الاثنين، 12 أغسطس 2013

تغريدات عن العدل بالقول في سبيل الإصلاح

 كل بلاء يحل بالدول فمصدره إما فساد الداخل وإما تآمر الخارج ، وربما يتحد الاثنان معاً في علاقةٍ
سببيةٍ مطردةٍ منعكسة .

 وكلُ الدولِ التي تصارع من أجل البقاء لا بد أن تعمل بحزم في كلا الجبهتين لتقطع دابر الفساد وتُبْطِلَ كيد الكائدين .

 وكذلك دعوات المصلحين لابد أن تتجه إلى الأمرين معاً ، لأن المتآمر قد يستغل الفساد لإنجاح تآمره ، والفاسد قد يستغل التآمر للصمت عن فساده .

 فالعمل على كلا الجبهتين والحديث عن كلا الأمرين هو ما يقتضيه واجب الإصلاح الحقيقي إذ الاقتصار على جانب وإهمال الآخر عنصُرُ نجاحٍ للجانب المهمل .

 وكذلك لابد من التكامل بين عمل المُصلحين في كلا الجبهتين ، لأن الإسراف في الحديث عن الفساد قد يخدم جانب المؤامرة

  كما أن الإسراف في تضخيم المؤامرة  قد يُعطي مظلة للفساد .

 في بلادنا المملكة العربية السعودية يوجد الفساد الذي أصبح من الظهور بحيث تم الاعتراف به رسمياً عبر إنشاء مؤسسة مستقلة لمكافحته ،

 وتوجد المؤامرة أيضا حيث تتعرض المملكة لعدة مؤامرات منها ما يستهدف وجودها ومنها ما يستهدف عقيدتها ومنها ما يستهدف قِيَمها .

 من المشاكل لدينا الجفاء  الكبير والجفوة المتنامية بين من يتحدثون في بلادنا عن الفساد ومن يتحدثون عن المؤامرة .

  من يتحدثون عن الفساد يتهمون الآخرين بالوقوف مع الفاسدين ومن يتحدثون عن المؤامرة يتهمون الأولين  بترسيخ المؤامرة .

 إذاً هناك شئ مهم أدى غيابه عن الفريقين إلى هذه الجفوة الخطيرة وجعل كلاً منهما يعمل بمعزل عما يقرره الآخر ، هذا الغائب هو العدل في القول.

 العدل جعله الله شرطاً للقول (وإذا قلتم فاعدلوا)فمن عجز عن  القيام بأدوات العدل وجب عليه الصمت لأنه واقعُ في الظلم لا محالة.

 مشكلة العدل في القول أن له أدوات صعبة ، ومع أن الجميع قادر على حملها إلا أن عدم ملاحظة الافتقار إليها يثني الناس عن تطلُّبِها.

 أُولَى أدوات العدل وأعظمها شأناً: العلم، فلا عدل إلا به ومن قال بما لم يحط بعلمه وقع في الزور والبهتان قال تعالى( ولا تقفُ ماليس لك به علم)

 القول بغير علم هو الظن الموقع في الإثم (ياأيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم )

 ومن أدوات العدل في القول الصبر، فإن العجلة لا تُثمر علماً ولا رأياً:

                              و ما الرأي إلا بعد طول تثبت
                                                                   و لا الحزم إلا بعد طول تَلَوُّمِ

 الصبر يحجزك عن إصدار الأحكام قبل استكمال العلم وقصة موسى والخضر عليهما السلام درس عظيم في ذلك .

 من فوائد قصة موسى والخضر عليهما السلام :أن الظاهر السيئ للأمور لا ينبئ حتماً عن حقيقتها وأن الإحاطة خُبراً شرط للحكم على الأشياء

 من أدوات العدل في القول قراءة مواقف الآخرين  من منطلق إحسان الظن بذواتهم وبواعثهم وبذل الجهد لمعرفة زاويتهم التي نظروا للأمر من خلالها.


 سوء الظن لا يصلح أن يكون أساساً لبناء الأحكام إلا مع من أخبر الله بسوء طواياهم كأهل الكتاب والمنافقين ومن جُرِّب عليهم الغدر والمكر بالمسلمين

 حينما تعجز عن التعرف إلى الزاوية التي نظر منها مخالفك فتقييمك لرؤيته سيكون ظالماً حتماً لذا عليك أن تدعه وتنصرف .

 حينما تنجح في معرفة الزاوية التي نظر منها مخالفك فربما لا تتفق معه لكنك حتما ستقدر موقفه   مادامت منطلقاتكما واحدة .

 من أدوات العدل في القول التفريق بين اختلاف  المنطلقات واختلاف وجهات النظر فمن الظلم أن أجعل الخلاف في الرؤية كالخلاف في المنطلق أو العكس

 المنطلق هو المنظومة الفكرية التي ينتمي إليها الفرد فالخلاف المبني على اختلافها لا يمكن حسمه ولا الإعذار فيه لكن يمكن تجاوزه اعتباراً للمصلحة

  أما الآراء التي لا يفسد اختلافها ودا _وجهات النظر_ فهي الناشئة من منطلق واحد وإنما اختلفت لاعتبارات أخر كقوة الدليل ووضوح الرؤية.

 ومن أدوات العدل في القول التفريق بين المختلفات والجمع بين المتشابهات ، وإلى القصور في هذا الجانب يرجع زلل الكثيرين وإضطراب مواقفهم.

 وكثيراً ما تغيب الفروق  الدقيقة عن آحاد الناس فيرمون غيرهم بعدم الموضوعية مع أن فارقاً يسيراً بين أمرين قد يُحدث تبايناً في الموقف منهما.

 ومن أدوات العدل في القول التجرد للحق وهو أصعبها ، لأن الهوى قلَّ من يسلم منه وما من أحد إلا ويقع في خلده أن الحق فيما تميل إليه نفسه .

 (تلاث مهلكات هوى متبع وشح مطاع وإعجاب المرء بنفسه وثلاث منجيات خشية الله في السرو العلانية والعدل في الغضب والرضا والقصد في الغنى والفقر)

 من كان عاجزاً عن استيفاء أدوات العدل في القول فهو فاقد للشرط الذي جعله الله للقول (وإذا قلتم فاعدلو ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا )

 من تحدث عن الفساد أو عن المؤامرة ولم يستوف أدوات العدل فهو من حيث لا يشعر ضالع في الفساد شريك في المؤامرة .



وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

بقلم: د. محمد السعيدي


_______
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..