعترضته خيل ابن سعد و فيهم رجل من بني دارم فقال لهم ويلكم حولوا بينه و بين الفرات و لا تمكنوه من الماء فقال الحسين ع اللهم أظمئه فغضب الدارمي و رماه بسهم فأثبته في حنكه فانتزع الحسين ع السهم و بسط يده تحت حنكه فامتلأت راحتاه بالدم فرمى به ثم قال اللهم إني أشكو إليك ما يفعل بابن بنت نبيك ثم رجع إلى مكانه و قد اشتد به العطش و أحاط القوم بالعباس فاقتطعوه عنه فجعل يقاتلهم وحده حتى قتل رضوان الله عليه و كان المتولي لقتله زيد بن ورقاء الحنفي و حكيم بن الطفيل السنبسي بعد أن أثخن بالجراح فلم يستطع حراكا. و لما رجع الحسين ع من المسناة إلى فسطاطه تقدم إليه شمر بن ذي الجوشن في جماعة من أصحابه فأحاط به فأسرع منهم رجل يقال له مالك بن النسر الكندي فشتم الحسين و ضربه على رأسه بالسيف و كان عليه قلنسوة فقطعها حتى وصل إلى رأسه فأدماه فامتلأت القلنسوة دما فقال له الحسين لا أكلت بيمينك و لا شربت بها و حشرك الله مع الظالمين ثم ألقى القلنسوة و دعا بخرقة فشد بها رأسه و استدعى قلنسوة أخرى فلبسها و اعتم عليها و رجع عنه شمر بن ذي الجوشن و من كان معه إلى مواضعهم فمكث هنيهة ثم عاد و عادوا إليه و أحاطوا به. فخرج إليهم عبد الله بن الحسن بن علي ع و هو غلام لم يراهق من عند النساء يشتد حتى وقف إلى جنب الحسين فلحقته زينب بنت علي ع لتحبسه فقال لها الحسين احبسيه يا أختي فأبى و امتنع عليها امتناعا شديدا و قال و الله لا أفارق عمي و أهوى أبجر بن كعب إلى الحسين ع بالسيف فقال له الغلام ويلك يا ابن الخبيثة أ تقتل عمي فضربه أبجر بالسيف فاتقاها الغلام بيده فأطنها إلى الجلدة فإذا يده معلقة و نادى الغلام يا أمتاه فأخذه الحسين ع فضمه إليه و قال يا ابن أخي اصبر على ما نزل بك و احتسب في ذلك الخير فإن الله يلحقك بآبائك الصالحين.
ثم رفع الحسين ع يده و قال اللهم إن متعتهم إلى حين ففرقهم فرقا و اجعلهم طرائق قددا و لا ترض الولاة عنهم أبدا فإنهم دعونا لينصرونا ثم عدوا علينا فقتلونا
و حملت الرجالة يمينا و شمالا على من كان بقي مع الحسين فقتلوهم حتى لم يبق معه إلا ثلاثة نفر أو أربعة فلما رأى ذلك الحسين دعا بسراويل يمانية يلمع فيها البصر ففزرها ثم لبسها و إنما فزرها لكيلا يسلبها بعد قتله. فلما قتل عمد أبجر بن كعب إليه فسلبه السراويل و تركه مجردا فكانت يدا أبجر بن كعب بعد ذلك تيبسان في الصيف حتى كأنهما عودان و تترطبان في الشتاء فتنضحان دما و قيحا إلى أن أهلكه الله. فلما لم يبق مع الحسين ع أحد إلا ثلاثة رهط من أهله أقبل على القوم يدفعهم عن نفسه و الثلاثة يحمونه حتى قتل الثلاثة و بقي وحده و قد أثخن بالجراح في رأسه و بدنه فجعل يضاربهم بسيفه و هم يتفرقون عنه يمينا و شمالا.
الإرشاد ج : 2 ص :109- 111
استشهاد الحسين رضوان الله عليه:
. فقال حميد بن مسلم فو الله ما رأيت مكثورا قط قد قتل ولده و أهل بيته و أصحابه أربط جأشا و لا أمضى جنانا منه ع إن كانت الرجالة لتشد عليه فيشد عليها بسيفه فتنكشف عن يمينه و شماله انكشاف المعزى إذا شد فيها الذئب. فلما رأى ذلك شمر بن ذي الجوشن استدعى الفرسان فصاروا في ظهور الرجالة و أمر الرماة أن يرموه فرشقوه بالسهام حتى صار كالقنفذ فأحجم عنهم فوقفوا بإزائه و خرجت أخته زينب إلى باب الفسطاط فنادت عمر بن سعد بن أبي وقاص ويحك يا عمر أ يقتل أبو عبد الله و أنت تنظر إليه فلم يجبها عمر بشيء فنادت ويحكم أ ما فيكم مسلم فلم يجبها أحد بشيء و نادى شمر بن ذي الجوشن الفرسان و الرجالة فقال ويحكم ما تنتظرون بالرجل ثكلتكم أمهاتكم فحمل عليه من كل جانب فضربه ذرعة بن شريك على كفه اليسرى فقطعها و ضربه آخر منهم على عاتقه فكبا منها لوجهه و طعنه سنان بن أنس بالرمح فصرعه و بدر إليه خولي بن يزيد الأصبحي لعنه الله فنزل ليحتز رأسه فأرعد فقال له شمر فت الله في عضدك ما لك ترعد. و نزل شمر إليه فذبحه ثم دفع رأسه إلى خولي بن يزيد فقال احمله إلى الأمير عمر بن سعد ثم أقبلوا على سلب الحسين ع فأخذ قميصه إسحاق بن حيوة الحضرمي و أخذ سراويله أبجر بن كعب و أخذ عمامته أخنس بن مرثد و أخذ سيفه رجل من بني دارم و انتهبوا رحله و إبله و أثقاله و سلبوا نساءه. قال حميد بن مسلم فو الله لقد كنت أرى المرأة من نسائه و بناته و أهله تنازع ثوبها عن ظهرها حتى تغلب عليه فيذهب به منها ثم انتهينا إلى علي بن الحسين ع و هو منبسط على فراش و هو شديد المرض و مع شمر جماعة من الرجالة فقالوا له أ لا نقتل هذا العليل فقلت سبحان الله أ يقتل الصبيان إنما هو صبي و إنه لما به فلم أزل حتى رددتهم عنه.
الإرشاد ج : 2 ص : 112-113
عمر بن سعد ونهاية المعركة:
و جاء عمر بن سعد فصاح النساء في وجهه و بكين فقال لأصحابه لا يدخل أحد منكم بيوت هؤلاء النسوة و لا تعرضوا لهذا الغلام المريض و سألته النسوة ليسترجع ما أخذ منهن ليتسترن به فقال من أخذ من متاعهن شيئا فليرده عليهن فو الله ما رد أحد منهم شيئا فوكل بالفسطاط و بيوت النساء و علي بن الحسين جماعة ممن كانوا معه و قال احفظوهم لئلا يخرج منهم أحد و لا تسيئن إليهم. ثم عاد إلى مضربه و نادى في أصحابه من ينتدب للحسين فيوطئه فرسه فانتدب عشرة منهم إسحاق بن حيوة و أخنس بن مرثد فداسوا الحسين ع بخيولهم حتى رضوا ظهره و سرح عمر بن سعد من يومه ذلك و هو يوم عاشوراء برأس الحسين ع مع خولي بن يزيد الأصبحي و حميد بن مسلم الأزدي إلى عبيد الله بن زياد و أمر برءوس الباقين من أصحابه و أهل بيته فنظفت و كانت اثنين و سبعين رأسا و سرح بها مع شمر بن ذي الجوشن و قيس بن الأشعث و عمرو بن الحجاج فأقبلوا حتى قدموا بها على ابن زياد. و أقام بقية يومه و اليوم الثاني إلى زوال الشمس ثم نادى في الناس بالرحيل و توجه إلى الكوفة و معه بنات الحسين و أخواته و من كان معه من النساء و الصبيان و علي بن الحسين فيهم و هو مريض بالذرب و قد أشفى.
الإرشاد ج : 2 ص :113- 114
وصول رأس الحسين لابن زياد:
جلس ابن زياد للناس في قصر الإمارة و أذن للناس إذنا عاما و أمر بإحضار الرأس فوضع بين يديه و جعل ينظر إليه و يتبسم و في يده قضيب يضرب به ثناياه و كان إلى جانبه زيد بن أرقم صاحب رسول الله ص و هو شيخ كبير فلما رآه يضرب بالقضيب ثناياه قال له ارفع قضيبك عن هاتين الشفتين فو الله الذي لا إله غيره لقد رأيت شفتي رسول الله ص عليهما ما لا أحصيه كثرة تقبلهما ثم انتحب باكيا فقال له ابن زياد أبكى الله عي************ أ تبكي لفتح الله و الله لو لا أنك شيخ قد خرفت و ذهب عقلك لضربت عنقك فنهض زيد بن أرقم من بين يديه و صار إلى منزله.
الإرشاد ج : 2 ص :114- 115
وصول خبر مقتل الحسين ليزيد:
فروى عبد الله بن ربيعة الحميري فقال إني لعند يزيد بن معاوية بدمشق إذ أقبل زحر بن قيس حتى دخل عليه فقال له يزيد ويلك ما وراءك و ما عندك فقال أبشر يا أمير المؤمنين بفتح الله و نصره ورد علينا الحسين بن علي في ثمانية عشر من أهل بيته و ستين من شيعته فسرنا إليهم فسألناهم أن يستسلموا أو ينزلوا على حكم الأمير عبيد الله بن زياد أو القتال فاختاروا القتال على الاستسلام فغدونا عليهم مع شروق الشمس فأحطنا بهم من كل ناحية حتى إذا أخذت السيوف مأخذها من هام القوم جعلوا يهربون إلى غير وزر و يلوذون منا بالآكام و الحفر لواذا كما لاذ الحمائم من صقر فو الله يا أمير المؤمنين ما كانوا إلا جزر جزور أو نومة قائل حتى أتينا على آخرهم فهاتيك أجسادهم مجردة و ثيابهم مرملة و خدودهم معفرة تصهرهم الشمس و تسفي عليهم الرياح زوارهم العقبان و الرخم فأطرق يزيد هنيهة ثم رفع رأسه فقال قد كنت أرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين أما لو أني صاحبه لعفوت عنه.
الإرشاد ج : 2 ص :118- 119
ارسال النساء و الرؤوس ليزيد:
و لما أصبح عبيد الله بن زياد بعث برأس الحسين ع فدير به في سكك الكوفة كلها و قبائلها.
و لما فرغ القوم من التطواف به بالكوفة ردوه إلى باب القصر فدفعه ابن زياد إلى زحر بن قيس و دفع إليه رءوس أصحابه و سرحه إلى يزيد بن معاوية.
ثم إن عبيد الله بن زياد بعد إنفاذه برأس الحسين ع أمر بنسائه و صبيانه فجهزوا و أمر بعلي بن الحسين فغل بغل إلى عنقه ثم سرح بهم في أثر الرأس مع مجفر بن ثعلبة العائذي و شمر بن ذي الجوشن فانطلقوا بهم حتى لحقوا بالقوم الذين معهم الرأس.
الإرشاد ج : 2 ص :117-119
موقف يزيد من قتل الحسين:
1-و لما وضعت الرءوس بين يدي يزيد و فيها رأس الحسين ع قال يزيد
نفلق هاما من رجال أعزة علينا …..و هم كانوا أعق و أظلما
فقال يحيى بن الحكم أخو مروان بن الحكم و كان جالسا مع يزيد
لهام بأدنى الطف أدنى قرابة …..من ابن زياد العبد ذي الحسب الرذل
أمية أمسى نسلها عدد الحصى ……و بنت رسول الله ليس لها نسل
فضرب يزيد في صدر يحيى بن الحكم و قال اسكت ثم قال لعلي بن الحسين يا ابن حسين أبوك قطع رحمي و جهل حقي و نازعني سلطاني فصنع الله به ما قد رأيت.
فقال علي بن الحسين ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ. فقال يزيد لابنه خالد اردد عليه فلم يدر خالد ما يرد عليه. فقال له يزيد قل ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَ يَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ. ثم دعا بالنساء و الصبيان فأجلسوا بين يديه فرأى هيئة قبيحة فقال قبح الله ابن مرجانة لو كانت بينكم و بينه قرابة رحم ما فعل هذا بكم و لا بعث بكم على هذه الصورة.
الإرشاد ج : 2 ص :119- 120
2-فأطرق يزيد هنيهة ثم رفع رأسه فقال قد كنت أرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين أما لو أني صاحبه لعفوت عنه.
الإرشاد ج : 2 ص :119
3-لما أراد يزيد أن يجهزهم دعا علي بن الحسين ع فاستخلاه ثم قال له لعن الله ابن مرجانة أم و الله لو أني صاحب أبيك ما سألني خصلة أبدا إلا أعطيته إياها و لدفعت الحتف عنه بكل ما استطعت و لكن الله قضى ما رأيت كاتبني من المدينة و أنه كل حاجة تكون لك.
الإرشاد ج : 2 ص : 122
عودة النساء و زين العابدين للمدينة:
ثم أمر بالنسوة أن ينزلن في دار على حدة معهن أخوهن علي بن الحسين ع فأفرد لهم دار تتصل بدار يزيد فأقاموا أياما ثم ندب يزيد النعمان بن بشير و قال له تجهز لتخرج بهؤلاء النسوان إلى المدينة و لما أراد أن يجهزهم دعا علي بن الحسين ع فاستخلاه ثم قال له لعن الله ابن مرجانة أم و الله لو أني صاحب أبيك ما سألني خصلة أبدا إلا أعطيته إياها و لدفعت الحتف عنه بكل ما استطعت و لكن الله قضى ما رأيت كاتبني من المدينة و أنه كل حاجة تكون لك. و تقدم بكسوته و كسوة أهله و أنفذ معهم في جملة النعمان بن بشير رسولا تقدم إليه أن يسير بهم في الليل و يكونوا أمامه حيث لا يفوتون طرفه فإذا نزلوا تنحى عنهم و تفرق هو و أصحابه حولهم كهيئة الحرس لهم و ينزل منهم حيث إذا أراد إنسان من جماعتهم وضوءا أو قضاء حاجة لم يحتشم. فسار معهم في جملة النعمان و لم يزل ينازلهم في الطريق و يرفق بهم كما وصاه يزيد و يرعونهم حتى دخلوا المدينة ..
