كتب
أحد الأدباء القدماء: كلما سلكت بخيلي الطريق ــــ مبطئا ــــ أرى الآخرين
يسبقونني بخيولهم،
فساء ظني بالخيل كثيرا، وبدأت أبغضه.. حتى بعته.
واشتريت بثمنه خيلا جموحا، أسود عظيم الجمال.. إلا أنني حين أسير به في
الطريق أجد الآخرين أيضا يسبقونني.. حينذاك.. أدركت أن العيب في الخيال..
وليس في الخيل..!
ليس
بي رغبة في سوء الظن بأحد، ولا أجد في نفسي ميلا للتشاؤم، وإصدار أحكام
مسبقة على مشروع لا يزال في لفائف الورق والعقود. ربما رغبت أكثر في الميل
إلى عدم السلبية وحسن الظن أكثر.
ربما
لأن الجميع الآن يُدرك أن الجدران باتت من زجاج شفاف، وأنها لم تعد تخبئ
شيئا وأن الناقد بصير وحاذق ولا يغيب. وأن عقل الناظر يسكنه الوعي
بالتفاصيل، ويسكنه الفهم الصحيح الذي لا يستغفله حنجلة الخطب، ولا أهازيج
الشعر النبطي في تعظيم الحقير من الأعمال، ورفع الوضيع من المنجزات.
ــــ
بعيدا عن كيمياء الرقم المعقد جدا، والذي لا أملك القدرة على الفتوى فيه،
والذي له أهله المختصون بمكوناته.. وأسبابه. وذاك متروك حكمه لهم.
يحمل
السعوديون أملا كبيرا في أن يمثل هذا المشروع نموذجا لما يمكن أن ننجح
فيه، متى ما حضر الإيمان بذواتنا، وكنا صادقين في بناء حياة أفضل لحاضرنا
ومستقبلنا.
يحمل
السعوديون أملا كبيرا في أن تتقدم المصلحة العامة، على المصالح الذاتية
الخاصة، وأن يتقدم محبة الناس على محبة الذات، وأن تتقدم مخافة الله في هذا
المشروع الهائل على حب الدنيا، والعض عليها بترك الإخلاص والأمانة والصدق
فيه.
يحمل
السعوديون أملا كبيرا في تكرار تجارب قدر الله لها نجاحا حين بعث إليها
رجالا صدقوا مع الله، ومع ملكهم ما عاهدوه عليه، من النزاهة والشرف
والكفاءة.
يحمل
السعوديون أملا كبيرا.. أن ينسج التاريخ تجربة جديدة بنسق مختلف عن قطار
مكة وأخواته، ألا يتاح في هذه المرة للخطأ أن يقع، وألا يتاح للفساد فرصة
أن يتمدد، وألا يمكن الشيطان من خلال غياب المعرفة بالقيمة الحقيقية لكل
جزء منه، فنسقط في خديعة لا تليق إلا بالساذج الغر، والعي المسترسل بما لا
يقبل منه العذر إن اعتذر بالجهالة وضعف المعرفة.
من
يعمل بغير معرفة اختصاصية، ورقابة صارمة، ويقظة في تطبيق التفاصيل التي هي
في الآخر المشروع كله حين تكتمل، وتنتظم مع بعضها. ومن يعمل دون قسوة على
الذات في معايير الجودة. سيكون ما يفسده أكثر مما يصلحه.
وسنقدم
للعالم فضيحة كبيرة بقيمة هذه المليارات، وسوف لن يكون لنا عزاء من أحد
حتى من أنفسنا، وسيفضحنا فشلنا هذه المرة أننا أمة ، تفشل في كل مرة تقرر
فيه النجاح وتبذل في سبيله ثمنه، وتضيع بعد ذلك كل الطرق الصحيحة المؤدية
إليه.
هذا
قدر عظيم.. يكتب كل يوم إلى أهل الرياض، وهذا رجاء عظيم للناس الذين تنتزع
شوارعها المزدحمة كل يوم جزءا لا يستعاض من أعمارهم وأعصابهم وتعبهم
وتوترهم.
في
قلوب الناس وعقولهم رجاء عظيم.. ربما لأن في الرياض الآن قيادة جديدة
ومستنيرة وواعية أو هي هكذا يجب أن تكون، وأنها الآن وبهذا المشروع ستحمل
تاريخا، ومرحلة عظيمة كبناء السد العالي في مصر، كبناء جسور أصفهان
المعلقة، كبناء جسر الرصافة في عاصمة الرشيد. كبناء كل ركيزة من ركائز
العمران التاريخية التي تغير حياة الناس حولها، والتي يصنعها جيل عظيم ثم
يمضي عنها وهي خير ذخيرة، وخير بقية للأجيال التي تأتي بعده وترث طرقه
ومبانيه وتخطيطه وفكره في العمران ورفاهيته.
المغرب
من زمن قديم، أقام شبكة للقطارات، قال المغاربة حين ذاك.. اعملوا ما
يورثكم الرحمة في قبوركم من أبنائكم القادمين.. وهكذا تمت لهم الرحمة.. في
أقوى وأفضل وأنظف.. وأسرع شبكة قطارات في العالم العربي، وفي دقتها..
وصيانتها.. وثوانيها التي لا يخلفها موعدا.
قصة
السد العالي في مصر.. كانت قصة كبيرة بحق بكل تحدياتها، وظروفها،
وقرارها.. إلا أن المصريين اعتبروه قصة كرامة وطنية. إما أن نكون أو لا
نكون.. وقد كان وتم ورفعت مصر رأسها أمام العالم الكبير بكلمة نحن -
المصريين - بناة الأهرامات، وبناة السد العالي.
في
الجزائر.. أبو مدين رفع شعار الجزائر تتقدم الصحراء تتراجع في وقف التصحر،
وزحف الرمال، وتهديد العمران وحركة التنمية.. وتقدمت الجزائر فعلا.. ولم
يكن أمام الصحراء الجزائرية الكبرى إلا أن تقف حيث قرر لها الجزائريون
العظماء أن تقف، وانتصرت الجزائر برجالها الكبار دائما.
اليوم
الرياض تواجه قدرا يرقبه التاريخ، ويحبس السعوديون أنفاسهم لترقب نتائجه،
وعصارة ملياراته الهائلة فهل نقدم للعالم.. الكرامة الوطنية فيما أنتجته
عقولنا وضمائرنا ونزاهتنا وعرق المخلصين الصادقين منا.
لقد بذلت الدولة ما يجب عليها بذله، وبقي أن نبذل نحن العفة والنزاهة والصدق في مشروع بات يمثل كرامة وطنية للجميع في نجاحه وفشله.
د. محمد بن سعود المسعود
_______
مواضيع مشابهة أو ذات علاقة بالموضوع :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أهلا بك ،
أشكر لك إطلاعك على الموضوع و أن رغبت في التعليق ،
فأرجو أن تضع إسمك ولو حتى إسما مستعارا للرد عليه عند تعدد التعليقات
كما أرجو أن نراعي أخلاقيات المسلم;حتى لانضطر لحذف التعليق
تقبل أطيب تحية
ملاحظة: يمنع منعا باتا وضع أية : روابط - إعلانات -أرقام هواتف
وسيتم الحذف فورا ..