الإرشاد ج : 2 ص : 122
تم بحمد الله توثيق قصة مقتل الحسين من كتاب الإرشاد للمفيد الذي يعد من أهم علماء الشيعة
والكتاب هو الإرشاد للشيخ المفيدالمولود في سنة 336 هجرية
وللاختصار سوف ننقل لكم حرفيا ما ذكره المفيد في كتابه مع الاختصار والتركز على أهم نقاط القصة
ولذلك سوف أجتهد في وضع العناوين الرئيسية لكل موقف وألتزم بالنقل الحرفي للموضوع
موقف الحسن والحسين من خلافة معاوية:
فكانت إمامة الحسين ع بعد وفاة أخيه بما قدمناه ثابتة و طاعته لجميع الخلق لازمة و إن لم يدع إلى نفسه للتقية التي كان عليها و الهدنة الحاصلة بينه و بين معاوية بن أبي سفيان فالتزم الوفاء بها و جرى في ذلك مجرى أبيه أمير المؤمنين
الإرشاد ج : 2 ص : 31
فصل فمن مختصر الأخبار التي جاءت بسبب دعوته ع و ما أخذه على الناس في الجهاد من بيعته و ذكر جملة من أمره و خروجه و مقتله
ما رواه الكلبي و المدائني و غيرهما من أصحاب السيرة قالوا لما مات الحسن بن علي ع تحركت الشيعة بالعراق و كتبوا إلى الحسين ع في خلع معاوية و البيعة له فامتنع عليهم و ذكر أن بينه و بين معاوية عهدا و عقدا لا يجوز له نقضه حتى تمضي المدة فإن مات معاوية نظر في ذلك
.ص:32
وفاة معاوية وتحريض شيعة الكوفة:
و بلغ أهل الكوفة هلاك معاوية فارجفوا بيزيد و عرفوا خبر الحسين ع و امتناعه من بيعته و ما كان من ابن الزبير في ذلك و خروجهما إلى مكة فاجتمعت الشيعة بالكوفة في منزل سليمان بن صرد فذكروا هلاك معاوية فحمدوا الله عليه فقال سليمان إن معاوية قد هلك و إن حسينا قد تقبض على القوم ببيعته و قد خرج إلى مكة و أنتم شيعته و شيعة أبيه فإن كنتم تعلمون أنكم ناصروه و مجاهدو عدوه فأعلموه و إن خفتم الفشل و الوهن فلا تغروا الرجل في نفسه
قالوا لا بل نقاتل عدوه و نقتل أنفسنا دونه قال فكتبوا
بسم الله الرحمن الرحيم للحسين بن علي ع من سليمان بن صرد و المسيب بن نجبة و رفاعة بن شداد و حبيب بن مظاهر و شيعته من المؤمنين و المسلمين من أهل الكوفة سلام عليك فإنا نحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو. أما بعد فالحمد لله الذي قصم عدوك الجبار العنيد الذي انتزى على هذه الأمة فابتزها أمرها و غصبها فيئها و تأمر عليها بغير رضى منها ثم قتل خيارها و استبقى شرارها و جعل مال الله دولة بين جبابرتها و أغنيائها فبعدا له كما بعدت ثمود إنه ليس علينا إمام فأقبل لعل الله أن يجمعنا بك على الحق و النعمان بن بشير في قصر الإمارة لسنا نجمع معه في جمعه و لا نخرج معه إلى عيد و لو قد بلغنا أنك أقبلت إلينا أخرجناه حتى نلحقه بالشام إن شاء الله
. ثم سرحوا الكتاب مع عبد الله بن مسمع الهمداني و عبد الله بن وال و أمروهما بالنجاء فخرجا مسرعين حتى قدما على الحسين ع بمكة لعشر مضين من شهر رمضان
. و لبث أهل الكوفة يومين بعد تسريحهم بالكتاب و انفذوا قيس بن مسهر الصيداوي و عبد الرحمن بن عبد الله الأرحبي و عمارة بن عبد السلولي إلى الحسين ع و معهم نحو من مائة و خمسين صحيفة من الرجل و الاثنين و الأربعة
. ثم لبثوا يومين آخرين و سرحوا إليه هانئ بن هانئ السبيعي و سعيد بن عبد الله الحنفي و كتبوا إليه
بسم الله الرحمن الرحيم للحسين بن علي من شيعته من المؤمنين و المسلمين. أما بعد فحي هلا فإن الناس ينتظرونك لا رأي لهم غيرك فالعجل العجل ثم العجل العجل و السلام.
و كتب شبث بن ربعي و حجار بن أبجر و يزيد بن الحارث بن رويم و عروة بن قيس و عمرو بن الحجاج الزبيدي و محمد بن عمرو التيمي أما بعد فقد أخضر الجناب و أينعت الثمار فإذا شئت فأقدم على جند لك مجند و السلام.
و تلاقت الرسل كلها عنده فقرأ الكتب و سأل الرسل عن الناس ثم كتب مع هانئ بن هانئ و سعيد بن عبد الله و كانا آخر الرسل
بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن علي إلى الملأ من المسلمين و المؤمنين أما بعد فإن هانئا و سعيدا قدما علي بكتبكم و كانا آخر من قدم علي من رسلكم و قد فهمت كل الذي اقتصصتم و ذكرتم و مقالة جلكم إنه ليس علينا إمام فأقبل لعل الله أن يجمعنا بك على الهدى و الحق و إني باعث إليكم أخي و ابن عمي و ثقتي من أهل بيتي فإن كتب إلي أنه قد اجتمع رأي ملئكم و ذوي الحجا و الفضل منكم على مثل ما قدمت به رسلكم و قرأت في كتبكم أقدم عليكم وشيكا إن شاء الله فلعمري ما الإمام إلا الحاكم بالكتاب القائم بالقسط الدائن بدين الحق الحابس نفسه على ذات الله و السلام
ص:36-39
خروج مسلم بن عقيل للكوفة:
و دعا الحسين بن علي ع مسلم بن عقيل بن أبي طالب رضي الله عنه فسرحه مع قيس بن مسهر الصيداوي و عمارة بن عبد السلولي و عبد الرحمن بن عبد الله الأرحبي و أمره بتقوى الله و كتمان أمره و اللطف فإن رأى الناس مجتمعين مستوسقين عجل إليه بذلك.
فأقبل مسلم حتى أتى المدينة فصلى في مسجد رسول الله ص و ودع من أحب من أهله ثم استأجر دليلين من قيس فأقبلا به يتنكبان الطريق فضلا و أصابهم عطش شديد فعجزا عن السير فأومئا له إلى سنن الطريق بعد أن لاح لهما ذلك فسلك مسلم ذلك السنن و مات الدليلان عطشا.
فكتب مسلم بن عقيل رحمه الله من الموضع المعروف بالمضيق مع قيس بن مسهر أما بعد فإنني أقبلت من المدينة مع دليلين لي فجارا عن الطريق فضلا و اشتد علينا العطش فلم يلبثا أن ماتا و أقبلنا حتى انتهينا إلى الماء فلم ننج إلا بحشاشة أنفسنا و ذلك الماء بمكان يدعى المضيق من بطن الخبت و قد تطيرت من وجهي هذا فإن رأيت أعفيتني منه و بعثت غيري و السلام.
فكتب إليه الحسين بن علي ع أما بعد فقد خشيت أن لا يكون حملك على الكتاب إلي في الاستعفاء من الوجه الذي وجهتك له إلا الجبن فامض لوجهك الذي وجهتك له و السلام.
الإرشاد ج : 2 ص : 40
وصول مسلم للكوفة ومبايعة الشيعة:
ثم أقبل حتى دخل الكوفة فنزل في دار المختار بن أبي عبيد و هي التي تدعى اليوم دار سلم بن المسيب و أقبلت الشيعة تختلف إليه فكلما اجتمع إليه منهم جماعة قرأ عليهم كتاب الحسين بن علي ع و هم يبكون و بايعه الناس حتى بايعه منهم ثمانية عشر ألفا فكتب مسلم رحمه الله إلى الحسين ع يخبره ببيعة ثمانية عشر ألفا و يأمره بالقدوم .
محاولة والي الكوفة لإطفاء الفتنة:
و جعلت الشيعة تختلف إلى مسلم بن عقيل رضي الله عنه حتى علم مكانه فبلغ النعمان بن بشير ذلك و كان واليا على الكوفة من قبل معاوية فأقره يزيد عليها فصعد المنبر فحمد الله و أثنى عليه ثم قال :
أما بعد فاتقوا الله عباد الله و لا تسارعوا إلى الفتنة و الفرقة فإن فيها يهلك الرجال و تسفك الدماء و تغتصب الأموال إني لا أقاتل من لا يقاتلني و لا آتي على من لم يأت علي و لا أنبه نائمكم و لا أتحرش بكم و لا آخذ بالقرف و لا الظنة و لا التهمة و لكنكم إن أبديتم صفحتكم لي و نكثتم بيعتكم و خالفتم إمامكم فو الله الذي لا إله غيره لأضربنكم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي و لو لم يكن لي منكم ناصر أما إني أرجو أن يكون من يعرف الحق منكم أكثر ممن يرديه الباطل.
فقام إليه عبد الله بن مسلم بن ربيعة الحضرمي حليف بني أمية فقال إنه لا يصلح ما ترى إلا الغشم إن هذا الذي أنت عليه فيما بينك و بين عدوك رأي المستضعفين فقال له النعمان أكون من المستضعفين في طاعة الله أحب إلي من أن أكون من الأعزين في معصية الله ثم نزل.
و خرج عبد الله بن مسلم فكتب إلى يزيد بن معاوية أما بعد فإن مسلم بن عقيل قد قدم الكوفة فبايعته الشيعة للحسين بن علي فإن يكن لك في الكوفة حاجة فابعث إليها رجلا قويا ينفذ أمرك و يعمل مثل عملك في عدوك فإن النعمان بن بشير رجل ضعيف أو هو يتضعف.
الإرشاد ج : 2 ص : 42
يزيد ومحاولة إطفاء الفتنة:
. و خرج عبد الله بن مسلم فكتب إلى يزيد بن معاوية أما بعد فإن مسلم بن عقيل قد قدم الكوفة فبايعته الشيعة للحسين بن علي فإن يكن لك في الكوفة حاجة فابعث إليها رجلا قويا ينفذ أمرك و يعمل مثل عملك في عدوك فإن النعمان بن بشير رجل ضعيف أو هو يتضعف ثم كتب إليه عمارة بن عقبة بنحو من كتابه ثم كتب إليه عمر بن سعد بن أبي وقاص مثل ذلك. فلما وصلت الكتب إلى يزيد دعا سرجون مولى معاوية فقال ما رأيك إن حسينا قد وجه إلى الكوفة مسلم بن عقيل يبايع له و قد بلغني عن النعمان بن بشير ضعف و قول سيئ فمن ترى أن أستعمل على الكوفة
و كان يزيد عاتبا على عبيد الله بن زياد فقال له سرجون أ رأيت معاوية لو نشر لك حيا أما كنت آخذا برأيه قال: نعم قال فأخرج سرجون عهد عبيد الله بن زياد على الكوفة
و قال هذا رأي معاوية مات و قد أمر بهذا الكتاب فضم المصرين إلى عبيد الله بن زياد فقال له يزيد :أفعل ابعث بعهد عبيد الله إليه ثم دعا مسلم بن عمرو الباهلي و كتب إلى عبيد الله بن زياد معه
أما بعد فإنه كتب إلى شيعتي من أهل الكوفة يخبروني أن ابن عقيل بها يجمع الجموع و يشق عصا المسلمين فسر حين تقرأ كتابي هذا حتى تأتي الكوفة فتطلب ابن عقيل طلب الخرزة حتى تثقفه فتوثقه أو تقتله أو تنفيه و السلام. و سلم إليه عهده على الكوفة فسار مسلم بن عمرو حتى قدم على عبيد الله بالبصرة فأوصل إليه العهد و الكتاب فأمر عبيد الله بالجهاز من وقته و المسير و التهيؤ إلى الكوفة من الغد ثم خرج من البصرة و استخلف أخاه عثمان و أقبل إلى الكوفة و معه مسلم بن عمرو الباهلي و شريك بن أعور الحارثي و حشمه و أهل بيته حتى دخل الكوفة و عليه عمامة سوداء و هو متلثم
و الناس قد بلغهم إقبال الحسين ع إليهم فهم ينتظرون قدومه فظنوا حين رأوا عبيد الله أنه الحسين فأخذ لا يمر على جماعة من الناس إلا سلموا عليه و قالوا مرحبا بابن رسول الله قدمت خير مقدم فرأى من تباشرهم بالحسين ما ساءه فقال مسلم بن عمرو لما أكثروا :تأخروا هذا الأمير عبيد الله بن زياد.
و سار حتى وافى القصر في الليل و معه جماعة قد التفوا به لا يشكون أنه الحسين ع
فأغلق النعمان بن بشير عليه و على حامته فناداه بعض من كان معه ليفتح لهم الباب فاطلع إليه النعمان و هو يظنه الحسين فقال أنشدك الله إلا تنحيت و الله ما أنا مسلم إليك أمانتي و ما لي في قتالك من أرب
فجعل لا يكلمه ثم إنه دنا و تدلى النعمان من شرف فجعل يكلمه فقال افتح لا فتحت فقد طال ليلك و سمعها إنسان خلفه فنكص إلى القوم الذين اتبعوه من أهل الكوفة على أنه الحسين فقال أي قوم ابن مرجانة و الذي لا إله غيره ففتح له النعمان و دخل و ضربوا الباب في وجوه الناس فانفضوا
. و أصبح فنادى في الناس الصلاة جامعة فاجتمع الناس فخرج إليهم فحمد الله و أثنى عليه ثم قال: أما بعد فإن أمير المؤمنين ولاني مصركم و ثغركم و فيئكم و أمرني بإنصاف مظلومكم و إعطاء محرومكم و الإحسان إلى سامعكم و مطيعكم كالوالد البر و سوطي و سيفي على من ترك أمري و خالف عهدي فليبق امرؤ على نفسه الصدق ينبي عنك لا الوعيد.
ثم نزل و أخذ العرفاء و الناس أخذا شديدا فقال اكتبوا إلى العرفاء و من فيكم من طلبة أمير المؤمنين و من فيكم من الحرورية و أهل الريب الذين رأيهم الخلاف و الشقاق فمن يجيء بهم لنا فبرئ و من لم يكتب لنا أحدا فليضمن لنا ما في عرافته أن لا يخالفنا منهم مخالف و لا يبغ علينا منهم باغ فمن لم يفعل برئت منه الذمة و حلال لنا دمه و ماله و أيما عريف وجد في عرافته من بغية أمير المؤمنين أحد لم يرفعه إلينا صلب على باب داره و ألغيت تلك العرافة من العطاء.
الإرشاد ج : 2 ص 43-45
البحث عن مسلم بن عقيل:
. فجاء هانئ حتى دخل على ابن زياد و معه القوم فلما طلع قال ابن زياد أتتك بحائن رجلاه فلما دنا من ابن زياد و عنده شريح القاضي التفت نحوه فقال :
أريد حباءه و يريد قتلي عذيرك من خليلك من مراد
و قد كان أول ما دخل عليه مكرما له ملطفا فقال له هانئ و ما ذلك أيها الأمير قال إيه يا هانئ بن عروة ما هذه الأمور التي تربص في دارك لأمير المؤمنين و عامة المسلمين جئت بمسلم بن عقيل فأدخلته دارك و جمعت له السلاح و الرجال في الدور حولك و ظننت أن ذلك يخفى علي فقال ما فعلت و ما مسلم عندي قال بلى قد فعلت فلما كثر ذلك بينهما و أبى هانئ إلا مجاحدته و مناكرته دعا ابن زياد معقلا ذلك العين فجاء حتى وقف بين يديه فقال أ تعرف هذا قال نعم و علم هانئ عند ذلك أنه كان عينا عليهم و أنه قد أتاه بأخبارهم فأسقط في يده ساعة ثم راجعته نفسه فقال اسمع مني و صدق مقالتي فو الله لا كذبت و الله ما دعوته إلى منزلي و لا علمت بشيء من أمره حتى جاءني يسألني النزول فاستحييت من رده و دخلني من ذلك ذمام فضيفته و آويته و قد كان من أمره ما كان بلغك فإن شئت أن أعطيك الآن موثقا مغلظا ألا أبغيك سوءا و لا غائلة و لآتينك حتى أضع يدي في يدك و إن شئت أعطيتك رهينة تكون في يدك حتى آتيك و أنطلق إليه فآمره أن يخرج من داري إلى حيث شاء من الأرض فأخرج من ذمامه و جواره فقال له ابن زياد و الله لا تفارقني أبدا حتى تأتيني به قال لا و الله لا آتيك به أبدا أجيئك بضيفي تقتله قال و الله لتأتين به قال لا و الله لا آتيك به. فلما كثر الكلام بينهما قام مسلم بن عمرو الباهلي و ليس بالكوفة شامي و لا بصري غيره فقال أصلح الله الأمير خلني و إياه حتى أكلمه فقام فخلا به ناحية من ابن زياد و هما منه بحيث يراهما فإذا رفعا أصواتهما سمع ما يقولان فقال له مسلم يا هانئ إني أنشدك الله أن تقتل نفسك و أن تدخل البلاء على عشيرتك فو الله إني لأنفس بك عن القتل أن هذا الرجل ابن عم القوم و ليسوا قاتليه و لا ضائريه فادفعه إليه فإنه ليس عليك بذلك مخزاة و لا منقصة إنما تدفعه إلى السلطان فقال هانئ و الله إن علي في ذلك للخزي و العار أنا أدفع جاري و ضيفي و أنا حي صحيح أسمع و أرى شديد الساعد كثير الأعوان و الله لو لم أكن إلا واحدا ليس لي ناصر لم أدفعه حتى أموت دونه فأخذ يناشده و هو يقول و الله لا أدفعه أبدا. فسمع ابن زياد ذلك فقال أدنوه مني فأدني منه فقال و الله لتأتيني به أو لأضربن عنقك فقال هانئ إذا و الله تكثر البارقة حول دارك فقال ابن زياد وا لهفاه عليك أ بالبارقة تخوفني و هو يظن أن عشيرته سيمنعونه ثم قال أدنوه مني فأدني فاعترض وجهه بالقضيب فلم يزل يضرب وجهه و أنفه و جبينه و خده حتى كسر أنفه و سيل الدماء على ثيابه و نثر لحم خده و جبينه على لحيته حتى كسر القضيب و ضرب هانئ يده إلى قائم سيف شرطي و جاذبه الرجل و منعه فقال عبيد الله أ حروري سائر اليوم قد حل لنا دمك جروه فجروه فألقوه في بيت من بيوت الدار و أغلقوا عليه بابه فقال اجعلوا عليه حرسا ففعل ذلك به فقام إليه حسان بن أسماء فقال أ رسل غدر سائر اليوم أمرتنا أن نجيئك بالرجل حتى إذا جئناك به هشمت وجهه و سيلت دمائه على لحيته و زعمت أنك تقتله فقال له عبيد الله و إنك لهاهنا فأمر به فلهز و تعتع ثم أجلس ناحية فقال محمد بن الأشعث قد رضينا بما رآه الأمير لنا كان أو علينا إنما الأمير مؤدب. و بلغ عمرو بن الحجاج أن هانئا قد قتل فأقبل في مذحج حتى أحاط بالقصر و معه جمع عظيم ثم نادى أنا عمرو بن الحجاج و هذه فرسان مذحج و وجوهها لم تخلع طاعة و لم تفارق جماعة و قد بلغهم أن صاحبهم قتل فأعظموا ذلك فقيل لعبيد الله بن زياد هذه مذحج بالباب فقال لشريح القاضي ادخل على صاحبهم فانظر إليه ثم اخرج و أعلمهم أنه حي لم يقتل فدخل فنظر شريح إليه فقال هانئ لما رأى شريحا يا لله يا للمسلمين أ هلكت عشيرتي أين أهل الدين أين أهل البصر و الدماء تسيل على لحيته إذ سمع الرجة على باب القصر فقال إني لأظنها أصوات مذحج و شيعتي من المسلمين إنه إن دخل علي عشرة نفر أنقذوني فلما سمع كلامه شريح خرج إليهم فقال لهم إن الأمير لما بلغه مكانكم و مقالتكم في صاحبكم أمرني بالدخول إليه فأتيته فنظرت إليه فأمرني أن ألقاكم و أن أعلمكم أنه حي و أن الذي بلغكم من قتله باطل فقال عمرو بن الحجاج و أصحابه أما إذ لم يقتل فالحمد لله ثم انصرفوا.
الإرشاد ج : 2 ص : 48-51
بداية الثورة ضد ابن زياد:
. و خرج عبيد الله بن زياد فصعد المنبر و معه أشراف الناس و شرطه و حشمه فقال أما بعد أيها الناس فاعتصموا بطاعة الله و طاعة أئمتكم و لا تفرقوا فتهلكوا و تذلوا و تقتلوا و تجفوا و تحربوا إن أخاك من صدقك و قد أعذر من أنذر ثم ذهب لينزل فما نزل عن المنبر حتى دخلت النظارة المسجد من قبل باب التمارين يشتدون و يقولون قد جاء ابن عقيل قد جاء ابن عقيل فدخل عبيد الله القصر مسرعا و أغلق أبوابه. قال عبد الله بن حازم أنا و الله رسول ابن عقيل إلى القصر لأنظر ما فعل هانئ فلما حبس و ضرب ركبت فرسي فكنت أول أهل الدار دخل على مسلم بن عقيل بالخبر فإذا نسوة لمراد مجتمعات ينادين يا عبرتاه يا ثكلاه فدخلت على مسلم بن عقيل فأخبرته فأمرني أن أنادي في أصحابه و قد ملأ بهم الدور حوله و كانوا فيها أربعة آلاف رجل فناديت يا منصور أمت فتنادى أهل الكوفة و اجتمعوا عليه فعقد مسلم لرءوس الأرباع على القبائل كندة و مذحج و أسد و تميم و همدان و تداعى الناس و اجتمعوا فما لبثنا إلا قليلا حتى امتلأ المسجد من الناس و السوق و ما زالوا يتوثبون حتى المساء فضاق بعبيد الله أمره و كان أكثر عمله أن يمسك باب القصر و ليس معه في القصر إلا ثلاثون رجلا من الشرط و عشرون رجلا من أشراف الناس و أهل بيته و خاصته و أقبل من نأى عنه من أشراف الناس يأتونه من قبل الباب الذي يلي دار الروميين و جعل من في القصر مع ابن زياد يشرفون عليهم فينظرون إليهم و هم يرمونهم بالحجارة و يشتمونهم و يفترون على عبيد الله و على أبيه.
الإرشاد ج : 2 ص : 52
بداية خيانة الشيعة:
و دعا ابن زياد كثير بن شهاب و أمره أن يخرج فيما أطاعه من مذحج فيسير في الكوفة و يخذل الناس عن ابن عقيل و يخوفهم الحرب و يحذرهم عقوبة السلطان و أمر محمد بن الأشعث أن يخرج فيمن أطاعه من كندة و حضرموت فيرفع راية أمان لمن جاءه من الناس و قال مثل ذلك للقعقاع الذهلي و شبث بن ربعي التميمي و حجار بن أبجر العجلي و شمر بن ذي الجوشن العامري و حبس باقي وجوه الناس عنده استيحاشا إليهم لقلة عدد من معه من الناس.فخرج كثير بن شهاب يخذل الناس عن ابن عقيل و خرج محمد بن الأشعث حتى وقف عند دور بني عمارة فبعث ابن عقيل إلى محمد بن الأشعث من المسجد عبد الرحمن بن شريح الشبامي فلما رأى ابن الأشعث كثرة من أتاه تأخر عن مكانه و جعل محمد بن الأشعث و كثير بن شهاب و القعقاع بن شور الذهلي و شبث بن ربعي يردون الناس عن اللحوق بمسلم و يخوفونهم السلطان حتى اجتمع إليهم عدد كثير من قومهم و غيرهم فصاروا إلى ابن زياد من قبل دار الروميين و دخل القوم معهم فقال له كثير بن شهاب أصلح الله الأمير معك في القصر ناس كثير من أشراف الناس و من شرطك و أهل بيتك و مواليك فاخرج بنا إليهم فأبى عبيد الله و عقد لشبث بن ربعي لواء فأخرجه. و أقام الناس مع ابن عقيل يكثرون حتى المساء و أمرهم شديد فبعث عبيد الله إلى الأشراف فجمعهم ثم أشرفوا على الناس فمنوا أهل الطاعة الزيادة و الكرامة و خوفوا أهل العصيان الحرمان و العقوبة و أعلموهم وصول الجند من الشام إليهم و تكلم كثير حتى كادت الشمس أن تجب فقال أيها الناس ألحقوا بأهاليكم و لا تعجلوا الشر و لا تعرضوا أنفسكم للقتل فإن هذه جنود أمير المؤمنين يزيد قد أقبلت و قد أعطى الله الأمير عهدا لئن تممتم على حربه و لم تنصرفوا من عشيتكم أن يحرم ذريتكم العطاء و يفرق مقاتلتكم في مغازي الشام و أن يأخذ البريء بالسقيم و الشاهد بالغائب حتى لا تبقى له بقية من أهل المعصية إلا أذاقها وبال ما جنت أيديها و تكلم الأشراف بنحو من ذلك.
فلما سمع الناس مقالهم أخذوا يتفرقون و كانت المرأة تأتي ابنها أو أخاها فتقول انصرف الناس يكفونك و يجيء الرجل إلى ابنه و أخيه فيقول غدا يأتيك أهل الشام فما تصنع بالحرب و الشر انصرف فيذهب به فينصرف فما زالوا يتفرقون حتى أمسى ابن عقيل و صلى المغرب و ما معه إلا ثلاثون نفسا في المسجد فلما رأى أنه قد أمسى و ما معه إلا أولئك النفر خرج من المسجد متوجها نحو أبواب كندة فما بلغ الأبواب و معه منهم عشرة ثم خرج من الباب فإذا ليس معه إنسان فالتفت فإذا هو لا يحس أحدا يدله على الطريق و لا يدله على منزله و لا يواسيه بنفسه إن عرض له عدو. فمضى على وجهه متلددا في أزقة الكوفة لا يدري أين يذهب حتى خرج إلى دور بني جبلة من كندة فمشى حتى انتهى إلى باب امرأة يقال لها طوعة أم ولد كانت للأشعث بن قيس فأعتقها فتزوجها أسيد الحضرمي فولدت له بلالا و كان بلال قد خرج مع الناس فأمه قائمة تنتظره فسلم عليها ابن عقيل فردت ع فقال لها يا أمة الله اسقيني ماء فسقته و جلس و أدخلت الإناء ثم خرجت فقالت يا عبد الله أ لم تشرب قال بلى قالت فاذهب إلى أهلك فسكت ثم أعادت مثل ذلك فسكت ثم قالت له في الثالثة سبحان الله يا عبد الله قم عافاك الله إلى أهلك فإنه لا يصلح لك الجلوس على بابي و لا أحله لك. فقام و قال يا أمة الله ما لي في هذا المصر منزل و لا عشيرة فهل لك في أجر و معروف لعلي مكافئك بعد اليوم فقالت يا عبد الله و ما ذاك قال أنا مسلم بن عقيل كذبني هؤلاء القوم و غروني و أخرجوني قالت أنت مسلم قال نعم قالت ادخل فدخل بيتا في دارها غير البيت الذي تكون فيه و فرشت له و عرضت عليه العشاء فلم يتعش. و لم يكن بأسرع أن جاء ابنها فرآها تكثر الدخول في البيت و الخروج منه فقال لها و الله إنه ليريبني كثرة دخولك هذا البيت منذ الليلة و خروجك منه إن لك لشأنا قالت يا بني اله عن هذا قال و الله لتخبرينني قالت أقبل على شأنك و لا تسألني عن شيء فألح عليها فقالت يا بني لا تخبرن أحدا من الناس بشيء مما أخبرك به قال نعم فأخذت عليه الأيمان فحلف لها فأخبرته فاضطجع و سكت.
الإرشاد ج : 2 ص : 53-55
البحث عن ابن عقيل:
علم ابن زياد بتفرق القوم ففتح باب السدة التي في المسجد ثم خرج فصعد المنبر و خرج أصحابه معه فأمرهم فجلسوا قبيل العتمة و أمر عمرو بن نافع فنادى ألا برئت الذمة من رجل من الشرط و العرفاء و المناكب أو المقاتلة صلى العتمة إلا في المسجد فلم يكن إلا ساعة حتى امتلأ المسجد من الناس ثم أمر مناديه فأقام الصلاة و أقام الحرس خلفه و أمرهم بحراسته من أن يدخل عليه أحد يغتاله و صلى بالناس ثم صعد المنبر فحمد الله و أثنى عليه ثم قال أما بعد فإن ابن عقيل السفيه الجاهل قد أتى ما قد رأيتم من الخلاف و الشقاق فبرئت ذمة الله من رجل وجدناه في داره و من جاء به فله ديته اتقوا الله عباد الله و الزموا طاعتكم و بيعتكم و لا تجعلوا على أنفسكم سبيلا يا حصين بن نمير ثكلتك أمك إن ضاع باب سكة من سكك الكوفة أو خرج هذا الرجل و لم تأتني به و قد سلطتك على دور أهل الكوفة فابعث مراصد على أهل السكك و أصبح غدا فاستبرئ الدور و جس خلالها حتى تأتيني بهذا الرجل.
الإرشاد ج : 2 ص : 57
القبض على ابن عقيل وخيانة الشيعة الثانية:
و أصبح ابن تلك العجوز فغدا إلى عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث فأخبره بمكان مسلم بن عقيل عند أمه فأقبل عبد الرحمن حتى أتى أباه و هو عند ابن زياد فساره فعرف ابن زياد سراره فقال له ابن زياد بالقضيب في جنبه قم فائتني به الساعة فقام و بعث معه قومه لأنه قد علم أن كل قوم يكرهون أن يصاب فيهم مسلم بن عقيل و بعث معه عبيد الله بن عباس السلمي في سبعين رجلا من قيس حتى أتوا الدار التي فيها مسلم بن عقيل رحمه الله فلما سمع وقع الخيل و أصوات الرجال علم أنه قد أتى فخرج إليهم بسيفه و اقتحموا عليه الدار فشد عليهم يضربهم بسيفه حتى أخرجهم من الدار ثم عادوا إليه فشد عليهم كذلك فاختلف هو و بكر بن حمران الأحمري فضرب فم مسلم فشق شفته العليا و أسرع السيف في السفلى و نصلت له ثنيتاه و ضرب مسلم في رأسه ضربة منكرة و ثناه بأخرى على حبل العاتق كادت تطلع على جوفه فلما رأوا ذلك أشرفوا عليه من فوق البيت فأخذوا يرمونه بالحجارة و يلهبون النار في أطنان القصب ثم يلقونها عليه من فوق البيت فلما رأى ذلك خرج عليهم مصلتا بسيفه في السكة فقال له محمد بن الأشعث لك الأمان لا تقتل نفسك و هو يقاتلهم و يقول
أقسمت لا أقتل إلا حرا إني رأيت الموت شيئا نكراو يجعل البارد سخنا مرا رد شعاع الشمس فاستقراكل امرئ يوما ملاق شرا أخاف أن أكذب أو أغرا
فقال له محمد بن الأشعث إنك لا تكذب و لا تغر فلا تجزع إن القوم بنو عمك و ليسوا بقاتليك و لا ضائريك و كان قد أثخن بالحجارة و عجز عن القتال فانبهر و أسند ظهره إلى جنب تلك الدار فأعاد ابن الأشعث عليه القول لك الأمان فقال آمن أنا قال نعم فقال للقوم الذين معه لي الأمان فقال القوم له نعم إلا عبيد الله بن العباس السلمي فإنه قال لا ناقة لي في هذا و لا جمل و تنحى فقال مسلم أما لو لم تؤمنوني ما وضعت يدي في أيديكم. و أتي ببغلة فحمل عليها فاجتمعوا حوله و انتزعوا سيفه فكأنه عند ذلك أيس من نفسه و دمعت عيناه ثم قال هذا أول الغدر قال له محمد بن الأشعث أرجو أن لا يكون عليك بأس فقال و ما هو إلا الرجاء أين أمانكم إنا لله و إنا إليه راجعون و بكى فقال له عبيد الله بن العباس السلمي إن من يطلب مثل الذي تطلب إذا نزل به مثل الذي نزل بك لم يبك قال إني و الله ما لنفسي بكيت و لا لها من القتل أرثي و إن كنت لم أحب لها طرفة عين تلفا و لكن أبكي لأهلي المقبلين إلي أبكي للحسين ع و آل الحسين. ثم أقبل على محمد بن الأشعث فقال يا عبد الله إني أراك و الله ستعجز عن أماني فهل عندك خير تستطيع أن تبعث من عندك رجلا على لساني أن يبلغ حسينا فإني لا أراه إلا قد خرج إليكم اليوم مقبلا أو هو خارج غدا و أهل بيته و يقول إن ابن عقيل بعثني إليك و هو أسير في أيدي القوم لا يرى أنه يمسي حتى يقتل و هو يقول ارجع فداك أبي و أمي بأهل بيتك و لا يغرك أهل الكوفة فإنهم أصحاب أبيك الذي كان يتمنى فراقهم بالموت أو القتل إن أهل الكوفة قد كذبوك و ليس لمكذوب رأي فقال ابن الأشعث و الله لأفعلن .
الإرشاد ج : 2 ص : 58-60
عبيد الله بن زياد وموقفه من الحسين:
. و خرج رسول ابن زياد فأمر بإدخاله إليه فلما دخل لم يسلم عليه بالإمرة فقال له الحرسي أ لا تسلم على الأمير فقال إن كان يريد قتلي فما سلامي عليه و إن كان لا يريد قتلي ليكثرن سلامي عليه فقال له ابن زياد لعمري لتقتلن
قال كذلك قال نعم قال فدعني أوص إلى بعض قومي قال افعل
فنظر مسلم إلى جلسائه و فيهم عمر بن سعد بن أبي وقاص فقال يا عمر إن بيني و بينك قرابة و لي إليك حاجة و قد يجب لي عليك نجح حاجتي و هي سر فامتنع عمر أن يسمع منه فقال له عبيد الله لم تمتنع أن تنظر في حاجة ابن عمك فقام معه فجلس حيث ينظر إليهما ابن زياد فقال له إن علي دينا بالكوفة استدنته منذ قدمت الكوفة سبعمائة درهم فبع فاقضها عني فإذا قتلت فاستوهب جثتي من ابن زياد فوارها و ابعث إلى الحسين ع من يرده فإني قد كتبت إليه أعلمه أن الناس معه و لا أراه إلا مقبلا فقال عمر لابن زياد أ تدري أيها الأمير ما قال لي إنه ذكر كذا و كذا فقال له ابن زياد إنه لا يخونك الأمين و لكن قد يؤتمن الخائن أما مالك فهو لك و لسنا نمنعك أن تصنع به ما أحببت و أما جثته فإنا لا نبالي إذا قتلناه ما صنع بها و أما حسين فإن هو لم يردنا لم نرده. ثم قال ابن زياد إيه يا ابن عقيل أتيت الناس و هم جميع فشتت بينهم و فرقت كلمتهم و حملت بعضهم على بعض. قال كلا لست لذلك أتيت و لكن أهل المصر زعموا أن أباك قتل خيارهم و سفك دماءهم و عمل فيهم أعمال كسرى و قيصر فأتيناه لنأمر بالعدل و ندعو إلى حكم الكتاب .
ثم قال ابن زياد اصعدوا به فوق القصر فاضربوا عنقه ثم أتبعوه جسده فقال مسلم بن عقيل رحمة الله عليه لو كان بيني و بينك قرابة ما قتلتني فقال ابن زياد أين هذا الذي ضرب ابن عقيل رأسه بالسيف فدعي بكر بن حمران الأحمري فقال له اصعد فلتكن أنت الذي تضرب عنقه فصعد به و هو يكبر و يستغفر الله و يصلي على رسوله و يقول اللهم احكم بيننا و بين قوم غرونا و كذبونا و خذلونا و أشرفوا به على موضع الحذاءين اليوم فضربت عنقه و أتبع جسده رأسه. و قام محمد بن الأشعث إلى عبيد الله بن زياد فكلمه في هانئ بن عروة فقال إنك قد عرفت منزلة هانئ في المصر و بيته في العشيرة و قد علم قومه أني أنا و صاحبي سقناه إليك فأنشدك الله لما وهبته لي فإني أكره عداوة المصر و أهله فوعده أن يفعل ثم بدا له فأمر بهانئ في الحال فقال أخرجوه إلى السوق فاضربوا عنقه فأخرج هانئ حتى انتهي به إلى مكان من السوق كان يباع فيه الغنم و هو مكتوف فجعل يقول وا مذحجاه و لا مذحج لي اليوم يا مذحجاه يا مذحجاه و أين مذحج فلما رأى أن أحدا لا ينصره جذب يده فنزعها من الكتاف ثم قال أ ما من عصا أو سكين أو حجر أو عظم يحاجز به رجل عن نفسه و وثبوا إليه فشدوه وثاقا ثم قيل له امدد عنقك فقال ما أنا بها سخي و ما أنا بمعينكم على نفسي فضربه مولى لعبيد الله تركي يقال له رشيد بالسيف فلم يصنع شيئا فقال هانئ إلى الله المعاد اللهم إلى رحمتك و رضوانك ثم ضربه أخرى فقتله.
الإرشاد ج : 2 ص : 61-64
خروج الحسين :
و كان خروج مسلم بن عقيل رحمة الله عليهما بالكوفة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجة سنة ستين و قتله يوم الأربعاء لتسع خلون منه يوم عرفة و كان توجه الحسين ع من مكة إلى العراق في يوم خروج مسلم بالكوفة و هو يوم التروية بعد مقامه بمكة بقية شعبان و شهر رمضان و شوالا و ذا القعدة و ثماني ليال خلون من ذي الحجة سنة ستين و كان قد اجتمع إليه مدة مقامه بمكة نفر من أهل الحجاز و نفر من أهل البصرة انضافوا إلى أهل بيته و مواليه. و لما أراد الحسين ع التوجه إلى العراق طاف بالبيت و سعى بين الصفا و المروة و أحل من إحرامه و جعلها عمرة .
الإرشاد ج : 2 ص : 67
المحاولات لرد الحسين عن الخروج للكوفة:
1- فروي عن الفرزدق الشاعر أنه قال حججت بأمي في سنة ستين فبينا أنا أسوق بعيرها حين دخلت الحرم إذ لقيت الحسين بن علي ع خارجا من مكة معه أسيافه و تراسه فقلت لمن هذا القطار فقيل للحسين بن علي فأتيته فسلمت عليه و قلت له أعطاك الله سؤلك و أملك فيما تحب بأبي أنت و أمي يا ابن رسول الله ما أعجلك عن الحج فقال لو لم أعجل لأخذت ثم قال لي من أنت قلت امرؤ من العرب فلا و الله ما فتشني عن أكثر من ذلك ثم قال لي أخبرني عن الناس خلفك فقلت الخبير سألت قلوب الناس معك و أسيافهم عليك و القضاء ينزل من السماء و الله يفعل ما يشاء فقال صدقت لله الأمر و كل يوم ربنا هو في شأن إن نزل القضاء بما نحب فنحمد الله على نعمائه و هو المستعان على أداء الشكر و إن حال القضاء دون الرجاء فلم يبعد من كان الحق نيته و التقوى سريرته فقلت له أجل بلغك الله ما تحب و كفاك ما تحذر.
2- . و كان الحسين بن علي ع لما خرج من مكة اعترضه يحيى بن سعيد بن العاص و معه جماعة أرسلهم عمرو بن سعيد إليه فقالوا له انصرف إلى أين تذهب فأبى عليهم و مضى و تدافع الفريقان و اضطربوا بالسياط و امتنع الحسين و أصحابه منهم امتناعا قويا و سار حتى أتى التنعيم فلقي عيرا قد أقبلت من اليمن فاستأجر من أهلها جمالا لرحله و أصحابه و قال لأصحابها من أحب أن ينطلق معنا إلى العراق وفيناه كراءه و أحسنا صحبته و من أحب أن يفارقنا في بعض الطريق أعطيناه كراء على قدر ما قطع من الطريق فمضى معه قوم و امتنع آخرون.
3- و ألحقه عبد الله بن جعفر رضي الله عنه بابنيه عون و محمد و كتب على أيديهما إليه كتابا يقول فيه أما بعد فإني أسألك بالله لما انصرفت حين تنظر في كتابي فإني مشفق عليك من الوجه الذي توجهت له أن يكون فيه هلاكك و استئصال أهل بيتك إن هلكت اليوم طفئ نور الأرض فإنك الإرشاد علم المهتدين و رجاء المؤمنين فلا تعجل بالمسير فإني في أثر كتابي و السلام.
4-و صار عبد الله بن جعفر إلى عمرو بن سعيد فسأله أن يكتب للحسين أمانا و يمنيه ليرجع عن وجهه فكتب إليه عمرو بن سعيد كتابا يمنيه فيه الصلة و يؤمنه على نفسه و أنفذه مع أخيه يحيى بن سعيد فلحقه يحيى و عبد الله بن جعفر بعد نفوذ ابنيه و دفعا إليه الكتاب و جهدا به في الرجوع فقال إني رأيت رسول الله ص في المنام و أمرني بما أنا ماض له فقالا له فما تلك الرؤيا قال ما حدثت أحدا بها و لا أنا محدث أحدا حتى ألقى ربي جل و عز فلما أيس منه عبد الله بن جعفر أمر ابنيه عونا و محمدا بلزومه و المسير معه و الجهاد دونه و رجع مع يحيى بن سعيد إلى مكة.
5-ثم أقبل الحسين ع من الحاجر يسير نحو الكوفة فانتهى إلى ماء من مياه العرب فإذا عليه عبد الله بن مطيع العدوي و هو نازل به فلما رأى الحسين ع قام إليه فقال بأبي أنت و أمي يا ابن رسول لله ما أقدمك و احتمله و أنزله
فقال له الحسين ع كان من موت معاوية ما قد بلغك فكتب إلى أهل العراق يدعونني إلى أنفسهم فقال له عبد الله بن مطيع أذكرك الله يا ابن رسول الله و حرمة الإسلام أن تنتهك أنشدك الله في حرمة قريش أنشدك الله في حرمة العرب فو الله لئن طلبت ما في أيدي بني أمية ليقتلنك و لئن قتلوك لا يهابوا بعدك أحدا أبدا و الله إنها لحرمة الإسلام تنتهك و حرمة قريش و حرمة العرب فلا تفعل و لا تأت الكوفة و لا تعرض نفسك لبني أمية فأبى الحسين ع إلا أن يمضي.
6-و روى عبد الله بن سليمان و المنذر بن المشمعل الأسديان قالا لما قضينا حجنا لم تكن لنا همة إلا اللحاق بالحسين ع في الطريق لننظر ما يكون من أمره فأقبلنا ترقل نياقنا مسرعين حتى لحقنا بزرود فلما دنونا منه إذا نحن برجل من أهل الكوفة قد عدل عن الطريق حين رأى الحسين ع فوقف الحسين كأنه يريده ثم تركه و مضى و مضينا نحوه فقال أحدنا لصاحبه اذهب بنا إلى هذا لنسأله فإن عنده خبر الكوفة فمضينا حتى انتهينا إليه فقلنا السلام عليك فقال و عليكم السلام قلنا ممن الرجل قال أسدي قلنا و نحن أسديان فمن أنت قال أنا بكر بن فلان و انتسبنا له ثم قلنا له أخبرنا عن الناس وراءك قال نعم لم أخرج من الكوفة حتى قتل مسلم بن عقيل و هانئ بن عروة و رأيتهما يجران بأرجلهما في السوق. فأقبلنا حتى لحقنا الحسين ص فسايرناه حتى نزل الثعلبية ممسيا فجئناه حين نزل فسلمنا عليه فرد علينا السلام فقلنا له رحمك الله إن عندنا خبرا إن شئت حدثناك علانية و إن شئت سرا فنظر إلينا و إلى أصحابه ثم قال ما دون هؤلاء ستر فقلنا له رأيت الراكب الذي استقبلته عشي أمس قال نعم و قد أردت مسألته فقلنا قد و الله استبرأنا لك خبره و كفيناك مسألته و هو امرؤ منا ذو رأي و صدق و عقل و إنه حدثنا أنه لم يخرج من الكوفة حتى قتل مسلم و هانئ و رآهما يجران في السوق بأرجلهما فقال إنا لله و إنا إليه راجعون رحمة الله عليهما يكرر ذلك مرارا فقلنا له ننشدك الله في نفسك و أهل بيتك إلا انصرفت من مكانك هذا فإنه ليس لك بالكوفة ناصر و لا شيعة بل نتخوف أن يكونوا عليك فنظر إلى بني عقيل فقال ما ترون فقد قتل مسلم فقالوا و الله لا نرجع حتى نصيب ثأرنا أو نذوق ما ذاق فأقبل علينا الحسين ع و قال لا خير في العيش بعد هؤلاء فعلمنا أنه قد عزم رأيه على المسير فقلنا له خار الله لك فقال رحمكما الله .
الإرشاد ج : 2 ص : 67-75
وصول الحسين لمشارف الكوفة:
و لما بلغ عبيد الله بن زياد إقبال الحسين ع من مكة إلى الكوفة بعث الحصين بن نمير صاحب شرطه حتى نزل القادسية و نظم الخيل ما بين القادسية إلى خفان و ما بين القادسية إلى القطقطانة و قال الناس هذا الحسين يريد العراق. و لما بلغ الحسين ع الحاجر من بطن الرمة بعث قيس بن مسهر الصيداوي و يقال بل بعث أخاه من الرضاعة عبد الله بن يقطر إلى أهل الكوفة و لم يكن ع علم بخبر مسلم بن عقيل رحمة الله عليهما و كتب معه إليهم
بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن علي إلى إخوانه من المؤمنين و المسلمين سلام عليكم فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فإن كتاب مسلم بن عقيل جاءني يخبر فيه بحسن رأيكم و اجتماع ملئكم على نصرنا و الطلب بحقنا فسألت الله أن يحسن لنا الصنيع و أن يثيبكم على ذلك أعظم الأجر و قد شخصت إليكم من مكة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجة يوم التروية فإذا قدم عليكم رسولي فانكمشوا في أمركم و جدوا فإني قادم عليكم في أيامي هذه و السلام عليكم و رحمة الله
و كان مسلم كتب إليه قبل أن يقتل بسبع و عشرين ليلة و كتب إليه أهل الكوفة أن لك هاهنا مائة ألف سيف فلا تتأخر .
الإرشاد ج : 2 ص : 70-71
وصول خبر خيانة الشيعة للحسين:
فأقبلنا حتى لحقنا الحسين ص فسايرناه حتى نزل الثعلبية ممسيا فجئناه حين نزل فسلمنا عليه فرد علينا السلام فقلنا له رحمك الله إن عندنا خبرا إن شئت حدثناك علانية و إن شئت سرا فنظر إلينا و إلى أصحابه ثم قال ما دون هؤلاء ستر فقلنا له رأيت الراكب الذي استقبلته عشي أمس قال نعم و قد أردت مسألته فقلنا قد و الله استبرأنا لك خبره و كفيناك مسألته و هو امرؤ منا ذو رأي و صدق و عقل و إنه حدثنا أنه لم يخرج من الكوفة حتى قتل مسلم و هانئ و رآهما يجران في السوق بأرجلهما فقال إنا لله و إنا إليه راجعون رحمة الله عليهما يكرر ذلك مرارا فقلنا له ننشدك الله في نفسك و أهل بيتك إلا انصرفت من مكانك هذا فإنه ليس لك بالكوفة ناصر و لا شيعة بل نتخوف أن يكونوا عليك فنظر إلى بني عقيل فقال ما ترون فقد قتل مسلم فقالوا و الله لا نرجع حتى نصيب ثأرنا أو نذوق ما ذاق فأقبل علينا الحسين ع و قال لا خير في العيش بعد هؤلاء فعلمنا أنه قد عزم رأيه على المسير فقلنا له خار الله لك فقال رحمكما الله فقال له أصحابه إنك و الله ما أنت مثل مسلم بن عقيل و لو قدمت الكوفة لكان الناس إليك أسرع فسكت ثم انتظر حتى إذا كان السحر قال لفتيانه و غلمانه أكثروا من الماء فاستقوا و أكثروا ثم ارتحلوا فسار حتى انتهى إلى زبالة فأتاه خبر عبد الله بن يقطر فأخرج إلى الناس كتابا فقرأه عليهم
بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإنه قد أتانا خبر فظيع قتل مسلم بن عقيل و هانئ بن عروة و عبد الله بن يقطر و قد خذلنا شيعتنا فمن أحب منكم الانصراف فلينصرف غير حرج ليس عليه ذمام .
الإرشاد ج : 2 ص : 75
تفرق الناس عن الحسين
فتفرق الناس عنه و أخذوا يمينا و شمالا حتى بقي في أصحابه الذين جاءوا معه من المدينة و نفر يسير ممن انضموا إليه و إنما فعل ذلك لأنه ع علم أن الأعراب الذين اتبعوه إنما اتبعوه و هم يظنون أنه يأتي بلدا قد استقامت له طاعة أهله فكره أن يسيروا معه إلا و هم يعلمون على ما يقدمون. فلما كان السحر أمر أصحابه فاستقوا ماء و أكثروا ثم سار حتى مر ببطن العقبة فنزل عليها فلقيه شيخ من بني عكرمة يقال له عمرو بن لوذان فسأله أين تريد فقال له الحسين ع الكوفة فقال الشيخ أنشدك الله لما انصرفت فو الله ما تقدم إلا على الأسنة و حد السيوف و إن هؤلاء الذين بعثوا إليك لو كانوا كفوك مئونة القتال و وطئوا لك الأشياء فقدمت عليهم كان ذلك رأيا فأما على هذه الحال التي تذكر فإني لا أرى لك أن تفعل فقال له يا عبد الله ليس يخفى علي الرأي و لكن الله تعالى لا يغلب على أمره ثم قال ع و الله لا يدعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي فإذا فعلوا سلط الله عليهم من يذلهم حتى يكونوا أذل فرق الأمم .
الإرشاد ج : 2 ص : 76
اعتراض جيش ابن زياد للحسين وبقية جيشه:
ثم سار الحسين ع من بطن العقبة حتى نزل شراف فلما كان في السحر أمر فتيانه فاستقوا من الماء فأكثروا ثم سار منها حتى انتصف النهار فبينا هو يسير إذ كبر رجل من أصحابه فقال له الحسين ع الله أكبر لم كبرت قال رأيت النخل فقال له جماعة من أصحابه و الله إن هذا المكان ما رأينا به نخلة قط فقال الحسين ع فما ترونه قالوا نراه و الله آذان الخيل قال أنا و الله أرى ذلك ثم قال ع ما لنا ملجأ نلجأ إليه فنجعله في ظهورنا و نستقبل القوم بوجه واحد فقلنا بلى هذا ذو حسمى إلى جنبك تميل إليه عن يسارك فإن سبقت إليه فهو كما تريد. فأخذ إليه ذات اليسار و ملنا معه فما كان بأسرع من أن طلعت علينا هوادي الخيل فتبيناها و عدلنا فلما رأونا عدلنا عن الطريق عدلوا إلينا كان أسنتهم اليعاسيب و كأن راياتهم أجنحة الطير فاستبقنا إلى ذي حسمى فسبقناهم إليه و أمر الحسين ع بأبنيته فضربت. و جاء القوم زهاء ألف فارس مع الحر بن يزيد التميمي حتى وقف هو و خيله مقابل الحسين ع في حر الظهيرة و الحسين و أصحابه معتمون متقلدو أسيافهم .
الإرشاد ج : 2 ص : 77
بداية المفاوضات بين الجيشين:
و كان مجيء الحر بن يزيد من القادسية و كان عبيد الله بن زياد بعث الحصين بن نمير و أمره أن ينزل القادسية و تقدم الحر بين يديه في ألف فارس يستقبل بهم حسينا فلم يزل الحر موافقا للحسين ع حتى حضرت صلاة الظهر و أمر الحسين ع الحجاج بن مسرور أن يؤذن فلما حضرت الإقامة خرج الحسين ع في إزار و رداء و نعلين فحمد الله و أثنى عليه ثم قال:
أيها الناس إني لم آتكم حتى أتتني كتبكم و قدمت على رسلكم أن اقدم علينا فإنه ليس لنا إمام لعل الله أن يجمعنا بك على الهدى و الحق فإن كنتم على ذلك فقد جئتكم فأعطوني ما أطمئن إليه من عهودكم و مواثيقكم و إن لم تفعلوا و كنتم لمقدمي كارهين انصرفت عنكم إلى المكان الذي جئت منه إليكم.
فسكتوا عنه و لم يتكلم أحد منهم بكلمة. فقال للمؤذن أقم فأقام الصلاة فقال للحر أ تريد أن تصلي بأصحابك قال لا بل تصلي أنت و نصلي بصلاتك فصلى بهم الحسين بن علي ع ثم دخل فاجتمع إليه أصحابه و انصرف الحر إلى مكانه الذي كان فيه فدخل خيمة قد ضربت له و اجتمع إليه جماعة من أصحابه و عاد الباقون إلى صفهم الذي كانوا فيه فأعادوه ثم أخذ كل رجل منهم بعنان دابته و جلس في ظلها. فلما كان وقت العصر أمر الحسين بن علي ع أن يتهيئوا للرحيل ففعلوا ثم أمر مناديه فنادى بالعصر و أقام فاستقام الحسين ع فصلى بالقوم ثم سلم و انصرف إليهم بوجهه فحمد الله و أثنى عليه ثم قال:
أما بعد أيها الناس فإنكم إن تتقوا الله و تعرفوا الحق لأهله يكن أرضى لله عنكم و نحن أهل بيت محمد و أولى بولاية هذا الأمر عليكم من هؤلاء المدعين ما ليس لهم و السائرين فيكم بالجور و العدوان 0و إن أبيتم إلا كراهية لنا و الجهل بحقنا و كان رأيكم الآن غير ما أتتني به كتبكم و قدمت به على رسلكم انصرفت عنكم .
فقال له الحر أنا و الله ما أدري ما هذه الكتب و الرسل التي تذكر فقال الحسين ع لبعض أصحابه يا عقبة بن سمعان أخرج الخرجين اللذين فيهما كتبهم إلي فأخرج خرجين مملوءين صحفا فنثرت بين يديه فقال له الحر إنا لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك و قد أمرنا إذا نحن لقيناك إلا نفارقك حتى نقدمك الكوفة على عبيد الله فقال له الحسين ع الموت أدنى إليك من ذلك ثم قال لأصحابه قوموا فاركبوا فركبوا و أنتظر حتى ركب نساؤهم فقال لأصحابه انصرفوا فلما ذهبوا لينصرفوا حال القوم بينهم و بين الانصراف فقال الحسين ع للحر ثكلتك أمك ما تريد فقال له الحر أما لو غيرك من العرب يقولها لي و هو على مثل الحال التي أنت عليها ما تركت ذكر أمه بالثكل كائنا من كان و لكن و الله ما لي إلى ذكر أمك من سبيل إلا بأحسن ما يقدر عليه فقال له الحسين ع فما تريد قال أريد أن انطلق بك إلى الأمير عبيد الله بن زياد قال إذا و الله لا أتبعك قال إذا و الله لا أدعك فترادا القول ثلاث مرات فلما كثر الكلام بينهما قال له الحر إني لم أؤمر بقتالك إنما أمرت ألا أفارقك حتى أقدمك الكوفة فإذا أبيت فخذ طريقا لا يدخلك الكوفة و لا يردك إلى المدينة تكون بيني و بينك نصفا حتى أكتب إلى الأمير و تكتب إلى يزيد أو إلى عبيد الله فلعل الله إلى ذلك أن يأتي بأمر يرزقني فيه العافية من أن أبتلي بشيء من أمرك فخذ هاهنا فتياسر عن طريق العذيب و القادسية فسار الحسين ع و سار الحر في أصحابه يسايره و هو يقول له يا حسين إني أذكرك الله في نفسك فإني أشهد لئن قاتلت لتقتلن
فقال له الحسين ع أ فبالموت تخوفني و هل يعدو بكم الخطب أن تقتلوني و سأقول كما قال أخو الأوس لابن عمه و هو يريد نصرة رسول الله ص فخوفه ابن عمه و قال أين تذهب فإنك مقتول فقال
سأمضي فما بالموت عار على الفتى إذا ما نوى حقا و جاهد مسلما
و آسى الرجال الصالحين بنفسه و فارق مثبورا و باعد مجرما
فإن عشت لم أندم و إن مت لم ألم كفى بك ذلا أن تعيش و ترغما
. فلما سمع ذلك الحر تنحى عنه فكان يسير بأصحابه ناحية و الحسين ع في ناحية أخرى حتى انتهوا إلى عذيب الهجانات.
الإرشاد ج : 2 ص : 79-81
المراسلات بين ابن زياد وقواده في أمر الحسين:
فلما أصبح الحسين ع نزل فصلى الغداة ثم عجل الركوب فأخذ يتياسر بأصحابه يريد أن يفرقهم فيأتيه الحر بن يزيد فيرده و أصحابه فجعل إذا ردهم نحو الكوفة ردا شديدا امتنعوا عليه فارتفعوا فلم يزالوا يتياسرون كذلك حتى انتهوا إلى نينوى المكان الذي نزل به الحسين ع فإذا راكب على نجيب له عليه السلاح متنكب قوسا مقبل من الكوفة فوقفوا جميعا ينتظرونه فلما انتهى إليهم سلم على الحر و أصحابه و لم يسلم على الحسين و أصحابه و دفع إلى الحر كتابا من عبيد الله بن زياد فإذا فيه أما بعد فجعجع بالحسين حين يبلغك كتابي و يقدم عليك رسولي و لا تنزله إلا بالعراء في غير حصن و على غير ماء فقد أمرت رسولي أن يلزمك و لا يفارقك حتى يأتيني بإنفاذك أمري و السلام. فلما قرأ الكتاب قال لهم الحر هذا كتاب الأمير عبيد الله يأمرني أن أجعجع بكم في المكان الذي يأتي كتابه و هذا رسوله و قد أمره ألا يفارقني حتى أنفذ أمره.
و أخذهم الحر بالنزول في ذلك المكان على غير ماء و لا قرية فقال له الحسين ع دعنا ويحك ننزل في هذه القرية أو هذه يعني نينوى و الغاضرية أو هذه يعني شفنة قال لا و الله ما أستطيع ذلك هذا رجل قد بعث إلي عينا علي فقال زهير بن القين إني و الله ما أراه يكون بعد الذي ترون إلا أشد مما ترون يا ابن رسول الله إن قتال هؤلاء الساعة أهون علينا من قتال من يأتينا بعدهم فلعمري ليأتينا بعدهم ما لا قبل لنا به فقال الحسين ع ما كنت لأبدأهم بالقتال ثم نزل و ذلك يوم الخميس و هو اليوم الثاني من المحرم سنة إحدى و ستين.
قدوم عمر بن سعد ومحاولاته للإصلاح:
فلما كان من الغد قدم عليهم عمر بن سعد بن أبي وقاص من الكوفة في أربعة آلاف فارس فنزل بنينوى فبعث إلى الحسين ع عروة بن قيس الأحمسي فقال له ائته فسله ما الذي جاء بك و ما ذا تريد. و كان عروة ممن كتب إلى الحسين ع فاستحيا منه أن يأتيه فعرض ذلك على الرؤساء الذين كاتبوه فكلهم أبى ذلك و كرهه.
فقام إليه كثير بن عبد الله الشعبي و كان فارسا شجاعا لا يرد وجهه شيء فقال أنا أذهب إليه و و الله لئن شئت لأفتكن به فقال له عمر ما أريد أن تفتك به و لكن ائته فسله ما الذي جاء بك. فأقبل كثير إليه فلما رآه أبو ثمامة الصائدي قال للحسين ع أصلحك الله يا أبا عبد الله قد جاءك شر أهل الأرض و أجرؤهم على دم و أفتكهم و قام إليه فقال له ضع سيفك قال لا و لا كرامة إنما أنا رسول فإن سمعتم مني بلغتكم ما أرسلت به إليكم و إن أبيتم انصرفت عنكم قال فإني آخذ بقائم سيفك ثم تكلم بحاجتك قال لا و الله لا تمسه فقال له أخبرني بما جئت به و أنا أبلغه عنك و لا أدعك تدنو منه فإنك فاجر فاستبا و انصرف إلى عمر بن سعد فأخبره الخبر. فدعا عمر قرة بن قيس الحنظلي فقال له ويحك يا قرة الق حسينا فسله ما جاء به و ما ذا يريد فأتاه قرة فلما رآه الحسين ع مقبلا قال أ تعرفون هذا فقال له حبيب بن مظاهر نعم هذا رجل من حنظلة تميم و هو ابن أختنا و قد كنت أعرفه بحسن الرأي و ما كنت أراه يشهد هذا المشهد فجاء حتى سلم على الحسين ع و أبلغه رسالة عمر بن سعد إليه فقال له الحسين كتب إلي أهل مصركم هذا أن أقدم فأما إذ كرهتموني فأنا أنصرف عنكم ثم قال حبيب بن مظاهر ويحك يا قرة أين ترجع إلى القوم الظالمين انصر هذا الرجل الذي بآبائه أيدك الله بالكرامة فقال له قرة أرجع إلى صاحبي بجواب رسالته و أرى رأيي قال فانصرف إلى عمر بن سعد فأخبره الخبر فقال عمر أرجو أن يعافيني الله من حربه و قتاله .
و كتب إلى عبيد الله بن زياد
بسم الله الرحمن الرحيم
أما بعد فإني حين نزلت بالحسين بعثت إليه رسلي فسألته عما أقدمه و ما ذا يطلب فقال كتب إلي أهل هذه البلاد و أتتني رسلهم يسألونني القدوم ففعلت فأما إذ كرهوني و بدا لهم غير ما أتتني به رسلهم فأنا منصرف عنهم.
قال حسان بن قائد العبسي و كنت عند عبيد الله حين أتاه هذا الكتاب فلما قرأه قال
الآن إذ علقت مخالبنا به يرجو النجاة و لات حين مناص
و كتب إلى عمر بن سعد أما بعد فقد بلغني كتابك و فهمت ما ذكرت فاعرض على الحسين أن يبايع ليزيد هو و جميع أصحابه فإذا فعل هو ذلك رأينا رأينا و السلام.
فلما ورد الجواب على عمر بن سعد قال قد خشيت أن لا يقبل ابن زياد العافية.
و لما رأى الحسين نزول العساكر مع عمر بن سعد بنينوى و مددهم لقتاله أنفذ إلى عمر بن سعد أني أريد أن ألقاك فاجتمعا ليلا فتناجيا طويلا ثم رجع عمر بن سعد إلى مكانه و كتب إلى عبيد الله بن زياد. أما بعد فإن الله قد أطفأ النائرة و جمع الكلمة و أصلح أمر الأمة هذا حسين قد أعطاني عهدا أن يرجع إلى المكان الذي أتى منه أو أن يسير إلى ثغر من الثغور فيكون رجلا من المسلمين له ما لهم و عليه ما عليهم أو أن يأتي أمير المؤمنين يزيد فيضع يده في يده فيرى فيما بينه و بينه رأيه و في هذا لكم رضى و للأمة صلاح.
الإرشاد ج : 2 ص : 85-87
شمر بن ذي الجوشن وبداية المأساة:
فلما قرأ عبيد الله الكتاب قال هذا كتاب ناصح مشفق على قومه.
فقام إليه شمر بن ذي الجوشن فقال :أ تقبل هذا منه و قد نزل بأرضك و إلى جنبك و الله لئن رحل من بلادك و لم يضع يده في يدك ليكونن أولى بالقوة و لتكونن أولى بالضعف و العجز فلا تعطه هذه المنزلة فإنها من الوهن و لكن لينزل على حكمك هو و أصحابه فإن عاقبت فأنت أولى بالعقوبة و إن عفوت كان ذلك لك.
قال له ابن زياد نعم ما رأيت الرأي رأيك أخرج بهذا الكتاب إلى عمر بن سعد فليعرض على الحسين و أصحابه النزول على حكمي فإن فعلوا فليبعث بهم إلي سلما و إن هم أبوا فليقاتلهم فإن فعل فاسمع له و أطع و إن أبى أن يقاتلهم فأنت أمير الجيش و اضرب عنقه و ابعث إلي برأسه.
و كتب إلى عمر بن سعد أني لم أبعثك إلى الحسين لتكف عنه و لا لتطاوله و لا لتمنيه السلامة و البقاء و لا لتعتذر له و لا لتكون له عندي شافعا انظر فإن نزل حسين و أصحابه على حكمي و استسلموا فابعث بهم إلي سلما و إن أبوا فازحف إليهم حتى تقتلهم و تمثل بهم فإنهم لذلك مستحقون و إن قتل الحسين فأوطئ الخيل صدره و ظهره فإنه عات ظلوم و ليس أرى أن هذا يضر بعد الموت شيئا و لكن علي قول قد قلته لو قتلته لفعلت هذا به فإن أنت مضيت لأمرنا فيه جزيناك جزاء السامع المطيع و إن أبيت فاعتزل عملنا و جندنا و خل بين شمر بن ذي الجوشن و بين العسكر فإنا قد أمرناه بأمرنا و السلام.
فأقبل شمر بكتاب عبيد الله إلى عمر بن سعد فلما قدم عليه و قرأه قال له عمر ما لك ويلك لا قرب الله دارك قبح الله ما قدمت به على و الله إني لأظنك أنك نهيته أن يقبل ما كتبت به إليه و أفسدت علينا أمرنا قد كنا رجونا أن يصلح لا يستسلم و الله حسين إن نفس أبيه لبين جنبيه
فقال له شمر أخبرني ما أنت صانع أ تمضي لأمر أميرك و تقاتل عدوه و إلا فخل بيني و بين الجند و العسكر .
قال لا لا و الله و لا كرامة لك و لكن أنا أتولى ذلك فدونك فكن أنت على الرجالة
و نهض عمر بن سعد إلى الحسين عشية الخميس لتسع مضين من المحرم. و جاء شمر حتى وقف على أصحاب الحسين ع فقال أين بنو أختنا فخرج إليه العباس و جعفر و عثمان بنو علي بن أبي طالب ع فقالوا ما تريد فقال أنتم يا بني أختي آمنون.
فقالت له الفتية لعنك الله و لعن أمانك أ تؤمننا و ابن رسول الله لا أمان له.
ثم نادى عمر بن سعد يا خيل الله اركبي و أبشري فركب الناس ثم زحف نحوهم بعد العصر و حسين ع جالس أمام بيته محتب بسيفه إذ خفق برأسه على ركبتيه و سمعت أخته الصيحة فدنت من أخيها فقالت يا أخي أ ما تسمع الأصوات قد اقتربت فرفع الحسين ع رأسه فقال إني رأيت رسول الله ص الساعة في المنام فقال لي إنك تروح إلينا فلطمت أخته وجهها و نادت بالويل فقال لها ليس لك الويل يا أخية اسكتي رحمك الله و قال له العباس بن علي رحمة الله عليه يا أخي أتاك القوم فنهض ثم قال يا عباس اركب بنفسي أنت يا أخي حتى تلقاهم و تقول لهم ما لكم و ما بدا لكم و تسألهم عما جاء بهم. فأتاهم العباس في نحو من عشرين فارسا فيهم زهير بن القين و حبيب بن مظاهر فقال لهم العباس ما بدا لكم و ما تريدون قالوا جاء أمر الأمير أن نعرض عليكم أن تنزلوا على حكمه أو نناجزكم قال فلا تعجلوا حتى أرجع إلى أبي عبد الله فأعرض عليه ما ذكرتم فوقفوا و قالوا ألقه فأعلمه ثم القنا بما يقول لك فانصرف العباس راجعا يركض إلى الحسين ع يخبره الخبر و وقف أصحابه يخاطبون القوم و يعظونهم و يكفونهم عن قتال الحسين. فجاء العباس إلى الحسين ع فأخبره بما قال القوم فقال ارجع إليهم فإن استطعت أن تؤخرهم إلى الغدوة و تدفعهم عنا العشية لعلنا نصلي لربنا الليلة و ندعوه و نستغفره فهو يعلم أني قد أحب الصلاة له و تلاوة كتابه و الدعاء و الاستغفار.
الإرشاد ج : 2 ص 89-91
تأجيل القتال ليوم العاشر من محرم:
فمضى العباس إلى القوم و رجع من عندهم و معه رسول من قبل عمر بن سعد يقول إنا قد أجلناكم إلى غد فإن استسلمتم سرحناكم إلى أميرنا عبيد الله بن زياد و إن أبيتم فلسنا تاركيكم و انصرف.
فجمع الحسين ع أصحابه عند قرب المساء وقال:
أما بعد فإني لا أعلم أصحابا أوفى و لا خيرا من أصحابي و لا أهل بيت أبر و لا أوصل من أهل بيتي فجزاكم الله عني خيرا ألا و إني لأظن أنه آخر يوم لنا من هؤلاء ألا و إني قد أذنت لكم فانطلقوا جميعا في حل ليس عليكم مني ذمام هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا
فقال له إخوته و أبناؤه و بنو أخيه و ابنا عبد الله بن جعفر لم نفعل ذلك لنبقى بعدك لا أرانا الله ذلك أبدا بدأهم بهذا القول العباس بن علي رضوان الله عليه و اتبعته الجماعة عليه فتكلموا بمثله و نحوه
فقال الحسين ع يا بني عقيل حسبكم من القتل بمسلم فاذهبوا أنتم فقد أذنت لكم قالوا سبحان الله فما يقول الناس يقولون إنا تركنا شيخنا و سيدنا و بني عمومتنا خير الأعمام و لم نرم معهم بسهم و لم نطعن معهم برمح و لم نضرب معهم بسيف و لا ندري ما صنعوا لا و الله ما نفعل ذلك و لكن تفديك أنفسنا و أموالنا و أهلونا و نقاتل معك حتى نرد موردك فقبح الله العيش بعدك.
الإرشاد ج : 2 ص91 : 92
وصية الحسين لاخته زينب:
و قال لها يا أختاه اتقي الله و تعزى بعزاء الله و اعلمي أن أهل الأرض يموتون و أهل السماء لا يبقون و أن كل شيء هالك إلا وجه الله الذي خلق الخلق بقدرته و يبعث الخلق و يعودون و هو فرد وحده أبي خير مني و أمي خير مني و أخي خير مني و لي و لكل مسلم برسول الله ص أسوة فعزاها بهذا و نحوه و قال لها يا أخية إني أقسمت فأبري قسمي لا تشقي علي جيبا و لا تخمشي علي وجها و لا تدعي علي بالويل و الثبور إذا أنا هلكت ثم جاء بها حتى أجلسها.
الإرشاد ج : 2 ص : 94
الاستعداد للمعركة الفاصلة:
و أصبح الحسين بن علي ع فعبا أصحابه بعد صلاة الغداة و كان معه اثنان و ثلاثون فارسا و أربعون راجلا فجعل زهير بن القين في ميمنة أصحابه و حبيب بن مظاهر في ميسرة أصحابه و أعطى رايته العباس أخاه و جعلوا البيوت في ظهورهم و أمر بحطب و قصب كان من وراء البيوت أن يترك في خندق كان قد حفر هناك و أن يحرق بالنار مخافة أن يأتوهم من ورائهم. و أصبح عمر بن سعد في ذلك اليوم و هو يوم الجمعة و قيل يوم السبت فعبأ أصحابه و خرج فيمن معه من الناس نحو الحسين ع و كان على ميمنته عمرو بن الحجاج و على ميسرته شمر بن ذي الجوشن و على الخيل عروة بن قيس و على الرجالة شبث بن ربعي و أعطى الراية دريدا مولاه.
الإرشاد ج : 2 ص : 95
الحسين يخاطب أهل الكوفة:
ثم دعا الحسين ع براحلته فركبها و نادى بأعلى صوته
يا أهل العراق و جلهم يسمعون فقال أيها الناس اسمعوا قولي و لا تعجلوا حتى أعظكم بما يحق لكم علي و حتى أعذر إليكم فإن أعطيتموني النصف كنتم بذلك أسعد و إن لم تعطوني النصف من أنفسكم فاجمعوا رأيكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا إلي و لا تنظرون إن وليي الله الذي نزل الكتاب و هو يتولى الصالحين ثم حمد الله و أثنى عليه و ذكر الله بما هو أهله و صلى على النبي ص و على ملائكة الله و أنبيائه فلم يسمع متكلم قط قبله و لا بعده أبلغ في منطق منه ثم قال أما بعد فانسبوني فانظروا من أنا ثم ارجعوا إلى أنفسكم و عاتبوها فانظروا هل يصلح لكم قتلي و انتهاك حرمتي أ لست ابن بنت نبيكم و ابن وصيه و ابن عمه و أول المؤمنين المصدق لرسول الله بما جاء به من عند ربه أ و ليس حمزة سيد الشهداء عمي أ و ليس جعفر الطيار في الجنة بجناحين عمي أ و لم يبلغكم ما قال رسول الله لي و لأخي هذان سيدا شباب أهل الجنة فإن صدقتموني بما أقول و هو الحق و الله ما تعمدت كذبا منذ علمت أن الله يمقت عليه أهله و إن كذبتموني فإن فيكم من لو سألتموه عن ذلك أخبركم سلوا جابر بن عبد الله الأنصاري و أبا سعيد الخدري و سهل بن سعد الساعدي و زيد بن أرقم و أنس بن مالك يخبروكم أنهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله ص لي و لأخي أما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي فقال له شمر بن ذي الجوشن هو يعبد الله على حرف إن كان يدري ما تقول فقال له حبيب بن مظاهر و الله إني لأراك تعبد الله على سبعين حرفا و أنا أشهد أنك صادق ما تدري ما يقول قد طبع الله على قلبك
ثم قال لهم الحسين ع فإن كنتم في شك من هذا أ فتشكون أني ابن بنت نبيكم فو الله ما بين المشرق و المغرب ابن بنت نبي غيري فيكم و لا في غيركم ويحكم أ تطلبوني بقتيل منكم قتلته أو مال لكم استهلكته أو بقصاص جراحة فأخذوا لا يكلمونه فنادى يا شبث بن ربعي يا حجار بن أبجر يا قيس بن الأشعث يا يزيد بن الحارث أ لم تكتبوا إلى أن قد أينعت الثمار و أخضر الجناب و إنما تقدم على جند لك مجند فقال له قيس بن الأشعث ما ندري ما تقول و لكن انزل على حكم بني عمك فإنهم لم يروك إلا ما تحب فقال له الحسين لا و الله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل و لا أفر فرار العبيد ثم نادى يا عباد الله إني عذت بربي و ربكم أن ترجمون أعوذ بربي و ربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب.
الإرشاد ج : 2 ص :97- -98
انضمام الحر بن يزيد للحسين:
فلما رأى الحر بن يزيد أن القوم قد صمموا على قتال الحسين ع قال لعمر بن سعد أي عمر أ مقاتل أنت هذا الرجل قال إي و الله قتالا أيسره أن تسقط الرءوس و تطيح الأيدي قال أ فما لكم فيما عرضه عليكم رضى قال عمر أما لو كان الأمر إلي لفعلت و لكن أميرك قد أبى. فأقبل الحر حتى وقف من الناس موقفا و معه رجل من قومه يقال له قرة بن قيس فقال له يا قرة هل سقيت فرسك اليوم قال لا قال فما تريد أن تسقيه قال قرة فظننت و الله أنه يريد أن يتنحى فلا يشهد القتال و يكره أن أراه حين يصنع ذلك فقلت له لم أسقه و أنا منطلق فأسقيه فاعتزل ذلك المكان الذي كان فيه فو الله لو أنه أطلعني على الذي يريد لخرجت معه إلى الحسين بن علي ع فأخذ يدنو من الحسين قليلا قليلا فقال له المهاجر بن أوس ما تريد يا ابن يزيد أ تريد أن تحمل فلم يجبه و أخذه مثل الأفكل و هي الرعدة فقال له المهاجر إن أمرك لمريب و الله ما رأيت منك في موقف قط مثل هذا و لو قيل لي من أشجع أهل الكوفة ما عدوتك فما هذا الذي أرى منك فقال له الحر إني و الله أخير نفسي بين الجنة و النار فو الله لا أختار على الجنة شيئا و لو قطعت و حرقت. ثم ضرب فرسه فلحق بالحسين ع فقال له جعلت فداك يا ابن رسول الله أنا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع و سايرتك في الطريق و جعجعت بك في هذا المكان و ما ظننت أن القوم يردون عليك ما عرضته عليهم و لا يبلغون منك هذه المنزلة و الله لو علمت أنهم ينتهون بك إلى ما أرى ما ركبت منك الذي ركبت و إني تائب إلى الله تعالى مما صنعت فترى لي من ذلك توبة فقال له الحسين ع نعم يتوب الله عليك .
الإرشاد ج : 2 ص :99- 100
بداية المعركة:
. و نادى عمر بن سعد يا ذويد ادن رأيتك فأدناها ثم وضع سهمه في كبد قوسه ثم رمى و قال اشهدوا أني أول من رمى ثم ارتمى الناس و تبارزوا .
فصاح عمرو بن الحجاج بالناس يا حمقى أ تدرون من تقاتلون تقاتلون فرسان أهل المصر و تقاتلون قوما مستميتين لا يبرز إليهم منكم أحد فإنهم قليل و قل ما يبقون و الله لو لم ترموهم إلا بالحجارة لقتلتموهم فقال عمر بن سعد صدقت الرأي ما رأيت فأرسل في الناس من يعزم عليهم ألا يبارز رجل منكم رجلا منهم. ثم حمل عمرو بن الحجاج في أصحابه على الحسين ع من نحو الفرات فاضطربوا ساعة فصرع مسلم بن عوسجة الأسدي رحمة الله عليه و انصرف عمرو و أصحابه و انقطعت الغبرة فوجدوا مسلما صريعا فمشى إليه الحسين ع فإذا به رمق فقال رحمك الله يا مسلم منهم من قضى نحبه و منهم من ينتظر و ما بدلوا تبديلا و دنا منه حبيب بن مظاهر فقال عز علي مصرعك يا مسلم أبشر بالجنة فقال مسلم قولا ضعيفا بشرك الله بخير فقال له حبيب لو لا أني أعلم أني في أثرك من ساعتي هذه لأحببت أن توصيني بكل ما أهمك. ثم تراجع القوم إلى الحسين ع فحمل شمر بن ذي الجوشن لعنه الله على أهل الميسرة فثبتوا له فطاعنوه و حمل على الحسين و أصحابه من كل جانب و قاتلهم أصحاب الحسين قتالا شديدا فأخذت خيلهم تحمل و إنما هي اثنان و ثلاثون فارسا فلا تحمل على جانب من خيل الكوفة إلا كشفته. فلما رأى ذلك عروة بن قيس و هو على خيل أهل الكوفة بعث إلى عمر بن سعد أ ما ترى ما تلقى خيلي منذ اليوم من هذه العدة اليسيرة ابعث إليهم الرجال و الرماة فبعث عليهم بالرماة فعقر بالحر بن يزيد فرسه فنزل عنه و جعل يقول
إن تعقروا بي فأنا ابن الحر أشجع من ذي لبد هزبر
و يضربهم بسيفه و تكاثروا عليه فاشترك في قتله أيوب بن مسرح و رجل آخر من فرسان أهل الكوفة و قاتل أصحاب الحسين بن علي ع القوم أشد قتال حتى انتصف النهار فلما رأى الحصين بن نمير و كان على الرماة صبر أصحاب الحسين ع تقدم إلى أصحابه و كانوا خمس مائة نابل أن يرشقوا أصحاب الحسين ع بالنبل فرشقوهم فلم يلبثوا أن عقروا خيولهم و جرحوا الرجال و أرجلوهم و اشتد القتال بينهم ساعة و جاءهم شمر بن ذي الجوشن في أصحابه فحمل عليهم زهير بن القين رحمه الله في عشرة رجال من أصحاب الحسين فكشفهم عن البيوت و عطف عليهم شمر بن ذي الجوشن فقتل من القوم و رد الباقين إلى مواضعهم و أنشأ زهير بن القين يقول مخاطبا للحسين ع اليوم نلقى جدك النبيا و حسنا و المرتضى علياو ذا الجناحين الفتى الكميا
و كان القتل يبين في أصحاب الحسين ع لقلة عددهم و لا يبين في أصحاب عمر بن سعد لكثرتهم و اشتد القتال و التحم و كثر القتل و الجراح في أصحاب أبي عبد الله الحسين ع إلى أن زالت الشمس فصلى الحسين بأصحابه صلاة الخوف. و تقدم حنظلة بن سعد الشبامي بين يدي الحسين ع فنادى أهل الكوفة يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب يا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد يا قوم لا تقتلوا حسينا فيسحتكم الله بعذاب و قد خاب من افترى ثم تقدم فقاتل حتى قتل رحمه الله.
الإرشاد ج : 2 ص :103- 105
اشتداد المعركة وقرب النهاية:
ثم رمى رجل من أصحاب عمر بن سعد يقال له عمرو بن صبيح عبد الله بن مسلم بن عقيل رحمه الله بسهم فوضع عبد الله يده على جبهته يتقيه فأصاب السهم كفه و نفذ إلى جبهته فسمرها به فلم يستطع تحريكها ثم انتحى عليه آخر برمحه فطعنه في قلبه فقتله. و حمل عبد الله بن قطبة الطائي على عون بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه فقتله. و حمل عامر بن نهشل التيمي على محمد بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه فقتله. و شد عثمان بن خالد الهمداني على عبد الرحمن بن عقيل بن أبي طالب رضي الله عنه فقتله.
ثم جلس الحسين ع أمام الفسطاط فأتي بابنه عبد الله بن الحسين و هو طفل فأجلسه في حجره فرماه رجل من بني أسد بسهم فذبحه فتلقى الحسين ع دمه فلما ملأ كفه صبه في الأرض ثم قال رب إن تكن حبست عنا النصر من السماء فاجعل ذلك لما هو خير و انتقم لنا من هؤلاء القوم الظالمين
ثم حمله حتى وضعه مع قتلى أهله. و رمى عبد الله بن عقبة الغنوي أبا بكر بن الحسن بن علي بن أبي طالب ع فقتله. فلما رأى العباس بن علي رحمة الله عليه كثرة القتلى في أهله قال لإخوته من أمه و هم عبد الله و جعفر و عثمان يا بني أمي تقدموا حتى أراكم قد نصحتم لله و لرسوله فإنه لا ولد لكم فتقدم عبد الله فقاتل قتالا شديدا فاختلف هو و هانئ بن ثبيت الحضرمي ضربتين فقتله هانئ لعنه الله و تقدم بعده جعفر بن علي رحمه الله فقتله أيضا هانئ و تعمد خولي بن يزيد الأصبحي عثمان بن علي رضي الله عنه و قد قام مقام إخوته فرماه بسهم فصرعه و شد عليه رجل من بني دارم فاحتز رأسه. و حملت الجماعة على الحسين ع فغلبوه على عسكره و اشتد به العطش فركب المسناة يريد الفرات و بين يديه العباس أخوه فاعترضته خيل ابن سعد و فيهم رجل من بني دارم فقال لهم ويلكم حولوا بينه و بين الفرات و لا تمكنوه من الماء فقال الحسين ع اللهم أظمئه فغضب الدارمي و رماه بسهم فأثبته في حنكه فانتزع الحسين ع السهم و بسط يده تحت حنكه فامتلأت راحتاه بالدم فرمى به ثم قال اللهم إني أشكو إليك ما يفعل بابن بنت نبيك ثم رجع إلى مكانه و قد اشتد به العطش و أحاط القوم بالعباس فاقتطعوه عنه فجعل يقاتلهم وحده حتى قتل رضوان الله عليه و كان المتولي لقتله زيد بن ورقاء الحنفي و حكيم بن الطفيل السنبسي بعد أن أثخن بالجراح فلم يستطع حراكا. و لما رجع الحسين ع من المسناة إلى فسطاطه تقدم إليه شمر بن ذي الجوشن في جماعة من أصحابه فأحاط به فأسرع منهم رجل يقال له مالك بن النسر الكندي فشتم الحسين و ضربه على رأسه بالسيف و كان عليه قلنسوة فقطعها حتى وصل إلى رأسه فأدماه فامتلأت القلنسوة دما فقال له الحسين لا أكلت بيمينك و لا شربت بها و حشرك الله مع الظالمين ثم ألقى القلنسوة و دعا بخرقة فشد بها رأسه و استدعى قلنسوة أخرى فلبسها و اعتم عليها و رجع عنه شمر بن ذي الجوشن و من كان معه إلى مواضعهم فمكث هنيهة ثم عاد و عادوا إليه و أحاطوا به. فخرج إليهم عبد الله بن الحسن بن علي ع و هو غلام لم يراهق من عند النساء يشتد حتى وقف إلى جنب الحسين فلحقته زينب بنت علي ع لتحبسه فقال لها الحسين احبسيه يا أختي فأبى و امتنع عليها امتناعا شديدا و قال و الله لا أفارق عمي و أهوى أبجر بن كعب إلى الحسين ع بالسيف فقال له الغلام ويلك يا ابن الخبيثة أ تقتل عمي فضربه أبجر بالسيف فاتقاها الغلام بيده فأطنها إلى الجلدة فإذا يده معلقة و نادى الغلام يا أمتاه فأخذه الحسين ع فضمه إليه و قال يا ابن أخي اصبر على ما نزل بك و احتسب في ذلك الخير فإن الله يلحقك بآبائك الصالحين.
ثم رفع الحسين ع يده و قال اللهم إن متعتهم إلى حين ففرقهم فرقا و اجعلهم طرائق قددا و لا ترض الولاة عنهم أبدا فإنهم دعونا لينصرونا ثم عدوا علينا فقتلونا
و حملت الرجالة يمينا و شمالا على من كان بقي مع الحسين فقتلوهم حتى لم يبق معه إلا ثلاثة نفر أو أربعة فلما رأى ذلك الحسين دعا بسراويل يمانية يلمع فيها البصر ففزرها ثم لبسها و إنما فزرها لكيلا يسلبها بعد قتله. فلما قتل عمد أبجر بن كعب إليه فسلبه السراويل و تركه مجردا فكانت يدا أبجر بن كعب بعد ذلك تيبسان في الصيف حتى كأنهما عودان و تترطبان في الشتاء فتنضحان دما و قيحا إلى أن أهلكه الله. فلما لم يبق مع الحسين ع أحد إلا ثلاثة رهط من أهله أقبل على القوم يدفعهم عن نفسه و الثلاثة يحمونه حتى قتل الثلاثة و بقي وحده و قد أثخن بالجراح في رأسه و بدنه فجعل يضاربهم بسيفه و هم يتفرقون عنه يمينا و شمالا.
الإرشاد ج : 2 ص :109- 111
استشهاد الحسين رضوان الله عليه:
. فقال حميد بن مسلم فو الله ما رأيت مكثورا قط قد قتل ولده و أهل بيته و أصحابه أربط جأشا و لا أمضى جنانا منه ع إن كانت الرجالة لتشد عليه فيشد عليها بسيفه فتنكشف عن يمينه و شماله انكشاف المعزى إذا شد فيها الذئب. فلما رأى ذلك شمر بن ذي الجوشن استدعى الفرسان فصاروا في ظهور الرجالة و أمر الرماة أن يرموه فرشقوه بالسهام حتى صار كالقنفذ فأحجم عنهم فوقفوا بإزائه و خرجت أخته زينب إلى باب الفسطاط فنادت عمر بن سعد بن أبي وقاص ويحك يا عمر أ يقتل أبو عبد الله و أنت تنظر إليه فلم يجبها عمر بشيء فنادت ويحكم أ ما فيكم مسلم فلم يجبها أحد بشيء و نادى شمر بن ذي الجوشن الفرسان و الرجالة فقال ويحكم ما تنتظرون بالرجل ثكلتكم أمهاتكم فحمل عليه من كل جانب فضربه ذرعة بن شريك على كفه اليسرى فقطعها و ضربه آخر منهم على عاتقه فكبا منها لوجهه و طعنه سنان بن أنس بالرمح فصرعه و بدر إليه خولي بن يزيد الأصبحي لعنه الله فنزل ليحتز رأسه فأرعد فقال له شمر فت الله في عضدك ما لك ترعد. و نزل شمر إليه فذبحه ثم دفع رأسه إلى خولي بن يزيد فقال احمله إلى الأمير عمر بن سعد ثم أقبلوا على سلب الحسين ع فأخذ قميصه إسحاق بن حيوة الحضرمي و أخذ سراويله أبجر بن كعب و أخذ عمامته أخنس بن مرثد و أخذ سيفه رجل من بني دارم و انتهبوا رحله و إبله و أثقاله و سلبوا نساءه. قال حميد بن مسلم فو الله لقد كنت أرى المرأة من نسائه و بناته و أهله تنازع ثوبها عن ظهرها حتى تغلب عليه فيذهب به منها ثم انتهينا إلى علي بن الحسين ع و هو منبسط على فراش و هو شديد المرض و مع شمر جماعة من الرجالة فقالوا له أ لا نقتل هذا العليل فقلت سبحان الله أ يقتل الصبيان إنما هو صبي و إنه لما به فلم أزل حتى رددتهم عنه.
الإرشاد ج : 2 ص : 112-113
عمر بن سعد ونهاية المعركة:
و جاء عمر بن سعد فصاح النساء في وجهه و بكين فقال لأصحابه لا يدخل أحد منكم بيوت هؤلاء النسوة و لا تعرضوا لهذا الغلام المريض و سألته النسوة ليسترجع ما أخذ منهن ليتسترن به فقال من أخذ من متاعهن شيئا فليرده عليهن فو الله ما رد أحد منهم شيئا فوكل بالفسطاط و بيوت النساء و علي بن الحسين جماعة ممن كانوا معه و قال احفظوهم لئلا يخرج منهم أحد و لا تسيئن إليهم. ثم عاد إلى مضربه و نادى في أصحابه من ينتدب للحسين فيوطئه فرسه فانتدب عشرة منهم إسحاق بن حيوة و أخنس بن مرثد فداسوا الحسين ع بخيولهم حتى رضوا ظهره و سرح عمر بن سعد من يومه ذلك و هو يوم عاشوراء برأس الحسين ع مع خولي بن يزيد الأصبحي و حميد بن مسلم الأزدي إلى عبيد الله بن زياد و أمر برءوس الباقين من أصحابه و أهل بيته فنظفت و كانت اثنين و سبعين رأسا و سرح بها مع شمر بن ذي الجوشن و قيس بن الأشعث و عمرو بن الحجاج فأقبلوا حتى قدموا بها على ابن زياد. و أقام بقية يومه و اليوم الثاني إلى زوال الشمس ثم نادى في الناس بالرحيل و توجه إلى الكوفة و معه بنات الحسين و أخواته و من كان معه من النساء و الصبيان و علي بن الحسين فيهم و هو مريض بالذرب و قد أشفى.
الإرشاد ج : 2 ص :113- 114
وصول رأس الحسين لابن زياد:
جلس ابن زياد للناس في قصر الإمارة و أذن للناس إذنا عاما و أمر بإحضار الرأس فوضع بين يديه و جعل ينظر إليه و يتبسم و في يده قضيب يضرب به ثناياه و كان إلى جانبه زيد بن أرقم صاحب رسول الله ص و هو شيخ كبير فلما رآه يضرب بالقضيب ثناياه قال له ارفع قضيبك عن هاتين الشفتين فو الله الذي لا إله غيره لقد رأيت شفتي رسول الله ص عليهما ما لا أحصيه كثرة تقبلهما ثم انتحب باكيا فقال له ابن زياد أبكى الله عي************ أ تبكي لفتح الله و الله لو لا أنك شيخ قد خرفت و ذهب عقلك لضربت عنقك فنهض زيد بن أرقم من بين يديه و صار إلى منزله.
الإرشاد ج : 2 ص :114- 115
وصول خبر مقتل الحسين ليزيد:
فروى عبد الله بن ربيعة الحميري فقال إني لعند يزيد بن معاوية بدمشق إذ أقبل زحر بن قيس حتى دخل عليه فقال له يزيد ويلك ما وراءك و ما عندك فقال أبشر يا أمير المؤمنين بفتح الله و نصره ورد علينا الحسين بن علي في ثمانية عشر من أهل بيته و ستين من شيعته فسرنا إليهم فسألناهم أن يستسلموا أو ينزلوا على حكم الأمير عبيد الله بن زياد أو القتال فاختاروا القتال على الاستسلام فغدونا عليهم مع شروق الشمس فأحطنا بهم من كل ناحية حتى إذا أخذت السيوف مأخذها من هام القوم جعلوا يهربون إلى غير وزر و يلوذون منا بالآكام و الحفر لواذا كما لاذ الحمائم من صقر فو الله يا أمير المؤمنين ما كانوا إلا جزر جزور أو نومة قائل حتى أتينا على آخرهم فهاتيك أجسادهم مجردة و ثيابهم مرملة و خدودهم معفرة تصهرهم الشمس و تسفي عليهم الرياح زوارهم العقبان و الرخم فأطرق يزيد هنيهة ثم رفع رأسه فقال قد كنت أرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين أما لو أني صاحبه لعفوت عنه.
الإرشاد ج : 2 ص :118- 119
ارسال النساء و الرؤوس ليزيد:
و لما أصبح عبيد الله بن زياد بعث برأس الحسين ع فدير به في سكك الكوفة كلها و قبائلها.
و لما فرغ القوم من التطواف به بالكوفة ردوه إلى باب القصر فدفعه ابن زياد إلى زحر بن قيس و دفع إليه رءوس أصحابه و سرحه إلى يزيد بن معاوية.
ثم إن عبيد الله بن زياد بعد إنفاذه برأس الحسين ع أمر بنسائه و صبيانه فجهزوا و أمر بعلي بن الحسين فغل بغل إلى عنقه ثم سرح بهم في أثر الرأس مع مجفر بن ثعلبة العائذي و شمر بن ذي الجوشن فانطلقوا بهم حتى لحقوا بالقوم الذين معهم الرأس.
الإرشاد ج : 2 ص :117-119
موقف يزيد من قتل الحسين:
1-و لما وضعت الرءوس بين يدي يزيد و فيها رأس الحسين ع قال يزيد
نفلق هاما من رجال أعزة علينا …..و هم كانوا أعق و أظلما
فقال يحيى بن الحكم أخو مروان بن الحكم و كان جالسا مع يزيد
لهام بأدنى الطف أدنى قرابة …..من ابن زياد العبد ذي الحسب الرذل
أمية أمسى نسلها عدد الحصى ……و بنت رسول الله ليس لها نسل
فضرب يزيد في صدر يحيى بن الحكم و قال اسكت ثم قال لعلي بن الحسين يا ابن حسين أبوك قطع رحمي و جهل حقي و نازعني سلطاني فصنع الله به ما قد رأيت.
فقال علي بن الحسين ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ. فقال يزيد لابنه خالد اردد عليه فلم يدر خالد ما يرد عليه. فقال له يزيد قل ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَ يَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ. ثم دعا بالنساء و الصبيان فأجلسوا بين يديه فرأى هيئة قبيحة فقال قبح الله ابن مرجانة لو كانت بينكم و بينه قرابة رحم ما فعل هذا بكم و لا بعث بكم على هذه الصورة.
الإرشاد ج : 2 ص :119- 120
2-فأطرق يزيد هنيهة ثم رفع رأسه فقال قد كنت أرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين أما لو أني صاحبه لعفوت عنه.
الإرشاد ج : 2 ص :119
3-لما أراد يزيد أن يجهزهم دعا علي بن الحسين ع فاستخلاه ثم قال له لعن الله ابن مرجانة أم و الله لو أني صاحب أبيك ما سألني خصلة أبدا إلا أعطيته إياها و لدفعت الحتف عنه بكل ما استطعت و لكن الله قضى ما رأيت كاتبني من المدينة و أنه كل حاجة تكون لك.
الإرشاد ج : 2 ص : 122
عودة النساء و زين العابدين للمدينة:
ثم أمر بالنسوة أن ينزلن في دار على حدة معهن أخوهن علي بن الحسين ع فأفرد لهم دار تتصل بدار يزيد فأقاموا أياما ثم ندب يزيد النعمان بن بشير و قال له تجهز لتخرج بهؤلاء النسوان إلى المدينة و لما أراد أن يجهزهم دعا علي بن الحسين ع فاستخلاه ثم قال له لعن الله ابن مرجانة أم و الله لو أني صاحب أبيك ما سألني خصلة أبدا إلا أعطيته إياها و لدفعت الحتف عنه بكل ما استطعت و لكن الله قضى ما رأيت كاتبني من المدينة و أنه كل حاجة تكون لك. و تقدم بكسوته و كسوة أهله و أنفذ معهم في جملة النعمان بن بشير رسولا تقدم إليه أن يسير بهم في الليل و يكونوا أمامه حيث لا يفوتون طرفه فإذا نزلوا تنحى عنهم و تفرق هو و أصحابه حولهم كهيئة الحرس لهم و ينزل منهم حيث إذا أراد إنسان من جماعتهم وضوءا أو قضاء حاجة لم يحتشم. فسار معهم في جملة النعمان و لم يزل ينازلهم في الطريق و يرفق بهم كما وصاه يزيد و يرعونهم حتى دخلوا المدينة ..
الإرشاد ج : 2 ص : 122
تم بحمد الله توثيق قصة مقتل الحسين من كتاب الإرشاد للمفيد الذي يعد من أهم علماء الشيعة
_______
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..